العنف في الوسط المدرسي: مقاربات في سوسيولوجيا التربية.Violence in Schools: Sociological Approaches to Education
Plan du site au format XML


Archive: revues des lettres et sciences sociales


N°01 Avril 2004


N°02 Mai 2005


N°03 Novembre 2005


N°04 Juin 2006


N°05 Juin 2007


N°06 Janvier 2008


N°07 Juin 2008


N°08 Mai 2009


N°09 Octobre 2009


N°10 Décembre 2009


N°11 Juin 2010


N°12 Juillet 2010


N°13 Janvier 2011


N°14 Juin 2011


N°15 Juillet 2012


N°16 Décembre 2012


N°17 Septembre 2013


Revue des Lettres et Sciences Sociales


N°18 Juin 2014


N°19 Décembre 2014


N°20 Juin 2015


N°21 Décembre 2015


N°22 Juin 2016


N° 23 Décembre 2016


N° 24 Juin 2017


N° 25 Décembre 2017


N°26 Vol 15- 2018


N°27 Vol 15- 2018


N°28 Vol 15- 2018


N°01 Vol 16- 2019


N°02 Vol 16- 2019


N°03 Vol 16- 2019


N°04 Vol 16- 2019


N°01 VOL 17-2020


N:02 vol 17-2020


N:03 vol 17-2020


N°01 vol 18-2021


N°02 vol 18-2021


N°01 vol 19-2022


N°02 vol 19-2022


N°01 vol 20-2023


N°02 vol 20-2023


A propos

avancée

Archive PDF

N°26 Vol 15- 2018

العنف في الوسط المدرسي: مقاربات في سوسيولوجيا التربية.

Violence in Schools: Sociological Approaches to Education
pp 103-117

عبد الحليم مهور باشة / سمية أحمد الطيب
  • resume:Ar
  • resume
  • Abstract
  • Auteurs
  • TEXTE INTEGRAL
  • Bibliographie

تهدف هذه الدراسة إلى مقاربة ظاهرة العنف في الوسط المدرسي، وذلك بتسليط الضوء على مفهوم العنف بصفة عامة، ومفهوم العنف المدرسي بصفة خاصة، وتحديد أشكال العنف وأحجامه في الأوساط التربوية والتعليمية، وكذلك، الوقوف على أهم المقاربات السوسيولوجية التي تناولت الظاهرة في سوسيولوجيا التربية، مع توضيح العوامل الاجتماعية التي فسرت بها كل مقاربة سوسيولوجية ظاهرة العنف في الوسط المدرسي، والكشف عن أوجه الاختلاف بينها. كما رصدت الدراسة بعض المقاربات السوسيولوجية المفسرة للظاهرة العنف في المدرسة العربية.

الكلمات المفتاحية:المقاربة السوسيولوجية،العنف، العنف المدرسي، المدرسة، التنشئة الاجتماعية، سوسيولوجيا التربية.

Cette étude vise à aborder le phénomène de la violence en milieu scolaire, en expliquant le concept de la violence en général, et ensuite aborder ce concept de façon plus particulier au sien de l’école « violence scolaire », et identifier les formes et les pourcentages de la violence dans la communauté éducative.

  En outre on a étudié les approches sociologiques les plus importantes du phénomène en sociologie de l'éducation, Avec une explication des facteurs sociaux dans lesquels chaque approche sociologique a été interprétée le phénomène de la violence dans l'école, et d'identifier les différences facteurs causaux du phénomène violence

 L'étude a également basée sur explication du phénomène de la violence dans l'école arabe.

Les mots clés :  violence, violence scolaire, école, sociologie de l'éducation,Socialisation.

This study aims to address the phenomenon of violence in schools, explaining the concept of violence in general, and then address this concept more specifically in school « violence school », and identify the forms and percentages of violence in the educational community.

 In addition we have studied the most important sociological approaches of the phenomenon in sociology of education, with an explanation of the social factors in which each sociological approach has been interpreted the phenomenon of violence in school, and to identify the differences between them.

The study also based on explanation of the phenomenon of violence in the Arab school

Key words: violence, school violence, school, sociology of education, socialization

Quelques mots à propos de :  عبد الحليم مهور باشة

جامعة محمد لمين دباغين –سطيف 2halim-bacha@hotmail.fr

Quelques mots à propos de :  سمية أحمد الطيب

جامعة محمد لمين دباغين –سطيف 2

مقدمة.

تحتل المدرسة مكانة اجتماعية بارزة في المجتمعات المعاصرة، باعتبارها مؤسسة التنشئة الاجتماعية الثانية بعد مؤسسة الأسرة، تنهض بالعديد من الوظائف الاجتماعية والتربوية والتعليمية، فتكسب الفرد القيم الثقافية للمجتمع الذي ينتمي إليه، وتكسبه مهارات تمكنه من الاندماج الاجتماعي مستقبلا، كما تقوم المدرسة في إطار الوظيفة التربوية المسندة إليها بتعديل السلوكيات الخاطئة التي يحملها المتعلمون، وتحاول جاهدة أن تكيفهم مع البيئات الاجتماعية التربوية، فتلقنهم مجموعة من المبادئ الأخلاقية العمومية التي يجب عليهم أن يسلكوها. لذلك، أوكلت إلى المدرسة في المجتمعات الحداثية مسؤولية بناء السلوك القويم للأفراد، وصقل شخصيتهم الاجتماعية والثقافية.

غير أن المدرسة في ظل التحولات الاجتماعية والاقتصادية التي تشهدها المجتمعات الإنسانية في زمننا الراهن، أصبحت تعاني من العديد من المشكلات التربوية والاجتماعية، مما أثر سلبا على أداء وظائفها التربوية والتعليمية، وعلى سعيها الدؤوب إلى تحقيق أهدافها التعليمية. تعتبر ظاهرة العنف من المشكلات الحادة والمزمنة التي أصبحت تعاني منها معظم الفضاءات المدرسية، ومست الظاهرة مختلف الأطوار التربوية والمستويات التعليمية.         هناك العديد من المقاربات السوسيولوجية لهذه الظاهرة السوسيوتربوية، فنجد من المقاربات السوسيولوجية من اعتبرت المدرسة كفضاء اجتماعي؛ يسهم في توليد ظاهرة العنف، نظرا للتفاعل الاجتماعي بين أفراد ينتمون إلى أصول اجتماعية وثقافية متباينة. ونجد من المقاربات السوسيولوجية من اعتبرت أن ظاهرة العنف تنتقل إلى الفضاء المدرسي من البيئات الاجتماعية التي تتواجد فيها، فكلما اتسمت البيئات الاجتماعية بالعنف، كلما عرفت المدرسة تزايدا في ظاهرة العنف داخل أسوارها.

وتشير الأرقام والإحصائيات الصادرة عن مختلف الهيئات والمؤسسات الدولية والإقليمية؛ أن منسوب العنف في الأواسط المدرسية في تزايد مستمر في مختلف المجتمعات (1)، سواء التي تنتمي إلى مجتمعات العالم المتقدم، أو التي تنتمي إلى مجتمعات العالم الثالث. فأشارت التقارير الرسمية إلى تزايد حجم هذه الظاهرة في الأوساط التربوية في المجتمعات العربية، مما يوحي أننا أمام ظاهرة اجتماعية؛ تحتاج إلى مقاربتها من زاوية الدرس السوسيولوجي التربوي للكشف عن بواعثها ومسبباتها.

أولا: إشكالية الدراسة.

إن المدرسة كمؤسسة اجتماعية ليست بمنأى عن المشكلات الاجتماعية التي تواجهها المجتمعات الإنسانية المعاصرة، وتعد مشكلة العنف في الوسط المدرسي؛ إحدى المشكلات التي أصبحت تؤرق الباحثين والخبراء التربويون، فتشير مختلف الإحصائيات إلى التنامي غير المسبوق لهذه الظاهرة في الأوساط المدرسية، وتوحي الشواهد الواقعية بتزايدها وتعاظمها في كل المستويات التربوية، وفي كل الأطوار التعليمية.

كذلك، ظهرت أنماط وأشكال جديدة من العنف في الوسط المدرسي؛ العنف الرمزي، العنف الجنسي، العنف الثقافي، العنف اللفظي،...الخ، وتعدد الفاعلون والممارسون لهذا العنف: المتعلمون، المشرفون التربويون، المعلمون، التلاميذ الذكور، التلاميذ الإناث. في السابق، أشارت معظم الدراسات إلى أن نمط العنف كان يأخذ في الغالب الأعم  اتجاه واحد؛ من المعلم المتسلط والممارس للعنف إلى المتعلم، وبالتالي، المتعلم هو المفعول به، ونادرا ما يمارس التلميذ العنف في الاتجاه العكسي، بينما اليوم؛ تشير البحوث والدراسات إلى تعدد وتشابك الأطراف الممارسة للعنف في الوسط المدرسي، فأصبح المتعلم أحد هذه الأطراف الفاعلة، فصار يمارس عنفا ضد المعلم، وذلك على غرار العنف ضد زملائه، وضد أعضاء الإدارة المدرسية، وهذا ما استدعى واستلزم البحث والتقصي عن الجذور المشكلة لهذه الظاهرة، وإعطاء تفسيرات عقلانية وموضوعية لظاهرة العنف في الوسط المدرسي، خاصة في ظل التحولات التي تخير بها المجتمعات الإنسانية المعاصرة.

         تتجذر المدرسة كمؤسسة اجتماعية في الفضاء المجتمعي، مما يضعها في وضعية تأثير وتأثر دائمين، فالمدرسة نسق اجتماعي فرعي يقع في حالة تبادلية مع بقية الأنساق الاجتماعية الفرعية الأخرى المشكلة للبناء الاجتماعي الكلي، فإذا عرفت الأنساق الفرعية القريبة منه حالة تغير اجتماعي أو اختلال وظيفي، فإن هذا التغير ينسحب إلى النسق المدرسي بشكل آلي وحتمي، وأول المؤسسات الاجتماعية التي لها صلة اجتماعية قريبة من مؤسسة المدرسة؛ مؤسسة الأسرة، ونحن نعلم حجم التغيرات التي عرفتها الأسرة في المجتمعات الحديثة، حيث قلبت فيها الأدوار والوظائف رأسا على عقب، وتقلصت معدلات التواصل وأشكال الحوار بين أفرادها، بسبب التقنية التي أتلفت العلاقات الاجتماعية، فأصبح العنف الأسري  من الظواهر المحسوسة في زمننا الراهن.

        وهكذا، مع بقية الأنساق الفرعية الأخرى، كدور النسق الإعلامي في تحريض وتعبئة الأفراد على ممارسة العنف، ودور النسق الاقتصادي في العنف الاجتماعي من خلال الإقصاء الاجتماعي للأفراد من سوق العمل، وانعكاسات ذلك على الحياة الاجتماعية للمتعلمين، وعليه، العنف في الوسط المدرسي، يتخذ من الفضاء المدرسي مكان جغرافي للممارسة، لكنه من الناحية السوسيولوجية، ربما تكون تمثلاته وتصوراته بنيت واكتملت في أمكنة جغرافية بعيدة عن جغرافية المدرسة.

         في ضوء هذا الطرح الإشكالي، وفي إطار البحث عن تفسيرات عقلانية لظاهرة العنف في الوسط المدرسي، نجد العديد من المقاربات العلمية التي تناولت الظاهرة من زاويا نظر معرفية مختلفة؛ كعلم النفس، وعلم النفس الاجتماعي، وعلوم التربية. ونجد من بين هذه المقاربات: المقاربات السوسيولوجية، فأسهمت سوسيولوجيا التربية في تقدم تفسيرات موضوعية لهذه الظاهرة، انطلاقا من المحددات والشروط الاجتماعية لتشكل ظاهرة العنف في الوسط المدرسي. ونقف في هذا الصدد على العديد من المقاربات السوسيولوجية؛ حيث تركز كل مقاربة على أسس منهجية ومعطيات واقعية في تفسيرها لظاهر العنف في الوسط المدرسي، وهو ما تسعى إليه هذه الدراسة، من خلال السعي للإجابة عن التساؤلات الآتية:

1- ما مفهوم العنف، والعف في الوسط المدرسي؟

2- ما هي أهم المقاربات السوسيولوجية التي تناولت ظاهرة العنف في الوسط المدرسي؟

3- ما مفهوم كل مقاربة سوسيولوجية لظاهرة العنف في الوسط المدرسي ؟

4- كيف فسرت المقاربات السوسيولوجية ظاهرة العنف في الوسط المدرسي؟

ثانيا: أهمية الدراسة.

1- نظرا لاستفحال وانتشار ظاهرة العنف في الوسط المدرسي بشكل ملفت للنظر في مختلف المؤسسات التربوية في المجتمعات المعاصرة، من هذا المنطلق؛ تبرز أهمية البحث عن تفسيرات سوسيولوحية لهذه الظاهرة السوسيوتربوية.

2- تأتي أهمية التفسيرات السوسيولوجية لظاهرة العنف في الوسط المدرسي، من مقاربتها للظاهرة في السياقات الاجتماعية.

3- تأتي أهمية هذه الدراسة في إثراء المقاربات التنظيرية لظاهرة العنف في الوسط المدرسي.

ثالثا: أهداف الدراسة.

1- تهدف إلى الكشف عن مفهوم العنف بشكل عام، والعنف افي الوسط لمدرسي بصفة خاصة.

2- تسعى إلى عرض أهم المقاربات السوسيولوجية المفسرة لظاهرة العنف في الوسط المدرسي.

3- تسعى إلى الكشف عن التفسيرات التي قدمتها كل مقاربة سوسيولوجية لظاهرة العنف في الوسط المدرسي.

رابعا: ضبط مفاهيم الدراسة.

1- مفهوم العنف.

يعد مفهوم العنف من أكثر المفاهيم تداولا وجرياناً على الألسن في زمننا المعاصر، فيشغل هذا المفهوم مساحات واسعة في خطابات العلوم الاجتماعية المعاصرة، نظرا لجملة من العوامل الاجتماعية التي أدت إلى ذيوعه وانتشاره، واختلاف المقاربات العلمية لهذه الظاهرة. فالعنف في أبسط مدلولاته يقصد به:" الإيذاءُ باليد أو اللسان، بالفعل أو بالكلمة، في الحقل التصادمي مع الآخر...إن العنف سلوك إيذائي قوامه إنكار الآخر كقيمة مماثلة للأنا أو النحن، كقيمة تستحق الحياة والاحترام، ومرتكزه استبعاد الآخر عن حلبة التغالب إما بخفضه إلى تابع، وإما بنفيه خارج الساحة (إخراجه من اللعبة) وإما بتصفيته معنويناً أو جسدياً."(2) ، ويشير الجذر اللغوي لكلمة العنف في اللغة اللاتينية إلى استخدام القوة لتحقيق هدف ما،"فكلمة "العنف" تأتي من الكلمة اللاتينية (vis)وهو ما يعني القوة والسلطة والعنف، واستخدام القوة المادية، أو قلب الطابع الأساسي لشيء ما، وتشير كلمة (vis) إلى فكرة القوة، وبشكل خاص قوة حيوية"(3).

      وترتبط إشكالية تحديد مفهوم العنف، بالمعايير التي يعتمدها كل باحث في تصنيف سلوك ما على أنه يدخل في دائرة العنف أم لا،" فلتحديد الوقائع على أنها عنيفة أم لا، فيجب أن يكون المرء قد حدد مرجعية معيارية. ومع ذلك، العنف يختلف وفقا للأفراد، والأزمنة، والأماكن، والهياكل الاجتماعية"(4)، وكما نعلم، أن المعايير تحددها في الغالب الأعم المجتمعات الإنسانية، بالإضافة إلى المؤسسات والهيئات الدولية، وكذلك المتطلبات الدراسية لكل باحث، وموقفه من نمط وشكل العنف موضوع الدراسة.

      من هذه الزاوية، تتعد أشكال وأنماط العنف،" فالعنف الطبيعي كميل نحو القتل والاعتداء وما يولد من عنف نفسي، كميل نحو التعذيب ليس هو العنف الوحيد الذي يعرفه الوضع البشري، بل هناك تجليات متعددة من العنف: إذ يمكن الحديث عن العنف الاجتماعي، الذي قد يمارس داخل المجتمع، ويتعلق الأمر بنوع من الإكراهات الاجتماعية" (5).

     بينما يوسع مفهوم العنف عند بورديو من عناصره البنائية، فنقل العنف من العالم الحسي المتعلق بالإيذاء الجسدي إلى العنف غير المرئي؛ الذي يكون مخفي، ويتجلى في شكل رمزي؛ عنف غير مرئي و عنف لا فيزيائي، مشرعن تسهم المؤسسات التربوية في تثبيته، "استخدام الدلالات والرموز والمعاني للسيطرة على الآخر وفرض الهيمنة عليه، ويأخذ هذا النوع من العنف صورة رمزية خفية ملتبسة، تمكن ممارسها من الوصول إلى غايته وتحقيق ما يصبو إليه من سيطرة وهيمنة دون اللجوء إلى القوة الواضحة والمعلنة، ويتغلغل هذا النوع من العنف في مختلف مجالات الحياة السياسية والاجتماعية والفكرية"(6).

 2- مفهوم العنف في الوسط المدرسي.

       إذا كان العنف كما أشرنا في السابق؛ على أنه كل استخدام للقوة أو غيرها من الوسائل من طرف الفرد لتحقيق غرض ما، فإن العنف يتشكل بحسب الوسط الاجتماعي، فنجد من بين أنواع العنف الممارس في المجتمعات المعاصرة؛ العنف في الوسط المدرسي،" فمسائلة العنف في المدرسة هو الإحساس مختلف الفاعلين بالعنف، إن المقاربة الفينومينولوجية لظواهر العنف المدرسي تبين أن؛ هناك شكل من العنف غير المرئي، كدور المناخ السلبي للمدرسة في ظاهرة العنف" (7).

يشير مفهوم العنف في المدرسة، منذ البداية إلى:" تعبئة القوة لتحقيق غرض ما، ويسجل ضمن الظواهر العاطفية والأخلاقية.. ونقترح إزاحة إشكالية العنف، باعتبارها تعبير صارخ عن العزل أو الفصل الاجتماعي" (8) ، لذلك، يعرف العنف على أنه؛" عبارة عن عنف هيكلي، من إنتاج المدرسة ذاتها، وفي الوقت نفسه، كما تسهم ظاهرة انتهاك المعايير ومختلف الانحرافات في توليد ظاهرة العنف في المدرسة"(9).كذلك، يعرف هذا النوع من العنف أشكالا وأنماطا،" وينقسم العنف في المدرسة إلى فئات متنوعة: يتحدث الأولاد والمراهقون عن ضربات واهانات بشكل أساسي، ويتحدث المدرسون عن الحوادث مع الطلاب وأهليهم الذي يضعون سيطرتهم على المحك، واعترض التربويون على العف المؤسساتي، كالعقاب الجسدي، الذي يحصل داخل المدارس وفي الممارسات المهنية"( 10)، ويشير العنف المدرسي على العموم إلى مجموعة من الظواهر المتداخلة والمركبة،" فيدلل على مجموعة من الصعوبات في المدرسة، وتسمح لنا باعتبار أن العنف أحد هذه الظواهر. العنف يشير في مرات إلى السلوك العنيف عينه، السرقة، الاعتداء، السطو، التهديد، السب والشتم اللفظي، وهو الشعور بمواجهة مجموعة من الصعوبات في الحياة المدرسية، كأي مشكل اجتماعي يهددها"(11).

ويذهب بورديو بعيدا في معالجة ظاهرة العنف في الوسط المدرسي، حينما يعتبر أن الفعل البيداغوجي أياً كانت طبيعته وموضعه؛ نوعا من العنف في الوسط المدرسي،" يتعين النشاط التربوي موضوعيا، في حيثية أولى، كعنف رمزي، وهي كون علاقات القوة بين الجامعات والطبقات التي تتألف منها التشكيلة الاجتماعية، تؤصل النفوذ التعسفي باعتباره شرطا لانعقاد علاقة الاتصال التربوي، أي لفرض وترسيخ نموذج ثقافي تعسفي وفق نمط تعسفي من الفرض والترسيخ(التربية)"(12).

 رابعا: أهم المقاربات السوسيولوجية المفسرة لظاهرةالعنف في الوسط المدرسي.

       تعد ظاهرة العنف في الوسط المدرسي من أبرز المشكلات السوسيوتربوية وأعقدها على الاطلاق، لاسيما وأنها تمس الجانب السلوكي للفاعلين التربويين في الوسط المدرسي. وفي ظل تعقد هذه الظاهرة وتعدد مسبباتها، وتعدد العوامل الاجتماعية المؤدية لانتشارها، تباينت المقاربات المفسرة لها، حيث اختلفت باختلاف ميادين التخصص وحقول المعارف الدارسة للعنف في الوسط المدرسي، "فينشأ العنف في المدرسة بسب العديد من العوامل، وله أوجه مختلفة بحسب السياقات الثقافية، والعوامل الاجتماعية والاقتصادية، والحياة الاجتماعية للتلميذ، والبيئة المدرسية، إن مفهوم العنف كفعل أو كبيئة محرضة على العنف، يختلف بحسب الثقافات والمجتمعات، وأيا كان السياق الثقافي والسوسيواقتصادي الذي توجد فيه المدرسة، يأخذ العنف أشكالا جسدية ونفسية" ( 13).

    في هذا الصدد؛ تشابكت وتعددت وجهات النظر حول هذه الظاهرة، ومن المهم الإشارة هنا إلى الأهمية العلمية للمدخل السوسيولوجي في تفسير ظاهرة العنف في الوسط المدرسي، وذلك لعدة اعتبارات معرفية أهمها شمولية الرؤية السوسيولوجية في مقاربة الظواهر الاجتماعية، وهو ما يبرز لنا التوجه الذي يتميز به حقل السوسيولوجيا في مناولته الظواهر السوسيولوجية عامة والظواهر السوسيوتربوية بصفة خاصة. وينطلق تحليلنا لظاهرة العنف في الوسط المدرسي من المقاربات السوسيولوجية المفسرة له، وذلك باستقراء الدلالات والمضامين السوسيولوجية لمفهوم العنف لدى أصحاب كل مقاربة، وتحديدهم لطبيعة العوامل الاجتماعية المسببة لهذه الظاهرة في الأوساط المدرسية، كما يأتي:

1- المقاربة الأنومية لظاهرة العنف في الوسط المدرسي.

     يحيل مفهوم الأنومي مباشرة إلى المعجم السوسيولوجي لعالم الاجتماع الفرنسي؛ اميل دوركايم، الذي يعرفه على أنه انحراف عن معايير المجتمع، منطلقا من رؤية فلسفية ترى أن الشر خاصية طبيعية في الذات الإنسانية،" فالنموذج الأول وأكثر ذيوعا، الشر الطبيعي والعنف الطبيعي في الإنسان، وتعتبر التنشئة الاجتماعية أحد الأدوات الأساسية لمراقبة الذات، وهذا المفهوم الطبيعي للعنف يمثل الركيزة الأساسية لنظرية دوركايم عن الوقائع الاجتماعية" (14) ،واستخدم دوركايم هذا المصطلح للإشارة إلى حالة من الصراع بين رغبة الفرد في إشباع حاجاته الأساسية وبين الوسائل المتاحة لإشباع تلك الحاجات،" وقد أشار "دوركايم" إلى حالة اللامعيارية الأخلاقية باعتبارها أنومية، فعندما يفتقر المجتمع إلى مجموعة من المعايير التي تحدد الأنماط السلوكية الطبيعية والواجب إتباعها، يصبح يعيش حالة من اللامعيارية الأخلاقية أي فقدان المعايير الأخلاقية" ( 15).

     ويعتقد دوركايم أن النظام المدرسي يعمل على ترسيخ القيم الأخلاقية،" وقد شاع كثيرا بين الناس أن النظام المدرسي ليست له أهمية تذكر من ناحية التكوين الأخلاقي، فنظروا إليه على أنه مجرد وسيلة لضمان النظام الخارجي وتحقيق الهدوء في الفصل. ونظرتهم من هذه الزاوية المنفردة أعطتهم الحق في أن يستنكروا هذه الأوامر الصارمة، وهذه القواعد التعسفية المعقدة التي نريد أن نخضع الطفل لسلطانها"(16).

      وعلى هذا الأساس، يعبر العنف في الوسط المدرسي عن انحراف أخلاقي، يجد تفسيراته في أنماط التنشئة الاجتماعية الخاطئة، التي عجزت عن إكساب الأفراد قيم أخلاقية،" العنف يعتبر مثل خروج التوحش الطبيعي في الإنسان، بسبب الخطأ في التنشئة والتربية. هذه الفلسفة الاجتماعية تقع في قلب التمثلات العفوية لمفهوم الأنومي، وتقبع في المسافة الثقافية الفاصلة بين عالم المعلمين وعالم التلاميذ"(17).

      يمتد الانحراف الأخلاقي الذي يصب المجتمعات إلى الفضاءات التربوية والتعليمة، "التربية ليست سوى صورة المجتمع وانعكاس له، فهي تحاكيه وتعيد إنتاجه بنحو مجمل، ولكنها لا تخلقه. وهي لا تكون سليمة إلا حين تكون الشعوب ذاتها سليمة ومعافاة، ولكنها تفسد بفسادها دون أن تتمكن من التغير من تلقاء ذاتها"(18).

  "يعتبر مفهوم الأنومي (ANOMIE) من أهم المفاهيم المفسرة للأبعاد الثقافية لظاهرة العنف، حيث يشغل نسق الثقافة والقيم مكانة محورية في بناء المجتمع، باعتبار أن القيم والمعايير المشتقة منها هي التي تنظم التفاعل الاجتماعي وتضبطه، فقيم الثقافة تشكل مجموعة من التوجهات المشتركة بين البشر، ومن شأن هذه التوجهات المشتركة أن تشكل أساسا للتوقعات المتبادلة بين المجموعات البشرية في المجتمع"(19).

    واستنادا إلى ما سبق يمكننا القول، أن الفرد عندما يخرج عن إطار ما هو متفق عليه في المجتمع من معايير أخلاقية، فإنه بذلك يجسد بداية لفعل انحرافي، والذي قد يتولد عنه عنف، وذلك نتيجة لوجود مقاومة بين الفرد المنحرف عن هذه المعايير وبين أفراد المجتمع ومؤسساته المختلفة ( نخص بالذكر المدرسة) لخروجه عن هذه المعايير والقوانيين المتعارف عليها في السياق المجتمعي، هذا من جهة، ومن جهة أخرى لا يجب أن نغفل أن الخلل قد يكون  في وظائف المؤسسات الاجتماعية المسؤولة عن نقل معايير وقيم المجتمع، لوجود خلل وظيفي في مستوى إحدى هذه المؤسسات(الأسرة، المدرسة...) مما يؤدي إلى انتهاج الفرد في المجتمع والمتعلم في المؤسسة التربوية للطرق و الأفعال العنيفة المولدة لأنماط مختلفة من العنف. كما أن السير نحو تطبيع الفرد – المتعلم – بقيم ومعايير المجتمع قد تولد لدى الأفراد نوع من الضغوطات وهذا ما يوضحه إميل دوركايم في قوله:" أن الضغط الذي يعانيه الطفل في كل لحظة من لحظات حياته ما هو إلا ضغط البيئة الاجتماعية التي تحاول أن تطبعه بطابعها الخاص، والتي تتخذ من الآباء والمربين كممثلين وسطاء لها"(20).

       إذا كانت المؤسسة التعليمية كفضاء تربوي واجتماعي تقوم بعملية تنشئة وتطبيع المتعلم وفقا لفلسفة المجتمع ومعاييره، "فإنها مطالبة باستدماج كل القيم الإنسانية والأخلاقية العليا، لتكون كسلوكيات ينبغي للفرد أن يتصف بها ويستدمجها هو الآخر ويتكيف معها، وتمثلها من شخصيته، حتى يستمر في الحفاظ عليها والعمل بها في حياته اليومية داخل المجتمع، من هنا يبدو أن دور المدرسة إذا ما حاد عن هذه المقاصد قد يصبح وفي الاتجاه المعاكس دورا سلبيا في تنشئة الفرد، إذ تجعل منه شخصية عنيفة ومتمردة على كل القيم، لأن أي تعارض بين ما تطمح إليه المدرسة وما تلقنه للفرد من جانب، وبين ما يرغب فيه هو شخصيا من جانب ثاني، يجعل من عملية التنشئة عملية سلبية إن لم نقل مستحيلة لأنها بذلك قد تخرج عن مسارها الطبيعي لتسقط في النهاية في دائرة اللامفكر فيه وللامرغوب فيه أيضا"( 21).

     إذن، يمكننا القول؛ إذا وجد تناقض بين أهداف المؤسسة التربوية –المدرسة- في سياق تنشئة المتعلم على القيم والمعايير المتعارف عليها في المجتمع من جهة، وبين أهداف وطموحات المتعلم من جهة ثانية، "فإن إمكانية السير نحو توليد نوع من السلوكيات والأفعال العنيفة لدى المتعلم تكون كبيرة. وباختصار فإنه يمكن القول أن "مقاربة الأنومي" تنطلق من بند أساسي يتمثل في أن غياب المعايير الأخلاقية يؤدي لظاهرة العنف، "فعنف التلاميذ، يمكن اعتباره في الوهلة الأولى، عبارة عن مقاومة الضغوط التي تفرض عليهم، (المنظور التحضيري عند دوركايم)، وإلا، بالعكس، يعتبر العنف تكاملي من أجل ترك فارغات في النسق من أجل استرداد اللانظام النظام"(22).

2- المقاربة الوظيفية لظاهرة العنف في الوسط المدرسي.

      تعتبر المقاربة الوظيفية للظواهر الاجتماعية من أهم المقاربات السوسيولوجية في علم الاجتماع، وتنتمي المقاربة الوظيفية إلى النوع المعرفي الذي يهتم بدراسة الظواهر الاجتماعية في إطارها الكلي، ويرى أصحاب هذه المقاربة أن المجتمع عبارة عن مجموعة من الأنساق الاجتماعية، التي تقع في حالة تبادلية وتكاملية فيما بينها،" ففي تصور بارسونز النسق الاجتماعي يتمثل في شبكة من الأنساق الفرعية المستقرة التفاعل، وتسهم التنشئة الاجتماعية في تحقيق التوازن بينها. المدرسة تسعى في النهاية إلى تلبية مجموعة من الحاجات الاجتماعية، ولا تتوقف عند نقل المعارف والمهارات، ولكن تقوم بالإعداد غير الرسمي للأدوار الاجتماعية في المستقبل"(23).

     إذن، المقاربة الوظيفية لظاهرة العنف في الوسط المدرسي لا تخرج عن الرؤية النسقية للوظائف والأدوار "فالعنف أساسه فكرة انعكاس الأجزاء في كل واحد، والاعتماد المتبادل بين العناصر المختلفة للمجتمع، لذلك فإن أي تغيير في الجزء يتبعه تغيير في الكل، وقد تبنى هذا الاتجاه العديد من علماء الغرب منهم "روبرت ميرتون" (Merton)، "ديفيز" (Davis)، "وبارسونز"(Barson)، "كروز"(Cruese)، وآخرون"(24).

     وتم النظر إلى ظاهرة العنف من زاوية الانحراف الاجتماعي، فالعنف ترجمة فعلية لظاهرة الانحراف القيمي، "فالأعمال الأولى في هذا المجال نجدها ضمن نظريات الانحراف الاجتماعي ذات التوجيه الوظيفي، علماء الاجتماع التربية البريطانيين والأمريكيين، هذه النظرية تقوم على فرضية انحراف الشباب في الوسط المجتمعي، يعاود الظهور في المؤسسات المدرسية، مما يظهر خللا في النظام المدرسي، " (25) ، وترجع أسباب الانحراف في تصور الوظيفيون إلى الخلل في بناء القيم لدى الأفراد،" فالتحولات الهيكلية للأسرة في عمق تفسير العنف المدرسي، إن السلوكيات العنيفة الظاهرة نتاج مادي وعلائقي للأسرة،؛ انفصال الوالدين، غياب العلاقات العاطفية بين أفرادها، عدم وجود أخوة، أو عددهم كبير، التعليم أكثر صرامة أو أكثر تراخيا، غياب الرقابة، غياب الآباء عن أنشطة أبنائهم، القلق، كلها عوامل تسهم في بناء شخصية عنيفة"(26).

      والعنف في الوسط المدرسي ما هو إلا تجلي للاختلالات الوظيفية التي أصابت عملية التنشئة الاجتماعية والتعليمية للتلاميذ، "وتبدو الوظيفة التكاملية للنسق الثقافي والاجتماعي على درجة كبيرة من الأهمية في النظرية الوظيفية. ويتحقق ذلك من خلال تعزيز القيم والسلوك المقبول اجتماعيا، وهي وظائف مألوفة للكنسية والمدرسة. وتخترق قيم النسق بأكمله، وهي أساس الإجماع الاجتماعي الذي يدعم النظام الاجتماعي"(27).

     تبرز في ميدان الدراسات السوسيولوجية النظرية – المقاربة – البنائية الوظيفية كأحد أهم المداخل المفسرة للواقع الاجتماعي على مستوى اجتماعي كلي ماكرو سوسيولوجي، "فهي تعتبر أن البناء الاجتماعي المتمثل في المؤسسة المدرسية قد ينتج أنماطا سلوكية تعتبر وظائف ولكنها منحرفة"( 28)، وينظر الوظيفيون للعنف على أن له دلالة داخل السياق الاجتماعي، فهو إما يكون نتاج فقدان لارتباط الفرد بالجماعات الاجتماعية، التي تنظم وتوجه سلوكه، أو أنه نتيجة اللامعيارية وفقدان التوجيه والضبط الاجتماعي، وبذلك يجرفه التيار إلى العنف، ومن ناحية أخرى، قد يكون الأفراد عدوانيون ينفي يسلكون طريق العنف، لأنهم لا يعرفون طريقة أخرى للحياة غير ذلك.

        وعلى هذا الأساس؛ إن معظم السلوك الذي نسميه سلوكا منحرفاً يعكس انحرافا في القيم الاجتماعية، الذي يحدث فيه أو الذي يتضمن على الأقل تأثيرا للخروج على ما تعارف عليه هذا المجتمع من مقاييس سلوكية، ومن ثم فإن العنف هو نتاج لظروف اجتماعية تتمثل في الأوضاع العائلية وظروف العمل وضغوطه وحالات البطالة والتفرقة على أشكالها المختلفة وغير ذلك من عوامل اجتماعية واقتصادية"(29).

3- المقاربة الصراعية لظاهرة العنف في الوسط المدرسي.

     انطلاقا من التحليل الماركسي للظاهرة الصراع الاجتماعي في المجتمعات الحديثة، يرى أصحاب المقاربة الصراعية أن المدرسة أحد الأدوات الأيديولوجية التي توظفها الطبقات الاجتماعية البرجوازية، لتعيد إنتاج هيمنتها وسيطرتها على باقي الطبقات الاجتماعية في المجتمع، لذلك، ينشب العنف في فضاء المدرسة لتعبير عن حالة الاغتراب التي يشعر بها التلاميذ ذووا الأصول الاجتماعية البروليتارية، وكشكل من أشكال المقاومة الاجتماعية لحالة تزييف الوعي، الذي يتعرضون له بالاستمرار داخل المدرسة، "فالمدرسة هي مكان النضال بين الطبقات الاجتماعية المتناقضة، فسلوكيات التلاميذ الطبقة البروليتاريا بغريزة الطبقة الاجتماعية، وإفراز الطبقة البرجوازية الصغيرة للأيديولوجيا الهيمنة، التي تعتبر مثابة أكثر من استفزاز، فتتولد عنها حالات العنف المدرسي، معارضة سلبية وايجابية،"(30).

     ونجد من الباحثين المعاصرين الذين طوروا المقاربة السوسيولوجية الصراعية في دراسة ظاهرة العنف في الوسط المدرسي؛ بيار بورديو، وذلك على اعتبار أنه تحدث عنه بشكل مفصل ضمن الحقل المدرسي، فينطلق في مقاربته للعنف  في الوسط التربوي من فكرة مفادها أن:" كل فعل بيداغوجي إنما هو موضوعيا عنف رمزي، على اعتبار أنه فرض بواسطة سلطة اعتباطية لاعتباط ثقافي"( 31) ، "فيتعين النشاط التربوي موضوعياً في حيثية أولى كعنف رمزي، وهي كون علاقات القوة بين الجماعات والطبقات التي تتألف منها التشكيلة الاجتماعية، تؤصل النفوذ التعسفي باعتباره شرطاً لانعقاد علاقة الاتصال التربوي، أي لفرض وترسيخ نموذج ثقافي تعسفي وفق نمط تعسفي من الفرض والترسيخ (التربية)"(32)، "وبهذا المعنى فإن أي نشاط يقوم على العنف الرمزي يتوصل إلى فرض نفسه ( أي إلى فرض الجهل بحقيقته الموضوعية بوصفه عنفا) يفترض موضوعيا وجود تفويض للصلاحية..."(33)، أي عملية إضفاء الشرعية على العنف الرمزي حيث يتم قبوله دون مقاومة وهو ما يمكن أن نطلق عليه مصطلح تزييف الوعي.

      ويشير بورديو في نفس السياق، إلى أنه لا تتمتع المرجعية التربوية بالسلطة التربوية التي تعطيها القدرة على شرعنة التعسف التربوي الذي ترسخه إلا ضمن حدود يرسمها هذا التعسف التربوي، أي بقدر ما تعاود، سواء من حيث نمطها في الفرض ( نمط الفرض الشرعي) أو من حيث تحديدها لما تفرضه وللمؤهلين لفرضه (المربين الشرعيين) ولمن يفرض عليهم ( المرسل عليهم الشرعيين) إنتاج المبادئ الأساسية الخاصة بنموذج التعسف الثقافي الذي تنتجه جماعة أو طبقة بوصفه أهلا لأن ينتج، وذلك بفعل وجودها نفسه أو من خلال تفويض تعطيه ( هذه الجماعة أو الطبقة) لمرجعية معينة يؤمن لها سلطة معاودة إنتاجه"( 34) ، وهذا يعني أن ثقافة المؤسسات التربوية ترمز إلى ثقافة الطبقة التي تهيمن،" وهي ثقافة غير مبررة منطقياً عندما يتم اختيارها وفرضها بصورة اعتباطية وتعسفية"(35).

        ونجد من الباحثين المعاصرين من ربط بين العنف المدرسي والاستبعاد الاجتماعي في المدن المعاصرة، فانطلاقا من التوزيع الجغرافي للظاهرة العنف الحضري، تبين للباحثين أن المدارس التي تقع في المناطق الحضرية المتخلفة تشهد منسوبا عاليا من العنف بالمقارنة مع غيرها من المدارس، التي توجد في مناطق حضرية راقية،" فأحد المشكلات التي تواجهها المدارس اليوم، تتمثل في إشكال مقاومة النظام المدرسي، التي تصنف في خانة: قلة الأدب، وفي نمط من العنف يدخل في رفض التغيب المتكرر، أو ما يعرف بالتسرب المدرسي، لتصبح أكثر تكرارا وتماديا"(36).

      وبناءا على هذا، تصبح ظاهرة العنف المدرسي؛ تعبر من جهة على التفاوتات الاجتماعية بين الأفراد المتمدرسين، وتعكس من جهة أخرى؛ أزمة على مستوى الرابط الاجتماعي، "فالعنف في الوسط المدرسي هو نتيجة لعدم قدرة المجتمع ومؤسساته في تحديد المعايير المتفق عليها، فضعف الرابط المدرسي يعكس بشكل مباشر ضعف أدوار ووظائف الجهات الفاعلة في المجتمع"(37).

      يرى أصحاب هذا التوجه في مقاربة ظاهرة العنف في الوسط المدرسي، أن هناك عوامل اجتماعية؛ تغذي هذه الظاهرة، وهي تقع خارج الفضاء المدرسي، "ونحن نعلم دور البطالة في انحطاط الحياة الأسرية، فكيف لتلميذ يعرف أن والده أو أحد أخوته في حالة بطالة أو في منصب عمل غير دائم أن يتواصل معهم، فينجر عنها تدمير عميق للارتباطات الأسرية"(38)، وبالتالي، العنف لا علاقة له بالانحراف الأخلاقي، ولا علاقة له باختلال وظيفة النسق التربوي، وإنما يرتبط العنف بظواهر الإقصاء والتهميش الاجتماعي، الذي تتعرض له العديد من الفئات الاجتماعية، "فتقع المؤسسات الهشة في المناطق الحضرية المتخلفة، والأحياء الفقيرة، وفي المناطق التي تعيش فيها الطبقات الاجتماعية التي تعيش صعوبات اقتصادية، لذلك، تأخذ الانحرافات المدرسية أشكال عديدة"(39).

      يرى أصحاب نظرية الصراع في مقاربة العنف في الوسط المدرسي أن له علاقة جندرية، فالعنف وسيلة بين النوعين (الجنسين)، إذا يعد العنف وسيلة أساسية لفرض سيطرة الرجل وتميزه على المرأة." وقد أصبح العنف وسيلة لتأكيد عدم المساواة بين النوعين وأداة للضغط على المرأة بهدف العودة إلى الأسرة والمنزل. ...ومن وجهة نظر أصحاب نظرية الصراع يمكن حل مشكلة العنف من خلال إتاحة فرص المساواة بين أفراد المجتمع وعدم استغلال فئة لأخرى وإتاحة الفرص للمشاركة العادلة في الثروة والقوة"(40).

4- المقاربة التفاعلية الرمزية لظاهرة العنف في الوسط المدرسي.

ينطلق أصحاب المنظور التفاعلي في دراستهم للنظام التعليمي من جزئية الفصل الدراسي، فالعلاقات داخل الفصل الدراسي بين التلاميذ والمعلمون علاقات استراتيجية وحاسمة، "لأنه خلال الفصل يمكن التفاوض عن الحقيقة، حيث يدرك التلاميذ حقيقة أنهم "ماهرين" أو "أغبياء" أو "كسالى" وفي ضوء هذه المقولات يتفاعل التلاميذ والمدرسون بعضهم مع بعض، وعليه ينجزون في النهاية "نجاحا" أو "فشلا" تعليميا، وعليه يصبح من الضروري كما يؤكد أصحاب منظور التفاعل أن نقوم بدراسة الكيفية التي تتم بها هذه العملية، والطرق التي يعطي بها المدرسون والطلاب معنى للمواقف التعليمية"(41).

       يركز أصحاب هذه المقاربة في تحليلاتهم على الصورة الفعلية التي توجد داخل المؤسسات التعليمية، وتحليل العلاقة بين التلاميذ ونوعية هذه المؤسسات، بالإضافة إلى دراسة العلاقة بين التلاميذ ومعلمين وإداراتهم المدرسية، وتفسير السلوك الدراسي وانعكاساته على عمليات التنشئة الاجتماعية، "ومستويات الاستيعاب، ودرجات الذكاء، وعلاقتها بنوعية المناهج والمقررات الدراسية، والفئات العمرية، والمشكلات الأسرية ونوعية البناء الطبقي والأسري، علاوة على تحليل مجموعة العوامل الداخلية التي تشكل أنماط السلوك، ونوعية الحياة المدرسية، والثقافات العامة والفرعية داخل المدرسة، وتأثيرات اتجاهات وميول المدرسين نحو تلاميذهم، ومستوى إعداد المدرسين نوعية مهارتهما لتعليمية والتدريسية...بالإضافة إلى مجموعة العوامل الداخلية، والتي يقصد بها العوامل التي تشكل الحياة التعليمية والتربوية داخل الفصول والأبنية الدراسية"(42).

يرى أصحاب المقاربة التفاعلية الرمزية أن ظاهرة العنف في الوسط المدرسي؛ نتاج لعملية التعلم الاجتماعي، فمع التنشئة الاجتماعية المبكرة يتعلم الأطفال العنف سواء من الآباء أو الأقارب أو الأصدقاء، وبملاحظتهم للعالم وللحياة الاجتماعية من حولهم يبدو العنف لهم وكأنه أداة ضرورية للبقاء والنجاح، فالأفراد إذن يتعلمون العنف، بنفس الطريقة التي يتعلمون بها أي نوع أخر من أنواع السلوك فالعنف يتم تعلمه داخل المنزل"(43).

  إن الأسرة هي المؤسسة الاجتماعية الأولى المسؤولة عن تكوين شخصية الطفل من النواحي العقلية والأخلاقية والاجتماعية. وقد اهتم العديد من الباحثين بالأسرة، لما لها من دور مؤثر وفعال في الانحراف والسلوك العنيف،" وذلك لما تحتله الأسرة من أهمية حيوية في عملية التنشئة الاجتماعية للفرد، فعن طريقها تغرس في نفس الصغير خلال سنوات طفولته المبكرة أنماط ونماذج أفعاله واستجاباته تجاه التفكير والإحساس والقيم والمعايير" (44)، وتسهم شبكة العلاقات الاجتماعية التي يقيمها الفرد مع أقرانه في مقاومة القواعد المدرسية،" فالمناخ العلائقي يسهم في فهم تصورات علاقة التلاميذ مع أقرانهم، وبين التلاميذ والمعلمين، وبين التلاميذ والمعلمون وبين التلاميذ والمراهقين في المدرسة، المناخ العلائقي يسمح بإنتاج القواعد وإعادة إنتاج القواعد المدرسية، (المدرسة والصف)، وتطبيقاته من خلال مشاركة"(45)، وتتطور التمثلات البيداغوجية مع تطور المؤسسة المدرسة،" لتستجيب لحاجات المجتمع، مع استقلالية نسبية للمدرسة، تعطي المعارف المدرسية طرائق جديدة للتفكير، فالمدرسة أداة رئيسية للتقدم الاجتماعي، من أجل التطور نحو المجتمعات عقلانية"(46).

5- المقاربة السلطوية لظاهرة العنف في الوسط المدرسي.

   ظهرت المقاربات السوسيولوجية لظاهرة العنف في الوسط المدرسي السابقة الذكر في سياقات اجتماعية مغايرة للسياق الاجتماعي العربي، فحاول بعض الباحثين في العالم العربي، أن يقدموا مقاربات لظاهرة العنف في الوسط المدرسي، على اعتبار أن هناك اختلافات في شكل الظاهرة ومستوياتها، والعوامل المسببة لها في الفضاءات التعليمية في العالم العربي عن بقية الفضاءات في العالم، فنجد في هذا الصدد؛ محاولة نعتبرها من وجهة نظرنا أنها وازنة، ووقفت على أسباب انتشار هذه الظاهرة في الأوساط التربوية، وهي المقاربة السوسيولوجية التي ربط أصحابها بين متغير التسلط ومتغير العنف المدرسي. خضعت المجتمعات العربية ولا تزال إلى أنظمة سياسية تسلطية، انعكس هذا التسلط ذوي الجذور الثقافية على العديد من مؤسسات المجتمع العربي، ومن بينها مؤسسة المدرسة.

 يعتقد العديد من الباحثين؛ أن المجتمع العربي: مجتمع سلطوي، تقوم فيه العلاقات الاجتماعية بين أفراده على التسلط والقمع والإكراه،" إن المجتمع الأبوي السلطوي يفسد العلاقات بين البشر ويجعل منها علاقات يتحكم فيها الأعلى بالأدنى، ويتحكم الأدنى منه. والمجتمع العربي لكونه مجتمعا أبوياً سلطويا فإنه يفرغ العلاقات الاجتماعية من محتواها الإنساني ويجعل منها علاقات بين أقوياء وضعفاء، وحتى الضعفاء يتحولون إلى أقوياء بالنسبة لمن هم أضعف منهم"(47).

      وتسهم هذه العلاقات السلطوية في تشكيل القاعدة العلائقية للمؤسسات الاجتماعية، ومن بينها مؤسسة المدرسة،" فالمدرسة في مجتمعنا العربي، تلجأ إلى تلقين الطفل مجموعة من المعلومات الجامدة والمجردة وفي جو من الخوف والتهديد. وما على الطفل إلا أن يحفظها ويرددها وإلا تعرض للعقاب بأشكاله المختلفة بما فيها العقاب الجسدي"(48)، ويعد التلقين نوعا من العنف، بل إنه من أنواع العنف الذي يمارسه مجتمعنا العربي على الطفل. " وهكذا تسهم أيدولوجية الاستبداد في ترويض الطفل، فتحاول أن تقتل لديه ميله للتحدي وتأكيد الذات وتدعوه إلى نمط من السلوك يتسم بالطاعة والانصياع والهدوء، وبعبارة أخرى، تدعوه إلى الخضوع والاتكال واللامبالاة"(49).

      ومن هذا الواقع الاجتماعي والثقافي للمجتمعات العربية، يعتقد علي وطفة أن هذه البنية الثقافية تسهم في تشكيل ظاهرة تربوية وسماها بظاهرة التسلط التربوي التي تعتبر أحد أشكال العنف الممارس في المدارس العربية،" وهو صيغ من التسلط والإكراه المحسوس المعلن، أو الخفي المضمر الذي يمارس في الوسط التربوي أو في المؤسسات التربوية على تنوعها...والعنف التربوي وفقا لهذا التصور ليس إلا صيغة العنف ممارساً في المؤسسات التربوية في الأسرة والمدرسة وجماعات الأقران"(50).

      ويقوم التسلط التربوي على مبدأ الإلزام والإكراه، وعلاقات التسلط هي؛ العلاقات التي يتم بموجبها خضوع طرف لإرادة طرف آخر بالقوة، ونعني بالتسلط التربوي الميل إلى استخدام العنف في العمل التربوي، "فالعلاقة التسلطية سلوك ينطوي على العنف والإكراه، ويتنافى كلية مع معطيات وأسس السلوك الديمقراطي. ويأخذ هذا العنف صورة رمزية في المراحل العليا من التعليم ويتجلى في منع الطلاب من الإعلان عن وجهات نظرهم أو من توجيه النقد أو إبداء الرأي المخالف، وهذا ما يمكن أن يطلق عليه التسلط المعرفي الذي يمكن تعريفه بأنه فرض الآراء والأفكار على الآخرين، ويمكننا تحديد العلاقات التسلطية في المحاور التالية:

-   يقوم السلوك التسلطي على أساس التباين و اللامساواة (المدرس- الطالب (.

-  يتم اللجوء إلى العنف بأشكاله المادية والرمزية المختلفة، ويتجلى ذلك في صورة عقوبات مختلفة مثل: التهديد والتوبيخ.

- يقوم على المجافاة الانفعالية والعاطفية بين المدرسين والطلاب، وهذا يعني غياب العلاقات الودية التي تجمع بين الطرفين أو بين أطراف العملية التربوية عامة.

-  لا يسمح للطلاب أو المتعلمين عامة بإبداء آرائهم أو توجيه انتقاداتهم ولا تؤخذ آرائهم بعين الأهمية و الاعتبار من قبل المدرسين.

-  ومن أبعاد العلاقات التسلطية وجود أجواء الخوف وانعدام الثقة بين المدرسين والطلاب واللامبالاة التي تتجسد في الهوة التي تفصل بين الطرفين.

 وغني عن البيان أن علاقات التسلط تقوم على أساس من الممارسات القمعية التي تبدأ بأبسط الإيحاءات إلى أكثرها شدة وفظاظة، ومن أشكال السلوك التسلطي يمكن الإشارة إلى الهزء والسخرية والتهكم وأحكام الدونية والتخجيل والإحباط والازدراء والإهمال وعدم الاحترام وعدم التقدير...الخ"(51).

        تعود الجذور الاجتماعية لهذا النوع من القهر والتسلط التربوي الذي يأخذ الطابع العنيف في العلاقات الاجتماعية بين الفاعلين التربويين،" الثقافة العربية تعاني من العلاقات الاجتماعية، التي تأخذ طابع الإكراه والقهر، والتسلط، التي تضرب بجذورها في العائلة والمدرسة والحياة العامة، لهذه المجتمعات، وبموجب هذه العلاقات يخضع الصغار للكبار، والأبناء للآباء، أو الإناث للذكور، والفقراء للأغنياء، والضعفاء الأقوياء"(52)،" إن الضغط الاجتماعي اليومي يفرض على الأفراد نوعا من الامتثال الصارم، فيفقد الإنسان الكثير من حريته وتفرده واستقلاله واعتماده على ذاته، ويكبت رغباته الخاصة، فيخضع لمشيئة أهله ومن يملكون سلطة عليه حتى حين تكون له قناعات داخلية مختلفة"(53).

        يسهم التسلط التربوي في إنتاج العنف في المجتمعات العربية، "فالتعليم كما يجري في إطار العائلة وخارجها يتميز بصفتين رئيستين: فهو من جهة، يقلل من أهمية الإقناع والمكافأة، ومن جهة أخرى، يزيد من أهمية العقاب الجسدي والتلقين"(54)،" فحياة العربي تبدأ وتنتهي بالتلقين، أما عنصر المشترك بين التلقين والعقاب، فهو كلا منها يشدد على السلطة ويستبعد الفهم والإدراك، أي كلا منهما يدفع إلى الاستسلام ويمنع حدوث التغيير،  يتعلم الطفل أن يقبل دون اعتراض أو تساؤل سيطرة القوة والمتعلم"(55) ، وهذا على عكس المقاربات الأخرى، التي ذهب أصحابها إلى اعتبار أن العنف نتاج مجتمعي انتقل إلى الفضاء المدرسي، بينما في العالم العربي، تسهم المدرسة في تفريخ ظاهرة العنف،" فالمدرسة تنتج العنف الاجتماعي وتؤصله، وبالتالي، فإن العنف الاجتماعي ينزع إلى الحضور في المؤسسة التربوية التي تضفي عليه طابع الشرعية والوظيفية في الآن الواحد. وهنا وفي هذا السياق، يرى التربويون أن التربية هي الحلقة الأكثر أهمية في دور العنف وتجلياته"(56).

      تسهم الأسرة في المجتمع العربي في إكساب الطفل البذور الجنينية للعنف، من خلال قهر رغباته، وبسبب ممارستها التسلطية القائمة على مركزية الأب في الأسرة،" فالواقع الذي يجابه الطفل في العائلة هو واقع سلطوي فنظام العائلة، كنظام المجتمع في كل مؤسساته، نظام هرمي يقوم على السلطة والعنف ويحتل الأب فيه المركز الرئيس والأول ويحتل الطفل المركز الأدنى، وتتميز تربية الطفل في العائلة السلطوية بالعنف والقهر المستمرين"(57).

      انطلاقا من هذه الممارسات الثقافية التسلطية التي يتشبع الأفراد بقيمها وتمثلاتها، تعمل المدرسة وانسجاما مع هذه البيئات الاجتماعية التسلطية على ترسيخ بشكل سلطوي هذه القيم الاقصائية،" فتقوم أنظمة التربية العربية الرسمية، بتكريس علاقات السلطة الخاصة بالنظام الأبوي، وتعمل على إعادة إنتاج هذه العلاقات، سواء فيما يخص التعليم أو الدين، أو التشريع. وتمثل النزعة التسلطية هذه على عمليات نفسية بكاملها، وتؤثر في يكون الذات وتواصلها مع الآخرين، بشكل يساعد على استمرار النظام الأبوي"(58).

        إذن، يفرض العنف التربوي نفسه اليوم في المؤسسات التربوية، ولم يعد ممكنا في ظل انتشار وسائل الإعلام؛ أن تخفي المدرسة هذه الظاهرة، كما كانت تفعل في السابق، " وبالتالي فإن المؤسسات التربوية لا تعمل اليوم على إخفاء ما يجري في داخلها أو التستر على وجود هذه الظاهرة كما كانت هي الحال في مراحل سابقة، وتأتي هذه الحقيقة تحت تأثير وسائل الإعلام المتقدمة التي ترصد عن كثب مختلف مظاهر الحياة اليومية التربوية التي تدخل في صميم المؤسسات التربوية ولا سيما المدرسية منها"(59). وهناك العديد من المؤشرات الدالة على التنامي في هذا العنف المدرسي، "من المظاهر المبكرة لتمرد الطلاب الذي ينتج من الاغتراب لجوء بعضهم إلى التخريب والإتلاف داخل مدارسهم التي يشعرون بكرهها، وضعف الانتماء إليها، على سبيل المثال أظهرت نتائج دراستين أجريتا في دولتين عربيتين انتشار الممارسات التخريبية، والمشكلات السلوكية لدى الطلاب، وأهمها: ضرب الطلاب زملائهم والتشاجر معهم، والتراشق بالطباشير والزجاجات والعلب الفارغة، وتمزيق الكتب، والكتابة أو الحفر في المدراج وحوائط الفصول، والغش في الامتحانات ..."(60).

خاتمة.

        إن أهم النتائج التي توصلنا إليها في هذه الدراسة نجملها في مجموعة النقاط الآتية:

- يبين المفهوم السوسيولوجي للعنف أنه عبارة عن ظاهرة اجتماعية تغذيها مجموعة من العوامل الاجتماعية والاقتصادية، ويتمظهر في العديد من السلوكيات والممارسات، التي تعني في أبسط مدلولاتها توظيف القوة لتحقيق هدف ما، وينقسم إلى عنف فيزيائي مرئي وعنف نفسي غير مرئي. ويعد العنف في الوسط المدرسي أحد أشكال العنف الاجتماعي. ويشير إلى جملة الممارسات العنيفة التي يكون المدرسة مسرحا لتجسيدها، وتعد الفاعلون التربويون الممارسون له، وتتداخل العديد من العوامل المركبة في تشكيل ظاهرة العنف في الوسط المدرسي.

- ظهرت العديد من المقاربات السوسيولوجية لظاهرة العنف في الوسط المدرسي، فنجد المقاربة المعيارية؛ التي نظر أصاحبها إلى العنف في الوسط المدرسي على أنه تعبير عن انحراف أخلاقي، سببه الرئيسي؛ الخلل في البنية القيمية للفرد، وتعتبر أن التنشئة الاجتماعية والثقافية أبرز العوامل المغذية له، وقريبا من هذه المقاربة، تذهب المقاربة الوظيفية إلى أن العنف في الوسط المدرسي؛ يعبر عن خلل في النسق المدرسي ذاته، كعدم قدرته على أداء أدواره ووظائفه، وعدم قدرته على التكيف والتكامل مع بقية الأنساق الاجتماعية المشكلة للبناء الاجتماعي للمجتمع، وتعتبر أن ظاهرة العنف ظاهرة باثولوجية مرضية.

- يرى أصحاب المقاربة الصراعية أن العنف في الوسط المدرسي، يرجع إلى امتداد الصراع الاجتماعي بين الطبقات الاجتماعية من الفضاء المجتمعي إلى الفضاءات المدرسية، وتذهب إلى أبعد من ذلك عندما ترى أن المدرسة أحد الأدوات الأيديولوجية التي تستخدمها الطبقات الاجتماعية المسيطرة للاستمرار في هيمنتها على الطبقات الفقيرة والعمالية، وعلى هذا الأساس، فالعنف في الوسط المدرسي هو تجلي وتعبير عن اللامساواة الاجتماعية في المجتمعات الحديثة، ويعبر عن وعي الذات الإنسانية باغترابها داخل المدرسة، وبناءا على هذه الرؤية الصراعية، نجد مقاربة العنف الرمزي عند بورديو، الذي اعتبر أن كل فعل بيداغوجي يحمل في طياته نوعا من التعسف الثقافي، وبالتالي تنجر عنه بصفة آلية وحتمية حالات من العنف في الوسط المدرسي. ويرى بورديو أن العنف لا يتمظهر فقط في الأبعاد المادية، وإنما تتجلى أكثر أشكاله ضراوة في الشكل الرمزي، الذي يكون اعتداء على خصوصيات الفاعلون التربويون، مما يحفزهم على ممارسة العنف كرد فعل على أشكال الهيمنة التي يتعرضون لها.

   - في حين، يرى أصحاب المقاربة التفاعلية الرمزية؛ أن العنف في الوسط المدرسي، يرجع إلى أشكال وأنماط التفاعل الاجتماعي داخل الوسط المدرسي، فإن التفاعل يتم بطريقة حوارية نتيجة توفر قنوات التواصل بين الفاعلين، وفي المقابل، إذا كانت هناك معوقات أو انسداد في قنوات التواصل بين الذوات في الفضاء المدرسي، ينجر عنها العنف، فتلجأ الذوات الفاعلة إلى العنف كوسيلة للتعبير عن رغباتها وحاجاتها. وهي ما تعودت عليه واكتسبته خلال مراحل تنشئتها الاجتماعية، فيعتبر العنف وسيلة للتواصل في حالة عدم التفهم أو الاختلاف أو التفاعل الاجتماعي.

- في الأخير، تنطلق المقاربة السلطوية لظاهرة العنف في الوسط المدرسي من فكرة مفادها؛ أن التسلط الذي يعاني منه الإنسان في المجتمع العربي، تسهم المدرسة في ترسيخه وإعادة إنتاجه، مما يؤدي إلى مفاقمة ظاهرة العنف بكل أشكالها وأنماطها. وتتحول المدرسة إلى أحد المؤسسات التي تزود المجتمع بالعنف، نظير اشتغالها على التلقين القائم على حشو أذهان الناشئة بالمعارف والعلوم، دونما فهم ووعي بها، وعلى قهرهم وقمع آرائهم في الصف المدرسي، مما يؤدي إلى تشكيل شخصيات اجتماعية، تجنح إلى ممارسة العف في الفضاء المدرسي وخارجه.

1. عقد المؤتمر العالمي الأول في باريس مارس 2001، تحت شعار العنف في المدرسة والسياسات العمومية، ثم تلاه المؤتمر العالمي الثاني في جوان 2003بكيبك، وفي 30و31مارس 2005بيريو ديجانوريو بالبرازيل، تحت عنوان: العنف في المدرسة، أنظر :

Debarbieux E, Violence à l’école: un défi mondial ?  Paris, Armand Colin, 2006.

2.  خليل أحمد خليل،  المفاهيم الأساسية في علم الاجتماع، ط1، دار الحداثة، بيروت، 1984، ص 138.

3. Yves Montoya, Hervé Benoit« Les violences à l'école. Présentation du dossier », La nouvelle  revue de l'adaptation et de la scolarisation, 2011/1(N° 53), p 3

4.                      JOING ISABELLE, VIOLENCE A L’ECOLE ; VERS UNE RESPONSABILITE FONCTIONNELLE DES INSTITUTIONSSCOLAIRES, INTERNATIONAL JOURNAL OF VIOLENCE AND SCHOOL, 11, SEPTEMBRE 2010, p35.

5.                       محمد هلالي، بعزيز لرزق، العنف، ط1، دار توبقال، المغرب، 2009، ص6.

6.                       علي أسعد الوطفة، من الرمز والعنف إلى ممارسة العنف الرمزي قراءة في الوظيفة البيداغوجية للعنف الرمزي في التربية المدرسية، مجلة الشؤون الاجتماعية، العدد 104، 2008، ص65.

7.                      JOING ISABELLE, ibid, p35.

8.                      M. Jean-Paul Payet, La ségrégation scolaire: Une perspective sociologique sur la violence à l'école, Revue française de pédagogie, volume 123, 1998. La violence à l'école : approches européennes, p34.

9.                      M. Jean-Paul Payet, ibid, p35.

10.                   رايو باتريك، اغنيس فان زانتن، التربية في مئة كلمة، ترجمة: نهوا عز الدين الكافي،ط1، المنظمة العربية للترجمة، بيروت، 2016، ص99.

11.                  Dubet François, Les figures de la violence à l'école. In: Revue française de pédagogie, volume 123, 1998. La violence à l'école: approches  européennes. P37.

12.                   بيار بورديو، العنف الرمزي، بحث في أصول علم الاجتماع التربوي، ترجمة: جميل ظاهر، ط1، الدار البيضاء، المركز الثقافي العربي،المغرب، 1994، ص8.

13.                  GUIDE L’INTENTION DES ENSEIGNANTS, avec la violence à l’école, consulté  le ;

16/10/2017.       www.unesco.org/fr/education.

14.                  Dubet François, Les figures de la violence à l'école. In: Revue française de pédagogie, volume 123, 1998. La violence à l'école : approches européennes, p42.

15.                     فوزي أحمد بن دريدي، العنف لدى التلاميذ في المدارس الثانوية الجزائرية، مركز الدراسات والبحوث، جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية، الرياض، 2007ـ ص55.

16.                    اميل دوركايم، التربية الأخلاقية، ترجمة: السيد محمد بدوي، ط1، المركز القومي للترجمة،مصر، 2015، ص143.

17.                  Dubet François. Les figures de la violence à l'école, Ibid. ; P42

18.                    إميل دوركايم، الانتحار، ترجمة: حسن عودة، ط1، منشورات الهيئة السورية للكتاب،سوريا، 2011، ص486.

19.                    علي سموك، إشكالية العنف في المجتمع الجزائري، من أجل مقاربة سوسيولوجية، ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر، 2006، ص 111-112.

20.                    إميل دوركايم، قواعد المنهج في علم الاجتماع، ترجمة: قاسم والسيد محمد بدوي، ط1، دار المعرفة الجامعية، الاسكندرية، 1988، ص58.

21.                    العربي سليماني، رشيد الخديمي، قضايا تربوية ورهانات جودة التربية والتكوين مقاربات سيكوبيداغوجية وديداكتيكية، ط1، منشورات عالم التربية، المغرب، 2005، ص252.

22.                    Debarbieux Eric, Montoya Yves, La violence à l'école en France :30ans de construction sociale de l'objet (1967-1997). In,  Revue française de pédagogie, volume 123, 1998. La violence à l'école : approches européennes, p95.

23.                   Nathalie Bulle, Sociologie de l'éducation. R.Boudon, M.Cherkaoui, B.Valade. Dictionnaire de la pensée  sociologique, PUF, 2005, p9.

24.                    علي بركات، العوامل المجتمعية للعنف المدرسي، دراسة ميدانية في مدينة دمشق، منشورات الهيئة العامة السورية، وزارة الثقافة، دمشق،2011، ص 77- 78.

25.                   Peignard Emmanuel, Roussier-Fusco Elena, Henriot-Van Zanten Agnès. La violence dans les établissements scolaires britanniques : approches sociologiques. In: Revue française de pédagogie, volume 123, 1998. La violence à l'école approches européennes, p124.

26.                   Cécile Carra, Daniel Faggianell, ibid, p112.

27.                    مايك دونال، نظرية علم الاجتماع: نموذج واحد أو نماذج متعددة، ترجمة: خلف جواد، في كتاب: قراءات معاصرة في علم الاجتماع، مصطفى خلف عبد الجواد، مركز الدراسات والبحوث الاجتماعية، مصر، 2002، ص139.

28.                    فوزي أحمد بن دريدي، المرجع السابق، ص50.

29.                    حسين عبد الحميد رشوان، العنف والمجتمع، دراسة في علم الاجتماع النفسي والسياسي والاتصالي، مركز الإسكندرية للكتاب، الإسكندرية، د. س، ص163.

30.                    Debarbieux Eric, Montoya Yves. La violence à l'école en France : 30ans de construction sociale de l'objet (1967-1997). In: Revue française de pédagogie, volume 123, 1998. La violence à l'école : approches européennes. p. 97.

31.                    بيار بورديو، وكلود باسرون، إعادة الانتاج في سبيل نظرية عامة لنسق التعليم، ترجمة: ماهر تريمش،ط1، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، 2007، ص 103.

32.                    بيار بورديو، العنف الرمزي بحث في أصول علم اجتماع التربوي، مرجع سابق، ص8.

33.                    المرجع نفسه، ص35.

34.                   المرجع نفسه، ص37.

35.                    علي أسعد وطفة، العنف والعدوانية في التحليل النفسي، منشورات الهيئة العامة السورية للكتاب، وزارة الثقافة، دمشق، 2008، ص80.

36.                  Payet Jean-Paul. La ségrégation scolaire, Une perspective sociologique sur la violence à l'école, In: Revue française de  pédagogie, volume 123, 1998. La violence à l'école : approches européennes, p26.

37.                  Marc Barthélémy, Les jeunes et le lien social. A propos de la violence scolaire , Corps et culture [Enligne], Numéro 3, 1998, mis en ligne le 24septembre 2007.  Consulté le:

30septembre 2016.p9.

38.                  Bernard Defrance, LA VIOLENCE À L’ÉCOLE, la Revue de la gendarmerie nationale, Décembre, 2005, p22.

39.                  Payet Jean-Paul, ibid, p27.

40.                    محمود سعيد الخولي، العنف المدرسي الأسباب وسبل المواجهة، سلسلة قضايا العنف، ط1، مكتبة الأنجلو المصرية، القاهرة، 2008، ص112.

41.                    حمدي علي أحمد، مقدمة في علم اجتماع التربية، دار المعرفة الجامعية، الإسكندرية، 2003، ص180.

42.                     عبد الله محمد عبد الرحمن، علم اجتماع التربية، النشأة التطورية، دار المعرفة الجامعية، الاسكندرية، د. س، ص289.

43.                    جمال معتوق، مدخل إلى سوسيولوجيا العنف، ط1، دار الكتاب الحديث، القاهرة، 2012، ص207.

44.                    جهاد علي السعايدة، أسباب العنف المدرسي ووسائل الحد منها من وجهة نظر أولياء أمور طلبة المرحلة الأساسية العليا في الأردن" دراسة ميدانية في قضاء عيراويرقا "، مجلة دراسات العلوم الإنسانية والاجتماعية، المجلد41، العدد 1، 2014، ص 58.

45.                  CARRA CECILE,  POUR UNE APPROCHE CONTEXTUELLE DE LA VIOLENCE, LE ROLE DU CLIMAT  D'ECOLE, International Journal of Violence and School – 8– Juin 2009, p3.

46.                   Yves ALPE , Les apports de la sociologie de l’éducation à l’analyse des situations scolaires . p4.

47.                    محمد عباس نور الدين، التمويه المجتمع في المجتمع العربي السلطوي، ط1، المركز الثقافي العربي، المغرب، 2000، ص9.

48.                    محمد عباس نور الدين، التمويه المجتمع في المجتمع العربي السلطوي، المرجع السابق، ص48.

49.                   المرجع نفسه، ص52.

50.                    علي أسعد وطفة، من الرمز والعنف إلى ممارسة العنف الرمزي قراءة في الوظيفة البيداغوجية للعنف الرمزي في التربية المدرسية، مرجع سابق، ص64.

51.                    علي أسعد وطفة، علي جاسم الشهاب، علم الاجتماع المدرسي، بنيوية الظاهرة المدرسية ووظيفتها الاجتماعية، ط1، الكويت، 2003، 102- 103.

52.                    علي اسعد وطفة، مظاهر التسلط في الثقافة والتربية العربية المعاصرة، مجلة العلوم الإنسانية، عدد1ـ1، جامعة قسنطينة، 1999، ص5.

53.                    حليم بركات، المجتمع العربي المعاصر، بحث اجتماعي استطلاعي، مركز دراسات الوحدة العربية، ط1، بيروت، 1984، ص345.

54.                    هشام شرابي، مقدمات لدراسة المجتمع العربي، ط3، دار المتحدة للنشر،لبنان، 1984، ص47.

55.                    هشام شرابي، مقدمات لدراسة المجتمع العربي، المرجع السابق، ص50.

56.                    على أسعد وطفة، من الرمز والعنف إلى ممارسة العنف الرمزي قراءة في الوظيفة البيداغوجية للعنف الرمزي في التربية المدرسية، المرجع السابق، ص 64.

57.                     هشام شرابي، مقدمات لدراسة المجتمع العربي، المرجع السابق، ص95.

58.                     هشام شرابي، مظاهر التسلط في الثقافة والتربية العربية المعاصرة، المرجع السابق، ص19.

59.                    علي أسعد وطفة، من الرمز والعنف إلى ممارسة العنف الرمزي قراءة في الوظيفة البيداغوجية للعنف الرمزي في التربية المدرسية، المرجع السابق، ص 64.

يزيد السيرطي، السلطوية في التربية العربية، سلسلة عالم المعرفة، العدد362، الكويت، 2009، ص225

@pour_citer_ce_document

عبد الحليم مهور باشة / سمية أحمد الطيب, «العنف في الوسط المدرسي: مقاربات في سوسيولوجيا التربية.»

[En ligne] ,[#G_TITLE:#langue] ,[#G_TITLE:#langue]
Papier : pp 103-117,
Date Publication Sur Papier : 2011-09-20,
Date Pulication Electronique : 2018-05-14,
mis a jour le : 11/07/2018,
URL : https://revues.univ-setif2.dz:443/revue/index.php?id=2807.