القيم – سياق التداول والمقاربة السوسيولوجية –Values - Trading Context And Sociological Approach
Plan du site au format XML


Archive: revues des lettres et sciences sociales


N°01 Avril 2004


N°02 Mai 2005


N°03 Novembre 2005


N°04 Juin 2006


N°05 Juin 2007


N°06 Janvier 2008


N°07 Juin 2008


N°08 Mai 2009


N°09 Octobre 2009


N°10 Décembre 2009


N°11 Juin 2010


N°12 Juillet 2010


N°13 Janvier 2011


N°14 Juin 2011


N°15 Juillet 2012


N°16 Décembre 2012


N°17 Septembre 2013


Revue des Lettres et Sciences Sociales


N°18 Juin 2014


N°19 Décembre 2014


N°20 Juin 2015


N°21 Décembre 2015


N°22 Juin 2016


N° 23 Décembre 2016


N° 24 Juin 2017


N° 25 Décembre 2017


N°26 Vol 15- 2018


N°27 Vol 15- 2018


N°28 Vol 15- 2018


N°01 Vol 16- 2019


N°02 Vol 16- 2019


N°03 Vol 16- 2019


N°04 Vol 16- 2019


N°01 VOL 17-2020


N:02 vol 17-2020


N:03 vol 17-2020


N°01 vol 18-2021


N°02 vol 18-2021


N°01 vol 19-2022


N°02 vol 19-2022


N°01 vol 20-2023


N°02 vol 20-2023


A propos

avancée

Archive PDF

N°27 Vol 15- 2018

القيم – سياق التداول والمقاربة السوسيولوجية –

Values - Trading Context And Sociological Approach
pp 129-150

فتيحة حفحوف
  • resume:Ar
  • resume
  • Abstract
  • Auteurs
  • TEXTE INTEGRAL
  • Bibliographie

لا يزال مفهوم القيم –رغم الجهود المضنية التي بذلت في تأصيله محل غموض وتداخل عند الكثيرين، والمفارقة أنه يزداد حضورا في خطاباتنا -التربوية والثقافية والاجتماعية والدينية-، فهو بذلك جدير بالدراسة والبحث رغم أنه شائك المسلك.

وقد جاءت هذه الورقة بغية التعريف بهذا المفهوم الذي يكتنفه الكثير من الغموض والتعقيد وذلك لوقوعه في أرض مشتركة بين عديد العلوم كعلم الاجتماع وعلم النفس والفلسفة والدين...، ومحاولة إزالة اللبس عنه وذلك بتبني مقاربة نفسية –اجتماعية، كما تسعى إلى الوقوف على الدلالات الاصطلاحية للمفهوم وما تتضمنه من معان عند من يستعملونها كافة، مرورا بالتأصيل النظري لها من المنظور الإسلامي، والفلسفة وعلم النفس وعلم الاجتماع، وختاما بخصائصها ومكوناتها ووظائفها ومصادرها ووسائط نقلها.

الكلمات المفتاحية: القيم، الأسرة، المدرسة، الثقافة، الدين.

La notion des valeurs reste encore ambigui, et demeure contusionnée dans ces significations, chez la plupart ; malgré des efforts déployés .cependant, la notion se parait toujours présente dans nos discours éducatifs, culturels, social et religieux.

Le présent article a pour objet de définir cette notion de valeurs a travers son utilisation dans les différents champs académiques en notant   la sociologie, la psychologie, la philosophie et la religion. Réessaientéclaircirsa signification selon l’approche psycho-sociologique, qui s’appuientsur les significations conventionnelles de cette notion ; cela par rapport à son intégrationthéorique philosophique, psychologique, sociologique et également la perspective religieuse, aussi que ses caractéristiques, ses composants, fonctions et ses classifications et ses sources.

Mots-clés :Valeurs - Famille - Ecole - Culture - Religion.

The concept of value, despite the strenuous efforts that  have been made in rooting it, is still unclear and interwoven for many .Yet, it is increasingly  present  in our educational ,cultural , social ,and religious discourses .therefore ,it is worthy of study and research eventhough it is thorny. This paper came in order to introduce this concept, which is surrounded by a lot of ambiguity and complexity as it is located in a common ground between several  sciences such as sociology ,psychology, philosophy and religion .It also  tries to remove confusion through  psychological –social comparison, and it seeks to identify the conventional connotations of the concept and its meanings used by people through theoretical acquisition in philosophy, psychology ,sociology and from the Islamic  perspective concluding with the concept’s characteristics, components,functions,classification and sources .

Keywords:Values ​​- Family - School - Culture - Religion.

Quelques mots à propos de :  فتيحة حفحوف

،جامعة محمد لمين دباغين سطيف2

مقدمة:

تعد القيم قاسما مشتركا داخل المنظومة المعرفية للعلوم الإنسانية على اختلافها، فعلى اعتبار أن الإنسان كائن قيمي بطبعه فهو يحتكم إلى جملة القيم التي يتبناها في تجسيد سلوكاته وأفعاله، ومن هذا المنطلق فالقيم من المفاهيم الجوهرية في جميع ميادين الحياة البشرية الاقتصادية والثقافية، ولا تقف أهمية القيم على علم من العلوم. 

وتعد القيم في أبسط حالاتها مواقف المفاضلة والاختيار،  وكلما ازدادت خبرة الإنسان بمثل تلك المواقف –مواقف المفاضلة – كلما تكونت لديه جملة من القيم،  فتستقر في نفسه وتكون له جهازا يستطيع عن طريقه أن يحكم على الأحداث من حوله فهي أحد أهم ضوابط السلوك،  كما وتعد بمثابة المعايير التي توجه أفعال وأقوال وسلوكات الفرد داخل الجماعة، وتعبر أيضا عن الاتجاهات المشتركة بين أفراد المجتمع فهي بالنسبة لحامليها عاملا مهما وفعالا لتماسكهم،  مما يضمن ضبط وتنظيم وتماسك المجتمع،

ولما كانت القيم تتضمن عناصر الانتقاء والتفضيل فإن الأمر يجعلها تختلف من مجتمع لآخر بل من شخص لآخر داخل نفس المجتمع، غير أنها في الوقت نفسه  حجر الأساس في البناء الثقافي للمجتمع وتسهم في تحقيق التوازن الاجتماعي والنفسي داخل إطار هذا المجتمع وبين أفراده.

 ونظرا لأهمية القيم سواء في المجال العملي الواقعي، أو في بعدها التنظيري، فقد احتلت مكانة بارزة في اهتمامات العلماء والباحثين على اختلاف تخصصاتهم، الأمر الذي تمخض عنه وجهات نظر متعددة، وكما هائلا من التعاريف والتصنيفات والنظريات حولها، وقد حاولت هذه الورقة الخوض في تفصيل مفهوم القيم في مجالات العلوم المختلفة، وكذا التأصيل النظري لها.

أولا :تعريف الــقيــم:values:إن مفهوم القيم يكتنفه نوع من عدم الوضوح، ولعله من أكثر مفاهيم العلوم الاجتماعية غموضا ذلك:

-لارتباطه بعدد من المفاهيم كالاتجاهات والمعتقدات والمعايير والسلوك والعادات والدوافع والرغبات، والتي يحاول استخدامها في مقام واحد.

-  ولوقوعه على أرض مشتركة بين مجموعة من العلوم (الدين، الفلسفة، علم النفس،علم النفس الاجتماعي، علم الاجتماع،الاقتصاد...).

إن تعاريف القيمة تكاد تتعدد بتعدد كتابها، وتختلف باختلاف المجال المعرفي الذي يعمل في إطاره الباحث، "فالقيمة على حد قول دوركي لي "عصية على التعريف :إني أتكلم عن القيمة ولكني لست مستعدا لتعريفها"(1). وستحاول هذه الورقة تقديم بعض من أهم التعاريف المقدمة:

1-القيمة لغة: القيم جمع مصدره قيمة وأخذت اللفظة من "قوم" واستعمل جذرها للدلالة على معان مختلفة: "قام بالأمر يقوم به قياما، فهو قوّام وقائم، واستقام الأمر...، وقام المتاع بكذا أي تعدلت قيمته به، والقيمة الثمن الذي يقاوم به المتاع أي يقوم مقامه، والجمع القيم وشيء قيميّ نسبة إلى القيمة على لفظها...، وقوّمت المتاع: جعلت له قيمة معلومة ".(2)وقد ورد لفظ القيمة في القرآن الكريم في ثمانية مواضع هي: الروم:آية 43-الروم:آية 30- الكهف:آية 1و2- البينة:آية 3والبينة:آية 5- التوبة، آية:36- يوسف:آية 40-الأنعام:آية 161، ونذكر منها على سبيل المثال لا الحصر:

-"فأقم وجهك للدين القيّم من قبل أن يأتي يوم لا مرد له من الله يومئذ يصدعون"(الروم:آية 43)

-"فيها كتب قيمة "(البينة:آية 3)

-"فأقم وجهك للدين حنيفا فطرت الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون"(الروم:آية 30)  

-"وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة و ذلك دين القيمة" (البينة:آية 5)

وفي جل الآيات السابقة الذكر فإن الدين القيم يقصد به الدين المستقيم، وبذلك تصبح لفظ القيمة في المعنى اللغوي بمعنى الاستقامة والاعتدال، فالقيمة في اللغة العربية لها معنى ايجابيا يعكس مدى أهميتها في حياة الفرد والمجتمع.

2-القيمة اصطلاحا: لما كانت القيمة من المفاهيم التي عني بدراستها عدد من العلوم المختلفة فإن الغموض والخلط في تأويلها يكون أمرا طبيعيا، وستحاول هذه الورقة عرض أهم تعاريف القيم حسب وجهات نظر العلماء والباحثين في مختلف التخصصات : 

  • في علم الأخلاق" يطلق لفظ "القيمة" على ما يدل على لفظ " الخير " بمعنى أن تكون قيمة الفعل نابعة مما يتضمنه من خيرة، و تكون قيمة

الفعل أكثر كلما كانت المطابقة والصورة الغالبة للخير. وقد أصبح باب القيم بابا هاما من أبواب الفلسفة العامة ويرتبط خاصة بعلوم المنطق والأخلاق و الجمال والإلهيات"(3)ويطلق على الفلسفة التي تبحث في القيم بالاكسيولوجيا.

ب-للقيمة أهمية كبرى عند علماء النفس وذلك راجع لما لها من علاقة وثيقة بمفهوم الشخصية، و تعرف القيمة بأنها: "تنظيمات لأحكام عقلية انفعالية مصممة نحو الأشخاص والأشياء والمعاني التي توجه رغباتنا واتجاهاتنا نحوها، والقيمة مفهوم مجرد ضمني، غالبا ما يعبر عن الفضل والامتياز، ودرجة التفضيل التي ترتبط بالأشخاص أو الأشياء أو المعاني" (4)هذا يعني أن الإنسان يصدر أحكاما تفضيلية بشأن مختلف الموضوعات وبذلك تصبح القيمة هي مسألة شخصية وذاتية تختلف من شخص لآخر حسب الزمان والمكان وكذا الثقافة، والقيمة في علم النفس مرتبطة ارتباطا وثيقا بشخصية الفرد واستعداداته وميولاته.

ج-واعتبر علماء الاقتصاد رواد دراسة القيم، وكان يطلق على علم الاقتصاد بـعلم القيمة، وحظي هذا المفهوم بأهمية خاصة في أعمال آدم سميث،

 وديفيد ريكاردو وكثيرون من أصحاب المدرسة الكلاسيكية، "واستخدم آدم سميث هذا التعبير على أساس أنه يطلق على قيمة الشيء بالنسبة لشخص معين، قيمة المنفعة وهي مسألة اعتبارية وفي أحيان أخرى القوّة الشرائية أو قيمة الاستبدال"(5) و لفظ القيمة في علم الاقتصاد يعبر "بصورة مباشرة أو غير مباشرة عن نظرية السعر" (6)، كماترتبط في الاقتصاد الماركسي بتوزيع السلع والخدمات والتي يجب أن تقوم على مبدأ العدالة.

د-كما اهتم علماء الانثروبولوجيا بدراسة القيم في إطار اهتماماتهم بدراسة المجتمعات والثقافات والنظم التقليدية والحديثة، وقد عرفها كلايد كلاكهون"بأنها تصور صريح أو ضمني خاص بفرد أو مميز لجماعة عما هو مرغوب فيه، ويؤثر على الاختيار من بين البدائل المطروحة من أنماط

ووسائل وغايات الفعل"(7) فهو يعتبر القيم بمثابة حقائق ثقافية وسيكولوجية يمكن كشفها وتحليلها، فالإنسان باستطاعته ملاحظة ما يفعله الآخرون وما لايفعلونه. فالانثروبولوجيا تنظر إلى القيم كونها معايير اجتماعية تختلف من مجتمع لآخر وتحدد السلوك الاجتماعي والاتجاهات السائدة .  

ه- وعلى غرار ماسبق فقد حظي مفهوم القيمة في الدراسات السوسيولوجية باهتمام كبير وكذا باختلاف كبير أيضا، حيث اختلط المفهوم بمفاهيم أخرى متصلة به، وكان الإشكال يبرز أيضا بين القيمة كمفهوم والقيمة كعملية، "وكان أول من استخدم لفظ "القيمة" توماس وزنانيكي في كتابهما

"الفلاح البولندي في أوروبا وأمريكا" وعرفاها على أساس أنها: القواعد الرسمية الظاهرة للسلوك، والتي عن طريقها تستمر الجماعة وتنظم، وجعل أنماط الأفعال المتصلة دائمة وعامة بين أعضائها"(8).

"والباحث في التراث السوسيولوجي يمكنه أن يميز بين ثلاثة نماذج من التعريفات تعكس ثلاث توجهات مختلفة نحو مفهوم القيمة وهي :(9)

النموذج الأول:يشير إلى الموجهات الفلسفية والثقافية: فبارك وبيرجس على سبيل المثال عرفا القيمة على أنها :"أي شيء قيمته قابلة للتقدير".

- هنري "أي شيء نرى فيه خيرا مثل الحب والشفقة والقناعة والمرح والأمانة والذوق والترويح والبساطة".

النموذج الثاني: يشير إلى الموجهات السيكولوجية، ويجد الباحث في هذه المجموعة تخبطا بين القيمة والاتجاه من ناحية وبين القيمة والمعيار

والقواعد والذات الجمعية من ناحية أخرى.

النموذج الثالث: يشير إلى الموجهات السوسيولوجية، وعرفت القيمة في هذا الاتجاه من ثلاث زوايا:

-موجهات الفعل الاجتماعي: حيث يعبر الفعل عن القيمة. -النسق الإجرائي: وقد استخدم لوصف ماهية القيم. - مؤشرات للقيم: يعرفها جورج لندبرج "الشيء له قيمة أو هو قيمة عندما يسلك الناس نحوه كما لو أنهم يحفظونه أو يزيدون من ملكيتهم له".

ثانيا: علاقة القيم ببعض المفاهيم النفسو-اجتماعية:  

بعد أن قدمنا عرضا لمفهوم القيمة، وقد سبق أن أوضحنا أن مفهوم القيمة مرتبطا بعدد من المفاهيم الأخرى، والتي كثيرا ما استخدمت بالمعنى نفسه، كان لابد من تمييز هذا المفهوم عن غيره:

1- القيم والمعايير: لقد كان التراث السائد في علم الاجتماع حول القيم والمعايير يميل إلى ربط المصطلحين معا، لكن تم التفريق بينهما في وقت

 لاحق."والمعايير هي آداب التصرف والحياة والتفكير المحددة اجتماعيا، والمعاقب على تجاوزها اجتماعيا"(10)وعلى ذلك تكون المعايير هي سلطة اجتماعية يخضع لها الفرد حتى في غياب رقابة الجماعة، والقيم هي التي تشكل المعايير التي بدورها تحكم على الفعل والسلوك بالصواب أو الخطأ فهي تحديد للسلوك المرغوب فيه.

2-القيم والاتجاهات:"يقول بوغاردس Bogardus" إن كل اتجاه مصحوب بقيمة وأن الاتجاه والقيمة جزآن لعملية واحدة، ولا معنى لأحد دون الآخر فحياة الإنسان خاضعة للاتجاهات والقيم معا"(11)هذا يعني وجود تجانس كبير بين المفهومين ومن الصعوبة بمكان الفصل بينهما ذلك لأنهما تنشآن نتيجة التفاعل الاجتماعي للفرد، وكل  منهما مكتسب من خلال عمليات التنشئة الاجتماعية، وعادة ما يرتبط مفهوم الاتجاه بالدلالة السيكولوجية،

وفي أبسط تعريف له ورد بأنه "الميل لأخذ موقف مع أو ضد "(12)، وفي علم الاجتماع يعرف الاتجاه بأنه منظومة من العقائد الموجهة نحو سلوك معين يتخذ الفرد خلالها استجابات تفضيلية.ورغم ما يبدو من خلال التعاريف السابقة من ارتباط بين المفهومين إلاّ أنه في حقيقة الأمر يمكن التمييز بين المفهومين على أساس أن: الفرق بين القيمة والاتجاه هو الفرق بين العام والخاص، فالقيم هي محددات لاتجاهات الأفراد، والقيم تنطوي على جانب تفضيلي في حين الاتجاه يأخذ بالسلب أو الإيجاب، والقيمة هي محصلة مجموع الاتجاهات التي تتكون لدى الفرد إزاء شيء معين.

3- القيم والسلوك: السلوك هو حالة من التفاعل بين الكائن الحي ومحيطه وفي غالبه يكون مكتسبا يتم من خلال الملاحظة والتعليم والتدريب،

وبفعل تكراره المستمر يتحول إلى سلوك مبرمج سرعان ما يتحول إلى "عادة سلوكية ". و هناك عدد من الباحثين من تناول مفهوم القيم من خلال مؤشر السلوك، وهم يجمعون على أن القيم هي محددات السلوك الفردي التي يقرها المجتمع، ومنهم "إميل دوركايم"و"ثالكوت بارسونز"و"روبرت ميرتون" وغيرهم كثير، وقد أكد  "فرنس أدلر" أنه عندما نكون بصدد تحديد مفهوم القيم ينبغي أن نعرفها بمعنى "السلوك"، وما يؤخذ عليه"أنه لم يحدد نوع السلوك الذي يختاره الفرد، فهل هو ما يرغبه فعلا أو ما يعبر عنه لفظيا؟ وعلى أي أساس يختار؟...وإن الكثير من الأنماط السلوكية التي يصدرها الفرد وهو بصدد التعامل مع المواقف الاجتماعية المختلفة، إنما تقف كدالة لما حددته الثقافة على أنه أسلوب مرغوب فيه، أكثر من أنها دالة لما يتمثله الأفراد من قيم يرونها جديرة باهتمامهم، فالاستجابة التفضيلية لا تحدث في فراغ، ولكنها توجد في سياق اجتماعي معين"(13)غير أن ما هو مؤكد أن القيم أكثر تجريدا من السلوك، ذلك أنها ليست مجرد سلوك انتقائي بل تتضمن المعايير التي يحدث التفضيل على أساسها، وبذلك يكون السلوك هو مرحلة أخيرة من مراحل تشكل القيم، فبعد أن تم تكوينها معرفيا ووجدانيا يتم ممارستها وتكرارها في الحياة اليومية على شكل سلوكيات.

4- القيم والعادات:إن مفهوم العادة" يشير إلى كل الأنماط السلوكية المشتركة بين جماعة أو مجتمع معين، والتي تعد بمثابة طرق تقليدية للناس في حياتهم، والإشارة إلى طريقة معتادة تعني أن سلوك المجتمع له تاريخ طويل وأصبح جزءا من سلوك الفرد "(14)ولعل التكرار المستمر يؤكد القيمة الاجتماعية للعادة، هذا وإن العادات والقيم تعتبر عاملا هاما في تشكيل الحياة الاجتماعية ووسيلة هامة لتحقيق الذات الاجتماعية، ومن آليات الانسجام والاتساق بين الأفراد وكذا الجماعات. ورغم صعوبة استجلاء العلاقة بين المفهومين نظرا لتداخلهما إلا أنه يمكن "أن نشير إلى العادات بوصفها المضمون المادي للسلوك بينما تشكل القيم مضمونه المعنوي "(15).

5-القيم والحاجة: الحاجة هي "حالة من النقص والعوز والافتقار واختلال التوازن، تقترن بنوع من التوتر والضيق ولا تلبث أن تزول الحاجة متى قضيت"(16)، وتنشأ عنها بواعث معينة ترتبط بموضوع الهدف. وكثيرا من العلماء من يجعل القيمة مرادفة لمفهوم الحاجة، ومن هؤلاء نجد "ماسلو" الذي يكافئ بين المفهومين، كما تصور بعضهم الآخر القيمة على أن لها أساسا بيولوجيا فهي تقوم على الحاجات الأساسية، فلا يمكن أن توجد قيمة لدى الفرد إلا إذا كان لديه حاجة معينة يسعى إلى تحقيقها أو إشباعها، ويتفق هذا القول مع التصنيف الذي قدمه بعض العلماء للقيم، حيث صنفت إلى: قيم أولية تتعلق عادة بالحاجات البيولوجية للفرد، والنوع الثاني هو قيم ثانوية تتعلق عادة بالجانب الأخلاقي والاجتماعي للفرد. ولكن في المقابل هناك من يفرق بين المفهومين "ومن أمثال هؤلاء نجد ميلتون روكيش الذي"يرى أن هناك اختلافا بين المفهومين فالقيم من وجهة نظره عبارة عن تمثيلات معرفية لحاجات الفرد أو المجتمع، وأن الإنسان هو الكائن الوحيد الذي يمكنه عمل مثل هذه التمثيلات وفي ضوء ذلك يميز

بينهما على أساس أن الحاجات توجد لدى جميع الكائنات (الإنسان والحيوان ) في حين أن القيم يقتصر وجودها على الإنسان "(17).

6-القيم والدافع:هناك الكثير من الباحثين من عرف القيمة وتناولها على أساس أنها أحد جوانب الدافع، وفي ضوء تعريف الدوافع نستشف الفرق بينهما، فيعرف بأنه "كل ما يحرك السلوك ويوجهه في اتجاه معين وما يسبب استمرارية ذلك النوع من السلوك"(18)، فهو بذلك عامل داخلي يستثير سلوك الفرد ويوجهه وفقا لثلاث مراحل :1-تحريك السلوك من خلال إكسابه طاقة 2- توجيه السلوك عمليا نحو هدف معين 3- درجة إشباع الحاجة أو تحقيق الهدف تؤدي إما إلى تكراره أو تغييره. وبذلك نصل إلى أن الفرق بينهما هو فرق في نوع الهدف، فالهدف في القيمة هو هدف من النوع الذي يتسم بالوجوب، فالدافع استعداد داخلي يسهم في توجيه السلوك نحو غاية معينة أما القيمة فهي التصور القائم حول الدافع وتكرار الدوافع تتولد عنها قيما معينة.

ثالثا: القيــم في المنظور الإسلامي-الفلسفي - السيكولوجي - السوسيولوجي - : يعتبر مفهوم القيم من المفاهيم التي لاقت اهتماما ورواجا كبيرا من قبل كثير من الباحثين، وفي ميادين ومجالات مختلفة، وهذا ما أدى إلى حدوث خلط وغموض كبيرين أثناء استخدام هذا المفهوم، وهذا ما جعلنا نحاول أن نميز بين أربع منظورات مختلفة لتفسير القيم يعتقد أنها أساسية لتوضيح الصورة أكثر وهي:

1-القيم في المنظور الإسلامي: الإسلام كدين سماوي مبني على منظومة قيمية متكاملة ومتجانسة، ولا يمكن فصل قيمة عن قيمة أخرى، وكما سبق الذكر فأن لفظ القيمة ذكر في القرآن الكريم في ثمانية مواضع، وحسب أشهر التفاسير القرآنية فإن لفظ القيمة جاء بمعنى:

-الاستقامة: وتعني التوحيد الذي لا تشوبه شائبة.- القوّام: ويعني العدل وهو الذي لا يقوم الشيء إلا به.- التقويم: بمعنى التسوية والاعتدال والمساواة.

- القّيم على نفسه: بمعنى المالك لزمام أمره .

كما وذكرت بعض القيم في القرآن الكريم لفظا صريحا كقيمة العدل والأمانة والصدق والإحسان وطاعة الوالدين...الخ، حتى إن البعض منها صنفت عند بعض العلماء كقيم مثالية (طوباوية) كقيمة مقابلة الإساءة بالإحسان مثلا التي يعتقد أن الإنسان عاجز على الالتزام بها، ولكن الله عز وجل دعا عباده للامتثال لمثل هذه القيم السامية، وفي هذا المثال البسيط تكون مجموعة القيم في التصور الإسلامي أعلى وأسمى بكثير منها في التصور الغربي الوضعي، فإن كانت معها في تقاطع واتصال إلا أن القيم في هذا التصور ترتبط بأبعاد أشمل،  فانتماؤها ليس للمادة واللذة بل لقضية أكبر هي الاستخلاف والإعمار، وترتبط بغايات بعيدة المدى فبالإضافة إلى أنها توضح للإنسان علاقته بنفسه وبمحيطه فهي أيضا مرتبطة أشد الارتباط بالغيب، فالقيم الإسلامية ماهي إلا علاقة تلازم بين الواقع والغيب، ومن هذا المنطلق يمكن الإقرار بأن الطرح الإسلامي طرح متميز فلا هو بذاتي يؤدي إلى عبادة الهوى ولا هو موضوعي يؤدي إلى تقديس التفاهات، فهو طرح شامل وتكمن شموليته في الجمع بين العنصرين، و تحديد القيم التي تربط الإنسان بربه وكذلك بغيره ممن يحيطون به حتى لا يختل توازنه وتضطرب نفسه، "وقد حرص القرآن الكريم على أن يؤسس لمفهومي - المعروف والمنكر- ليجعل من كل منهما وعاء للقيم ومستودعا لها، الأول فيما يتعلق بالقيم الايجابية والثاني للقيم السلبية" (19).

ومما سبق يمكن تعريف القيم الإسلامية بأنها: "مجموعة من المعتقدات والتصورات المعرفية والوجدانية والسلوكية الراسخة، يختارها الإنسان بحرية ويعتقد بها اعتقادا جازما، تشكل لديه منظومة من المعايير يحكم بها على الأشياء بالحسن أو القبح وبالقبول أو الرد، ويصدر عنها سلوك منتظم يتميز بالثبات والتكرار، ويتحدد برؤية الإسلام وتصوراته المعرفية والوجدانية والسلوكية، وبمصادر اشتقاقها وبمنهجه في غرس القيم واكتسابها، وبطبيعة المعايير التي يقررها لإصدار الأحكام على الأشياء من حيث قبولها وردها "(20). فهي مجموعة الأحكام التي يصدرها الفرد على شيء ما مهتديا بالشرع، ويتضح أن مفهوم القيم الإسلامية أسس على بعدين اثنين هما : البعد السلوكي يضاف إليه الحكم الشرعي.

وفي حقيقة الأمر فإن القيم الإسلامية هي في الأصل أحكام شرعية ذلك أن كل حكم شرعي يحمل قيمة محددة وسامية تبين للإنسان سبل السلوك السوي، وللقيم مصادر تنتجها، ومصادر القيم في الإسلام تنحصر في أربع مصادر أساسية هي: القران الكريم، السنة النبوية، الإجماع والقياس،

وهذا خلافا لما ذهب إليه العديد من الباحثين، فعلماء الاجتماع وعلى رأسهم إميل دوركايم يرجعونها للمجتمع، أما كارل ماركس ومن حذا حذوه

 فيرجعونها إلى العالم المادي الاقتصادي، ونيتشه وأصحابه من دعاة النزعة الإنسانية يرجعونها إلى الإنسان فهو صانع قيمه.

والمتأمل لأخلاق العربي قبل مجيء الإسلام، يجده يتصف بالعديد من القيم الإنسانية فقد تميزوا "بتقديرهم للقيم وإيثارها على قيم الحياة المادية الزائلة، فكان العربي يختار الموت المقترن بشرف الشجاعة والمحافظة على النسب،  ويفضله على الحياة الناعمة المترفة الجبانة، وفي مجال الاختيار بين سلامة العرض المقترن بالكرم والجود وبذل المال وبين المحافظة على المال القائمة على البخل وعار الشح والتقتير يختار سلامة العرض"(21)

وقد كان للإسلام ثلاث مواقف من تلك القيم رصدها (جابر قميحة) كالتالي:

"الموقف الأول: التحريم فقد حرم الإسلام شرور المجتمع الجاهلي وموبقاته، فحرم الشرك والظلم، ووأد البنات، والعدوان.... الخ.

الموقف الثاني: هو الإقرار حيث أقر البقية الباقية من الفضائل في المجتمع الجاهلي كالكرم والشجاعة والنجدة.

الموقف الثالث: التسامي أو الإعلاء: أي الإبقاء على (المنبع القيمي) مع تحويل مساره من الانحراف الخلقي إلى الوجهة الصحيحة"(22).

 "وهكذا استمرت عمليات تغيير القيم واستبدالها بالقيم التي أسس القرآن لها وأرسى دعائمها، وهذه القيم يمكن أن نجعل لها أصولا جامعة ندرج تحت كل أصل مجموعة من القيم الفرعية أو المشتقة، فأعلى القيم وأهمها قيمة التوحيد، فالتوحيد يحقق كما كبيرا من القيم الفرعية. "(23)

    ومنه فالقيم الإسلامية تتصف بالكمال لأن مصدرها الله عز وجل، وتقوم أساسا على التوحيد باعتباره النواة التي تتجمع حولها اتجاهات المسلم، وتتميز بــالاستمرارية والعمومية، وهيثابتة خصوصا ما تعلق بالقيم العقيدية وقيم العبادات، ومرنة مرونة كافية لمواجهة ما يتولد في حياة الناس من وحوادث مستجدة، وهي ضابطة وموجهة.

2-القيـــم في المنــظور الفلســفي: "تسللت القيمة إلى معجم الفلسفة حديثا، ونفذت إلى مذاهب الفلسفة من أبواب متعددة، وتحت أسماء مختلفة

ولكنها لم تعتمد موضوعا ومبحثا شرعيا من موضوعات ومباحث الفلسفة إلا منذ زمن قصير يكاد لا يتجاوز القرن التاسع عشر."(24)وإذا ما اعتبرت القيم عنوانا جديدا يطلق في بعض جوانبه على موضوعات قديمة،  فإنه يمكن أن يكون التفكير فيها قديم قدم الإنسانية،  ويتسنى بذلك تتبع نشأتها عند بعض المذاهب القديمة وفي مواقف الفلاسفة القدامى.

فإذا ما تم الرجوع إلى فلسفات الإغريق يظهر لنا سقراط وقد تناول هذا المفهوم، وذلك من خلال اهتماماته بدراسة الخير والسعادة ومحاولاته القضاء على شرور الإنسان، على اعتبار أن الشر والجهل يعتبران قيما سلبية وأن العقل هو المصدر العظيم ويمكن أن نوجه أفعاله بفكرة ما هو أفضل.  وتبدو القيمة واضحة في نظرية أفلاطون للمثل "والذي نادى بأن الخير ( أو القيمة) هو سبب وجود الوجود... وقضى أفلاطون على ذاتية القيم والحقائق مؤيدا بذلك القيم الموضوعية المطلقة والمبادئ العامة"(25)، كما كانت مشكلة القيمة تثار في فكرأرسطو وذلك حينما حاول أن يربط كل كائن بغاية، أي البحث عن القيمة الجوهرية والأساسية لوجوده النهائي. وعند فلاسفة العصور الوسطى وجدت تحت اسم "الخير – أو الخير الأقصى-أو الكمال"، أما مفهوم القيمة من حيث هي موضوع جديد فإنها وجدت عند كانط حيث يعتبر فيلسوف القيمة، ذلك أنه تناول بحث العلاقة بين المعرفة والقيم الخلقية والجمالية والدينية. كما اعتبر الفيلسوف الألماني نيتشه أول من عمل على انتشارها انتشارا واسعا بين صفوف جمهرة المثقفين، وذلك بعد نجاح فلسفته ورواجها والذي حمل الفلاسفة على الاهتمام المتزايد بها واعتبروها موضوعا للبحث، وبصفة عامة فقد حظي ثالوث القيم التقليدي ( الحق والخير والجمال ) على اهتمام وتركيز كل من تعرض لمشكلة القيمة، وفي أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين أصبحت القيمة مبحثا أساسيا من مباحث الفلسفة المحدثة وانقسم الفلاسفة وفقا لمواقفهم من القيمة إلى أربع مجموعات هي:

  • الفلسفة المثالية:تتصف القيم عند هذه المجموعة بالثبات فهي لا تتغير بتغير الزمان،  ذلك أنها صادرة من القوة العظمى ومدونة عادة في الكتب

 المقدسة ولا يجوز الشك فيها مطلقا. (كانط، ماكنزي، جود، لافيل)

  • الفلسفة الواقعية:" أصحابها متفقون على أن الإنسان والأرض والكون جميعا أجزاء من طبيعة واحدة كبرى، تسري عليها قوانين واحدة وتدرس

 بطريقة واحدة، ولابد لكل تفسير أن يقع في نطاق ما هو طبيعي فليس وراء الطبيعة شيء وليس غير الخبرة الحسية مصدر للمعرفة أو للقيم، فالخبرة

 هي مصدر الأحكام العملية مثلما هي منشأ أحكام القيمة"(26) فالقيم وفق هذا الاتجاه من نتاج الإنسان وخبراته ونابعة من الواقع المحسوس، وبذلك فهو قادر على أن يحددها ويضفي عليها معانيها حسب احتياجاته وظروفه الخاصة.

  • الفلسفة البرجماتية:أساس هذه الفلسفة أن التغير هو قانون الطبيعة وحقيقة الوجود، الأمر الذي يعني أن القيم ليست مطلقة وهي تتغير

 بتغير الزمان والمكان، وأن بإمكان الإنسان أن يخلق قيمه، وأساس هذا الخلق هو المنفعة الخاصة، (شيللر وديوي)

  • الفلسفة الوجودية: أصحاب هذا الاتجاه يرفضون كل ما من شأنه أن ينقص من حرية الإنسان، وللإنسان الحرية التامة في اختيار شيء ما دون

 آخر ومن خلال اختياراته تبرز القيمة، فالفرد قادر على ابتكار قيمه الخاصة من خلال اختياراته وأفعاله، وإن الإنسان مطالب بتطوير مفاهيمه القيمية بنفسه، وإن مفهومي الخير والشر يتوقفان على مدى اعتقاد الفرد ورغبته في أمر من الأمور، وفي هذا الصدد يرى نيتشه أن "الإنسان هو الذي يحدد الخير والشر لنفسه في الحقيقة إذ هو الذي يعطي الأشياء معناها ويقومها ويجعلها إنسانية "(27).

3- القيــم في المنــظور السيــكولوجي: على الرغم من أهمية موضوع القيم إلا أن الاهتمام بدراسته في علم النفس قد تأخر إلى غاية الأربعينيات من القرن الماضي، و يرجع ذلك إلى اعتقاد الكثير من العلماء آنذاك أن مفهوم القيم يقع خارج نطاق البحوث الامبريقية مما يجعل أمر قياسها وتحديد علاقتها بغيرها من المتغيرات أمرا يصعب عليه، ولكن ما لبث أن أخذ هذا المفهوم حيزا كبيرا من الدراسات السيكولوجية ولعل الفضل في الاهتمام بالقيمة يرجع إلى اثنين من علماء النفس هما: " ثرستون Thurstoneوما قدمه من تصور لمعالجة القيم في إطار المنهج العلمي مستندا في ذلك إلى مبادئ السيكوفيزيقا المعاصرة، وشبرانجر الذي نشر خلال هذه الفترة نظريته في أنماط الشخصية والتي انتهى منها إلى أن الناس يتوزعون بين ستة أنماط استنادا إلى غلبة أو سيادة واحدة من القيم التالية عليهم: القيمة النظرية والقيمة السياسية والقيمة الاجتماعية والقيمة الاقتصادية والقيمة الجمالية

والقيمة الدينية، تلك القيم التي صاغها ألبورت وفيرنون فيما بعد إجرائيا في مقياس سمي باسمهما "(28).  ثم توالت بعد ذلك البحوث لدراسة القيم وخاصة ضمن مجال علم النفس الاجتماعي. وتركز اهتمام علماء النفس في دراستهم للقيم بوجه عام في ثلاث جوانب أساسية هي :(29)

-الاهتمام بدراسة الفروق الفردية في القيم وذلك في ضوء علاقتها بعدد من المتغيرات، كالجنس وسمات الشخصية والديانة والاهتمام الأكاديمي والمهني والتوافق النفسي...الخ.

- دراسة القيم في علاقتها بالقدرات المعرفية للفرد وذلك باعتبار أن القيم عملية تتأثر بادراك الفرد فهي في أساسها عملية انتقاء، فاختيار الفرد لموضوع معين وإعطائه أهمية أو قيمة عن موضوع آخر عبارة عن عملية إدراكية انتقائية أو اختيارية.

- مجال اكتساب القيم وارتقائها عبر العمر والعوامل المؤثرة أو المرتبطة بذلك باعتباره من المجالات المهمة والتي تقدم لنا خريطة لمعالم هذه القيم وأبعادها مكوناتها وأشكال تغيرها عبر العمر.

وفي ضوء ماسبق ولما كان الفرد هو بؤرة الاهتمام لدى علم النفس فإن تركيزهم كان على دراسة قيم الفرد ومحدداتها سواء أكانت نفسية أو جسمية،

وركزوا في دراساتهم أكثر على إدراك الفرد واتجاهاته للقيم، الأمر الذي جعل مفهوم القيمة يتساوى في كثير من الأحيان بمصطلحات قريبة كالحاجة والدافع، والسلوك وغيرها كثير، فنظرتهم إلى القيم كانت غالبا ما ترتبط بالجوانب المشاعرية والعاطفية، فهم يقصرون نظرتهم على حدود فاعلية القيم بالنسبة للفرد وسلوكه، هذا وقد برعوا إلى حد كبير في صياغة مجموعة من الاختبارات والمقاييس العلمية التي تساعد على دراسة القيم.

4-القيــم في المنــظور السوسيولوجي :  لقدظل الاهتمامبالقيم من طرف علماء الاجتماع مهملا ولمدة طويلة  مقارنة مع ما كان يحدث في مختلف الفروع المعرفيةالأخرى، "ويفسرE.G.jundyهذا العزوف عن دراسة القيم بقوله : كان علماء الاجتماع حتى عهد قريب يعتقدون أن دراسة موضوع القيم من شأن الفلاسفة وحدهم، ولذلك لم يعيروها أي اهتمام وتركوها للفلاسفة ...وواضح أننا مصابون بفوبيا اجتماعية من ناحية القيم، سببها الأساسي اعتقادنا أن دراسة القيم لا يمكن أن تكون (علمية) بمعنى الكلمة"(30). وإذا ما تم تفحص مدارس علم الاجتماع المبكرة فإنه سيتم الوقوف على وجود اهتمام كبير لهذا المفهوم، حتى وإن بدى في كثير من الأحيان ضمنيا وليس صراحة، ولقد اختلف علماء الاجتماع كثيرا في تفسير طبيعة القيم وأسباب تغيرها وعلاقتها بالظواهر الاجتماعية الأخرى، واختلافهم كان باختلاف الأسس التي تقوم عليها مدارسهم.

4-1: الاتجاه الماركسي: إن قراءةماركس(1818-1883) وأفكاره لابد وأن تمر عبر قراءة أهم مقولاته وفي ضوء ذلك يتضح مفهوم القيم في فكر ماركس.

استفاد ماركس كثيرا من جدلية هيجل وقلبها إلى جدلية مادية تاريخية أساسها الوعي– الوجود، فالمادة هي القاعدة الرئيسية لظهور الوعي والفكر وبالتالي القيم، والوجود يعتبر الشيء الأولي الذي يسبق الوعي الذي يعتبر ثانويا مرتبطا بالوجود ذاته حيث لا وجود للوعي دون وجود الوجود ذاته، واعتبر ماركس فعل الإنتاج الأساس الأول في تلبية حاجات الإنسان ولكنه لا يقتصر على الإنتاج المادي فحسب بل يشمل في معناه الجوانب المعرفية والفكر والوعي. وتقوم هذه النظرية على افتراض أن أي شكل من أشكال التنظيم الاقتصادي يحدد طبيعة المجتمع كله بمختلف تنظيماته السياسية والفكرية والاجتماعية والثقافية وما شابه ذلك، الأمر الذي يجعل من القيم ظاهرة اجتماعية تاريخية تتميز بالنسبية فهي ذات طبيعة ديناميكية تتشكل وتتطور بتطور النسق الاقتصادي وهذا لوجود تأثيرات تبادلية بين البناء الفوقي والتحتي، ويشير ماركس أيضا إلى التشكيلات الاجتماعية الناتجة عن حصيلة علاقات (قوى الإنتاج-علاقات الإنتاج) وأنها تمثلت تاريخيا في عدة تشكيلات يمثل كل منها نمطا إنتاجيا مرحليا، الأمر الذي ينجم عنه ديناميكية القيم فكل أسلوب إنتاج يعكس بالضرورة أفكارا ووعيا خاصا فهي عبارة عن شكل معين للوعي الاجتماعي يعكس علاقات الناس، "فالقيم تعكس طبيعة الوجود الاجتماعي للأفراد والجماعات في مرحلة تاريخية محددة وداخل تكوين اقتصادي اجتماعي معين"(31). ولما كان أيضا من أهم أفكار ماركس الطبقية فإنه يقرر أنه في كل تشكيلة اجتماعية طبقة تسود اديولوجيتها وهذه الطبقة تسيطر على كل وسائل الإنتاج المادي والروحي، ولذلك فإن أفكار أولئك الذين لا يملكون وسائل الإنتاج تصبح خاضعة لها،"ولهذا فإن القيم التي يعيش الناس مهتدين بنورها ليست إلا أثارا لمصالح طبقة ما، وليست هي القيم التي يجب على الإنسان أن يتمسك بها حتى يكون إنسانا حقا"(32)وبهذا المعنى فإن فماركس يؤكد على طبقية القيم. هذا "وقد عرض ماركس نظريته الاقتصادية في القيمة في كتابه ( رأس المال ) في معرض تحليله للنظام الرأسمالي القائم على السلع، فالسلعة شيء له قيمة استعماليه والقيمة الاستعمالية هي أي شيء يشبع حاجة إنسانية بمقتضى خواصه وصفاته، ومنفعة الشيء هي التي تعين قيمته الاستعمالية المحددة بالخواص المادية للسلعة"(33)ورسم بذلك ماركس صورة القيم في المجتمع الرأسمالي على أساس علاقات المنفعة فكل شيء يتحول إلى سلعة ليس فقط ما هو مادي بل حتى الناس وضمائرهم.

    ومنه يتضح أن مفهوم القيمة احتل مكانة بارزة في الفكر الماركسي، وبالرغم من أن تحليل القيمة كان ذو طابع اقتصادي بحت في الكثير من أعماله كفائض القيمة، قيم الاستعمال، قيم التبادل ...، إلا أن هذا لا ينفي وجود القيمة بمفهومها الاجتماعي، فالقيم في التحليلات الماركسية وبالمفهوم الاجتماعي تقع ضمن البنية الفوقية للمجتمع مع الأخلاق والدين والفكر، وهي نتاج إنساني بل أكثر من ذلك هي نتاج للطبقة المستغلة التي تعطي لنفسها أحقية امتلاك الجميع، وهي قيم نسبية -النسبية الزمانية والمكانية- وهي دينامية ومتغيرة تتغير بتغير الأوضاع الاقتصادية، والقيم المطلقة لا يمكن أن توجد في مجتمع يتسم بالصراع بين طبقاته ولكن سوف توجد حتما بعد زوال هذا الصراع وإحلال الشيوعية محل الرأسمالية .

4-2: الاتجاه الوظيفي: يعد إميل دوركايم(1858-1917) من أبرز علماء الاجتماع الذين اهتموا بالقيم وأولاها أهمية كبيرة في المحافظة على النظام

 الاجتماعي واستمرار فعاليته وأكد على دور نسق القيم في تحديد السلوك الاجتماعي، واهتم  بالقيم حينما تناول فكرة "الضمير الجمعي"واعتبر هذا الضمير هو مصدر القيم، فالمجتمع أو الضمير الجمعي كما يعبر عنه هو المشرع الوحيد للقيم لأنه موحدها وحافظها،"ويعني هذا أن القيمة التي تتضمن الإلزام والقابلية للرغبة فيها والتي يجب أن يكون لها شيء من الموضوعية حتى يمكننا التطلع إليها لا يوجد لها مصدر إلا المجتمع، فالمجتمع حسب ما يتصوره هو الذي يفرضها وهو الذي نتطلع إليه عندما نتعلق بها إذ أنه ذات قيمية تعبر عن نفسها في الوعي الفردي من جهة، وموضوع قيمي يمنح الأفراد مثلا أعلى يطمحون إليه من جهة أخرى."(34) فالقيمة في رأيه لا تكون موضوعية وعامة إلا إذا اعتبرناها في ذاتها "قيمة جمعية" وهي لا تتصف بالاستقلالية لأن المجتمع الذي نعيش فيه هو الذي يجعلها تظهر لنا، وهي كبقية الظواهر الاجتماعية من صنع المجتمع ولها قوة القهر والإلزام على جميع الأفراد، ولهذا السبب نؤمن بالقيم التي يمنحها مجتمعنا وقد لا نؤمن بقيم مجتمع آخر، "وفي كتابه "الأشكال الأولية للحياة الدينية " عرف الدين على أنه "مجموعة متماسكة من العقائد والأعمال المتصلة بالعالم القدسي أو التي يظن مجيئها من قبل هذا العالم، وهي عقائد وأعمال تشترك في إتقانها ومزاولتها مجموعة من الأفراد يتكون منهم مجتمع خاص"(35)فنجد أن دوركايم في تحليله للدين وعلاقته بالمجتمع قد وضع تأكيدا أكثر على دور القيم باعتبارها ميكانزمات للتضامن العضوي، فاهتمام دوركايم بالدين يعد اهتماما بالجوانب الداخلية لأنساق القيم، ومنه فإن مصدر القيم بالنسبة للفرد هو المجتمع وثقافته فقيم الإنسان هي قيم مجتمعه ومن ثم تتجسد في سلوكاته بمعنى ترتد إلى المجتمع ثانية. 

وفي كتابه عن" تقسيم العمل في المجتمع" تناول بالدراسة والتحليل التغيرات التي تحدث في المجتمع نتيجة للتكنولوجيات وكيف يؤثر ذلك في نسق القيم والنظام الأخلاقي، ويقرر أن تقسيم العمل يصور التضامن الاجتماعي وهو على نوعان: التضامن الآلي والتضامن العضوي، ففي مجتمع التضامن الآلي نجد أن الاتفاق القيمي أو العاطفي هو الذي يعمل على استمرار النسق ويحفظ تماسك المجتمع، أما فيما يخص مجتمع التضامن العضوي تظهر أزمة المجتمع الصناعي والمتمثلة أساسا في الأزمة الأخلاقية بسبب فقدان المعايير الانومي، "والتمييز المهم في نظره الذي يقيمه بين التضامن الآلي والتضامن العضوي يرد إلى تصورين لما يعتبر شرعيا في هذين النمطين من المجتمعات الشديدة التناقض، من جهة امتصاص الفرد في الوحدة الجماعية، ومن جهة أخرى اعتبار المجتمع محصلة الجهود الفردية المنسقة والمراقبة، وتتأمن الوحدة الاجتماعية بالنسبة لـ دوركايم كما بالنسبة لفيبر بواسطة القيم المترسخة في الأفراد وفي النهاية موزعة بينهم ومتمثلة من قبلهم،  هذه القيم الموصوفة غالبا بأنها أخيرة ونهائية"(36) .

أما ماكس فيبر(1864-1920)  فإنه يعتبر الموضوع الرئيسي الذي تتمحور حوله الدراسات السوسيولوجية هو الفعل الاجتماعي، وعلم الاجتماع عند فيبر هو العلم الذي يحاول أن يدرس الفهم التأويلي للفعل الاجتماعي من أجل الوصول إلى تفسير علمي لمجراه وأثاره، والفعل الاجتماعي هو سلوك يقوم به الفاعل داخل نظام اجتماعي محدد، ويسعى الفاعل لإضفاء معنى ذاتي على الفعل مراعيا سلوك الآخرين وموجها بموجهات قيمية يتحدد من خلالها ما هو مرغوب فيه وما هو مرغوب عنه اجتماعيا، فالقيم هي الموجهات التي تفرض نمط أو شكل السلوك، وحدد نظريته في الفعل الاجتماعي باعتباره فعلا تتباين فيه مستوى عقلانية الفرد،  ومن هذا المنطلق سعى فيبر للتمييز بين أنماط أربعة من الفعل الاجتماعي هي:(37)

  • الفعل الاجتماعي التقليدي: ويظهر هذا النوع من الفعل الاجتماعي من خلال ما تحدده العادات والتقاليد والأهداف.
  • الفعل الاجتماعي الوجداني: ويظهر هذا النوع من الفعل خلال معرفة السلوك الوجداني العاطفي للإفراد في المجتمع.
  • الفعل العقلاني الموجه نحو قيمة مطلقة: ويظهر هذا النوع من الأفعال الاجتماعية خلال ما تحدده مجموعة القيم والأخلاق السائدة في المجتمع الذي تظهر فيه هذه الأفعال بصورة أساسية.
  • الفعل العقلاني الموجه نحو هدف معين:ويمكن فهم هذا النوع من الأفعال عن طريق تفسير الغاية والوسائل والنتائج النهائية التي يسعى إلى تحقيقها أصحاب هذه الأفعال.

وملخص ذلك أن مهمة علم الاجتماع عند فيبر تتركز في دراسة مجموعة من القيم الأساسية التي تحدد السلوك الاجتماعي خلال مراحل معينة من التطور الاجتماعي، كما يسعى هذا العلم إلى الفهم الموضوعي للقيم الاجتماعية وتفسيرها في ضوء السياق التاريخي والاجتماعي والثقافي التي ظهرت فيه، ولاسيما أن هذه القيم لها مؤشرات سوسيولوجية في عدد من الدراسات عن الأخلاق البروتستانتية وروح الرأسمالية وأنماط السلطة والعقلانية.

وعلى غرار ماكس فيبر فإن  تالكوت بارسونز بدوره يعتبر من أبرز علماء الاجتماع الذين أفردوا مكانة هامة للقيم وذلك في نظريته حول الفعل والنسق الاجتماعي، وأدرك بأن الفعل الاجتماعي هو الموضوع الحقيقي لعلم الاجتماع بل ويؤكد على أن علم الاجتماع لابد وأن يدرس الأسباب التي تجعل من الفرد غير مندمج وغير متوازن، فالمحور الأساسي للمجتمع يميل لتحقيق التوازن أو المحافظة على الاتزان وأكد على أن القيم والمعايير هي الموجهة للفعل الاجتماعي، وهي التي تثبت الأهداف وتوجه السلوك واعتبرها ظاهرة أو نمطا ثقافيا شاملا، "وأدرك بارسونز بشكل بديهي أن الفعل الاجتماعي ينطوي على توجيه قيمي، ويعني ذلك أن السلوك الإنساني يجري بوحي من نسق قيمي ينظمه ويحدد جوانب فعالياته المختلفة"(38) ومن خلال هذا الطرح فإن بارسونز أعطى للقيم معنى اجتماعيا وذلك حينما أشار إليها على أنها من مكونات النسق، والقيم تؤدي وظيفة هامة جدا في المحافظة على استمرار البناء الاجتماعي فهي تضفي قدرا من النظام والمعنى على سلوك الفرد ومن ثم تكبح الفوضى في المجتمع، والأفعال الفردية تستطيع أن تكون في توافق فيما بينها لأن الفاعلين الاجتماعيين يتصرفون من خلال معايير وقيم المجتمع،

     وعليه فبارسونز يرى الحياة الاجتماعية من خلال أفكار البشر، خاصة من خلال معاييرهم وقيمهم، فالمعايير هي تلك القواعد المقبولة اجتماعيا التي يستخدمها البشر في تقرير أفعالهم، أما القيم فأفضل وصف لها هو أنها ما يعتقده البشر عما يجب أن تكون عليه الحياة، وهي أيضا لها تأثير في تحديد أفعال البشر، وأهم العمليات الاجتماعية عند بارسونز هي عملية توصيل المعاني، أي توصيل الرموز والمعلومات.

أما وليام اوجبرن فقد أكد أن " التغير في التكنولوجيا والاختراعات في البيئة المادية لابد أن يصاحبها تغير في القيم والعادات الاجتماعية، حتى يحدث التكيف بين الفرد والتطورات السريعة التي تصيب المجتمع، وهو بذلك يرى بأن تغير المجتمع يكون بناء على بعض الجوانب الاقتصادية المتمثلة في الأساليب التكنولوجية السائدة، كما يؤكد اوجبرن على أنه غالبا ما يكون هناك تفاوت شاسع بين الثقافة المادية والثقافة المعنوية، فالتخلف الثقافي يصيب دائما القيم والأنظمة الاجتماعية والتي تتغير بدرجة أقل من الثقافة المادية مما يؤدي إلى صراع القيم وبناءا عليه تبرز المشكلات الاجتماعية"(39).ومنه وحسب نظرية التخلف الثقافي لاوجبرن نلحظ أن التغيرات المادية أسرع في تراكمها من المتغيرات اللامادية وأن المتغيرات المادية تصبح علة في تغيير الثقافة اللامادية، الأمر الذي ينجم عنه نوع من الصراع بين القيم التقليدية والقيم الجديدة، حيث أن النموذج الثقافي القديم لا يستوعب فكرة الجديد ببساطة،  مما ينتج عنه ما سماه بالهوة الثقافية،  وهي الفترة الزمنية التي تقع بين المرحلة الأولى التي يتم فيها التقدم التكنولوجي والى أن ينتقل إلى المرحلة الثانية التي يتم فيها التغير الاجتماعي،  هذه المرحلة التي يظهر فيها نوع من الصراع بين الجديد

والقديم يستتبعه تعديلات وتغييرات تمس العادات والتقاليد والقيم القديمة.    

4-3:- اتجاه التفاعلية الرمزية: "لم تفرد التفاعلية الرمزية مبحثا خاصا للقيم ولكن يمكن اكتشاف إسهامها من خلال قراءة بعض أفكار روادها، حيث تدور معالجتهم للقيم حول موضوعين رئيسيين هما:

  • القيم والتعريفات الذاتية للواقع
  • دور القيم في خلق التواصل بين الذات و العالم ، أو دور هذه الذات وارتقائها  ونموها ،

حيث أكد "جورج هربرت ميد "G.H.Midالذي طور النزعة السلوكية: على أن العقل أو الوعي الجماعي لا يتحقق إلا من عملية يتم من خلالها تكييف الفرد (الذات) مع البيئة المحيطة به، فالتفاعل بين الأفراد يؤدي إلى أن يؤثر كل منهم في الآخرين، وبالتالي فإن أنصار هذا الاتجاه يحاولون توضيح القيم من خلال ما يقوم به الأعضاء والجماعات الاجتماعية من أفعال يقرها المجتمع، ولا تخرج عن الإطار العام لبنائه الاجتماعي، ومن ثم فالمصدر المباشر للقيم هو الجماعة الاجتماعية (بناءها الاجتماعي والثقافي). «(40)

4-4:اتجاه الخصوصية الثقافية والتاريخية: أصحاب هذا الاتجاه يدرسون الظواهر الاجتماعية بالعودة إلى سياقها التاريخي والثقافي، فهم يعتبرونها سلسلة من الأحداث لا يمكن فهمها إذا ما تم فصلها عن إطارها المرجعي-التاريخي والثقافي – ولما كانت القيم جزء من هذا الكل فهي بذلك نتاج الظروف الثقافية والصيرورة التاريخية.

الاتجاه التاريخي: يعد"كارل مانهايم "من أبرز علماء الاجتماع الذين أكدوا على الأخذ بالسياق السوسيو تاريخي في تناول الظواهر الاجتماعية، "ورفض الاتجاهات القائمة في علم الاجتماع ووقف موقفا نقديا من علم الاجتماع الماركسي ومن فكرة العقل الجمعي الدوركايمية، حيث أن مانهايم رفض الزعم بأن وضعية الطبقة هي القرار الحاسم في تغيير القيم والفكر، كما رفض فكرة أن عقلا ميتافيزيقيا خالص يحلق بعيدا فوق عقول الأفراد يستوحي عنه هؤلاء أفكارهم ومشاعرهم، ورأى أن حركة التاريخ وحدها هي مبعث الفكر وأن الحدس التاريخي في سعيه الحتمي والدائم هو مصدر القيم، ومعنى ذلك أن أنماط الفكر وأساليبه لا يمكن فهمها إلا في ضوء الأصول الاجتماعية والمصادر التاريخية."(41)وقد نحى ماكس تشيللر المنحى ذاته و أكد أنه عند تحليل القيم لابد من الرجوع إلى السياق التاريخي الذي ظهرت فيه .

الاتجاه الثقافي: على اعتبار أن القيم منتجات ثقافية تنبع من الواقع الاجتماعي وتؤثر في شخصيةمتمثليها، وعلى اعتبار أن الثقافات متمايزة كان لابد للقيم أيضا أن تتمايز، وهو المدخل الذي اتخذه أصحاب هذا الاتجاه حيث أكدوا على ضرورة الأخذ بالبعد الثقافي في تفسير وتحليل القيم،"من أبرز أصحاب هذا الاتجاه "بيتريم سوروكين"P. Sorokinوالذي يقول : أن القيم كامنة في قاعدة كل النظم الاجتماعية والاتجاهات، ولذلك فإن علم الاجتماع يجب أن تكون مهمته الأساسية هي دراسة القيم، إن فهمنا للقيم أو نسق "المعاني –المعايير-القيم " يقوم على أساس فهمنا للثقافة، وعلم الاجتماع يجب أن يهتم بالقيم الثقافية على أنها محددات في أي تحليل للحياة  الاجتماعية، أكثر من ذلك فإن موضوعات مثل الجماعات، الطبقات الأدوار، الترتيب، الفعل الاجتماعي، يكون لها أهمية عندما تستخدم أو تفسر على أنها متغيرات في أنساق "المعاني -المعايير-القيم "(42).

4-5: النظرية النقدية : بالرغم من أن هذه النظرية ليست نظرية في القيم بقدر ماهي نظرية في المجتمع، تركز على دراسة العلاقة بين الفرد والجماعة أو المجتمع، في إطار ثلاث مفاهيم أساسية هي الثقافة والحضارة والتقدم التكنولوجي، غير أنه يمكن أن نستشف منها اهتماما بالقيم، حين نقدها للأسس التي يقوم عليها المجتمع الرأسمالي، وأكد روادها على تشيؤ نسق القيم بمعنى طغيان القيم المادية على القيم المعنوية، وهو ما ذهب إليه أدورنو حين أكد أن العقل الذي حرر الإنسان من الخرافة ما لبث أن كبله من خلال الانجازات الحضارية، وفي نفس السياق يرىماركيوز أن "المجتمع الرأسمالي الغربي بالرغم من تقدمه الفني والتكنولوجي، إلا أنه لم يستطع أن يوظف هذا النظام في ضمان حرية الإنسان بل سلبه حريته، والسبب يرجع إلى أن النظام الرأسمالي ذاته يحرص على ذلك، ويغرس فيه الكثير من السمات الشخصية التي تؤهل الإنسان وسلوكه وتجعله في طاعة مستمرة"(43)معنى ذلك أن الثقافة الجديدة تستخدم التكنولوجيا للسيطرة على الإنسان، وتجعله غير قادر على إدراك ذاته إلا من خلال الماديات التي يقتنيها، وهكذا يؤدي التشيؤ إلى بروز القيم المادية، وأكدت المدرسة النقدية على الدور الذي تلعبه مؤسسات التنشئة الاجتماعية في تشيؤ القيم

فيعتقد ماركيوز أن هذا التشيؤ يتم عن طريق "عمليات التنشئة الاجتماعية والإعلامية التي تقوم بها مؤسسات التربية والتعليم ووسائل الاتصال والإعلام، تلك المؤسسات الرأسمالية سواء أكانت تربوية أو إعلامية أو اقتصادية أو أدبية لم تترك للإنسان أدنى أنواع من حرية التفكير وتبني وجهات نظر معارضة للنظام الرأسمالي"(44)

4-6: الوظيفية المحدثة:ذهب لندبرج إلى أن القيم لا تنتمي لمجال البحث السوسيولوجي، "فمن أجل إقامة علم اجتماع أكثر موضوعية ذهب إلى أن عالم الاجتماع يجب عليه أن يعالج الظواهر الاجتماعية بنفس مصطلحات العلوم الطبيعية والموضوعية،  ولا بد أن يضعوا نتائجهم في مقاييس كمية على الأقل فرضيا إن لم يكن واقعيا، وذهب إلى أن ألفاظ مثل الإرادة، الغايات، الدوافع، القيم، الواقع المطلق، والجوهر هي فروض غير قابلة للتحقيق ولا يمكن التوصل لفهمها بواسطة المناهج المقبولة والمعترف بها من العلم ومن ثم فهذه الألفاظ تقع خارج نطاق علم الاجتماع، وعلى ذلك فإن المفاهيم في علم الاجتماع يجب أن تبنى إجرائيا حتى يصل كل الملاحظين إلى نفس التحليل والتنبؤ.  محمد بيومي"(45)

"أما ادلر فيرى أن مفهوم القيمة خلق بواسطة علماء الاجتماع التفسيريين لإرضاء فني أو أدبي أي لتفسير وفهم معنى الفعل الاجتماعي، أما علم الاجتماع العقلي فإنه يرى أن هدفه هو التنبؤ ولهذا ليس له حاجة حقيقية إلى مفهوم القيمة، ومفهوم القيمة في رأي ادلر استخدم في علم الاجتماع بطرق مختلفة ومشوهة، فالقيم المطلقة هي في غير متناول العلم، أما القيم المتمثلة في موضوعات فإنه لا يمكن اكتشافها منفصلة عن السلوك الإنساني المتصل بالأشياء، كذلك فالحالات العقلية أو الداخلية لا يمكن أن تلاحظ بعيدا عن الفعل، وهكذا يصل ادلر إلى القيمة."(46)

رابعا:خــصائص القــيم: تمتاز القيم بمجموعة من الخصائص يمكن إجمالها في النقاط التالية:

  • إنسانية: كونها ترتبط بالإنسان دون غيره من الكائنات الحية. 
  • ذاتية: والمقصود بذاتية القيم أنها تتعلق بالطبيعة النفسية للفرد وتشمل الرغبات والميول والعواطف...الخ.
  • مكتسبة: كونها يتم اكتسابها وتعلمها من البيئة المحيطة بالفرد من خلال مؤسسات التنشئة الاجتماعية.
  • خاصية الاجتماعية والعمومية:"يمكن النظر إلى القيم على أنها ظاهرة اجتماعية وتؤدي إلى تحقيق وظائف معينة في المجتمع، كما أن للقيم معرفة مصبوغة بصبغة العمومي فهي عامة تشمل فئات كثيرة من المجتمع."(47)
  • الوجوبية والإلزامية: فهي تكتسب في ضوء معايير المجتمع وكذا الإطار الحضاري الذي ينتمي إليه الفرد، وهي ملزمة للأفراد وتعتبر ضابطا للمجتمع.
  • مثاليــة: أي أنها معنوية وغير محسوسة.
  • معيارية:" بمعنى أن القيم تعتبر بمثابة معيارا لإصدار الأحكام، تقيس وتقيم وتفسر وتعلل من خلالها السلوك الإنساني."(48)
  • تمتلك صفة الضدية –الجدلية-بحكم أن لكل قيمة قطبين أحدهما إيجابي والآخر سلبي.
  • الثبات النسبي:" إن القيم من موجهات السلوك الكبرى، فلو لم تكن تتصف بالثبات ولو كانت تتغير من حين لحين لاختلطت على الناس معاني الخير والشر والحلال والحرام."(49)فهي تمتاز بالثبات النسبي وذلك نتيجة لتكونها البطيء والتدريجي في الوجدان حتى يتسنى اكتسابها، وبذلك فهي تقاوم التغيرات المفاجئة.
  • متغيرة:بمعنى أنها ليست ثابتة تماما، فهي متغيرة بسبب الحراك الاجتماعي والتفاعل المستمر بين الفرد والبيئة،
  • "القيم تحميها نظم المجتمع ومنظماته: يقول بهذا الصدد جوزيف فيشتر "لا يستطيع الإنسان أن ينسجم مع الجماعة، ولا الأفراد أن يتوافقوا

ويتألفوا معا ما لم يكن بينهم اتفاق عام على قيم اجتماعية مشتركة، ومن شأن هذا الاتفاق أن يولد ضغطا على سلوك الأفراد حتى يتلاءموا

ويتكيفوا"(50)

  • تعتبر القيم أحد مفاصل الضبط الاجتماعي: وفي الواقع إن التضامن والتماسك الاجتماعي يحدد ويعرف من خلال القيم العامة التي يشترك فيها أعضاء الجماعة، والمجتمع يلزم أفراده بعدد من القيم الاجتماعية على حسب أهميتها وترتيبها في السلم القيمي الخاص به.
  • الترتيب الهرمي: وهو ما يعرف أيضا "بتدرج القيم "أو "سلم القيم " يعني أن للقيم درجات مختلفة من التأثير فهي ليست متساوية في الأهمية، ذلك أن القيم ليست كلها في مستوى واحد، بل هناك قيم أساسية أو رئيسية تتفرع عنها قيم أخرى أدنى منها، إلا أن هذا الترتيب لا يظل ثابتا

وإنما يتغير بفعل التجارب والمواقف التي يمر بها الفرد.

  • كثرة القيم ووحدتها: وعلى الرغم من تنوع وتعدد القيم وكذا كثرتها فإن هناك انسجاما واتحادا بينها لا ينفصل، وهذا ما ينجم عنه ما يسمى بنسق القيم فالقيم تندمج في منظومة متكاملة.
  • "تدخل القيم في كل من الأنساق الكبرى الأربعة للفعل الإنساني وهي: الكائن، الشخصية، المجتمع والثقافة، والحق أن بارسونز هو صاحب الفضل في التأكيد على أن القيم بمثابة متغيرات في انساق الشخصية والمجتمع والثقافة أيضا."(51)
  • الشحنة الانفعالية: ومعناه أن القيم تعود إلى الجانب الانفعالي لا إلى الجانب العقلي في الإنسان، أما أبسطها فلا يعدو أن يكون تعبيرات عن رغبات طبيعية، في حين الدقيقة منها عبارة عن متصلات سامية ومهذبة، وأرفعها جميعا الروحية التي تصدر عن الإنسان"(52)

خامسا: وظائف القيم: تعمل القيم على أداء جملة من المهام والوظائف يمكن إجمالها فيما يلي:

  • تقوم القيم بدور فعال في بناء الشخصية الفردية وتحديد أهدافها، ذلك أنها تهيئ للأفراد اختيارات معينة تحدد السلوك الصادر عنهم بمعنى أنها تحدد شكل الاستجابات.
  • تعمل القيم كمعايير توجه أفعال وأقوال وسلوكات الفرد داخل الجماعة، كما أنها تساعده على ضبط غرائزه وشهواته حتى لا تتغلب على عقله، لأنها تربط التصرفات التي يقوم بها بمعايير وأحكام ترشده وتضبط سلوكه.
  • تساعد الفرد على التوافق والتكيف مع الجماعة، كما تساعده على التكيف مع مختلف التغيرات والمستجدات.
  • لما كانت القيم من أهم مرتكزاتها الاختيار بين البدائل المختلفة فهي بذلك قادرة على مساعدة الفرد على اتخاذ القرارات في المواقف التي قد تواجهه.
  • تعمل القيم على ضبط المجتمع وتنظيمه، والمحافظة على هوية المجتمع وكذا المحافظة على أصالته، فلكل مجتمع هويته المميزة والتي تعمل القيم على الحفاظ عليها.
  • تشكل إطارا عاما للجماعة ونمطا من أنماط الرقابة الداخلية، إن القيم الاجتماعية تساعد على وصف وتحديد نوع الثواب والعقاب للأفراد والجماعة في إطار علاقاتهم الاجتماعية وسلوكهم، وهي تتمتع بالقوة خاصة في هذا الصدد مما يحفظ الحقوق والواجبات في المجتمع وتجعله يلتزم بها.
  •  الوصول إلى التكامل أو التضامن في المجتمع، من خلال نسق القيمة العامة التي تعطي شرعية لمصالح الأهداف الجمعية.
  • تساعد المجتمع على مجابهة التحديات والتغيرات التي تطرأ عليها، فالتمسك بالقيم الاجتماعية يعتبر الحل الأمثل لمواجهة هذه التغيرات التي عادة تكون خارجية، كما تساهم في نقل التراث الثقافي عبر الأجيال.
  • تضمن تماسك المجتمع حيث تعتبر القيم بالنسبة لحامليها عاملا مهما وفعالا لتماسكهم، فالقيم والعادات الاجتماعية يمكن النظر إليها كقيود أو ضوابط تنظم و تكبت الميول والدوافع الأنانية أو العدوانية .

سادسا: مكونات القيم:

يؤكد الباحثون والمختصون في مجال القيم أن القيمة تتشكل عبر مراحل ثلاث لا يمكن فصل أحدها عن الآخر، لأنها تندمج وتتداخل لتعبر في النهاية عن وحدة الإنسان وهي:

1-المكون المعرفي: وهو متعلق بالجانب الذهني للفرد، ويحوي المعارف والمعلومات التي يكونها الفرد حول موضوع معين فتتمثل معتقداته

وتصرفاته وتوقعاته وأحكامه بمعنى أن الفرد يدرك موضوع القيمة، فتعرف البدائل الممكنة وينظر في عواقب كل بديل وفيه يتم الاختيار الحر

والإرادي بين البدائل المختلفة.

2-المكون الوجداني: ويشمل الشحنة الانفعالية والمشاعر الوجدانية والأحاسيس الداخلية التي يكونها الفرد نحو قيمة معينة، "فهو نوع من الانفعال لموضوع القيمة بالميل إليها أو النفور منها، وما يصاحب ذلك من سرور وألم وما يعبر عنه من حب وكره أو استحسان أو استهجان، وكل ما يثير المشاعر الوجدانية والانفعالات التي توجد لدى الشخص نحو موضوع القيمة"(53وتكون شدتها حسب قوة القيمة.

3-المكون السلوكي: في هذه المرحلة تترجم القيمة إلى سلوك ظاهري فبعد أن تم تكوينها معرفيا ووجدانيا يتم ممارستها وتكرارها في الحياة اليومية.

سابعا: مصادر القيم : لا تخرج القيم الاجتماعية عن القاعدة القائلة أن لجميع الظواهر -سواء أكانت طبيعية أو إنسانية- أصلا ومصدرا تنبعث منه، غير أن مصدر القيم الاجتماعية كان ولا يزال محل نقاش بين العلماء والباحثين والمهتمين بمسألة القيم على اختلاف تخصصاتهم،وظلت ثنائية –القيم –المصدر- من المسائل الشائكة والمعقدة، والتي عادة ما تطرح ولا تجد لها اتفاقا، ذلك أن مفهوم القيمة وكما سبق الإشارة إليه سابقا يقع في أرض مشتركة بين عدة علوم، ومن ثمة فإن الخلاف سيكون أكيدا باختلاف تخصص العلماء، وهذا يعني تنوعا في المصادر وعدم الاتفاق على مجموعة واحدة، وجدير بالذكر أنه في سياق الحديث عن التأصيل النظري للقيمة سواء سوسيولوجيا أو نفسيا أو فلسفيا أو من خلال الطرح الإسلامي تمت الإشارة إلى هذه المواقف ضمنيا في أفكار واتجاهات روادها،  وفي هذا خرجت هذه الورقة بوجود أربع أراء حول مصدر القيم وهي :

  • الرأي الأول: أصحاب هذا الرأي يرون أن مصدر القيم هو المجتمع، لأنه المشرع الوحيد للقيم، وهو الذي يمنح الأشياء قيمتها لأنه موجدها

وحافظها وهو الحارس الأمين لكل خبراتنا وفضائلنا لما له من قوة القهر، فالقيم عملية اجتماعية خارجة عن ذوات الأفراد وصادرة عن المجتمع والإرادة الجمعية التي تعلو على الأفراد وذواتهم، ويستتبع هذا الرأي أن الثقافة مصدرا أساسيا للقيم على اعتبار أن هذه الأخيرة مكون رئيسي لها، ولأن الثقافة تقدم قيما شاملة وعامة لجميع أفراد المجتمع مما يضمن تماسكه ووحدته كما تنبثق عنها قيم خاصة بكل مجتمع.

  • الرأي الثاني: أصحاب هذا الرأي يردون أصل القيم إلى الفرد،  بل ويؤكدون أن الوعي والوجدان النفسي للإنسان وبما يحويه من رغبات ومشاعر

هو أصل القيمة، وبهذا الطرح لا تكون القيمة صفة خاصة بالموضوعات بل بما ترتضيه رغبة النفس وبما تثير انفعالاتها أو تجسد دوافعها.

  • الرأي الثالث: يرى أصحاب هذا الاتجاه أن أصل القيم يعود أساسا إلى طبيعة الأشياء ذاتها، والإنسان يكشف هذه القيم ويهتدي إليها بعقله،

 وعليه فلها وجود مستقل عن أي شيء خارج عنها، فهي تتمتع بالاستقلال الذي يتصف به الشيء.

  • الرأي الرابع:أصحاب هذا الرأي يرجعون مصدر القيم إلى قوى خارجة عن الإنسان وعن عقله وعن المجتمع ككل، فالقيم لا تخلق نفسها ولا

يخلقها لا الفرد ولا المجتمع بل الله خالقها، وأصحاب هذا الاتجاه يصنفون ضمن من يعتقدون بالدين المنزل من الإله هو مصدر القيم.

    وتبعا لكل ماسبق يتضح صعوبة الاتفاق على مصدر واحد من مصادر القيم، ولعل الفعل القيمي يؤخذ قياسا على أهمية إحدى المصادر السالفة الذكر المسيطرة على المجتمع والمتبناة من طرف أفراده. وارتأت الدراسة أن تركز  على مصدرين اثنين دون غيرهما يعتقد أنهما الأولى بالتحليل وهما :

1-الـــــــــدين كمصدر للقيم:يعتبر الدين ظاهرة اجتماعية عالمية لازمت الإنسانية منذ ظهورها،  فلم يخل منه مجتمع من المجتمعات وجميعها قامت

 على أسس دينية،  وكثيرا ما انشغل علماء الاجتماع والانثروبولوجيا بمفهوم الدين واعتبروه ظاهرة اجتماعية وثقافية، وإن دراسة علماء الغرب للدين

 تحمل العديد من المعضلات ذلك أنهم يتعاملون معها تارة على أساس أنها ظاهرة اجتماعية وتارة على أساس أنها ظاهرة ثقافية وكثيرا من تعريفاتهم تفادت الإشارة إلى الرب أو كل ما هو مقدس، ومهما كانت طبيعة الدين ومهما كانت اتجاهاته فإنه يقوم بوظائف أساسية للفرد وللمجتمع، أهمها التضامن والتماسك والتلاحم القوي بين المعتنقين لدين واحد، فعلى اعتبار أنهم يتبنون فكرة واحدة تسمى العقيدة يجتمعون حولها ويحاولون فرضها وتجسيدها لإيمانهم الراسخ بنجاعتها، وتعد هذه الوظيفة ذات أثر عميق في تماسك أجزاء الجماعة، والحقيقة أن هناك اتصالا ملحوظا وقويا بين الدين والقيم، فالدين له تأثيره البالغ في نسق القيمة، وانطلاقا من هذا المقترب والذي يرى أصحابه بأن الدين هو المصدر الأساسي للقيم التي يحتاجها المجتمع من أجل تماسكه، يمكن أن ندرج عددا من الباحثين الذين يحسبون على هذا المقترب.

يعد عالم الاجتماع ماكس فيبر أحد أهم أصحاب هذا الاتجاه وأرجع فيبر تطور الرأسمالية في البلدان الغربية إلى بعض القيم البروتستانتية، واهتم

بإثبات أن كل نسق قيمي للأخلاق مستمد من مصادر دينية وليس من اعتبارات اقتصادية أو اجتماعية أو سيكولوجية، ولكنه لم يرفض هذه العوامل بل ركز فقط وأكد على أن القيم الدينية تمارس نوعا من التأثير المستقل على مجرى التغير الاجتماعي، وسعى فيبر إلى البرهنة على أن الرأسمالية نظام اجتماعي واقتصادي وهي في مجملها نتاجا طبيعيا للدين البروتستانتي وما يقوم عليه من مبادئ وقيم ومعتقدات، وفي دراسته -الأخلاق البروتستانتية والروح الرأسمالية- أكد أن "كلا من الأخلاق الكالفينية وروح البروتستانتية توجه الحياة اليومية العادية، لاسيما نحو الأنشطة الاقتصادية المنتجة مثال ذلك الادخار، والاستثمار، والعمل، والإنتاج، واحترام المهن وقدسيتها، كما تنظم مجموعة من الواجبات والحقوق والسلوك الاقتصادي وتنذر من عواقب الكسل والخمول والاتكالية، كما تحبب الفرد في تنمية علاقاته مع جماعات العمل عن طريق قيم علمية ودينية في نفس الوقت ولاسيما قيم الأمانة، والصدق وضرورة اكتساب الخبرة "(54).كما حرص كل الحرص على أن يوضح العلاقة القوية بين الدين المسيحي ولا سيما المذهب البروتستانتي وما يتصف به من قيم مشجعة على العمل في تشكيل الرأسمالية التي ظهرت في أوروبا الغربية .

كما عبر عن هذا المقترب أيضا كل من "K.DavisوW.Mooreبقولهما: لعل سبب ضرورة الدين واضحا في حقيقة أن المجتمع الإنساني تتحقق وحدته من أن هذه القيم المطلقة والغايات ذاتية، إلا أنها تؤثر في السلوك وتكاملها يساعد المجتمع على الاستمرار كنسق، فعن طريق الاعتقاد

والشعائر تتصل الغايات العامة والقيم بعالم تخيلي يرمز إليه بالموضوعات المقدسة الثابتة، ومن خلال الدين يمكن ممارسة نوع قوي من الضبط على السلوك الإنساني والذي يوجه في نفس الاتجاهات المدعمة للبناء النظامي"(55)وبذلك فالباحثان أكدا على الأهمية البالغة للدين في تحقيق الوحدة الاجتماعية، فالدين كنظام للمعتقدات والممارسات السلوكية يرسخ حالات وجدانية ودوافع قوية لتغليب المصلحة العامة على المصلحة الشخصية لكل من اعتنق وتبنى قيمه، الأمر الذي يخفف من حدة الصراع في المجتمع ويحقق وحدته كنسق عام.

 وفي السياق ذاته يرى(يرى محمد احمد بيومي) أن هناك علاقة قوية بين القيم والاعتقاد وبين الواقع الاجتماعي، فيقول "إذا أخذنا الدين الإسلامي كمثال توضيحي للعلاقة بين الدين والقيم من ناحية، والعلاقة بين الدين والتغير من ناحية أخرى، فإنه يمكننا القول بأنه تحت النظام الإسلامي تمارس القيم الدينية تأثيرا عظيما على أنساق القيم الأخرى، فالقيم السياسية يجب أن تؤسس على القيم الدينية، والحرب لها جزاء ديني وتعتبر واجبا دينيا والنظم التعليمية يجب أن تعكس القيم الدينية الإسلامية، والفنون والآداب ليسوا إلا انعكاسات للقيم الدينية، والحياة الأسرية محكومة بالشريعة والأخلاق ولها أساس مستمد من الأخلاق الإسلامية الخاصة بالشخص والمجتمع، كذلك يتطلب الإسلام أن يكون المسلمون متفوقون في نشاطهم الاقتصادي، ولهذا نقول أن الإسلام يقدم المقاييس للقيم التي يمكن من خلالها اختيار المعايير النظامية وبناء على ذلك فإن كل أنشطة الإنسان سواء على المستوى الشخصي أو الاجتماعي من المتوقع أن تعكس القيم الإسلامية "(56)من خلال ماسبق تتضح العلاقة القوية بين الدين

والقيم، ويعتقد محمد أحمد بيومي أن الإسلام أكثر من أي دين آخر يعد المظلة للنظام الاجتماعي.

 كما ويتضح من خلال القراءة المتعمقة لنظرية المفكر الجزائري (عبد الرحمان عزي) عن الإعلام والقيم، أنه يمكن أن تدرج ضمن هذا المقترب أيضا ذلك أنه يعتقد "بأن القيمة تؤسس الإنسان ولا يكون هذا الأخير مصدر القيمة بل أداة لها (أي تتجسد فيه القيمة) ومصدر القيم هو الدين"(57)وعلى ذلك يؤكّد عبد الرحمان عزي كسابقيه من أن مصدر القيم في الأساس هو الدين وهو عالم "المجرد" وأن الإنسان لا يخلق القيم بل يتجسدها فقط،

وبذلك تنعكس هذه القيم على أفعاله وسلوكياته وهو عالم "المجسد".

    وعلى ضوء التحليلات السابقة أي على اعتبار أن الدين هو مصدر القيم يتضح جليا بروز طرح جديد يتمثل أساسا في أن مثل هذا الطرح يتعارض والتصنيفات التي تم طرحها خصوصا التصنيف الشهير لـ Sprangerالذي صنف فيه القيم إلى ستة تصنيفات، ومن ثم تصبح عناصر التصنيف السابق أبعاد للقيم وليست قيما في حد ذاتها، وتظهر جليا  "إلزامية القيم" ذلك أنها تحمل صفة "القدسية "ومن ثمة فإن المجتمع يسعى إلى تنفيذها بقوة وحزم سواء عن طريق العرف أو القانون أو كلاهما معا، وتصبح بذلك عنصر ضبط في المجتمع تحفظ تماسكه، ويمكن الحديث أيضا عن القيم ذات الطابع التفضيلي وهي القيم التي يشجع الإسلام الأفراد على الاقتداء بها والسير تبعا لها وهي ليست منفصلة عن سابقتها بل تتكامل معا.

     وعلى هذا الأساس تعد القيم وفقا لهذا المقترب هي حكم يصدره الإنسان على شيء معين مهتديا بمجموعة من المعايير، والمبادئ والمعتقدات التي أقرها الدين، وهي موجهات للسلوك تمتاز بالقوة والتأثير،  وأهم من ذلك تمتازبالثبات ذلك أن مصدرها الإله، ولعل أهم ميزة أيضا في مثل هذه القيم هي العمومية فهي لا تخص فردا بعينه بل تخص جموع الناس، فتسعى المجتمعات إلى تعزيزها ، ومن هذه الزاوية فإن القيم تربط الأفراد والجماعات فيما بينهم وتخلق فيهم التماسك والانسجام الاجتماعيين في وحدة متكاملة،  الأمر الذي ينعكس بوضوح على البناء الاجتماعي.

2-الثقافة كمصدر للقيم: الثقافة هي تكوين مفاهيمي مركب، وتشمل الثقافة فيما تشمله كل ما يتلقاه الفرد عن الجماعة من مظاهر الفنون والعلوم

والمعارف والعقائد والقيم، يكتسبها تراكميا من خلال احتكاكه بالواقع الاجتماعي، عن طريق عدد من العمليات كالتلقين والمحاكاة، ويستخدمها مرة أخرى في اتصاله بهذا الواقع مما يسهل عملية التكيف وكذا عملية التفاعل الاجتماعي،  ولكل مجتمع ثقافة خاصة به مهما كانت درجة تقدمه أو تخلفه وعلى هذا تكون الثقافة نسبية. 

والقيم تشكل مضمون الثقافة ومحتواها، والثقافة هي التعبير الحي عن القيم وهذا يعني أن القيم هي المحور الأساسي للفعل الثقافي والإنساني،

"ويذكر اليكس ميكشيلي Alex Mucchielliأن الثقافة تشكل الإطار العام للمبادئ القيمية عند أفراد المجتمع، وتشير الذهنية أو العقلية باللغة الدارجة إلى حالة نفسية داخلية وإلى طريقة للنظر إلى الأشياء ترتبط عفويا مع آداب سلوكية قابلة للملاحظة، فالذهنية تنطوي في ذاتها على رؤية خاصة للعالم وعلى طريقة للتعامل مع الأشياء"(58)،ووفقا لهذا السياق تعد القيم عنصرا ومكونا أساسيا من مكونات الثقافة وهي جزء محوري من أجزاء التراث الثقافي أو الحضاري المتراكم عبر تاريخ المجتمع، ولأن القيم أهم عناصر الثقافة فإنها تمثل أهم العوامل التي تدعم انتشارها واستمراريتها فهي حلقة ترابط بين الأجيال. وعلى اعتبار أن القيم من مكونات الثقافة فإن هذه الأخيرة تعد مصدرا أساسيا لها، فالثقافة تقدم قيما شاملة وعامة للمجتمع تبعا لشموليتها وعموميتها، كما تنبثق عنها قيم خاصة بفئات معينة داخل المجتمع الواحد، فمجموع المبادئ والمعايير التي وضعها المجتمع والمحددة لسلوك أفراده ماهي إلا تعبير عن ثقافته .

ثامنا: مؤسسات التنشئة الاجتماعية بوصفها مرسخات لمنظومة القيم:

1-الأسرة مرسخ للقيم: تعد الأسرة الخلية الأساسية في بناء المجتمع ونواته الأولى، وهي من أكثر الظواهر الاجتماعية انتشارا وعمومية، بل هي من أهم النظم في المجتمع، ويعرفها بارسونز"بأنها نسق اجتماعي لأنها هي التي تربط البناء الاجتماعي بالشخصية، فالقيم والأدوار عناصر اجتماعية تنظم العلاقات داخل البناء وتؤكد هذه العناصر علاقة التداخل والتفاعل بين الشخصية والبناء الاجتماعي."(59)والأسرة هي أساس وجود المجتمع وهي المصدر الرئيسي للأخلاق ولضبط السلوك، فهي الإطار الذي يتلقى فيه الفرد أولى دروس الحياة الاجتماعية، ففيها يتم تحويل الفرد من كائن فطري بيولوجي إلى كائن اجتماعي، فلا يقتصر دور الأسرة إذن على الوظيفة البيولوجية فحسب بل يمتد ليشمل الجانب الاجتماعي، "ويؤكد "رينيه كونيغ" على أهمية وظيفة التنشئة الاجتماعية في الأسرة فيقول: إن الميلاد البيولوجي للفرد ليس هو الأمر الحاسم في وجوده واستمراره، بل إنما العامل الحاسم هو الميلاد الثاني أي تكونه من شخصية اجتماعية ثقافية تنتمي إلى مجتمع بعينه، وتدين بثقافة بذاتها، والأسرة هي صاحبة الفضل في تحقيق هذا الميلاد الثاني ولا توجد أي مؤسسة اجتماعية أخرى يمكن أن تؤدي هذه الوظيفة بمثل هذه الكفاءة"(60).

ولما كانت الأسرة هي وعاء للتراث القومي والحضاري والثقافي فإنها تسهم في حفظ ونقل ثقافة المجتمع في شكل قيم وعادات واتجاهات وسلوكات، وتلقنه أيضا المعايير العامة التي تفرضها أنماط الثقافة العامة السائدة في المجتمع، فمن خلال التنشئة الأسرية تغرس قيم المجتمع وديانته وعاداته وتقاليده ونظمه، فهي تنقل إلى الطفل تراثا راسخا من القيم والثقافة المادية وغير المادية، ذلك أن الفرد لا يخضع لسلطان جماعة أخرى أسبق من الأسرة فهي الحضن الأول له، ولما كانت أكثر الجماعات تماسكا وأيسرها تواصلا كانت عملية نقل العادات والاتجاهات والقيم عميقة الأثر.

فالأسرة إذن كوحدة اجتماعية لها دور فعال في إكساب القيم، فالطفل يولد وهو فاقد لضمير أو مقياس للقيم، فالأسرة هي التي تحدد ما ينبغي وما لا ينبغي في ظل فلسفة وثقافة المجتمع، فهي كمؤسسة اجتماعية لا توجد في فراغ وإنما يحكمها إطار الثقافة الفرعية التي تنتمي إليها، فالقيم الاجتماعية السائدة والنمط الثقافي والحضاري والديني وحتى الاقتصادي السائد في المجتمع يفرض نمطا من السلوك يتبناه الأهل فينتقل وبشكل غير مباشر على الأبناء ليتحول إلى قيم في سلوكياتهم، ثم تقوم الجماعات الثانوية التي ينتمي إليها الفرد في مسار حياته بدور مكمل.

ومن الأمور المسلم بها عند جمهور العلماء وبصفة خاصة علماء النفس الاجتماعيين أن أساليب التنشئة الاجتماعية تحدد وبصورة معتبرة العناصر المكونة للشخصية القاعدية وكذا السلوكات والاتجاهات، ذلك أن ما ينقل من خلال التنشئة الأسرية يرتبط عمليا بأساليب نقله، ومنه يتأكد أن أسلوب المعاملة يحدد السلوك المتبنى، والواقع أن هذه الأساليب تتعدد من مجتمع لآخر، وتختلف من أسرة لأخرى داخل نفس المجتمع، حتى أنها تختلف بين الوالدين نفسهما، وذلك تبعا لعوامل ثقافية واقتصادية وللفلسفة والاديولوجية المتبناة، ولابد من الإشارة هنا إلا أن هذه الأساليب تحمل في طياتها قيما معينة، وفي هذا الشأن أشارت العديد من الدراسات أن أسلوب التنشئة الاجتماعية الذي يتبعه الوالدين يؤثر في عملية تبني الأبناء لقيم معينة دون أخرى، فمن المألوف أن الأسر التي تستخدم أسلوب العنف في غرس القيم، وذلك من خلال الأمر بالقوة والإجبار، يخلف رصيد من التوتر عند الطفل فيحتاج للقيام بسلوكيات عنيفة للتخلص من هذا التوتر، الأمر الذي يجعل منه متمردا على الجميع وأولها على القيم التي أجبر عليها، لذلك فإن جل الدراسات أكدت أن تبني الطفل لقيم ومعايير الوالدين إنما يعتمد على مقدار الدفء والحنان الذين يحاط بهما في العلاقة التي تربطه بوالديه، فنمو الضمير إنما يتضمن توحد الطفل مع والديه، ويزداد هذا التوحد كلما كان الوالدين أشد رعاية وحبا للطفل فالطفل الذي يتوحد بقوة مع والديه يكون أسرع في تبني المعايير السلوكية، فالتنشئة الأسرية في مضمونها تحمل قيما ومعتقدات ومعايير تتماشى وثقافة المجتمع، وما التفاعل الحادث عادة بين الآباء والأبناء في حقيقة الأمر إلى إكساب وترسيخ لقيم المجتمع الذي ينتمي إليه، من خلال استيعاب الطفل لمختلف السلوكات والمعايير وأنماط التفكير الخاصة بمحيطه السوسيو ثقافي، فالأسرة كمؤسسة اجتماعية وكنسق بنيوي هيالتي تحدد للفرد كيف ينظر إلى الأشياء وكيف يحكم عليها ومتى يعطيها قيمة ومتى يسلبها القيمة، ومن ثمة يصبح للفرد نسق قيمي من المعايير والأحكام التي تسهل عليه اختيار أهدافه وتوجهاته، وتصبح كذلك القيم  المكتسبة والمتبناة إطارا مرجعيا لضبط السلوك وتوجيهه وتنظيم علاقاته في المجتمع .

2-المدرسة مرسخة للقيم :تعد المدرسة مؤسسة من مؤسسات التنشئة الاجتماعية التي أنشاها المجتمع بل هي أهم هذه المؤسسات على الإطلاق لا لشيء إلا لكونها أكثر نظاما وانتظاما، بالإضافة إلى أن المهمة المنوطة بها أكثر صعوبة أيضا فهي موكلة بإعداد الناشئة إعدادا متكاملا من كل النواحي الجسمية والنفسية والتربوية والعلمية، كما وأوكل لها مهمة الحفاظ وتوريث التراث الثقافي من قيم وعادات وعقائد وأنماط التفكير والسلوك.

ومن المهم الإشارة إلى أن البيئة المدرسية أكثر تباينا واتساعا من البيئة المنزلية وأشد خضوعا لتطورات المجتمع الخارجي، وأسرع تأثرا واستجابة لهذه التطورات ومن ثم فهي تترك أثارها القوية على اتجاهات التلاميذ وقيمهم وهنا تبرز أكثر أهمية هذه المؤسسة وأهمية الوظائف المسندة لها، فالمدرسة هي المحطة الثانية للناشئ يستكمل خلالها مهمة الأسرة في إعداد الفرد وفي إثراء منظومته القيمية بقيم جديدة من خلال الاحتكاك بنموذج مجتمعي آخر، -وكثيرا ما يورد علماء الاجتماع والتربية بعض النماذج لقيم تعززت في شخصية الطفل وتم اكتسابها من المناخ المدرسي، مثال ذلك قيمة المنافسة حيث يسعى الطفل داخل المدرسة إلى احتلال المراتب المتقدمة ويتعلم في الوقت نفسه احتمال الربح والخسارة، وأيضا قيمة الإخلاص والتعاون فيبادر بالعمل دون مقابل، كما يتعلم قيمة الاستقلالية وينخفض مستوى الاتكالية لديه وتزداد ثقته بنفسه ويقدم على أفعال ترتبط بتقديم صورة حسنة عنه-.  وعليه فالمدرسة مصدر أصيل ورافد قوي من روافد استنباط القيم، ولذلك كان على الفاعلين في الهيئة التعليمية العمل بجهد لا على التركيز فقط على قضية التحصيل العلمي بل الاهتمام أكثر على غرس وترسيخ القيم الاجتماعية في نفوس الناشئة، "وتمكينهم من حمل قيم للتوافق مع محيطهم الاجتماعي والنفسي، أي إعطاؤهم المعارف الضرورية وعناصر التربية المسهمة في تيسير المجال للعيش في أمان وحرية وحب ومسؤولية وغيرها من القيم التي تمكن التلميذ من التوافق النفسي والاجتماعي وبذلك يمكن اختزال دور المدرسة حسب هذا الموقف على تعلم القيم الاجتماعية والأخلاقية والوطنية التي تتم عن طريق العمل الجماعي"(61)، وعلى هذا يكون الدور الأساسي للمدرسة هو التوفيق بين القيم المختلفة لتكوين نسق قيمي موحد، فهي من جهة تحاول استبعاد كل القيم التي لا تخدم التماسك الاجتماعي أو أنها قيم مثبطة للتطور والتغير والتنمية المنشودة للمجتمع فمن واجب المدرسة إذن العمل على تغييرها، ومن جهة أخرى دورها أكثر من ضروري في تكوين وترسيخ القيم الايجابية وذلك بالعمل على تشجيعها وتعزيزها في نفوس الناشئة وعن طريق العمل على تكرار نماذج السلوك والممارسة . وستأخذ الدراسة عنصري المضامين والمدرس كنموذج لفهم أهميتهما في نقل وإكساب القيم للناشئة.

أ-دور المناهج المدرسية ومضامينها في إكساب القيم : المنهج نظام متكامل من الحقائق والمعارف، التي تقدمها المؤسسة التربوية للمتعلمين وللمنهج شقين شق نظري -فكرة- وشق تطبيقي –سلوك- بمعنى الانطلاق من أسس فلسفية وما ينبثق عنها من أهداف عامة يتبناها المجتمع وفقا لاديولوجيته لتنعكس على المكونات التطبيقية،  والبناء القيمي هو أحد الأركان الأساسية عند بناء الجانب المعرفي لأي منهج وفي أي مجتمع، فلكل مجتمع قيمه التي يتمسك بها ويرجوا أن تستمر لدى أبنائه بل وهناك بعض القيم المرغوب فيها والتي تنتقل إلى المجتمع من الخارج ولكنها تبدوا

 غريبة أو تلقى معارضة في تقبلها ولذلك فإن مهمة هذه المناهج تعزيز وتشجيع وتوريث ما هو مرغوب فيه وتنحية غير المرغوب فيه.

والحديث عن القيم في المناهج المدرسية يقود إلى مكون أساسي ألا وهو الأهداف التربوية، فالقيم قبل أن تكون متضمنة في المناهج فهي منبثقة ونابعة أولا من أهداف المجتمع وفلسفته التربوية والاجتماعية، ويؤكد التربويون أن عملية"تحديد الأهداف تسهل مهمة اختيار المحتوى أو تعديله، والأهداف بوصفها بداية لتكوين المنهج يجب أن تتضمن القيم والمبادئ والاتجاهات المتضمنة في فلسفة المجتمع، وأن تكون أهداف المادة منسقة مع الأهداف العامة للتربية"(62) فوضع الأهداف وتحديدها يشكل الخطوة الأساسية في العملية التعليمية، وهذه الخطوة على علاقة وثيقة بما يسمى ـفلسفة التربية، والتي تمثل المنبع الأول للأهداف التربوية فقد تشترك النظم التربوية في وسائل التأطير ولكن لكل نظام أهدافه ونظرته إلى المواطن الذي يريد إنتاجه، فلا شك أن التأكيد على بناء نظم من القيم يعتبر هدف أساسي من الأهداف الموضوعة للتربية بل إن كل الأهداف الموضوعة للتربية ما هي في الأساس إلاّ تصورات للأشياء المراد تحقيقها في الحياة والتي تستند أساسا على إطار قيمي معين، وهنا لابد من التأكيد على ضرورة دمج القيم الأساسية للثقافة المجتمعية في المناهج، وهذا بعد انتقاء ما يصلح للمجتمع ويعمل على تطويره وتنميته والابتعاد عن تقديس وتمجيد القيم البالية التي تثبط المجتمع وتدفع به إلى الركون والخمول، فالقيم التي يحويها المنهج ويسعى إلى ترسيخها مرتبطة أشد الارتباط بالمجتمع وماهي إلا انعكاس للفلسفة الفكرية والاجتماعية والسياسية السائدة، فالمنهج التربوي يحمل في ثناياه قيما عقائدية واديولوجية تارة تكون صريحة ومعلن عنها وغالبا ما تكون ضمنية، فالمناهج التربوية وما تحويه من مضامين وأهداف وغايات وفلسفات لا يمكن أن يصاغ في بوتقة غير بوتقة القيم.

ب-دور المعلم في إكساب القيم : إن المضامين التربوية وما تحويه من قيم ومعارف علمية بمثابة رسالة تحتاج إلى من يقوم بإبلاغها، ومن الأمور المتفق عليها أن المربي أو المعلم هو الكفيل بهذه المهمة وهو الركيزة الأساسية للنظام التعليمي، فالمعلم يتجاوز حدود إلقاء الدرس وتلقين المعارف العلمية فهو القيّم على نقل تراث المجتمع بكل محتوياته، يثبت الحسن منها ويعدل ويقوّم السيئ منها، مما يجعله القائم على تكوين وتشكيل شخصية التلميذ العلمية من جهة والاجتماعية من جهة أخرى، وتشير العديد من الدراسات القديمة منها والحديثة إلى مجموعة من الخصائص التي يجب توافرها في المعلم حتى يقوم بدوره على أكمل وجه وعادة ما تربط هذه الخصائص بين الجوانب المعرفية والعلمية وبين الجوانب السلوكية المتعلقة بشخصيته، وكذا أعمق الخصائص في شخصيته والمتعلقة بقيمه ومعتقداته وحتى ما تعلق منها بالمظهر والملبس، ذلك  أن المعلم يعتبر القدوة والنموذج، فسلوكه العلمي والتربوي يسهم بقسط كبير في إكساب التلميذ القيم والمواقف إزاء أمور الحياة المختلفة، وهو قدوة لتلامذته والقدوة وسيلة من وسائل إكساب القيم، فالطفل يتمثل ويكتسب سلوكات معلمه بطرق مباشرة عبر الخطاب وعبر المعاملة أيضا، ولذلك يتطلب من المعلم في كل المراحل التعليمية بدون استثناء أن يكون دقيقا في سلوكاته ولا يكون من الذين يقولون ما لا يفعلون فيجب أن يتصف مثلا بالمثابرة والجد والصدق والعدالة...، وحتى في هذا المجال فهناك بعض القيم التي يحتاج المعلم إلى تمحيصها والدراية بفاعليتها أو العكس فليس كل ما هو مجمع عليه في المجتمع صالح، فدور المعلم أكثر من هام في تشكيل النسق القيمي للتلاميذ، فبالإضافة إلى دوره في تحقيق نتائج علمية، لابد أن يكون النجاح حليفه في مجال تعديل السلوك وتحقيق التكيف الاجتماعي لتلامذته.

خاتمة:

يكشف استعراض موقف الفكر الإنساني من مفهوم القيم عن أفكار ووجهات نظر متعددة، ذلك أنه  يعد من بين المفاهيم التي عني بدراستها العديد من الباحثين في مختلف العلوم والتخصصات، ومن ثمة فإنه من الطبيعي أن يظهر نوع من الغموض وعدم الوضوح وحتى الخلط في استخدام وتأويل هذا المفهوم،  من تخصص لآخر، بل وداخل حدود التخصص الواحد،  وتوصلت هذه الورقة أنه ليس من السهل التوصل إلى مفهوم متفق عليه للقيم لأن هناك كما يقال جذب في النظريات المتناسقة وخصب في النظريات المتضاربة.

وإذا ما كان هناك هذا القدر الكبير من الاختلاف والتباين في الرأي حول مفهوم القيم بين المشتغلين بالعلوم الاجتماعية،  فإن ما يؤكده الجميع ويتفق حوله هو أن القيم هي القوى الدافعة للسلوك الإنساني وهي التي ترقى به إلى أسمى درجات الإنسانية،  وبدونها يفقد المجتمع المبادئ التي تنظم حياته.   

فهي عند جمهور علماء الاجتماع يمكن النظر إليها باعتبارها شروطا اجتماعية لضبط سلوك أعضاء الجماعة،  فالفرد في الجماعة يتشكل سلوكه تبعا للقيم والمعايير التي تتبناها هذه الجماعة،  حيث يستدمج الفرد قيم الجماعة ويستدخلها في إطاره القيمي من خلال عملية التنشئة الاجتماعية التي يتلقاها الفرد طيلة حياته وبالتالي تصير قيم الجماعة هي قيمه التي يتبناها،  وبما أن القيم نتاج اجتماعي يتعلمها الفرد ويتشربها تدريجيا ثم يضيفها إلى إطاره المرجعي للسلوك، فهي على ذلك بالغة الأهمية في حياة الفرد والمجتمع.

-على وطفة، مها زحلوق: (دت)، الشباب قيم واتجاهات ومواقف، ط1، سوريا، ص60.

2- جار الله أبي القاسم محمود بن عمر الزمخشري: (2006)، أساس البلاغة ، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، لبنان، ص337.

3- جميل صليبا: (1973)، المعجم الفلسفي، مادة: قيم، دار الكتاب اللبناني، ج2، ط1، لبنان، ص255.

4- أحمد مصطفى خاطر: (1980)، الخدمة الاجتماعية وتنمية المجتمع الريفي، المكتب الجامعي الحديث، مصر، ص110.

5- أحمد مصطفى خاطر: رجع سابق، ص 111.

6- بلال العربي : (2001)،"القيم و التغير الاجتماعي : الشباب نموذجا "، مجلة دراسات مستقبلية، مركز دراسات المستقبل، العدد 6، أسيوط مصر، ص11.

7- سلوى السيد عبد القادر: (2013)، الانثروبولوجيا والقيم ، دار المعرفة الجامعية للطبع والنشر والتوزيع،  الإسكندرية، مصر، ص20.

8- - أحمد مصطفى خاطر: مرجع سابق، ص 109.

9- محمد أحمد بيومي: (2002)، علم اجتماع القيم، دار المعرفة الجامعية، الإسكندرية، مصر، ص107.

10- خليل أحمد خليل: (1984)، المفاهيم الأساسية في علم الاجتماع، ط1، دار الحداثة والنشر والتوزيع، بيروت، لبنان، ص192.

11- فوزية ذياب : ( 1980) ، القيم والعادات الاجتماعية (مع بحث ميداني لبعض العادات الاجتماعية)، دار النهضة العربية، بيروت، لبنان، ص134

12- عامر عوض: ( 2008)، السلوك التنظيمي الإداري، دار أسامة للنشر والتوزيع، الأردن، ص71.

13- عبد اللطيف محمد خليفة: (1992)، ارتقاء القيم – دراسة نفسية- سلسلة عالم المعرفة، الكويت، ص47.

14- محمد أحمد بيومي: مرجع سابق، ص18.

15- علي وطفة : مرجع سابق،ص 80.

16- عبد الرحمن الوافي :(2004) ،مدخل إلى علم النفس، دار هومة للنشر والتوزيع، بوزريعة، الجزائر،ص72.

17- عبد اللطيف محمد خليفة: مرجع سابق، ص36.

18- طارق كمال: (2007)، علم النفس المهني، مؤسسة شباب الجامعة، الإسكندرية، مصر، ص109.

19- طه جابر العلواني: ( 2002)، "القيم بين الرؤية الإسلامية والرؤية الغربية في المنهج المعرفي القرآني"، في القيم في الظاهرة الاجتماعية، تحرير نادية محمود مصطفى وآخرون، دار البشير للثقافة والعلوم، القاهرة، مصر، ص105.

20- ماجد زكي الجلاد:(2007)، تعلم القيم و تعليمها تصور نظري و تطبيقي لطرائق و استراتيجيات تدريس القيم،ط2،دار المسيرة للنشر و التوزيع و الطباعة، الأردن، ص55.

21- صلاح الدين بسيوني رسلان:(1990)، القيم في الإسلام (بين الذاتية و الموضوعية )، دار الثقافة للنشر و التوزيع، القاهرة، مصر، ص 128.

22- جابر قميحة : ( 1984) ، المدخل إلى القيم الإسلامية، دار الكتب الإسلامية ودار الكتاب المصري ودار الكتاب اللبناني، القاهرة وبيروت، ص152.

23-،. صلاح الدين بسيوني رسلان: مرجع سابق،ص 107.

24- صلاح قنصوه: (2010)، نظرية القيم في الفكر المعاصر، التنوير للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، لبنان، ص18.

25- صلاح الدين بسيوني رسلان: مرجع سابق، ص6.

26- صلاح قنصوه: مرجع سابق، ص65.

27- الربيع ميمون: (1980)، نظرية القيم في الفكر المعاصر، بين النسبية والمطلقة، الشركة الوطنية للنشر والإشهار، الجزائر، ص91.

28- عبد اللطيف محمد خليفة: مرجع سابق، ص14.

29- عبد اللطيف محمد خليفة: مرجع سابق، ص15.

30- فوزية ذياب : مرجع سابق، ص17.

31- أحمد أنور:( 1992)، الانفتاح وتغير القيم في مصر، العربية للطباعة والنشر والتوزيع، القاهرة، مصر، ص36.

32- الربيع ميمون: مرجع سابق، ص199.

33- صلاح قنصوه: مرجع سابق، ص93.

34- الربيع ميمون: مرجع سابق، ص215.

35- عدلي أبو طاحون: (د ت)، في النظريات الاجتماعية المعاصرة،ط1، المكتب الجامعي الحديث،  الإسكندرية، ص125.

36- ر.بودون و ف.بوريكو:( 2007) ، المعجم النقدي لعلم الاجتماع ، ترجمة سليم حداد،ط2، مجد المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع ،بيروت، لبنان، ص451.

37- عبد الله محمد عبد الرحمان:(2006)، النظرية في علم الاجتماع – النظرية الكلاسيكية، دار المعارف الجامعية، مصر، ص274.

38- علي وطفة: مرجع سابق،ص83.

39- محمد احمد بيومي: مرجع سابق، ص90.

40- نويصر بلقاسم: (2010): التنمية والتغير في نسق القيم الاجتماعية، دراسة سوسيولوجية ميدانية بأحد المجتمعات المحلية  بمدينة سطيف، رسالة مقدمة لنيل شهادة دكتوراه دولة في علم الاجتماع، كلية العلوم الاجتماعية والعلوم الإنسانية، جامعة منتوري قسنطينة، الجزائر، غير منشورة. ص132.

41-قباري محمد إسماعيل: (1979)،  علم الاجتماع والاديولوجيات،  الهيئة المصرية العامة للكتاب، مصر، ص431.

42- محمد أحمد بيومي: مرجع سابق، ص91.

43- عبد الله محمد عبد الرحمان:  مرجع سابق، ص450.

44- عبد الله محمد عبد الرحمان: مرجع سابق، ص450.

45- محمد احمد بيومي: مرجع سابق، ص102.

46- محمد احمد بيومي: مرجع سابق، ص102.

47- الجموعي مومن بكوش: ( 2014)، "القيم الاجتماعية مقاربة نفسية اجتماعية": مجلة الدراسات والبحوث الاجتماعية، العدد 8، جامعة الوادي، ص84.

48- ماجد الزيود: مرجع سابق، ص24.

49- محمد محمد الزلباني: (1937/1972)، القيم الاجتماعية : مدخلا للدراسات الانثروبولوجية والاجتماعية، الكتاب الأول الخلفية النظرية للقيم، مطبعة الاستقلال الكبرى، مصر، ص26.

50- محمد محمد الزلباني: مرجع سابق، ص45.

51- كريمة فلاحي : (2013)، القيم النفس –اجتماعية لدى المرأة الممارسة للرياضة البدنية في الجزائر، دراسة ميدانية (بقسم التربية البدنية والرياضة بجامعة منتوري –قسنطينة ، جمعية الرهام بدار الشباب عز الدين مجوبي وجمعية فتيات الخروب لكرة القدم ) نموذجا، رسالة مقدمة لنيل شهادة الدكتوراه علوم في علم اجتماع التنمية ، كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية قسم علم الاجتماع،جامعة منتوري، قسنطينة، الجزائر، غير منشورة، ص84.

52- فيروز زرارقة :(2009)، " التغير القيمي وصراع المرجعيات الثقافية في المجتمع الجزائري"، مجلة الآداب والعلوم الاجتماعية، جامعة فرحات عباس سطيف، عدد خاص، الملتقى الوطني الأول حول التغير القيمي في المجتمع الجزائري، يومي الرابع والخامس من شهر ماي ، ص91.

53- عبد الله عقلة مجلي الخزاعلة: (2009)، الصراع بين القيم الاجتماعية والقيم التنظيمية في الإدارة التربوية، دار الحامد، الأردن، ص83.

54- عبد الله محمد عبد الرحمان: مرجع سابق، ص 285.

55- محمد أحمد بيومي: مرجع سابق، ص131.

56- محمد أحمد بيومي: مرجع سابق، ص132.

57- بوعلي نصير:(2005)، الإعلام والقيم –قراءة في نظرية المفكر الجزائري عبد الرحمان عزي،  دار الهدى، عين مليلة، الجزائر، ص49.

58- علي وطفة: مرجع سابق، ص 92.

59- فرج محمد سعيد: (2001)،  البناء الاجتماعي والشخصية، دار المعرفة الجامعية، الإسكندرية، مصر، 246.

60- علياء شكري: (1979)، الاتجاهات المعاصرة في دراسة الأسرة، دار المعارف، القاهرة، مصر، ص247-248.

61- بوغازي الطاهر: (2010)،  القيم التربوية –مقاربة نسقية -، ط1، منشورات الحبر، الجزائر، ص86.

62- فوزي طه ابراهيم ورجب احمد كلزة: (2000)،  المناهج المعاصرة، منشأة المعارف، الإسكندرية، مصر، ص354.

@pour_citer_ce_document

فتيحة حفحوف, «القيم – سياق التداول والمقاربة السوسيولوجية –»

[En ligne] ,[#G_TITLE:#langue] ,[#G_TITLE:#langue]
Papier : pp 129-150,
Date Publication Sur Papier : 2011-09-20,
Date Pulication Electronique : 2018-06-26,
mis a jour le : 11/07/2018,
URL : https://revues.univ-setif2.dz:443/revue/index.php?id=3028.