مساهمة نقدية لاستعمالات مصطلح الكفاءات في المجال التربوي من الناحية النظرية والابستمولوجية
Plan du site au format XML


Archive: revues des lettres et sciences sociales


N°01 Avril 2004


N°02 Mai 2005


N°03 Novembre 2005


N°04 Juin 2006


N°05 Juin 2007


N°06 Janvier 2008


N°07 Juin 2008


N°08 Mai 2009


N°09 Octobre 2009


N°10 Décembre 2009


N°11 Juin 2010


N°12 Juillet 2010


N°13 Janvier 2011


N°14 Juin 2011


N°15 Juillet 2012


N°16 Décembre 2012


N°17 Septembre 2013


Revue des Lettres et Sciences Sociales


N°18 Juin 2014


N°19 Décembre 2014


N°20 Juin 2015


N°21 Décembre 2015


N°22 Juin 2016


N° 23 Décembre 2016


N° 24 Juin 2017


N° 25 Décembre 2017


N°26 Vol 15- 2018


N°27 Vol 15- 2018


N°28 Vol 15- 2018


N°01 Vol 16- 2019


N°02 Vol 16- 2019


N°03 Vol 16- 2019


N°04 Vol 16- 2019


N°01 VOL 17-2020


N:02 vol 17-2020


N:03 vol 17-2020


N°01 vol 18-2021


N°02 vol 18-2021


N°01 vol 19-2022


N°02 vol 19-2022


N°01 vol 20-2023


N°02 vol 20-2023


A propos

avancée

Archive PDF

N°21 Décembre 2015

مساهمة نقدية لاستعمالات مصطلح الكفاءات في المجال التربوي من الناحية النظرية والابستمولوجية


بلقاسم بلقيدوم
  • resume:Ar
  • resume
  • Abstract
  • Auteurs
  • TEXTE INTEGRAL
  • Bibliographie

يتعرض المقال الحالي إلى مصطلح الكفاءة في مجال التربية والتكوين  بالمناقشة والتحليل من جميع النواحي، وذلك بالارتكاز على معاينة ما هو مطبق في المناهج المدرسية وبرامج التكوين الحالية في عدد من الدول، بالتركيز على بعض الصعوبات والانتقادات التي تواجه هذا المصطلح منذ إدخاله في البرامج الدراسية  من جهة، واستكشاف جوانب الغموض والخلط المفاهيمية لمصطلح الكفاءة وبعض المصطلحات المرتبطة بتكوينه من جهة أخرى، من خلال تقصي صعوبات استعماله، وحدوده الابستمولوجية والنظرية في ارتباطه بكل مستويات  تصميم وتنفيذ الفعل التربوي والتكويني وتطبيقاتهما الممارساتية.

الكلمات المفاتيح: الكفاءة، الصعوبات الابستمولوجية، السوسيوبنائية، الوضعية المشكلة، فئة الوضعيات، الكفاءات الممتدةالمشكلات النظرية والصعوبات الممارساتية

Le présent article a pour objet de discuter et d’analyser le concept de « compétence » et ses applications dans les domaines d’éducation et de formation, notamment son utilisation dans la conception des curricula et programmes de formation dans différents contextes. Après examen des flux de critiques multidimensionnelles qu’a subi la définition même du concept relatifs surtout à son caractère toujours ambigu, nous tenterons dans une deuxième phase d’élucider les limites conceptuelles et épistémologiques qui existent entre le concept de compétence et d’autres notions, pour pouvoir en guise de conclusion d’explorer les niveaux d’utilisation de la compétence soit dans le domaine de l’ingénierie pédagogique ou des pratiques d’enseignement.

Mots clés :Compétence, Difficultés Epistémologiques, Socioconstructivisme, Situation Problème, Familles De Situations, Compétences Transversales, Problèmes Théoriques Et Des Difficultés Pratiques 

This article aims at discussing and analyzing the concept of « competence » in the field of Education and Training, by consulting school curriculums and training programs in different countries. On one hand we to demonstrate the difficulties that faced this term since its introduction into the field of education and training. On the other hand we explore the ambiguity of this term, its conceptual confusion, and its association with other concepts, trying to distinguish its theoretical and epistemological limits in relation to all the action levels of 'instructional design and educational practices.

Keywords:Competence, Epistemological Difficulties, Social Constructivism, Problem Situation, Situations Category, Transversal Competences, Theoretical Problems and Practical Difficulties

Quelques mots à propos de :  بلقاسم بلقيدوم

أستاذ محاضر أ، قسم قسم علم النفس وعلوم التربية الأرطوفونيا، كلية العلوم الاجتماعية والإنسانية، جامعة محمد لمين دباغين سطيف2

مقدمــة

بعد ظهور مقاربة التكوين بالكفاءات وانتشارها في عدد كبير من دول العالم، فقد اعتمد النظام التربوي الجزائري على غرار بعض الأنظمة الأخرى مصطلح الكفاءة كمدخلة أساسية يقوم عليها إعداد المناهج الدراسية ابتداء من الموسم الدراسي 2003-2004في ظل تردد بعض المختصين التربويين بسبب عدم وضوح المصطلح وكثرة الغموض الذي اكتنفه في البداية من حيث الخلفية النظرية التي تؤطر استعماله كمصطلح وتوجه التطبيقات التي تصاحب استعماله في ضوء تصور هندسة بيداغوجية متكاملة. ولا يزال التساؤل إلى يومنا هذا يشغل مختلف الأطراف الفاعلة في النظام التربوي حول مصطلح الكفاءة، حيث أصبح يمثل موضوعا للعديد من النقاشات تصل حد الانتقادات في بعض الأحيان، سواء على المستوى الابستمولوجي أو المستوى النظري، وأهمها تلك التي ترى أن مفهوم الكفاءة غير ملائم للاستعمال في الحقل التربوي، باعتبار أنه جد متشبع بتأثيرات بعض المجالات التي دأبت على استعماله في سياقات محددة ومضبوطة بمعايير خاصة على غرار المجال الصناعي والاقتصادي والإداري التنظيمي. أو تلك الرؤية التي تركز على درجة الخلط بين بعض المفاهيم والكفاءة اعتقادا أنها من مستوى نظري واحد، بالإضافة إلى الغموض الذي اكتنف المفاهيم المرتبطة بشكل مباشر ببناء الكفاءة وتقويمها؛ كالوضعية المشكلة، فئة الوضعيات، الكفاءات الممتدة. هذا المستوى من الغموض والتباين في تناول المفاهيم واستعمالها عمليا من جهة، ومستوى القصور في معظم الأحيان في إدراك مرتكزات المقاربة النظرية في ظل تنوع الأطر المفاهيمية، وضعف تقني واضح من مخلفات المرحلة السابقة ( المقاربة بالأهداف) من جهة أخرى، وضع المسؤولين عن تصميم المناهج الجديدة في وضعية معقدة تقتضي تشييد صرح جديد- مفاهيمي بامتياز- يعتمد على ضبط المفاهيم وربط بعضها ببعض بشكل منطقي وإجرائي، في حين أن المتوفر علبة أدوات قديمة لا تسمح بصياغة المناهج الدراسية وفق الكفاءات، بوصفها لا تتلاءم ولا تتكيف مع متطلبات النموذج السوسيوبنائي للكفاءات في صياغة البرامج الدراسية.

سوف نتناول في هذا المقال بعض الصعوبات والانتقادات المرتبطة باستعمال مصطلح الكفاءة في سياق التعليم المدرسي بالبحث والتدقيق،حيث نرتكز على تدرج أساسي ينطلق من مفهوم الكفاءة كما هو معرَف في التربية ضمن منظور المناهج الدراسية الحديثة، وتبيان بعض الصعوبات المتعلقة بالتمييز بين الكفاءة وبعض المفاهيم المرتبطة بها، مرورا بإشكالية عدم كفاية الإطار النظري والصعوبات الابستمولوجية التي تعاني منها مقاربة التدريس بالكفاءات في صياغة المناهج الدراسية، ثم ننتقل إلى صعوبات ضبط محاور تشكيل الكفاءات ذات الصلة بالوضعية وفئة الوضعيات والكفاءات الممتدّة.

1-  الكفاءة: مصطلح غامض ومتعدد المعاني

يكتنف مصطلح الكفاءة من الناحية العلمية كغيره من المفاهيم التي عرفتها التربية الحديثة نوعا من الغموض والضبابية،و هذا ما جعله محل تساؤل منذ ظهوره في حقل التربية من طرف العديد من الباحثين المختصين، كما أن تطور هذا المفهوم ضمن الأدبيات التربوية والديداكتيكية الحالية قد اتخذ منظورات متعددة، فكل مختص يتناوله بصفة تتوافق مع منظوره الخاص في ضوء الخلفية النظرية التي يتبناها، وهذا ما جعل منه مفهوما غامضا ويحمل عدة مدلولات. إذ يعتبر معظم الباحثين المنظرين للكفاءات أن الكفاءة مفهوم متعدد المعاني (Perrenoud :1997. Jonnaert :2002, Scallon :2004, Ubaldi&Al :2005...) وتتغيَر دلالاته بتغير السياق الذي يوضع فيه (سياق تربوي، مهني، لغوي...) ويتخذ أحيانا دلالات متنوعة بتنوع السياقات التقاربية التي نشأ فيها،فهو كالحرباء التي يتغير لونها بتغير المكان الذي ترسو فيه، ويتلوَن أحيانا بألوان مختلفة عندما تقل الفترة التي يقضيها في المكان الذي تتواجد فيه.

ويبقى مصطلح الكفاءة إلى حد الساعة عرضة لكثير من الانتقادات، فمن المختصين من يذهب إلى وصفه بأنه غير قابل للاستعمال في مجال التربية، كما أنه مفهوم تعوزه الاستقلالية ولا يعدو أن يكون انعكاسا لعينة من تأثيرات مجالات أخرى (Jonnaert :2002 :26).فقد تم استخدامه تواترا في حقول معرفية متعددة ومجالات عملية وتطبيقية مختلفة من دون أن يحدد أو تضبط حدوده المعرفية بدقة مما جعله مصطلحا فضفاضا (LeBoyer :1997 :18)، أو كما يصفه البعض بأنه مفهوم افتراضي (Raynal& Rieunier :1997 :77)، لكن في تقديرنا تبقى أهم الأسباب التي أدت بهذا المصطلح إلى أن يتصف بهذه المواصفات المصطلحية السيئة، تلك المحاولات التطبيقية التي سعت إلى توطينه في بعض الميادين، دون مراعاة لأنساقها المعرفية والمفاهيمية، مما جعله مصطلحا هلاميا، افتراضيا، متعدد المعاني ولا علميا وغير دقيق،ذلك لأن هذه المحاولات رشح عنها تأثير على معنى هذا المصطلح نتج عن تطفله في أغلب الأحيان على الأطر المفاهيمية للعديد من الميادين، هذا التأثير تبعه تغيَر في التصورات والمخططات الذهنية المرتبطة بتطبيقاته في مجال التربية والتكوين والتدريب من جهة، بالإضافة إلى عدم تغطيته للمفهوم العلمي المعرَف بوضوح من جهة أخرى.

لكن رغم كل ما سلف ذكره فإن مصطلح الكفاءة يبقى واسع الاستعمال من قبل المختصين على اختلاف مشاربهم الفكرية والنظرية، في محاولة لتجاوز عائق التدقيق في دلالاته المفاهيمية من خلال التركيز أكثر على تطوير جوانبه الممارساتية والتقنية بالخصوص.

فمن خلال تتبع مسارات تطور الكفاءة داخل الأدبيات العلمية والتربوية، يتجلى لنا غموض معناه وتباين مدلولاته بتنوع الأطر النظرية والمفاهيمية التي اهتمت بتوظيفه، فقد اختلفت مفاهيم الكفاءة في الجانب القانوني واللغوي عن جانب الشغل والتربية، ويختلف مفهوم الكفاءة داخل نفس المجال (أي التربية) حسب منظورات تطوره، فالكفاءة حسب المنظور السلوكي تبتعد عن المنظور المعرفي-البنائي سواء في مفهومها، أو مرجعياتها، أو طريقة تكوينها وإجراءات تقويمها،فمفهوم الكفاءة وفق المنظور الأول  يأخذ بعدا سلوكيا محضا يرتكز أساسا على الأداءات الروتينية للأفراد القابلة للملاحظة ضمن معايير تحكم مقننة، بينما ترتكز داخل التوجه المعرفاتي على المنظور البناؤمعرفي، الذي يعتبر أن الكفاءة ليست سلوكا فحسب، وإنما تستمد مظاهرها السلوكية من الملكات المعرفية للفرد، ولا يمكن أن تكتسب الكفاءة أو تقوَم إلا من خلال الوضعيات المشكلات التي يوضع فيها الفرد،ففي ما يعرف حاليا بالتيار الفرانكفوني في بناء الكفاءات الذي طوره عدة باحثين أمثال:, De Ketele (1986) (1988)Meirieu D’Hainaut (1988), Perrenoud (1997) (2000), RoegiersBosman, Gerard & Roegiers (2000), Jonnaert (2002)...تم اقتراح مقاربة جديدة للكفاءة في التربية مستقلة عن المنظور السلوكي الذي ظل مهيمنا منذ السبعينيات؛ تعرف بالمقاربة النسبية للكفاءات التي غيَرت من الوضعيات الدينامية للتمشيات أو السيرورات التربوية، ودفعت بالمختصين في التربية إلى البحث عن مواقع أكثر نسبية وأقل معيارية وتحديدا للأهداف في المناهج الدراسية.

  لا يزال مصطلح الكفاءة في المجال التربوي يعاني من غموض في تحديد معناه وضعفا من الناحية المفاهيمية، أيضا بسبب اعتماد بعض المفاهيم المحورية المرتبطة بتوليفه ضمن نسق استعمالاته لتفسير عملية التعلم كمفهوم التجنيد والتحويل والتعديل...، والتي بدورها لم تحدد عمليا بشكل دقيق من خلال الارتكاز على نظرية علمية مؤسسة على إطار نظري شامل يعتمد على تجنيد الموارد المعرفية، فقد أفضت المبالغة في استعمال هذا الأخير –أي التجنيد-  بهدف إعداد ترسانة نظرية  في خدمة مصطلح محوري واحد إلى الإفراط في ظهور تناقض مفاهيمي واضح وفي بعض الأحيان تداخل يصعب معه تمييز هذه  المفاهيم بعضها عن بعض (Crahay :2006 )، فمفهوم «التجنيد» في حد ذاته لا يزال هو الآخر مفهوما غامضا ويطرح إشكالية فيما يخص مراحل حدوثه وكيفية تمييزه عن "التحويل".

ويضيف (Le Boterf 2002:31) مبررا ضعف استعمال مفهوم الكفاءة، إلى أنه يفهم في غالب الأحيان كنظير لـ "مجموعة" المعارف والمعارف الفعلية والمعارف الوجدانية، أو نظير "تطبيق" المعارف النظرية أو التطبيقية. بالإضافة إلى تشبيه الكفاءة في غالب الحالات بالمعرفة الفعلية المجزأة، وذلك نتيجة لغياب إطار مفاهيمي موحد بين الباحثين والمؤلفين من ناحية، واختلاف مكوناتها ووظيفتها وطرق تقويمها من ناحية أخرى.  لكن رغم هذا التداخل المفاهيمي، ينصح بعض المختصين بضرورة العمل على تجاوز الغموض الاصطلاحي، الذي جعل الكفاءة أقل وظيفية إلى درجة أنه يعسر تحديدها بدقة، فبالرغم من ضبابية المفهوم، فإنه لا يعيق بشكل كبير التعامل معه بصفة ملموسة (Ubaldi& Al :2005 :64).                                                           

ومن أجل تجاوز الغموض في تحديد مفهوم الكفاءة، يجب أن يوجه الاهتمام إلى العمل على ضبط المفهوم في إطار صياغة إطار مفاهيمي موحد يجمع الباحثين المختصين، تحدد من خلاله دلالات المصطلح من ناحية مفهومه ومكوناته ووظيفته، وآليات قياسه إجرائيا، وذلك من أجل تهيئة أرضية اتفاق للأطر النظرية للمناهج الدراسية والتطبيقات التربوية التي تتبعها، وتحديد استراتيجيات استعماله في تنمية قدرات التلاميذ ضمن العمل المدرسي، وإعدادهم لمواجهة مختلف وضعيات الحياة اليومية.

كما أن تصنيف الكفاءات يطرح هو الآخر إشكالا من الناحية النظرية؛ فبعد إطلاعنا على بعض الأعمال المتعلقة بمجال التكوين والتي اعتمدت منحى الكفاءات، سواء تلك التي تبنت المقاربة بالكفاءات كإستراتيجية عامة في عملية التكوين، أو بعض الأعمال التي نتج عنها ضبط مجموعة من القوائم في شكل مرجعيات للكفاءات، تبين لنا أنه لا يوجد تصنيف شامل وموحد للكفاءات، فلكل باحث تصنيف خاص به أسسه من وجهة نظر معينة تحددها الخلفية النظرية التي اعتمدها كل منهم، فقد وضع (Roegiers 2000) تصنيفا للكفاءات يرتكز على مستويات عملية التعلم من خلال عملية التقويم (كفاءات دنيا وكفاءات الإتقان)، وقد صنف (Wolfs 1998) الكفاءات من خلال مسار عملية التعليم والتعلم ونواتجها النهائية بناءا على  مراحل تكوين الكفاءة (كفاءات سيرورية وكفاءات نتائجية)، في حين  وضع (Rey 1996) تصنيفا مبنيا على الكفاءة كسلوك، والكفاءة كوظيفة والكفاءة كقدرة عامة تدمج فيها الكفاءات الممتدة. ونجد حتى وزارة التربية الوطنية (2006) تبنت تصنيفين في مرحلتين مختلفتين؛ ففي البداية تم اعتماد التصنيف الذي يترجم عملية بناء الكفاءة كناتج لعملية التعلم (كفاءة قاعدية، كفاءة مرحلية، وكفاءة ختامية)، وفيما بعد تم اعتماد تصنيف آخر يصنف الكفاءات حسب درجة شموليتها (الكفاءة الخاصة والكفاءة الختامية). وانطلاقا من التصنيفات المذكورة تبين أنه لا يوجد تصنيف مطلق وشامل يتفق عليه معظم الباحثين والمؤلفين، وذلك لتنوع مقاربات تصنيف الكفاءات مما جعل معظم هذه التصنيفات عرضة لكثير من الانتقادات؛ أحيانا بسبب غموض أسسها المفاهيمية وكيفية توصيفها لعملية التعلم ومظاهر حدوثه، أو بسبب عدم تدعيمها بأمثلة ملموسة ودلائل توضح مبرراتها أحيانا أخرى.

 ومن جهة أخرى يطرح مفهوم الكفاءة في ارتباطه بعملية التقويم بعض التساؤلات الوجيهة والصعبة في آن واحد، وذلك بسبب الطابع الإدماجي الذي تتميز به، فقد وصفها (2005:113) Meirieuiبأنها تختلف عن الأداء ولا تلاحظ بصفة مباشرة ولا تقوَم بسهولة، كما أن صياغة الكفاءة كمقود ومحرك لممارسات عمليتي التعليم والتعلم في مختلف الوضعيات، نتج عنها بعض الصعوبات الميدانية في كيفية الاشتغال طيلة فترة التكوين، خاصة أثناء سيرورة بناء الكفاءات لدى التلاميذ، وإدارة عملية التعلم وممارسة تقويم التلاميذ.

2-                       خلط بين المفاهيم

من خلال متابعة تطور الأدب التربوي المرتبط بمجال التعلم التدريب والتكوين، والذي ارتكز على مفهوم الكفاءات، تتجلى لنا ظاهرة متميزة آخذة في التطور والانتشار، تتمظهر في استخدام كثيف لبعض المفاهيم والمصطلحات التربوية؛ مثل: الأهداف التربوية، والقدرات، والمهارات، والأداء، والاستراتيجيات...وغيرها، هذه المفاهيم -المقتبسة من مجالات معرفية مختلفة-تتداخل في الواقع مع مفهوم الكفاءة، مما سبب خلطا مفاهيميا يصعب من خلاله وضع حدود معرفية تميزه عنها، أو حتى تمييز هذه المفاهيم بعضها عن بعض. وبذلك ساهمت هذه المفاهيم في جعل مصطلح الكفاءة ضعيفا من الناحية المفاهيمية بسبب خلطه أحيانا بالمفاهيم المذكورة،حيث أنه لا يشير في عموميته إلا إلى المحتويات الدراسية وإلى القدرات، كما يشير أحيانا أخرى إلى الأهداف الخاصة (Roegiers :2004). وكرد فعل لاستدراك بعض النقائص المرتبطة بمختلف استعمالات هذه المفاهيم من جهة، وتجاوز هذه المعضلة المفاهيمية المتشابكة والمتداخلة من جهة أخرى،  حاول بعض المختصين ضبط كل هذه المفاهيم بشكل إجرائي ضمن  أطر محددة  ومفصلة  تعتمد منهجية بنائية  قوامها الأجرأة من حيث توصيف  سيرورات عملية التعلم أو التكوين أو التدريب وفقا للنموذج المعتمد بالارتكاز على إطار مفاهيمي محدد، فتبنى هذا الأسلوب العملي مكّن بشكل وجيه من الوصول إلى ضبط مدلولات هذه المفاهيم  وفهمها بعمق،على غرار بعض الأعمال التي عملت وفقا لهذا المنحى في محاولة لإقامة روابط بين مختلف المفاهيم (Rey :1996, Scallon :2004, Jonnaet :2002, Roegiers :2000)، إلا أن هذه المحاولات تبقى مرتبطة بمدارس تفكير الباحثين التي صيغت حولها نماذجهم بالإضافة إلى انتماءات توجهات المناهج الدراسية التي تأثرت إلى حد كبير بالأنساق الثقافية والفكرية والاقتصادية والاجتماعية للبلدان.

في البداية لم تكن دلالات كل من الكفاءة والقدرة داخل الأدبيات المعاصرة مستقرة، ذلك أن المفهومين لم يحددا بشكل واضح باعتبارهما غير قائمين على نظريات ملائمة، وبالتالي عادة ما ترتبط القدرة بالكفاءة (Jonnaert: 2002 :46) وتتأسس الكفاءة من قدرة الفرد على تجنيد مجموعة من الموارد قصد حل وضعية-مشكلة تنتمي إلى نفس فئة الوضعيات، ويؤكد ذلك تعريف (Perrenoud 1999 :17) للكفاءة بأنها القدرة على تجنيد مختلف الموارد المعرفية للتصرف تجاه نوع معين من الوضعيات،كما تعتمد نفس المنحى منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية (OCDE 2000a :15) التي ترى بأنها: القدرة على القيام بشيء معين، فالكفاءة والقدرة يحملان حسب التعريفين نفس الدلالة وغالبا ما يتم الخلط بينهما، وهذا رغم تواجد كل واحد منهما في مستوى لساني مختلف (Jonnaert & Al :2004 :674). تضع هذه التعاريف مصطلحي القدرة والكفاءة في نفس المستوى المفاهيمي، دون الأخذ بعين الاعتبار الحدود النظرية والابستمولوجية التي تفصل بينهما، فهل يخضع كل منهما لنفس التكوينات؟،

نحن نعلم أن الكفاءة تجنَد مجموعة من القدرات، وتجنَد القدرات مجموعة من المهارات وتجنَد هذه الأخيرة مجموعة من المحتويات كما ورد في المقاربة الشلالية (l’approche cascadéeلـJonnaert 2002). وإذا انطلقنا من التعريف العام الأكثر تداولا للكفاءة بأنها: القدرة على التصرف في وضعية معينة، صادفنا في الواقع من لا يستطيع أن يتصرف في بعض الوضعيات، فهل يمكننا أن نحكم عليه بأنه غير كفء؟ فماذا لو صادف وضعية غير معروفة في سياق جديد ضمن مجال دراسي أو مهني معين؟ الأمر الذي يستدعي القبول بوجود كفاءة في كل فعل، الأمر الذي يفتح المجال أمام تقطيع الكفاءة إلى كفاءات أخرى جزئية، وهذا ما يتنافى مع الطابع المدمج للكفاءة في مختلف مراحل تكوينها لدى الفرد، ويقترب من النموذج السلوكي الذي يجزئ بشكل مفرط فترات التعلم انطلاقا من تجزيء الأهداف التربوية.

 وإذا انحصرت الكفاءة -من ناحية التقويم - في القدرة فكيف يمكن تقويمها، علما أن القدرة تمتاز حسب (Roegiers 2000) بعدم قابليتها للتقويم بسبب كينونتها المستترة وشكلها المضمر من جهة، وطابعها المستعرض الذي يطرح في حد ذاته مشكلات عديدة فيما يخص عملية التقويم من جهة أخرى.

ويذهب بعض المؤلفين إلى أنه يمكن للكفاءة أن ترادف الهدف التربوي، وهذا حسب المجلس الوطني للقياس في التربية (Louis& Al :1996 :416). فارتباط مصطلح الكفاءة بالهدف التربوي أنتجته أعمال الباحثين في الولايات المتحدة الأمريكية في سنوات 1970التي استوحيت من المنظور السلوكي المعروف بحركة تكوين المعلمين القائمة على الكفاءات، وأفضل دليل على تكافؤ مصطلحي الكفاءة والهدف السلوكي ضمن هذا المنظور؛ تعريف الباحثة Keyللكفاءة بأنها الأهداف السلوكية المحددة تحديدا دقيقا، والتي تصف المعارف والمهارات والاتجاهات التي يعتقد أنها ضرورية للمعلم إذا أراد أن يعلَم تعليما فعالا (مرعي:2003:23). ويعترف (1988 :131)Cardinet   من جهته دون أن يقر بتكافؤ مصطلحي الهدف والكفاءة، بأنهما مترابطان، واستغل مفهوم الكفاءة ليقصد به فئة من الأهداف الجزئية أو الأهداف ذات الوظيفة النهائية. ونتيجة لهذا الخلط بين مصطلحي الكفاءة والهدف برزت تناقضات بين التوجه السلوكي والتوجه البنائي الذي جاء كرد فعل للسلوكية التي سيطرت لمدة زمنية طويلة على الممارسات التربوية، لذلك فانه لا يمكن أن تختزل الكفاءة في الهدف الإجرائي الذي يحدد مسبقا السلوك الملاحظ المنتظر من المتعلم (Jonnaert, Lauwaers et Pesenti, 1990Cité in Jonnaert :2004 :82). لأن سيرورة تطور الكفاءة دينامية، غير خطية ومركبة، وفي النهاية غير متوقعة وبالتالي غير محددة منذالبداية. وعلى الرغم من الحدود التي تفصل بين المصطلحين نظريا وتطبيقيا لا يزال البعض يعتقد أنهما متكافئان، ففي دراسة حول البرامج الدراسية الفرنسية؛ بيَـن (Caillot 1994) بأن مصطلح الكفاءة لم يكن موضوعا لتحليل عميق بما فيه الكفاية قبل إدخاله في برامج العلوم في الابتدائي والثانوي، فاستبدل مصطلح الكفاءة في بعض البرامج الفرنسية ببساطة بالهدف (Jonnaert & Al :2004 :668). وبينت هذه التحليلات عدم ملاءمة مصطلح الكفاءة في استعماله ضمن بيداغوجيا الأهداف التي لا يمكن أبدا فصل تأثيراتها عليه، فالهدف يتميز عن الكفاءة بارتباط تكوينه عموما وبصفة مباشرة بالمعرفة النظرية المرتبطة عضويا بالمحتوى الدراسي (هدف= قدرة× محتوى)،في حين ترتبط الكفاءة في تكوينها بالوضعيات المركبة والممارسات الضرورية لانجاز المهمات [كفاءة=(قدرات × محتويات) × وضعيات]،فإذا كان الهدف يقوم بسؤال أو تمرين بسيط يستعمل فيه التلميذ المعرفة المكتسبة من محتوى دراسي، فإن الكفاءة تقوَم من خلال حل وضعية مركبة أو انجاز مهمة تنتمي إلى نفس الفئة.

وفي هذا الصدد يقترح (Barbier2001: Cité in Vander Borght: 2004 :178) شبكة تحليل لتوضيح الفروق بين الأهداف والكفاءات، إذ يرى أن الهدف نشأ في السياق التايلوري للتكوين الذي يقوم بواسطته المتعلم بتعديل السلوك وتقديم استجابة جديدة لمثير أو مجموعة مثيرات لا تحدث مسبقا، ويفترض أن الفرد يصبح قادرا على إعادة تنظيم ما قام بتجزيئه، وبالتالي تكون الأهداف قابلة للتقويم من خلال وصف إجرائي لما يمكن ملاحظته خارجيا، ويرى أن الكفاءات ظهرت في نماذج التمهين أو التكوين المدمج، وأن الكفاءة سيرورة وليست منتوجا يشارك فيه المعلم والمتعلم في الإنتاج المشترك، ويرتبط تحقق الأهداف بالنشاطات المنزوعة السياق في حين ترتبط الكفاءات مباشرة بالنشاطاتالسياقية ذات العلاقةبالواقع،فالفرد المستهدف لا يعاملأبدا كمتعلم وإنما كمتمرس ومتأمل يقدم وسائل لتنمية كفاءاتهأثناء تصرفه تجاه فئة معينة من الوضعيات، ويكون النشاط حينها مصدرا ومعيارا لتقويم الكفاءة.

يستخدم المختصون في برامج التكوين والباحثون في التربية عموما مصطلح الكفاءة كمرادف لمصطلح الأداء، مما أدى إلى اختزال الكفاءة في مظهر الأداء، أي فهم أن الكفاءة هي الأداء الذي ينجزه الفرد بمستوى معين من الإتقان، ولكن هل الكفاءة هي نفسها الأداء أم مؤشر من مؤشراتها فقط؟ وإذا كان لهما نفس المفهوم فلماذا نتجت عنهما مقاربتان ذات توجهين ومنظورين متعارضين، وفي سياقين مختلفين؟ كثيرا ما يخلط المؤلفون بين الكفاءة والأداء، حيث يعتبر (Raynal& Rieunier 1997) بأن الأداء هو تحيين للكفاءة، وأن الكفاءة مكون كامن لا يظهر فعليا في الواقع، في حين أن الأداء هو المكون الذي نلاحظه فقط، لماذا نتحدث إذن عن تقويم الكفاءات إذا كان لا يمكننا إلا تقويم الأداء؟ ألا توجد مؤشرات دالة عن الكفاءة؟ وكيف يمكننا ملاحظة قدرة التلميذ على تجنيد الموارد المعرفية التي يمتلكها في ذهنه؟ ألا تمتلك الكفاءة مكونا ظاهرا بالإضافة إلى مكونها الكامن؟ ونعود إلى الأداء الذي يقصد به درجة اكتساب، أو مستوى نجاح الفرد في اختبار معين، مثل انجاز تلميذ معين لأداء ما...هنا لا يقاس الأداء إلا بمقارنته بانجازات أخرى، تدفع في ظل الأداء الأدنى، وبالعكس، تقاس الكفاءة انطلاقا من إمكانية انجاز مهمات معينة، سواء مهمات ذات طابع مدرسي أو مهني (Roegiers :2000 :20) ويظهر حسب التعريف أن هناك فرقابين الأداء والكفاءة من ناحية التقويم، بحيث أن الأول يقاس عن طريق انجاز معين ومقارنته بآخر، أما الثانية فتقاس بإمكانية انجاز وضعيات مدرسية أو مهنية. بينما يعتقد (Delory 2002 :30)بأن مستوى إتقان المتعلم لكفاءة معينة غير قابل للتقويم، فالوحيد الذي يمكن تقويمه هو الفعل الذي ينجزه المتعلم، ومايتمكن منه فعليا هو الأداء وليس المستوى الحقيقي لإتقان الكفاءة التي يجندها التلميذ لإنجاز هذا الأداء، فيستدل المعلم على إتقان تلميذ معين أو مجموعة تلاميذ للكفاءات من خلال تقويم الأداء الملاحظ بطريقة مباشرة، ولكن لا مجال للخلطبين الأداء والكفاءة، بحيث إنالأداء يرتبط بالنشاط والعمل والفعل في فترة معينة؛ في حين أن الكفاءة ترتبط باستعدادات أو إمكانيات أكثر استقرارا تسمح بظهور هذا الفعل، فالكفاءات ليست قابلة للملاحظة بشكل مباشر، ولا يمكنها أن تتحدد من خلال مجموعة من الأفعال أو الانجازات، ومن هنالا يرتبط معطى الكفاءة بشكل تتبعي مع معطى الإنجاز (Bosman, Gerard & Roegiers :2000 :176). مما يطرحبعض التساؤلات الهامة؛ هل يمكن حصر الكفاءة في الأداء الذي نلاحظه في سلوك المتعلم أثناء انجاز عمل معين؟ نعم يمكن قبول هذا ببساطةإذا كانت الكفاءة أدائية، وأما إذا كانت الكفاءة معرفية بحتة فكيف يمكن أن نستدل عن التغيرات التي تحدث في ذهن المتعلم؟ وكيف نفسَر ظاهرة "التجنيد" الفعلي للموارد في وضعية تقويم؟ وإذا قام المعلم بالاعتماد على التقويم الذاتي في الاستدلال على كفاءة المتعلم فماهو الأداء الدال الذي يمكن ملاحظته؟ لذلك لا يمكن في حالات أن نحصر كفاءة معينة في أداء سلوكي بحت، وهذا ما يوسع هوة الاختلاف بين مقاربة تقويم الأداء ومقاربة تقويم الكفاءات.

في الأخير؛ وفي أغلب الحالات يخلط بعض الباحثين بين الكفاءة والكفاية على الرغم من الحدود الفاصلة بين المفهومين، فإن بعض الباحثين في اللغة العربية يستعمل مصطلح "الكفاءة" ويستعمل آخرون مصطلح "الكفاية"، فأي المفهومين أكثر دلالة من الآخر في التربية؟ إذا كانت المناهج المتأسسة على الكفاءات قد استعيرت من المناهج الأجنبية، فانه كلمة "كفاءة" يقابلها في اللغتين الفرنسية والانجليزية على التوالي: (Compétence, Competency) أما كلمة "كفاية" فيقابلها كلمتا: (Efficience, Efficiency) ويبدو أن الفرق بين كلمتي "كفاءة" و"كفاية" في اللغتين الفرنسية الإنجليزية واضح لا يحتاج إلى نقاش أو استدلال، في حين يستخدم بعض الباحثين في اللغة العربية مقابل (Compétence, Competency) مفهومين مختلفين من حيث الدلالة اللغوية والدلالة الاصطلاحية سواء في البحوث والدراسات أو في المناهج الدراسية لبلدانهم، فأي اختلاف بينهما؟ من الناحية اللغوية يصح تسمية "كفاية" أفضل من "كفاءة" لأنه لا يمكننا أن نحقق الكفاءة أي الكمال لدى الفرد أو المتعلم، فمن الناحية المفاهيمية ترى الباحثة الفتلاوي (2003: 29) أن الكفاية أبلغ وأوسع وأشمل وأوضح من الكفاءة في مجال العملية التعليمية والتربوية، حيث إن الكفاية تعني القدرة على تحقيق الأهداف والوصول إلى النتائج المرغوب منها بأقل التكاليف من جهد ومال ووقت، كما تعني النسبة بين المخرجات إلى المدخلات، وبذلك فهي تقيس الجانب الكمي والكيفي معا في مجال التعليم. إلا أن الباحثة في نفس المقام لم تورد المقصود بالكفاءة واكتفت بالحديث عن الكفاية دون تحديد المبررات الأساسية من أفضلية استعمال مصطلح الكفاية عن مصطلح الكفاءة. وبالعكس؛ لتوضيح الدلالة التربوية المميَزة بين مفهومي الكفاءة والكفاية، نرى بأنه إذا كنا بصدد البحث عن سيرورة أو عملية بناء الخبرات التعلَمية وإدماجها المتوالي مع خبرات أخرى جديدة فإننا نتحدث عن "الكفاءة"، أما إذا كنا بصدد البحث عن المنتوج النهائي (سواء كان كميا أو كيفيا) الذي يحققه الفرد من عملية التكوين وفق معايير محددة مسبقا، فإننا نتحدث عن الكفاية. فالكفاءة عبارة عن سيرورة بنائية أما الكفاية فهي عبارة عن منتوج نهائي، فالكفاءة تنتج كفاية عند الفرد.

3-                       إطار نظري غير كاف وصعوبات ابستمولوجية

أدت التغيَرات الحاصلة في تكوين التلاميذ على المستوى البيداغوجي سواء في الابتدائي، أو المتوسط أو الثانوي باعتماد مقاربة الكفاءات حتما إلى تغييرات عديدة وهامة على مستوى رهانات تصور الجوانب النظرية والابستمولوجية لعملية التكوين المدرسي، يميزها ويصنفها (Dione 2005) ضمن أربعة محاور: نظرية، ومنهجية، ونفعية (براغماتية)، ومهنية (Cité in Dione& Laurier :2010 :86). ولكن لا يمكن للرهانات المطروحة أن تترجم في الواقع دون أن تطرح مشكلات سواء من الناحية النظرية أو الابستمولوجية، حيث تعاني المقاربة بالكفاءات من الناحية النظرية صعوبات عديدة؛ أدت ببعض المؤلفين إلى تقديم انتقادات لاذعة لإدخال المقاربة بالكفاءات إلى المدرسة، فقد توصل الباحثان (Boutin& Julien 2000) في دراسة تحليلية نقدية مست كل جوانب الإصلاح التربوي في "كيبك" إلى أن المقاربة بالكفاءات ارتكزت على أسس نظرية يغيب فيها الوضوح والانسجام (Cité in Boisvert :2000 :34) وإن كانت المقاربة بالكفاءات قد استعارت من مصطلح الكفاءة إطارا مفاهيميا خاصا بها فان المصطلح نفسه لقي انتقادا شديدا، وأمام هذا الوضع ظهر التنبيه علىخطورة الاستعمال غير المتبصر للمقاربة بالكفاءات في المجال التربوي، فإدخال هذه المقاربة يشكل خطورة سواء بسبب غياب تفكير حقيقي حول الأطر الابستمولوجية والنظرية، أو بسبب السيطرة المعلنة لمنطق التسويق والاقتصاد على التربية (Jonnaert& Al :2004 :668).

إن غياب أطر نظرية واضحة تستند إليها المناهج الدراسية الحالية في إثراء ابستمولوجية بناء المعارف والكفاءات لدى التلاميذ، جعل المختصين لا يتفقون ضمن السياق نفسه على النظريات والنماذج التربوية التي تأسس وفقها التكوين بالكفاءات،فهل تنتمي الكفاءة إلى النظرية البنائية أو السلوكية؟ أم إلى النظرية الاجتماعية أو النظرية المعرفية؟ وهل تحسب على المنظور الابستمولوجي المعرفي والسوسيوبنائي أم على منظور نماذج معالجة المعلومات؟ ويمكننا تبرير الحكم على عدم بروز الأطر النظرية والابستمولوجية من خلال إمكانية استجواب مجموعة من التربويين عن النظريات والنماذج التربوية التي تأسست وفقها المقاربة بالكفاءات، والذين تتباين حتما إجاباتهم.

ويتفـق المؤلفون (Rey & Al:2003, Jonnaert: 2002, Roegiers: 2000, Perenoud: 1997)على أنأصول مفهوم الكفاءة ظهرت في الخطاب الخاص بمجال الشغل والعمل، وانتقل سريعا إلى المجال المدرسي بواسطة التكوين المهني في أحوال اقتصادية تميزت بتطورات تكنولوجية سريعة ونشاط صناعي متدفق، وظروف سياسية تميزها الليبرالية الجديدة، التي جاءت ردفعل على مفهوم التأهيل الذي ظل مسيطرا منذ زمن بعيد، مقابل الاستجابة للحاجيات الاقتصادية، لذلك يكمن الانتقاد الأساسي بالنسبة إلى المعارضينلإدخال المقاربة بالكفاءات في تماشيها التام مع خصوصيات عالم الشغل والبرغماتية والليبرالية الجديدة (Jonnaert & Al :2004) من جهة، وارتكازها على المنظور السلوكي من جهة أخرى (Crahay :2006Jonnaert & Al: 2004).ويظهر غياب إطار نظري متين للكفاءات في المجال التربوي في تأثير عالم الشغل والمقاولة على غايات التربية، مما انعكس سلبا في شكل ضبابية غايات التربية المحددة في المناهج الدراسية، واتساقها فقط مع منطق سوق العمل بتركيزها على تنمية الكفاءات المعرفية، دون الكفاءات الوجدانية والثقافية عند التلاميذ (كفاءات حسن التواجد)، فتأثير النظرة النفعية ساهم إلى حد كبير في ضعف غايات النظام التربوي.

وقد تساءلت معظم الكتابات التربوية المتعلقة بالتكوين بالكفاءات حول مصطلح الكفاءة منذ ظهوره في مجال التربية من قِبلمجموعة من الباحثين، بسبب افتقاره لإطار مرجعي خاص به، مما جعله عرضة لتأثير مرجعيات بيداغوجيا الأهداف، حيث برز خلط في استخدام بعض أطر المرجعيات. وفي هذا السياق طرح (Louis 2008) عدة تساؤلات حول ما إذا كان مقبولا أن نؤوَل مصطلحا معينا من إطار مرجعي Xبأدواتمن إطار آخر جديد Y؟ ويبقى السؤال مطروحا إلى يومنا هذا دون إجابة. ويضعنا اختلاف توجهات الباحثين حول مصطلح الكفاءة المرتبطة بالتوجه السلوكي من جهة والمرتبط بالتوجه المعرفاتي من جهة ثانية أمام صعوبة اختيار أدوات ووسائل تقويمها، فهل تقوَم الكفاءة انطلاقا من اختبارات موضوعية ومقننة وفق التوجه السلوكي الأنجلوساكسوني، أم تقوَم انطلاقا من وضعيات تشبه الوضعيات السوسيومهنية وفقا للتوجه الفرانكفوني؟

وعلىالرغم من تعدد تعريفات الكفاءة المقدمة في برامج التكوين بالكفاءات وكتابات الباحثين؛ والتي تبدو وفيرة وهامة في مجال المعرفة النظرية، فإنهافي أغلب الأحيان تعوزها مرجعيات مضبوطة ترتكز عليها ودراسات امبريقية تفحص مدى صحتها وشموليتها (Louis: 2008, Scallon: 2004)، فكيف نطوَر الكفاءات لدى التلاميذ ونقوَمها بدون دراسات تجريبية نستند إليها في تكوين أطر نظرية صلبة، وإثبات مدى فعالية التكوين بالكفاءات في تنمية قدرات المتعلمين على معالجة الوضعيات البيداغوجية والمهنية التي يوضعون فيها، فإذا قارنا النموذج الحالي بالنموذج السلوكي في التكوين بالكفاءات، وجدنا أن هذا الأخير يمتلك مرجعا للكفاءات الأساسية، وينطلق في تقويم منتوج التلاميذ من أسئلة وتمارين محددة الصياغة، حيث يمكننا ملاحظة أداء التلميذ أثناء انجاز مهمة أو الإجابة عن مجموع الأسئلة، وفي ضوئه يمكن فحص الكفاءات المهنية والكفاءاتالأساسية المكتسبة من قِبلالتلاميذ (De Landsheere: 1988). وتكمن الميزة الأساسية للنموذج السلوكي للكفاءات في استناد مفهوم الكفاءة إلى إطارمرجعي معروف، وعلىبحوث امبريقية وكونه يحظىباتفاق من طرف الباحثين المنظرين له، وهذا مقارنة بتيار الكفاءات المنطلق من التيار المعرفاتي البنائي الذي لا يمتلك إطارا مرجعيا يستند إلى بحوث ميدانية، ولا اتفاقا بين الباحثين والمنظرين له.

تؤكد تطبيقات البرامج المعروفة بـ"الكفاءات" في العديد من الأنظمة التربوية على ذلك وتضعنا في مواجهة تساؤل وجيه؛ هل هناك فروق بين الأفراد الذين تكونوا ببرنامج الكفاءات والذين تكونوا ببرنامج مختلف؟ فلا توجد أي دراسة امبريقية قدمت إجابة في هذا المجال. حيث أشار (Grant 1979) إلى أنه لم يظهر بوضوح أن الطلاب الذين تابعوا برنامجا قائما على الكفاءات أكثر كفاءة وممارسة لمهنتهم بشكل أفضل من أولئك الذين تابعوا برنامجا تقليديا (Cité in Louis: 2008 :759)وهذا رغم إثبات دراسات مكتب الهندسة في التربية والتكوين (BIEF) بالتعاون مع باحثين في وزارات التربية في بعض البلدان (بلجيكا، تونس، مدغشقر، الغابون، موريتانيا وغيرها) بأن المقاربة بالكفاءات ذات فعالية في الرفع من المردود التربوي مقارنة بالمقاربة بالأهداف، ولكن كانت فعاليتها محدودة ومقدار تأثيرها  طفيف وفوارق الأداء ليست جوهرية، وقد تكون هناك عوامل أخرى ساهمت في ترجيح الكفة لصالح نموذج التكوين بالكفاءات.

علاوة على ذلك،يعتقد معظم المؤلفين في مجال التقويم بالكفاءات بأن تقويم الكفاءات هو نفسه تقويم الأداء، وغالبا ما يربطون الكفاءة بالأداء، فهل يمكننا أن نستوحي من مقاربة تقدير الأداء التي تكونت كرد فعل على ممارسةالاختبارات الموضوعية في تأسيس منهجية لتقويم الكفاءات؟ لا يوجد تأكيد في هذا الشأن، ورغمذلك يمكننا التأكيد بأن هذه المقاربة أي مقاربة الأداء (تبقى محدودة حسب (Scallon 2004) في ضوء مميزاتها الأساسية:

-تسييق المشكلات المطروحة؛

-بناء وتبرير الإجابات المنجزة من قِبلالتلاميذ (Scallon: 2004:137).

يتوافق هذا النوع من وضعيات الأداء مع اختبارات التقويم التي تستعملها منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية (OCDE 2000, 2006) في استطلاعاتها لتقويم المردود التربوي عن طريق وضعيات تعرف بـالوضعيات ناقصة التحديد (mal-définis) التي تتعارض مع المشكلات المصاغة بشكل جيد، وظهرت أغلبية الأمثلة في الكتابات الأنجلوساكسونية والاستطلاعات العالمية التي اهتمت بتقويم التلاميذ. وفي هذا الإطاريمكن التساؤلحول ما إذا كانت وضعيات الأداء كتلك المحددة والموضحة في مقالات بعض المجلات العلمية المتخصصة تتناسب مع تقويم الكفاءات أم لا؟ فقد قدمت الكتابات المتخصصة المعتمدة على مفهوم الأداء إجابة واضحة لهذا التساؤل، وتظهر أن مقاربة تقويم الأداء ترتكز على تقويم المهارات أكثر من الكفاءات (Salon: 2004 :140)، فمن الخطأ أن نعتقد بأن مقاربة الأداء هي نفسها المقاربة بالكفاءات، باعتبار أن الكفاءة كما ذكرنا تختلف من الناحية المفاهيمية والإجرائية عن الأداء. ومهما يكن،فان تقدير الأداء يعتمد المقاربة الكشفيةالتي قدمها (Bain 1999)حيث استخدم فيها الكفاءات التجريبية التي تقاس باختبارات الأداء المستعملة في الاستطلاعات العالمية، حيث أكد (Bain 1999) بأن هذا المسعى يعاني من تعدد المعلومات المقدمة في المشكلات المطروحة والدرجة العالية في صياغتها،هذا من جهة، ومن جهة أخرى تبقى مشكلاتها مجردة لا تثير التعاون مع التلاميذ (Cité in Scallon: 2004 :140).

ومن الناحية الابستمولوجيةيطرحالتحديد المسبق للمعارف التي ينبغي أن يجندها المتعلم في حل وضعية مشكلة بهدف تنمية الكفاءة أو البرهنة عليها مشكلة ابستمولوجية، فمن البديهي أن تتطلب الكفاءة وجود معارف خاصة ومترابطة، ولكن يعتقد (Louis 2008: 761) بأن التحديد المسبق للمعارف (للتعلم أو للتقويم) يوشك أن ينسينا بأن المعارف الجديدة تبنى من خلال التفاعل بين الفرد ومحيطه، وانطلاقا من شروعه في فعل أو تصرف معين غير متوقع أثناء اختيارنا لبارامترات التقويم.

وإذاألقينا نظرة تحليلية للبرامج الدراسية في الجزائر أو في بلدان أخرى، اتضحأنها تحدد مسبقا الكفاءات المراد تنميتها لدى التلاميذ طول فترة التكوين، وتصيغ في معظمها كفاءات مضمرة يستخدمها المعلم كأدوات عمل، يغيب فيها السياق الذي تبنى وتمارس فيه الكفاءة ضمن وضعية معينة (Jonnaert :2004). وبالتالي يصبح من الضروري صياغة كفاءات فعلية في البرامج الدراسية، وعدم الاكتفاءبصياغة كفاءات مضمرة من أجل مساعدة المعلمين على بناء وضعيات سياقية ذات دلالة بالنسبة للمتعلم.

وفي النهاية إذا كانت المقاربة بالكفاءات نتيجة حتمية لانتشار ظاهرة الفشل الدراسي، فانه تحت اسم محاربة الفشل الدراسي ينبغي الاستغناء عن ما يعرف بالتركيب complexité(الوضعية المركبة هي الوضعية التي من أجل حلها يجنَد المتعلم موارد معرفية متعددة من أجل إيجاد حل مناسب لها) بمعنى اختيار معيار وضعيات مركبة وغير مألوفة، بحيث يواجه التلميذ أثناء الحل مستوى عاليا جدا من التحديات لا يصل مستوى أغلبية التلاميذ إليه بأثر بسيط للمستوى المحتمل لأخطاء في القياس، ونستدل عن خطأ القياس عندما نصرح بعدم كفاءة التلاميذ مقارنة بالآخرين الذين ينجحون في نفس الاختبار (Crahay :2006 :103). 

4-                       إسهامات النظرية السوسيوبنائية في ضبط مفهوم الكفاءة

تخضع التوجهات الرسمية الحالية لتطوير المناهج الدراسية إلى أطر مرجعية ونظرية وابستمولوجية جـديدة: كفاءات بدلا من أهداف، سوسيوبنائية بدلا من سلوكية، معالجة وضعيات الحياة اليومية بدلا من محتويات دراسية منزوعة السياق، التمركز حول الفرد المتعلم بدلا من المعلم، ومن هنا يتجلى عدم ملاءمة الأدوات التقليدية المستعملة في بناء المناهج الدراسية السابقة لهذا التوجه الجديد، وبالتالي يجد المسؤولون عن المناهج الجديدة أنفسهم أمام صرح جديد ينبغي تشييده، ولكن بواسطة علبة أدوات قديمة لا تسمح لهم بصياغة المناهج الدراسية وفق الكفاءات، بوصفها لا تتلاءم ولا تتكيف مع متطلبات النموذج السوسيوبنائي للكفاءات في بناء البرامج الدراسية، ومن هنا تصبح الوضعية حسب (Jonnaert, Lafortune,Ettayebi :2007 :06) معقدة ومحفوفة بعديد من الأخطار التي تكمن في عدم الانسجام من النواحي النظرية الابستمولوجية والميدانية في صياغة البرامج الدراسية الجديدة،لذلك ينبغي على مصممي البرامج الدراسية رفع تحديين اثنين يتمثلان في احترام المنظور السوسيوبنائي واحترام منطق الكفاءات في صياغة كل أنواع الفعل التربوي والتكويني بكل مستوياته: مناهج وبرامج  ومخططات ومشاريع تكوين،ولكن كيف نقوم بصياغتها باحترام هذين التوجهين؟ وإذا كانت صورة إطار البرامج الدراسية تنتمي إلى منظور منهاجي موروث عن التقليد السلوكي لبيداغوجيا الأهداف؛ فهل يمكن تحويل أي شكل من إجراءات هذه الصورة الإطار إلى مقاربة تنتمي إلى منظور سوسيوبنائي؟ (Jonnaert:2002:78)

قبل أن نناقش مدى تلاؤم المنظور السوسوبنائي ومدى احترام توجهاته في صياغة البرامج الدراسية المنتمية إلى منطق الكفاءات، ينبغي علينا في البداية تحديد مفهوم السوسيوبنائية، فمن الناحية الشكلية؛ يحتوي مصطلح سوسيوبنائية على كلمة "بنائية"التي تعبر عن فكرة أن كل معرفة تنتج من عملية بناء وفق مبدأ أن الفاعل هو المتعلم، أما البادئة "سوسيو" فتحدد أهمية التفاعلات الاجتماعية التي تؤثر على هذه العملية (Jonnaert&Masciorta :2007 :56).

 يتضمن المنظور السوسيوبنائي والتفاعلي ثلاثة أبعاد أساسية متكاملة.

-البعد البنائي: بحيث ينمّي الفرد نشاطا انعكاسيا حول معارفه الخاصة.

- البعد المرتبط بالتفاعلات الاجتماعية: بحيث يتعلم الفرد مع أقرانه ومع المعلم.

- البعد المرتبط بالتفاعلات مع المحيط: بحيث يتعلم الفرد محتوى معين في الوضعيات التي تكون في نفس الوقت مصدرا ومعيارا للمعارف (Jonnaert&Vander Borght :2003 :33)

أما من الناحية المفاهيمية فتبنى المعارف وفق منظور السوسيوبنائية من قِبل الفرد المتعلم في وضعية مرتبطة بسياق اجتماعي ومهني معين تسمح له أثناء النشاط بتفاعلها مع الأخرى وتكييفها مع متطلبات الوضعية،ويصبح التعلم وفق هذا المنظور سيرورة دينامية وتكيَفية ذات دلالة لبناء وتنمية معارف الفرد في وضعية حقيقية ضمن سياق سوسيو مهني معين.

ولكن رغم تلاؤم السوسيوبنائية مع منطق الكفاءات في صياغة البرامج الدراسية، فإنها تعاني بالتأكيد من عدم الاتفاق من قِبل الباحثين في التدريس ومن قِبل المعلّمين الممارسين للفعل التدريسي، فرغم موضة النقاش السوسيوبنائي فإنه لم يؤثر بالضرورة بصورة كبيرة على الممارسات التدريسية اليومية التي يشتغل عليها المعلّمون نتيجة تعدّد المقاربات البنائية التي تندرج ضمنها السوسيوبنائية، فالمقاربات ليست منسجمة بالضرورة مع البنائية، وهذا ما يدل على أن تشييد البنائية لا يتكيف إلا تدريجيا مع عمليتي التعليم والتعلم (Jonnaert&Vander Borght :2003 :36)،مع العلم أنه لا يمكن أن تنحصر السوسيوبنائية كإطار مرجعي على مستوى فهم عملية بناء المعارف من قِبل الأفراد المستهدفين من المنهاج، ولا يمكن لهذا المنظور الابستمولوجي أن ينحصر كذلك في المقاربات التدريسية والتربوية المرتكزة على نشاط الفرد المتعلم، فهو نموذج متكامل يصعب صياغة برامج دراسية تنسجم معه بشكل مناسب، فقد أظهرت تحليلات بعض الباحثين للبرامج الدراسية المبنية وفق الكفاءات عدم انسجام توجهات بعض البرامج الدراسية مع الإطار المرجعي السوسيوبنائي (Jonnaert&Al :2004, Jonnaert Lafortune& Ettayebi :2007, Jonnert& Masciorta :2007 ) ولوحظ على غالبيتها اشتراك المنظورات السلوكية والمعرفاتية والبنائية والسوسيوبنائية في شكل البرامج الدراسية، وأنشأت نوعا من الغموض والتشويش في تحديد الإطار المرجعي الذي تندرج ضمنه.

ما تفرضه اليوم توجهات البرامج الدراسية المنتمية إلى المنظور السوسيوبنائي هو إعادة النظر في كيفية تقديمها للمعلمين، لأن منطق الكفاءات يشترط أن تقترح البرامج الدراسية للمعلمين مجموعة من العناصر والأدوات الإمبريقية لتنمية الكفاءات لدى المتعلمين بمراعاة صياغة فئة الوضعيات، حيث تحدد من خلالها نشاطات الفرد التي يمكن أن تقوده نحو اكتساب الكفاءات الأساسية بتحديد الموارد الضرورية التي تنحدر منها المحتويات الدراسية المألوفة، وهذا يعني أن منطق الكفاءات لا يقصي المحتويات في البرامج الدراسية، فلا جدوى من الاعتراف بأن بناء الكفاءات في المدرسة لا يمكن أن يتحقق إلا باكتساب المعارف باعتبارها موارد ضرورية، لأن الكفاءة لا تبنى من فراغ،مثلها مثل المنزل الذي يحتاج إلى أسس ودعامات يرتكز عليها. وبالمقابل وعوض أن تقدم المحتويات الدراسية في سلسلة من المعارف المنزوعة السياق تقترح في صلة مع فئة الوضعيات المقررة سلفا، ويتعلق الأمر إذن بالنسبة إلى صائغي البرامج الدراسية ببناء مرجعيات للكفاءات التي تحلَل فئة الوضعيات الملائمة للأفراد المعنيين بالبرامج الدراسية، وتستخرج الموارد المعرفية الضرورية التي يحتاجها المتعلم لاكتساب أو تنمية كفاءاته.

في السابق تم الاعتماد في صياغة البرامج وفقا للأهداف على  منهجية ترتكز في بناء المناهج على مقاربة تحليلية استوحيت بصورة كبيرة من المنظور السلوكي، لذلك فان برنامج التكوين التي صيغت وفق الكفاءات ينبغي تطويرها بالابتعاد عن النموذج المستوحي من السلوكية إذا أردناها أن تنتمي فعليا إلى المنظور السوسيوبنائي، فالمقاربة بالكفاءات والمفهوم الذي تأسست حوله أي الكفاءة لا يمكنها أن تخرج عن المنظورات المعرفاتية والسوسيوبنائية،فالارتباط بين نظرية التعلم والأسس النظرية لمفهوم الكفاءة ينبغي أن يكون وثيقا، لأنه يساعد كثيرا على أجرأة الكفاءة داخل البرامج الدراسية.

ومن هنا فقد زود الأدب التربوي الحالي في مجال التطوير المنهاجي مصمّمي البرامج الدراسية بوثائق نظرية وامبريقية مهمة،مستوحاة في إطارها العام من بيداغوجيا الأهداف، يمكن أن نستند عليها في بناء البرامج الدراسية، ولكن مع ذلك ليس بوسعها حاليا بالنظر إلى افتقارها للعديد من المكونات أن تصيغ برامج تتماشى والتوجه السوسيوبنائي (Jonnaert&Masciorta :2007:58) تتمركز في حد ذاتها في وضعيات تطلب إجابات متجددة لتساؤلات منهاجية مرتبطة بالتوجه السوسيوبنائي للبرامج الدراسية، وبالتالي تواجه صائغي البرامج الدراسية الحالية تحديات أخرى تتجسد في  ضرورة تطوير منهجية جديدة في بناء البرامج الدراسية، تجعل معارفهم بكل مستوياتها النظرية والمنهجية وخبراتهم العملية قابلة للاستمرار والتجدد فيما يخص بناء المترابط للمحتويات التعليمية، وعليه فإن الطرق الحالية المستعملة في صياغة البرامج الدراسية لم تستطع التخلص من النظرة التحليلية والتأويل المتقطع والخطي للبرامج الدراسية، وطرقأكثر انسجاما مع المنظور السلوكي في بناء برامج  وفقا  لمقاربة الأهداف، في حينأنهذا التوجه يجعلها أكثر ابتعادا عن التوجه السوسيوبنائي. فمتابعتنا اليوم لأدبيات التيارات المعرفية والبنائية في مجال التعلم والبرامج المدرسية جعلتنا نقف على حقيقة مهمة تتمثل في تنوع أساليب بناء البرامج المدرسية وصياغة المحتويات التعليمية،فلا توجد إلى يومنا هذا طريقة واضحة متفق عليها من طرف المنظرين للتوجه السوسيوبنائي في صياغة البرامج الدراسية، وهذا ما تؤكده المعاينات التي قام بها (Legendre 2004 :35)، حيث أقر بأنه لا توجد منهجية في صياغة البرامج عن طريق الكفاءات،فرغم ظهور برامج مبنية وفق الكفاءات خاصة في المجال التقني والمهني ومؤخرا في برامج التكوين العام والثانوي، فإن  منهجيتها في البناء والتصميم لا تتميز كثيرا عن البرامج المبنية على الأهداف. والملاحظة ذاتهايمكن تسجيلها على مستوى صياغة طبعة 2003للبرامج الدراسية في المدرسة الجزائرية، فهيلا تختلف كثيرا عن المنهجية التحليلية في صياغة برامج الأهداف، حيث لم تعتمد في معظمها على إستراتيجية بناء وضعيات وفئة وضعيات، وإنما اعتمدت على صياغة محتويات دراسية منزوعة السياق، وكذلكالأمر في طبعة 2000من برنامج التكوين في المدرسة بمقاطعة كيبيك الكندية، حيث تم الاعتماد على أسلوب أجرأة الكفاءات التي لم تبتعد عن الصياغة التحليلية ولم تسمح بالاشتغال في مسعى التوجهات المرغوبة، فتجزئة الكفاءات إلى مكونات ومظاهر متعددة نسبيا لا تتميز بشكل واضح عن طريقة تقديم الأهداف (عامة، وسيطية، وخاصة). ونستقرئ من خلالها تأويلا مختلفا، ونخاطر في الواقع ألا نرى في الكفاءات سوى خطابا جديدا للحديث عن الأهداف. (2004:36. Legendre)

وتبقى أدوات صياغة برامج التكوين بالكفاءات أقل تجريبية في الوقت الحالي، ومحل انتقادات من قِبل العديد من الباحثين والمختصين في مجال صياغة المناهج الدراسية، فاستعمال أدوات بيداغوجيا الأهداف في صياغة البرامج الدراسية المنتمية للنموذج السوسيوبنائي للكفاءات يصبح دليلا واضحا على عدم الانسجام وعدم التلاؤم بالمقارنة مع الخيارات الوطنية للإصلاحات التربوية، فما الجدوى إذن من إقرار إصلاحات تُعرض فيها لوائح للمعارف والمحتويات الدراسية دون أي مرجع يضبط كيفية اشتغال التلاميذ بها؟ وهل يمكن لهذه البرامج الدراسية أن تدّعي انتماءها للمنظور السوسيوبنائي بتغيير محتويات قديمة واستبدالها بمحتويات أخرى جديدة؟ كلها أسئلة تبقى محل نقاش من قِبل المختصين في صياغة البرامج الدراسية.

ويحيط بمصطلح الوضعية جدل على مستوى البرامج الدراسية الجديدة المنتمية إلى منطق الكفاءات، فهي مثار جدل حتى وإن وجدت في بعض الأحيان، فكيف إن لم يكن لها  في عديد من البرامج الدراسية وهي تمثل محورية في بناء أنشطة التعلم  (Jonnaert& Masciotra :2007, Jonnaert, Lafortune& Ettayebi :2007)، عمليا لا يمكن بناء كفاءات الفرد بمعزل عن الوضعيات التي تمثل القلب النابض للبرامج الدراسية والأنشطة التعليمية-التعلّمية، وتعتبر معيارا لنجاح الإصلاحات المنهاجية المعاصرة،فهي قاعدة لتطوير كفاءات الأشخاص ومعيارا يسمح بالتحقق عند معالجتها مما إذا كان الشخص كفءا أم لا (Vergnaud :1983, Cité in Jonnaert, Lafortun& Ettayebi 2007 :09).

إن الوضعيات في إطار الإصلاحات المنهاجية الحالية قد تكون محركا أساسيا لتطوير الكفاءات عند المتعلمين، ومع ذلك يحيط بالإصلاحات التربوية الحالية الكثير من الغموض، ومع التقدم المستمر الذي تحققه فإنها تحتاج إلى تشكيل وتثبيت نظرية منهاجية حقيقية متأسسة على قواعد مضبوطة على غرار ما قدمته مقاربة الأهداف  في بناء مناهج امتد إلى المراجع المتخصصة في برامج الكفاءات، وهذا التمدد يدفعنا إلى الاحتراز من أمر غير محسوم النتائج يتمثل في تفكيك مقومات الفعل التربوي والتكويني الذي تعتمد فعاليته على ضبط أدوار كل أطرافه  في حال ترك صلاحية هذه النظرية تسير في توجهات منعزلة.

ولتجاوز هذا الخطر تبدو حاليا المقاربة النسقية لعملية إصلاح المناهج خيارا يتصف بالوجاهة (Jonnaert: 2004, Legendre :2004) ذلك أنها ترتكز على تصور في تنفيذ عملية تغيير المناهج يعتمد بالأساس  مقاربة تشاركية وجماعية تأخذ بعين الاعتبار كل مستويات الفعل التربوي والتكويني وتضبط كل المسؤوليات، فهذه المقاربة كفيلة إلى حد بعيد بإعادة هذه الإصلاحات إلى سياقاتها الاجتماعية والثقافية والسياسية والأخلاقية–الأدبية– والاقتصادية من خلال تنفيذ تحليلات مقارنة بين الإصلاحات والأنظمة التربوية المتحولة ،حيث توفر حوصلة مهمة للبيانات تمكن من  فهم أفضل لسيرورة صياغة المناهج (Legendre :2004 :27-28).

تتميز الكفاءة بالتطور وخاصةحين تتفاعل باستمرار مع السياقات والوضعيات المتنوعة، ولا يمكن لهذا التطور أن يقام من دون أدنى إعادة بناء أو إعادة تنظيم للموارد المعرفية، وهذهالنظرة النسقية للكفاءةتظهر لنامدى تلاؤمها وانسجامها مع نظرية التعلم، بالإضافة إلى استيعابها لتأثيرات المنظورات السوسيومعرفاتية والسوسيوبنائية، ولكن تبدي نوعا من عدم التوازن فيما يخص أجرأتها. فمن جهة، نجد أن طابعها النسقي لا يتلاءم كما ينبغي مع المقاربة التحليلية التي تميل إلى تفضيل منطق التقطيع والتجزيء، في حين تتسق بشكل أفضل مع مقاربة أكثر شمولية تبحث عن الحفاظ على كلية الكفاءة في تكاملها، ومن جهة أخرى، فإن التحديد المسبق لجملة الكفاءات الأساسية التي ينبغي أن تنمَى في مختلف الحقول الدراسية أو مجالات التعلم ليس أمرا متاحا دائما، كما أن صياغة الكفاءة بشكل إجرائي أمر صعب للغاية لأنها تستدعي صياغة البرامج وفق منطق نسقي أو كلي وليس وفق منطق تحليلي،مما يستدعي التركيز على تحديد أهداف عامة للتكوين لتوجيه طريقة استثمار المعارف المحتملة الضروريةفي مختلف مجالات الدراسة، بدلا من صياغة كفاءات خاصة بكل مادة أو مجال تعلم، إنه من دون شك الدور الذي ينبغي لعبه في برنامج التكوين الجديد (31Legendre:2004 ):

وتعد الحركة الحالية للإصلاحات التربوية على المستوى العالمي طفرة في التاريخ العام للتربية، وفي هذه الحركة سارع المسؤولون السياسيون إلى تبني إصلاحات وطنية تحت ضغط لا مثيل له من بعض المنظمات العالمية: كاللجنة العالمية للتربية للقرن الواحد والعشرين (UNESCO, 2000) والمؤتمر العالمي للتربية (Delors, 1996) واجتماع وزراء التربية لبلدان (OCDE, 2001)، والبنك العالمي (BM). ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هو هل تم توفير كل المتطلبات لتنفيذ هذه الإصلاحات من حيث الموارد المعرفية والمادية والبشرية على حد سواء؟ وهل تم تبني المنهجيات والأدوات الضرورية لبنائها في ضوء التوجهات الرسمية؟ وهل سلمت من انتقادات المختصين في التربية؟

5-                        الوضعيات المشكلات: مصطلح غامض...

     في سياق التعلّمات المدرسية المنتمية إلى الكفاءات نسلَم بأنه لا تنمو الكفاءة ولا تمارس ولا يستدل عليها إلا من خلال حل وضعية مشكلة تنتمي إلى نفس فئة الوضعيات المشكلات، فتنمية كفاءة معينة يعني جعل التلميذ قادرا على حل وضعية مشكلة ذات معنى. وعليه يتفق التربويون المنظرون للكفاءات بأن أفضل وسيلة لبناء الكفاءة أو ممارستها أو البرهنة عليها (تقويمها) هي الوضعية المشكلة، لذلك يتوجه التفكير حاليا في كيفية مساعدة التلاميذ على إعادة استثمار المكتسبات المدرسية في إطار وضعيات سوسيومهنية أكثر تركيبا ودلالة في ضوء متغيرات السياق العام. وتتمحور الأنشطة التعليمية-التعلَمية وفق الكفاءات سواء أثناء فترات التكوين أو التقويم النهائي حول الوضعية المشكلة، فما المقصود بها؟

غالبا ما يستخدم في التربية الحديثة في مجال تطبيق عدد كبير من المواد الدراسية مصطلح الوضعية المشكلة، ولكن هذا المصطلح انصهر كغيره بطريقة براغماتية في علم التدريس، ليدل على استعمالات مختلفة، وهو ما أدى إلى خلق نوع من الغموض وتعدد في المعاني (Fabre :1999, Rey&Al: 2003, (Boilevin:2005, Scallon:2004, Scallon : 2004a. ويعترف في هذا الاتجاهScallon (2004:112)  بأن عددا قليلا جدا من الباحثين قدموا تعريفا دقيقا لمصطلح الوضعية المشكلة،رغم أنه يبدو خصبا في الاستعمالات الشائعة له من المختصين. وتختلف التسميات التي أطلقت على "الوضعية المشكلة" من باحث إلى آخر؛ حيث يطلق عليها أحيانا "وضعية" (Roegiers :2000, Jonnaert :1996 ; 2002)، وأحيانا "وضعية-مشكلة" (Meirieu :1993, Fabre :1999, Magnaldi &De Vecchi :2002) وأحيانا أخرى "وضعية-مهمة" (Scallon :2004)

وانطلاقا من التسميات التي أطلقت على مصطلح الوضعية، يرى (Scallon 2004a :14) أنه يبقى غامضا أحيانا دون أن يحمل مدلولا واضحا، ومنحصرا في وضعية التقويم الموضعية المرتبطة بوضعية الامتحان داخل حجرة الصف في الغالب، وهذا دون أن يشير إلى المهمة التي ينبغي على التلميذ أن يعالجها للاستدلال على كفاءة محددة، واستعمل الباحث في هذه الحالة تعبير "وضعية-مهمة" لرفع الغموض واحترام استعمال كلمة وضعية. أيضا غالبا ما يخلط الباحثون والمؤلفون في العديد من الحالات بين مفهومين يستخدمان بكثرة في مجال التربية، وهما "الوضعية المشكلة" و"حل المشكلة"، اعتقادا منهم أنهما يدلان على نفس المعنى ويستخدمان في نفس السياق. ويوضح (2003 :363) Jonnaert& Vander Borghtأن الوضعية لا تتوقف أبدا في السيرورة الذهنية لحل المشكلة، على الرغم من انتمائهما إلى نفس المكوَن الإدماجي، وقد اعتاد كثير من الباحثين الجمع بين "الوضعية-المشكلة" و"عملية حل المشكلة"، فإدراك الفرد للوضعية المشكلة التي يعالجها يحتاج بالضرورة إلى إرفاقها بالسيرورة التي تسمح له بالحل. ويتفق روجيي (2007) مع الباحثين في أن مصطلح "حل المشكلات" يشير إلى فعل معالجة الدعامة (التي تكوَن الوضعية)، وهي ليست حالة مصطلح "الوضعية المشكلة" الذي يشير إلى أشياء كثيرة حسب بنية هذه الأخيرة من مكوناتها وسياقها (روجيي، رومانفيل ومن معه، تيلمان : 2009:141). وتتعارض الوضعية المشكلة مع حل المشكلة، إذ ينصب جهد بيداغوجيا الوضعيات المشكلات على التنظيم الدقيق للتفاعل بهدف حل المشكلة وإنجاز عمليات التعلم، وهو ما يتضمن منطقيا وجود مشكلة للحل مع استحالة حل مشكلة بدون تعلم في نفس الوقت.

بعد إطلاعنا على بعض الكتابات التربوية التي اهتمت بمفهوم  الوضعية المشكلة، تبيَن لنا أن كل باحث قد ساهم في بلورة جملة من الخصائص والشروط التي ينبغي أن تتوفر في الوضعية المشكلة الجيدة؛ Magnaldi &De Vecchi (2002), Astolfi& Al (1997), Meirieu (1993)(2004),Scallon…Reogiers (2004), وبعد تحليلنا لخصائص الوضعية المشكلة الواردة في الأعمال المذكورة، وجدنا أنها متباينة وتختلف في أغلبها، وقد نتج عن ذلك اختلاف وجهات نظر هؤلاء الباحثين حول الشروط التي ينبغي توفرها في الوضعية المشكلة، حيث يركز بعض منهم على وضعيات التعلم، في حين يركز آخرون على وضعيات الإدماج والتقويم التي تعرف بالمهمات المركبة، وتختلف خصائص وشروط الوضعية المشكلة من باحث إلى آخر، ومعايير الوضعية الجيدة من توجه إلى آخر، من خلال تركيز كل منهم على نوع معين من أنواع الوضعيات المشكلات.

كما يعاني مفهوم "الوضعية المركبة" صعوبات نظرية وتطبيقية  من وجهة النظر الممارساتية للمعلمين، فليس من السهل أبدا الإحاطة به إجرائيا، ويمكن أن تكون خصائصه متعددة إلى درجة أنه يصعب تقريب وضعية التعلم من وضعية التقويم، فمن الضروري التعرف أكثر على خط التلاقي بين الطابع المحدد وغير المحدد لبعض المشكلات، ويمكن أن يحصل ذلك في صدق وضعيات الكفاءة وحول تأثير التحويل لأي خاصية مشتغل حولها (Scallon:2004:329) ومن الناحية العملية؛ تصعب صياغة وضعيات مشكلات أصيلة بالمعنى الدال للكلمة، وبالخصوص عندما نخرج عن مجال الرياضيات (Rey& Al: 2003:148)، كما أنه عندما نريد تقويم الكفاءات، فمن الضروري اقتراح وضعيات مركبة، مع العلم أن مفهوم الوضعية المركبة كثيرا ما يختلط بمفهوم الصعوبة أو التعقيد أي الوضعية المعقدة.

كما تعاني الوضعية المشكلة من بعض الصعوبات المتعلقة بإجراءات بناء اختبارات تقويم وفق الكفاءات، إذ ليس من السهل منذ البداية صياغة وضعيات مركبة تتوفر على كل المتطلبات الضرورية لاختبار الوضعيات المركبة، ويحدد في هذا السياق (Gerard2007:05) مجموعة هذه الصعوبات في:

- من الصعب -حتى في حضور بارامترات محددة بوضوح-صياغة وضعية متكافئة مع وضعية أخرى من نفس فئة الوضعيات، وتُقوَم نفس الكفاءة؛

- صعوبة التأكد من أن سياق وسند الوضعية وكذا المهمة المطلوبة ذات دلالة بالنسبة للتلاميذ.

- صعوبة تقدير الوقت الضروري لإنجاز المهمة.

- صعوبة ضمان أن كل المعلومات الضرورية متضمنة في الوضعية، لأنها يمكن أن تكون ببساطة محددة فيتصور الصائغ ولكن ليس في ذهن التلاميذ.

- صعوبة صياغة تعليمة مفهومة بالكامل بهدف تجنيد عمل التلاميذ، وتفرض تحديا كافيا مع ترك مساحة للإبداع.

- صعوبة التحديد القبلي لكل المؤشرات لأنه في الغالب من غير الممكن توقع كل الإجابات الممكنة للتلاميذ.

وتكمن الصعوبة الأساسية أثناء صياغة الوضعية المشكلة في استحالة الإحاطة باشتراطات الوضعية المشكلة في مختلف مكوناتها وخصائصها المعروفة التي تسمح بالتأكد من مدى دلالة الوضعية المشكلة بالنسبة للتلميذ، انطلاقا من السياق والمعلومات والوظيفة والمهمة، بحيث لا يمكن لدلالة الوضعية أن تحرك موارد كل التلاميذ بنفس المستوى، إذ يمكن أن تكون دالة عند تلميذ معين ولا تكون دالة عند آخر.

6-                       فئة الوضعيات: مفهوم غير إجرائي

إذا كانت الكفاءة تشير في سياق التيار الفرانكفوني إلى تجنيد الفرد لمجموعة من الموارد الداخلية والخارجية بهدف حل وضعية تنتمي إلى فئة الوضعيات، فإنها تتضمن فكرة أساسية نستدل من خلالها على كفاءة معينة ونؤسس لحكم صادق عليها يتطلب الرجوع إلى "فئة الوضعيات". ويتفق أغلب المنظرين للتقويم بالكفاءات على أن من الضروري العودة إلى وضعيات تنتمي إلى الفئة نفسها، وقبل التعرف على الصعوبات التي تطرحها هذه الفكرة ينبغي تحديد مفهوم فئة الوضعيات التي يقصد بها مجموعة من الوضعيات المشكلات التي يقترب بعضها من بعض (ذات مستوى صعوبة متكافئة) وتنتمي إلى الكفاءة نفسها (Scallon: 2004,Roegiers : 2000, 2004, Gerard:2005, Crahay:2006, De Ketele& Gerard: 2005…)، ونقول عن وضعيتين أو ثلاث وضعيات إنها من ذات الفئة إذا كان لها مستوى صعوبة متكافئ، وتتصل بالكفاءة نفسها المراد تقويمها، وليس بالضرورة أن تمتلك نفس بعض المكونات كالسياق والسندات والتعليمات، بل يمكن أن تختلف في مكوناتها وتنتمي إلى ذات الفئة.

ومن بين أهم الصعوبات التي نواجهها في تقويم الكفاءات عن طريق الوضعيات المركبة، كيفية صياغة وضعيات ملائمة وصادقة، فهذا يقتضي حتما الرجوع إلى فئة الوضعيات،على الرغم مما يكتنف هذا المصطلح من غموض وما يطرحه من صعوبات نظرية (Gerard :2007 :03)، ويتعلق الأمر هنا بإشكالية أجرأة مصطلح فئة الوضعيات، حيث يعاني هذا المصطلح من صعوبة أجرأته والتباس في فهمه لأنه أنشئ في فراغ نظري (Crahay :2006 :103-104). وفي هذا السياق طرح (Louis (2008 :762) إشكالية فئة الوضعيات بناء على الكتابات التي راجعها، وتوصل إلى عدم وجود أي إشارة إلى صلة محتملة بين فئة الوضعيات ومجال المهمات (الوضعيات). وطرح تساؤلات هامة لم يجد لها إجابات حول القيمة التي تضيفها فئة الوضعيات إلى مجال المهمات، وكيفية تحديد فئة الوضعيات بالنسبة إلى التعليم وبالنسبة إلى التقويم، والخصائص العامة والسمات النقدية للوضعية لكي تنتمي إلى فئة واحدة.

لنفترض أننا قررنا تقويم كفاءة تلميذ معين من خلال ثلاث وضعيات تنتمي إلى نفس فئة الوضعيات، فالنتيجة التي نحصل عليها في هذه الوضعيات لا ينبغي أن تفسّر على أنها نتيجة كلية إلا إذا قدمنا له مهام تنتمي إلى نفس فئة الوضعيات (التعميم)، فما هو وزن كل واحدة من الوضعيات المقدمة للمتعلم في تفسير النتيجة المحصل عليها؟ وكيف نحدد عتبات النجاح في كل وضعية مع الأخذ بعين الاعتبار مساهمته الخاصة في استظهار الكفاءة؟ كل هذه الأسئلة تتطلب الإجابة إذا أردنا فعلا أن نقـوّم الكفاءات.

وتتحدد البارامترات - ويقصد بالبارامترات جملة المميزات التي ينبغي أن تحترمها كل الوضعيات المتصلة بكفاءة معينة، فهي مزايا ينبغي أن تتوفر عليها كل الوضعيات التي تنتمي إلى نفس الفئة فتضمن تكافؤ جملة الوضعيات من نفس الفئة (روجيي:2007: 155)-  التي تسمح بتكافؤ الوضعيات في مقومين: الأول، النطاق الشامل للموارد المطلوب تجنيدها مرتبطة بكمية وطبيعة الموارد التي ينبغي تجنيدها وتنسيقها في كل وضعية، أما المقوم الثاني فيمثل بارامترات مرتبطة بالمهمة المطلوبة من التلميذ والتي ينبغي أن ترتبط بسياق الوضعية، ومسعى الحل (عدد المراحل وطبيعتها)، وإلى السندات، ونوع المهمة المنتظرة، وشروط الحل، ونوع المعايير المستخدمة لتقويم منتوج التلميذ... (Gerard: 2005:04). وإذا كان مستوى الصعوبة يتأتّى من عدم اختزالية النموذج كاملا، فمن الصعب الإحاطة بشكل دقيق بفئة الوضعيات، وهذا ما يفتح مجالا للشَك؛ ويصعّب من إمكانية تحديد فئة الوضعيات على أساس خوارزميات مشتركة لحل وضعيات معيّنة.

      إن صعوبة تحديد الوضعيات وبارامترات فئة الوضعيات دفع ببعض الباحثين المختصين إلى انتقادها، وحتى إلى رفض مصطلح فئة الوضعيات (Rey& Al :2003, Crahay :2006, Louis :2008) من منطلق أن هذه الحالة كفيلة بأن تخلق صعوبات في التقويم، ففي الواقع، إذا كان من غير الممكن ربط وضعية تقويم بفئة الوضعيات المرتبطة هي أيضا بالكفاءة، فمن غير الممكن عندئذ استنتاج أدنى خلاصة فيما يتعلق بتقويم الكفاءة، فالصعوبة التي نستخلصها هنا هي أنه يمكن لتلميذ معين أن يحل وضعية أو مهمة معينة ولكن من المستحيل أن نبرهن من خلال هذه الوضعية التقويمية (أو جملة محددة من الوضعيات) إتقان أو عدم إتقان الكفاءة الدنيا، لأن كل وضعية تصبح منعزلة تماما عن الأخرى، كما يمكننا أن ندرك ببساطة انطلاقا من بارامترات فئة الوضعيات أنه سوف يخلق تصنيف للوضعيات المشكلات، ويمكن أن ننشئ جردا لقائمة من فئة الوضعيات المشكلات المتصلة بكل تصنيف، مما يجعلنا نواجه مستويين من الصعوبات؛ ،المستوى الأول في صعوبة الحصول بحوث منجزة في هذا المجال، والتي توفر لنا آثارا لاختيار الوضعيات المشكلات الأكثر احتمالا لاستظهار الكفاءات، أما المستوى الثاني فيرتبط بصعوبة الاختيار المعياري لما ينبغي أن تعنيه القدرة على التصرف، لأن تعريف الكفاءة قد تجاوز الاستعداد أي "القدرة على التصرف" التي تعد مقاربة مفتوحة في تعريف الكفاءة، إلى وصف فئة الوضعيات (مقاربة مغلقة).

7-                       الكفاءات الممتدة: مشكلات نظرية، ابستمولوجية وممارساتية؟

من مفاتيح الأساسية للإصلاح التربوي المتمركز حول المتعلم الاهتمام بتنمية الكفاءات الممتدة، لذلك نلاحظ محاولات عديدة لإدخال هذا المبدأ ضمن الممارسات التربوية، ويقصد بالكفاءات الممتدة معرفة تصرف مبنية على التجنيد والاستعمال الفعال لجملة من الموارد، غير أنها تتميز عن الكفاءة الخاصة بدرجة عالية من التعميم باعتبارها تتعدى بشكل واسع حدود مادة دراسية. (De koninck :2000 :27) فكفاءة تحليل الوضعيات وحل المشكلات لا ترتبط دوما بمادة دراسية معينة مهما كان نوعها، وترتبط الكفاءات الممتدة بالكفاءات ذات الطابع المعرفي (ممارسة التفكير النقدي)، ذات الطابع المنهجي (استعمال طرق فعالة) وذات الطابع السوسيو علائقي (المحافظة على العلاقات البينشخصية).

لكن من الناحية المفاهيمية تبقى التعاريف التي قدمت للكفاءات الممتدة غامضة ولا يمكن اعتبارها حقيقة كفاءات ممتدة، ويعتقد Rey (1996 :58) بأن تعاريفها تعاني من غموض حين يصرح: "لا نعرف في النهاية إذا كنا نبحث تحت هذا الاسم الكفاءات المكتسبة بواسطة مختلف المواد الدراسية أو بالعكس الكفاءات التي ستصبح تنميتها كثيرة". وتكمن الصعوبة الأساسية هنا في اقتراح تعريف إجرائي لمصطلح الكفاءة ونضبط من خلاله مفهوم الكفاءة الممتدة، حيث لاحظنا أن كثيرا من الكتابات لا تتفق حول الكفاءات الممتدة، ويتعلق الأمر هنا بإشكالية في سيرورة بناء مفاهيمي يحاول استيعاب مختلف النماذج المقترحة والمختبرة، هذه النماذج لم تأصل نفس الأطر النظرية ولا تنتمي إلى وضعية ابستمولوجية واحدة (Gagnon:2008:26). فالصعوبات التي تطرحها العلاقة بين العام والخاص (الكفاءة الخاصة والكفاءة الممتدة) تدفعنا إلى الحذر أكثر في استعمال هذا المفهوم، على غرار ما يتساءل عنه (Jonnaert 2002 :81-82)بخصوص الكفاءات الممتدة "هل يمكن للكفاءة أن تكون ممتدة؟ وما هي الوضعيات التي ينبغي أن تبلور فيها الكفاءات الممتدة؟".

       إذا كانت الكفاءات الممتدة تعاني صعوبات من الناحية النظرية والابستمولوجية، فإنها تطرح من الناحية العملية إشكالية هامة، فمن الواضح أن النقاشات الشائكة حول المقصود بالكفاءات الممتدة يطرح إشكالا في الممارسات (Gagnon :2008, Rey :1996)، روجيي وآخرون: )2009) فقد أثار موضوع تحويل الكفاءات الممتدة نقاشا بين الباحثين المختصين في مجال التربية، حيث يعتقد بعض الباحثين أمثال: Fourez (2005), Tardif (1999)بأن مشكلة الامتداد ينبغي أن تفهم من خلال توصيف ظاهرة تحويل الكفاءات، وهذا ما أدى إلى خلق نوع من الانحرافات التي تبعت استعارة مفهوم التحويل، حيث عمد الباحثان إلى استعمال أحد اشتقاقاته في صورة مفهوم الكفاءة "المحوَلة" والذي لا يشير  في الحقيقة إلى الكفاءات الممتدة (Cité in Gagnon :2008 :31). وعلى العكس من ذلك يسمح لنا تجنيد تنمية الكفاءات الممتدة من خلال توضيح الطابع الموضعي لبنائها، وذلك عن طريق توفير ما يثير التلميذ تجنيده بطريقة ممتدة، فانطلاقا من الجرد الذي قدمه (Gagnon 2008 :33) فانه لا يوجد إلا القليل من الدراسات الامبريقية التي سعت إلى المقارنة النظامية للبناء الممتد للكفاءات استنادا إلى التجنيد، وبذلك فإن فكرة تحويل الكفاءات أو قابليتها للتحويل يبقى أمرا غير محسوم من الناحية الامبريقية.

و قد برزت إشكالية تقويم الكفاءات الممتدة من الوهلة الأولى رد فعل طبيعيا على بداية توظيفها والاشتغال بها، فلا يمكن التعامل مع ممارسة تربوية جديدة (متعلقة بالكفاءات الممتدة) من دون التساؤل حول كيفية تقويمها، وبالفعل لا تزال عملية تقويم الكفاءات الممتدة محل نقاش بالنسبة إلى العديد من المختصين (روجيي وآخرون: 2009، Rey :1996، Gerard :2007،Scallon:2004, Gagnon.2008)، حيث تواجه منظّري المقاربة بالكفاءات والذين ساهموا في إدخالها إلى المدرسة والممارسين التربويين على حد سواء مشكلة تتعلق بتقويم الكفاءات الممتدة، على غرار (Langouche, Petit& Remainville 1996)  الذين طرحوا إشكالية تقويم الكفاءات الممتدة في ارتباطها بكيفية تنميتها لدى التلاميذ، واعتبارا من كيفية تقويمها، فهل تقوّم تقويما تكوينيا أم نهائيا؟ وقد خلص هؤلاء الباحثين إلى أن الكفاءات الممتدة تقوَم تقويما تكوينيا دون أن يحسم في أمرها: إذ "ما تزال مسألة تقويم الكفاءات الممتدة مطروحة، ومن البديهي أن التقويم الملائم لها هو التقويم التكويني (...) وما يمكن أن يكون موضوع تقويم نهائي هو الطرائق الذهنية والكفاءات المنهجية التي مارسها الأستاذ في مادته، وأقرها الفريق التربوي في مشروع المؤسسة وسياقها وحاجياتها" (روجي وآخرون: 2009: 68). أما فيما يخص إمكانية تقويم الكفاءات الممتدة تقويما نهائيا، فتظل الآراء متضاربة بشأنها، لأن التقويم حسب نفس الباحثين والكفاءات الممتدة زواج مستحيل. ويؤكد الباحث (1994Remainville) بأن مآل كل محاولة في تقويم الكفاءات الممتدة تقويما نهائيا هو الفشل، بسبب غياب مبدأ الصدقية، فكيف "تقدّر" الكيفية التي ينظّم بها تلميذ وقته ويخزن ويلخص؟ وبأية معايير؟ (روجي وآخرون: 2009: 68). إن ممارسة مثل هذه الكفاءات يعد تساؤلا خطيرا عند المعلمين. ويزداد خطورة بإمكانية تقويم هذه الكفاءات، فكيف نجد مثلا مؤشرات دقيقة وكافية وموضوعية للقدرة على "صياغة فرضيات"؟ كيف نقيس "بناء الشخصية"؟ أو "الرغبة في المعرفة"؟ وكيف نضمن بأن مثل هذه الكفاءات قد اكتسبت؟ وما هي الشروط التي تكون فيها قابلة للملاحظة؟ (Rey:1996 :21). وتطرح الكفاءات الممتدة إشكالا آخر يتعلق بكيفية تدريسها للتلميذ، فما هي الاستراتيجيات التي نتبعها قصد تنميتها لدى التلميذ؟ وما هي الأدوات التي نقوَم بها هذه الكفاءات؟ تتعلق كل هذه التساؤلات بمشكلات ممارساتية معقدة وجوهرية في آن واحد تحتاج إلى حلول إجرائية من قبل المختصين في مجال التكوين بالكفاءات.

خلاصة

بعد عرضنا لحدود مصطلح الكفاءة واستعمالاته من النواحي؛ الابستمولوجية والنظرية، يتبيَن أن الإطار المرجعي للتكوين بالكفاءات يحتاج إلى إيضاحات لا تتم إلا عن طريق برنامج بحث حقيقي موجه إلى تأسيس إطار نظري متين، فإلى يومنا هذا لا نتوفر على إطار نظري شامل، ولا نمتلك في الأدب التربوي إلا نواة نظرية للكفاءات، وبديهي من هذا المنطلق ألا تسمح الاجتهادات الحالية بتكوين مرجعيات للتكوين، وللكفاءات، وللوضعيات ولفئة الوضعيات انطلاقا من إطار نظري غامض أو ناقص. وبعد تحليلنا لمصطلح الكفاءة تأكدنا أنه ينبغي انجاز أعمال بحث كثيرة في مجال التكوين والتقويم، كما أن بناء مقاربة شاملة من خلال اقتراح نماذج في نظرية التعلم، وتطوير آليات منهجية خاصة في التقويم، وبناء إستراتيجية محددة في التعليم، ينبغي فحص فعاليتها امبريقيا في الممارسات الميدانية من خلال وضع تصميمات تجريبية أو شبه تجريبية مضبوطة.

وعلى الرغم من الانتقادات الموجهة من طرف الباحثين المختصين لاستعمالات مصطلح الكفاءة في المجال التربوي والمذكورة أعلاه، فإن هذا المصطلح اكتسب في الوقت الراهن نوعا من الوضوح والاستقلالية داخل مجال التربية، ومنذ توطينه حقق تطوّرا بشكل مستقلّ تماما عن المجالات الأخرى، وأضاف إليها أبعادا جديدة تتعلق بالتجنيد، والإدماج، والتحويل، والوضعيات، والموارد المعرفية...وغيرها، مما جعله مصطلحا خصبا في مجال البحث التربوي. ومن أجل تجاوز الصعوبات المرتبطة باستعمالات مصطلح الكفاءة، فإن من الأولوية إعادة وضع إطار نظري متفق عليه بين المختصين تضبط في ضوئه الدلالات المفاهيمية للكفاءة والمصطلحات المرتبطة بها، والبحث في مكونات المصطلح ووظيفته واستراتيجيات تكوينه أو بنائه وآليات قياسه إجرائيا بهدف توجيه الأطر النظرية للمناهج الدراسية والتطبيقات التربوية المرتبطة بطرق التكوين والتقويم من جهة، وتحديد طرق استعماله في تنمية قدرات الأفراد في مختلف مجالات الحياة من جهة أخرى. على غرار ما دعا إليه (Ubaldi&Al 2005 :64) حينما أشار إلى ضرورة تجاوز الغموض الاصطلاحي الذي يظهر بأن الكفاءة أقل وظيفية مما يؤثر على صعوبة تحديدها بدقة، صحيح أن المفهوم قد يكتنفه نوع من الغموض والضبابية، لكن ليس إلى درجة يستحل معها التعامل معه بصفة ملموسة أو إجرائية، فالباحث يوصي بالبحث في تأطير المفهوم من الناحية الابستمولوجية والنظرية وأجرأته من الناحية التطبيقية عبر البحث عن الاستراتيجيات الفعالة في تنمية الكفاءات من جهة، وتطوير آليات تقويم تكوينها لدى المتعلمين من جهة أخرى.

1.الفتلاوي سهيلة (2003) كفايات التدريس، دار الشروق، بيروت.

2.                        روجيي كزافيي (2007) التدريس بالكفايات: وضعيات لإدماج المكتسبات، ترجمة غريب عبد الكريم، عالم التربية، مطبعة النجاح، الدار البيضاء، المغرب.

3.روجي، تيلمان، رومانفيل وآخرون (2009) بيداغوجيا الإدماج، ترجمة بوتكلاي لحسن، عالم التربية، مطبعة النجاح، الدار البيضاء، المغرب.

4.                        مرعي توفيق (2003) شرح الكفايات التعليمية، دار الفرقان، عمان

5.وزارة التربية الوطنية (2006) الوثيقة المرافقة لمنهاج اللغة العربية للسنة الخامسة ابتدائي، الديوان الوطني للمطبوعات المدرسية، الجزائر.

6.                                               Astolfi J-P., Darot E., Ginsburger-Vogel Y. & Toussaint J. (1997). Mots clés de la didactique des sciences : Repères, définitions, bibliographie, De Boeck, Bruxelles.

7.Boilevin J-M. (2005). Enseigner la physique par situations problèmes ou problème ouvert, INRP, (problème et problématisation), Aster, n° 40, Lyon.

8.                                               Bosman. C, Gerard.F-M & Roegiers.X (2000).Quel avenir pour les compétences, De Boeck, Bruxelles.

9.                                               Boutin G. & Julien L. (2000). L’obsession des compétences : Son impact sur l’école et la formation des enseignants, Montréal, Éditions Nouvelles, Collection «Éducation», Pédagogie collégiale, Vol. 14, n°1, pp. 34-35.

10.                                          Cardinet  J. (1988).Evaluation scolaire et mesure, De Boeck, Bruxelles.                       

11.                                           Crahay (2006). Danger, incertitudes et incomplétude de la logique de la compétence en éducation, Revue Française de Pédagogie,n°154, Janvier-Février-Mars (2006), pp. 97-110.

12.                                          Delory Ch. (2002). L’évaluation des compétences dans l’enseignement fondamental : De quoi parle-t-on ?, in : Paquay L., Carlier Gh., Huynen (Ed) : L’évaluation des compétences chez l’apprenant : pratiques, méthodes et fondements, PUL, Louvain.

13.                                           De Ketele J-M.& Gerard F-M. (2005).La validation des épreuves selon l’approche par compétences, Mesure et évaluation en éducation,  Vol. 28, n° 3, pp.1-26.

14.                                          De koninck (2000). Attention à vos parapluies on recevoir les compétences, QuébecFrançais, n°119, pp.26-28.

15.                                           De Landsheere V. (1988). Faire réussir, faire échouer : la compétence minimale et son évaluation, PUF, Paris.

16.                                          De Vecchi G. & Magnaldi N. (2002). Vivre des véritables situations-problèmes, Hachette Education, Paris.

17.                                           17-Dionne E. & Laurier M. (2010). Expérimentation d’un modèle d’évaluation certificative dans un contexte d’enseignement scientifique,Revue Canadienne de l’Education, 33, 1, pp. 83-107.

18.                                          Fabre M. (1999). Situations-problèmes et savoirs scolaire, PUF, Paris.

19.                                          Gagnion (2008). La question des compétences transversales en éducation : de la métaphore du transfert à celle de la mobilisation, Revue Education-Formation, e-288, pp.25-35.

20.                                         Gerard F-M. (2005). L’évaluation des compétences à travers des situations complexes, Actes du colloque de l’Admée-Europe, IUFM, Champagne-Ardenne, Reims, 24-26octobre 2005.

21.                                          Gerard F-M. (2007). La complexité d’une évaluation des compétences à travers des situations complexes : nécessités théoriques et exigences du terrain, Actes du colloque international « Logiques de compétences et développement curriculaire : débats, perspectives et alternative pour les systèmes éducatifs » Montréal : ORE, 26et 27avril 2007.

22.                                         Jonnaert Ph. (1996).Apprentissages mathématiques en situation : un perspectif constructiviste, Revude sciences de l’éducation, Vol. XXX, n° 3, pp.667-696.

23.                                          Jonnaert Ph. (2002). Compétences etsocioconstructivisme : un cadre théorique,  De Boeck, Bruxelles.

24.                                         Jonnaert Ph., Barrette J., Boufrahi S. & Masciotra D. (2004). Contribution critique au développement des programmes d’études: compétences, constructivisme et interdisciplinarité, Revue des sciences de l’éducation, Vol. ХХХ, n°3, pp.667-696.

25.                                          Jonnaert Ph. & Van der Borght C. (2003). Créer des conditions d’apprentissage (un cadre de référence socioconstructiviste pour une formation des enseignants), De Boeck, Bruxelles.

26.                                         Jonnaert Ph. (2004). Une compétence peut-elle être décontextualisée?, dans Ph. Jonnaert et A. M’Batika (dir.).Les réformes curriculaires : Regards croisés,Québec, Presses de l’Université du Québec, pp. 69-87.

27.                                          Jonnaert Ph., Lafortune L. et Ettayebi M. (2007). Introduction: Un regard sur les réformes en éducation, dans : L. Lafortune, M. Ettayebi, Ph. Jonnaert (dir.).Observer les réformes en éducation, Québec, Presses de l’Université du Québec, pp. 1-14.

28.                                          « compétences pour les programmes d’études: Un double défi», dans : L. Lafortune, M. Ettayebi, Ph. Jonnaert (dir.).Observer les réformes en éducation, Québec, Presses de l’Université du Québec, pp. 53-75.

29.                                         Legendre M-F. (2004). Cognitivisme et socioconstructivisme: des fondements théoriques à leur utilisation dans l’élaboration et la mise en œuvre du nouveau programme de formation, dans : Ph. Jonnaert et A. M’Batika (dir.).Les réformes curriculaires : Regards croisés, Québec, Presses de l’Université du Québec, pp. 13-48.

30.                                          Levy-Leboyer C. (1997). La gestion des compétences,  Les Editions d’Organisation, Paris.

31.                                           Louis R. (2008). Les limites du concept de compétence vu sous l’angle de l’évaluation, Revue des sciences de l'éducation, vol. 34, n° 3, pp. 753-768.

32.                                          Louis R., Jutras F. et Hensler H. (1996). Des objectifs aux compétences: implications pour l’évaluation de la formation initiale des maîtres, Revue Canadienne de l’Education, vol. 21, n° 4, pp. 414-432.

33.                                           Meirieu Ph. (1993). Apprendre …oui, mais comment ?, ESF éditeur, Paris.

34.                                          Meirieu Ph. (2005). Postuler la compétence,  in :Ubaldi J-L.& al. (2005). Les compétences, (Coll. dirigé par Durand M.), Editions Revue EP.S, Paris. pp.11-26

35.                                           OCDE (2000). Mesurer les connaissances et les compétences des élèves, Editions OCDE, Paris.

36.                                          OCDE (2000a). Société du savoir et gestion des connaissances: Enseignement et Compétences, Paris, OCDE.

37.                                           OCDE (2006).Compétences en sciences, lecture et mathématiques, Éditions de l’OCDE, Paris.

38.                                          Perrenoud Ph. (1997). Construire des compétences dès l’école, ESF éditeur, Paris.

39.                                          Perrenoud Ph. (1999). Dix nouvelles compétences pour enseigner, ESF éditeur, Paris.

40.                                         Raynal F. & Rieunier A. (1997). Pédagogie: dictionnaire des concepts clés, ESF éditeur, Paris.

41.                                          Rey B. (1996). Les compétences transversales en question, ESF éditeur, Paris.

42.                                         Rey B., Carette V., Defrance A. & Kahn S. (2003).Les compétences à l’école :apprentissage et évaluation, De Boeck, Bruxelles.

43.                                          Roegiers X. (2000). Une pédagogie de l’intégration, De Boeck, Bruxelles.

44.                                         Roegiers X. (2004). L’école et l’évaluation,  De Boeck, Bruxelles.

45.                                          Scallon G. (2004). L’évaluation des apprentissages dans une approche par compétences, De Boeck, Bruxelles.

46.                                         Scallon G. (2004a).L’évaluation des compétences et l’importance du jugement, dans :Pédagogie Collégiale, Vol. 18, n° 2, pp.15-20.

47.                                          Ubaldi J-L.& al. (2005). Les compétences, (Coll. dirigé par Durand M.), Editions Revue EP.S, Paris.

Van der Borght C. (2004). D’un décret politique à sa mise en pratique dans l’enseignement: une approche socioconstructiviste des compétences, dans : Ph. Jonnaert et A. M’Batika (dir.).Les réformes curriculaires ; Regards croisés, Québec, Presses de l’Université du Québec, pp. 157-182

@pour_citer_ce_document

بلقاسم بلقيدوم, «مساهمة نقدية لاستعمالات مصطلح الكفاءات في المجال التربوي من الناحية النظرية والابستمولوجية »

[En ligne] ,[#G_TITLE:#langue] ,[#G_TITLE:#langue]
Papier : ,
Date Publication Sur Papier : 2016-07-17,
Date Pulication Electronique : 2016-07-17,
mis a jour le : 17/10/2018,
URL : https://revues.univ-setif2.dz:443/revue/index.php?id=1386.