اختيار العرض/ المرض الجسدي بين أنماط السلوك، بروفيل الشخصية، الخصوصية والبنية السيكوسوماتية choix du symptome/ maladie somatique: types de comportement, profil de personnalité, spécificité et structure psychosomatique
Plan du site au format XML


Archive: revues des lettres et sciences sociales


N°01 Avril 2004


N°02 Mai 2005


N°03 Novembre 2005


N°04 Juin 2006


N°05 Juin 2007


N°06 Janvier 2008


N°07 Juin 2008


N°08 Mai 2009


N°09 Octobre 2009


N°10 Décembre 2009


N°11 Juin 2010


N°12 Juillet 2010


N°13 Janvier 2011


N°14 Juin 2011


N°15 Juillet 2012


N°16 Décembre 2012


N°17 Septembre 2013


Revue des Lettres et Sciences Sociales


N°18 Juin 2014


N°19 Décembre 2014


N°20 Juin 2015


N°21 Décembre 2015


N°22 Juin 2016


N° 23 Décembre 2016


N° 24 Juin 2017


N° 25 Décembre 2017


N°26 Vol 15- 2018


N°27 Vol 15- 2018


N°28 Vol 15- 2018


N°01 Vol 16- 2019


N°02 Vol 16- 2019


N°03 Vol 16- 2019


N°04 Vol 16- 2019


N°01 VOL 17-2020


N:02 vol 17-2020


N:03 vol 17-2020


N°01 vol 18-2021


N°02 vol 18-2021


N°01 vol 19-2022


N°02 vol 19-2022


N°01 vol 20-2023


N°02 vol 20-2023


A propos

avancée

Archive PDF

N°01 VOL 17-2020

اختيار العرض/ المرض الجسدي بين أنماط السلوك، بروفيل الشخصية، الخصوصية والبنية السيكوسوماتية

choix du symptome/ maladie somatique: types de comportement, profil de personnalité, spécificité et structure psychosomatique
ص ص 243-257
تاريخ الإرسال: -23-03-2019 تاريخ القبول: 12-04-2020

زهية غنية حافري
  • resume:Ar
  • resume
  • Abstract
  • Auteurs
  • TEXTE INTEGRAL
  • Bibliographie

تهدف هذه المقالة إلى عرض النماذج النظرية وبعض النتائج الاكلينيكية حول الأسباب المفسرة لاختيار العرض/المرض الجسدي. فهناك من سعى لتفسيرها من خلال انماط السلوك أو أنماط الشخصية ("أ"-"ج"-"د") حسب مجال علم النفس الصحة، ومنهم من قدم تفسيرات ميزت تاريخ الفكر السيكوسوماتي من خلال ادراج دينبار لمفهوم الاستعدادية، وطرح ألكسندر لنظرية الخصوصية، ومفهوم البنيات الاساسية لمارتي. يتضح من خلال تحليل ما يتوفر من ادبيات وما توصلت إليه نتائج الدراسات حول الموضوع، بأن السمات الشخصية للفرد وحدها أو بنيته النفسية غير كافية لتفسير اختيار العرض أو المرض الجسدي، بل في اشتراكها بعوامل أخرى؛ وراثية، بيولوجية فيزيوباتولوجية، وجدانية، انفعالية، اجتماعية... على أساس أن الانسان وحدة بيونفسواجتماعي يجب تناوله في شموليته بنظرة تكاملية. فهي. وتعتبر بالتالي كعوامل مساهمة في ظهور العرض الجسدي واختيار أعراضيته. لا يتوقف الهدف عند حدود التصنيف وتحديد الأنماط، بل بوضع أسس الوقاية للتقليل من احتمالية الإصابة المرضية بتجنب عوامل الهشاشة الممرضة المهددة للصحة الجسدية وتشجيع عوامل الحماية التي تعزز الصحة الجيدة.   

الكلمات المفاتيح

 أنماط السلوك ("أ"- "ج"- "د")، بروفيل الشخصية، نظرية الخصوصية، البنية السيكوسوماتية، المرض الجسدي

Cet article se propose de présenter des modèles théoriques et résultats cliniques qui expliquent le choix de l'organe/maladie somatique. Certains auteurs l'ont expliqué à travers les types de comportements/personnalités ("A","C","D") selon le domaine de la psychologie de la santé. Tandis que d'autres ont donné des explications qui ont marqué l'histoire de la pensée psychosomatique qui s’est surtout imposée avec les travaux d'Alexander, Dunbar, et Marty. À travers la littérature scientifique fournie sur le sujet, les traits de la personnalité, la structure psychologique ne sont pas à eux seuls suffisants pour expliquer le choix de l'organe/la maladie somatique, mais par leurs contributions avec d'autres facteurs : génétiques, biologiques, physiopathologiques, psychiques, émotionnels et sociaux… du fait que l’être humain est biopsychosocial et doit être approché dans une perspective intégrative-holistique. L’objectif ne devrait pas se limiter à la classification des types, mais plutôt à les prendre comme mesures de prévention en évitant les facteurs pathogènes et favorisant les facteurs salutogènes.

Mots-clés :  Types de personnalité ("A" - "C" - "D"), Profil de personnalité, Théorie de la spécificité, Structure psychosomatique, Maladie somatique

The purpose of this article is to present theoretical models and clinical results that explain the reasons of choosing the organ /somatic disease. Some authors have explained it through the types of behavior / personalities ("A","C", "D") according to the field of health psychology. while others have given explanations that have marked the history of psychosomatic thought, which has emerged above all with the work of Alexander, Dunbar, and Marty. Through the scientific literature provided on the subject, personality traits, psychological structure alone are not sufficient to explain the choice of organ / somatic disease, but by their contributions with other factors: genetic, biological, physiopathological, psychic, emotional and social… because human beings are biopsychosocial and must be approached from an integrative-holistic perspective. the objective should not be limited to the classification of types, but rather to take them as preventive measures by avoiding pathogenic factors and favoring salutogenic factors

Keywords: Personality types ("A" - "C" - "D") - Personality profile - Theory of specificity - Psychosomatic structure - Somatic disease

Quelques mots à propos de :  زهية غنية حافري

جامعة محمد لمين دباغين- سطيف2hafrizahia@yahoo.fr

مقدمة

يعترف معظم المختصين النفسانيين على أن الأشخاص ومنذ طفولتهم تظهر لديهم أنماط التكيف المعرفي والعاطفي والسلوكي تختلف من فرد لآخر. وكانت الرغبة في وضع تصور لهذه الاختلافات موضوع قديم أثار الكثير من التساؤلات وطرحت العديد من الملاحظات يمكن تتبعها من خلال ما جاء في كتابات الفلاسفة منذ العصور القديمة، ما استدعى إجراء العديد من الأبحاث والدراسات العلمية لباحثين معاصرين، فبدؤا باستخدام مصطلح "الشخصية" خاصة مع ظهور كتاب رائد علم النفس الشخصية العلمية الحديثة ومقاربة السمات؛ جوردن البورت (Gordon Allport في 1937).

وقد شغلت فكرة دور بعض السمات وبعض الشخصيات في تشجيع ظهور بعض الامراض الجسدية العاملين في المجال الطبي واسترعت العديد من الاهتمامات، فمنها ما كان يستند على المظهر النفسي ومنها ما كان مستندا على أنماط الشخصية أو على نوع التوظيف العقلي. كان هدفها تأسيس فئة من الأشخاص لها بعض السمات النفسية وبعض الأعراضيات الجسدية المشتركة. والفرضية القائلة بارتباط بعض الخصائص الثابتة في شخصية الفرد بخطر تطوير بعض الأمراض فرضية قديمة قدم الزمان مرت بعدة محطات، بدأت مع نظريات الأخلاط والأمزجة لهيبوقراط إذ قام الأطباء بوصف أنماط مورفولوجية خاصة تربط البناء التشريحي             أو الفيزيولوجي بانماط من المزاج. ثم جاءت أعمالde von Bergmann (1913)، Westphal (1914)، (1929) Alvarez الذين سعوا في دراساتهم إلى إثبات العلاقة بين العوامل النفسية وظهور الاضطرابات العضوية والهضمية منها بالخصوص. كما سعوا لاستخراج بعض سمات الشخصية المرتبطة بها. (Chemouni, 2000) وصولا إلى نظريات أنماط الشخصية "أ" type A و"ب" type B في 1959 لصاحبيها روزنمان زفريدمان (R.Rosenman et M.friedman)، وهو ما استندت إليه دينبار (Dunbar) في نظريتها الاستعدادية. كما تطرق ألكسندر (Alexander) صاحب النظرية الانفعالية والخصوصية لارتباط كل حالة انفعالية بظهور تناذرات فيزيوباتولوجية محددة.

وتواصلت بعدها العديد من الدراسات في نفس المنحى، وخلص (Everson & al.1996; Watson & al. 1999) في (Nabi & al, 2008) إلى أن المزاج الاكتئابي يظهر كعامل خطر في ظهور الامراض الجسدية، وعامل يحدد مآل هذه الأمراض، وبأن الاكتئابية و/أو الشعور بالعجز-اليأس (hopelessness) يؤدي لظهور الأمراض الجسدية.

كما وضعت المدرسة السيكوسوماتية التحليلية بصمتها في هذا المجال بالتطرق، ليس فقط لسمات شخصية الفرد، ولكن إلى أعمق من ذلك: إلى بنيته وتوظيفه العقلي وما يرتبط به من مستويات في العقلنة، هذه الأخيرة التي شكلت حجر الزاوية في الفكر السيكوسوماتي لبيار مارتي. (Chemouni, 2000)

وعليه فإنه يمكن النظر للعلاقة بين الشخصية والأمراض الجسدية بعدة طرق تكاملية من قبل الأطباء والعاملين في مجال الصحة العقلية، الباحثين والفاعلين في مجال الوقاية.

من جهة أخرى، لا يخفى أن تجربة المرض الجسدي وتأثيرها على نوعية الحياة، ما يعانيه المريض من صعوبات في التكيف وكل ما يرتبط بمشاكل الالتزام العلاجي وتقبله، مآل المرض...، هي كلها نقاط تعتمد على الشخصية الأساسية للمريض وحتى على وجود مسبق لأمراضية في شخصية المريض. فتعرض الفرد لإصابات جسدية مزمنة خاصة إن كانت مصاحبة بالآلام تكون مصدرا لبعض الاضطرابات الانفعالية وتشكل إعاقة للفرد في حياته العامة. وهو ما سيؤدي لبعض التعديلات أو التغيرات في شخصية الفرد الأساسية مهما كانت "ملامح" شخصية المريض مستقرة وثابتة. الأمر الذي يشكل صعوبة كبيرة للتمييز في الخصائص النفسية الملاحظة بين ما هو ناتج عن تبعات المرض الجسدي وبين ما كان موجودا مسبقا قبل ظهور المرض من أسباب وعوامل خطر نفسية أدت لتوليد المرض وظهوره. (Consolli, 2013)

كما تجدر الإشارة إلى ظهور بعض سمات الشخصية تبعا لبعض الإصابات الجسدية؛ العصبية أو تلك الأمراض الخاصة بالغدد الصماء أو الراجعة لإصابات الجهاز العصبي المركزي و/أو اختلال معرفي مشترك. فتظهر سمات تجنبية، وسواسيه قهرية، بارانوية، والتي يمكن تفسيرها على أنها استراتيجيات تسوية (مقاومة) أو كأنها انكشاف وإظهار لاستعدادية يحملها المريض ويفجرها المرض. ومن هنا تظهر ضرورة الاحتراس خلال معاينة المرضى السوماتيون عدم ادراج اضطرابات الشخصية كنتيجة للمرض، بل كمرافقة له.  (Consolli, 2013)

لا نهدف هنا لتطوير فكرة تأثير المرض الجسدي وانعكاساته وفقا لشخصية المريض أو على ما يحدثه المرض الجسدي من تعديلات في شخصية المريض تبعا لمرضه؛ لكن تركيزنا موجه في المقام الاول نحو ملامح الشخصية كعوامل للخطر فيما يتعلق بحالة الصحة الجسدية. وهو كما أشرنا، المجال الذي شغل العاملين في المجال الطبي واستثار الكثير من التساؤلات لدى السيكوسوماتيون، ليتم تناوله بشدة في مجال علم النفس الصحة وفي الدراسات الابيديميولوجية.

1- تعريف الشخصية

تعتبر الشخصية الإنسانية أهم لغز يسعى الإنسان لفهمه عبر الزمن، كونه مفهوم تكاملي للعديد من مكوناتها ومحدداتها المتشابكة في علاقاتها لا يمكن عزلها عن بعضها البعض (وراثية، بيولوجية، نفسية وعاطفية، اجتماعية، ثقافية، بيئية...). فمصطلح الشخصية يشير إلى الشخص في شموليته وكليته نفسيا وجسديا. وبالرغم من عدم وجود تعريف متفق عليه، إلا أن التعريف البورت يعتبر المرجعية لأغلبية الباحثين. "فالشخصية هي ذلك التنظيم الدينامي الداخلي للفرد للنظم النفسية الفيزيائية التي تحدد تكيفه الفريد مع بيئته." ومما تجدر الإشارة إليه، فإن اغلب المنظرين: البورت Allport (1937)، كاتل Cattell (1946)، ايزنك Eysenck (1970)، جيلفوردGuilford (1959, 1975) وثيرستون Thurstone (1947) قد أعطوا الأهمية الكبرى للسمات والتي تشكل الوحدة الأساسية لقياس وتقييم الشخصية.   (Morizot, 2003)

 

2- تعريف السمة

تشير السمة حسب ألبورت إلى "نظام عصبونفسي معمم ومركز...." وحسب كاتل إلى" بناءات عقلية وراثية..." كما أشار إليها تليجان (Tellegen) بأنها " بنية نفسية وبيولوجية..." (Morizot, 2003) ومنه يتضح ربط سمات الشخصية بما هو نفسي وعضوي ومساهمتها في انتاج السلوك الإنساني (أنماط السلوك). فمن خلال السمات يمكن تقيم الانماط السلوكية. أو أنماط الشخصية على غرار ما ذهب إليه (عبد الخالق، 1994)، إذ لا يرى بإمكانية التفريق بين النمط السلوكي ونمط الشخصية كون هذه الأخيرة ترتبط بمنهج سلوكي معين يمكن من خلاله التدليل على أن صاحبه ينتمي إلى هذا النمط من الشخصيات أو ذاك.   

 فبالإضافة إلى الملاحظات العيادية التي قام بها الأطباء حول ما يمتاز به مرضاهم من سمات محددة، فإن النقاط السابقة شكلت انطلاقة لدراسة سمات الشخصية وما ينتج عنه من أنماط السلوك في ارتباطها بالأمراض العضوية. واعتبروا أنماط الشخصية عاملا وسيطيا مهما ومن اهم عوامل الخطر والحماية في مقابل الاضطرابات السيكوسوماتية في اجتماعه مع العوامل الوراثية، البيولوجية والهشاشة الجسدية ونوعية التوظيف العقلي للفرد.

3- الشخصيات المرضية والأمراض الجسدية

 ترى المدرسة الامريكية بوجود بعض اضطرابات الشخصية غير الظاهرة التي تجعل من الفرد حاملا الاستعدادية للوقوع في الامراض الجسدية، حيث اثبت بعض الدراسات ارتباط الشخصية المضطربة من النمط الحدي بظهور بعض الامراض الجسدية كتصلب الشرايين، ارتفاع ضغط الدم، وأمراض التليف الكبدي، الامراض القلبية الشريانية، أمراض الجهاز الهضمي، الروماتيزم، والأمراض المنقولة جنسيا... أمراض تتطور كحل تسوية لبعض الاضطرابات الحصرية أو اضطرابات المزاج.    (Consolli, 2013)  

كما توصلت دراسة (El-Gabalawy, Katz et Sareen, 2010) إلى وجود علاقة ارتباطية بين الامراض القلبية الشريانية عند اشخاص حديّين سبق لهم وأن قاموا بمحاولات انتحارية. وسعت دراسات أخرى في نفس المنحى (Schuster, 2010). لإثبات الارتباط الدال بين ظهور القرحة المعدية عند افراد بشخصيات تجنبية تمتاز بالتبعية، شخصيات حصرية قهرية لديها ميول ضد اجتماعية.  

وبالرغم من العديد الكبير من الدراسات التي توصلت إلى اثبات العلاقة بين الشخصيات المرضية والأمراض الجسدية، إلا أنها كما يعقب (Consoli, 2013) تعتبر قليلة نسبيا ولا يمكن البرهنة عليها.

4- سمات الشخصية والاضطرابات الجسدية

4-1 العصابية والانبساطية

تعتبر العصابية والانبساطية من الأبعاد الكلاسيكية للشخصية والتي يمكن تقصيها من خلال مقياس نموذج الأبعاد الخمسة (big five). ومما لا شك فيه، أن العلاقة بين العصابية مع مجموعة متنوعة من الاضطرابات النفسية قد تم اثباتها. وظهرت من جهة اخرى أيضا بما لا يدعو إلى الشك نزوع الأشخاص اللذين تظهر لديهم هذه السمة إلى التقدم بشكاوى كثيرة حول صحتهم، تقديم وبطريقة مصطنعة أعراض وظيفية مختلفة بما فيه الآلام ومختلف المشاكل الصحية الشائعة. إذ أظهرت دراسات أمريكية (National Comorbidity Survey) على عينة قوامها 5877 فرد يعانون ارتفاعا في درجات العصابية زيادة في انتشار الأمراض الجسدية؛ يأتي السكري بالدرجة الأولى بنسبة أرجحية (Odds Ratio) (ن.أ = 3.33)، ثم أمراض القرحة المعدية (ن.أ= 3.23)، أمراض الكلى أو الكبد (ن.أ= 2.56)، امراض المعدة والمرارة (ن.أ= 2.27)، الامراض الروماتيزمية (ن.أ= 1.5) (Goodwin, Cox, Clara, 2006).

كما سعت دراسة تتبعية على مدار 25 سنة اشتملت على 29 595 من التوائم بالسويد إلى التحقق من فرضية وجود علاقة بين بروفيل شخصية تمتاز بمستويات مرتفعة من الانبساطية ومستويات منخفضة من العصابية وخطر الإصابة السرطانية. غير أن العلاقة لم يتم اثباتها مع أي نوع من أنواع السرطانات. كما لم يجد الباحثون أي تفاعل بين هذين السمتين للشخصية وبين التدخين والإصابة بالسرطان.( & al, 2005 Hansen).

وأثار منشور علمي حول العلاقة المحتملة بين العصابية وصحة القلب الشرياني في مسح صحي (Health and Lifestyle Survey) بإنجلترا بلبلة بهذا الخصوص، إذ توصلت الدراسة التي أقيمت على 5450 من المشاركين وجود هذه العلاقة عند النساء فقط في ارتباطها بالمستوى الاجتماعي-الاقتصادي لديهن، واللاتي توفين بسب الإصابات القلبية الشريانية. (Hagger-Johnson & al, 2012)

أما الدراسة الطولية المسحية على 3032 فرد بالولايات المتحدة الامريكية(MIDUS) التي اعتمدت على نموذج الابعاد الخمس الكبرى (big five)، فقد أظهرت -حسب ما صرح به المشتركين- الارتباط الموجب بين مختلف المشاكل الصحية والعصابية، في حين جاء الارتباط سلبي مع باقي الابعاد الأربع (الوعي، الانبساطية، الانفتاح، اللطف) واعتبر بعد الوعي بما ينطوي عليه من سمات التخطيط، التنظيم، البحث عن النجاح، الشعور بالواجب وتنفيذ المهام والدافعية في السلوك، الانضباط الذاتي والمثابرة من عوامل الحماية للوقوع في المرض. ويظهر التأثير الوقائي لغلبة بعد الوعي في الشخصية من خلال الميل أقل من غيرهم للعادات المضرة للصحة كتناول الكحول والتبغ والخمور، الإفراط في تناول الطعام...، ولكن أيضا من خلال مداوامتهم والتزامهم أكثر على العلاج واتخاذ أفضل القرارات نحو صحتهم. (Goodwin, Friedman, 2006).

4-2- النمط السلوكي وظهور الاضطرابات الجسدية

ارتبط مفهوم النمط السلوكي بفكرة البحث عن ملمح           أو بروفيل لشخصية المصابين بالأمراض المزمنة. يدل المفهوم بشكل عام على الطريقة أو الأسلوب الخاص والمميز للفرد في الاستجابة للمواقف الحياتية المختلفة وفي التعامل مع نفسه ومع الآخرين، وهو على مستوى من الترتيب والتنظيم الذي يوفر حدا مقبولا من الفهم والضبط والتنبؤ. لذلك فإن النمط السلوكي ليس بعدا أو سمة شخصية في حد ذاته بل هو أسلوب سلوكي وانفعالي يستجيب به الأفراد الذين يمتلكون صفات شخصية معينة تدخل في تركيب هذا النمط. وهو أسلوب ينمو من خلال التفاعل بين متطلبات البيئة والخصال الشخصية. (جمعة سيد يوسف،2000)

يقصد بالنمط السلوكي هنا نمط الشخصية على غرار ما ذهب إليه عبد الخالق (1994)، اذ لا يمكن التفريق بين النمط السلوكي ونمط الشخصية كون هذه الأخيرة ترتبط بمنهج سلوكي معين يمكن من خلاله التدليل على أن صاحبه ينتمي إلى هذا النمط من الشخصيات أو ذاك. يعود ظهور الأنماط السلوكية إلى الطبيبان فريدمان وروزنمانFriedman et Rosenman   اللذان قاما بوصف النمط "أ" المرتبط بالأمراض القلبية الشريانية التاجية والكشف عن مجموعة من المؤشرات التي تكون مجتمعة التركيب المميز لهذا النمط السلوكي، كما وصفا النمط "ب" الذي يختلف نقطة بنقطة مع النمط "أ". ظهر بعدها النمط "ج" المرتبط بالاستعداد للإصابة بالامراض السرطانية، ثم النمط "د" المتعلق بارتفاع احتمال التعرض للأزمات القلبية الحادة المؤدية للوفاة.

4-2-1- الشخصية من النمط "أ"

يرى فيه فريدمان وروزنمان (1993) بانه نمط مسؤول عن استجابة مفرطة إزاء المواقف المجهدة، فهو نمط أكثر من كفاح متواصل [...] مركب فعلي- انفعالي يستخدمه لمواجهة تحديات محيطهم. يتضمن هذا المركب مظاهر سلوكية كالعدوانية. فهم عدائيون وعدوانيون متسرعون، لديهم رغبة شديدة في المنافسة والسيطرة ورغبة قوية في الإنجاز قد ينافس ذاته. فهم نافذو الصبر ويشعرون بإلحاح الوقت، يكون لديهم إحساس بأن الوقت يسرقهم وان مسؤولياتهم كبيرة. فهم يسيرون ويتحركون ويأكلون بسرعة يضعون عددا من الأعمال لانجازها في وقت قصير تتجاوز قدرتهم، فهم في حاجة لتحقيق ذواتهم والتفوق عليها ويميلون إلى تأكيد بعض الكلمات في أحاديثهم، والاستعجال في نهاية الجمل التي ينطقونها، يتميزون بأسلوب انفجاري في الحديث وتوترات في عضلات وجوههم، يقاطعون من يحدثهم ويكملون كلامه. فأصحاب النمط "أ" يجدون صعوبة في الاسترخاء بدون عمل، يهتمون بالعمل وانجازه أكثر من التمتع بأدائه، فهو نمط يحب السيطرة نتيجة شعوره بعد الأمان الداخلي والذي يعبر عنه بواسطة العدوانية المفرطة اتجاه الآخرين. ومثل هذه الجهود المستمرة كما يشير اليه (Quintard in:B-Schweitzer&al, 2002) تنتج تنشيطا مفرطا للجهاز السمبثاوي تنجر عنه عواقب متعددة تتمثل في ارتفاع ضغط الدم، انقباض الاوعية الدموية، وافراز مفرط للأدرينالين. وهو ما يلخصه Consoli بقوله بأنهم اشخاص يمتازون بفرط في النشاط، دينامية وحركية عصبوهرمونية في مقابل الإجهاد، مرشحون أكثر من غيرهم للإصابة بأمراض الشريان التاجي. وهو ما اثبتته دراسة فريدمان وروزنمان في دراستهم الطولية لمدة 9 سنوات تقريبا اجراها على 3524 رجلا تراوحت أعمارهم بين 39 و59 سنة، فتوصلت نتائج الدراسة إلى أن الافراد من النمط "أ" أكثر احتمالا للإصابة بالأمراض القلبية التاجية بمعدل الضعفين مقارنة بباقي افراد العينة العينة، ما يشير إلى كون هذا النمط مستهدفين للإصابة القلبية- الوعائية إزاء المواقف المجهدة. (Consoli, 2013)

 لكن القيمة التنبؤية للإصابة بالامراض القلبية لم تحقق نفس النتائج في جميع الدراسات، فهناك من الدراسات ما جاءت نتائجها متناقضة لذلك. لذا يرى الباحثون بان ينظر إلى النمط"أ" كعامل خطر بسيط عند الفرد السليم وليس كعامل يحدد مآل المريض. بل أن مآل مريض القلب من النمط "أ" والذي تعرض إلى نوبة قلبية وتم استشفاؤه وتجاوزه، يمكنه أن يعيش ويحيا أفضل من مريض القلب من النمط "ب" كونهم سيعتمدون في مقابل مشاكلهم الصحية ويتحدون المرض بما يمتلكونه من سمات في شخصيتهم، كما كانوا يناضلون ويصدون وضعيات التوتر والإجهاد في حياتهم اليومية.  Ragland & Brand, 1988))

وفي تمحيص للأدبيات التي تقدم بها الباحثون حول النمط "أ"، فان المسالة تتعلق بالخصوص بالصفات العدائية والتي استرعت انتباه الباحثين إذ أصبح البحث يوجه اليها أكثر وتوصلوا إلى أن بعد العدائية يرتبط ارتباطا وثيقا بالاستجابات الفيزيولوجية إزاء مواقف الاجهاد. Graziani &Swendsen (2004) فهم يعتبرونه بمثابة "النواة السامة" في النمط "أ" . وهو ما عبر عنه (B-Schweitzer & al, 2002) "بالريبة التهكمية"   "méfiance cynique" مشيرا بذلك إلى المكون المضر في سمات النمط والمتمثلة في النظرة السلبية للآخر، المشاعر العدائية والاستجابات العدوانية. وإن كانت الامراض القلبية هي الأكثر شيوعا في النمط"أ"، إلا أن أصحاب هذا النمط هم عرضة أيضا للإصابة بالقرحة المعدية، مرض السكري، الربو الشعبي.

وبعكس ذلك هناك نمط آخر من الشخصية، يتصف من ينتمون إليه بكونهم صبورين لا يشعرون بإلحاح الوقت، غير مشغولي البال بما يحاولون انجازه أو تحصيله، لا يستثارون أو يتهيجون، ويميلون إلى التمتع والاسترخاء دون الشعور بالذنب، يعملون بهدوء ولطف ويسهل التعامل معهم، فهم هادئون، اقل تنافسية واقل عدوانية ويطلق عليهم نمط الشخصية "ب" «type B».. Consoli, 2013))

4-2-2- الشخصية من النمط "ج" type C

في نفس المنحى الافتراضي لوجود نمط خاص من الشخصية الذي يقترن بأمراضية جسدية محددة، قام كل منMorris & Greer في 1980 لإدراج النمط  "ج" « » أو ما يسمى بالشخصية المستهدفة للإصابة بمرض السرطان. (Vollrath, 2006) واستطاعت Lydia Temoshokفي 1987 تمييز السلوك الانفعالي لمرضى السرطان والذي تعرفه على أنه عامل خطر في ظهور وتطور السرطان ووصفه على أنه نمط يتميز بقمع الانفعالات خاصة السلبية منها كالغضب، الميل للتضحية بالنفس دون التعبير عن المطالب الفردية. وسعت Temoshok    وFox لوصف المريض بطبيعة السلوك على أنه محب واجتماعي لطيف، هادئ وصبور، فهو في حياة عملية متقن للعمل متقبل من المجتمع يتهرب من النزاعات الشخصية، يتمسك بالروتين وميال للموافقة والانصياع، يمتاز بالثبات أمام المصائب، ليس لديه الثقة في نفسه وغير مؤكد لذاته ومضحى بها، فهو شخص جد متعاون، يتميز بعدم المنافسة، الاستجابة لرغبات الآخرين وعدم التسلط، تجنب السلوكات التي يمكنها أن تحرج الآخرين، الامتثال لمواصفات السلوك المتعارف عليه والحفاظ على مظهر اللطف، نظرته إلي الواقع الخارجي تكون معقلنة ومجردة من العواطف (الاستذهان)، الميل إلي مشاعر العجز واليأس، العجز عن تفريغ التوتر والإفصاح عما يستبد به من انفعالات وقمع الانفعالات السلبية ويعجز عن التعبير عن غضبه وعدوانيته في وقت يسعى فيه للحفاظ على واجهة قوية وسعيدة. يتحكم في غضبه لأجل الحفاظ على العلاقات بين شخصية والحفاظ على صورة جيدة عن نفسه كشخص محبوب حتى لا يتم رفضه. (Adam & Blatný, 2008). أما Dunbar في (Pongy et Babeau, 2003) فترى بأنهم أكثر تعرضا للإجهاد، جد متعاونيين، يتطلعون لإرضاء الغير واحترام السلطة، يتسمون بالحصر ومفرطي الإحساس.

وأظهرت دراسة Grossarth-Maticek الطولية سنة 1988 لمدة 10 سنوات على عينة قوامها 2563 فردا توفر بعض سمات عند هؤلاء وتمثلت في: الاكتئاب، اليأس، سرعة الاستثارة، الغضب، التعقلن، غياب التعبير الانفعالي، الحاجة للعلاقات بين شخصية المنسجمة. (Eskelinen & Ollonen, 2011). كما أكدت دراسة Kissen et Eysenck (1962) في (Hagen Liste, 1999) ودراسة Greer et Moris (1978) Morris et al (1981) في (Schraub, 2009) هذه العلاقة.

ويعقب (2006 Amami et al) أن الجدال القائم حول ارتباط نمط الشخصية مع ظهور السرطان، إنما يختص باستثارة هذا النمط من الشخصية للجهاز المناعي، وليس كعوامل مساهمة في ظهور السرطان، مشيرا بذلك تأييده لتدخل هذا العامل في ظهور المرض.

كما يؤكد (Fernández-Ballesteros 2001) أنه وعلى الرغم من النقد الكثيف الذي لاقته نتائج الدراسات المقدمة إلا أن اتفاقها على وجود صفة القمع للانفعالات السلبية وصعوبة التعبير عن الغضب والعدوانية وصعوبة في التعامل مع الإجهاد لا يدع مجالا للشك، للقول بأنها السمة المشتركة التي اتفق الباحثون على توفرها عند مرضى السرطان.    

4-2-3- نمط الشخصية "د" Type «D»

أدى مفهوم الشخصية الاندفاعية، التي تجمع مستويات مرتفعة من العاطفة السلبية (الميل إلى القلق، الحزن، والغضب) وقمع المشاعر أو سلوكات مثبطة في وضعيات التفاعل الاجتماعي؛ هو ما قاد جوهان دونولت  Denollet  Johan إلى تطوير مفهوم "النمط د" « type D »  سنة 1998. حيث يشير الحرف D إلى الكلمة الإنجليزية distress أي (المحنة والضائقة) بالعربية، ولكن أيضا كحرف يلي الحروف A, B , C في ابجدية  اللغة الأجنبية والتي تصف الأنماط السابقة. Consoli, 2013))

قام دونولوت برفقة زملاؤه بإجراء أكثر من 49 دراسة حول العلاقة بين الامراض القلبية في ارتباطها بسمات النمط "د" وتوصلوا إلى أن التثبيط الاجتماعي والعاطفة السلبية من أكبر السمات المميزة لهذا النمط، وهو ما يهيئه للإصابة بأمراض القلب بأربعة أضعاف مقارنة بالنمط (أ). إذ تشترك هذه السمتان في ظهور عامل أخر لا يقل خطورة وهو ارتفاع نسبة الكورتيزول الذي يؤدي في اجتماعها مع بعض العوامل النفس اجتماعية إلى احداث قصور في القلب على المدى الطويل، (أمراض الشريان التاجي، الضغط الدموي، الجلطة القلبية... ...الخ) وفيه يرى (Denollet, 2000) بضرورة التعرف على هؤلاء الأشخاص من النمط "د" لتجنيبهم الجلطات أو السكتات القلبية.

تشير العاطفة السلبية إلى " انفعالات سلبية ذات طابع اكتئابي تمتاز بالغضب والقلق الحاد. والأشخاص الذين لديهم عاطفة سلبية هم اشخاص لديهم ميل لاختبار المشاعر السلبية عبر الزمن يصعب تحملهم؛ يمتازون بشعور غير سار ومثيرة للقلق، بعدم الراحة العاطفية أو العقلية، لديهم أعراض حصرية، الإحساس بعدم الرضا والسخط، التوتر والتهيج، الاستياء وفي بعض الاحيان اللامبالاة نحو المحيطين والانسجابية والشعور بالوحدة. رؤية سلبية وانفعالات سلبية نحو الذات، يتحيزون للاهتمام أكثر بالمؤثرات السلبية، كما ترتبط العاطفة السلبية بزيادة في استذكار الاحداث الضاغطة والمجهدة. ومبالغة في تقييم العلاقات بين إنسانية بالسلبية. في حين يشير التثبيط الاجتماعي للميل الى الكف عن التعبير عن الذات في التفاعلات الاجتماعية، متوترون كنتيجة لسوء الأحوال الاجتماعية التي يعيشها نتيجة للشعور بعدم الأمن. فهم يتجنبون الخطر الموجود في التفاعلات الاجتماعية مثل الانتقاد أو عدم الحصول على الموافقة من الأخر. (Pederson et Denollet, 2004)

كما يشير (Denollet, 1998) إلى أن الخطر المرتبط بالنمط "د" لا يقتصر على مجال القلب والأوعية الدموية، لأنه قد يؤدي إلى الارتفاع المفاجئ لنسبة السكري في الدم، ويمكننا أيضا في بعض الحالات من التنبؤ بحدوث سرطان لدى اشخاص يعانون من قصور في القلب. 

وعلى الرغم من أن أسباب ارتفاع المخاطر لدى نمط (د) غير واضحة بصفة نهائية إلا أن الباحثون في مجال الطب وعلم النفس الجسدي قد أكدوا أن الزيادة في هرمون الكورتيزول تزيد من التوتر والقلق بشكل مضاعف لأشخاص من نمط (د) أكثر من غيرها من الأنماط الأخرى الشيء ما يؤدي إلى تسريع دقات القلب، توسيع الأوعية الدموية، زيادة في ضغط الدم وزيادة في نسبة السكر في الدم، مما يجعل جهاز مناعة هذا النمط أكثر نشاطا مما كان وبالتالي المزيد من الالتهابات مما يؤدي إلى تلف الأوعية الدموية وتمزق لوحات تصلب الشرايين. وبالتالي يكون أصحاب النمط (د) أكثر عرضة لخطر الموت المفاجئ؛ فهم أكثر عرضة للجلطات والسكتات القلبية. فهو إذا الوسيط بين نمط (د) والإصابة بأمراض القلب التاجية وربما اضطرابات صحية أخرى سواء كانت نفسية أو عضوية.  (Denollet,2011)   

4-3- بروفيل الشخصية، الخصوصية والبينة العقلية في إطار المنحى السيكوسوماتي التحليلي

سعى التيار السيكوسوماتي منذ نشأته إلى استخراج بعض الخصائص المشتركة بين المرضى المصابين باضطرابات سيكوسوماتية أو جسدية بصفة عامة. فجاءت اعمال هيلين دينبار Helen Dunbar حول بروفيل الشخصية وفرانز ألكسندر Alexander Franz حول نظرية الخصوصية، وأخيرا بيار مارتي Pierre Marty حول مفهوم التنظيمة العقلية.

يعود الفضل للامريكية دينبار Dunbar انطلاقا من تساؤلها حول إمكانية وجود عامل للشخصية والذي يكون خاصا بنوع محدد من الخلل الفيزيولوجي في تطوير وتعميق فكرة بروفيل الشخصية في إيضاح العلاقة بين النفس والجسد بمنهجية محكمة ودقيقة باللجوء إلى تقنيات حديثة واستعمال الاختبارات النفسية، الإحصاء، والمنهج المقارن... لأجل دراسة العلاقات بين سمات الشخصية والجداول الاكلينيكية الملائمة لكل حالة من الحالات التي كانت تلاحظها بالمستشفيات، فانتقلت فكرة ارتباط الشخصية بالمرض الجسدي من المنهج الاستنباطي إلى منهج علمي واضح سعت من خلاله إلى استخراج لمجموعة من الامراض الجسدية بروفيل الشخصية التي يناسب كل واحد منها والتي يشترك فيها مجموعة من المرضى.

سعت من خلال التقصي الذي قامت به وضع إجراءات دقيقة بملاحظة فيزيولوجية وملاحظة سيكولوجية لـ ـ1600 مريض، للإجابة على التساءلات الثلاث:

- ما الشيء في الشخصية والتي تولد الاستعدادية للمرض؟

- ما الذي يحدد اختيار امراضية خاصة؟

- وما هي وفقا للاستعدادية واختيار نوع التعبير، العامل المفجر للمرض؟    

وسمحت النتائج التي توصلت إليها لاستنتاج بأن الأمر يتعلق ببنية الشخصية التي تضعف منطقة محددة من الجسم أمام الاعتداءات الخارجية التي تمهد الأرضية لحدوث الجسدنة. وترى ببناء وتكوين الشخصية وسمات تعمل على إشراط ظهور العرض الجسدي، وهكذا وصفت شخصية المصاب بضغط الدم والمصاب بداء السكري...  وإذا ما عرف الملمح، فأن ذلك يمكننا من تحقيق الوقاية كما ترى دينبار. وبالرغم من الانتقادات التي لاقتها نظريتها في الحقل السيكوسوماتي لاهمالها البعد الدينامي، إلا أنها لاقت رواجا كبيرا في مجال علم نفس الصحة كما هو الحال بالنسبة لنظريات أنماط الشخصية. (Chemouni, 2000)

ويعتبر ألكسندر Alexander ممثل النظرية الانفعالية ويرجع له الفضل في السيكوسوماتية القصيرة "تيار الطب السيكوسوماتي". سيطرت أعماله على التيار السيكوسوماتي بين 1940-1960 ويرتكز تصوره على المفاهيم التحليلية والمفاهيم الفيزيوباتولوجية، اذ تم تطوير هذه المفاهيم مع زملائه من خلال ملاحظاتهم على المرضى في الأوساط الاستشفائية، وهو ما كان له أثره الكبير في تنظريهم في المجال السيكوسوماتي الذي اخذ الطابع الطبي. ويقول ألكسندر أن " الانفعالات تنتظم في سلاسل منطقية خلال التجارب الحياتية". (Alexander, 2002, p:40) كما تطرق إلى وجود نمط خاص من الصراع والذي يكون أصل عدد من الإصابات السيكوسوماتية مثل القرحة المعدية، التهاب القولون، ارتفاع الضغط الدموي والتهاب المفاصل، فرط إفراز الغدة النخامية... ولأجل ظهور الاضطراب السيكوسوماتي، يرى ألكسندر بضرورة توفر واجتماع لثلاث عوامل أساسية:

-                       نمط خاص من الصراع.

-                       قابلة خاصة للجسد تسمى بالعامل الجسدي X

-                       الوضعية الحالية للصراع.

وعلى العموم، فقد ارتكزت تصوراته في المجال على نظريتين أساسيتين:

1- نظرية تهتم بالخصوصية تنطلق من مسلمة أساسها أن كل حالة انفعالية تحدد ظهور تناذرات فيزيوباتولوجية

2- نظرية عصاب العضو: يظهر العصاب كاستجابة لحالة انفعالية صراعية لا يستطيع الفرد التحكم فيها. (Ibid)

ويسند ألكسندر للانفعالات نفس الوزن في تسببها في نشوء المرض مثلها مثل العناصر الممرضة كالالتهابات والعناصر الكيميائية والجسدية. بحيث يؤدي تطور عصاب العضو إلى الإصابة العضوية والوقوع بالتالي في الأمراض العضوية التشريحية. فكل حالة انفعالية خاصة تترجم في البداية باضطراب وظيفي متمركز في عضو أو جهاز، يتحول لاحقا الى اضطرابات عضوية بواسطة القاعدة الفيزيولوجية المرضية على أن الاضطرابات الوظيفية تتحول إلى إصابة تشريحية بتكرارها كما يذهب إليه ألكسندر. (Alexander 1943) in Consoli, 2013)).

- وميز ألكسندر بين الإصابات المتعلقة بالنشاط الزائد بالجهاز السمبثاوي الذي يتحكم في ردود الفعل الحركية للمقاومة والهروب والمرتبط بالحالات الانفعالية النشطة العدوانية وبين تلك المتعلقة بالنشاط الزائد للجهاز الباراسمبثاوي الذي يتدخل في حالة الراحة واستعادة الطاقة أي تلك المرتبطة بردود الأفعال غير النشطة. حيث تلتقي هذه التقسيمات بنمط حياة فئتين من المرضى. ففي الحالة الأولى هم مرضى يمتازون بالنشاط الزائد، مقاومين يندرج تحته الضغط الدموي، الصرع، السكري. وفي الحالة الثانية مرضى يبدون حاجة للتبعية والحاجة العاطفية ويندرج تحتها مرضى الربو، القرحة المعدية، المعفج. (Chemouni, 2000)

- وفيه نجد بان كل من دينبار وألكسندر لم يتخليا عن التفسير العصبي الفيزيولوجي لنشأة الاضطرابات وحاولا إيجاد ملامح شخصية المريض السيكوسوماتي. غير أن ألكسندر يرى أن الاهتمام يجب أن يركز أكثر على البعد الداخلي وبظروف الحياة والاجهاد وما تستثيره من انفعالات، في حين اهتمت دينبار بالبعد الخارجي.

- وأن ما قامت به دينبار بربط نمط الشخصية بنوعية المرض فيه من المبالغة، على اعتبار انه من المفترض أن تمثل نمط الشخصية كمحدد ثانوي وليس محددا أساسيا.

كما أشارت المدرسة السيكوسوماتية الفرنسية إلى التفريغ على المستوى الجسدي واختزال الصراع في الجسد عندما لا تتمكن النفس من معالجة فيض الاثارات التي تغمر الجهاز النفسي، فينوب الجسد عن النفس كون التفريغ على المستوى النفسي أصبح غير ممكنا بسبب غياب الكمونات العقلية وعقلنة خائرة في الامراض المستعصية. (Stora,1999) ومن هنا ظهرت فكرة اختيار العضو في الاضطرابات السيكوسوماتية. فلماذا امراض القلب والشريان التاجي؟ لماذا السكري وليس القرحة المعدية؟ لماذا سرطان الرئة وليس الربو الشعبي؟ هي كلها تساؤلات حاولت المدرسة السيكوسوماتية ومدرسة الطب السيكوسوماتي الإجابة عليها من خلال تحديد مجموعة من العوامل المؤدية إلى اختيار العضو؛ فبالإضافة للعوامل الوراثية، البيولوجية، والهشاشة الجسدية ونوعية التوظيف العقلي للفرد فان لنوع البنية الاساسية في اجتماعها مع العوامل السابقة دوره في اختيار العرض أو نوعية المرض الجسدي.

تميز عمل مارتي Marty في ادراجه لمفهوم البنية في البعد الاقتصادي. ويفترض (Marty, 1998) أن التوازن السيكوسوماتي هو حصيلة التوازن بين غريزتي الحياة والموت. وشكل مفهوم العقلنة لب ومحور تنظيره إذ يرجع الإصابة الجسدية إلى ضعف في العقلنة وسيرورة الجسدنة التي تبدأ عندما يصبح الفرد غير قادر على المعالجة العقلية للمتناقضات التي ترهقه قسم مارتي البنيات الإنسانية حسب درجة التعقيل. وكلما كان التعقيل جيدا كلما اقترب الفرد أكثر من الصحة النفسجسدية والعكس بالعكس. وعليه جاء تقسيمه لهذه البنيات إلى:

1-الأعصبة والأذهنة الكلاسيكية: تكون فيها التنظيمة العقلية غنية بنقاط التثبيت المتموقعة على مدى مراحل النمو وبالتالي نلاحظ فيه قدرة الأفراد على الإرصان العقلي ومقاومة الإصابات الجسدية.

2-الأعصبة والأذهنة السيكوسوماتية: تندرج تحتها:

أ- الأعصبة الطبائعية: تمثل البنيات الأكثر انتشارا عند أفراد المجتمع، ما يميزها هو عدم اكتسابها لنقاط تثبيت صلبة وبالموازاة مع هذا فهم لا يقدمون توظيف مستمر على مستوى الموقعيتين. وقد قسم مارتي هذه الاعصبة إلى ثلاث أنماط حسب درجة التعقيل.

- أعصبة طبع حسنة التعقيل: تقترب من الأعصبة الكلاسيكية وهذا ما يعكس تعرض ما قبل الوعي لعدم كفاية وظيفية خفيفة وغالبا عابرة، وانطلاقا من صلب نظرية مارتي التي تربط بن التعقيل والمرض الجسدي يمكننا القول بأن حسن التعقيل هو من العلائم المبشرة بإمكانية شفاء أفضل.

- أعصبة طبع متوسطة التعقيل أو غير مؤكدة التعقيل: تتوسط أعصبة الطبع حسنة التعقيل وأعصبة الطبع سيئة التعقيل فهي تقترب من كليهما وتتميز بفقر التصورات والأفكار.

- أعصبة الطبع سيئة التعقيل: تقترب من الأعصبة السلوكية وتمتاز بعقلنة سيئة ويكون الدفاع على المستوى السلوكي هام مقارنة بالمجموعتين الأولى والثانية.

ب- الأعصبة السلوكية: تتميز بصعوبات هامة فيما يخص الإرصان العقلي للصراعات، تميزها عدم التنظيمات الظاهرية الناتجة عن عوامل نفسية نشوئية أو وراثية أو معا.

3- الأذهنة الطبائعية والأذهنة السلوكية: في العادة لا تصل أعراض هذه الأذهنة إلى درجة الهذيان الذهاني وبالتالي فإن هذه الأذهنة تعكس تنظيما ذهانيا غامضا، وباختصار فإن هذه الذهانات تعكس ما قبل شعور سيئ النوعية يسمح في فترة معينة لمكونات اللاشعور بالتبدي مباشرة في الوعي والهيمنة على شخصية المريض.

4- التنظيم التحسسي: قسمها مارتي إلى ثلاثة أنواع:

- الحساسية الأساسية: ذات علاقة بالعصاب السلوكي.

- الحساسية المتراوحة: تتراوح شخصية المريض بين الهستيريا والعصاب السلوكي.

- الحساسية الطبائعية: ذات علاقة بالعصاب الطبائعي

وميز (2001) Smadja نوعين من السيرورات الجسدية. 

* سيرورة الجسدنة الراجعة للنكوص: مستوى العقلنة هنا يكون مقبولا، تتمثل في نوبات غير حادة قد تختفي لتظهر مرة أخرى بنفس الشكل عند نفس الشخص، هدفها إراحة الأنا ليعيد تنظيمه وتكيفه.

* سيرورة الجسدنة عن طريق فك الترابط النزوي وتتمثل في الأمراض التطورية الخطيرة التي تهدد المآل الحيوي للفرد كبعض الأمراض المناعية الذاتية والأمراض السرطانية.

 قام مارتي بوصف شخصية المريض السيكوسوماتي بأنها تمتاز بالتفكير العملي وهو عبارة عن نوع من التفكير الراهن والملموس مع استثمار مفرط للواقع. كما وصفهم بالنمط البارد انفعاليا؛ أو ما يصطلح على تسميته بالتكتم في المدرسة الامريكية؛ بحيث يجدون صعوبة في التفريق بين انفعالاتهم ولا يستطيعون التعبير عنها، فهم مصابون من هذه الناحية بعمى الألوان. وبأنهم يتسمون بفرط في التكيف الاجتماعي وبحاجة للإمتثال ومسيرين من طرف نموذج مثالي وجماعي، يستصغرون مشاكلهم الشخصية ويفتقرون للمعارضة؛ لا يمكنهم رفض الآخر ويخافون من رفض الآخر وابتعاده.   (Chemouni, 2000) 

ويجب التأكيد هنا على أن البروفيل، ونظرية الخصوصية، والبنية في مجال السيكوسوماتية هي غير مترادفة. إلا انها تستجيب لنهج وأهداف مشتركة.

5-  سمات الشخصية العامة كعوامل للهشاشة الجسدية:

سنركز في عرضنا هذا على عاملين اساسين هما: التكتم            والعدوانية المعرفية.

1)- التكتم أو خلل الضبط الانفعالي: تلعب الانفعالات دورا هاما في صحتنا النفسية والجسدية؛ ويشير مصطلح التكتم alexithymia إلى العجز عن إدراك الانفعالات وتمييزها عن الإحساسات الجسدية او التعبير عنها بواسطة اللغة. وقد لاحظ العلماء منذ فترة طويلة علاقة الانفعالات وطريقة التعبير عنها بالأمراض النفسية والجسدية   

ومنذ أن نحت Sifneos هذا المصطلح كمقابل معرفي يشمل التفكير العملياتي pensée operatoire كما تراه مدرسة Marty في البسيكوسوماتيك؛ والبحوث جارية لتحديد علاقته بالأمراض النفسية والجسدية. يعني التكتم اصطلاحا غياب الكلمات لوصف الانفعالات ومنه عدم القدرة على التعبير الانفعالي. نتج المفهوم من الطب العقلي الأمريكي، ووصف التكتم لأول مرة من طرف Reusch سنة 1948، إلاّ أن سلوك المرضى المناقش تحت تسمية التكتم بما يعرف حاليا يعود إلىSifneos سنة 1973. De Tychey, 2010))

واصطلح لتعريفة باتفاق الإكلينيكيين الأمريكان كما جاء فيما ذكره Porcelli & Meyer (2002) لكون التكتم "يجمع بين مجموعة من الخصائص المعرفية والعاطفية، متضمنا صعوبة للتعرف على أحاسيسه وإبلاغها؛ اختلال في القدرة على التمييز بين الأحاسيس والإحساسات الجسدية المرتبطة بالإثارات العاطفية؛ محدودية الحياة الخيالية وكذا نوع من التفكير الموجه نحو الملموس والواقع؛ صعوبات الاستدخال؛ قدرة ضعيفة لتذكر الأحلام وامتثالية اجتماعية."   

  ويرىPorcelli et coll (1955); Tordarello et coll (1995) في (Crocos et al, 2003) أن التكتم كبعد أساسي يمكنه تشجيع التظاهرات المرضية الجسدية. مع العلم أن الدراسات التي أقيمت في هذا المجال يمكن إجمالها في ثلاث خانات كما جاءت في (Nӧel et Rimé, 1988, p.587):

1)                       دراسات مقارنة أقيمت على عينات من المرضى السيكوسوماتيون. 

2)                      دراسات تناولت العلاقة بين مستوى التكتم وخطورة المرض.

3)                      وأخيرا دراسات تفحصت ارتباط المتغيرات بين درجة التكتم وعدد الأعراض الجسدية.

ويشير Taylor, 2001)) إلى أن التطبيقات السريرية لهذا المفهوم تبدو واعدة، وأهمها:

1- أن المتكتمين يظهرون نماذج من التعلق المرضي وأشكالا من سوء التكيف وعدم الضبط الانفعالي

2- أن التكتم يستعمل كمؤشر تنبؤي وبنجاح في أسباب الوفيات بغض النظر عن عوامل الأخطار الأخرى.

3- أثبت العلاج النفسي أن خفض التكتم يؤدي إلى فوائد صحية جمة.

 وهكذا تبدو أهمية التكتم خاصة في علاقته بالجسدنة والاكتئاب لدى مراجعي العيادات العامة.

وفي الدراسة التي قام بها (Tolmunen et al, 2010) تشير البيانات التنبؤية حول 2668 من مرضى القلب الاقفاري إلى زيادة خطر وفيات القلب والأوعية الدموية عند من يعانون من التكتم. مع العلم أن هذا التوقع يبقى قائما حتى بعد ضبط العديد من المتغيرات المربكة؛ بما في ذلك تناول التبغ، الضغط الدموي، الكلسترول السيء LDL، ومستوى المزاج المكتئبن والتي تعتبر كلها مرتبطة إيجابيا مع التكتم. (Consoli, 2013)

وفي تحليل للمنشورات التي تدمج مفهوم التكتم في علم الأورام، توصل (De Vries AMM, 2012) بان النتائج جاءت غير متجانسة، وبأنه تم تناول العلاقة بطرق منهجية أقل موضوعية مما تم تناوله في مجال الامراض القلبية الوعائية. حيث جاءت النتائج غير مقنعة، ويستنتج بان التكتم في مجال السرطانات يظهر كطريقة تكيفية ورد فعل لـ  "إجهاد" السرطان أكثر من كونه سمة شخصية تحمل خطرا في طياتها. Ibid))

كما ذهبت العديد من ألأبحاث السريرية منها والتصوير الدماغي الوظيفي، لصالح وجود علاقة بين التكتم والألم المزمن أو الحساسية بالألم، وعلاقتها أيضا بالاضطرابات جسدية الشكل بصفة عامة.

2)- اما العدائية المعرفية: فإن الميل أو النزعة إلى العداء وخاصة للأفكار العدائية من مثل الارتياب الشك، عدم الثقة، الاستياء، الحقد... كقواسم مشتركة تفسر الاعتلال الجسدي والوفيات بشكل عام. وفي دراسة تنبؤية على 14 356 من مستخدمي شركة الغاز والكهرباء الفرنسية تم اتباعهم لمدة 15 سنة تقريبا، فقد جاء عدد الوفيات التي تم التنبؤ بها بسبب العدوانية المعرفية مرتفعا. وهي النتائج التي اكدت عليه العديد من الدراسات حيث اعتبرت العدئية المعرفية كسمة شخصية خطيرة وكوسيط للإصابة الجسدية، خاصة في اجتماعها مع المزاج الاكتئابي. (Lemogne et al, 2010). في حين أكدت دراسات أخرى كما جاءت في (Nabi & al, 2008) إلى أن العدائية لوحدها كسمة ممرضة كافية للإصابة بالمرض الجسدي حتى في عدم ارتباطها بسلوكيات ضارة للصحة (كالكحول، التبغ...)، فالقيمة التنبؤية للعدائية تستمر وتبقى قائمة حتى بعد بعد التعديل لمثل هذه الخصائص.   

 

 

6- سمات الشخصية كعوامل حماية للصحة الجسدية:

في مقابل الدراسات التي اهتمت بالأسباب الممرضة         (les facteurs pathogènes)، هناك من الدراسات التي اهتمت بالعوامل التي تعزز الصحة (les facteurs salutogènes).  وفي مقابل سمات الهشاشة الجسدية كالتكتم، والعدوانية المعرفية، فإنه تتوفر بعض سمات الشخصية كعوامل حماية من الإصابة الجسدية، نذكر منها: التفاؤل الاستعدادي والإحساس بالانسجام والتحكم المدرك. (Consoli, 2013)

وأشار (Kubzansky & al, 2010) في (Consoli, 2013) إلى أن الدراسات التي اهتمت بعامل التفاؤل الاستعدادي توصلت إلى انخفاض في نسبة الإصابة بالشرايين التاجي بمرتين اقل مقارنة بالمتشائمين، إضافة إلى تطور سيء وسلبي للمتشائمين في مجال الامراض السرطانية.  

كما يعتبر الإحساس بالانسجام والتحكم المدرك من السمات الإيجابية وعامل حماية يرتكز على الإحساس المستمر والدينامي للثقة بالذات، ما يسمح لهم بفهم المثيرات النابعة من الواقع الخارجي أو عالمه الداخلي، وبإعطاء معنى لوجوده الشخصي والشعور بالقدرة على تسيير الإغراءات والصعوبات التي تواجهه.  

وأظهرت دراسة على 20323 من الأفراد؛ بأن الإحساس بالانسجام ومستوى التحكم هي من العوامل المنبأة في انخفاض معدل الوفيات الطبيعية. وأظهر تحليل لفئات الأمراض الجسدية الكبرى، القيمة الوقائية للإحساس بالانسجام في مجال السرطان، وقيمة حمائية مماثلة للتحكم المدرك في مجال امراض القلب والأوعية الدموية. (Surtees & al, 2006 in Consoli, 2013)

وفي تحليل لـ 35 دراسة أجريت على افراد يتمتعون بصحة جيدة، و35 دراسة اخرى أجريت على مرضى يعانون من مرض جسديين، توصل الباحثون لاستخراج التأثير الحمائي لبعض السمات الشخصية والرفاهية النفسية كالسعادة، التفاؤل، الامل، حس الفكاهة والدعابة، في تقليص مساهمتها من الوقوع في الامراض الجسدية. (Chida & Steptoe, 2008)  

واضاف (Bruchon-Schweitzer et Boujut, 2014)، عوامل حماية أخرى أدرجها في الأساليب المعرفية المستمدة من نظريات التعلم الاجتماعي كـ (أسلوب الإسناد، مركز التحكم، الفعالية الذاتية)، إضافة إلى القدرة على التحمل، والمرونة.  

خاتمـة

تتأثر صحة الفرد بمحددات بيولوجية وأخرى انفعالية واجتماعية. أين تعتبر الشخصية عاملا وسيطيا وهي من اهم عوامل الخطر او الحماية في مقابل ظهور الامراض الجسدية. وقد طغت الرغبة في تحديد نموذج بنائي على الأبحاث التي أجريت في مجال الامراض الجسدية لعدة عقود؛ كان هدفها تأسيس فئة من الأشخاص لها بعض السمات الشخصية أو الخصائص النفسية وبعض الأعراضيات الجسدية المشتركة.

سعينا من خلال هذا العرض للتركيز على العلاقة بين البناء النفسي/الشخصية والمرض الجسدي من خلال طرح لبعض النماذج النظرية وبعض الحقائق العلمية التي سعت العديد من الدراسات لابرازها بدعم النماذج التي ترى بمساهمة بعض الخصائص والسمات الشخصية في الحفاظ على الصحة النفسية   أو على العكس من ذلك حدوث الأمراض الجسدية وتطورها كما ذهب إليه أنصار علم النفس الصحة. إذ سعى الباحثين إلى تحديد انماط السلوك أو أنماط الشخصية منذ أعمال فريدمان وروزنمان حول "النمط أ"، وأعمال جرير وموريس وليديا تيموشوك حول"النمط ج"، وصولا إلى دراسات جوناتان دونولوت حول "النمط د"، واللذين قاموا بتحديد عدد من المؤشرات التي تكون مجتمعة التركيب المميز لهذا النمط السلوكي والتي تكون لها مساهمة في نوعية المرض الجسدي الذي يصاب به الفرد حامل ذلك النمط.

 وقد نالت الدراسات في مجال الامراض القلبية الوعائية حظها الوافر من البحث لإثبات هذه العلاقة، حيث أوضح التمحيص والتحليل لهذه الدراسات بأنها كانت دراسات موضوعية اتبع فيها اسلوب منهجي دقيق كما كانت أكثر توافقا للتحقق من مثل هذه الارتباطات مقارنة بالدراسات التي اجريت في مجال السرطان والتي لم تكن مقنعة كفاية ولا يمكن اعتمادها كلية.

وسعت المدرسة السيكوسوماتية من جهتها لإظهار دور البناء النفسي في ظهور الامراض الجسدية. إذ أستندت دينبار في نظريتها الوقائية لوجود عامل للشخصية الذي يكون خاص بنوع محدد من الخلل الفيزيولوجي وعملت على تطوير وتعميق فكرة بروفيل الشخصية الذي يشترك فيه مجموعة من المرضى،  وعملت على نقل  فكرة ارتباط الشخصية بالمرض الجسدي من المنهج الاستنباطي إلى منهج علمي واضح وتوصلت إلى وجود بناء وتكوين الشخصية تجعل الافراد حاملين الاستعدادية للوقوع في امراض جسدية معينة دون غيرها اين يتعلق الأمر ببنية الشخصية التي تضعف منطقة محددة من الجسم أمام الاعتداءات الخارجية التي تمهد الأرضية للاصابة بالمرض ، فوصفت بالتالي ملامح شخصية المصاب بضغط الدم والمصاب بداء السكري... الخ.

في حين ركز ألكسندر على الخصوصية وارتباط كل حالة انفعالية بظهور تناذرات فيزيوباتولوجية محددة. وميز بين الإصابات المتعلقة بالنشاط الزائد بالجهاز السمبثاوي وبين تلك المتعلقة بالنشاط الزائد للجهاز الباراسمبثاوي؛ إذ يلتقي هذا التمييز بنمط حياة فئتين من المرضى. يندرج تحت الفئة الاولى الضغط الدموي، الصرع، السكري. اما في الفئة الثانية فيندرج تحتها مرضى الربو، القرحة المعدية، المعفج.

أما مارتي فقد اهتم بالبنية الأساسية للأفراد ودورها في اختيار العرض أو نوعية المرض الجسدي، اين تشكل درجات العقلنة أساس هذا التقسيم. فكلما كانت العقلنة سيئة وتقترب من العصابات السلوكية كلما كان المرض خطيرا يهدد المآل الحيوي للفرد كبعض الأمراض المناعية الذاتية والأمراض السرطانية.  

وعليه، ومن خلال عرض مختلف التناولات النظرية وما توصلت إليه نتائج الدراسات، فإنه وبالرغم من الاختلاف في تناول المتغيرات حول العلاقة بين الشخصية والمرض الجسدي، فإن الأبحاث النفسية الجسدية لا تبدو قادرة على الهروب من التركيز على النموذج البنائي والذي يكون أساس تشكل السمات الخارجية.

وفي مقابل العوامل الممرضة تتوفر العوامل التي تعزز الصحة الجسدية كعوامل حماية من الإصابة الجسدية، نذكر منها التفاؤل الاستعدادي والإحساس بالانسجام والتحكم المدرك.  إضافة إلى بعض السمات الشخصية والرفاهية النفسية كالسعادة، التفاؤل، الأمل، مركز التحكم، الإحساس بالفعالية الذاتية، حس الفكاهة والدعابة، ...

وفي الأخير نقول كما أشار إليه (Consoli, 2013) بأن الأسباب المشتركة، لا سيما الوراثية منها مع الاخذ بعين الاعتبار كلا من أنماط الظواهر النفسية والاستعدادية لبعض الأمراض الجسدية، يمكن أن تدعم ارتباط نوع الشخصية بسماتها بالمرض النفسي. وبان السمات الشخصية للفرد وحدها أو بنيته النفسية غير كافية لتحديد اختيار العرض أو المرض الجسدي، بل في اشتراكها بعوامل أخرى؛ وراثية، بيولوجية فيزيوباتولوجية، وجدانية، انفعالية، اجتماعية على أساس أن الانسان وحدة بيونفسواجتماعي ويجب تناوله في شموليته بنظرة تكاملية، وأن نمط الشخصية هو محدد ثانوي وليس محدد أساسي، وما السمات الشخصية، أنماط السلوك، بروفيل الشخصية إلا عوامل مساهمة تعمل على ظهور العرض الجسدي واختيار أعراضيته أو نوعيته.

فهي بالتالي تعتبر عوامل مفجرة، تضاف للمسببات الجسدية        أو كتكملة لها، مسببات لا يمكن للمرض أن يظهر بدونها. 

      كما أن ﻓﻜﺭﺓ حصر ﺍﻷﻓﺭﺍﺩ ﻓﻲ نماذج ﻤﻥ الخصائص والتراكيب السلوكية والنفسية والانفعالية يجب أن لا يتوقف هدفها عند حدود التصنيف وتحديد الأنماط، بل وضع أسس الوقاية من الإصابة ببعض الامراض من خلال تحسين نوعية حياتهم وتعديل الأسلوب الخاص والمميز للفرد في الاستجابة للمواقف الحياتية المختلفة وفي التعامل مع نفسه ومع الآخرين للتقليل من احتمالية الإصابة المرضية والارتقاء بصحته بشكل عام

المراجع

-ﺃﺤﻤﺩ ﻤﺤﻤﺩ ﻋﺒﺩ الخالق، الابعاد الأساسية للشخصية، الطبعة الأولى، دار المعرفة الجامعية، ﺍﻹﺴﻜﻨﺩﺭﻴﺔ، مصر،1994.

-جمعة سيد يوسف، دراسات في علم النفس الإكلينيكي، الطبعة الأولى، دار غريب، القاهرة، مصر، 2000.

-مارتي بيار، ستورا جون بنجامان، ترجمة النابلسي محمد أحمد، مبادئ السيكوسوماتيك وتصنيفاته، الطبعة الأولى، دار الهدى، باتنة، الجزائر،1992.

-  ADAM Z & BLATNÝ M, "Type C personality (cancer personality): current view and implications for future research", US National Library of Medicine National Institutes of Health, 2008, Vol 6, n° 54, pp: 638-45. http://www.ncbi.nlm.nih.gov/pubmed/18672576  dernière visite: 20/07/2018.

-  ALEXANDER. F, La médecine psychosomatique, Payot, Paris,2002.

-  AMAMI.O, AKROUT.R, BEN THABET-KAMOUN, "Psychogenèse du cancer", l'Information Psychiatrique, 2006, Vol 82, n°8, pp : 683-688

-        BRUCHON-SCHWEITZER Marilou, introduction à la psychologie de la santé, 2émé édition, Dunod, France, 2002.  

-         BRUCHON-SCHWEITZER Marilou et BOUJUT Émilie, "Les aspects protecteurs de la personnalité" in Psychologie de la santé Concepts, méthodes et modèles, chapitre 4, 2eme édition, Dunod, paris, 2014, pp : 277 à 371.

-        CHEMOUNI J, " Personnalité, spécificité et structure en psychosomatique », Evolution Psychiatr. éditions scientifiques et médicales, 2000, n° 65, pp : 539-570.

-  CHIDA.Y, STEPTOE.A, "Positive psychological well-being and mortality: a quantitative review of prospective observational studies",  Psychosom Med, 2008, n°70, pp: 741-756.

-  CONSOLI Silla M, "Personnalité et maladies somatiques" in Les personnalités pathologiques, Sous la direction de Julien-Daniel Guelfi et Patrick Hardy., Lavoisier, Paris, 2013, pp : 256 - 263

-        DENOLLET J, PEDERSEN S, "Is Type D Personality Here to Stay? Emerging Evidence Across Cardio- vascular Disease Patient Groups", The Netherlands Current Cardiology Reviews, 2006, n° 2, pp: 205-213

-        DENOLLET J, CONRAADS VM, "Type D personality and vulnerability to adverse outcomes in heart disease», Cleveland Clinic Journal of Medicine, 2011, pp:13-19.

-        DENOLLET J, "Personality and risk of cancer in men with coronary heart disease", Psychol Med, 1998, n° 28, pp: 991-995.

-        DENOLLET J, "Type D personality. A potential risk factor refined", JPsychosomtic Research, 2000, n° 49, pp: 255-266.

-        EL-GABALAWY R, KATZ LY, SAREEN.J, "Comorbidity and associated severity of Borderline Personality Disorder and physical health conditions in a nationally representative sample", Psychosom Med, 2010, n° 72, pp: 641-647.

-  ESKELINEN Matti, OLLONEN Patrick, "Assessment of cancer-prone personality characteristics in healthy study subjects and in patients with breast disease and breast cancer using the commitment questionnaire: a prospective case-control study in Finland», Anticancer Res. Nov 2011, n° 31 (11), pp: 4007-4013.  http://www.ncbi.nlm.nih.gov/pubmed/22110235         dernière visite : 03/11/2018.

-        FERNANDEZ-BALLESTEROS Rocio, Cancer-prone Personality, Type C, International Encyclopedia of the Social & Behavioral Sciences, 2001, vol 12, pp :14391443.

-        GOODWIN RD, COX BJ, CLARA I, "Neuroticism and physical disorders among adults in the community: Results from the National Comorbidity Survey", J Behav Med, 2006, n° 29, pp: 229-238.

-        GOODWIN RD, FRIEDMAN HSn "Health status and the five-factor personality in a nationally representative sample", J Health Psychol, 2006, n°11, pp: 643-654.

-        GRAZIANI. P. & SWENDSEN.J, Le stress : émotions et stratégies d’adaptation, 1ere édition, Nathan, France,2004. 

-        GROSSARTH-MATICEK R, EYSENCK HJ, VETTER H, "Personality type, smoking habits and their interaction as predictors of cancer and coronary heart disease", Pers Indiv Differ, 1988, n° 9, pp: 479-499.

-        HAGEN LISTE Karen," Breast cancer, personality and the feminine role", Patient Education and Counseling, 1999,Vol 36 (1), pp : 3345

-        HAGGER-JOHNSON.G, ROBERTS.B, BONIFACE.D & al, "Neuroticism and cardiovascular disease mortality: socioeconomic status modifies the risk in women", (UK Health and Lifestyle Survey). Psychosom Med, 2012, n° 74, pp: 596-603.

-        HANSEN PE, FLODERUS B, FREDERIKSEN K, JOHANSEN C, "Personality traits, health behavior, and risk for cancer: a prospective study of Swedish twin court", Cancer, 2005, n°103, pp: 1082-1091.

-        LEMOGNE C, NABI H, ZINS M et al, "Hostility may explain the association between depressive mood and mortality: evidence from the French GAZEL cohort study", Psychother Psychosom, 2010, n°79, pp: 164-171.

-  MARTY Pierre, Mentalisation et psychosomatique, Le Plessis-Robinson, Les Empêcheurs de penser en rond, Paris, 1991.

- MARTY.P, L'Ordre psychosomatique : les mouvements individuels de vie et de mort : essai d'économie psychosomatique, tome 1, Payot Paris, 1998.

-  MORIZOT Julien, Le développement de la personnalité de l’homme de l’adolescence au milieu de la vie : Approches centrées sur les variables et sur les personnes, Thèse présentée à la Faculté des études supérieures en vue de l’obtention du grade de Philosophie en psychologie, Université de Montréal, 2003, thèse publiée. https://papyrus.bib.umontreal.ca/xmlui/bitstream/handle/1866/6725/these.pdf dernière visite : 09/09/2018

-  NABI H, KIVIMÄKI M, ZINS M et al, "Does personality predict mortality? Results from the GAZEL French prospective cohort study", Int J Epidemiol, 2008, n° 37, pp: 386-396.

-  PONGY Philip, BABEAU Robert, Psychosomatique et médecine, 1ere édition, Sauramps médical France, 2003.

-            PORCELLI Piero, MEYER Gregory, "Construct validity of Rorschach variables for Alexithymia", psychosomatics, 2002, vol 435, pp:360-369.

-        RAGLAND DR, BRAND RJ, "Type A behavior and mortality from coronary heart disease", N Engl J Med, 1988, n°318, pp: 65-69.

-        SCHRAUB Simon, "Existe-t-il un lien entre un événement psychique et le risque de survenue d'un cancer ?", Revue d'épidémiologie et de santé publique, 2009, vol 572, pp : 113123.

-        SCHUSTER JP, LIMOSIN F, LEVENSTEIN S, LE STRAT Y, "Association between peptic ulcer and personality disorders in a nationally representative US sample», Psychosom Med, 2010, n°72, pp: 941-946.

-  SMADJA Claude, La vie opératoire, études psychanalytiques, 1ere édition, PUF, collection Le fil rouge, Paris, 2001.

-  STORA Jean Benjamin, Quand le corps prend la relève : stress, traumatismes et maladies somatiques, Odile Jacob, Paris, 1999.

-        TEMOSHOK L, "Personality, coping style, emotion and cancer: towards an integrative model", Cancer Surveys, 1987; n°6, pp: 545-567.

@pour_citer_ce_document

زهية غنية حافري, «اختيار العرض/ المرض الجسدي بين أنماط السلوك، بروفيل الشخصية، الخصوصية والبنية السيكوسوماتية »

[En ligne] ,[#G_TITLE:#langue] ,[#G_TITLE:#langue]
Papier : ص ص 243-257,
Date Publication Sur Papier : 2020-04-23,
Date Pulication Electronique : 2020-04-23,
mis a jour le : 23/04/2020,
URL : https://revues.univ-setif2.dz:443/revue/index.php?id=6874.