التوظيف الأسري للطفل مفرط النشاط الحركيFamily employment of the hyperactive motor child
Plan du site au format XML


Archive: revues des lettres et sciences sociales


N°01 Avril 2004


N°02 Mai 2005


N°03 Novembre 2005


N°04 Juin 2006


N°05 Juin 2007


N°06 Janvier 2008


N°07 Juin 2008


N°08 Mai 2009


N°09 Octobre 2009


N°10 Décembre 2009


N°11 Juin 2010


N°12 Juillet 2010


N°13 Janvier 2011


N°14 Juin 2011


N°15 Juillet 2012


N°16 Décembre 2012


N°17 Septembre 2013


Revue des Lettres et Sciences Sociales


N°18 Juin 2014


N°19 Décembre 2014


N°20 Juin 2015


N°21 Décembre 2015


N°22 Juin 2016


N° 23 Décembre 2016


N° 24 Juin 2017


N° 25 Décembre 2017


N°26 Vol 15- 2018


N°27 Vol 15- 2018


N°28 Vol 15- 2018


N°01 Vol 16- 2019


N°02 Vol 16- 2019


N°03 Vol 16- 2019


N°04 Vol 16- 2019


N°01 VOL 17-2020


N:02 vol 17-2020


N:03 vol 17-2020


N°01 vol 18-2021


N°02 vol 18-2021


N°01 vol 19-2022


N°02 vol 19-2022


N°01 vol 20-2023


N°02 vol 20-2023


A propos

avancée

Archive PDF

N:02 vol 17-2020

التوظيف الأسري للطفل مفرط النشاط الحركي

Family employment of the hyperactive motor child
ص ص 09-21
تاريخ الإرسال: 2018-10-31 تاريخ القبول: 2020-06-08

ريمة جاب الله / فريدة قماز
  • resume:Ar
  • resume
  • Abstract
  • Auteurs
  • TEXTE INTEGRAL
  • Bibliographie

 يهدف هذا المقال لدراسة التوظيف الأسري عند الطفل الذي يعاني من اضطراب فرط النشاط الحركي، ومعرفة ما إذا كان هذا الأخير يعاني خللا في توظيفه الأسري، وذلك بالاعتماد على اختبار رسم العائلة لـلويس كورمن(1964)  والمقابلة العيادية، حيث تم تطبيق إجراءات الدراسة على حالتين ذكر وأنثى يبلغان من العمر 9سنوات ويدرسان في الصف الرابع والثالث ابتدائي، وقد أسفرت نتائج الدراسة بعد التحليل  على أن الأطفال المصابينباضطراب فرط النشاط الحركي يعانون من سوء التوظيف الأسري مع وجود حدود مائعة في مختلف الأنساق الفرعية المكونة لهذه الأسر، إضافة إلى عدم احترام أعضاء كل نسق فرعي وظائفهم الأسرية.

الكلمات المفاتيح

الطفولة، الأسرة، التوظيف الأسري، فرط النشاط الحركي، اختبار رسم العائلة

Cet article vise à étudier le fonctionnement familial chez l'enfant atteint de trouble d'hyperactivité afin de découvrir si ce dernier souffre d’une perturbation dans son fonctionnement familial et ce, en utilisant le test de dessin de la famille de (Louis Corman, 1964) et l’entretien clinique. L’étude concerne deux cas ; un garçon et une fille âgés de 9 ans et scolarisés en 3eme et 4eme années primaires. Les résultats de l'étude ont révélé que les enfants présentant un trouble de l'hyperactivité souffrent d'un dysfonctionnement familial en raison des limites diffuses dans les sous-systèmes de ces familles. Elle a également montré que les membres de chaque sous-système dans la famille d'un enfant présentant un trouble d'hyperactivité ne respectent pas leurs fonctions familiales.

           Mots clés:Enfance, famille, Fonctionnement familial, Hyperactivité, Test de dessin de la famille

This article aims to study the family functioning of the child with hyperactivity disorder, and to know whether the latter suffers a defect in his family functioning, using the family drawing test of Louis Corman (1964), and the clinical interview that have been applied to two cases (a boy and a girl), aged 9 years old and studying at the 3rd and 4th grade of primary school. The results of this study reveal that children with hyperactivity disorder suffer from a family malfunction, and there are fluid boundaries in the different subsystems of these families. In addition to, the members of each subsystem do not respect their family functions.

         Keywords:Childhood, Family, Family Functioning, Hyperactivity, Family Drawing Test

Quelques mots à propos de :  ريمة جاب الله

[1]، جامعة محمد لمين دباغين سطيف 2   mira_psy@outlook.fr
[1] المؤلف المراسل

Quelques mots à propos de :  فريدة قماز

 جامعة محمد لمين دباغين سطيف 2  gfarida2001@yahoo.com  

مقدمة

يعتبر الفرد الإنساني المكون الأول للأسرة، فبالتحام مجموعة من الأفراد بعلاقات مختلفة بدءا من علاقة الزواج تتشكل الأسرة، والتي عن طريقها يستمر النسل والحياة بشكل عام، ففي هذا الوسط يحقق الإنسان جل غرائزه من أمن اجتماعي، اقتصادي، بقاء النوع، تحقيق غريزة الأمومة، الأبوة، الأخوة... ففيها ينشأ الفرد وهي المسؤولة عن نموه من مختلف الجوانب الجسمية، العقلية، اللغوية والانفعالية، إذ بمجرد تشكل الأسرة تظهر مجموعة من المسؤوليات عند أول فردين فيها وتتطور هذه المسؤولية بإنجاب الأطفال، حيث يصبح أفراد هذه الأسرة يبحثون عن طرق تحقق استقرارهم للمحافظة على هذه الخلية بشكل متوازن،لذلك يسخرون أكبر قدر من طاقاتهم وقدراتهم لها، فتنشأ علاقة المحبة، الألفة والأخوة ما بينأفرادها،ويشرعون في تلقين أطفالهم مختلف أشكال التنشئة؛فهي المعلم الأول له، وتختلف تربية الطفل من أسرة لأخرى تبعا للظروف الاجتماعية، الاقتصادية والثقافية لهذه الأسرة،إضافة إلى نمط العيش ونوعية الحياة التي يعيشونها،وكل هذا يؤثر على تكوين الطفل من كل جوانبه، فالمتعارف على الطفولة أنها "مرحلة عمرية يكون فيها الطفل مرتبطا ارتباطا وثيقا بأمه كونها التي تقوم بإشباع حاجاته الأساسية من غذاء، دفء وحنان، وبمرور الوقت يتعود الطفل على وجود بقية أفراد أسرته".1"أين يبدأ الطفل في عملية التقليد والمحاكاة لمن حوله خاصة من يعجب بشخصيتهم".2وكل هذا يؤثر في شخصيته، فهذا "الطفل ما هو إلا مستقبل لشخصيات وسلوك الكبار، فحين يسلك الطفل سلوكاغير سوي يكون ذلك ناتجا عن قصور دور الأسرة في توجيهه".3ذلك كون "أول علاقة تتأسس لدى الطفل تكون مع والديه،وكل علاقة جديدة سيقيمها الولد ستأخذ مرجعا في الرابط الأولي مع الوالدين الذي يحدد وجودهما الحقيقي تخيلهما ودلالتهما الرمزية، فالوالدان يمثلان معطى راهنا؛لأنهما يتدخلان ليس فقط في أصل الاضطراب ولكن أيضا في استمراره وفي أشكال مواجهته العيادية وفي حله".4وهذا ما دفع  بجل الدراسات الراهنة إلى دراسة مختلف الاضطرابات النفسية في إطارها الأسري للكشف الحقيقي عن سببية وأصل الاضطراب فما يبديه الطفل من أعراض ما هي إلا انعكاسلما يعيشه نسقه الأسري من توتر؛فنجد دراسة (مختار بوثلجة،2016)التي كشفت أن اضطراب الفوبيا المدرسية لدى الطفل يتعلق بخلل في التوظيف الأسري لأسرته، كما نجد دراسة (G.Lemelin, 2009D.Lafortune et all)التي توصل فيها الباحثون إلى وجود علاقة بين الخلل في التوظيف الأسري وظهور أعراض فرط النشاط الحركي. فالاتجاه النسقي ينادي بضرورة فهم مختلف الاضطرابات النفسية،وتلك المتعلقة بالأطفال بصفة خاصة ضمن إطارها الأسري   "إذ يعتبرون أن الأسرة هي المسؤولة عن بناء شخصية متوازنة أو مضطربة، فلا يمكن البحث عن مشكلة تصادف الطفل دون العودة إلى أسرته،فالدور أو الوظيفة الأساسية لهذه الأسرة تكمن في إثراء النمو النفسي لمختلف أفرادها".5فالتوظيف الأسري إذا يعتبر عاملا مهما وأساسيافي بناء شخصية الطفل، فهو من يحكم عليه بالسواء أو اللاسواء؛فعندما تختل وظيفة هذه الأسرة تؤدي إلى اضطرابات علائقية ما ينجم عنه ظهور مختلف الاضطرابات النفسية عند بعض أفرادها،كل وفق البنية التي تأسست عليها شخصيته،فنجد المقاربة البنائية لـ Minuchin(2005)تقر بأن "أعراض الاضطراب التي يبديها أحد أفراد الأسرة ما هو إلا نتيجة لسوء التنظيم والتوظيف للبنية الأسرية".6كما نجد مدرسة Palo Alto(1999) التي تنسب الأمراض والاضطرابات إلى سوء التوظيف الأسري،وأن "الطفل الذي يظهر كحامل لهذا العرض هو الأكثر تأثرا لعدم اتزان الأسرة".7إضافة إلى caillé(1991) الذي يرى "أن العرض هو انعكاس لحالة أزمة".8  ومن بين الاضطرابات التي يمكن أن تظهر عند الأطفال نجد السلوكية منها كاضطراب فرط النشاط الحركي،و"الذي يظهر في شكل اندفاعية، حركة مفرطة غير هادفة وغير مقبولة اجتماعيا،بالإضافة إلى أعراض ثانوية كضعف التحصيل الدراسي، ضعف العلاقات مع الآخرين،وعدم الاتزان الانفعالي".9وكل هذه الأعراض تؤثر سلبا على المسار الحياتي للطفل وعائلته، خاصة مع زيادة انتشار هذا الاضطراب فحسب DSMVفإن نسبة انتشار هذا الاضطراب عالميا قد بلغت %5وتختلف هذه النسبة من دولة لأخرى.10

ولفهم هذه الدينامية ما بين العلاقات الأسرية ووظائف كل نسق فيها بظهور مختلف الاضطرابات وجب اللجوء إلى وسيلة تكشف عن الإتيولوجية الحقيقيةلهذا الاضطراب، ويتم ذلك بمراعاة خصوصية مرحلة الطفولة،وخصوصية اضطراب فرط النشاط الحركي أين يكون الطفل غير قادر على التعبير اللغوي نظرا لنقص رصيده اللغوي،وعدم القدرة على التعبير عمايعانيه، لعدم فهم المشكلة بالتفصيل وعدم القدرة على انتقاء المصطلحات المعبرة فعليا عن حالته، وخاصة إذا ما تعلق الأمر بمشكلة علائقية بأحد أفراد أسرته فتبعا لهذه العلاقة لا يمكن التعبير بحرية، وباعتبار أنه من مميزات مرحلة الطفولة تعلق الطفل بالرسم،وهو نشاط يستهويه،ويجعله يقوم به دون تذمر وملل بحيث أصبح وسيلة تعتمد بكثرة،فهو نشاط يجعل الطفل يعبر وبكل حرية عن مشاعرهوانفعالاتهوعواطفه، وإسقاطه كامل صراعاته            و مكبوتاتهعلى هذا الرسم، فهذا النشاط يعتبر صورة عاكسة لحالة الطفل النفسية، ومن بين نشاطات الرسم المستعملة نجد اختبار رسم العائلة الذي قام بوضعه (Louis Corman,1964)وهو واحد من الاختبارات الإسقاطية لتحليل الشخصية، وهو اختبار سهل من حيث التطبيق نحتاج فيه إلى مجموعة بسيطة ومتداولة من الأدوات كما يمكن للطفل أن ينفذه ويفهم تعليماته ببساطة، ولغرض فهم اضطراب النشاط الحركي (TDAH)في إطاره الأسري جاءت هذه الدراسة كمحاولة لإيجاد علاقة ظهور اضطراب فرط النشاط الحركي لدى الطفل بأسرته،  فجاءت إشكالية الدراسة محددة بالتساؤل القائل:

·  هل يعاني الأطفال المصابون باضطراب فرط النشاط الحركي (TDAH)خللا في توظيفهم الأسري؟

Ø                       الفرضية العامة:

·    يعاني الأطفال المصابون باضطراب فرط النشاط الحركي (TDAH)خللا في توظيفهم الأسري.

Ø                       مصطلحات الدراسة:

·  تعريف اضطراب فرط النشاط الحركي إجرائيا:نشاط حركي مفرط يصدر على شكل سلوكيات مزعجة من طرف الطفل، تكون خارج سيطرته بسبب عدم القدرة على التحكم فيها وتسييرها، وخارج عن المألوف لدى الأطفال العاديين؛حيث لا تتلاءم مع البيئة المتواجد فيها، يتمظهر في مجموعة من الأعراض أهمها: - كثرة الحركة - التململ أثناء الجلوس - التجوال داخل القسم - سرعة التشتت في الانتباه - كثرة الالتفات - عدم الانصياع للأوامر - الاندفاعية...

·   تعريف الطفل مفرط النشاط الحركي إجرائيا: هو الطفل الذي يتراوح عمره ما بين 08-10سنوات، والذي يحصل على درجات عليا تفوق 42درجة في الصورة المدرسية، والدرجة 72 في الصورة العائلية أثناء استجاباته على مقياس كونرز لتشخيص اضطراب فرط النشاط الحركي لدى الأطفال.

·  تعريف الأسرة إجرائيا: هي وحدة تتكون من مجموعة من الأفراد يعيشون مع بعض، تربطهم علاقة الدم (زواج، أبوة، أخوة...) يتفاعلون فيما بينهم ويمارسون مختلف الوظائف الموكلة إليهم في هذه الأسرة، حيث كل فرد فيها يؤثر ويتأثر بالفرد الآخر.

Ø                         تعريف التوظيف الأسري إجرائيا: هي مجموعة من الوظائف البيولوجية النفسية والاجتماعية التي يقوم بها أفراد الأسرة كل حسب دوره ومكانته التي يشغلها في مختلف الأنساق الفرعية المكونة لهذه الأسرة، بهدف لتحقيقالتوازن وتلبية مختلف حاجاتأفرادها.

Ø                       الدراسات السابقة:

v                      دراسة مختار بوثلجة (2016)

·    عنوان الدراسة:الخصائص الأسرية المميزة لأسرة الطفل الذي يعاني من فوبيا مدرسية.

·  الهدف من الدراسة:تهدف هذه الدراسة إلى تحديد الخصائص الأسرية لأسرة الطفل الذي يعاني من فوبيا مدرسية، من منظور مقاربة نسقية، وذلك من خلال تحديد مختلف الأنساق الفرعية، وطبيعةالحدود الموجودة بين هذه الأنساق الفرعية، ووظائف كل نسق فرعي، وفرضية الطفل الذي لبس ثوب الوالد.

·  عينة الدراسة: تكونت من 03حالات،منهم 02ذكور أعمارهم 08سنوات،وبنت عمرها 07سنوات.

·  أدوات الدراسة:

ü                       المقابلة الأسرية.

ü                       الجينو غرام.

ü                       الخريطة الأسرية.

ü                       رسم العائلة.

ü                       الملاحظة المباشرة.

·  نتائج الدراسة:أسفرت هذه الدراسة على النتائج التالية:

·  أسر الأطفال الذين يعانون من فوبيا مدرسية يعانون من سوء توظيف أسري.

·  سوء التوظيف الأسري عند هذه الأسر له تاريخ يعود للأسرة الممتدة للأولياء خاصة الآباء.

v                      دراسة(G.Lemelin D.Lafortune et all ,2009)

·    عنوان الدراسة: دراسةالتوظيف الأسري والعرضية للطفل المصاب بفرط النشاط الحركي*.

 أهداف الدراسة:معرفة العلاقة بين التوظيف الأسري لأسر أطفالTDA/H وعلاقته بظهور أعراض الاضطراب عند هؤلاء الأطفال.

·    عينة الدراسة:تكونت من 262عائلة لديها أطفال يعانون من اضطراب TDA/Hوهؤلاء الأطفال تتراوح أعمارهم ما بين6-12سنة.

·    أدوات الدراسة:اعتمد الباحثون في هذه الدراسة على مجموعة من المقاييس والمتمثلة في:

ü                       استبانةالمعلومات العامة( (QRG

ü                       استبانةالتوظيف الأسري النسخة الثالثة ((FAD

ü                       مقياس DISCوهو مقياس يشخص 30اضطرابا عقليالدى الأطفال ما بين 6- 18سنة يستعمله الأخصائي النفساني.

ü                       استبانةالأعراض الاكتئابية عند الطفل (L’IDE)

ü                       استبانةحدة الأعراض المصاحبة لاضطراب فرط الحركة عند الطفل(SWAN-F)

ü                        مقياس الأعراض الحصرية عند الطفل (MASC)

ü                       اختبار الذكاء(WISC-3)

·  نتائج الدراسة:

ü                       توجد علاقة بين عمر الوالدين ودورهما في الوظائف الأسرية وظهور اضطراب فرط النشاط الحركي لدى الطفل.

ü                       عائلات الأطفال الذين يعانون من TDA/Hالمصحوب باضطراب المعارضة (TC) أو اضطراب الوسواس القهري (TOC) تعاني من صراعات داخلية وعدم التنظيم.

ü                       أعراض فرط الحركة ونقص الانتباه تؤدي إلى التشويش والإخلال بالتوظيف الأسري.

·   التعقيب على الدراسات السابقة:من خلال الدراستين المعروضتين نلاحظ أن كلامنهما اعتمدت على منهج وأدوات مخالفة للأخرى؛حيث

 

* Eude de fonctionnement familial et de la

 symptomologie des enfants présent un TDA/H.

تبنت دراسة (مختار بوثلجة،2016)المنهج العيادي بالاعتماد على

دراسة الحالة والمقابلات الأسرية والتي اتفقت فيه مع الدراسة الحالية من حيث تقنية دراسة الحالة ورسم العائلة، في حين جاءت دراسة (G.Lemelin D.Lafortune et all، 2009) مخالفة للدراسة الحالية ودراسة (بوثلجة مختار،2016)من حيث المنهج والأدوات حيث اعتمد على المنهج الوصفي الذي طبق من خلاله مجموعة من المقاييس على عينة كبيرة، لتتفق في الختام كل الدراسات في النتائج المتوصل إليها حيث أثبتت أن سوء التوظيف الأسري له علاقة بظهور الاضطرابات النفسية لدى أطفال هذه الأسر.   

v                      الجانب التطبيقي

تمهيد

إن إجراء أي دراسة ميدانية يستدعي اتباعمجموعة من الخطوات المنهجية للتحقق من فرضيات الدراسة وإثبات صحتها أو خطئها ولبلوغ الأهداف المسطرة وجب علينا تحديد المنهج الذي يتماشى مع متغيرات الدراسة، تحديد مجتمع الدراسة لغرض اختيار العينة عن طريق ضبط كل الخصائص الواجب توفرها عليها، مع تحديد الأدوات والأساليب الواجب استعمالها، للوصول ختاما إلى النتائج لعرضها ومناقشتها.

1-                        منهج الدراسة:المنهج بصفة عامة هو الطريقة التي يسلكها الباحث للوصول إلى نتيجة معينة والتحقق من الفرضيات من خلال المعطيات المشار إليها مسبقا في الإشكالية.11والمنهج المناسب للدراسة الحالية هو المنهج العيادي (منهج دراسة حالة) والذييعرف على أنه: المنهج الذي يهتم بدراسة جميع الجوانب المتعلقة بدراسة الظواهر والحالات الفردية، فهو الدراسة المعمقة لجميع البيانات المجمعة عنها من أجل الحصول على معلومات وحقائق تفصيلية.12

وقد اخترنا هذا المنهج دون غيره استجابة لمتطلبات الدراسة والتي تستدعي الفهم المعمق لنمط التوظيف الأسري عند الأطفال المصابين باضطراب فرط النشاط الحركي (TDAHومعرفة مختلف الوظائف التي يقوم بها أفراد كل الأنساق الفرعية في الأسرة،فكون هذا المنهج يعتمد على التقصي والتحليل الكيفي للبيانات،وبالاعتماد على أحد أدواته وهي دراسة الحالة،فهذا سيسمح لنا بالنظر للمشكلة من جميع الزوايا والفهم المعمق لها عن طريق جمع أكبر كم من المعلومات المتعلقة بمختلف الوظائف التي يؤديها أفراد أنساق عائلاتهم.

2-                        مجموعة البحث:تمثل الحقل الذي يجري عليه الباحث اختباراته أي هي مصدر البيانات المطلوب جمعها لإجراء هذه الدراسة،ويتم اختيارها وفقا لمتطلبات البحث، ومجموعة بحثنا الحالية اختيرت بطريقة قصدية عن طريق التوجه المباشر للحالات التي عينتهم مديرة المدرسة،والذين يعانون من اضطراب فرط النشاط الحركي؛حيث شخصوا من طرف الأخصائيين النفسانيين العاملين بقطاع الصحة المدرسية،إضافة للتشخيص المعاد من طرف الباحثة لغرض التأكد. وبعد التقرب منهم وإجراء مقابلات معهم ومع معلميهم وملاحظتهم في وضعيات مختلفة تم تحديد مجموعة من الأطفال الذين ثبت عندهم الاضطراب،ثم اخترنا حالتين وفق مجموعة من الشروط والمتمثلة في:

·  الحالة يعاني من اضطراب فرط النشاط الحركي المصحوب بنقص الانتباه.

·  الحالة لا يعاني من أي اضطرابات عضوية أو عقلية.

·  المستوى الاقتصادي للحالة متوسط.

·  عمر الحالة ما بين(8-9)سنوات.

·  مستوى ذكاء الحالات فوق المتوسط.

3-                        أدوات البحث

3-1- الملاحظة:تعرف أنها الانتباه المقصود والموجه نحو سلوك فردي أو جماعي معين، بقصد متابعته ورصد تغيراته ليتمكن الباحث من وصف السلوك فقط، أو وصفه وتحليله، أو وصفه وتقويمه.13وقد اعتمدت في الدراسة الحالية قصد ملاحظة سلوكيات الطفل أثناء تواجده في المدرسة لتشخيص اضطراب فرط النشاط الحركي عند أفراد مجموعة البحث.  

3-2- المقابلة:هي وسيلة جمع البيانات، وهي عبارة عن استقصاء شفوي تتضمن علاقة مباشرة بين طرفين، وهي تتميز بالمرونة والقابلية للتعديل وبإمكانية استخدامها في أشكال متعددة،ومع أنماط عديدة من الأفراد وحتى مع الأطفال، حيث يمكن للباحث أن يحفز ويشجع المجيب.14وقد استعملنا المقابلة في هذا البحث مع الحالات والمعلمين،وأحد الوالدين لهدفين الأول يتمثل في اختيار أفراد مجموعة البحث من خلال المقابلة مع المعلمين والوالدين، و الثانيهو تشخيص الحالات التي تعاني من الاضطراب، و فهمسيرورة الحياة التي يعيشونها رفقة أسرهم.

3-3- اختبار رسم العائلة: هو اختبار إسقاطي يستخدم بغية التعرف على المعاش النفسي،وسمات الشخصيةللطفل، وهو أداة لتشخيص اضطرابات الشخصية وتحليلها وضعه Louis Cormanعام 1961    وهو اختبار سهل التطبيق ومستحب من طرف الأطفال تعليمته بسيطة ومفهومة تتمثل في: "أرسم عائلتك أو تخيل عائلة من اختراعك   وارسمها".15

وقد لجأنا إليه في بحثنا هذا كأداة لمحاولة فهم الدينامية داخل أسر هؤلاء الأطفال، والكشف عن مختلف العلاقات بين أفراد هذه الأسر والصراعات التي يعاني منها أصحاب هذه الحالات،وهي الأداة الرئيسية المستعملة في هذه الدراسة لفهم التوظيف الأسري عند مجموعة البحث.

3-4- مقياس كونرز: هو استبانة تستعمللتشخيص وقياس أعراض اضطراب فرط النشاط الحركي لدى الأطفال،  قام بإعداده connersعام 1969وترجم من طرف M.Dugas et S.Cooks.d)، يتكون من صورتين:صورة موجهة للوالدين وتتكون من 48بندالوصف سلوك الطفل تتوزع على 5محاور( محور المشكلات السلوكية، محور صعوبات التعلم  ،محور الاندفاعية وفرط الحركة، محور سلوك الجسدنة محور الحصر) والصورة الثانية موجهة للمعلمين تتكون من 28بندالوصف سلوك الطفل تتوزع على 3محاور (محور المشكلات السلوكية، محور الاندفاعية وفرط الحركة، محور الانتباه). كل صورة منهاتتضمن 4بدائل للإجابة،وتتراوح مجموع الدرجات في الصورة الوالدية من 0-144درجة،وفي الصورة المدرسية بين 0-84درجة.16

وقد استخدم في دراستنا الحالية كأداة تشخيصية لاضطراب فرط النشاط الحركي لدى أفراد مجموعة البحث.

4-                        عرض ومناقشة النتائج

تمهيد

   بعد اختيار المنهج المناسب للدراسة واتباعه، واختيار أفراد مجموعة البحث وفقا للشروط المحددة سابقا قمنا بتطبيق إجراءات الدراسة على الحالات المختارة باستعمال الأدوات المحددة أين قمنا بملاحظتهم وإجراء مقابلات معهم ومع معلميهم، وأخيرا طبقنا عليهم اختبار رسم العائلة،  لنتوصللمجموعة من النتائج سنعرضها في التالي.

4-2- عرض ومناقشة النتائج

§  الحالة الأولى

آدم طفل يبلغ من العمر 9سنوات، يدرس في قسم السنة الرابعة ابتدائي، لا يعاني من أي مرض عضوي حسب الملف الطبي المدرسي المطلع عليه، آدم يعيش رفقة عائلته الممتدة المتكونة من الجد، الجدة،  العم، زوجة العم، 3أبناء العم منهم 2أكبر منه سنا،وواحدة أقل منه، عمتان، و والدهالبالغ من العمر 39سنة يمارس مهنة الفلاحة،مستواه الدراسي 6ابتدائي، ووالدته التي تبلغ من العمر 35سنة ماكثة بالبيت،ولم تلتحق بمقاعد الدراسة نهائيا، له أختانواحدة تبلغ من العمر 6سنوات تدرس في السنة الأولىابتدائي،والصغيرة تبلغ من العمر 14شهرا  . أما عن مستواهم الاقتصادي فهو مستوى فوق المتوسط،يشتغلون كلهم في الفلاحة لهم ملكيات خاصة، وفيما يخص العلاقة ما بينأفراد أسرة آدم فهي تتميز بالتذبذب وعدم التفاهم وكثرة الشجار حسب ما قاله آدم.

آدم تلميذ يعاني من اضطراب فرط النشاط الحركي، دلتنا عليه معلمته التي قالت إنهكثير الحركة والاندفاعية لدرجة الإزعاج، كما وصفته بمشتت الانتباه، و أنأي مثير خارجي يجعله يركز معه وينسحب  عماكان منتبهاله، هذا ما جعلنا نقوم بملاحظته في وضعيات مختلفة داخل حجرة الدراسة، أثناء دخول ومغادرة القسم، وأثناءالذهاب إلى المطعم وأثناء حصة التربية البدنية، وقد تأكد معنا ما قالته المعلمة؛إذ سجلنا مجموعة من الملاحظات منها: أنه كثير الحركة ولا يمكنه الجلوس لمدة طويلة في مكانه على الكرسي، يندفع للإجابة قبل إكمال طرح السؤال، مقاطعة المعلمة والزملاء، يتشاجر مع زملائه، لا يمشي في نفس الصف رفقة باقي الزملاء... وللتأكد من الاضطراب طبقنا عليه مقياس (كونرز)لتشخيص فرط النشاط الحركي أين تحصل على درجة 70في الصورة المدرسية،ودرجة120في الصورة التي أجاب عليها الوالدان،ولفهم المشكل الحقيقي الذي أدى إلى ظهور هذا الاضطراب طبقنا على الحالة اختبار رسم العائلة.

·  تحليل اختبار رسم العائلة

·   العائلة الحقيقية:عندما طلبنا من آدم رسم عائلته الحقيقية والتي يعيش معها أول ما سجل عليه من ملاحظة أنه بدأ الرسم من اليسار إلى اليمين وهو ما يدل على  حركة تدريجية طبيعية للنمو يميزها قدر من النضج المثبت من خلال تفرقته بين الجنسين من خلال رسم الشعر للإناث غير الذكور.

وفيما يخص أول شخص رسمه آدم فهو الجد والذي أولاه أهمية وعناية كبيرة من خلال البدء به وهو الأكبر حجما،والأكثر تلوينا كما وضع له قبعة وهو الشخصية المحبوبة في المنزل،وهو من يريد تقمص شخصيته،ويدل ذلك على السلطة التي يمارسها في البيت وعلى الوظيفة الأساسية التي يؤديها في العائلة الممتدة، في الوقت الذي غاب فيه الأب من الرسم والذي يعد مقصيابشكل نهائي من وظيفته العائلية سواء في النسق الفرعي الوالدي أو النسق الزوجي، ونفس الحال بالنسبة للأم التي كانت آخر من رسمها الحالة؛حيث كانت منفصلة عن أولادها،وقريبة من العمتين،وهذا إنقاصمن مكانتها التي تؤديها في النسق الفرعي الوالدي مع غيابها العاطفي،وعدم تأديتها لوظيفتها فيه، كما نلاحظ رسم كل الأفراد منفصلين عن بعض،وهذا يفسر عدموجود علاقات طيبة بينهم، كما ترك الحالة نفسها فيآخر شخص يٌرسموأخذ مكانة الهامش،ويعود ذلك للصعوبات التي يتلقاها عندما يقيم علاقات مع الآخرين بسبب العدوانية ضدهم، و لأنهيشعر أنه مقصي ومحروم من أداء وظيفته المنسوبة إليه في النسق الفرعي الأخوي. وقد جاء رسم آدم متمركزافي الجهة اليسرى السفلى والدالة على الميل للحركة النكوصية للطفولة الماضية والعيش حسب الأولويات الفطرية للحياة المختارة،وهذا يدل على أن الوضع الحالي المعاش من طرف الطفل غير مرضي،وأنه محطم، وما زاد تأكيد ذلك رسمه لأفراد أسرته من الأعلى إلى الأسفل،والذي يدل على عدم الأمان في مواجهة الضغوط وعدم الاستقرار الذي يعيشه وسط أسرته الممتدة. كما ظهر على الطفل ميولات عدوانية ونزوات عنيفة مراقبة من طرف أناه الأعلى من خلال رسم الخطوط بقوة، من إمساك القلم بقوة،وعض الشفتين إضافة إلى تميز رسمه بكثرة الخطوط المستقيمة،وهذا يعكس رفضه كذلك للوضع الحالي ورغبته في الاستقلال عن العائلة الممتدة،وتكوين عائلة نووية واستلام كل فرد لوظيفته الرئيسية في النسق العائلي الذي ينتمي إليه لخلق التوازن والاستقرار.

آدم يعيش حالة من القلق والخوف،وصعوبات داخلية إزاء الوضع الحالي مع المراقبة الشديدة لنزواته من طرف أناه الأعلى،والذي يشير إليها كل من رسم الجذع على شكل مربع، و رسمالعين مفتوحة وانعدام رسم الأذن؛فآدم يعيش هذه الحالة بسبب نقص الإحساس بالأمن والاستقرار،والذي زاد تأكيده رسمه لكل من الأيدي والأذرع مفتوحة، الأرجل منفرجة،وكل هذا راجع إلى غياب مصدر الحنان والأمن الذي يوفرهالأب والأم والتي تعد وظيفتهما الأساسية في النسق الفرعي الوالدي،والذي أقصيا منه في العائلة الممتدة.

·  العائلة الخيالية: عندما طلبنا من آدم أن يرسم لنا عائلة خيالية أي الأفراد الذي يرغب في العيش معهم،شرع في الرسم من اليسار إلى اليمين كما فعل في رسم عائلته الحقيقية،وهذا يدل على الحركة الطبيعية للنمو، والذي يتميز بنوع من النضج من خلال التفرقة ما بينالجنسين من خلال الشعر.

وما برز على رسم آدم هو رسمه الذي يميل إلى الجهة اليسرى،والذي يعبر عن محاولة الهروب من واقع معاش صعب التحمل،والرغبة في الحركة النكوصية للماضي أين كان فيه طفل صغير لا يعي فيها معنى المسؤوليات، كما لاحظنا أن رسم آدم تميز بخطوط متفاوتة الطاقة والتي تعكس نزواته العنيفة وطابعهالعدواني،وخوفه من العجز حسب كورمان والذي زاد من إثبات ذلك رسم الكتفين بشكل عريض إضافة إلى استعمال اللونين الأحمر والأزرق، فآدم لا يستجيب لأوامر والديه وبرز ذلك من خلال رسم أذنين له،كما يدل ذلك على عدم قدرة النسق الفرعي الوالدي تأدية وظيفته، فهو يرغب في العيش مع عائلته النووية فقط من خلال رسمه لهم دون باقي الأفراد الذين يعيش معهم حقيقة،فهم يشكلون موضوع قلق بالنسبة له؛حيث قاموا بإقصاء الوالدين من وظيفتهما الحقيقية تجاهأبنائهم،إضافة إلى أن رسمه يحتل المنطقة العليا من الورقة والدالة على اتساع الخيال عنده واطلاعه لتغيير الوضع الحالي،وأداء كل فرد في العائلة لوظيفته، فهو يعيش نوعامن الخوف والقلق من الوضع الحالي الذي تغيب فيه كل الوظائف الرئيسية لأفراد الأسرة النووية،وخضوعهم للسلطة العائلية التي تفرضها العائلة الممتدة،ويتجلى ذلك من خلال رسم الأعين مفتوحة، ورسمالجذع على شكل مربع،وعدم رسم الأذنين لكل الأفراد، ووضع الأزرار في كامل الرسومات،ويعود سبب هذا الخوف كذلك إلى نقص الحنان والأمن الذين يعيشه وأسقط ذلك برسم الأيدي والأذرع مفتوحة،ووجود بعض الخطوط المنحنية، فآدم يعيش شعورا داخليايتمثل في رغبته الشديدة في تغير الوضع الحالي المعاش،فهو يملك رغبة في اتحادوالديه وتفاهمهما وتكوينهما لنسق فرعي والدي خاص بعائلتهم النووية،ويتجسد ذلك من خلال رسمهما قريبين جدا لبعضهما،وهما أول من قام برسمهما، كما تميز رسمهما بوجود الفم المفتوح لديهم فقط،فهو ينتظر منهما شيئاما يتمثل في الانتفاض من الوضع المعاش حسب أقوال الطفل،والانفصال لتشكيل العائلة النووية الخاصة بهم، وتحمل مسؤولية عائلتهما،وفرض سلطتهما العائلية،وبرز هذا من خلال رسم التفاصيل الصغيرة كالعينين، الفم، الأنف،والأزرار...

·  تحليل الحالة من خلال المقابلة واختبار رسم العائلة

 من خلال ما جاء في المقابلة التي أجريتمع آدم وتطبيق اختبار رسم العائلة عليه توصلنا إلى أنه يرفض الوضع المعاش حاليا،وهو قلق إزاء مستقبلهم الذي يراه ضائعا،وهو يعيش حالة من الخوف والقلق نتيجة عدم الشعور بالحنان والطمأنينة في الوسط الذي يعيش فيه،ولاحظنا هذا من خلال رسم آدم للعائلتين،والذي تميز برسم الجذع على شكل مربع، الخطوط المستقيمة،والعين المفتوحة،بالإضافة إلى الرسم المتمركز في الجهة اليسرى السفلى للعائلة الحقيقية،وترك مساحة بيضاء كبيرة جهة اليمين في العائلة الخيالية، فالحالة هو الأكبر ووالده لا يليهم أية أهمية،ولا يؤدي وظيفته في النسق الوالدي،والمثبت لهذا عدم وجود الأب في رسم الحالة لعائلته الحقيقية،فهو يسقط هنا دوره  في العائلة، فهو دائم الانشغال بالفلاحة رفقة أخيه ووالده؛حيث يشتغلون مع بعضهم ويسكنون في نفس المنزل إلا أن والد آدم يحضر مساءللبيت يتناول العشاء ثم يخلد للنوم ليستيقظ بالغد الباكر ويكرر نفس روتينه اليومي، فآدم يقول إنهسئم هذا الوضع الذي جعله كثير القلق والتوتر خاصة أن لديه أبناء عمه يكبرونه سنا،وغالبا ما يتشاجر معهم،ويقوم كل أهله بإلقاء اللوم عليه؛فكونهم أكبر منه سنا وجب عليه احترامهما والبقاء هادئاطوال الوقت،وأن يسمع كلام ابن عمه الأكبر،ويقتدي به، حيث إنجده ووالده دائما يرغمانه على هذا الشيء وهو يكره أن يحصل ذلك، وهذا ما أسقطه آدم في رسمه للعائلة الحقيقيةأين وضع نفسه على الهامش،ولم يرسم أبناء عمه مطلقا بسبب رغبته في الابتعاد عنهم، أما والدته فيقول إنهالا تبالي إطلاقا لما يحصل معه،ولا مع أختيه فآدم يقول إنوالده دائم الانهماك في العمل خارج البيت، أما والدته فهي لا تملك أي سلطة في المنزل فالجد والجدة يأمرانها أن تقوم بأشغال المنزل ورعاية الأنعام التي يمتلكونها ولا يتركانها تقضي وقتامع أبنائها، و مازاد إثبات ابتعاد الأم عن أبنائها إصابة البنت البالغة من العمر 14شهرا بحروق من الدرجة الثانية على مستوى كامل جسمها بسبب سقوطها في آنية مملوءة بالمياه الساخنة في الوقت الذي كانت أمها تقدم الأعلاف للبقر حسب ما قاله آدم، وعند إصابتها حضر الجد الذي خرق النسق الفرعي الوالدي لابنه وأخذ وظيفته ودوره فيه  عوضا عنه لنقلها إلى المستشفى، فآدم يقول إنأمه دائما ترضخ لأوامر الجدين، وإنهالا تهتم بهم ولا تحبهم كما يفعلن باقي الأمهات فوظيفة الأم هنا مقصية تماما في النسق الوالدي،ويبرز ذلك في رسم آدم من خلال تركها كآخر فرد يُرسموإعطائها مكانة الهامش،وبعدها عن أبنائها وتلوينها بالبني.

 فالحالة إذن يرغب في تغير الوضع والعيش رفقة عائلته النووية والاستمتاع بالحنان والطمأنينة وبرز ذلك من خلال رسمه للعائلة الخيالية أين رسم الأب هو الأول وبعناية،ورسمه قريباجدا من أمه في الوقت الذي غاب فيه نهائيا في العائلة الحقيقية، بالإضافة إلى رسمه أفراد عائلته النووية فقط،فقد رسم آدم أباه هو الأول ثم أمه أين كانت قريبة جدا منه،ثم أخته الأكبر منه سنا يليها رسمه لنفسه،وأخيرا أخته الصغرى،وكانت المسافة قريبة بينهم،وهذا يعكس رغبته في الاستقرار،وتولي كل فرد في هذه الأسرة النووية وظيفته الحقيقية حسب الأنساق الفرعية.

ü                       استنتاج

حسب ما توصلنا إليه في التحليل العام يتضح معنا أن آدم يعيش وسط أسرة وظائف أفرادها مختلة،وحدودها مائعة، ما سمح باختراقها من طرف أفراد لا ينتمون لهذه الأنساق الفرعية، فنجد أن الجد هو الذي استلم دور ووظيفة الوالد،فهو من يتولى إدارة شؤون الأسرة كلها في الوقت الذي غاب الوالد كليا وأقصي دوره من العائلة التي ينتمي إليها،فلا تظهر وظيفته الأبوية في أي مجال غير توفير لقمة العيش؛أي تخلي الوالد عن وظيفته الحقيقية في النسق الفرعي الوالدي والزوجي، ونفس الشيء حدث مع الأم التي لا تؤدي وظيفتها كأم معروفة بمصدر الحب والحنان لأولادها، واستلامها لمهام ووظائف تبعدها عن أبنائها وتقصيها من وظيفتها في النسقين الفرعيين الزوجي والوالدي، وهذا ما دفع بآدم لتطوير اضطراب فرط النشاط الحركي كرد فعل لاختلال الأنساق الفرعية لأسرته،وغياب وظائف الوالدين فيه ورغبته في الانفصال عن العائلة الممتدة،وتكوين عائلة نووية،وإعادة التوازن فيها ليستلم كل فرد فيها وظيفته ودوره فيها.

§    الحالة الثانية:

 خولة ذات 9سنوات بنت تدرس بالسنة الثالثة ابتدائي، وهي الصغرى في عائلتها المتكونة من الأب البالغ من العمر 42سنة يشتغل بناء مستواه الدراسي ابتدائي، الأم تبلغ من العمر 39سنة ماكثة بالبيت تدرس حاليا في قسم محو الأمية وتعليم الكبار، الأخ الأكبر يبلغ من العمر21سنة طالب جامعي بولاية بعيدة عن مقر سكناه، والأخ الثاني البالغ من العمر 18سنة غادر مقاعد الدراسة في مرحلة التعليم المتوسط،وهو بطال حاليا ويشتغل كعامل يومي في بعض الأحيان مستواهم الاقتصادي متوسط، تسكن رفقة عائلتها النووية في مسكن خاص بعدما كانت تعيش مع العائلة الممتدة حياة متدهورة تسودها العلاقات المتوترة بين أفراد أسرتها حسب ما قالته الحالة.

خولة تعاني من اضطراب فرط النشاط الحركي وأستاذها دائم الشكوى منها،فهو كان يصفها بالمتخلفة ذهنيا،وأنها من ذوي الاحتياجات الخاصة، بعد دخولنا المدرسة والحديث مع المديرة والمعلمين طلبوا مني إجراء جلسة مع خولة أين حضرت معهم حصصهم طول الفترة الصباحية فلاحظت أن معلمها وضعها في الطاولة الأخيرة  بمعزل عن باقي زملائها،وقد كانت منشغلة باللعب طول الفترة، تتحرك بكثرة فقد كانت تجول ما بينالصفوف، تفتعل سبباللذهاب إلى السلة، تأخذ أشياء زملائها، لا تبالي لأوامر المعلم،وعند مغادرة القسم للذهاب إلى المطعم كانت منعزلة  لوحدها خارج الصف،وقد خرجت تجري باتجاه المطعم... وبعد ذلك قمت  بتطبيق مقياس connersعلى الحالة للتأكد من الاضطراب فتحصلت خولة على الدرجة 76في الصورة المدرسية والدرجة 118في الصورة الوالدية. بعدها طبق عليها اختبار رسم العائلة لفهم السبب الحقيقي الكامن خلف الاضطراب والمصدر الأساسي لمعاناة خولة.

·    تحليل اختبار رسم العائلة

·   العائلة الحقيقية:الملاحظ على خولة أثناء الشروع في عملية الرسم هو انطلاقها من اليمين إلى اليسار،وهي دلالة على حركة نكوصية لمرحلة طفولة مبكرة أكثر سعادة حسب كورمان، فخولة ترفض الوضع الحالي المعاش من خلال استعمال اللون الأخضر لتلوين نفسها،واللون الأحمر في تلوين الوالد وهي تحاول الهروب من هذا الواقع الصعب تحمله،  والدلالة على ذلك رسمها المتمركز في اليمين مع غياب رسم الأذن عند كامل الأفراد،فهي تعيش في وسط يتميز باضطرابات علائقية،ويتجلى ذلك من خلال استعمال مساحة ضيقة،ورسم الأفراد منفصلين عن بعض؛أي أن أفراد الأسرة لا يؤدون وظائفهم الخاصة في الأنساق الفرعية الخاصة بهم،وخولة تتطلع لمستقبل يغير وضعهم الحالي،  فخيالها واسع لتحسين الأوضاع،والدال على ذلك الرسم جهة اليمين في المنطقة العليا من الورقة، فالحالة تشعر بنقص الأمن والحماية وهي بحاجة لتوفرهما وأسقطت ذلك في رسمها من خلال رسم نفسها في وسط العائلة رغم ترتيبها الأخير، ورسمالأذرع مفتوحة،بالإضافة إلى الحجم الصغير للرسومات،ورسم الجذع على شكل مربع،والضغط على القلم.

رسم خولة جاء بخطوط مرسومة بقوة ما يعكس نزواتها العنيفة،وما زاد تأكيد عدوانيتها كثرة الخطوط المستقيمة في رسمها،وهذا من النمط العقلي يدل على أن ميكانيزمات دفاع الحالة واقعية عدوانية، إلا أنها تعيش نوعامن الرقابة الذاتية من خلال اللون الأخضر والخطوط المستقيمة المستعملة أثناء الرسم؛فالحالة رغم عدوانيتها إلا أنها مراقبة من طرف أناها الأعلى.

أما فيما يخص صاحب السلطة والمكانة العاطفية في العائلة فهو الوالد ويظهر ذلك من خلال البدء فيه في الرسم، فقد منحتهعناية زائدة في الرسم على الآخرين من خلال تلوينه بلونين الجذع بالأحمر،والوجه بالبني،ورغم سلطته إلا أن وظيفته الأبوية غائبة من خلال رسم الشعر فوق رأسه،بالإضافة إلى عينيه المغمضتين، عكس الأم التي رسمتها بأعين مفتوحة على خلاف كامل الأفراد الفاقدين لوظائفهم،وهذا يدل على أنها الوحيدة التي تهتم بالحالة،وتحتل مكانة جيدة عندها.

وفيما يتعلق بنضج ونمو خولة فهي تتميز بنقص فيهما؛إذ نلاحظ عدم تفرقتها بين الجنسين سواء من خلال اللباس والشعر،وسواء من خلال الفارق العمري.

·   العائلة الخيالية:أثنا قيام خولة برسم الأفراد الراغبة في العيش معهم أي عائلتها الخيالية قامت بإعادة رسم نفس الأفراد الذين رسمتهم في عائلتها الحقيقية، ونفس ما حصل في الرسم الأول قامت خولة ببدء الرسم من اليمين إلى اليسار،وهي تعبر عن حركة نكوصية لمرحلة طفولة مبكرة أكثر سعادة حسب (كورمان)أين كانت الحالة لا تعي درجة المشكلات القائمة بين أفراد أسرتها.

 بالنسبة للمساحة التي شغلها الرسم كانت ضيقة وبأشكال صغيرة  وهي تعكس انطواء وخجلا، وخللافي الانبساط وتثبيتاللميول عند خولة،إضافة إلى عدم الإحساس بالأمن والحماية،وما زاد تأكيد هذا الشعور عند الحالة رسم كل الأذرع مفتوحة،وعدم رسم الأذنين، وهي تتميز كذلك بالطابع العدواني المراقب من طرف الأنا الأعلى،وما أثبت ذلك الرسم المضغوط،ومسك القلم بقوة،مع تلوين كل الأفراد باللون الأحمر، ورسمالجذع على شكل مربع،وعدم رسم الأذنين،كما يعكس هذا أيضا حالة الخوف والقلق التي تعيشها خولة، فهي تبحث عن الاهتمام من طرف أفراد أسرتها التي ترغب في العيش معهم،وتأمل أن يتحسن الوضع بينهم،ويستلم كل فرد وظيفته،وهذا ربما يعكس تدهور العلاقات الأسرية الذي أسقط من خلال المساحة الضيقة والرسومات الصغيرة مع رسم الوالدين قريبين من بعض،وهذا دلالة على رغبة الحالة في اتحاد والديها معا، فخولة تتطلع لمستقبل أفضل من الوضع المعاش حاليا؛حيث جاء رسمها متمركزافي اليمين وهي منطقة المستقبل،كما تركت مساحة بيضاء كبيرة جهة اليسار والدالة على الرفض للرجوع للماضي،والخوف منه، أين كانت العائلة النووية تعيش رفقة العائلة الممتدة.

الملاحظة الرئيسية على رسم خولة هو رسمها لأبيها هو الأول،وهذا يعكس مكانته العاطفية لديها،كما رسمته أكبر حجما من أمها لتبرز سيطرته وسلطته،والصراع الموجود بينهما، إضافة إلى تميز رسمها بانعدام الأيدي عند كل الأفراد،ويدل ذلك على إنقاص القيمة والشعور بالذنب،وعدم الاهتمام الذي جاء من خلال رسم كل الأعين مغلقة  فهي تشعر بعدم الاهتمام من طرف أفراد عائلتها بسبب تخليهم عن وظائفهم الرئيسية في أنساقهم الفرعية.

 وأخيرا فيما يتعلق بالنمو والنضج فهي نفس ما جاء في الرسم الأول فالحالة تبين أنهاتعاني من نقص في النمو والنضج،وجاء ذلك من خلال عدم التفرقة بين الجنسين من حيث التسلسل الزمني،ومن حيث المظهر( لباس+شعر).

·   تحليل الحالة من خلال المقابلة واختبار رسم العائلة

أهم ما يمكن استخلاصه هنا هو أن الحالة التي تعيش فيها خولةوضع صعب التحمل؛فهي تتميز بالعدوانية،وتعيش حالة من الخوف والقلق،وذلك نتيجة تدهور العلاقات ما بينأفراد أسرتها،وتشكل خللافي استلام الوظائف في مختلف الأنساق، حيث من خلال مقابلتنا مع الحالة قالت إنهاترفض العيش في وضعهم الحالي المتميز بالتوتر؛إذ قالت إنوالدها كثير الشجار مع والدتها، والذيتصفه بالمهمل، وإنهسبب كل ما يعيشونه حاليا من هروب الابن الأكبر لولاية بعيدة للدراسة هناك،وتسرب الابن الثاني،والنتائج الدراسية غير المرضيةلخولة، حيث قالت إنأمها تعاتب أباها دائما قائلة إنهعندما كان من المفروض عليه الاهتمام بأولاده وهم صغار كان منشغلا مع والده وإخوته في الفلاحة تاركا كامل مسؤولية التربية لها وحدها،بالإضافة إلى كل الأعمال المنزلية التي تقوم بها، وما زاد إثباتا لأقوال الحالة رسمها المتميز بوجود مسافات بين أفرادها في العائلتين الحقيقية والخيالية،بالإضافة إلى دلالة الاهتمام الذيتتلقاه من طرف والدتها فقط من خلال رسم  عينيهامفتوحتين، والمثبت لتدهور العلاقة بين والديها،وتخلي كليهما على وظيفته في النسق الزواجي والأبوي؛ إذ كانرسمها لهما قريبين وبأحجام متفاوتة في العائلة الخيالية أين أسقطت رغبتها في التحامهماوحل النزاع بينهما.

 فخولة كانت تعيش رفقة العائلة الممتدة،وكان الجد هو المسير لكل أفرادها،فكان هو الآمر،  وهو الناهي،وتولى كامل الوظائف الأسرية التي من المفروض أن يتولاها الوالد؛حيث كان كل أبناء هذا الجد يقيمون في مكان بعيد عن المنزل لتولي أمور الفلاحة،ولا يعودون إلى المنزل إلا بعد مرور أسبوع،أين يقضون نهاية الأسبوع مع عائلتهم ثم يعودون للعمل يوم الأحد، وكان الجد هو الموجود دائما في المنزل وهو من يتولى كامل المسؤوليات، إذا فوظيفة الوالد كأب كانت مقصية نهائيا ولا تتجلى إلا في توفير الماديات، ونفس الشيء حدث مع الأم التي كانت طول الوقت منشغلة بالأعمال المنزلية الكثيرة ،كإعداد الطعام لكامل الأفراد والعمال،وباقي الأعمال الأخرى، ولم يكن لها وقت تقضيه مع أبنائها لتقوم بوظيفتها الأمومية الحقيقية، أما الأبناء فكانوا كثيري الشجار مع بعضهم البعض،وليس هناك من يوليهم اهتماما خاصا.

وبعد انفصال كل الأبناء بعائلاتهم عن العائلة الكبيرة ومنها عائلة خولة التي استقرت بمنزل خاص وجدوا أنفسهم يعانون من مخلفات نمط العيش في العائلة الممتدة،فتقول خولة: إنوالدها لا يجلس أبدا معنا ويلعب معنا كما أرى خالي يعمل مع أبنائه،فهو يعود للمنزل مساء متعبا،يتناول العشاء ويذهب مباشرة للنوم،فهنا يبرز لنا تخليه عن وظيفته في النسق الفرعي الأبوي، كما أن أخاهاالأكبر بعيد عنهم ولا يزور المنزل إلا بعد مرور شهر أو أكثر أين يقضي عطلة نهاية الأسبوع ويعود للجامعة، والآخر يقضي كامل وقته خارج المنزل؛فمرة يعمل كعامل يومي،ومرات يتسكع فقط،وهذا دلالة على عدم تأديتهم لوظيفتهم في النسق الفرعي الأخوي، وكانت خولة تعود للمنزل لتجد أمها وحيدة تشاهد التلفاز،أو منهمكة في الأعمال المنزلية،وقالت خولة:لا أجد حتى من يساعدني في الدراسة،أو يلعب معي،لذلك كرهت هذا الوضع،فأنا أريد أن أعيش كبقية زميلاتي لديهن من يلعب معهن، ويدرّسهن،ويرافقهن من وإلى المدرسة... وتبرز حاجة خولة للاهتمام من طرف أفراد عائلتها من خلال رسم نفسها وسطهم في كلتا العائلتين، تقول خولة أصبحت أحب كثيرا الجري واللعب وأكره البقاء في مكان واحد كما في منزلنا لا أجد أحدايهتم لأمري،فدائما ما ألعب لوحدي،وأنا أكره ذلك فأصبحت أجري وألعب في كامل الأماكن حتى في المنزل،ولا أحب البقاء أو الجلوس في مكان واحد.

ü                        استنتاج

 إذا من خلال ما تقدم يمكن القول إن  خولة ظهرت لديها أعراض اضطراب فرط النشاط الحركي كرد فعل على الواقع الذي تعيشه،فهي في مرحلة تتميز بحب وحاجة الطفل للاهتمام بشكل خاص من طرف كامل أفراد العائلة؛فالوالد يجب أن يؤدي وظيفته الأبوية بكامل جوانبها ليس بتوفير الماديات فقط، وإنما بتوفيرالرعايةوالحنانوالأمن الذي تفقدهم خولة من غياب وظيفة الأب الذي لم يتمكن من التفردوالتمايز عن والده الذي تولى وظيفته في العائلة الممتدة بعد اختراقه لحدود النسق الفرعي الوالدي،وقيامه بإقصائه من وظيفته، ونفس الشيء بالنسبة للأم التي غابت وظيفتها كمصدر الحب والحنان الذي توفره كل أم لولدها،والتي غالبا ما تتماهى البنت بها؛ففي الوقت الذي كان من المفروض عليها توليها لوظيفتين أساسيتين في النسق الفرعي الزوجي والوالدي كانت منهمكة بمسؤوليات أخرى نسبت إليها من طرف العائلة الممتدة،والتي أدت بها لاختلال توازن عائلتها النووية،وعادت عليها بالسلب، أما بالنسبة لوظيفة الإخوة فهي مقصية تماما، حتى إنخولة لا تذكر تقريبا إخوانها،فهي تقول إنهالا تشعر بوجودهما أصلا،وكل هذا يجعلنا نقول إنخولة تعيش وسط أسرة تعاني من سوء التوظيف لمخلفللظروف التي عاشتها رفقة الأسرة الممتدة التي خرقت حدود النسق الفرعي الوالدي،والذي أثر بدوره على باقي الأنساق.

v                        استنتاج عام

     من خلال العرض والتحليل السابق نخلص إلى أن الحالتين يعانيان من اضطرابات أسرية ما أدى بهما لتطوير اضطراب فرط النشاط الحركي كردة فعل على سوء الأداء الذي يتميز به أفراد أسرهما،والناجم عن حجم اللاسواء الذي يتصف به النسق الأسري، فعمليات التفاعل داخل هذا النسق ليست صحيحة وسوية كما جاء عن (علاء الدين كفافي، 2009)17، فالملاحظ هنا بروز سوء التوظيف الأسري لأفراد هذه الأسر من خلال الحدود المائعة الموجودة في مختلف الأنساق الفرعية المكونة لها من نسق زواجي والدي، أخوي، وقد حدث هذا التميع  نتيجة لاختراق الجد للنسقالفرعي الوالدي،وتوليه الوظيفة الأبوية  أي أن الجد أخذ دور الأب وأصبح يؤدي وظيفته بدلا منه، في الوقت الذي كان من المفروض أن تولى هذه الوظيفة للوالدين الحقيقيين، فأصبحت جل المهام الموكلة للوالد والتي تعتبر مسؤولية النسق الفرعي الوالدي يؤديها الجد عوضا عن الأب، وما زاد الأمر تدهورا هو إقصاء الأم وحرمانها من وظيفتها الأمومية، فالمتعارف على الأم أنها مصدر الحنان والاهتمام والرعاية لأطفالها ،وهي الوظيفة الأساسية الموكلة لها في النسق الوالدي، لكن كون هذا النسق مخترقافقد حرمت من هذه الوظيفة فأصبحت كمجرد آلة عمل توفر الماديات فقط، فأصبح أفراد النسق الوالدي لا يقومون بوظائفهم نظرا لعدم وضوح الوظائف الموكلة لهم في الأسرة الممتدة،وعدم تمكنهم من الانفصال وتشكيل أسرة نووية عند الحالة الأولى،وعدم القدرة على تجاوز مخلفات الأسرة الممتدة للحالة الثانية، ونفس الشيء حدث عند الأولاد أين غابت عندهم الوظيفة الأخوية في النسق الفرعي الأخوي وذلك نتيجة لعدم اكتسابهم مفهوم هذه الوظيفة من طرف الوالدين اللذين تخلياعن وظيفتهما في النسق الفرعي الوالدي، "فلكي يؤدي أفراد النسق الفرعي وظائفهم على نحو مناسب ينبغي أن تكون الحدود واضحة بدرجة كافية لكي تسمح لأعضاء النسق الفرعي الوالدي أن يؤدوا وظائفهم دون تدخل من هؤلاء الذين هم خارج النسق الوالدي".18كل هذا خلق حالة من عدم الاستقرار فأصبحت هاتان الحالتان تشعرانبالحرمان وعدم التوازن داخل أسرهما ما جعلهما يطوران أعراض اضطراب فرط النشاط الحركي كانعكاس لحالة الأزمة التي يعيشانها،وقد أكد ذلك,1991) (Caillé.Phالذي يقر أن "العرض يعكس صورة لحالة أزمة".19كما نجد مدرسة (palo alto,1999)"ترى أن الاضطرابات والأمراض مردها إلى سوء التوظيف الأسري؛أي وجود نمط اتصال غير وظيفي بين أفرادها"، فحسب هذه المدرسة فإن "الطفل العرض هو الذي يمتلك درجة عالية من ردات الفعل العاطفية، فهو الأكثر تأثرا لعدم الاتزان الأسري،فهو من يحمل المشكلة التي تعاني منها أسرته".20نقلا عن (بوثلجة مختار،2016).21ومن جهة أخرى نجد (Minuchin,2005)  الذي يقر أن كل هذه الاضطرابات التي تتولد لدى الأطفال تكون نتيجة لوجود مجموعة من المشاكل عند أسرهم تشمل خللاعلى مستوى كل من: الحدود، الأنساق الفرعية، والهرمية. وهذا ما حدث عند أسر الحالتين حيث كانت حدود أنساقها الفرعية مخترقة،فلم يحظأفرادها بإمكانية أداء وظائفهم كما هو واجب، حيث يقول (Minuchin,2005)في هذا الصدد "إنحدود النسق الفرعي هي التي تحكم أداء الوظائف لمن ينتمون لهذا النسق، وكيف ينفذ كل شخص أعماله ومسؤولياته".22فمن المفروض أن الحدود في التفاعلات الأسرية السوية تكون واضحة،وتسمح بالنفاذ permeable، وعندما تتميع الحدود أو تتشوه يضطرب أداءالنسق الفرعي لوظائفه. ونفس الشيء حدث مع هرمية هذه الأسر؛فقد اختلت عندما شغل الجدان المستوى الأعلى في النسق الفرعي والذي هو من حق الوالدين.

كل هذا الاختلال داخل الأنساق الفرعية جعل من الأسرة تعيش حالة من التوتر واضطرابات علائقية ما بينأفرادها، وهذا ما دفع بالحالتين لتطوير هذا الاضطراب لإعادة التوازن في هذا النسق الأسري،ودفع الوالدين لإعادة استلام وظائفهما عن طريق التركيز على الاضطراب والتخلي عن الصراعات القائمة بينهما،وعدم الانشغال بأمور أخرى غير أمور أولادها.

خاتمة

     بعد العرض المقدم في هذا البحث والذي كان هدفه التعرف على كيفية أداء أفراد أسر الطفل الذي يعاني من اضطراب فرط النشاط الحركي (TDAH)لمختلف وظائفهم داخل نسقهم الأسري بمختلف أنساقه الفرعية، خلصنا إلى وجود خلل في التوظيف الأسري نتيجة لعدم استلام كل فرد لوظيفته الحقيقية،وظهور حدود مائعة بين مختلف الأنساق الفرعية، وقد نتج هذا الخلل كمخلف للأسرة الممتدة التي خرقت حدود النسق الوالدي،وأقصت الوالدين من تولي وظائفهما، فلم يتمكن الآباء من التوصل للتفردوالانفصال عن والديهما، كل هذه الاختلالات الحادثة داخل هذه الأسر خلقت جوا متوترا  وغير مستقر عند هؤلاء الأفراد،ما دفع بالأطفال لتطوير أعراض اضطراب فرط النشاط الحركي  كردة فعل لهذا التوت،روكتعبير على عدم الرضا عن الوضع المعاش، واستعملوا هذه الأعراض كميكانيزم لإعادة خلق التوازن وإعادة توزيع الأدوار والوظائف كما يجب أن تكون

الهوامش

  1. عبد المنعم الميلادي، الأبعاد النفسية للطفل، مؤسسة شباب الجامعة للنشر، الإسكندرية، مصر، 2006، ص 29
  2. المرجع نفسه، ص25
  3. المرجع نفسه، ص93
  4. سمير نوف فيكتور،التحليل النفسي للولد، ترجمة فؤاد شهين، ط4، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، بيروت، لبنان، 2002، ص 275
  5. روز ماري لامبي، ديبى دانيلز مورنج،الإرشاد الأسري للأطفال ذوي الحاجات الخاصة، ج/2، ترجمة علاء الدين كفافي، دار قباء للطباعة والنشر، القاهرة، مصر، 2003، ص88
  6. Munichin, famille en thérapie, ramonivlle saint-age :eres, paris, 2005,p 52
  7. Hairman.M, du coté de chez soi, la thérapie contextuelle, édition Gallimard, 1999,p 46
  8. Caillé. Ph, un et un font trois, ESF éditeur, rue viete, paris, France, 1991,p 46
  9. American psychiatric Association, Diagnostic and statistical manual of mental disorders, (DSM), 5eme éd, new schoool library, 2013, p46
  10. صلاح الدين شروخ، منهجية البحث العلمي، دار العلوم للنشر، الجزائر، 2003، ص146
  11. مبروكة عمر محيريق، الدليل الشامل في البحث العلمي، ط1، مجموعة النيل العربية، القاهرة،مصر، 2008، ص ص 256-257
  12.  مروان عبد المجيد إبراهيم، أسس البحث العلمي لإعداد الرسائل الجامعية، ط1، مؤسسة الوراق للنشر والتوزيع، عمان، الأردن،2000، ص 133
  13. لحسن عبد الله باشيوة، البحث العلمي مفاهيم أساليب تطبيقات، ط1، مؤسسة الوراق للنشر والتوزيع، عمان، الأردن، 2010، ص 377
  14. مبروكة عمر محيريق، الدليل الشامل في البحث العلمي، ط1، مجموعة النيل العربية، القاهرة، مصر،2008،ص 256، 257
  15. Louis corman, le test de dessin de la famille, 4emeédition, saint German,puf, 1961, Paris, P 21
  16. عبد الناصر تزكرات، فعالية العلاج باللعب في خفض أعراض قصور الانتباه وفرط النشاط الحركي لدى تلاميذ المرحلة الابتدائية، كلية العلوم الاجتماعية والإنسانية، جامعة محمد لمين دباغين، سطيف2، الجزائر، 2017، ص  95
  17. علاء الدين كفافي، علم النفس الأسري، ط1، دار الفكر، القاهرة، (2009)، ص: 231
  18. روز ماري لامبي، ديبى دانيلز مورنج، ترجمة علاء الدين كفافي، المرجع نفسه، ص93
  19. Caillé. Ph, ipid, p 46
  20. Hairman.M, ipid, p 39
  21.  مختار بوثلجة، الخصائصالأسرية المميزة لأسرة الطفل الذي يعاني من فوبيا مدرسية، أطروحة دكتوراه غير منشورة، كلية العلوم الاجتماعية والإنسانية، جامعة محمد لمين دباغين، سطيف2، الجزائر، 2016، ص: 44، 45
  22.  روز ماري لامبي، ديبى دانيلز مورنج، ترجمة علاء الدين كفافي، المرجع نفسه، ص93

@pour_citer_ce_document

ريمة جاب الله / فريدة قماز, «التوظيف الأسري للطفل مفرط النشاط الحركي»

[En ligne] ,[#G_TITLE:#langue] ,[#G_TITLE:#langue]
Papier : ص ص 09-21,
Date Publication Sur Papier : 2020-08-17,
Date Pulication Electronique : 2020-08-17,
mis a jour le : 17/08/2020,
URL : https://revues.univ-setif2.dz:443/revue/index.php?id=6973.