العلاقة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية في مجال إدارة العلاقات الخارجية
Plan du site au format XML


Archive: revues des lettres et sciences sociales


N°01 Avril 2004


N°02 Mai 2005


N°03 Novembre 2005


N°04 Juin 2006


N°05 Juin 2007


N°06 Janvier 2008


N°07 Juin 2008


N°08 Mai 2009


N°09 Octobre 2009


N°10 Décembre 2009


N°11 Juin 2010


N°12 Juillet 2010


N°13 Janvier 2011


N°14 Juin 2011


N°15 Juillet 2012


N°16 Décembre 2012


N°17 Septembre 2013


Revue des Lettres et Sciences Sociales


N°18 Juin 2014


N°19 Décembre 2014


N°20 Juin 2015


N°21 Décembre 2015


N°22 Juin 2016


N° 23 Décembre 2016


N° 24 Juin 2017


N° 25 Décembre 2017


N°26 Vol 15- 2018


N°27 Vol 15- 2018


N°28 Vol 15- 2018


N°01 Vol 16- 2019


N°02 Vol 16- 2019


N°03 Vol 16- 2019


N°04 Vol 16- 2019


N°01 VOL 17-2020


N:02 vol 17-2020


N:03 vol 17-2020


N°01 vol 18-2021


N°02 vol 18-2021


N°01 vol 19-2022


N°02 vol 19-2022


N°01 vol 20-2023


N°02 vol 20-2023


A propos

avancée

Archive PDF

N°19 Décembre 2014

العلاقة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية في مجال إدارة العلاقات الخارجية


pp : 09 - 24

الخير قشي
  • resume:Ar
  • resume
  • Abstract
  • Auteurs
  • TEXTE INTEGRAL
  • Bibliographie

منح الدستور الجزائري الصادر سنة 1989،المعدل سنوات 1996، 2002و 2008،  للسلطة التشريعية دورا محدودا جدا في مجال إدارة العلاقات الخارجية للدولة. فقد أوكل الدستور هذه المهمة إلى السلطة التنفيذية مجسدة في رئيس الجمهورية. وسنحاول في هذه الدراسة: أولا، توضيح هذا الدور من خلال تسليط الضوء على مدى سلطة الجهاز التشريعي في نصح رئيس الجمهورية حول السياسة الخارجية وممارسة نوعا من الرقابة عليه عند إبرامه للمعاهدات الدولية أو إبطالها استنادا إلى عدم دستوريتها، وثانيا تقويم ذلك الدور ثم تقديم بعض الاقتراحات المتواضعة.

ونود الإشارة إلى أننا نحاول إجراء مقارنة بين مختلف النصوص المتعلقة بالموضوع التي تضمنتها الدساتير الجزائرية المتعاقبة رغم أن الحديث عن «العلاقة بين السلطات» غير دقيق قبل دستور 1989بسبب اعتماد الدستور الذي سبقه مفهوم العلاقة بين «الوظائف»1فالغرض من المقارنة إذن هو محاولة الإلمام بالموضوعبصورة أفضل.

الكلمات المفتاحية:

السلطة التنفيذية، السلطة التشريعية، العلاقة بينهما، إدارة العلاقات الخارجية، السياسة العامة للأمة، إبرام المعاهدات الدولية، التصديق على المعاهدات، دستورية المعاهدات

La Constitution algérienne de 1989, comme elle a été modifiée en  1996,2002 et 2008, a octroyé au pouvoir législatif un rôle très limité dans la direction des relations externes de l'Etat.  Elle a confié cette tâche au pouvoir exécutif, concrétisé en la personne du président. Nous allons essayer dans cet article:, de clarifier d'abord ce rôle, en mettant en évidence l'ampleur du pouvoir du parlement de conseiller le président sur la politique étrangère et l’ exercice d'une sorte de contrôle en la matière  de la conclusion de traités internationaux ou sa révocation sur la base d’inconstitutionnalité ; et d'autre part évaluer ce rôle, pour présenter quelques suggestions modestes. Nous tenons à souligner que nous essayerons de faire une comparaison entre les différents textes pertinents inclus dans les constitutions successives algériennes, Bien que parler de «relation entre les pouvoirs» est inexacte avant la Constitution de 1989, qui a été précédée par le concept de la relation entre les «fonctions». Le but de la comparaison est donc une tentative d’offrir une meilleure connaissance du sujet.

Mots clés : pouvoir exécutif , pouvoir législatif , direction des relations extérieures , politique extérieure de la nation , conclusion des traités internationaux , ratification des traités, inconstitutionnalité des traités. 

The Algerian Constitution of 1989, as amended in 1996.2002 and 2008, granted the Parliament very limited role in the direction of external relations of the State. The Constitution has entrusted this task to the executive power as reflected in the President. I will try in this study: first, to clarify this role by highlighting the extent of the parliament power to advise the President on foreign policy,  to exercise of some sort of control over the conclusion of international treaties, and to ask for its revocation on the basis of being unconstitutional. Secondly, to evaluate that role, and then offer some modest suggestions. I would like to note that I will try to make a comparison between the various relevant texts included in the Algerian successive constitutions concerning the relationship between the two powers although talk about “powers» is inaccurate before the adoption of 1989 Constitution due to the fact that the 1976 Constitution, uses the term “functions” instead of powers. The comparison may, thus, clarify better this subject

 Keywords: executive power, legislative power, parliament, direction of external relations, foreign policy of the nation, conclusion of treaties, ratification of treaties, unconstitutionality of treaties.

Quelques mots à propos de :  الخير قشي

أستاذ التعليم العالي بقسم الحقوق كلية الحقوق والعلوم السياسية جامعة محمد لمين دباغين سطيف2.

أولا: استئثار السلطة التنفيذية بإدارة العلاقات الخارجية

كرست التعديلات الدستورية المتعاقبة لدستور 1989المبدأ الذي أقرته الدساتير السابقة عليه والمتمثل في انفراد السلطة التنفيذية بإدارة العلاقات الخارجية للدولة. إلا أن هذا لا يعني مشاركة الحكومة في وضع السياسة الخارجية بل إن رئيس الجمهورية انفرد بهذه المهمة.

أ- انفراد رئيس الجمهورية بوضع السياسة العامة الخارجية وتنفيذها

اتفقت الدساتير الجزائرية على تكريس هذا المبدأ. فقد نصت المادة 46من دستور 1963على أن رئيس الجمهورية «يقوم بتسيير وتنسيق السياسة الداخلية والخارجية للبلاد طبقا لإرادة الشعب التي يجسمها الحزب، ويعبر عنها المجلس الوطني». ويعتبر هذا نتيجة منطقية للمبدأ الذي قررته المادة 39من الدستور ذاته بنصها على أن «تودع السلطة التنفيذية إلى رئيس الدولة الذي يحمل لقب رئيس الجمهورية». كما نصت الفقرة الأولى من المادة 111من دستور 1976على أن رئيس الجمهورية «يمثل الدولة داخل البلاد وخارجها». ويؤدي هذه الوظيفة باعتباره رئيسا للدولة وقائدا للوظيفة التنفيذية طبقا للمادة 104. ولم يتمتع رئيس الجمهورية بسلطة وضع السياسة العامة «للأمة في المجالين الداخلي والخارجي» فحسب بل تمتع كذلك بسلطة «قيادتها وتنفيذها».

ولا غرابة في إسناد هذه المهمة إلى رئيس الجمهورية في ظل نظام رئاسي مركز – إلى درجة وصفه من بعض المعلقين «بالدكتاتورية الدستورية»– 2خوله جميع الصلاحيات اللازمة لوضع وإدارة وتنفيذ السياسة العامة للدولة داخليا وخارجيا في إطار فلسفة الحزب الواحد. فالحكومة كانت مجرد أداة في يد رئيس الجمهورية لتنفيذ سياسته. فهو الذي «يعين أعضاء الحكومة ومن بينهم وزير أول يساعده في تنسيق النشاط الحكومي وفي تطبيق القرارات المتخذة في مجلس الوزراء»، بحيث يمارس الوزير الأول اختصاصاته «في نطاق الصلاحيات التي يفوضها إليه رئيس الجمهورية».3ولكن الغرابة تكمن في الاحتفاظ بالمبدأ ذاته في دستور (1989) الذي تبنى العديد من خصائص النظام البرلماني واعتمد فلسفة التعددية الحزبية. فلم تعد الحكومة -دستوريا-مجرد آلة لتنفيذ سياسة رئيس الجمهورية، بل إن أعضاءها يختارون من قبل رئيس الحكومة،4الذي أصبح مكلفا بوضع برنامج حكومته وتنفيذه بعد أن يصادق عليه المجلس الشعبي الوطني،5ويمكن أن تسأل الحكومة سياسيا عن عملها نتيجة إيداع المجلس الشعبي الوطني لملتمس رقابة، أو بسبب عدم موافقة المجلس على لائحة الثقة التي قدمها له رئيس الحكومة. 6وبمعنى أخر فان روح النصوص الدستورية توحيبأن رئيس الحكومة يضع برنامج حزبه الحائز على الأغلبية البرلمانية وليس حزب رئيس الجمهورية، وانه يمكن أن يحدث تعايشا في حالة فوز حزب آخر بالأغلبية غير حزب الرئيس. ولا شك في أن تنفيذ الحكومة لسياستها في مثل هذه الحالة تتطلب أن تتمتع بقدر من الصلاحيات في المجال الخارجي لا أن تحصر تلك الصلاحيات في يد رئيس الجمهورية. إلا أن الدستور المعدل سنة 1996ثبت المبدأ السابق بنصه على أن رئيس الجمهورية «يجسد الدولة داخل البلاد وخارجها»،7و«يقرر السياسة الخارجية للأمة ويوجهها».8

إلا أن التعديل الدستوري لسنة 2008أعاد تنظيم السلطة التنفيذية مرة أخرى من خلال تكريس وحدة هذه السلطة في ظل نظام رئاسي مركز ومحو فكرة توزيعها بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة أو ما يعرف بازدواجية أو ثنائية السلطة التنفيذية. فقد أوضح التعديل الجديد العلاقة بين رئيس الجمهورية والحكومة التي أصبح يرأسها وزير أول تقتصر مهمته على تنفيذ برنامج الرئيس وتنسيق العمل الحكومي تحقيقا لهذا الهدف. وخول التعديل الدستوري سلطة كاملة للرئيس في اختيار الوزير الأول وإنهاء مهامه بغض النظر عن الحزب الفائز بالأغلبية البرلمانية، بدلا عن فكرة رئيس حكومة يتمتع بسلطات أوسع يختار من الحزب الفائز في الانتخابات التشريعية.  ويظهر جليا إذن أن جوهر التعديل الدستوري الجديد لا ينحصر أثره في مجرد تغيير في الاسم من "رئيس الحكومة" إلى "الوزير الأول" بل هو تكريس لممارسة دستورية استقرت تتمثل في تمتع رئيس الجمهورية -عمليا- بسلطة تقديرية كاملة في اخيار من يراه أقدر على تنفيذ برنامجه الذي التزم به أمام الشعب عند انتخابه وحظي بموافقته وتفويض "الوزير الأول" المختار سلطة تحديد الأدوات والوسائل الملائمة لتنفيذ ذلك البرنامج سواء في خطوطه العريضة أو جزئياته.9وبذلك تكون مسؤولية الوزير الأول مزدوجة سياسيا أمام رئيس الجمهورية عن الالتزام بتنفيذ برنامجه وأمام البرلمان عن "مخطط العمل" الذي أعده تنفيذا لبرنامج الرئيس وقدمه للبرلمان بمجلسيه من اجل الموافقة عليه. 

ب- التركيز المطلق للسياسة الخارجية بيد رئيس الجمهورية.

اجمعت الدساتير الجزائرية على منح رئيس الجمهورية السلطات التي تكفل له وضع السياسة الخارجية للدولة وتوجيهها وتنفيذها. ومن هذه السلطات تلك المتعلقة بانفراده بتعيين سفراء الجمهوريـة والمبعوثين فوق العادة إلى الخارج وإنهاء مهامهـم، وبتسلم أوراق اعتماد الممثلين الدبلوماسيين الأجانـب وأوراق إنهاء مهامهم10. كما أنه يعين وزير الخارجية بصفة مباشرة وليس بناء على اقتراح من رئيس الحكومة كما هو الشأن بالنسبة لأعضاء الحكومة الآخرين.11وهو الذي يتولى إبرام المعـاهدات الدولية ويصادق عليها كما سيأتي بيانه.

إلا أن دستور 1989بتعديلاته المتعاقبة تميز عن الدساتير السابقة من حيث تكريسه لسلطة رئيس الجمهورية في المجال الخارجي إلى حد بعيد. فبمقتضى الفقرة الثانية من المادة 87من الدستور الحالي فانه لا يجوز لرئيس الجمهورية أن يفوض سلطته في إبرام المعاهدات الدولية والمصادقة عليها، ولو إلى وزير الخارجية المعين من طرفه.12وإذاسلمنا بجواز انفرادرئيس الجمهورية بسلطة التصديق على المعاهدات، نظرا للفرصة الإضافية التي تتيحها هذه السلطة للتروي والتدبر قبل إلزام الدولة دوليا بالتزامات قد تكون هامة إضافة لإمكانية مراقبة مدى احترام الأشخاص المفوضين بإبرام المعاهدات للسلطات التي خولت لهم، فإن انفراد الرئيس بسلطة إبرام المعاهدات غير مبرر عمليا ونظريا:  فمن الناحية العملية يستحيل على رئيس الجمهورية أن يضطلع بنفسه بإبرام عشرات الاتفاقيات الدولية سنويا، ناهيك عن تعارض هذا النص مع الأعراف الدولية التي جرت على قيام وزارة الخارجية أساسا، بالاشتراك مع بقية الوزارات، بإبرام الاتفاقيات الدولية. كما أنه يتعارض مع حقيقة وجود الاتفاقيات التنفيذية أو ذات الشكل المبسط 13التي عادة ما تبرمها الحكومة ولا تحتاج لدخولها حيز النفاذ الى تصديق بل يكفي توقيعها من شخص مؤهل لإلزام دولته سواء بناء على تفويض او بحكم وظيفته، كوزير الخارجية ورئيس الحكومة بالنسبة لجميع المعاهدات أو السفير وممثل الدولة لدى منظمة دولية أو مؤتمر دولي بالنسبة لأنواع محددة من المعاهدات، وهو بذلك يتعارض نظريا مع اتفاقية فينا لقانون المعاهدات.14

ويبدو أن واضعي دستور 1989في صيغته الأصلية –كما سبق بيانه-  قد قصدوا مواجهة فرضية حدوث تعايش في الحكم بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة في حالة انتماء هذا الأخير لحزب آخر مغاير. حيث يمكن في هذه الحالة لرئيس الجمهورية أن يغل يد الحكومة نهائيا ويحول دون إبرامها لأي اتفاق من الاتفاقيات الدولية الضرورية لتنفيذ برنامجها الاقتصادي والتجاري على الخصوص. وفي غياب هذه الفرضية يصعب تفسير تراجع الدستور الحالي حول هذه النقطة مقارنة بدستور 1976الذي كرس نظام الحزب الواحد. فرغم أن دستور 1976نص على أنه لا يجوز لرئيس الجمهورية أن يفوض، بأي حال من الأحوال، بعض السلطات التي حددتها المادة 116الا أن ذلك لم يشمل تفويض سلطته في إبرام المعاهدات بمقتضى المادة 111(17).15

ثانيا: نطاق سلطة الجهاز التشريعي

حصر الدستور الساري المفعول سلطة الجهاز التشريعي في مجال العلاقات الخارجية في إطار ضيق لا يتجاوز إمكانية ممارسة الصلاحيات التالية:

أ- إصدار لائحة حول السياسة الخارجية

 أتاحت المادة 130من الدستور الحالي للبرلمان أن يفتح «مناقشة حول السياسة الخارجية» بناء على مبادرة ذاتية منه، أي بناء على طلب رئيس إحدى الغرفتين، أو بناء على طلب من رئيس الجمهورية. إلا أن الدستور لم يرتب أثرا قانونيا حاسما على هذه المناقشة. فأقصى ما يمكن أن تتوج به هو إصدار لائحة تبلغ إلى رئيس الجمهورية. ولا شك في أن هذه اللائحة تفتقد إلى القوة القانونية الإلزامية، رغم ما قد تتمتع به -عمليا – من قيمة معنوية باعتبارها صادرة عن ممثلي الشعب.

وتجدر الإشارة إلى أن ممارسة هذه السلطة قد لا تكون عادية. فاللائحة لا تصدر إلا «عند الاقتضاء» وبشرط الموافقة عليها من البرلمان «المنعقد بغرفتيه المجتمعتين معا».ويعني هذا انه لم يعد في مكنة المجلس الشعبي الوطني إصدار هذه اللائحة منفردا بل لابد من موافقة الغرفة الثانية أولا على الفكرة وثانيا على نتيجة المناقشة. ويمكن إجهاض المحاولة من خلال التأثير على ثلث أعضاء مجلس الأمة المعينين من قبل رئيس الجمهورية، إضافة للأعضاء الآخرين في الغرفتين الذين ينتمون لحزب الرئيس (في حالة ترشحه بهذه الصفة). ويمكن القول انه حدث تراجع في نطاق هذه السلطة المحدودة للجهاز التشريعي.

ب-المساهمة في إبرام المعاهدات الدولية

منحت الدساتير الجزائرية المتعاقبة للجهاز التشريعي دورا اختلف مداه من دستور لآخر في مجال مراقبة السلطة التنفيذية في كيفية استخدامها لأكثر الوسائل فاعلية لتنمية التعاون السلمي بين الدول مهما كانت أنظمتها الدستورية والاجتماعية، أي المعاهدات.16 فقد نص دستور 1963على أن رئيس الجمهورية يقوم بالتوقيع والمصادقة على المعاهدات والاتفاقيات، والاتفاقات الدولية بعد استشارة المـجلس الوطني، ويعمل على تنفيذها.17كما نصت المادة 44منه على أن الرئيس يقوم بإعلان الحرب وإبرام السلم بموافقة المجلس الوطني.

أما دستور 1976فقد نص في الفقرة 17من المادة 111على أن رئيس الجمهورية «يبرم المعاهدات الدولية ويصادق عليها وفقا لأحكام الدستور». وحدت المادة 158من هذا الدستور نطاق المعاهدات الخاضعة لرقابة الجهاز التشريعي بنصها على أن مصادقة رئيس الجمهورية على المعاهدات السياسية والمعاهدات التي تعدل محتوى القانون لا يمكن أن تتم إلا بعد موافقة الشعبيالوطني عليها صراحة.

وأكد دستور 1989والتعديلات التي طرأت عليه على سلطة رئيس الجمهورية في إبرام المعاهدات الدولية والتصديق عليها 18، إلا انه أدخل تعديلا في مجال المعاهدات الخاضعة لرقابة الجهاز التشريعي. فقد نصت المادة 131على أن «يصادق رئيس الجمهورية على اتفاقيات الهدنة ومعاهدات السلم والتحالف والاتحاد والمعاهدات المتعلقة بحدود الدولة والمعاهدات المتعلقة بقانون الأشخاص والمعاهدات التي يترتب عليها نفقات غير واردة في ميزانية الدولة، بعد أن يوافق عليها المجلس الشعبي الوطني صراحة».

ويتضح من النصوص السابقة إتباع جميع الدساتير الجزائرية للأسلوب المعرف بالأسلوب البلجيكي-الفرنسي القائم على منح الجهاز التشريعي اختصاصا في مجال إبرام المعاهدات الدولية قبل التصديق عليها من طرف رئيس الدولة، وإن اختلف مدى هذا الاختصاص من دستور لآخر.

ولا شك في أن سلطة الجهاز التشريعي في مراقبة الجهاز التنفيذي في إبرام المعاهدات الدولية تعتبر أكثر أهمية مقارنة بسلطة فتح مناقشة حول السياسة الخارجية أو إصدار لائحة بشأنها إلا أن هذه الأهمية تتوقف على مدى شموليتها وفعاليتها.

1-محدودية المساهمة

يلاحظ أن دستور 1976والدستور الحالي حصرا نطاق تدخل المجلس الشعبي الوطني في مجال إبرام المعاهدات في إطار ضيق جدا بحيث لا يشمل كل ما تبرمه السلطة التنفيذية وإنما فرض الموافقة المسبقة للبرلمان بصد عدد محدد على سبيل الحصر من المعاهدات، حتى ولو شكل بعضها فئة تضم مجموعة من المعاهدات كما سيأتي بيانه. إلا أن هذا لا يعني أن هذين الدستورين قد تراجعا، واقعيا، مقارنة بدستور 1963الذي نص في مادته 42على أن رئيس الجمهورية يصادق على المعاهدات، الاتفاقيات والاتفاقات الدولية بعد استشارة الجهاز التشريعي. فقد انتقد هذا النص لقصوره سواء من حيث روحه أم من حيث صياغته. فالتعداد غير المبرر الوارد في هذه المادة للمعاهدات والاتفاقيات والاتفاقات قصد به شمول كل ما تبرمه السلطة التنفيذية من اتفاقيات، سواء أكانت ثنائية أم متعددة الأطراف، وسواء أكانت معاهدات بالمعنى الفني أم اتفاقيات تنفيذية لا تحتاج إلى تصديق. ويؤدي هذا التفسير إلى نتيجة مفادها أن هذا النص منح الجهاز التشريعي الكثير والقليل في نفس الوقت.19

حيث يوحي هذا النص، ظاهريا، أن الجهاز التشريعي يتمتع باختصاصات تفوق تلك التي يتمتع بها مجلس الشيوخ الأمريكي، لأن الرئيس الأمريكي يمكنه إبرام بعض المعاهدات دون الرجوع إلى مجلس الشيوخ نظرا لدخولها في اختصاصه الدستوري، ناهيك عن التطور الذي حصل لصالح الاتفاقيات ذات الشكل المبسط التي تبرمها الحكومة بصفة منفردة.20أما نص المادة 42فيشترط عرض جميع الاتفاقيات الدولية، مهما كان نوعها، على المجلس الوطني.

ومن جهة أخرى فإن صياغة النص توحي بأن سلطة المجلس لا تتعدى الاستشارة، وبالتالي فإن سلطة إبرام المعاهدات انفردت بها تقريبا السلطة التنفيذية.

وعليه فإن دستور 1963لم يقم تصنيفا للمعاهدات بحسب أهميتها، بل فرض على الجهاز التنفيذي إحالة جميع المعاهدات ذات الأهمية القصوى والثانوية على البرلمان. ولا شك في أن ذلك يؤدي -عمليا – إلى إثقال غير مبرر لكاهل البرلمان مع إمكانية عرقلة الحكومة عن أداء مهامها، خاصة أنه لا ينعقد بصفة مستمرة. ثم ما المقصود بكلمة «استشارة» المجلس الوطني؟ إنها تعني، من جهة، «"إخطار» البرلمان بجميع الاتفاقيات الدولية والحصول على «رأيه» قبل الالتزام بها نهائيا. ولكن ما هو الأثر القانوني المترتب على رأي المجلس، وما هو الجزاء الذي قد يترتب عن إهمال الأخذ بمضمونه؟ لم يتضمن الدستور إجابة لذلك، وبالتالي فلا مفر من اللجوء إلى تفسير النص. ويؤدي التفسير اللفظي الضيق له إلى نتيجة مفادها أن الجهاز التنفيذي ملزم بإخطار الجهاز التشريعي والحصول منه على رأي عادي غير ملزم. فالنص لا يشترط الحصول على «موافقة» البرلمان أو «اعتماده» لنصوص الاتفاقية المعروضة عليه، سواء بطريقة ضمنية بعدم إصداره لرأي سلبي في الموضوع أم بإصدار موافقة صريحة.21وإذا كان هذا التفسير لا يثير أي مشكل فيما يتعلق بالاتفاقيات محدودة الأهمية فإن الوضع قد يختلف بالنسبة للمـعاهدات ذات الأهمية القصوى والتي يمكن أن تفرض على الدولة أعباء ثقيلة.22والاستثناء الوحيد على ذلك يتعلق بمعاهدات السلم التي لا يمكن لرئيس الجمهورية أن يصادق عليها إلا إذا تحصل على موافقة سابقة بذلك من البرلمان (مادة 44من الدستور).

2-مدى فاعلية رقابة الجهاز التشريعي

يتوقف تحديد فعالية الاختصاص الدستوري الممنوح للجهاز التشريعي على تحديد مفهومه ومضمونه والجزاء المترتب على تجاوزه من طرف رئيس الجمهورية.

أ-مفهوم المساهمة

قد يفهم من النصوص الدستورية المختلفة السابقة أن الدساتير الجزائرية منحت للجهاز التشريعي حق مشاركة رئيس الجمهورية في سلطة التصديق على بعض المعاهدات الدولية. والحقيقة أن سلطة التصديق على المعاهدات في الدساتير الثلاثة تدخل في نطاق الاختصاص الحصري لرئيس الجمهورية. ولا يعني اشتراط الحصول على موافقة سابقة من البرلمان قبل التصديق على بعض المعاهدات أن الجهاز التشريعي يشارك رئيس الجمهورية في سلطة التصديق. فسلطة البرلمان لا تتعدى منح إذن لرئيس الجمهورية لممارسة اختصاصه الدستوري.23بل أن رئيس الجمهورية غير ملزم بإعطاء أثر للموافقة البرلمانية، وإنما يحتفظ بسلطته التقديرية كاملة. ويمكنه بالتالي رفض التصديق على معاهدة حازت على موافقة البرلمان. ولكن لا يمكن لرئيس الجمهورية التصديق عليها دون الحصول على إذن سابق من البرلمان متى اشترط الدستور ذلك.

ب-فعالية الاختصاص من حيث مضمونه

 أما فيما يتعلق بمدى فعالية مضمون الاختصاص الدستوري الممنوح للجهاز التشريعي فقد سبقت الإشارة إلى أن دستور 1963منح المجلس الوطني اختصاصا استشاريا يتجسد في إصدار المجلس لرأي غير إلزامي مسبق قبل التصديق على المعاهدة من طرف رئيس الجمهورية. وعلى خلاف دستور 1963فان دستوري 1976و1989منحا البرلمان اختصاصا حقيقيا ووسعا في نطاق مشاركته في إبرام أنواع معينة من المعاهدات. ويتجسد هذا الاختصاص في إصداره لقانون يوافق بمقتضاه على قيام رئيس الجمهورية لاحقا بالتصديق على المعاهدة. واختلف نطاق هذه المشاركة في كل منهما.

فقد اشترط دستور 1976التدخل المسبق للبرلمان بصدد نوعين فقط من المعاهدات وهما:المعاهدة السياسيةوتلك التي تعدل محتوى القانون (م.158). وبذلك تحرر الجهاز التنفيذي كلية في إدارة وتوجيه العلاقات الدولية خارج هذين النوعين من المعاهدات. ولكن تبقى ضرورة تحديد المقصود باصطلاح «المعاهدات السياسية»، الذي يكتنفه نوع من الغموض. ألا يمكن القول أنكل معاهدة تعتبر سياسية بطبيعتها؟24لا شك أن التصرفات التي تتم بين دول تتمتع بالسيادة قابلة بطبيعتها لأن تتم في سياق سياسي.25إلا أن ذلك لا يحجب حقيقة أن هنالك بعض المعاهدات التي يغلب عليها الطابع السياسي، أو أنها سياسية بطبيعتها نظرا لتعلقها بأمن الدولة واتحاداتها السياسية وتحالفاتها في المجال الدفاعي العسكري وما يمكن أن تؤدي إليه من تعديلات على إقليم الدولة أو حدودها.26وبذلك فإن هذا الاصطلاح واسع بحيث يمكن أن يشمل أنواعا من المعاهدات أوسع بكثير من المعاهدات السياسية التي حاول دستور 1989تعدادها، ومن ذلك: معاهدات التنازل عن أجزاء من الإقليم، الضم، التبادل، المساعدة المتبادلة، عدم الاعتداء، الحياد، الحماية، إيجار أجزاء من الإقليم أو إعارتها إضافة إلى معاهدات الهدنة، السلم، التحالف، الاتحاد والحدود التي ذكرها دستور 1989.

والمشكلة الثانية التي لم يفصل فيها دستور 1976هي عدم تحديد الجهاز المخول بسلطة تكييف المعاهدات وتحديد طبيعتها، أي ما إذا كانت ذات طبيعة سياسية أم لا.  ويبدو أن الجهاز التنفيذي هو الذي يملك الصلاحية، نظرا لأنه هو المختص دستوريا بتقرير السياسة الخارجية للدولة وتوجيهها وإبرام المعاهدات.27ونظرا لغياب الجهاز الدستوري الذي يمكنه الفصل في مدى دستورية المعاهدات لم يبق أمام الجهاز التشريعي سوى مناقشة الأمر وإصدار توصية في الموضوع يوجهها إلى رئيس الجمهورية طبقا للمادة 157يخطره فيها بعدم دستورية المعاهدة نظرا لعدم عرضها عليه رغم طابعها السياسي، ويبقى رئيس الجمهورية حرا في التصديق عليها أو عدم التصديق -إذا لم يكن ذلك قد حدث بالفعل – أو إلغائها، مع ما قد يترتب عن ذلك من تحميل الدولة للمسؤولية الدولية.

أما الدستور الحالي فقد حاول إقامة نوع من التوازن بين الجهـازين التشريعي والتنفيذي عن طريق التقليص من بعض السلطات التي يتمتع بها رئيس الجمهورية وتدعيم دور البرلمان أكثر 28.إلا انه لم يوفق في مجال السياسة الخارجية لأنه حافظ تقريبا على نفس النصوص التي احتواها دستور 1976. فقد بقي موضوع إدارة العلاقات الخارجية وتوجيهها حكرا على رئيس الجمهورية. وفي مجال إبرام المعاهدات الدولية تخلى الدستور الحاليعن اصطلاح المعاهدات السياسية وفضل أسلوب تعداد المعاهدات التي يقتضي إبرامها تدخل البرلمان، ربما تجنبا لمشكلة التكييف التي يمكن أن تنشا بين الجهازين التنفيذي والتشريعي.

وبالمقارنة بدستور 1976فان نطاق مشاركة البرلمان قد امتد بمقتضى المادة 131من دستور الساري المفعولإلى مجالات جديدة تتعلق بالمعاهدات التي يتصل موضوعها بأمور تدخل في اختصاصه، وهي المعاهدات التي قد تحمل الدولة نفقات إضافية لم تتضمنها ميزانية الدولة والمعاهدات المتعلقة بقانون الأشخاص.

ويمكن أن تشمل هذه الفئة الأخيرة المعاهدات المتعلقة بالجنسية، المساعدات القضائية، تنفيذ الأحكام الأجنبية، الحماية، الاتفاقيات القنصلية، تسليم المجرمين والاتفاقيات المتعلقة بحقوق الإنسان.29

إلا أن المادة 131أخرجت من نطاق مساهمة البرلمان في مجال المعاهدات الدولية فئة من المعاهدات تؤثر بصفة أكيدة على اختصاصه الأساسي المتمثل في التشريع، وهي المعاهدات التي يترتب عليها تعديل في أحكام القانون والتي تضمنتها المادة 158من دستور 1976. وربما يعود ذلك إلى تبني الدستور الحالي لمبدأ سمو القانون الدولي الاتفاقي على القانون الداخلي، على خلاف دستور 1976الذي اعتمد مبدأ المساواة بين القانون الدولي الاتفاقي والقانون الداخلي في حدود معينة، بحيث استبعد إمكانية تطبيق معاهدة تتعارض مع تشريع نافذ في المجال الداخلي ما لم يتبناها النظام الداخلي.30ولذلك اشترط دستور 1976صدور قانون من المجلس الشعبي الوطني يدمج أحكام المعاهدة في ذلك النظام.

والمفروض أن يحدث العكس، أي أن التمسك بضرورة الموافقة البرلمانية المسبقة للتصديق على المعاهدات الدولية تبدو أهميته أكثر متى وجد نص دستوري يكرس سمو المعاهدات على القانون الداخلي، حيث أن هذا الشرط ينسجم أكثر مع مبدأ التوازن بين السلطات ويحول دون تعدي السلطة التنفيذية على الاختصاص الأصيل للسلطة التشريعية أو تحول السلطة التنفيذية إلى سلطة تشريعية أسمى بمكنتها إلغاء أو تعديل ما يشرعه البرلمان بواسطة ما تبرمه من معاهدات. ولذلك كان من الأجدر الاحتفاظ بشرط الموافقة البرلمانية المسبقة للتصديق على المعاهدات التي تعدل محتوى القانون.  

ويبدو أن دستوري 1976و1989حاولا تأسيس دور البرلمان على فكرتين أساسيتين متكاملتين هما مشاركته في المعاهدات المهمة وفي تلك التي تتعلق بأمور تدخل في اختصاصه. إلا أنهما لم يوفقا كلية في ذلك. فبالنسبة للنوع الأول أشار دستور 1976إلى المعاهدات السياسية فقط، بينما عدد الدستور الحالي بعض المعاهدات السياسية، كما سبقت الإشارة، لا نجد في أي منهما إشارة إلى معاهدات أخرى لا تقل أهمية، كتلك التي يترتب عليها إنشاء منظمات دولية تتمتع باختصاصات مهمة قد تؤدي إلى تقييد اختصاصات الدولة في ذلك المجال، ومعاهدات التحكيم والاتفاقات التي تبرم مع المؤسسات المالية الدولية، والتي قد تكون أثارها خطيرة في جميع المجالات سواء الاقتصادية أم الاجتماعية أم السياسية.31أما فيما يتعلق بالنوع الثاني من المعاهدات فقد رأينا أن دستور 1976أشار إلى المعاهدات التي تعدل محتوى القانون فقط، بينما أهمل الدستور الحالي الإشارة إلى هذه الفئة من المعاهدات وذكر المعاهدات التي تترتب عليها أعباء غير واردة في ميزانية الدولة، والمعاهدات المتعلقة بقانون الأشخاص وتلك المتعلقة بحدود الدولة. وإذا كانت العلاقة بين المعاهدات المتعلقة بقانون الأشخاص وبين اختصاص البرلمان واضحة فإن علاقة المعاهدات الأخرى به لا تقل وضوحا. فالبرلمان هو الذي يعتمد الميزانية، وبالتالي فإن أي تعديل فيها يقتضي تدخله. وبمقتضى هذا النص فإن تدخل البرلمان يصبح واجبا لنفاذ المعاهدة حتى ولو كانت قيمة النفقات التي تفرضها على ميزانية الدولة بسيطة. كما يترتب على تعديل الحدود تعديلا على النطاق المكاني لتطبيق القانون الذي تصدره السلطة التشريعية32، إضافة إلى الأهمية القصوى لهذه الفئة من المعاهدات لتعلقها بعنصر من عناصر وجود الدولة وهو الإقليم.33

ج-جزاء عدم مراعاة سلطة الجهاز التشريعي

ولكن ما هو الحكم لو تجاهل رئيس الجمهورية هذه النصوص وصادق على معاهدة من المعاهدات التي عددتها المادة 131من الدستور المعدل سنة 2008دون حصوله على موافقة سابقة من الجهاز التشريعي؟ يختلف الأثر الذي يترتب على هذه المخالفة على المستويين الدولي والداخلي. فعلى المستوى الدولي فإن هذا التساؤل يثير مسألة التصديق الناقص. ومن المعروف أنه لا يمكن للدولة التذرع بقانونها الداخلي كتبرير لعدم وفائها بالتزاماتها الاتفاقية.34إلا أن المادة 46من اتفاقية فينا لقانون المعاهدات قيدت هذا المبدأ العام وسمحت للدولة أن تتمسك ببطلان المعاهدة استنادا إلى أن التعبير عن ارتضائها الالتزام بالمعاهدة قد تم بمخالفة لنص في قانونها الداخلي يتعلق باختصاص إبرام المعاهدات، متى كانت هذه المخالفة واضحة وتعلقت بقاعدة ذات أهمية جوهرية من قانونها الداخلي. وبذلك فإن الاتفاقية أخذت بمعيار المظهرية، بمعنى أنه إذا كان عدم اختصاص رئيس الجمهورية واضحا وظاهرا بحيث يسهل على الطرف الآخر كشفه اعتبرت المعاهدة قابلة للإبطال، والعكس صحيح.

إلا أن شرط وضوح المخالفة يمكن إن يثير المشاكل على الصعيد العملي. وللتخفيف من حدة هذه المشاكل نصت الفقرة الثانية من المادة 46على أن الإخلال يعتبر "واضحا إذا تبين بصورة موضوعية لأية دولة تتصرف في هذا الشأن وفق السلوك العادي وبحسن نية".  فالاتفاقية حاولت إذن حماية الطرف الآخر حسن النية. ويفقد هذا المبرر سبب وجوده إذا كانت الدولة الأخرى، مثلا تعلم وقت تصديق رئيس الجمهورية على المعاهدة بأنه تصرف بالمخالفة للدستور. وبديهي أن عبء الإثبات يقع على عاتق من يدعى

وضوح المخالفة أو سوء النية.35

وإذا كانت حالات التصديق الناقص نادرة، كما أشارت لجنة القانون الدولي،36فإن ذلك لا يحول دون تصور قيام رئيس الجمهورية بالتصديق على معاهدة بمخالفة نص المادة 131من الدستور. وقد يشكل هذا الصديق قرينة قوية على أنه تصرف في حدود سلطته الدستورية. وحتى ولو وجد شك في ذلك فقد لا تعتبر الدولة الأخرى الإخلال واضحا وظاهرا بصورة موضوعية. وتؤكد دراسات التعامل الدولي، سواء السابقة على اتفاقية فينا 37أم اللاحقة لها 38، أن فكرة عدم الاختصاص الدستوري لا تؤدي في الواقع إلى إلغاء المعاهدات. فرغم دخول اتفاقية فينا حيز النفاذ سنة 1980فإنه لم يتم الاستناد إلى المادة 46أمام القضاء الدولي لإبطال المعاهدة.39وتؤكد قضية GreenlandEastern،التي فصلت فيها المحكمة الدائمة للعدل الدولي سنة 1933، تردد المحاكم الدولية في النظر خلف السلطة الواضحة لشخص مؤهل لإلزام دولته.40

أما على المستوى الداخلي فإن تصديق رئيس الجمهورية على معاهدة بمخالفة المادة 131 من الدستور يترتب عليه أثر مهم يتمثل في عدم تطبيق القاضي الجزائري للمعاهدة باعتبارها أسمى من القانون الداخلي طبقا لنص المادة 132من الدستور، التي تقيد القاضي بضرورة مراعاة مدى احترام رئيس الجمهورية للشروط المقررة في الدستور. فالمعاهدات التي تسمو على القانون هي «المعاهدات التي يصادق عليها رئيس الجمهورية حسب الشروط المنصوص عليها في الدستور». ولا شكك في أن المعاهدة التي يصادق عليها رئيس الجمهورية دون عرضها على البرلمان، متى كان الدستور يتطلب ذلك، لا يتوفر فيها هذا الشرط الأساسي. وإذا كان القاضي الجزائري غير مختص بمراقبة مدى دستورية المعاهدات والقوانين فإن تطبيقه للمادة 132معلق على توفر هذا الشرط. وفي بحثه لمدى حصول رئيس الجمهورية على موافقة برلمانية سابقة قبل تصديقه على الاتفاقية فإنه لا يعتبر قد تصدى لمشكلة دستورية المعاهدة موضوعيا.41

ج-إبطال المعاهدات غير الدستورية

تعرض الدستور النافذ إلى العلاقة بين المعاهدة والدستور حيث خول للمجلس الدستوري سلطة الفصل في مدى دستورية المعاهدات الدولية. وبما أن المادة 166خولت لرئيسي المجلس الشعبي الوطني ورئيس مجلس الأمة حق إخطار المجلس الدستوري فانه يمكن للبرلمان أن يمارس نوعا من الرقابة على المعاهدات التي يبرمها الجهاز التنفيذي عن طريق إثارة مسألة دستوريتها. فقد نصت المادة 165على ما يلي: «يفصل المجلس الدستوري، بالإضافة إلى الاختصاصات التي خولتها إياه صراحة أحكام أخرى في الدستور في دستورية المعاهدات والقوانين والتنظيمات إما برأي قبل أن تصبح واجبة التنفيذ أو بقرار في الحالة العكسية»

كما نصت المادة 168على أنه «إذا ارتأى 42المجلس الدستوري عدم دستورية معاهدة أو اتفاق، أو اتفاقية، فلا يتم المصادقة عليها». وتوحي صياغة هذا النص أن العلاقة بين الدستور والمعاهدة بسيطة جدا بحيث لا يمكن أن يحدث تناقض بينهما لأنه لا يمكن المصادقة على اتفاقية تتعارض مع الدستور.43

ومن الواضح أن هذه المادة تخول المجلس الدستوري سلطة مراقبة مدى دستورية معاهدة قبل التصديق عليها. ومن البديهي أن رأي المجلس بعدم الدستورية يصدره كهيئة قضائية. ولذلك فإنه يحول دون إنتاج المعاهدة لآثارها القانونية.

إلا أن صياغة المادة 165أثارت خلافا حول نطاق سلطة المجلس الدستوري من حيث مدى شمولها للرقابة اللاحقة للتصديق، أي حول إمكانية إلغاء معاهدة تم التصديق عليها من طرف رئيس الجمهورية بالمخالفة للدستور. فقد اعتمد بعض الفقهاء منهج التفسير اللفظي للنص وعلى مفهومي القياس والموضوعية للوصول إلى نتيجة مفادها أن سلطة المجلس الدستوري تشمل إلغاء المعاهدات التي تم التصديق عليها، أي الرقابة اللاحقة، كما تشمل سلطة منع التصديق على معاهدة ارتأى المجلس عدم دستوريتها أي الرقابة السابقة44.ولكن يمكن أن تحتمل هذه المادة تفسيرا آخر مفاده أن المجلس الدستوري لا يملك الرقابة اللاحقة متى تمت قراءة هذه المادة على ضوء المادتين 168و 169،45أي متى تم اعتماد قاعدة التفسير الثابتة دوليا 46وداخليا ، و التي مقتضاها ضرورة تفسير النص وفقا للمعنى العادي لألفاظه في علاقته بالنصوص الأخرى، أي تفسير النص ضمن السياق الخاص به وعدم تفسيره بطريقة تجعله مبتورا عن بقية النصوص ، وكذلك ضرورة الأخذ بعين الاعتبار الآثار التي تترتب عن اعتماد تفسير معين. فمما لا شك فيه أن تفسير المادة 165(1) بطريقة تخول المجلس الدستوري سلطة إلغاء المعاهدات التي تمت المصادقة عليها بالمخالفة للدستور يتعارض مع الالتزامات الاتفاقية للجزائر. فبانضمامها إلى اتفاقية فينا لقانون المعاهدات سنة 1988التزمت الجزائر بمقتضى المادة 46من الاتفاقية بترجيح التزاماتها الاتفاقية على قواعد قانونها الدستوري في حالة تعارضهما، إلا إذا تعلق الأمر بالمخالفة لقاعدة جوهرية من قانونها الداخلي تتعلق باختصاص إبرام المعاهدات (وهو ما لا ينطبق على المسالة موضوع البحث) وطبقا للشروط التي حددتها تلك المادة.

وعلى العكس من ذلك فان تفسير المادة 165بطريقة تقيد سلطة المجلس الدستوري بإبداء رأيه فقط حول دستورية المعاهدات غير المصادق عليها يؤدي إلى استبعاد وجود تناقض بين الالتزامات الدولية للجزائر بمقتضى المعاهدة وقوانينها الداخلية المجردة لها من كل أثر داخليا. فالمعاهدة تنتج أثارها كاملة على المستوى الدولي بمجرد التصديق عليها.  ولذلك يبدو أن المشرع الدستوري قصد تفادي هذا التناقض بعدم النص على إمكانية الرقابة اللاحقة في المادة 168.47

ومهما كان قصد المشرع الدستوري فان التفسير الذي اعتمدناه ينسجم أكثر مع محاولة جعل القوانين الداخلية متلائمة مع الالتزامات الدولية، وهو الموقف الذي يجب على القاضي الجزائري اعتماده، كما فعل قضاة دول أخرى48.

ولا شك في أن فعالية سلطة الجهاز التشريعي المتعلقة بإبطال المعاهدات غير الدستورية تتوقف على نوع الرقابة التي يخولها المجلس الدستوري لنفسه عند تفسيره للفقرة الأولى من المادة 165بحيث أن نطاق هذه السلطة يكون أوسعا في حالة تمتعه بسلطة إلغاء المعاهدات غير الدستورية، لان ذلك يعني انه يمكن للجهاز التشريعي أن يعرض كل المعاهدات مهما كان نوعها على المجلس الدستوري للفصل في مدى دستوريتها. وعلى العكس من ذلك فان تمتع المجلس الدستوري بسلطة الرقابة السابقة فقط يترتب عليه صعوبة إخطاره بأغلبية المعاهدات من طرف الجهاز التشريعي بسبب عدم العلم بها قبل التصديق عليها إلا إذا كانت من فئة المعاهدات التي لا يمكن الالتزام بها قبل الحصول على الموافقة الصريحة للمجلس الوطني بمقتضى المادتين 91و131. 49

ومن البديهي كذلك انه يمكن للجهاز التشريعي أن يطلب إلغاء معاهدة ما ليس بسبب تعارض أحكامها مع الدستور وإنما بسبب اختلاف وجهة نظره عن رأي الجهاز التنفيذي حول مدى دخولها في إطار فئة المعاهدات التي اشترطت المادة 131من الدستور عرضها على البرلمان أولا للموافقة عليها قبل التصديق عليها.

ثالثا: تقويم

استنادا إلى ما سبق يمكن استخلاص النتائج التالية:   

1-مدى دستورية المعاهدات المبرمة منذ سنة 1989

نجم عن استئثار السلطة التنفيذية – ممثلة في رئيس الجمهورية – بإدارة العلاقات الخارجية للدولة وعن التركيز المطلق لسلطة إبرام المعاهدات بيده نتيجة خطيرة جدا مقتضاها عدم دستورية اغلب المعاهدات التي أبرمت منذ سنة 1989. فالممارسة الجزائرية تؤكد مشاركة وزير الخارجية والأشخاص الآخرين المؤهلين لإبرام المعاهدات طبقا للعرف الدولي، كالسفراء والممثلين الدائمين للدولة لدى المنظمات والمؤتمرات الدولية في إبرام المعاهدات الدولية سواء في التفاوض أو التوقيع. ولا يعقل عملا أن يتولى رئيس الجمهورية إبرام معاهدة دولية متعددة الأطراف تتم في إطار منظمة دولية أو مؤتمر دولي أو تحت رعايتهما منفردا بدءا بالتفاوض بشأنها وانتهاء بتوقيعها أو التصديق عليها، لأن ذلك معناه -ببساطة- إقامته بالخارج خلال فترة قد تستمر لسنوات. فكل المعاهدات الدولية التي أبرمتها الجزائر خلال هذه الفترة تعتبر إذن غير دستورية إذا تفاوض بشأنها أو وقعها -بأي شكل من أشكال التوقيع- أو قبلها أو وافق عليها أو تبادل الوثائق الخاصة بها شخص أخر غير رئيس الجمهورية لأن الدستور حرم على هذا الأخير أن يفوض اختصاصه بإبرام المعاهدات الدولية -مهما كان نوعها- إلى أي شخص أخر. والتساؤل الذي يطرح إذن قد لا يتعلق بعدد المعاهدات غير الدستورية وإنما بعدد المعاهدات الدستورية.

2- التسرع في إعداد الدساتير

يوجد العديد من المؤشرات التي تدل على التسرع في إعداد دستوري 1989والتعديل الذي أجرى عليه سنة 1996. فقد كان هم واضعيه مواجهة مشاكل معنية في فترة زمنية محدودة. ومن هذه المؤشرات الطريقة التي تمت بها صياغة المادة 155من دستور 1989. وقد اعترف بذلك بعض المشاركين في إعداد الدستور.50  ومن الدلائل كذلك على التسرع تعديل مادة في الدستور دون عرضها مع بقية المواد موضوع التعديل على الاستفتاء الشعبي، وهوما يمكن وصفه بالتعديل الفعلي (de facto).

والنتيجة التي يمكن استخلاصها إذن هي أن الرغبة في تحقيق بعض الأغراض الآنية رجحت على التأني والتدبر في إعداد الوثيقة الأساسية التي تستمد منها بقية القوانين وجودها. ولا شك في أن ذلك يؤدي إلى الانتهاك المباشر أو غير المباشر للدستور كلما ظهرت مستجدات لم تخطر في ذهن واضعيه.

  3-سلطة الجهاز التشريعي المحدودة لم تتعد – واقعيا – الموافقة على بعض المعاهدات قبل التصديق عليها.

سبقت الإشارة إلى أن الجهاز التشريعي يملك – دستوريا – سلطة فتح مناقشة عامة حول السياسة الخارجية وإصدار لائحة بشأنها وكذلك مراقبة مدى دستورية المعاهدات من خلال اللجوء إلى المجلس الدستوري. إلا أن الواقع أكد أن السلطة الوحيدة التي مارسها الجهاز التشريعي هي الموافقة على المعاهدات التي أبرمتها السلطة التنفيذية قبل تصديق رئيس الجمهورية عليها. ومن هذه الاتفاقيات تلك المتعلقة بحقوق الإنسان وقانون البحار. إلا أن نطاق هذه السلطة يبقى محصورا في إطار القيود التي سبق بيانها.

4-بعض الاقتراحات

إن أي اقتراح حول مدى مساهمة البرلمان في إبرام المعاهدات الدولية يجب أن يتمحور حول محاولة التوفيق بين المبالغة في توسيع أو تقليص دور البرلمان في هذا المجال.  فقد ثبت عمليا أن المغالاة في توسيع دوره باشتراط موافقته على كل المعاهدات، أدت في بعض الدول – كالولاياتالمتحدة الأمريكية – إلى التحايل على النصوص الدستورية باستحداث نوع جديد من الاتفاقيات الدولية التي اعتبرت موافقة البرلمان بصددها غير واجبة، إلى درجة إن المعاهدات التي تحتاج إلى إذن سابق من مجلس الشيوخ أصبحت تشكل نسبة ضعيفة جدا مقارنة بالفئة الأخرى.51

كما أن توسيع اختصاص البرلمان يؤدي في الكثير من الحالات إلى تعطيل دخول المعاهدات حيز النفاذ. ولذلك يستحسن تفادي اشتراط موافقة البرلمان على معاهدات قد لا تكون مهمة كثيرا وتشكل في نفس الوقت وسيلة من وسائل الإدارة اليومية لشؤون الدولة الخارجية. ومن ذلك مثلا إدراج العديد من الدساتير للاتفاقيات التجارية في فئة المعاهدات التي تتطلب موافقة البرلمان قبل التصديق عليها52

وبالمقابل يجب صيانة دور البرلمان كاملا بصدد عدد محدود من المعاهدات ذات الأهمية القصوى بالنسبة للدولة. وقد تختلف هذه المعاهدات باختلاف ظروف كل دولة ومركزها في إطار الجماعة الدولية، ما إذا كانت دولة متقدمة مثلا أو نامية، من الدول العظمى أم الصغرى... الخ.

وعلى ضوء المعطيات والملاحظات السابقة يمكن تقديم الاقتراحات التالية:

1– إعادة صياغة المادة 122من الدستور القائم لتصبح كالتالي:

«يصادق رئيس الجمهورية على المعاهدات السياسية والمعاهدات التي تمس النظام القانوني الإقليمي او حقوق السيادة، والمعاهدات التي تتعلق بمسائل تدخل في اختصاص المجلس الشعبي الوطني، والاتفاقات المبرمة مع المنظمات الدولية بعد أن يوافق عليها المجلس الشعبي الوطني صراحة».

إن ذكر المعاهدات التي تتعلق بمسائل تدخل في اختصاص البرلمان قد يوسع أكثر من مدى مساهمته في مجال إبرام المعاهدات مقارنة بمحاولة حصر هذه المعاهدات في ثلاثة أو أربعة أنواع.53وفي حالة الاستغناء عن هذا الاصطلاح والاحتفاظ بالتعداد الوارد في المادة 122من دستور 1989يحبذ إضافة فئة المعاهدات التي قد تعدل نصوصا ذات طابع تشريعي 54إلى فئة المعاهدات التي تترتب عليها أعباء غير واردة في الميزانية وتلك المتعلقة بقانون الأشخاص. وتضمن هذا الإضافة عدم اعتداء السلطة التنفيذية على الاختصاص الدستوريالأصيل للبرلمان المتمثل في التشريع، خاصة بعد إن أصبحت المادة 132من نفس الدستور تسمح للسلطة التنفيذية بالتشريع بطريقة غير مباشرة عن طريق المعاهدات. فكما سبقت الإشارة فإن هذه المادة جعلت من المعاهدات التي يتم التصديق عليها وفقا للشروط المحددة في الدستور أسمى من القانون دون حاجة إلى إصدارها، بل يكفي قيام رئيس الجمهورية بنشر مرسوم التصديق في الجريدة الرسمية لإلزام القاضي بتطبيقها دون تدخل من البرلمان. وبعبارة أخرى فإن هذه الاتفاقيات يمكنها أن تعدل أو تلغي تشريعا نافذا صادرا من البرلمان.55

ويؤدي الاقتراح المشار إليه أعلاه إلى توسيع رقابة ممثلي الشعب لتشمل مجالات ذات أهمية بالغة بالنسبة لكيان الدولة لتعلقها بالمصلحة الوطنية العليا. فذكر «المعاهدات السياسية» يغني عن محاولة تعداد بعضها وإهمال معاهدات أخرى أكثر أهمية ربما على الصعيد العملي، كمعاهدات عدم الاعتداء والمساعدة المتبادلة أو الحياد وغيرها. لا شك ان مصطلح «المعاهدات السياسية» ينطوي على نوع من الغموض وقد يثير مشكلة التكيف وتحديد الجهاز المختص بذلك، إلا أنه لا يمكن انكار أن اللجوء إلى أسلوب التعداد يؤدي حتما إلى تقليص دور البرلمان في هذا المجال. ويوفر الدستور الحالي حلا جزئيا لهذه المشكلة عن طريق لجوء رئيس المجلس الشعبي الوطني أو رئيس مجلس الأمة إلى المجلس الدستوري لطلب إصدار رأي بعدم دستورية معاهدة ابرمها الجهاز التنفيذي بسبب عدم عرضها عليه أولا. إلا أن هذا الحل يقتصر في -رأينا-على المعاهدات التي لم يصادق عليها رئيس الجمهورية بعد، لاعتقادنا أن المواد 165، 168و169لا تخول المجلس الدستوري سوى الرقابة السابقة على دستورية المعاهدات.

وإذا فسر المجلس الدستوري هذه النصوص بأنها تخوله الرقابة اللاحقة كذلك فإن مشكلة التكييف لا تطرح إطلاقا، بحيث يمكن لرئيس المجلس الشعبي الوطني ورئيس مجلس الأمة أن يلجآ إلى المجلس الدستوري لإصدار قرار بعدم دستورية معاهدة مـا، ومن ثم إلغاءها. ولا يمكن التقليل من فاعلية هذا الحل حتى لو اقتصرت سلطة المجلس الدستوري على الرقابة السابقة فقط، لأن المعاهدة عادة ما تتطلب مراحل طويلة قد تسمح للبرلمان بالعلم بها قبل التصديق عليها. كما نعتقد بأن إمكانية تعسف الجهاز التنفيذي في تكييف معاهدة ما بأنها غير سياسية رغم طابعها السياسي الواضح لا يبرر رفض هذا الاقتراح. فرئيس الجمهورية يمكنه التصديق حتى على تلك المعاهدات الواردة في تعداد واضح ومحدد دون عرضها على البرلمان أولا. ويشكل وجود النظام القانوني للتصديق الناقص في حد ذاته دليلا عل ذلك. ثم أن قيام البرلمان بممارسة اختصاصه بفتح مناقشة حول اتفاقية أبرمها الجهاز التنفيذي وتوجيه لائحة الى رئيس الجمهورية يخطره فيها بعدم دستورية تصديقه على تلك المعاهدة طبقا للمادة 130من الدستور قد يشكل حاجزا أمام رئيس الجمهورية، خاصة إذا أخذ بعين الاعتبار مدى تأثير ذلك على الرأي العام.

وإضافة إلى ما سبق فإن دساتير بعض الدول قد استخدمت المصطلح ذاته أو مصطلح مشابه. فالمادة 80من الدستور الإيطالي لسنة 1947تشير إلى المعاهدات ذات الطبيعة السياسية.56   وتنص المادة 59(2) من القانون الأساسي الألماني على المعاهدات التي تنظم العلاقات السياسية للفدرالية الألمانية.57

وتنطبق الملاحظات السابقة، على العموم، على انتقاد مصطلح المعاهدات التي قد تمس بحقوق السيادة.58

ويشمل مصطلح المعاهدات التي " تمس النظام القانوني الإقليمي أو حقوق السيادة " المعاهدات المتعلقة بالاتحاد، الانفصال، الحدود، التبادل، التنازل، الضم، الإعارة والإيجار. وإذا كان من المستبعد تصور إبرام معاهدات يتم بمقتضاها التنازل عن أجزاء من الإقليم أو تبادلها أو ضم أقاليم أخرى إليه فأن إيجار مناطق منه لاستخدامها كقواعد عسكرية أو لإطلاق الصواريخ مثلا نظرا لسماتها الاستراتيجية -  الجغرافية أو المناخية أمر وارد في ظروف اقتصادية صعبة.59

كما أن ذكر المعاهدات التي تنشئ منظمات دولية له ما يبرره، حيث أن السلطات المخولة للمنظمة الدولية قد تقيد من سلطة الدولة، بما في ذلك السلطات الدستورية. ولذلك نجدأن الكثير من الدول تشترط الموافقة البرلمانية المسبقة قبل تصديق السلطة المختصة على المعاهدة.60

2-كما يجب التنبيه إلى ضرورة إعادة صياغة نص المادة 87من الدستور الحالي بإلغاء الحظر المفروض على رئيس الجمهورية لتفويض سلطته بإبرام المعاهدات للمبررات التي سبق ذكرها وحصر هذا الحظر في نطاق عدم جواز تفويض سلطة التصديق على المعاهدات نظرا لأهميته، مع الإشارة إلى أن هذا الإلغاء لا يقيد من سلطات الرئيس بل يخوله سلطة إضافية تتمثل في إمكانية تفويض الاختصاص بإبرام المعاهدات.  ويمكن إعادة صياغة تلك الفقرة كالتالي:

 «لا يجوز لرئيس الجمهورية أن يفوض سلطته بالتصديق على المعاهدات الدولية».

ولا نعتقد أن الاقتراحات السابقة تكرس هيمنة الجهاز التشريعي لأنها لا تمس إلا مجالات محدودة جدا ولكنها حساسة لتعلقها بالمصلحة الوطنية العليا التي لا بد أن يكون للشعب -من خلال ممثليه -رأي فيها.

3-أما فيما يتعلق بالصياغة الغامضة للمادة 165(1) من الدستور، فانه إذا كان قصد المشرع تفادي أحداث تناقض بين الالتزامات الدولية للجزائر وقانونها الداخلي عن طريق تفادي إبرام معاهدات تتعارض مع الدستور – كما جاء في المادة 168– فان صياغة المادة 165تحتمل أكثر من تفسير. ولتفادي ذلك التناقض وإزالة هذا الغموض فإنه يستحسن إعادة صياغة هذه المادة في أي تعديل لاحق للدستور، بحيث تضاف إلى الفقرة الأولى من المادة 165جملة «وفقا للمواد التالية»، أي أن تلك الفقرة تصبح كالتالي:

«يفصل المجلس الدستوري بالإضافة إلى الاختصاصات التي خولتها إياه صراحة أحكام أخرى في الدستور في دستورية المعاهدات والقوانين والتنظيمات إما برأي قبل آن تصبح واجبة التنفيذ أو بقرار في الحالة العكسية "وفقا للمواد التالية"

الهوامش

1.   قسم الدستور هذه الوظائف إلى ستة أنواع هي: السياسية (يتولاها الحزب)، التنفيذية، التشريعية، القضائية، التأسيسية والرقابة. حول هذه الموضوع، أنظر:

Mohamed Bedjaoui, "Aspects internationaux de la constitution algérienne", A.F.D.I. (1977), pp.75-94at 75-76

2. أنظر:

Ahmed Mahiou,   ̋La constitution algérienne et le droit international, 94R.G.D.I.P. (1990), pp.  419-454, at441-442.

3. راجع الفقرة السادسة من المادة 111.

4. نصت المادة 79من دستور 1989على أن «يقدم رئيس الحكومة أعضاء حكومته الذين اختارهم لرئيس الجمهورية الذي

يعينهم».

ولكن الممارسة تؤكد ان رئيس الجمهورية هو الذي يعين اعضاء الحكومة وليس رئيس الحكومة. وقد استند رئيس الحكومة السابق احمد بن بيتور الى هذه المادة في ادعائه المتعلق بعدم احترام رئيس الجمهورية للصلاحيات الدستورية التي يتمتع بها رئيس الحكومة في هذا المجال.

5.انظر المواد من 80الى 83.

6.انظر المادة 84.

7.أنظر المادة 70من الدستور

8.الفقرة الثالثة من المادة 77.

9.حول إعادة تنظيم السلطة التنفيذية راجع بورايو محمد، السلطة التنفيذية في النظام الدستوري الجزائري بين الوحدة والثنائية، أطروحة لنيل شهادة الدكتوراه في القانون العام، كلية الحقوق، جامعة الجزائر 1، جوان 2012ص.171وما بعدها وكذلك د. عمار عباس، "التعديلات الدستورية في الجزائر من التعديل الجزئي إلى الإصلاح الدستوري الشامل، دراسة لإجراءات التعديل القادم ومضمونه"، الأكاديمية للدراسات الاجتماعية والإنسانية العدد 12، جوان 2014ص. 96-108

تجدر الإشارة إلى أن المجلس الدستوري اعتبر البرنامج الذي تلتزم الحكومة بتنفيذه هو برنامج رئيس الجمهورية الذي "حظي بموافقة الشعب عن طريق الفعل الانتخابي معبرا عن ذلك بكل سيادة وبكل حرية، يتولى تنفيذه الوزير الأول الذي يستمد مهامه من رئيس الجمهورية دون سواه وفق مخطط عمل وحسب الكيفيات والإجراءات المقررة ... في أحكام الدستور".   كما اعتبر المجلس التعديلات التي تضمنها التعديل الدستوري سنة 2008لا تتعدى كونها مجرد "تعديل ... يهدف إلى إدخال تغييرات داخل السلطة التنفيذية ... طالما أنها تقتصر على اعتماد هيكلة جديدة داخل السلطة التنفيذية فإنها لا تؤثر البتة على صلاحيات السلطات والمؤسسات الأخرى والآليات الدستورية التي يقوم على أساسها توازن "السلطتين التنفيذية والتشريعية" ..."، راجع رأي المجلس الدستوري رقم 01/08الصادر في 07نوفمبر 2008، الجريدة الرسمية للجمهورية الجزائرية ، عدد 63بتاريخ 16نوفمبر 2008.

10.قارن المواد 41، 111(16)، و 78(الفقرة الثانية) من دساتير 1963و 1976و 1989المعدل سنة 2008على التوالي.

11. وأكثر من ذلك فقد فسرت هذه النصوص عمليا بانها تسمح بتعيين كاتب الدولة للشؤون المغاربية دون إشراك الحكومة في ذلك، انظر أحمد محيو، المرجع السابق، ص442.

12. راجع المادة 83(2) من دستور 1989و التي أصبحت تحمل رقم 87(2) في تعديل 2008.

13.حول هذه الاتفاقيات أنظر مثلا:

P. De Visscher ; De la conclusion des traités internationaux, Bruxelles, Bruylant (1943) ; P.F. Smets, La conclusion des accords en forme simplifiée, Bruxelles, Bruylant(1969).

14.  راجع نص المادة 7من اتفاقية فينا لقانون المعاهدات، وهو النص الملزم للجزائر بحكم انضمامها الى الاتفاقية بتاريخ 8نوفمبر 1988دون تحفظ في هذا المجال.

15. وإذا قارنا هذا النص بالنص المقابل في الدستور الفرنسي لسنة 1958فإننا نجد أن هذا الاخير قد واجه هذا الاحتمال بمرونة. فالمادة 20منه تنص على أن الحكومة تحدد وتوجه سياسة الامة (le gouvernement    détermine et conduit la politique de la nation) وهو ما مكن الحكومة الفرنسية من المساهمة في توجيه السياسة الخارجية بالاشتراك مع رئيس الجمهورية اثناء التعايش الذي تممثلا ما بين 1986-1988و1993-1995.

16. انظر ديباجة اتفاقية فينا لقانون المعاهدات المبرمة بين الدول لسنة 1969.

17. ترجمة للنص الفرنسي الذي جاءت صياغته كالتالي:

"Le président de la République signe, ratifie, après consultation de l’Assemblée nationale, et fait exécuter les traités conventions et accords internationaux ".

18. أنظر المادة 131من الدستور المعدل سنة 2008.

19.أنظر:

Mohamed Bedjaoui, "Aspects internationaux de la constitution algérienne", A.F.D.I. (1977), pp.75-94at 81      

20. جاء في المذكرة رقم 175الصادرة عن كتابة الدولة بتاريخ 13ديسمبر 1955أن اللجوء الى أسلوب الاتفاقيات التنفيذية لا يمكن ان يتم الا في الحالات التالية (أ) الاتفاقيات التي تتم بمقتضى أو وفقا لتشريع قائم او معاهدة (ب) الاتفاقيات التي تكون خاضعة لمجلس النواب (الكونغرس) من حيث الاعتماد أو التنفيذ (جـ) الإتفاقيات التي تعقد ضمن السلطة الدستورية لرئيس الدولة أو وفقا لها. أنظر:

William W. Bishop Jr., International Law Cases and Materials, 3rd.ed., Little, Brown and Company,  Boston & Toronto (1971) ,pp.102-103; and 50 Am.J.I.L. (1956)، p. 784

21. أنظر محمد بجاوي، المرجع السابق، ص.81واحمد محيو، المرجع السابق، ص.446. يبدو ان نص المادة 42يتماثل من حيث القيمة القانونية مع النصوص بعض الدساتير التي تفرض على رئيس الدولة إخطار البرلمان بالمعاهدات التي يبرمها. أنظر مثلا المادة 151من الدستور المصري لسنة 1971التي تنص على أن " رئيس الجمهورية يبرم المعاهدات ويبلغها مجلس الشعب مشفوعة بما يناسب البيان..."

باستثناء بعض المعاهدات التي عددتها نفس المادة واشترطت بشأنها الحصول على موافقة البرلمان السابقة لصحة التصديق عليها. أنظر د. محمد طلعت الغنيمي، الغنيمي الوجيز في قانون السلام، منشأة المعارف، الاسكندرية، 1977، ص.103

22.يمكن طبعا للبرلمان أن يمارس في الواقع ضغطا سياسيا على رئيس الجمهورية لإجباره على احترام رأيه السلبي عن طريق تأثيره على الرأي العام الداخلي.

23.ولذلك فإن الاشارة الى مشاركة البرلمان لرئيس الجمهورية في سلطة التصديق تعتبر غير دقيقة، الا اننا نجدها شائعة في بعض كتب القانون الدولي، أنظر مثلا: د. ابراهيم محمد العناني، القانون الدولي العام، المطبعة التجارية الحديثة، القاهرة، 1990، ص.357و د. حامد سلطان، القانون الدولي العام في وقت السلم، ط.6، دار النهضة العربية، القاهرة، 1976، ص.64.

وكذلك:

Charles Rousseau ; Droit international public, 8éme ed., Dalloz, Paris (1976),pp.35.

24. كما استخدمت لجنة القانون الدولي اصطلاح التصديق البرلماني صراحة، أنظر الكتاب السنوي للجنة القانون الدولي، 1966(II)، ص. 197– 198.

25.أنظر أحمد محيو، المرجع السابق، ص.447

26. لقد لاحظت محكمة العدل الدولية أن ذلك ينطبق حتى على المنازعات القانونية التي تتم بين الدول، أنظر قضية الموظفين الدبلوماسيين والقنصليين الأمريكيين في طهران، (I.C.J. Reports 1980،p.3at20) وقضية الأنشطة الحربية وشبه الحربية في نيكاراغوا ة وضدها، (I.C.J. Reports1984، p. 439)، وأنظر كذلك الخير قشي، المنازعات القانونية والسياسية في قضاء محكمة العدل الدولية، مجلة العلوم الاجتماعية والإنسانية لجامعة باتنة، العدد 2،1994، ص.13-49ص.32وما بعدها.

27.أنظر محمد بجاوي، المرجع السابق، ص.81

28. نفس المرجع

29. في المجال الداخلي أصبحت الحكومة مسؤولة إمام البرلمان، إلا أنها لا تسال عن السياسة الخارجية لانها من اختصاص رئيس الجمهورية. ولذلك فكل ما يمكن للبرلمان أن يقوم به في هذا الصدد هو فتح مناقشة حول الموضوع بناء على طلب رئيسه وإصدار لائحة حول الموضوع يبلغها رئيس الجمهورية (م.130)

30.واستنادا إلى هذا النص عرضت اتفاقيتنا حقوق الإنسان لسنة 1966[الاتفاقية الدولية بشان الحقوق المدنية و السياسية و البرتوكول الاختياري الأول الملحق بها و الاتفاقية الدولية بشان الحقوق الاقتصادية والاجتماعية و الثقافية ] على المجلس الشعبي الوطني للموافقة عليهما ، وصدرت الموافقة الصريحة للمجلس  بمقتضى القانون 89-80المؤرخ في 25أفريل 1989[الجريدة الرسمية للجمهورية الجزائرية رقم 17الصادر بتاريخ 26أفريل 1989] ، ثم صادق رئيس الجمهورية  على الاتفاقيتين و البرتوكول  الأول المشار إليه بمقتضى المرسوم الرئاسي رقم 89-67المؤرخ في 16ماي 1989[ الجريدة الرسمية ، عدد20، ص.437.]

31.  حول هذا الموضوع أنظر: الخير قشي "تطبيق القانون الدولي الاتفاقي في الجزائر"، المجلة المصرية للقانون الدولي، مجلد 51،1995، ص.263-284وكذلك مجلة العلوم الاجتماعية والإنسانية لجامعة باتنة، العدد 4،1995، ص15وما بعدها.

تختلف الدساتير اختلافا بينا في محاولة تعداد ما تراه هاما من المعاهدات، فمثلا نجد أن الدستور المصري يذكر معاهدات التجارة والملاحة، إضافة إلى بعض المعاهدات السياسية (أنظر د. محمد سامي عبد الحميد أصول القانون الدولي العام: القاعدة الدولية، ج.2، ط.7، مؤسسة المعارف بالإسكندرية،1995، ص.192-193)، كما يشير الدستور الفرنسي إلى المعاهدات التجارية إضافة إلى المعاهدات السياسية، أنظر:

Louis Cavaré ,Le droit international public positif, éditions A .Pedone, Paris(1969),p.102-103et Paul Reuter ,Droit international public, Presse Universitaire de France (1976) ,p.112-113.

ويشير الدستور الإيطالي لسنة 1947إلى المعاهدات ذات الطبيعة السياسية والاتفاقيات التي تنص على التحكيم أو التسوية القضائية(م.80) أنظر:M. Duverger، المرجع السابق، ص.687

32.انظر المادة 122من الدستور

33.ولذلك عرضت اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحر على المجلس الوطني الانتقالي للموافقة عليها قبل التصديق عليها من طرف رئيس الجمهورية. فالاتفاقية تنطوي على نصوص تتعلق بحدود الإقليم البحري للدولة كتلك المتعلقة بالبحر الإقليمي والامتداد القاري. أنظر الأمر رقم 96-05المؤرخ في 10يناير 1996، الجريدة الرسمية للجمهورية الجزائرية، عدد3الصادر بتاريخ 14يناير 1996، ص.16

34.أنظر المادة 27من اتفاقية فينا لقانون المعاهدات.

35.حول التصديق الناقص أنظر مثلا: د. محمد سامي عبد الحميد، المرجع السابق، ص 193-197، د. إبراهيم محمد العناني، المرجع السابق، ص.360-363، وكذلك:

Ch. Rousseau, Op.cit., pp.41-43 ; Paul Reuter, Op.cit., 110-111 ; Louis Henken, Richard C.Pugh.

Oscar Schachter and Hans Smith, International Law: Cases and Materials,2nd.ed.West Publishing .Co (1987),pp.458-461.

36. أنظر الكتاب السنوي للجنة القانون الدولي،1966(II)، ص.241-242

37. أنظر مثلا:

Hans Blix, Treaty Making Power(1960), pp.373-374.

38. أنظر مثلا:

L.Wildhaber, Treaty Making Power and Constitutions, Helbing&Lichtenhahn, Basel and Stuttgart (1971), pp. 146-181at 181.

39.أثيرت المادة 46أمام مجلس الشيوخ الأمريكي مرتين: الأولى بصدد الاتفاقيات المبرمة بين الولايات المتحدة وإسرائيل سنة 1975والمتعلقة بانسحاب إسرائيل من شبه جزيرة سينا، والتي انطوت على عدد من الالتزامات الملقاة على عاتق أمريكا تعلقت بالاستجابة لاحتياجات إسرائيل ومتطلبات أمنها، نظرا لإبرامها دون موافقة مجلس الشيوخ. ورأى البعض أن هذه المخالفة تعلقت بقاعدة ذات أهمية جوهرية وأن إسرائيل كان يفترض فيها، وبصفة معقولة، العلم بهذا النص الدستوري. إلا أن كتابة الدولة رفضت هذا الموقف، ولم يتخذ مجلس الشيوخ أي إجراء في هذا المجال،

أنظر:

15Int.Leg.Mat. (1976), p. 198  and T. Meron,"Article 46of the Vienna Convention on the Law of  Treaties, (UltraVires),49"(.B.Y.B.I.L(175-199)

والثانية بصدد الاتفاقيات المعقودة بين الولايات المتحدة وبنمـا سنة 1977، وتعلق الموضوع بالادعاء بمخالفة بنمـا للشروط التي يتطلبها دستورها لإبرام اتفاقية القناة (عدم لجوء بنمـا إلى استفتاء ثاني). وأجابت بنمـا عن ذلك بأن دستورها لا يتطلب اللجوء الى استفتاء ثان، واعتبرت الحكومة الأمريكية الموقف القانوني لبنمـا "معقولا"، أنظر:

71Am.J.I.L.(1978)، pp.635-643; Louis Henken and others، Op. Cit.، pp.460-461.

40.ادعت النرويج في هذه القضية أمام المحكمة بأن وزير خارجيتها لم يكن مؤهلا دستوريا لإبرام اتفاقية دولية إلزامية حول "مسائل ذات أهمية" بدون موافقة الـ    King in Council، إلا أن المحكمة رفضت اعتبار هذا القيد الدستوري كأساس لإبطال تعهد وزير الخارجية، مقررة أن وزير الخارجية تصرف في إطار سلطته. أنظر P.C.I.J. Series A/B.,No.53.

41.رفض القاضي الفرنسي تطبيق المعاهدات التي تم التصديق عليها بشكل غير صحيح، أنظر Ch. Rousseauالمرجع السابق، ص.42 

42. تجدر الإشارة إلى أن المادة 158من دستور 1989كانت تنص على أنه «إذا قرر المجلس الدستوري ...». والغريب أن هذه المادة لم تكن من المواد التي مسها التعديل الذي طرح على الاستفتاء الشعبي، حيث لم يظهر هذا التعديل إلا في النص النهائي الرسمي الصادر في الجريدة الرسمية عقب الاستفتاء. ويمكن إذن التساؤل حول القيمة القانونية لهذا النص، لأن معنى الجملة التي عدلت تغير جذريا، إذ أن رأي المجلس يتعلق برقابة سابقة على التصديق بينما القرار يتعلق برقابة لاحقة على التصديق، ولمزيد من المعلومات راجع مقالنا «تطبيق القانون الدولي الاتفاقي في الجزائر»، المجلة المصرية للقانون الدولي، مجلد51،1995، ص.263-284وكذلك مجلة العلوم الاجتماعية والإنسانية، جامعة باتنة، عدد 4، 1995، ص. 11-34.

43.من البديهي أن العلاقة بين المعاهدات ذات الشكل المبسط والدستور لا تثير أية مشكلة. فإذا كانت هذه المعاهدات لا تسمو على القانون العادي فإنها لا تسمو على الدستور.

44.انظر احمد محيو، المرجع السابق، ص. 429- 430.وانظر كذلك الدكتور سعيد بوشعير النظام السياسي في الجزائر، دار الهدى، 1990، ص.422- 423وكذلك القانون الدستوري  و النظم السياسية، الجزء الأول، المؤسسة الوطنية للكتاب و ديوان المطبوعات الجامعية، 1993، ص.214.ولكن قارن فوزي أوصديق، الوافي في شرح القانون الدستوري، ج2، ديوان المطبوعات الجامعية، 1994،ص.218.

45.تنص المادة 169على أنه «إذا ارتأى المجلس الدستوري أن نصا تشريعيا أو تنظيميا غير دستوري، يفقد هذا النص أثره ابتداء من يوم قرار المجلس».

46.أنظر المادة 32من اتفاقية فيـنا لقانون المعاهدات. 

47. لمزيد من المعلومات حول الحجج التي قدمناها لمحاولة إثبات تمتع المجلس الدستوري بسلطة الرقابة السابقة فقط انظر مقالنا تطبيق القانون الدولي الإتفاقي ... السابق الإشارة إليه ص 278-282من المجلة المصرية ص ص 28-32من مجلة العلوم الاجتماعية.

48. راجع مثلا موقف القاضي الأمريكي (محكمة نيويورك القسم الشمالي) في قضية غلق مكتب منظمة التحرير الفلسطينية لدى منظمة الأمم المتحدة تطبيقا لنصوص قانون مكافحة الإرهاب لسنة 1987. انظر د. احمد أبو الوفاء محمد، التعليق على * الرأي الاستشاري الخاص بمدى انطباق الالتزام بالتحكيم وفقا للفصل 21من اتفاق 26جوان 1947بخصوص مقر منظمة الأمم المتحدة* المجلة المصرية للقانون الدولي، المجلد 44، 1988، ص 285-288.

49. تنص المادة 91على ما يلي:

يوقع رئيس الجمهورية اتفاقيات الهدنة ومعاهدات السلم ويتلقى رأي المجلس الدستوري في الاتفاقيات المتعلقة بها. ويعرضها فورا على كل غرفة من البرلمان لتوافق عليها صراحة.

50.أشار الدكتور سعيد بوشعير مثلا إلى أن الغموض الذي اكتنف هذه المادة يرجع إلى السرعة في إعداد الدستور وتقديمه إلى الشعب في الموعد المحدد، انظر النظام السياسي في الجزائر، المرجع السابق، ص 422-423وكذلك القانون الدستوري والنظم السياسية، الجزء الأول، المرجع السابق ص 214.

51. يشير Ch. Rousseauإلى أن الولايات المتحدة الأمريكية أبرمت 845معاهدة من سنة 1789إلى سنة 1945مقابل 1492اتفاقية تنفيذية وإلى أن النسبة بلغت 46معاهدة خلال الفترة من 1939إلى 1945مقابل 310اتفاقيةتنفيذية.  وفي سنة 1946ابرمت 15معاهدة مقابل 183   اتفاقية تنفيذية.  المرجع السابق، ص 38.

52. أنظر مثلا الدستور المصري لسنة 1971(م.151) والدستور الفرنسي لسنة 1958(م.53)

53.تنص المادة 33من دستور فنلندا لسنة 1919على أن موافقة غرفة النواب ضرورية لتصديق رئيس الدولة على المعاهدات التي تتضمن نصوصا تدخل في الاختصاص التشريعي للبرلمان انظر M Duverger، المرجع السابق، ص.722

54. يستحسن استخدام هذا المصطلح بدلا من مصطلح المعاهدات التي تعدل محتوى القوانين، لأن هذا الأخير يشمل كذلك اللوائح والتنظيمات والتي لا يوجد مبرر لإدراجها في هذا المجال وربما لهذا السبب تراجع المشرع الدستوري الفرنسي عن استخدام هذا المصطلح الأخير وعوضه بالمعاهدات التي تعدل نصوصا ذات طابع تشريعي في المادة 53(les dispositions de nature législative

55.انظر الخير قشي تطبيق القانون الدولي.... المرجع السابق، ص 19وما بعدها

56.أنظر M. Duverger، المرجع السابق، ص.688

57. أنظر Louis Cavaré، المرجع السابق، ص.100

58.من الدساتير التي تستخدم هذا المصطلح الدستور المصري لسنة 1971في مادته 151

59.كإيجار منطقة الهقار مثلا لإطلاق الصواريخ باعتبارها من أحسن مناطق العالم ملائمة لذلك نظرا لمناخها المتميز على مدار السنة.

60. قارن مثلا نص المادة 53  من الدستور الفرنسي لسنة 1958والمادة 151من الدستور المصري لسنة 1971

@pour_citer_ce_document

الخير قشي, «العلاقة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية في مجال إدارة العلاقات الخارجية»

[En ligne] ,[#G_TITLE:#langue] ,[#G_TITLE:#langue]
Papier : pp : 09 - 24,
Date Publication Sur Papier : 2015-05-25,
Date Pulication Electronique : 2015-05-06,
mis a jour le : 03/10/2018,
URL : https://revues.univ-setif2.dz:443/revue/index.php?id=1245.