الإدارة العامّة الجديدة كآلية للإصلاح الإداري تجارب دوليةThe New Public Management is a mechanism for administrative reform
Plan du site au format XML


Archive: revues des lettres et sciences sociales


N°01 Avril 2004


N°02 Mai 2005


N°03 Novembre 2005


N°04 Juin 2006


N°05 Juin 2007


N°06 Janvier 2008


N°07 Juin 2008


N°08 Mai 2009


N°09 Octobre 2009


N°10 Décembre 2009


N°11 Juin 2010


N°12 Juillet 2010


N°13 Janvier 2011


N°14 Juin 2011


N°15 Juillet 2012


N°16 Décembre 2012


N°17 Septembre 2013


Revue des Lettres et Sciences Sociales


N°18 Juin 2014


N°19 Décembre 2014


N°20 Juin 2015


N°21 Décembre 2015


N°22 Juin 2016


N° 23 Décembre 2016


N° 24 Juin 2017


N° 25 Décembre 2017


N°26 Vol 15- 2018


N°27 Vol 15- 2018


N°28 Vol 15- 2018


N°01 Vol 16- 2019


N°02 Vol 16- 2019


N°03 Vol 16- 2019


N°04 Vol 16- 2019


N°01 VOL 17-2020


N:02 vol 17-2020


N:03 vol 17-2020


N°01 vol 18-2021


N°02 vol 18-2021


N°01 vol 19-2022


N°02 vol 19-2022


N°01 vol 20-2023


N°02 vol 20-2023


A propos

avancée

Archive PDF

N°04 Vol 16- 2019

الإدارة العامّة الجديدة كآلية للإصلاح الإداري تجارب دولية

The New Public Management is a mechanism for administrative reform
ص ص 65-76
تاريخ الإرسال: 2018-12-05 تاريخ القبول: 2019-12-18

مبروك ساحلي
  • resume:Ar
  • resume
  • Abstract
  • Auteurs
  • TEXTE INTEGRAL
  • Bibliographie

حظي موضوع إصلاح القطاع العام باهتمام الباحثين والأكاديميين في الديمقراطيات الغربية منذ سبعينيات القرن الماضي، فكانت ثمرة الإصلاح بروز نمط الإدارة العامة الجديدة، كمحاولة للتصدّي للتحديات الجديدة التي أصبحت تفرضها التغيرات الاقتصادية، والسياسية، والتكنولوجيا. كما حاولت الدراسة الإجابة عن إشكالية رئيسية تمثّلت في: هل يمكن أن تساهم الإدارة العامة الجديدة كمدخل للتسيير في إصلاح الإدارة العامة؟ وتوصلت الدراسة إلى مجموعة من النتائج تثبت أهمية إسهام الإدارة العامة الجديدة في عملية الإصلاح الإداري. 

الكلمات المفاتيح:الإصلاح الإداري، الإدارة العامة الجديدة، القطاع العام

La réforme du secteur public a attiré l’attention des chercheurs et des universitaires des démocraties occidentales depuis les années 70. Cette réforme a eu pour résultat l’émergence d’un nouveau modèle d’administration publique visant à relever les nouveaux défis posés par les changements économiques, politiques et technologiques. L'étude a également tenté de répondre à cette question problématique : ‘‘Dans quelle mesure la nouvelle administration publique peut-elle contribuer à la gouvernance dans la réforme de l'administration publique’’?

L'étude aboutit à une série de résultats qui démontrent l'importance de la contribution de la nouvelle administration publique au processus de réforme administrative.

Mots-clés : Réforme administrative / Nouveau Management Public / Secteur public

Public sector reform has captured the attention of politicians, academics and researchers in all western democracies since the 1970s. While there were a surge of activities and changes in many countries, there did not appear to be any universal embracing theme, theory or collection of theories until the literature started to focus around the notion of a new style of governance which became known as the New Public Management. The study ended with a set of results that highlight the importance of the contribution of new public administration within the administrative reform process.

Keywords : Administrative Reform - New Public Management/ Public sector

Quelques mots à propos de :  مبروك ساحلي

 جامعة العربي بن مهيدي-ام البواقي-  sahlimabrouk.aa@hotmail.fr                          

مقدّمة

عرفت فترة ثمانينيات القرن الماضي، إصلاحات في حقل الإدارة العامة ألقت بظلالها على الكثير من النظريات والممارسات، نقلت الإدارة العامة الفيبرية من مفهوم العقلانية القانونية إلى العقلانية التسييرية، توجّت بما يُعرف بالتسيير العمومي الذي بدوره تمّت إعادة النظر فيه من خلال نموذج معرفي جديد تمثّل في: الإدارة العامة الجديدة (أو التسيير العمومي الجديد) القائم على مبدأ تسيير القطاع العام من خلال تطبيق أساليب ومناهج التسيير الخاص، هذا النموذج الذي سعت العديد من الدول المتقدمة والنامية إلى تطبيقه من خلال ثورة جذرية في طريقة تسيير إدارتها وفق ما تقتضيه التغييرات الجديدة.

ويحتلّ موضوع الإصلاح الإداري بصفة عامة والإدارة العامة الجديدة بصفة خاصة، أهمية علمية نظرا لأنه يشغل حيزا كبيرا من اهتمام الجماعة العلمية في حقل الإدارة العامة، كما أنّ له أهمية عملية متمثّلة في تأثيره المباشر على حياة المواطنين المتعاملين مع الأجهزة والمنظمات الحكومية المختلفة، بل ومع سائر أنواع المنظمات الأخرى سواء في القطاع الخاص أو القطاع المدني التي تتفاعل دائما مع الجهاز الحكومي، وتتأثّر بما يمرّ به من تطوّر. فبداخل منظومة الدولة، وبرغم من تغير النظريات والإيديولوجيات، مازالت الحكومة هي الفاعل الرئيسي، وبالتالي فإنّ أي تطوّر أو حركات للإصلاح تشهده أجهزتها سيكون له عظيم الأثر عليها في شتى مجالات الحياة.

وتسعى هذه الدراسة الى تحقيق هدفين أساسيين:

- التعرف على مضمون الإدارة العامة الجديدة وعوامل نشأتها.

- عرض لبعض التجارب الدولية في الإصلاح الإداري التي تستهدف تطوير الأداء والإنتاجية وتحسينهما في أجهزة القطاع الحكومي. ويشمل عرض تجربة نيوزيلاندا وكذلك تجربة الولايات المتحدة الأمريكية.

كما تتألّف فلسفة الإصلاح من تغييرات معتمدة لهياكل مؤسسات القطاع العام وعملياته بهدف إدارتها على نحو أفضل، وبحسب هذا السياق فإنّها تشتمل على آليات لتحسين التنسيق ووضع السياسات، وبناء هياكل مؤسسية قوية وتطبيق اللامركزية ونقل السلطات والصلاحيات وإدارة الموارد البشرية، بالإضافة إلى أنظمة الاتصالات والمعلومات، وبالطبع ستحدث تغييرات في طبيعة وطريقة عمل الإدارة العامة بوحي من بعض الأفكار والإيديولوجيات، مثل الإدارة العامة الجديدة. ولذا تتمحور إشكالية الدراسة حول: إلى أي مدى يمكن أن تساهم الإدارة العامة الجديدة كمدخل للتسيير في إصلاح الإدارة العامة؟

في حين تنطلق الدراسة من فرضية أساسية تنص: على أهمية الإدارة العامة الجديدة باعتمادها على آليات القطاع الخاص في تسيير المنظمات العامة كمبدأ إصلاحي تترتّب في ضوئه تغيرات جذرية في النظام الاقتصادي المتبع لكي يتلاءم مع التوجّهات السياسية والاقتصادية والاجتماعية الجديدة.

كما تتبنّى الدراسة المنهج الوصفي التحليلي لأنّه ملائم للدراسات والبحوث المتعلّقة بالآراء والاتجاهات، ولأنه يقدّم لنا البيانات عن واقع الظواهر والعلاقات بين أسبابها ونتائجها وتحليلها ويظهر العوامل المؤثّرة فيها، ويعتمد هذا المنهج على تجميع الحقائق والمعلومات النظرية ثم تحليلها وتفسيرها. كذلك اعتمدنا على المنهج دراسة حالة والمقترب النسقي.

أولا: الإطار المفاهيمي للدراسة: سنحاول التطرق إلى مفهوم ومداخل الإصلاح الإداري، وكذلك مفهوم الإدارة العامة الجديدة وعوامل نشأتها:

1-مفهوم الإصلاح الإداري: تعدّدت التعريفات الخاصة بالإصلاح الإداري حيث ركّز بعضها على الهدف المراد تحقيقه، في حين ركّز البعض الآخر على الإجراءات التي يجب اتباعها لتحقيق الإصلاحات، كما أنّ الإصلاح الإداري يمكن أن يشمل تغييرات شاملة في المجالات مثل: الهياكل التنظيمية واللامركزية، وإدارة شؤون الموظّفين والتمويل العام، والإدارة القائمة على النتائج والإصلاحات التنظيمية، وكما يمكن أن يكون جزئيا مثل مراجعة قانون الخدمة المدنية.(1)

هذا التباين في التعريف انعكس أيضا على التباين في المداخل، حيث نجد أنّ هناك العديد من الأطر أو النماذج التي أعدّها الباحثون في تصنيف مداخل الإصلاح الإداري نذكر منها:

- المداخل التقليدية والمداخل الحديثة: ويُقصد بالمداخل التقليدية ما درجت الدول على استخدامها دون أن يصاحبها أثر فعّال في تطوير الإدارة، وهي ليست بالضرورة مداخل بديلة يجري الاختيار من بينها مثل: مدة صلاحية الخدمة الحكومية، التبسيط، فكّ القيود، اللامركزية، والتحديث.

ويُقصد بالمداخل الجذرية (الحديثة) ما يترتّب على تبنيها تغييرات جذرية في النظام الإداري وهي أيضا مكمّلة لبعضها البعض ولا تمثّل حلولا بديلة، ومن أمثلتها: تقليص حجم العمالة الحكومية، إعادة الهندسة، إعادة الهيكلة، الإدارة الحكومية بأسلوب قطاع الأعمال، خصخصة الوحدات الحكومية. (2)

-  الإصلاح الإداري وفقا لمجالاته: حدّدت سيجما وبالتعاون مع المفوضية الأوروبية المجالات الأساسية في عملية الإصلاح الإداري، وتتمثّل في: الإطار الاستراتيجي لإصلاح الإدارة العامة، تطوير وتنسيق السياسات، الخدمة العامّة وإدارة الموارد البشرية، المساءلة، تقديم الخدمات، الإدارة المالية.(3)

- الإصلاح الإداري وفقا لنطاقه:(4)

المدخل الجزئي: يتمثّل في جهود الإصلاح الإداري التي تنصبّ على بعض عناصر النظام الإداري، ومن أساليب هذا المدخل: تبسيط إجراءات العمل، أو تعديل الهياكل التنظيمية والوظيفية، أو تدريب القيادات الإدارية.

المدخل الشامل: يُمثّل هذا المدخل جهود الإصلاح الإداري التي تتناول مختلف العناصر والعمليات والأنظمة والممارسات الإدارية، في كلّ قطاعات الجهاز الحكومي ومتطلباته أو في أغلبها، ويتمّ عادة من قبل لجان مركزية أو هيئات لا مركزية متوزعة على الوزارات والقطاعات المختلفة، وتوضع له خطة شاملة ويحدّد له نطاق زمني للتنفيذ.

2-مفهوم الإدارة العامّة الجديدة: تعرف الإدارة العامة بأنّها:" الآلية الكليّة التي تشمل السياسات والقواعد والإجراءات والنظم والهياكل التنظيمية والموظفين وما إلى ذلك، الممولة من ميزانية الدولة و المسؤولة عن إدارة وتوجيه شؤون الحكومة التنفيذية، وتفاعلها مع أصحاب المصلحة الآخرين في الدولة والمجتمع والبيئة الخارجية".(5)

ونتيجة لفشل النموذج التقليدي للإدارة العامة لمواكبة التحديات الجديدة طُرحت العديد من التساؤلات من قبل جماعات الأكاديميين والبيروقراطيين، حول: ما الذي من شأنه أن يجعل الحكومة أكثر كفاءة وفعالية؟ فلقد تميّزت فترة الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي بالعديد من الدراسات الأكاديمية التي تناولت تعزيز قدرات الحكومة من خلال سياسة المبادرات، وفي هذا الشأن برز تياران رئيسيان: الأوّل تزعّمه الاقتصاديون ويُعرف بالاقتصاد المؤسساتي الجديد New institutional Economics، والثاني قوامه المعرفة الإدارية/ التسييرية ممثّلة في التسييرية Managerialism، حيث قام الاقتصاديون بإدخال المنطق الاقتصادي في عمليات الحكومة، في حين أدخل المسيّرون تقنيات الخبرة المهنية التسييرية للقطاع الخاص في القطاع العام. فظهرت العديد من مذاهب الإصلاح على أساس هذين الاتجاهين. (6)   

ويُعرّف المعجم السويسري للسياسة الاجتماعية الإدارة العامة الجديدة بأنّها: نموذج لإدارة الإدارة العامّة القائمة على رفض نموذج الإدارة البيروقراطية في التسيير. كما يشير Gow /Dufour ، كما أنّ الإدارة العامّة الجديدة لا تقود الإدارة العامة للتخلي عن أنشطتها، إنّما تعزّزها من خلال إضفاء الطابع المهني على مديري الإدارة العامّة، ومنحهم المزيد من الحرية مقابل زيادة المساءلة، والاستعانة بتقنيات القطاع الخاص في تسيير القطاع العام من أجل تحقيق النتائج المتوقّعة، بالإضافة إلى الاعتماد على الإدارة القائمة على النتائج، والتنافس بين الوحدات الإدارية و تقديم الحوافز الفردية للأداء. وتركّز الإدارة العامّة الجديدة على الكفاءة، ومراقبة التكاليف، وجودة الخدمات المقدّمة للعملاء، والمرونة التنظيمية.(7)

كما تمّ تعريفها على أنّها:" تصوّر جديد يقوم على محاكاة قواعد تسيير المنظمات الاقتصادية الخاصّة، وآليات السوق في إدارة المنظمات العامّة من أجل عصرنتها، والرفع من مستوى أدائها، مع الأخذ بعين الاعتبار التأثير الذي تمارسه البيئة على هذه المنظمات".(8)

وعرّفها Nazmul Ahsan بأنّها:" تطبيق تسييري جديد في الإدارة العامة وفق ذهنية القطاع الخاص".(9)

فهناك من يرى بأنها:" تحويل التركيز من الإدارة البيروقراطية الفيبرية إلى أسلوب جديد يقوم على المرونة وخدمة العملاء، وتحسين جودة الخدمة لتصبح أكثر كفاءة واستجابة باستخدام نهج السوق".(10)

من خلال ما سبق نرى أنّ الإدارة العامة الجديدة هي أسلوب يهدف إلى تقليص حجم الحكومة وفرض نظام أسلوب السوق على عملها.(11)  وتتميّز بما يلي:(12)

- فصل اتّخاذ القرار الاستراتيجي المخول للسلطة السياسية عن التسيير العملياتي المخول للإدارة؛

- وتوجيه الأنشطة الإدارية، وتخصيص الموارد وفقا للمنتجات والخدمات التي يتعيّن تسليمها، وليس وفقا للقواعد أو الإجراءات؛

- وإضفاء الطابع اللامركزي على الوكالات وإنشائها كأداة تنظيمية؛

- والتخلي عن القانون الأساسي للموظّف واعتماد الخبرة في مكافأة الأعوان حسب الجدارة؛

- وإدخال آليات السوق في مجال توريد السلع والخدمات ذات المصلحة العامة؛

- والاعتماد على الشفافية فيما يتعلّق بنوعية الخدمات وتكلفتها؛

- والبحث عن الكفاءة في استخدام الأموال العامة؛

- ومشاركة المستخدمين في تحديد وتقييم الخدمات العامة.

وتقوم الإدارة العامة الجديدة على ثلاثة عناصر أساسية، هي :(13)

- تغيير في آلية الحكومة: من خلال التغيير في البناء الهيكلي للحكومة، ويتمّ ذلك عبر إعادة الهيكلة للأقسام والإدارات، واعتماد مبدأ اللامركزية في السلطة والمسؤولية من خلال إعطاء الصلاحيات للمستويات الإدارية الدنيا.

- التغيير في أسلوب الإدارة: ويكون ذلك من خلال تطبيق آليات القطاع الخاص في القطاع العام، والتركيز على الكفاءة والفاعلية.

- تقليص دور الدولة: ويكون عن طريق الخصخصة وتخفيض الميزانية، وتقديم تسهيلات الحكومية للقطاع الاقتصادي.

من خلال ما سبق نرى أنّ المناجريالية Managerialists تؤكّد على الانتقال من النموذج البيروقراطي (التسلسل الهرمي والرقابة) إلى نموذج ما بعد البيروقراطي، فالنموذج التقليدي للتنظيم وتقديم الخدمات يقوم على مبادئ التسلسل الهرمي البيروقراطي، التخطيط، المركزية، الرقابة المباشرة، والاعتماد على القدرة الذاتية دون إشراك الفواعل الآخرين، هذه الخصائص للنظام البيروقراطي التقليدي سيتمّ استبدالها بآليات السوق أو ثقافة المقاولة/ المؤسسة كأساس لإدارة الخدمة(14). ويوضّح الجدول التالي (رقم01) أهمّ نقاط المقارنة بين نموذجي الإدارة التقليدية الفيبرية/ والإدارة العامّة الجديدة.


الجدول رقم (01): نقاط المقارنة بين نموذجي الإدارة التقليدية الفيبرية/ والإدارة العامة الجديدة

 

الإدارة الفيبرية

الإدارة العامة الجديدة

الأهداف

احترام القواعد والإجراءات

تحقيق النتائج، وإرضاء العميل

التنظيم

المركزية (هرمية وظيفية، بنية هرمية)

اللامركزية (تفويض الصلاحيات، بنية شبكية، الحوكمة)

تقسيم المسؤولية بين الإداريين والسياسيين

الغموض

الوضوح

تنفيذ المهام

تقسيم، تجزئي، التخصص

استقلالية

التوظيف

مسابقات

التعاقد

الترقية

عن طريق الاقدمية

الترقية على أساس الجدارة، وعلى أساس المسؤولية، وعلى أساس الأداء.

مراقبة

مؤشرات المتابعة

مؤشرات الأداء

نموذج الميزانية

تركز على الوسائل

تركز على الأهداف

- Anne Amar et Ludovic Berthier, "Le nouveau management public : avantages et limites" document de recherche présenté dans XVI international RESER conférence Services Governance and Public Policies.Lisbon, September 28-30, 2006, p03.


3- عوامل نشأة الإدارة العامة الجديدة: ارتبط مفهوم الإدارة العامة الجديدة بمشاريع إصلاح الإدارة في بعض الدول الانجلوسكسونية (مارغريت تاتشر في بريطانيا، وما تلا ذلك من انتخاب رونالد ريغان في الولايات المتحدة الامريكية 1980، وبرايا ميلي روني في كندا 1984 )، ويعود مصطلح الإدارة العامة الجديدة إلى الباحث كريستوف هود سنة 1990، ليتمّ تعميم التسمية السابقة الذكر على جلّ المشاريع في الدول الغربية، ودول أسيا وأمريكا اللاتينية أين أصبحت الإدارة العامة الجديدة هي المرجعية لكلّ الحكومات المركزية والهيئات المحلية فيما يتعلّق بإدخال أي تغيرات على مرافق الدولة أو إصلاحها. أما عن أسباب ظهور إصلاحات الإدارة العامة الجديدة، فيمكن إرجاعها إلى الأتي:

-  تراجع دور الدولة: لقد كان دور الدولة لعقود كثيرة يقوم على تأمين خدمات الأمن والدفاع الخارجي والقضاء وهو ما يعرف بالدولة الحارسة، وأوّل استعمال لهذا المصطلح يعود إلى Emile Olivier سنة 1870 وابتداء من منتصف القرن 19 تزايد تدخل الدولة في المجالات الاقتصادية والاجتماعية، تعود بوادر هذا التحوّل إلى أزمة سنوات الثلاثينيات التي أعطت دفعا جديدا لتدخّل الدولة في الحياة الاقتصادية.

وفي منتصف السبعينيات عرفت الكثير من الدول المتقدّمة أزمة حادّة في اقتصادياتها تعود بوادرها إلى نهاية الستينيات، ورغم كلّ محاولات الإصلاح، إلا أنّ السياسة المطبّقة لم تعط النتائج المرتقبة، وقد مثّلت أعراض هذه الأزمة والتخمينات الفكرية الليبرالية لدى العديد من الباحثين عوامل أساسية في تجديد الفكر الليبرالي في تلك الفترة، حيث كان هذا الفكر يقوم على اعتبار أنّ تعاظم دور الدولة وما لذلك من أثار على مختلف الأنشطة، هو السبب في استمرار واستفحال أزمة الاقتصاديات الغربية. وعليه كانت أولى الإصلاحات تهدف إلى تقليص دور الدولة الاقتصادي والاجتماعي لإعطاء المبادرات الخاصّة أكثر مساحة للنشاط، وكان لآلية السوق والمنافسة دور متزايد في ضبط الاقتصاديات، وهو ما أدّى إلى مراجعة أشكال تدخّل الدولة بما في ذلك طرق تسيير حتى المرافق ذات الطابع الإداري، وبناء عليه ظهرت عدّة نظريات أخذت على عاتقها البرهان على أنّ آلية السوق هي الأفضل فيما يتعلّق بإعادة توزيع الدخل، وتحقيق الاستقرار في المؤشّرات الاقتصادية، والكفاءة والفعالية في تقديم الخدمات.(15)

كما وجدت العديد من الدول مع نهاية الحرب الباردة نفسها وسط نقاشات واسعة الانتشار حول دور الحكومة وعلاقاتها بالمواطنين، فالدول النامية وجدت نفسها تحت ضغط مماثل تماما يرافقه دعوات قومية لتحديث مجتمعاتها تحديثا سريعا. وكان على الدول المتقدّمة أن تعالج انخفاض ثقة المواطنين بالمؤسسات العامة. وقام المرشحون بإثارة حملات ناجحة حول مواضيع تقليص الحكومة وتخفيض قواها العاملة، وكان من النادر تبني المواطنين لفكرة حكومة صغيرة لا سيما من حيث الخدمات التي يتلقونها. ومع ذلك، انتشرت القوة السياسية لحكومة مقلّصة نوعا ما حول العالم. واجتمعت هذه القوى لتشكّل ضغطا سياسيا قويّا باتّجاه الإصلاح. (16)

- تأثير النظريات الحديثة: لقد أدّى فشل الدولة في ظهور نظريات اقتصادية تعالج كيفيات ترشيد إنفاق الدولة على مختلف مهامها من خلال تطبيق العديد من الطرق: كتحليل التكلفة والمنفعة، وترشيد اختيارات الميزانية، ونظرية الوكالة.

إلا أنّ هذه الطرق أصبحت غير كافية مع تطور الممارسة وتنوّع أدوار الدولة، لهذا توسّع الاهتمام منذ منتصف السبعينيات إلى إسقاط ميكانيزمات السوق على مجالات النشاط العمومي، والممارسة التسييرية انطلاقا من فعاليتها في المنظمات الاقتصادية، فظهرت مساهمات ونظريات متعلّقة بدور الدولة في الحياة الاقتصادية: كنظرية الاختيارات العامة، نظريات علاقات المعاملة، ونظريات نفقات الاتفاق، وفكرة تقليص الضبط الاقتصادي، وقد  أدّت النظريات والأفكار المستحدثة إلى إضفاء تغييرات على أساليب تسيير المنظمات العمومية، حيث مثّلت هذه التغييرات الأسس الأولى التي بني عليها ما يعرف بالإدارة العامة الجديدة.(17)

- العوامل الدولية: مع بداية تسعينيات القرن الماضي انتشر مفهوم العولمة والذي يشير في جوهره إلى ظاهرة مركّبة لها أبعادها الاقتصادية والسياسية والاتصالية، فعلى المستوى الاقتصادي مثلا شاع الحديث عن الاقتصاد العالمي، والذي أصبح أمرا واقعا مع ظهور منظمة التجارة العالمية WTO، وانتشار شركات متعدّدة الجنسيات، وبزوغ التكتّلات الاقتصادية الدولية(18)، كما وجّه البنك الدولي ومنظمة التعاون الاقتصادي عملية الإصلاح الإداري وساندته، وفي أحيان أخرى لجأت إلى المشروطية للضغط على الدول المقترضة لإعادة هيكلة حكوماتها وأجهزتها الإدارية من أجل مسايرة العولمة.

- عوامل فنية: وتشمل التطور التكنولوجي وما طرحه من وسائل جديدة لتوفير الخدمات والحصول على المعلومات، بالإضافة إلى تأثير مراكز الأبحاث التي طرحت اتجاها جديدا بخصوص ما الذي يجب ولا يجب على الحكومة أن تقوم به، وزيادة انتشار الإيديولوجيات التي تدعو إلى الحكم الراشد والى تقليص حجم الجهاز الإداري. وكذلك إدراك الشعوب أنّ النظام البيروقراطي القائم لم يعد ملائما، ولم يعد يلبي احتياجاتها وطلباتها كما يجب، كما أنّ الإصلاح الاقتصادي الهيكلي لا يكفي بمفرده. (19) 

- أزمة التسيير العمومي: تعدّد الآراء بخصوص انتقاد أساليب التسيير العمومي، حيث يرى كيرون وولشن أنّ أهمّ اتهام موجّه للقطاع العام هو التبذير في استخدام الموارد، بسبب عدم وجود حافز لدى الموظفين الحكوميين لمراقبة التكاليف، ويرى نيسكانن أنّ البيروقراطيين سوف يميلون إلى التوسّع في تقديم الخدمة العامة، فينتجون ضعفي الحدّ الأقصى من الإنتاج الذي يتطلبه المجتمع ممّا يرفع الميزانية إلى أعلى درجة لها. يضاف إلى ذلك نقص الحوافز فالأجر لا يرتبط بالإنتاج، وعدم القدرة على مراقبة الأداء بصورة فعّالة، بل وعدم وجود مجموعة مقبولة من مؤشّرات الأداء. ممّا يؤدّي إلى انتشار الفساد الإداري. (20)

وبسبب عدم وجود مواجهة منافسة، لا تعمل الحكومة على تطوير تقنيات تقديم الخدمة ما ينتج عنه رداءة الخدمة العمومية، وغياب الجودة والتميز في التسيير.

ثانيا: نماذج عن تطبيق الإدارة العامة الجديدة: تقع الجهود العالمية للإصلاح الإداري في نموذجين عريضين تقريبا: إصلاحات ويستمنستر، التي اتخذت شكلها بانطلاقة جهود حكومات نيوزيلندة والمملكة المتحدة، والنموذج الأمريكي في إعادة اختراع الحكومة.

1-نموذج الإصلاحات الإدارية في نيوزيلندا (نموذج ويستمنستر): نبعت دفعة الإصلاح الاقتصادي منذ عقدين من الهبوط النسبي للأداء الاقتصادي. ففي عام 1965 كان نصيب الفرد من إجمالي الناتج المحلي في نيوزيلندا (على أساس تعادل القوة الشرائية) سادس أعلى دخل بين البلدان الصناعية، ولكن هذا الترتيب انزلق في مطلع الثمانينيات إلى السابع عشر من بين 22 بلدا صناعيا. وقد عكس هذا الهبوط انخفاض معدلات التبادل التجاري، وحواجز أخرى على صادراتها الزراعية، وقد أضافت السياسات المالية والنقدية إلى مشاكل البلد الاقتصادية، وفي أوائل الثمانينيات واجه اقتصاد نيوزيلندا معدّل تضخّم مرتفع ومتغيّر، ودين عامّ متزايد، وبطالة متزايدة، وضغوطا خارجية متصاعدة، وفقدان الثّقة الدولية في الاقتصاد، وهو ما أدّى في عام 1984 إلى حدوث أزمة في النقد الأجنبي. (21)

وإزاء هذه الخلفية، كلّفت هذه الأزمة الاقتصادية الحزب القومي الأغلبية في مجلس النواب، وجاءت بحزب العمال إلى السلطة لأول مرة منذ تسع سنوات. (22) الذي قام بمجموعة من الإصلاحات تمثلت فيما يلي:

- الخصخصة والتنظيمات: لقد خوصصت حكومة نيوزيلندية عددا من الشركات التي تملكها الدولة وعددا من الخدمات التي تديرها الحكومة (بما فيها شركات الهاتف والنفط والتأمين والبريد والطيران). وبالإجمال باعت الحكومة أكثر من عشرين شركة تملكها الدولة. لكن الخصخصة لم تكن هامة بقدر الجهود الكبيرة لزيادة إنتاجية الشركات التي تملكها الدولة. واعتبرت الحكومة هذه الشركات كيانات للحكومة فيها مصلحة المالك. وكان دورها تأمين أكبر عائد لدافعي الضرائب. وكان قانون الشركات الذي تملكه الدولة 1986 أول وأهمّ جزء في الإصلاح القانوني(23)، تلاه بعد ذلك قانون قطاع الدولة لعام 1988، وقانون المالية العامة لعام 1989.(24)

- التعاقد على أساس الأداء: ثبت قانون قطاع الدولة 1988 وقانون الأموال العامة لسنة 1989 الإصلاحات في قلب الإدارات الحكومية. ويمكن تلخيص أهمّ الإصلاحات التي جاء بها هذا القانون فيما يلي:(25)

- إلغاء نظام السلك الوظيفي واستبداله بنظام التعاقد، وعليه يكون قد ألغى مبدأ الأمان أو الاستقرار الوظيفي الذي أقرّه قانون القطاع العمومي الصادر في 1962؛

- منح هذا القانون للجنة الخدمات العمومية صلاحية إدارة هذا القانون؛

- يعين على رأس كلّ دائرة من دوائر الخدمة العمومية وزير كرئيس سياسي لها وموظف إداري يعمل كرئيس إداري لها، يطلق عليها رئيس تنفيذي، ويعين من قبل لجنة الخدمات العمومية ولمدّة محدّدة؛

- إعطاء الرؤساء التنفيذين صلاحية توظيف الموظفين على مستوى الدوائر التي يشرفون على إدارتها من خلال نفس قواعد التوظيف المطبقة في القطاع الخاص؛

- العمل على تبسيط وعقلنة عملية تصنيف العمال في الوظيفة العمومية، حيث كان النظام القديم يعتمد على الترقية في تصنيف العمال مما جعله نظاما معقدا، أما قانون 1988 فأعطى الحرية لرؤساء الدوائر العمومية في اختيار نظام التصنيف الذي يرونه مناسبا، ونتيجة لذلك قام وزير التجارة والأعمال الخارجية بتخفيض عدد القوانين الأساسية الخاصة المطبقة في دائرته من 16/02، كما قام وزير الفلاحة والصيد في 1993 بتبني 04 قوانين أساسية خاصة ومختلفة لتطبيقها على موظفي إدارته؛

- إلغاء منطق الوسائل أين كانت الجدارة تقاس بالأقدمية واستبداله بمنطق النتائج، أين أصبح الأداء والتسيير الجيدين هما المعياران اللذان يعبران عن الجدارة والاستحقاق، وبذلك أصبحت مسألة التقييم الأداء ترتكز على النتائج المحققة سواء على المستوى الفردي أو الجماعي. 

- التخطيط الاستراتيجي: منذ سنة 1992 تنتج الحكومة النيوزيلندية ميزانيات بالاستحقاق، إضافة إلى ذلك أقرّ قانون المسؤولية المالية لسنة 1994 أن تحدّد الحكومة أهدافها المالية، وأن تقدّم تقريرا عن جودة إنجازها.

وبعد ذلك خولّت الحكومة خلق مناطق النتيجة الاستراتيجية SRAS ومناطق النتيجة الرئيسية KRAS. وكان يطلب من موظفي الحكومة أن ينتقلوا من أهداف السياسة العريضة إلى الإستراتيجية المحدّدة التي تتابعها الوكالات وتقرر هذه الاستراتيجيات مناطق النتيجة الاستراتيجية SRASالتي تركّز عليها الوكالات خلال 3-5 سنوات المقبلة.عرفت الحكومة هذه المناطق SRAS التي أصبحت ملزمة لدوائر الدولة. ثمّ صاغت هذه المناطق SRAS قرارات الميزانية، بينما احتجت المخرجات المحدّدة من الرؤساء التنفيذين (مناطق النتيجة الرئيسية KRAS) في عقودهم. ولم تشكّل مناطق SRAS وKRAS الميزانية ونظام المحاسبة فقط، لكنّها حدّدت أيضا المسؤولية الأساسية في حكومة نيوزيلندا: من فعل ماذا، وكيف تتلاءم القطاعات المختلفة مع بعضها البعض في سياسة الحكومة. ومن أبرز نتائج هذه التجربة في الإصلاح الإداري ما يلي:(26)

   أ – ظهرت أهمية تعزيز قياس الأداء لتحسين الإنتاجية، لذلك تبنّت سياسة المحاسبة على أساس النتائج المتحقّقة من تلك المتفق عليها في اتفاقية الأداء. واتفاقية الأداء يتـمّ بمقتضاهـا تحديد النتائج التي ترغب الدولة تحقيقها من كلّ جهاز. وفي ضوء ما يتحقّق من نتائج تتمّ المساءلة الإدارية. على أنه يترك لرئيس كلّ جهاز رسم الاستراتيجيات التي سيتبعها في تحقيق النتائج المطلوبة منه.

   ب – ترتب على أسلوب المحاسبة والمساءلة طبقاً للنتائج، وضرورة التخلّص من الرقابة المركزية التفصيلية على النفقات التشغيلية، والتخلّص من وجود سقف للموظفين في الجهاز، ومنح المسئولين صلاحيات كافية لاستثمار مواردهم في الميزانية بشرط ألا يتمّ تجاوز سقف الميزانية المحدّد للجهاز.

   ج – تبيّن أنّ تغيير ثقافة الجهاز للتركيز على تحقيق النتائج ليس بالأمر الهيّن ويحتاج وقتا ليس بالقصير. كما أنّه يتطلّب تعزيز قدرة رؤساء الأجهزة في أداء مهام الجهاز وواجباته.  كما تبيّن ضرورة بناء نظام معلوماتي، وتوفير تدريب لجميع فئات العاملين، واستخدام تقارير عن المعلومات، وقياس الأداء، وتطبيق جوانب إصلاحية أخرى.

   د – تبيّن أنّ التوجّه نحو التركيز على النتائج يتطلّب وجود جهة مركزية تعطي التوجيهات للأجهزة التنفيذية لكي تساعدها على التطبيق، وعلى تقييم جوانب التطبيق لتحديد الصعوبات التي تواجه التطبيق والمنافع الناجمة عن الإصلاح من وجهة نظر مسئولي الأجهزة التنفيذية التي تطبّق الإصلاح الإداري.

   هـ – نتج عن الإصلاح منح المديرين التنفيذيين مرونة كافية في استغلال الموارد المتاحة لهم في الميزانية لتحقيق النتائج. وبتسهيل إجراءات شئون الموظفين، وتحويل الكثير من الصلاحيات ذات العلاقة بالتوظيف من الإدارات المركزية للتوظيف إلى الإدارات التنفيذية مثل: إجراءات الترقية، تصنيف الوظائف، وتحديد الرواتب.  كما تمّ مطالبة هذه الأجهزة باتباع الأساليب الحديثة في الإدارة لتعزيز جودة الإنتاجية. وانعكست هذه المرونة بشكل إيجابي على إيجاد حوافز لدى الجهاز لترشيد الإنفاق والاستغلال الأمثل للمصادر المتاحة له.

   ز – أظهرت التجربة في نيوزيلندا أهمية التعامل الجيد مع مقاييس الأداء بغرض التأكّد من أنّها: تنطلق من أهداف البرنامج، تعكس قـدرة المسئولين في التأثير المباشـر على النتائج المستهـدفة وأثرها على المستفيد، تعطي دورا لمديري البرامج والمسئولين عـن تحقيـق النتائـج فـي تصميـم مقاييـس الأداء لبرامجهم، تشمل النوعية والكمية والكفاءة والفاعلية، وتتيح جمع المعلومات حول مدى تحقيق الجهاز للأهداف العامة والتفصيلية على السواء.

2-نموذج الإصلاحات الإدارية في الولايات المتحدة الأمريكية (نموذج إعادة اختراع الحكومة): يعتبر كتاب أوسبورن وجبيلر من أهمّ ما يمثّل الإدارة العامة الجديدة وكيفية ترجمتها لإحداث إصلاح إداري حكومي شامل. لمواجهة الانخفاض الملحوظ في الإيرادات الحكومية في الولايات المتحدة أثناء هذه الفترة، وأنّ الحركة تُعدّ نتاج التقاء تيارين مختلفين هما: تيار الولع بالإدارة وتيار الإصلاح التقدّمي، ويقترح الكاتبان أوسبورن وجيبلر عشرة مبادئ أساسية لتحويل مسار الجهاز الإداري:(27)

- حكومة محفزة: التوجيه بدلا من التجديف؛

- حكومة يملكها المجتمع: التمكين بدلا من الخدمة؛

- حكومة تنافسية: إدخال التنافس في إيصال الخدمات؛

-حكومة توجّهها مهمتها: تحويل المنظمات التي توجّهها القواعد؛

-حكومة توجّهها النتائج: تمويل المخرجات، لا المدخلات؛

-حكومة يوجّهها الزبائن: تلبية حاجات الزبون، لا الجهاز المكتبي؛

-حكومة ريادية مغامرة: الكسب بدلا من الإنفاق؛

-حكومة التوقّعات: الوقاية بدلا من العلاج؛

-حكومة لامركزية: من التسلسل الهرمي إلى المشاركة والعمل الجماعي؛

-حكومة يوجّهها السوق: تعزيز التغيير عبر السوق.     

وقد كلّف الرئيس الامريكي كلينتون بعد فوزه في الانتخابات الرئاسية سنة 1992 نائبه ال غور بتبني فكرة إعادة اختراع الحكومة من خلال برنامج مراجعة الاداء الحكومي NPR، تحت شعار:" خلق حكومة تعمل بصورة أفضل وتكلفة أقل". ومن أهم المبادئ الخاصة بهذا البرنامج كالتالي:(28)

- القضاء على الروتين؛

- إعطاء الأولوية للعملاء؛

- تمكين الموظفين من تحقيق النتائج؛

- الترشيد وإنتاج حكومة أفضل بتكلفة أقلّ.

وتمّ تنفيذ هذه المبادئ من خلال: خلق إحساس واضح برسالة العمل، والإمساك أكثر بالدفة وتجذيف أقل وتفويض السلطات والمسؤوليات، واستبدال القواعد المنظمة بالحوافز، وإعداد موازنات، وتقييم على أساس النتائج، وتعريض العمليات الحكومية للمنافسة، والبحث عن حلول مستمدة من السوق، وقياس الأداء من خلال إرضاء العملاء.         

وكانت أهمّ نتائج الإصلاحات الإدارية من منظور إعادة اختراع الحكومة كالتالي:

-  تقليص الحجم: تشير الادبيات الى أنّ عملية تقليص الحجم في الولايات المتحدة الامريكية مرّت بمرحلتين مختلفتين شهدهما الجهاز الإداري. أولاهما، منذ أوائل حتى منتصف الثمانينيات وثانيهما، منذ 1993 حتى 1999. ففي عام 1993، قامت حكومة الولايات المتحدة بالاضطلاع ببرنامج طموح لتقليص حجم القوى العاملة الفيدرالية بنحو 12.5% خلال ستّ سنوات، ونجحت الحكومة في تحقيق هذا الهدف قبل انتهاء الفترة المحددة. وفي عام 1994، أقرّ الكونجرس الامريكي تشريعا خاصا بحتمية تقليص العمالة الفيدرالية بنحو 272.900 عامل. وفي عام 1998، تم بلوغ هذا الهدف وحتى الزيادة عنه، ففي الفترة من يناير 1993 حتى يناير 1998، كان صافي تقليص العمالة الفيدرالية يبلغ 355500


موظف (16.2% من إجمالي القوة العاملة)، ووقعت نحو ثلثي التخفيضات (64%) في صفوف المدنيين العاملين بوزارة الدفاع، بالإضافة إلى هيئات أخرى، وكان مكتب إدارة الشؤون العاملين من أكثر الهيئات تأثرا بالتخفيضات (نسبة التقليص 51.3%)، ثم إدارة الخدمات العامة، بنسبة التقليص تقدر بـ(20.3%). وكان المستهدف في بداية مرحلة التسعينيات هو إجراء تقليص العمالة بنسب متفاوتة في الهيئات المدنية بحجة وجود فائض في الحكومة الفيدرالية، حيث يمكن التخلص منه دون اضطراب البرامج المقدمة أو الخدمات، ولكن مع الوقت، لم ينفذ البرنامج بنسب متساوية وإنما تفاوتت النسب، فمثلا مكتب إدارة شؤون العاملين فقد أكثر من نصف موظفيه، بينما وزارة العمل شهدت تزايدا في أعداد الموظفين بها. بالإضافة إلى التخفيضات في أعداد العاملين، كما نادى تقرير الأداء القومي بضرورة الحدّ من عدد الدرجات الإدارية، وبإجراء مزيد من التقليص لترشيد استخدام الموارد وخفض النفقات بصورة عامة.(29)

- إنجاز الإصلاح وخدمة الزبون: سنّ الكونغرس في سنة 1994 قانون تنظيم المكتسبات الاتحادية، بسط هذا القانون الإجراءات لاتخاذ تعليمات للإنجاز وأعطى المديرين مرونة أكثر لشراء السلع المتوفرة، كما فوّضت الإدارة جميع الوكالات الاتحادية لتقوم بتطوير خطط لخدمة الزبون، ممّا أدّى إلى تحوّل كبير في طريقة تفكير الكثيرين من العاملين الحكوميين الاتحاديين حول الأعمال التي قاموا بها وبالطريقة التي أدّوا بها هذه الأعمال. (30)

كما حقّقت حركة خدمة الزبون نتائج إيجابية لاسيما في إدارة الضمان الاجتماعي وفي إدارة الجمارك، وساعد تغيير الإنجاز في جعل الحكومة الاتحادية شريكا أفضل في عقودها الخاصة، وتقلّصت مكاسب القوى العاملة بمقدار الثلث، وادّعى آمر تموين القوى الجوية أنّ تخفيضا في عدد صفحات تعليمات المشتريات بلغ 64%، وأعلنت مراجعة الأداء القومي NPR وفرا قدره 12.3 بليون دولار في السنوات الأربع الأولى من الجهود.

خاتمة: من خلال هذه الورقة البحثية حاولنا تسليط الضوء على أهمّ الاتجاهات الجديدة في الإصلاح الإداري والمتمثل في الإدارة العامة الجديدة، هذا الاتجاه الذي ما زال يتصف بحداثته، كما أنه لا يمثل بناء نظريا أو عمليا متفق عليه. إلا أنّ حركة إصلاح الإدارة العامة كانت عالمية بمعنيين. الأول، لقد انتشرت في جميع أنحاء العالم. والثاني، لقد كانت كاسحة في مجالها فاستخدمت الحكومات إصلاح الإدارة لإعادة تشكيل دور الدولة وعلاقاتها بالمواطنين. ومن أهم النتائج المتوصل إليها، هي:

- تأثّر حركات الإصلاح الإداري بالتطور في النظريات الاقتصادية والسياسية الرائجة في أنحاء العالم، من خلال تأثيرات العولمة، ومن خلال الآليات المختلفة التي تسير وتساعد على انتشار وترويج وخلق فكر عالمي يحكم تطور الأنساق المعرفية في كلّ زمن من الأزمنة، ومن ذلك التطور في وسائل الاتصال والمعلومات.

- تُعدّ الإدارة العامّة الجديدة من أبرز الإصلاحات الإدارية في الدول الغربية في السنوات الأخيرة، حيث تعدّدت فيه المساهمات والنماذج المقترحة والمطبقة. وبات من غير الممكن تجاهل تجارب الإصلاح المطبقة في العديد من الدول، حتى وإن كانت هذه التجارب غير قابلة للإسقاط على دول أخرى، إلا أنّ هناك توجها عاما في تفعيل أساليب هذا التسيير من أجل فعالية أكثر في تقديم الخدمة العمومية وترشيد استخدام الموارد.

وعلى الرغم من الاتفاق الواسع حول أهمّ ملامح التغيير وحركات الإصلاح الإداري التي تمّ تنفيذها خلال السنوات الماضية، إلّا أنّنا نجد اتجاهات معارضة كثيرة، لا تدعو للعودة للوراء مرّة أخرى، أو الالتزام بالنموذج البيروقراطي والإدارة العامة التقليدية، وإنّما تنبّه وتحذر من بعض مثالب الاتجاهات المعاصرة المتمثّلة في الإدارة العامّة الجديدة بجميع مسمياتها، ومن أهمّ هذه الانتقادات:(31)

- أنّ من أخطر عيوب الإدارة العامّة الجديدة عدم التفرقة بين القطاع الحكومي والخاص، وتجاهل حقيقة أنّ الجهاز الإداري الحكومي مبنى على سيادة القانون وليس على آليات السوق، فالاختلافات بين الحقلين ليست بسيطة، وإنّما هي اختلافات جذرية. فمسئولية الموظّفين العموميين هي أن يعملوا على تنفيذ القوانين، والمرؤوسون مسئولون أمام رؤسائهم عن تنفيذ هذه القوانين، وليس أمام العملاء كما هو الحال في الإدارة العامة الجديدة، والقانون والدستور هما أساس الإدارة العامة وأساس تحديد غاية الجهاز الإداري ككلّ.

-  الإدارة العامة الجديدة أتت ليس فقط بآليات القطاع الخاص، ولكن أيضا بقيمه، وهذه القيم مثل: المنافسة والروح الاستثمارية والمغامرة والمصلحة الذاتية، لا تلائم العمل في الإدارة العامة، ولها تأثير سلبي على قيم الخدمة المدنية. فعلى سبيل المثال، فكرة أنّ المدير في الإدارة العامة يتصرّف كما لو كانت الموارد المالية المسئول عنها ملك له، تتعارض مع فكرة المساءلة والاستجابة في الإدارة العامة الديمقراطية. وهناك أهمية لتقديم الصالح العام والأهداف الاجتماعية والسياسية على أي مصلحة أخرى، والترويج لقيم العدالة والمساواة والمساءلة، والتي في جوهرها الدور الأساسي للجهاز الإداري في أي دولة ديمقراطية.

- إنّ نموذج الإدارة العامة الجديدة لا يصلح لكلّ الدول، وخاصة الدول النامية، ففي قول مأثور لجيبلر: " لابدّ من اختراع الحكومة قبل إعادة اختراعها". فيرى كل من هيرديا وشنيدر واللذان تحدّثا عن نماذج الإصلاح الثلاثة: الخدمة المدنية والمساءلة والنموذج الإداري، أنّ الإصلاح الإداري في أي دولة يجب أن يأخذ من النماذج الثلاثة، ولا يركّز على نموذج واحد فقط، وهما في ذلك يتفقان مع البنك الدولي الذي يدعو إلى ثلاثة ميكانيزمات أو آليات لتدعيم أداء الدولة وهي: الأحكام والضوابط، وضغوط المنافسة، والصوت والشراكة، فالبنك الدولي يرى بضرورة السعي في الاتجاهات الثلاثة في ذات الوقت.    

- إنّ الإطار الاقتصادي للإصلاح الإداري يصلح فقط للتطبيق على الأعمال الحكومية التي لها طبيعة تماثل قطاع الأعمال، كعمليات التشييد والبناء، ولكنه لا يلائم الأنشطة الأخرى: كالتعليم والصحة والرعاية الاجتماعية والسلع العامة.


الهوامش

1. UNDP, Public Administration reform, P2. https://www.undp.org/content/dam/aplaws/publication/en/publications/democratic-governance/dg-publications-for-website/public-administration-reform-practice-note-/PARPN_English.pdf.

2.                        عالية عبد الحميد عارف، نظرة نقدية لبرامج الإصلاح الإداري في مصر خلال حقبة التسعينيات، ورقة بحثية قدمت إلى المؤتمر الدولي الموسوم بـ إصلاح الخدمة المدنية في مصر 22-23 جوان 2008، شركاء التنمية بحوث استشارات تدريب، القاهرة، ص12.

3. سيجما، مبادئ الادارة العامة: إطار عمل لدول سياسة الجوار الأوروبية، ص5.

http://www.sigmaweb.org/publications/Principles-ENP-Arabic.pdf 

4.                        فيصل بن معي ضال سمير القحطاني، إستراتيجيات الإصلاح والتطوير الإداري ودورها في تعزيز الأمن الوطني، الرياض، جامعة نايف، 2006. ص ص 40-41.

5. UNDP, Public Administration reform, Opcit, P1 .

6.                        طارق عشور،" مقاربة التسيير العمومي الجديد كآلية لتدعيم وتعزيز تنافسية وكفاءة المنظمات الحكومية"، مجلة أداء المؤسسات الجزائرية، جامعة ورقلة، العدد 01، 2001، ص110.

7. Michèle Charbonneau, Nouveau Management Public, Dictionnaire encyclopé dique de l’administration publique, Québec Canada, 2012, P1.

8.                        محمد السعيد جوال،" ترقية أداء المنظمات العمومية في ظل مقاربة التسيير العمومي الجديد (NPM): دراسة تحليلية نظرية"، مجلة شمال إفريقيا، جامعة الشلف، العدد 14، 2016، ص69.

9.                                               Nazmul Ahsan Kalimullah, Kabir M. Ashraf Alam, Ashaduzzaman Nour. "New Public Management: Emergence and Principles". Bub Journal, Bangladesh University, Volume 1, Issue 1, September 2012, P2.

10.                                          Kimberly Scism Eagle, New Public Management in Charlotte, North Carolina: A Case Study of Managed Competition. for the degree of Doctor of Philosophy in Public Administration, the Faculty of the Virginia Polytechnic Institute and State University, 2005 ,Unpublished.P20.

11.                      دونالف كيتل، ثورة الإدارة العامة العالمية: تقرير حول تحول الحكم، تر: محمد شريف الطرح، مكتبة العبيكان، الرياض، 2003، ص26.

12.                                          Yves Chappoz, Pierre-Charles Pupion, "Le New Public Management", Gestion et management public, L’Association Internationale de Recherche en Management Public (AIRMAP), Volume 1/n°2, 2012, P1

13.                      بسمة عبد الله، الإدارة العامة الجديدة، تم تصفح الموقع يوم 23/06/2019

https://www.elsyasi.com/articles/print/2169

14.                     طارق عشور، المرجع السابق، ص111.

15.                      ليلى بن عيسى،" التسيير العمومي الجديد: المقاربات النظرية والتجارب الواقعية"، مجلة العلوم الاجتماعية والإنسانية، جامعة باتنة 1، العدد 16، جوان 2007، ص8-9.

16.                     دونالد ف.كيتل، المرجع السابق، ص18.

17.                      ليلى بن عيسى، "الحكم الراشد أحد مقومات التسيير العمومي الجديد"، مجلة أبحاث اقتصادية وادارية، جامعة بسكرة، العدد 14، ديسمبر 2013، ص192.

18.                     سلوى الشعراوي، "تحليل السياسات العامة في القرن الحادي والعشرين"، ضمن كتاب: تحليل السياسات العامة في الوطن العربي، سلوى الشعراوي محررا، مركز دراسات واستشارات الإدارة العامة، القاهرة، 2004، ص34.

19.                      ليلى مصطفى البرادعي، "الاتجاهات المعاصرة في دراسة الإصلاح الإداري دراسة مسحية"، مجلة النهضة، جامعة القاهرة، العدد 20، يوليو 2004، ص60.

20.                     بن عيشى بشير، بن عبيد عبد الباسط، "التسيير العمومي الجديد: مدخل حديث لمعالجة أزمة التسيير العمومي"، مجلة الحقيقة، العدد 37، جوان 2016، ص386.

21.                     صندوق النقد الدولي، أفاق الاقتصاد العالمي: دفع عجلة الاصلاحات الهيكلية، ابريل 2004، ص 17.

22.                                         . Judy Whitcombe, "Contributions and Challenges of New Public Management : New Zealand since 1984",Policy Quarterly,Victoria University of Wellington,    Volume 4, Issue 3 , September 2008 P8.

23.                     دونالدف. كيتيل، المرجع السابق، ص34.

24.                                         Richard Mulgan. Public sector reform in New Zealand: Issues of Public Accountability, Asia Pacific School of Economics and Government,The Australian National University,2004, p1.

25.                     سلوى تيشات، أفاق الوظيفة العمومية الجزائرية في ظل تطبيق المناجمنت العمومي الجديد بالنظر إلى بعض التجارب الأجنبية (نيوزيلاندا، فرنسا، والولايات المتحدة الأمريكية)، رسالة مقدمة لنيل شهادة الدكتوراه في علوم التسيير، كلية العلوم الاقتصادية والتجارية، جامعة بومرداس، 2014-2015، غير منشورة، ص169.

26.                     عبد الرحمن بن عبد اللـه الشقاوي، "نحو أداء أفضل في القطاع الحكومي في المملكة العربية السعودية"، ورقة بحثية قدمت إلى الندوة حول: الرؤية المستقبلية للاقتصاد السعودي حتى عام 1440ه، وزارة التخطيط، الرياض، شعبان 1423هـ/ أكتوبر 2002. ص 17-18.

27.                     ديفيد أوزبورن، تيد غايبلر،إعادة اختراع الحكومة: كيف تحول روح المغامرة القطاع العام، تر: محمد توفيق البجيرمي، العبيكان، الرياض، 2010، ص05.

28.                     ليلى مصطفى البرادعي، المرجع السابق، ص71.

29.                     ليلى مصطفى البرادعي،" تقليص الحجم كمدخل من مداخل الإصلاح الإداري في الإدارة العامة: الدروس المستفادة من تجارب عدة دول"، مجلة النهضة، جامعة القاهرة، العدد 08،2001، ص119.

30.                     دونالدف. كيتيل، المرجع السابق، ص 48-49.

31.                      ليلى مصطفى البرادعي، "الاتجاهات المعاصرة في دراسة الإصلاح الإداري دراسة مسحية"، المرجع السابق، ص ص 75-77.

 

@pour_citer_ce_document

مبروك ساحلي, «الإدارة العامّة الجديدة كآلية للإصلاح الإداري تجارب دولية»

[En ligne] ,[#G_TITLE:#langue] ,[#G_TITLE:#langue]
Papier : ص ص 65-76,
Date Publication Sur Papier : 2019-12-26,
Date Pulication Electronique : 2019-12-26,
mis a jour le : 26/12/2019,
URL : https://revues.univ-setif2.dz:443/revue/index.php?id=6276.