تراتبيّة العقل في الممارسة الإسلامية عند طه عبد الرحمانThe hierarchy of the mind in Islamic practice by Taha Abdel Rahman
Plan du site au format XML


Archive: revues des lettres et sciences sociales


N°01 Avril 2004


N°02 Mai 2005


N°03 Novembre 2005


N°04 Juin 2006


N°05 Juin 2007


N°06 Janvier 2008


N°07 Juin 2008


N°08 Mai 2009


N°09 Octobre 2009


N°10 Décembre 2009


N°11 Juin 2010


N°12 Juillet 2010


N°13 Janvier 2011


N°14 Juin 2011


N°15 Juillet 2012


N°16 Décembre 2012


N°17 Septembre 2013


Revue des Lettres et Sciences Sociales


N°18 Juin 2014


N°19 Décembre 2014


N°20 Juin 2015


N°21 Décembre 2015


N°22 Juin 2016


N° 23 Décembre 2016


N° 24 Juin 2017


N° 25 Décembre 2017


N°26 Vol 15- 2018


N°27 Vol 15- 2018


N°28 Vol 15- 2018


N°01 Vol 16- 2019


N°02 Vol 16- 2019


N°03 Vol 16- 2019


N°04 Vol 16- 2019


N°01 VOL 17-2020


N:02 vol 17-2020


N:03 vol 17-2020


N°01 vol 18-2021


N°02 vol 18-2021


N°01 vol 19-2022


N°02 vol 19-2022


N°01 vol 20-2023


N°02 vol 20-2023


A propos

avancée

Archive PDF

N°01 vol 18-2021

تراتبيّة العقل في الممارسة الإسلامية عند طه عبد الرحمان

The hierarchy of the mind in Islamic practice by Taha Abdel Rahman
ص ص 163-182
تاريخ الإرسال: 2019-10-15 تاريخ القبول: 2020-11-18

سليمة جلال
  • resume:Ar
  • resume
  • Abstract
  • Auteurs
  • TEXTE INTEGRAL
  • Bibliographie

يهدف المقال إلى عرض تصور طه عبد الرحمن لمفهوم العقل ومراتبه في الممارسة الإسلامية، ثم النظر في مدى التزامه بالشروط التي انبنى عليه هذا التصور وما أفضت إليه من نتائج، والتحقق من مدى توافقها مع واقع هذه الممارسة ؛التي انطلق منها  ليؤسس فكرا إسلاميا جديدا يستند إلى مرجعية  فكرية تلتزم بشروط المناهج العقلية الحديثة، وبالتنظير العلمي المحكم .لكنه لم يوفق في الوصول إلى مراده لأنه لم يكن موضوعيا في قراءته لواقع الممارسة الإسلامية، بل كان أقرب إلى وصف ممارسته الخاصة مقارنة بممارسات غيره ،لذا فإن النتائج التي توصل إليها تحتاج إلى مراجعة، وهذا ما سيوضحه المقال.

الكلمات المفاتيح

طه عبد الرحمن، العقل، الإسلامية، تراتبية، المناهج، الحديثة

 

Le but de cet article est de présenter la conception de Taha Abdulrahman du concept de hiérarchie de l'esprit dans la pratique islamique. On y examinera le degré de sa conformité aux conditions qui fondent cette vision et sa compatibilité avec la réalité de cette pratique pour pouvoir évaluer résultats.On vérifiera si le présupposé et la perspective scientifique respectent, avec la rigueur requise, les termes du curriculum mental moderne.S’il n’avait pas réussi atteint l’objectif assigné, ce serait parce qu’il n’était pas objectif dans sa lecture de la réalité de la pratique islamique : il était plus proche de la description de sa propre pratique.

Mots-clés :Taha Abdel Rahman, esprit, islamique, pratique, hiérarchie, curriculum, moderne

The purpose of the article is to present Taha Abdulrahman's conception of the concept of hierarchy of the mind in Islamic practice, and then to examine its commitment to the conditions on which this vision was based and its results, and to verify its compatibility with the reality of this practice; For an intellectual reference that respects the terms of the modern mental curriculum and the rigorous scientific perspective.But he did not succeed in reaching his goal because he was not objective in reading the reality of Islamic practice, but was closer to the description of his own practice compared to the practices of others, so the findings need to be reviewed, and this will explain the article.

Keywords:Taha Abdel Rahman, mind, Islamic, practice, Hierarchy, Curriculum, Modern

Quelques mots à propos de :  سليمة جلال

جامعة عباس لغرور خنشلة، salima.alg@gmail.com   

مقدمة

 إذا كان طه عبد الرحمن قد انطلق من واقع الممارسة الإسلامية لبناء نسقه المنطقي لتراتبيّةالعقل فجعل من الممارسة الصوفية أعلى مراتب العقل وهي مرتبة العقل المؤيّد،ثم العقل المسدد متمثلا في الممارسة الفقهية والسلفية، وآخرها مرتبة العقل المجرد الذي تمثله الممارسة الإسلامية العملية والنظرية، محاولا إثبات محدودية العقل المجرد والمسدد واتساع معرفة العقل المؤيّدلدرجة بلغت فيها الكمال العقلي. فإن واقع الممارسة الإسلامية ذاته يثبت دخول الآفات العظيمة على التصوف بالدليل الشرعي والمنطقي واقتصار دوره على تزكية النفس بطرق اتهمت في كثير من الأحيان بمخالفتها للشريعة الإسلامية بما يثبت قصور هذا العقل أيضا.

ومع ذلك، يحاول الفيلسوف طه عبد الرحمن إعادة تأسيس مجد الصوفية على أسس منطقية عقلانية يحسبها سندا فكريا لليقظة الدينية من أجل أن يعيد للعمل الديني روحه المتوهجة التي يمكنها أن تسهم في تغيير أحوال الأمة والمجتمع. فكانتمحاولته إعادة التصوف إلى المركز بعد أن أّحيلعلى الهامش لمجموعة تهم أصبح بسببها مجالا ضيقا ومحظورا، وكل حديث في هذا الموضوع هو من باب التخلف الذي يلغي العقلانية أو من باب التطرف والرهبانية. وعليه نتساءل:إن كان ما قدمه طه عبد الرحمن في تصنيفه لتراتبية العقل في الممارسة الإسلامية تمثيلا صادقا لواقع هذه الممارسة؟ وهلاعتباره الممارسة الصوفية تجسيدا للعقل المؤيد حقيقة يثبتها واقع هذه الممارسة؟ وما مدى وفاء هذا العقل بشروط الكمال ضمن تراتبية العقل؟ وهل وُفّقطه عبد الرحمن فعلا في بلوغ مراده وهو تأسيس سند فكري لليقظة الدينية، أم تراه أخفق من حيث لا يدري؟

يهدف البحث إلى قراءة نقدية في تصور طه عبد الرحمن لتراتبية العقل في الممارسة الإسلامية من أجل معرف مدى توافق ما يتصوره بمنطقه الفلسفي مع ما هو موجود حقيقة في الممارسة الإسلامية، وذلكمن خلال عرض آرائه وتحليلها، وتتبع مقولاته ونقدها، وقبل ذلك سنقف عند دوافع التصوف عند طه عبد الرحمن وأهميته في الفلسفة ليتضح لنا الأثر المباشر في تصنيفه لتراتبية العقل.

 

1-دواعي تصوّف طه عبد الرحمن وأهميته في الفلسفة

إن ما يستوجب الكتابة حول دواعي طه عبد الرحمن في خوضه تجربة التصوف هو الأثر الذي تركته هذه التجربة في  تصنيف مراتب العقل في الممارسة الإسلامية لأنها تجربة عاشها بنفسه رأى فيها قصور العقل المجرد في إدراك الحقائق مما دفعه  إلى البحث عن طريق آخر حتى لو كان ما وراء حدود العقل، على حد قوله:" لما استكملت اختصاصي في المنطقيات والعقليات،تبيّنتْلي حدود هذه المنطقيات نفسها، كما تبين لي أن العقل الذي هزم المسلمين عقل محدود، وأن الأمة الإسلامية مؤهلة لعقل أوسع من هذا العقل الذي هزمنا، ولكنها لم تقم بواجب هذه المسؤولية ؛فتولد لديّالشعور بأنّتكويني الفلسفي يُحتم عليّأن اطلب الحقيقة ولو من وراء حدود العقل."(طه، 2014؛ ص18) وقد طلبها بالفعل في تجربته مع التصوف التي باشرها بدافع  الرغبة في التقرب إلى الله وتقوية الصلة به (أرحيلة، 2013).  وقد أشار  إلى ذلك في مقدمة كتابه - العمل الديني وتجديد العقل- بأنه قد دخل في تجربة إيمانية عميقة بدلت أحواله وأوصافه ووسّعتْآفاق مداركه ومشاعره مرسخة فيه أهمية العمل (طه، 2009). وإن كان هنا لم يذكر أنها تجربة صوفيه فلا يعني هذا أنه يخفي ذلك لأنه صرح بذلك علنا بما هو معروف عنه  من تفاصيل هذه التجربة التي بدأت رحلتها مع العارف بالله حمزة بن العباس شيخ الطريقة القادرية البودشيشية ."(طه،2017،https://www.youtube.com/watch?v= 0MF_mN7oQ3Q)ويؤكد  ذلك في معرض حديثه عن الفرق بين تجربته الصوفية وتجربة أبي حامد الغزالي في قوله " خضت التجربة الصوفية على مقتضى أهل السنة كما خاضعا وتبين لي من سموها كما تبين له ."(طه، 2011؛ ص131)غير أنه نفى أن يكون للرجل سبب في تصوفه.

وقد سُئل عن كتابه السالف الذكر، والذي اعتبره السائل سيرة ذاتية لطه في علاقته بالتصوف، فأجابه:"حقا لقد كان لكتابي(العمل الديني وتجديد العقل) علاقة وطيدة بالتجربة الصوفية، لكنه ليس سيرة ذاتية كما يبدو لأول وهلة ...وإنما هو على الحقيقة الثمرة المعرفية التي جنيتها من هذه التجربة"(طه، 2011؛ ص137)وحتى يثبت بالفعل أنه لم ينقل نسخة عن تجربته الخاصة في هذا الكتاب، كان ينبغي عليه أن يتعامل مع الممارسة الإسلامية التي انبنى عليها تصوره بالطريقة ذاتها دون أي تحيز، ذلك أن الممارسة الصوفية  تشترك مع الممارسة السلفية في  كثير من الآفات بل تزيد عليها، ومع ذلك لم يُعرْللأمر اهتماما كما فعل مع العقل المسدد .

وقد بيّن غرضه من هذا الكتاب في ثلاثة نقاط : أولها :إثبات  أنه لا يوجد تعارض بين التجربة الروحية والمعرفة العقلية بل هي سبب من أسباب ثرائها، ثانيا: تبيان تكامل القوى الإدراكية للإنسان مهما اختلفت، فليست هناك قوة حسية خالصة ولا قوة عقلية خالصة ولا قوة روحية خالصة، بل يوجد في القوة الحسية بعض العقل كما في القوة العقلية بعض الروح والعكس صحيح، ثالثا: تبيان أن العقل ليس مرتبة واحدة وإنما هي مراتب بعضها أعقل من بعض. (طه، 2011)

أما فيما يتعلق بأهمية التصوف بالنسبة للفلسفة فنكتفي بما صرح به في الفلمالوثائقي الذي أعدته الجزيرة الوثائقية حول سيرته الذاتية قائلا بصريح العبارة :"ظلت الفلسفة الإسلامية فلسفة عقيمة ويرجع ذلك إلى أنها لم تستطع أن تُوجِدلها صلات مع التصوف، وفي نظري أن الفلسفة الإسلامية لكي تنفتح لها أفاق التجديد والإبداع ولكي تستطيع أن تمد الفلسفة العالمية بآفاق ومفاهيم جديدة لابد لها إما أن تتأسس على التصوف وإما أن تستكمل به."(طه،2017،https://www.youtube.com/watch?v= 0MF_mN7oQ3Q) فأهمية التصوف بالنسبة للفلسفة ضرورة حتمية إنْ كانت تريد التجديد والإبداع ،سواء تأسست عليه أو استكملت به ،فهذه قناعة طه عبد الرحمن الراسخة لأنها تجربة عاشها وليس تنظيرا عقلانيا يعتقد به، لذا يشترط التصوف كشرط أساسي لا يُستغنى عنه في النهوض بالفلسفة الإسلامية لأن طريق العقل لوحده محدود.  وهذا بالفعل ما سعى إلى تأسيسه من خلال كتاباته.

ومما تجدر الإشارة إليه أن طه عبد الرحمن لم يعترض على أحد ينسبه للتصوف بخاصة أن غالب النقد الذي وجه له قد انحصر في هذه الفكرة، مثال ذلك ما نجده عند الباحث بلعقروز في قوله: "اختزال الإنسان وحصر التجديد في البعد الروحي نظرة تجزيئية أثبت لنا التاريخ كيف تحولت اتجاهاتها إلى كيانات معرفية وثقافية متنافرة، تأبى الاندماج وتعمل على الدمج لغيرها، في حين أن ميزة البناء الحضاري تكمن في التركيبة التكاملية أو البنائية المتوازنة." (بلعقروز، 2010؛ ص179)

 ومع ذلك ما رأينا طه يلتفت في كتاباته لهذا النوع من النقد ليتبرأ من تصوفه أو يُبين أن هناك فرق بين التجربة الخلقية أو الروحية أو العملية كما يسميها والتصوف فيثبت قصوره وآفاته التي غض الطرف عنها بل انبرى يدافع عن التصوف بعقلانية تتناقض مع واقع التصوف في حياة الناس. ولو فعل ذلك، ربما كان بالفعل سيقدم نموذج العقل المؤيد كعقل وصل إليه انطلاقا من قراءته للممارسة الإسلامية بموضوعية لا تنحاز لطرف على حساب الآخر، وحينها ربما يصبح العقل المؤيد هو العقل المهتدي إلى طريق الكمال في الوصول إلى الله ومعرفه حقائق الوجود، لأنه قد استفاد من ايجابيات الممارسة الإسلامية بمختلف أطيافها وابتعد عن سلبياتها وفق ضوابط اختص بها.

لكن هذا لم يحدث بل الحقيقة التي يُقر بها طه عبد الرحمن بصريح العبارة هي قناعته التي عبر عنها في مقدمة تحديد العقل المؤيد، ومفادها :" أن العقل المؤيد لا تظهر  كمالاته في الممارسة  العقلانية الإسلامية  بقدر ما تظهر في الممارسة الصوفية."(طه، 2009؛ ص146)فلو كان يريد إقامة تراتبية العقل انطلاقا من رؤية إسلامية قائمة على مبادئ الإسلام وقيمه فقط لأقامها مستشهدا من القرآن وما صح من السنة النبوية الشريفة، لكنه سلك منحى آخر، إنه يقيم تراتبية العقل انطلاقا من الممارسة الإسلامية  من دون أن يحدد الفترة الزمنية لهذه الممارسة الإسلامية أو يعلل تقسيمه لاتجاهاتها العقلانية، ذلك أنه  أقصى منها ممارسة النبي صلى الله عليه وسلم باعتباره الممثل الشرعي للعقلانية الإسلامية والممارس الأول لها ومن بعده جيل الصحابة والتابعين الأوائل، لكنه قفز عن البدايات الأولى لتتمثل له الممارسة الإسلامية في اتجاهات ثلاثةكما سبق ذكره.

وهذا ما جعلنا نستنتج أن طه لا يستقرأ الممارسة الإسلامية بموضوعية بعيدة عن الذاتية التي تمليها تجربته الصوفية الخاصة والتي لم يكن ليعيشها بمفرده انطلاقا مما وصل إليه من علم ومعرفة، بل لكونه استعان بشيخه حمزة بن العباس وطريقته في التصوف اعتقادا منه أن هذا هو طريق الوصول إلى توسيع آفاق العقل المجرد، وما استطاع أن يجد طريقا آخر، لقناعته بأن هذا الطريق تتوارثه الأجيال تًخلقا بدءا من المعلم الأول محمد صلى الله عليه وسلم، متناسيا ما وقع في هذا الاتجاه من آفات. وليس هو الطريق الوحيد في الوصول حتى لا يختزل طريق المحبة والوصول إلى الله في التصوف.

ولقد أتينا على ذكر  رأي الجابري في التصوف (العرفان) في هذا المقام لنبيّن جانبا آخر من الأسباب التي دفعته إلى تأسيس  تراتبيّةالعقل على النحو الذي كان، ذلك أنه أراد الرد على الجابري ومن سار في ركبه على إقصائهم للعرفان واعتباره سببا في جمود العقل العربي، وقد أشار إلى ذلك في قوله:"وما زال الخطاب الداعي إلى العقلانية والمطالب بتقويم التراث الإسلامي العربي بمقتضى المنهج العقلي مسيطرا على توجهات الباحثين وعلى عموم المناضلين، حتى إن بعضهم يدعي القدرة على تنقية هذا التراث وإرسائه على مبادئ وقواعد عقلانية  راسخة، يتساوى في ذلك من أخذته الغيرة الدينية على الحالة المتردية للأمة الإسلامية، ومن ساورته الحمية العربية المتطلعة إلى النهوض بالواقع المتخلف للعالم العربي"(طه، 2009؛ ص15)و الجابريواحد ممن يقصدهم  طه عبد الرحمن في هذا القول  وكان لطرحه القدر الأكبر من النقد الذي لم يرد عليه ولا حاول دحض حججه أو يتصدى لها ليناقش فيه طرح طه حول أهمية التصوف وعلاقته بالفلسفة، وهو الذي كان يرى أنه سببا في جمود العقل العربي وتخلفه وكان أكبر خصم للصوفية في العصر الحديث، حيث أوصلته  دراستةللتراث إلى نتائج  أهمها التي توصل إليها في نقد العقل العربي ،إذْ تأكد لديه أن سبب استقالته عن وظيفته الأساسية، هو تصادم وتداخل النظم المعرفية المتنافسة داخله وهي: البيان مع البرهان من جهة، والبرهان مع العرفان(التصوف) من جهة ثانية، ثم البيان مع العرفان من جهة ثالثة، ليتطور هذا التصادم والتداخل من تصادم ثنائي إلى تصادم عام بين تلك البنيات جميعها.(الجابري أ،2009) ولم يكن التأثير المتبادل بينها فاعلا بل زاد الهوة بين الأنظمة، وما كان ليسمح بتغيير البنية في أي من الأنظمة على حدة، بل لقد أكد ضرورة انفصالها عن بعضها وانغلاقها على ذاتها.(الجابري ب،2009)مما أدى إلى انتهاء معركة الصدام "بانتصار (العرفان) وتحول البيان إلى (عقل- عادة) والبرهان إلى(عادة عقلية)،تلك هي المظاهر الأساسية لاستقالة العقل في الثقافة العربية الإسلامية في عصر التراجع والانحطاط، هذه الاستقالة التي ما يزال مفعولها ساريا إلى اليوم في كثير من الأوساط  المثقفة." (الجابري أ،2009،328) ولكي تستعيد الثقافة العربية الإسلامية عافيتها لابد أن تعيد بناء العقل العربي على أسس برهانية، لأن البيان حنطها بين جداريْاللفظ والمعنى، والعرفان قد هام بها بين حجب الغيب والكشف، ووحده البرهان من يمكنه أن ينفع العقل العربي كما انتفع به العقل الغربي، هذا ما يعتقده الجابري.

انتقدت أطروحة الجابري ممن قد يتفقون معه في بعض توجهاته، فضلا على من يختلفون معه كطه عبد الرحمن، نذكر هنا نقد الباحث علي حرب حيث خالف الجابري في إقصائه وتهميشه للعرفان واعتبره منهجا تأويليا بامتيـاز في قوله: "العرفـان، بما هو تأويــل، يتقاطع البيان والبرهــان، والحــدس والاستدلال، والوحي والنظر. وبه يتصالح الرمزي والواقعي، ويطل الظاهر على الباطن، ويظهر الحق في الحقائق."(حرب، 2007؛ 18)ولأجل ذلك يعتبر أن العرفان  حسب ما وجده عند ابن عربي خاصة، ليس استقالة العقل كما قد يُظن، وإنما هو في الحقيقة تأملات الفكر وفتوحات العقل. وليس المقياس فيمن يعتمد على النقل ومن يدعي أنه يأخذ بالبرهان، ذلك أنه، يوجد من أخذ بالنقل فاجتهد ليصل إلى معاني جليلة وجديدة والعكس، يوجد من يحسب نفسه عقلانيّاوهو يسير على طريق التقليد لما يتوصل إليه من نتائج.

ولكن الجابري حسب علي حرب يستبعد من مجال المعقول قارة معرفية بكاملها تمثلت في النتاج الصوفي العرفاني. وإن بدا في  ظاهره غير معقول، لو نُظـر إليه بعقل مفتــوح سيكشف عن عقلانيته  المحتجبة. (حرب، ب-د-ت)غير أن الجابري تغافل "عن حقيقـــــة كشف عنها النقـــــــد الفلسفي المعاصر، وقوامها أن اللامعقول هو مدار العقل بل ما يدور في خلده. إنه نسيجه وحياته السرية. وهو طريقته اللاهوتية أوالأسطورية أو الدوغمائية في التعامل مع الأشياء، ولا يخلو عقل من لا معقول، بما في ذلك العقل الغربي الحديث بدءا من ديكارت وانتهاء بالمعاصرين."(حرب، ب-د-ت؛ ص128)يضيف على حرب، إذا كان للوحي عقلانيته، فلماذا ننفي على العرفان عقلانيته؟ وكينونتهما المعرفية واحدة، فكلاهما يبني علاقته مع الغيب ويحاول صياغة اللامعقول بوسائل عقلية وأدوات منطقية، فما يصدق عن الوحي يصدق عن العرفان وإنْ اختلفا من حيث المحتوى الفكري والاديولوجي. وبناءً على ما تقدم يرجع سبب إقصاء الجابري للعرفان إلى نزعته المركزية التي تحصر العقلانية عند عرب المغرب وسنته، مبعدة بذلك الشيعة والمشرق.

لكن الإشكالية ليست في النزعة المركزية لأن الرد القوي والمضاد لأطروحة الجابري سيأتي من فيلسوف بلده طه عبد الرحمن الذي دافع عن التصوف وجعله أعقل العقلانيات، مما دعا بعض الباحثين إلى الاعتقاد بأن طه قد قلب ثلاثية الجابري إذْ جعل العقل المؤيد أعلى المراتب وأشرفها يليه العقل المسدد، وأدناها مرتبة العقل المجرد. (الحري، 2014)لكن هذه المقابلة لا تصح أولا: لأن البيان لا يقابل العقل المسدد الذي يسدد العقل المجرد بالعمل، ثانيا: إن تقسيم الجابري كما نبه إليه طه عبد الرحمن لم يتخذ معيارا واحد في تقسيم الأنظمة المعرفية الثلاثة مما أوقعه في الخطأ، وعليه لا تستقيم المقابلة على هذا النحو؛ لأنها ستخلق تباينا كبيرا بين التقسيمين، وثالثا: وهو الأهم أن مشكلة الجابري لم تكن في ترتيب العقول كما توهم الباحث حتى يدعي أن طه عبد الرحمن قد وقع في النظرة التّجزيئيّةبحكم تفضيله للعقل المؤيد، بل الإشكالية في كونه أقصى العرفان وأمات البيان وانتصر للبرهان. أما طه فهو يؤمن بتكامل العقول الثلاث لأن العقل المؤيد لا يتحقق حتى يكون قد تدرج في مرتبة العقل المجرد فأخذ العلم النظري ثم سدده بالعمل بالانتقال إلى مرتبة العقل المسدد لينال الكمال في العقل المؤيد باستغراقه في التجربة.

لقد كان منطلق طه عبد الرحمن في تأسيس مراتب العقل غير الذي ذهب إليه الباحث وأمثاله، لأنه صرح بذلك في مقدمة كتابه (العمل الديني وتجديد العقل) وهو شعوره بأن اليقظة الدينيةفي هذا الزمن بحاجة إلى سند فكري يلتزم بشروط المناهج العقلية، وبالتنظير العلمي المحكم وبالتبصر الفلسفي. لذا أخذ على عاتقه مهمة القيام بهذا العمل، غرضه الأساسي هو بيان الشروط التكاملية والتجديدية التي تجب في تيقّظهذه اليقظة الدينيّة، إذْ ربط هذه الشروط بصفتين أساسيتين هما التجربة والتعقل ويقصد بالتجربة التخلّقلأنه يرى فيه السبيل الوحيد لليقظة الإسلامية، أما التعقل فهو إخراج هذه التجربة الإيمانية على مقتضى ما أنتجته أحدث  المناهج العقلية وأقدرها على الإنتاج الفكري. (طه، 2009)وهذا بالفعل ما سعى لتحقيقه .

وإذ نقف عند دوافع التصوف عند طه عبد الرحمن وأهميته في فلسفته، فلنوضح بعض الأسباب التي أدت به إلى بناء تراتبية العقل على هذا النحو في كتابه السالف الذكر، حتى غدت الممارسة الصوفية مجسدة لخصائص العقل المؤيد، واستحق هذا الأخير أن يصل إلى مرتبة الكمال وفقا للشروط التي وضعها له، والتي يسعى هذا المقال لمناقشة مدى التزامه بها انطلاقا مما استدل به في كتابه.

وحتى يتسنى لنا فهم تصور طه عبد الرحمن لمراتب العقل لابد لنا أن نقتفي أثره في عرض هذه المراتب التي بدأها بالعقل المجرد فبيّن حدوده والآفات التي تدخل عليه، ثمالعقل المسدِّد وهو الآخر ألحق به الآفات، فقط العقل المؤيد - الذي تمثله الممارسة الصوفية - بلغ رتبة الكمال بعد أن اجتهد في تنزيهه من كل آفة وانبرى يبطل الدعاوى التي تنتقص ممارسة أهل التصوف.

2- مراتب العقل عند طه عبد الرحمن

تتفاوت مراتب العقل عند طه عبد الرحمن بقدر ما ترتقي في التقرب إلى الله، ولقد اتضح له وهو يشتغل بالفلسفة حدود العقل المجرد في الوصول إلى المعرفة، فاتجه إلى التصوف حيث أيقن بتعدد طرق المعرفة، وكانت محدودية العقل المجرد في إدراك كثير من الحقائق دليلا على أن هناك طريقا آخر هو طريق البصيرة كما سماه، لذا نجده ينتصر لطريق البصيرة في كتابه السالف الذكر، إذْ صنّف العقل إلى ثلاثة مراتب (العقل المجرد - العقل المسدد -العقل المؤيد) سنأتي على تفصيل القول فيها تباعا.

2-1-العقل المجرد

أسّس طه عبد الرحمن مقدمة العقل المجرد على صفة الفعلية، فهو "عبارة عن الفعل الذي يطلع به صاحبه على وجه من وجوه شيء ما، معتقدا في صدق هذا الفعل، ومستندا في هذا التصديق إلى دليل معين."(طه، 2009؛ ص17)ابتعد في تعريفه للعقل عن التعريف اليوناني الذي يعتبره جوهرا قائما بالذات الإنسانية مميزا لها عن الحيوان، ذلك أنه  يريد أن يعرفه على مقتضى خصائص المجال التداولي الإسلامي العربي، لذا اعتبره فعلا أو سلوكا يمكّن الإنسان من إدراك الأشياء في  ذاته وعالمه، لا يختلف في ذلك عن حاسة البصر في إبصارها للأشياء فهي ليست جوهرا مستقلا، وإنما فعل معلول للعين، كالعقل فعل معلول لذات حقيقية تميز الإنسان وهي القلب حسب ما تداولته الممارسة الفكرية الإسلامية، فالعقل للقلب كالبصر للعين. فإن كانت العين وسيلة البصر، فالعقل وسيلة القلب في إدراك الأشياء ،وعليه نجد أن العقل بمعنى القلب قد اتخذ عدة صور عند العلماء الأوائل هي صورة الربط تمثلت في إدراك القلب للعلاقة بين معلومتين وصورة الكف؛ وهو كف العقل صاحبه عن الشهوات والأهواء، وصورة الضبط ؛بمعنى أن العقل هو إمساك القلب لما يصل إليه حتى لا ينفلت منه . (طه، 2009)

خلاصة القول أن العقل ليس جوهرا بالمعنى اليوناني وإنما هو فعل من الأفعال أو وصف من الأوصاف التي تقوم بالقلب، وذلك كون العقل قد يحسن وقد يقبح كما في الأفعال والأوصاف، وهو قائم على مبدأ التحويل بحيث يخرج من وصف عقلي لآخر، لأن الوصف العقلي الذي تميزت به المعرفة العلمية النظرية ليس وصفا ذاتيا لازما للقلب، وإنما وصف أنتجته أسباب عرضية يمكن أن تستبدل بأسباب أخرى تؤدي إلى وصف عقلي  جديد للمعرفة علمية مغايرة. (طه، 2009) وحين تبنى طه عبد الرحمن هذا المعنى لمفهوم العقل استطاع أن يبني على منواله عقولا أخر هي (العقل المسدد وفعله العمل، والعقل المؤيد وفعله التجربة) على اعتبار أن المنهج العقلي ما هو إلا مجموعة الوسائل وتقنيات إجرائية كانت أو قرارات يمكن توظيفها  لتحصيل أقوالا معللة قائمة على الصدق ومنسقة فيما بينها، مما يسمح بوجود نوعآخر من العقول يختلف بأوصافه عن العقل المجرد. (طه، 2009)

وهذا بالفعل ما سعى إليه طه عبد الرحمن معتمدا على تبيان حدود العقل المجرد وقصوره في الإحاطة بالمعرفة مما يوجب البحث عن طريق آخر يكمل مسيرة العقل المجردة المتعثرة بالآفات التي تدخل عليه فتقيد عمله الذي لا يجد توسعه إلا مع مرتبة أعلى منه وهي مرتبة العقل المسدد.

211- حدود العقل المجرد

صنف طه عبد الرحمن حدود العقل المجرد إلى صنفين : حدود خاصة لأنها تختص بالمعرفة النظرية الإسلامية العربية ،إذْ يتضح عجز العقل المجرد في معالجة قضاياها اختار مثالين يستدل بهما على هذا العجز وهما: مسالة الألوهية وأسماء الله الحسنى حيث خلص إلى أن مقاربة العقل المجرد لهاتين المسألتين لا تتجاوز حدود النظر في الأوصاف، لأن العقل المجرد عقل مجرد من العمل الشرعي لذا لا يمكنه إدراك الحقائق الإيمانية فضلا عن الحقائق الغيبية. (طه، 2016)وحدود عامة لا تختص بمجال بعينه بل تشمل كل ما يستطيع العقل الإحاطة به، لأن كل الأمم تتساوى في طبيعة الاشتغال والاستفادة النظرية من مختلف العلوم القائمة على العقل لذا فهي حدود عامة تقيد المعرفة النظرية .وهي بدورها أصناف مختلفة نكتفي بذكر  الحدود الواقعية  والحدود الفلسفية  لأهميتها في تبيان قدرة العقل المسدد في تجاوزها والتحرر من بعض قيودها.

2111-الحدود الواقعية

تمثلت في النسبية والاسترقاقية والفوضوية؛ (طه، 2009)فمرد النسبية إلى اختلاف النتائج التي يتوصل إليها العقل المجرد ،في مختلف العلوم، وتغيرها عبر الزمن بالشكل الذي قد يناقض بعضها بعضا كالاختلافات المشهورة في الفيزياء بين النظرية النسبية والميكانيكا الكمومية. مما يثبت أن أحكام العقل المجرد ليست قطعية،ولا هي ثابتة. أما الاسترقاقية فيجسدها اغترار الإنسان بقدرته العقلية حتى ظن أنه قد سيطر على الكون بالشكل الذي يريد، فإذ به يجد نفسه أسيرا لوسائله ولهذا التطور الهائل في العلوم لأنه لم يقيده بالقيم الأخلاقية، فكانت النتيجة أن نموذج العقل في نتائجه وتطبيقاته يحمل بذور فنائه كأسلحة الدمار الشامل. وتظهر الفوضوية في عدم تواصل النظريات العلمية فيما بينها، لدرجة يصل بعضها أن يكون نقيض بعض، وينفصل بعضها عن بعض، كنظرية نيوتن ونظرية آينشتاين النسبية، إضافة إلى قصور النظريات في الإجابة عن بعض الأسئلة التي تبقى عالقة إلى المستقبل المجهول.

2112- الحدود الفلسفية

أولا:مادية العقلانية المجردة:تمثلت في حاجة العقل المجرد إلى عمليات ثلاث حتى يتمكن من دراسة موضوع ما، وهي: التظهير ،التحيز والتوسط. (طه، 2009)فبدون التظهير لا يستطيع العقل معالجة الموضوع إلا باعتباره جملة من الظواهر القابلة للتحليل والتجريب وهذا ما يسمح بالمماثلة بين الشيء وصرفه الظاهري كالمماثلة بين الأوراق النقدية والذهب. وهذا لا يصلحمع كل الأمور خاصة منها المعنوية كحقيقة القصد. ولأن الظهور لا يتحقق إلا في حيز مكاني وزماني، كان لزاما على العقل المجرد أن يكون محدودا بالتحيز حتى يتسنى أن تجري له وسائل التقسيم والتركيب المتواترة وهذا ما يؤثر في إخضاع ما لا يقبل القياس خاضعا له، كقياس معنى الخشوع في الصلاة بالذبذبات الحاصلة في منطقة الدماغ. أمّااحتياج العقل للتوسط فيتطلب تعدد وتعقد الوسائط لإدراك الشيء اللطيف والدقيق وقلتها مع الشيء المجسم الكثيف، وعليه فإن إدراك الغيبيات والروحانيات سيتطلب وسائط كثيرة لدقة لطافتها لا يمكن للعقل المجرد الإحاطة بها. وبناء على ما تقدم يخلص طه عبد الرحمن إلى أن "العقل المجرد بعملياته "التظهير" و"التحيز"، "والتوسط" هو أقرب إلى صبغ الأشياء بصبغة مادية منها إلى طبيعة تجريدية، مما يجعله عاجزا على معرفة الحقائق غير المادية.

ثانيا :ملازمة اللاعقلانية للعقل المجرد: تظهر أولا: في تجاوز النظريات العلمية بعضها بعض، فما كان مسلما بصحته وعقلانيته في نظرية تأتي أخرى لتثبت عدم صحته وعقلانيته، وثانيا: صعوبة استيفاء شروط العقلانية في بناء الأنساق المعرفية ،إذ يمكن بناء أنساق منطقية مخالفة لهذه الشروط، فتكون أنساقا  متناقضة أو شبه متناقضة، من غير أن ينتشر التناقض فيها، لأنها أثبتت صحة برهانها، فهي مقبولة بالنسبة للمنطق مثلها مثل الأنساق التقليدية غير المتناقضة. (طه، 2009)

ثالثا: عدموجوب العقلانية المجردةلسببين أولا: كون أساليب التفكير العقلي المجردة خارجة عن ثقافتنا وخصوصيتنا ولا يوجد ما يمنع معارضتها لأننا لسنا ملزمين بها ،لذا يرى طه عبد الرحمن  ضرورة اصطناع  مناهج وأدوات تتسم بالعقلانية من دون أن تتعارض مع خصوصية ثقافتنا، نستغني فيها عن المقولات المجردة. (طه، 2009)وانطلاقا من هذا المبدأ يؤسس لعقلانية جديدة وهي عقلانية العقل المسدد التي تجمع بين القول والعمل، وذلك بإقامة النظر المجرد على العمل حتى تنفتح أفاقه وتتوسع، فالعقلانية عند طه عبد الرحمن قسمانكبيران:العقلانية المجردة من الأخلاق، يشترك فيها الإنسان مع البهيمة، والعقلانية المسددة بالأخلاق، وهي التي يختص بها دون سواه. (طه، 2013)وهذا ما نتعرف عليه مع العقل المسدد.

 

 

2- 2- العقل المسدد

بما أن طه عبد الرحمن قد أقام حجته على قصور العقل المجرد في إدراك كل الحقائق ومعالجة كل الظواهر يجد تدارك هذا القصور مع العقل المسدد، الذي أسسه على مقدمتين الأولى لزومه الصفة العملية والمقدمة الثانية هي دخول الآفة عليه، وعليه فالعقل المسدد هو الذي يسدده العمل بالشريعة الإسلامية ،إذْ عرفه بأنه: "عبارة عن الفعل الذي يبتغي به صاحبه جلب منفعة أو دفع مضرة ، متوسلا في ذلك بإقامة الأعمال التي فرضها الشرع." (طه، 2009)فالفعل هنا خلاف ما وجدناه مع العقل المجرد فهو مجرد إدراك للأشياء وإقامة الدليل عليها، أما فعل العقل المسدد فهو إقامة العمل الشرعي طلبا للمنفعة ودفعا للمضرة بشروط ثلاث هي: أولا: موافقة الشرع لكي تجنبه مساوئ التوجيه، ثانيا: اجتلاب المنفعة المقيدة بالقيم المعنوية والأخلاقية، ثالثا: الدخول في الاشتغال حيث يقترن العلم بالعمل فيصحح السلوك ويفتح المدارك. ذلك أن موافقة الشرع في تسديد العمل غايتها رضا الله وحفظ أحكام الشرع الإسلامي وليست العبرة في كثرة العمل بل فيما يترتب عنه.

وعليه لا يتحقق اجتلاب المنفعة إلا بالابتعاد عن نقائص ثلاث لا ينبغي أن يقع فيها العمل الشرعي، ولا محالة واقع في غيره، وهي:(الصفة المادية، الصفة السطحية، الصفة الذاتية) (طه، 2009) فالصفة الماديةمحدودة بقيمة المصلحة لذلك لا يرقى العامل بغير شرع الله بقيمة مستوى العامل بها، ذلك أن العمل الشرعي يوجه الانتفاع المادي ويُلبسه اللباس المعنوي ولا يتحقق ذلك في العمل غير الشرعي. أما صفة السطحية التي تطبع العمل غير الشرعي فتأتيه من محدودية وسائله وغايته العاجلة بينما العمل الشرعي يمد صاحبه بالسداد ويفتح له آفاقا اعتبارية بقدر عمله لذلك لا ينفع نفي الصفة الذاتية عن العمل غير شرعي لأنها غايته وإن بدا للآخرين خلاف ذلك. أما العمل الشرعي فيحض صاحبه على ترك أهوائه ورغباته فيما يطلبه من خاص المنافع وعامها لأن غايته مرضاة الله لا مرضاة نفسه ومصلحته.

إن كانت هذه الصفات التي لا يمكن أن يتصف بها العمل الشرعي ولا محالة واقع فيها العمل غير الشرعي فإن ممارسة العمل الشرعي أو الدخول في الاشتغال ينبغي أن يلتزم بأربعة وظائف وهي التشخيص، التشريف، التوسيع ، التصحيح؛ (طه، 2009)يحاول طه من خلال وظيفة التشخيص أن يبين أن أهمية العمل الشرعي في كونه ملموسا ظاهرا نفعه  ملحوظا أثره على الصالح العام، لأن العبرة بالثمار العملية وليست بالأفكار. أما التشريف فلا يحصل إلا إذا اقترن العلم بالعمل ولا يمكن أن يحدث العكس كما هو الحال مع العقل المجرد، لذا لا ينفك العلم الشرعي عن العمل فهو نموذج الاشتغال النافع الذي ينبغي الالتزام به لجلب المنفعة ودرء المضرة. وتأتي وظيفة التوسيع لتبيّن الأثر الذي يتركه الاشتغال بالعمل الشرعي على صاحبه إذْ أن العبادة توسع مدراكه، وتعمل على تهذيب سلوكه، فيتحرر من سلطان العادة والاعتقادات الفاسدة، فتستنير بصيرته. في الوقت الذي تعمل وظيفة التصحيح على تصحيح الانحراف الحاصل في عقله نتيجة النظر التجريدي مادام قائما بالاشتغال بالعمل الشرعي، فيفتح له باب الفهم والتيقظ، والزيادة في العمل.

خلاصة القول في العقل المسدد أنه مسدد بقيم العمل الشرعي وبقدر المواظبة على الاشتغال بها تُجنى ثمارها في اتساع أفق الفهم واستنارة البصيرة، خلاف العقل المجرد المقيد بتنظيراته. ومع ذلك تدخل عليه على آفات مظهرة قصوره.

2-2-1- آفات العقل المسدد

لا يختلف العقل المسدد عن العقل المجرد في محدوديته ،وإن كان يرتقي عنه مرتبة لأن التوسل بالعقل المسدد عن طريق الاشتغال بالعمل تدفع عنه آفات العقل المجرد المتمثلة في النسبية والاسترقاقية والفوضوضة، وتحد من أثار التشيئية المتمثلة في التظهير، والتحيز، والتوسيط  بفضل القيم والمعاني التي نالها من هذه الطاعات، فتعينه على تحصيل معاني مدركة ظاهر أثرها ،وليست معاني حبيسة التصور المجرد وإنما هو الشعور المشخص، كما يستغني العقل المسدد عن الوصف الظني باهتدائه إلى الاستدلال الصحيح على الأسماء الحسنى الدالة على الأفعال بدل الوصف التشبيهي لبلوغها مرتبة في تعظيم المولى عز وجل وتنزيهه ، وهذا هو ثمرة الامتثال بأوامره. (طه، 2009).

2- 2- 11- آفة التظاهر: تصيبالعقل المسدد آفة التظاهر حين يقع التفاوت في الأعمال المتقرب بها إلى الله بين واقع الاشتغال وبين المقاصد المتوخاة منها. وذلك بالمواظبة على العمل دون أن تتحقق المقاصد منه، والتي حددها طه عبد الرحمن في ثلاثة مقاصد: مقصد التقرب إلى الله ومقصد التقرب إلى الناس ومقصد التوجه إلى النفس. فاختلال الموازنة بين هذه المقاصد يوقع المتقرب في آفة التظاهر حيث يبتعد مقصد العمل في التقرب إلى الله فقط إلى مقصد التقرب من الناس والتوجه إلى النفس، ويظهر ذلك في ثلاثة مظاهر هي: التكلف، التزلف، التصرف.

يقع المتقرب في التكلف حين يتقرب إلى الله بأعمال قد تفوق طاقته وجهده، لا يبتغي بها وجه الله بقدر ما يقصد بها الناس أو إشراكهم في هذا القصد، ابتغاء مصلحة منهم، فهو يدعي لنفسه ما لا يظهر أثره في تخلقه، وبالتالي لا يستطيع أن يصلح غيره وهو على هذا الحال من التزيف. أما التزلف فيختلف عن التكلف في كون المتقرب لا يأتي من أعمال التقرب إلا ما يطيق، ويتفق معه في إخراجها عن قصد التقرب إلى الله نحو قصد التقرب بها إلى الناس أو إشراكهم في ذلك على الأقل طلبا للمنفعة. وكذلك هو التصرف يشبه التزلف في إتيان المتقرب ما يطيقه من الأعمال لكنه يختلف عنه في اخرج قصد التقرب إلى الله نحو قصد التوجه إلى النفس أو إشراك النفس بالله في قصد التوجه بهذه الأعمال، ويزداد  الضرر حين يغتر بالطاعة ويعجب بها ويفترض قبولها، فيمُنّ على الله  وينتظر العوض ،ليصل إلى درجة يحتقر فيها عمل غيره وطاعته ،لينتهي به المطاف إلى تبديعه. (طه، 2009)فآفة التظاهر تفسد على المتقرب إصلاح نفسه وبالتالي لا ينفع أن يصلح غيره على مقتضى أنه لم تُثمر أعماله التقرّبيةفي تزكية نفسه .

إن آفة التظاهر من الآفات التي لا يمكن لأحد أن يثبتها على غيره لأنها تتعلق بالمقاصد وهي نية داخلية في نفس العبد مصداقا لقول النبي صلى الله عليه وسلم" إنَّما الأعمالُ بالنِّيَّات، وإنَّما لكلِّ امرئٍ ما نَوَى"(الزبيدي، 1986؛ ص35)،فلا يعملها إلا الله ولا يقين في البحث عن بعض علاماتها بل هو قائم على الظن،و﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱجۡتَنِبُواْ كَثِيرٗا مِّنَ ٱلظَّنِّ إِنَّ بَعۡضَ ٱلظَّنِّ إِثۡمٞۖوَ لَا تَجَسَّسُواْ وَلَا يَغۡتَب بَّعۡضُكُم بَعۡضًاۚ أَيُحِبُّ أَحَدُكُمۡ أَن يَأۡكُلَ لَحۡمَ أَخِيهِ مَيۡتٗا فَكَرِهۡتُمُوهُۚ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَۚ إِنَّٱللَّهَ تَوَّابٞ رَّحِيمٞ ١٢﴾[سورة الحجرات،12]وقد جاء الحديث عن الرياء وهو الشرك الخفي ليُحذر الناس منه لا ليتهموا به، وليكون دافعا لتحري الإخلاص مصداقا لقوله تعالى:﴿قُلۡ إِنَّمَآ أَنَا۠ بَشَرٞ مِّثۡلُكُمۡ يُوحَىٰٓ إِلَيَّ أَنَّمَآ إِلَٰهُكُمۡ إِلَٰهٞ وَٰحِدٞۖ فَمَن كَانَ يَرۡجُواْ لِقَآءَ رَبِّهِۦ فَلۡيَعۡمَلۡ عَمَلٗا صَٰلِحٗا وَلَا يُشۡرِكۡ بِعِبَادَةِ رَبِّهِۦٓ أَحَدَۢا ١١٠﴾[سورة الكهف،110]

ولكن طه عبد الرحمن  أدخل هذه الآفة على العقل المسدد ونزّه منها العقل المؤيد مع أنه إن صحت في حق الأول تصح في حق الثاني لأن شرط الاستغراق في العبادة وسلامة الزيادة لكمال العقل المؤيد  -كما يزعم -لا تمنع أبدا من وقوع الصوفي في التكلف، لأنه أساسا يتكلف من العبادة ما لا يطيقه من صيام وقيام وذكر وانقطاع عن الناس وعقوبة نفسه على تقصيرها وغيرها. (ظهير، 2005)  ومع ذلك فهذا لا يمنعه من خروج قصده من التقرب إلى الله إلى الناس طمعا في مصلحة خفية في نفسه كالجاه والنفوذ والخدمة بابتداع طريق آخر في التصوف غير طريقة شيخه، بل إنه قد يقصد بها التوجه إلى النفس فيفترض في عمله القبول ونيل المحبة لدرجة بل بلغت عند بعض الصوفية درجات من الكفر البواح كالاعتقاد بالحلول.(ابن تيمية،1976)فضلا عن احتقار عبادة العامة ظنا أنهم قد بلغوا درجات في محبة الله لا يبلغها سواهم، غير أن طه تجاهل كل آفات الصوفية وانبرى يدافع عنها بمنطق عقلاني متعالي لا يعكس حقيقتها في أرض الواقع  

ولو احتكم إلى حقيقة الممارسةالإسلامية لوجد أن خطر هذه الآفة على العقل المؤيد (التصوف) أشد منها على العقل المسدد لأن الأول قد اخرج بعضهم إلى الزندقة والكفر أما الثاني فدخلت عليه آفة الرياء وإصلاح الأخير أهون من إصلاح الأول.

2- 2-1- 2-آفة التقليد: وفيها يعمل المتقرب بقول الغير على سبيل الاتفاق والعادة أو بالاستناد إلى دليل نظري من دون التحقق في صحة دليله. وقد صنف طه عبد الرحمن التقليد إلى ثلاثة أصناف: التقليد الاتفاقي، والتقليد العادي، والتقليد النظري.(طه، 2009)فالتقليد الاتفاقي هو العمل بالقول دون الشعور بالحاجة إلى ضرورة إثبات صحته، فالمقلد  في هذه الحالة لا يستوعب أحواله الحاصلة من عمله حتى يميز بين النافع فيستزيد منه والضار فيبتعد عنه، مما يجعله عرضة للوقوع في الشبهة، وهذا ما يحول بينه وبين إصلاح هذه الأعمال لأنه لا يطلب دليلا عليها وقد ينقطع العمل عن العلم. أما التقليد النظري فيختص به أهل الاجتهاد من (الفقهاء أو المتكلمين) ممن اشترطوا في مذهب الاستدلال تقيدهم بالعقل المجرد، وبالتالي فهم يطلبون الدليل النظري على قول غيرهم دون الحاجة إلى تصحيحه بالعمل.

 يجمع التقليد العادي بين آفة التقليد الاتفاقي والتقليد النظري، إذْ أنه لا يهتم بتحصيل لا الدليل النظري ولا العملي لأنه قصر الدلالة العملية لهذا القول على الحركات الظاهرة وبهذا فإن المقلد لا ينفي الشبهات ولا يتبين العقبات، ولا يُحصّل وسائل إصلاح الطاعات وغيرها من الآفات. مما يؤدي به إلى الحرمان من التوفيق الإلهي.

إن آفة التقليد لا محالة واقع فيها العقل المؤيد (الصوفي) أيضا ،لأن علاقة الشيخ بالمريد تنبني أساسا على تقليده ، وحال المريد كما وصفه بعضهم كحال الميت بين يدي مغسله لأنه في حالة استسلام تام يأتمر بأمر وينتهي به حتى يمكن أن يترقى في أحواله غير مكترث بالشبهة التي يقع فيها، وأغلب المريدين لا يطلبون الدليل النظري بل بعضهم جهلة همهمالتقليد من دون إعمال عقل، لكن طه عبد الرحمن حوّلهذا التقليد  بمنطقه الفلسفي إلى اعتبار التجربة الصوفية تجربة تخليقية تمثل النموذج  الذي تنزه عن كل آفة ليُبلغ رسالته  بحاله ومقاله لا بمقاله فقط ، والمريد يقتدي بهذا النموذج ليصلح حاله مستبعدا تماما احتمال  وقوعه في الشبهة كما فعل مع  العقل المسدد ،لأنه يفترض أن تناقل النموذج التخلقي محصنا من كل آفة مع أن واقع الممارسة الصوفية يثبت خلاف ذلك،لأن سنة الله في الابتلاءات والفتن وحكمته منها لا يعلمها إلا هو حتى لو ظهر بعضها للعيان جليا.

2-2-1-3-آفة التجريد: لقد تأثرت الممارسة السلفية بالنموذج العقلاني النظري الأوربي لأنه كان مصدر تقدمهم وتطورهم ،مما جعلها تحتذي حذوه، وبهذا  وقعت فيما سماه طه عبد الرحمن بالتسلف النظري لأنه قائم على التجريد غير منتفع بالعمل، وفي المقابل وقعت فئة أخرى في التسلف النقدي حيث يفقد فيه المتسلف قدرته على تحصيل معيار التفريق بين المقبول والمردود من المعارف والتجارب المتراكمة فيقع في التشنيع على من لا ينبغي تشنيعه والتبديع لمن لا ينبغي تبديعه. (طه، 2009)

وإذ يعمم طه هذه الآفة على الممارسة الإسلامية فإنه يقع في مغالطة التعميم، لأن أهل العقل المجرد ليسوا في هذا الأمر سواء وواقع الممارسة يثبت ذلك ، فلولا الفقهاء والعلماء بمختلف أصنافهم لما وجد من يجدد الخطاب الديني حسب مستجدات العصر، ولا كان هناك من يدافع عنه سواء بعقلانية العقل المجرد أو العقل المسدد، في الوقت الذي لا يعدو عمل العقل المؤيد (التصوف)أن اختص بالتربية وتزكية النفس بطرق فيها الكثير من المخلفات الشرعية ،ولولا العلماء لانساق كل جاهل في جهله لذلك خصهم المولى عز وجل بالخشية فقال ﴿وَمِنَ ٱلنَّاسِ وَٱلدَّوَآبِّ وَٱلۡأَنۡعَٰمِ مُخۡتَلِفٌ أَلۡوَٰنُهُۥ كَذَٰلِكَۗ إِنَّمَا يَخۡشَى ٱللَّهَ مِنۡ عِبَادِهِ ٱلۡعُلَمَٰٓؤُاْۗ إِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ ٢٨﴾[سورةفاطر،28]

2- 2-1-4- آفة التّسييس: يقع المتسلف في آفة التسييس نتيجة اعتقاده بضرورة ربط الإصلاح بالعمل السياسي وحده من دون الاهتمام بالجانب التأنيسي المتمثل في المعاني الروحية والقواعد الأخلاقية والاستقامة فنتج عن ذلك  غلبة التجريد مما أضعف الممارسة العملية الدينية، فأدى  ذلك إلى فهم مبدأ الرجوع إلى السلف بمعنى التأمل في النصوص من دون الحاجة إلى الاهتمام للجمع بين التفكير المجرد والعمل، هذا من جهة ومن جهة أخرى ظهر تهميش الجانب الروحي والأخلاقي في العمل السياسي وترك الاستقامة، لذا يرفض طه عبد الرحمن السياسة بغير أخلاق لأنها غير مقبولة في شرع الله ولو أفادت في توسيع السلطان، كما أن التجريد من دون العمل غير  مقبول ولو جاء بتسخير الأكوان. (طه، 2009)  التسييس ليس آفة في ذاته وإنما في حالة فصله عن القيم الأخلاقية، ذلك أن الممارسة الإسلامية قد شهدت أزهى عصور الحكم الراشد في زمن الخلفاء الراشدين ،وما كانت إدارتهم لشؤون أمتهم بالتي تفسد عليهم إيمانهم بل كانت قربة لله في إقامة شرعه .

فالعمل بالسياسة اضطرار لا اختيارا لأجل التمكين لدين الله ولا يوجد بديل يمكن أن يقترحه طه عبد الرحمن بهذا الصدد لأن التجربة التخليقية في العقل المؤيد ستحرر عنه كل الآفات السالفة الذكر بتركها والابتعاد عنها، لا بمواجهة الواقع واثبات أهميتها في تغيير الفرد والمجتمع على حد سواء. وبذلك سيظل أمر السياسة بيدمن لا يتهم بأمر الدين والعمل به، وعليه كيف سيقام شرع الله ويصلح حال الناس كما دعت إليه رسالة محمد صلى الله عليه وسلم والتي غايتها التمكين لدين الله؟

وبناء على ذلك، فإن التجربة التخليقية لم تمتحن مقدرتها في الربط بين القول والعمل مادامت لا تعمل لا بالسياسة ولا بالنظر في شؤون الناس والأمة لا من جهة التنظير ولا من جهة العمل، وإنما هي تجربة ذاتية متقوقعة على نفسها نالت الكمال في عالم مثالي لا واقعي لأنها ما استطاعت أن تقدم البديل في زمن كثرت فيه المؤامرات على هذا الدين من كل جهة.

2-3-العقل المؤيد

أسّس طه عبد الرحمن العقل المؤيد أيضا على مقدمتين الأولى تناولت تعريفه والثانية أسست لكماله، وعليه ،فالعقل المؤيد" هو عبارة عن الفعل الذي يطلب به صاحبه معرفة أعيان الأشياء بطريق النزول في مراتب الاشتغال الشرعي، مؤديا النوافل، زيادة على إقامة الفرائض على الوجه الأكمل(طه، 2009؛ ص121)" فمعرفة أعيان الأشياء هو ما جعله طه صفة للعقل المؤيد وهي: العينية؛ (طه، 2009)ويقصد بها أن موضوع العقل المؤيد هو أغنى وأشرف مواضيع المعرفة الممكنة متمثلة في الصفات والأفعال والذوات .فإذا كان العقل المجرد يتعرف على الصفات والعقل المسدد يتعرف على الأفعال، فإن العقل المؤيد يقصد معرفة الذوات، ولا سبيل لمعرفة الذات إلا بالجمع بين النظر والعمل والتجربة التي سماها طه عبد الرحمنبالملابسة أي  إتباع طريق النظر العملي الحي، والملابسة درجات هي: المزاولة التي تغلب فيها الأعمال الظاهرة للجوارح ،لتنعكس أثارها على الجوانح وحينها سيكون المؤيد قد ارتقى إلى المخالطة لما تركته هذه الأعمال من أثر في نفسه كالأنس والسكينة، ثم تأتي درجة المباطنة؛ وفيها يظهر آثار الأعمال الباطنة للجوانح فتنعكس على الأعمال الظاهرة للجوارح، لأن علاقة التأثير متبادلة بين الأعمال الظاهرة والأعمال الباطنة .

وعليه فهو يرى أن الملابسة مباطنة تحقق" للمؤيد منفعتينهما الطمأنينة والمحبة، فتمنحه الطمأنينة قوة التحمل والطاقة في السير، وتزيده يقينا بمحصوله، وأما المحبة فهي طريق للمعرفة العينية وهي الاشتغال بالمحبوب عمن سواه."(طه، 2009؛ ص126)وبهذا يسلم العقل المؤيد من كل الآفات التي دخلت على العقل المسدد لأن  اشتغاله غير مأمون العواقب ذلك أنه معرض للاغترار، والاستدراج الغيبي وإن ادعى المحبة ، فهي محبة الاستدلال على الصفات أو محبة الانتفاع من الأفعال أما محبة العقل المؤيد فهي محبة الذات الإلهية، وشتان بين المحبتين، حسب معتقد طه عبد الرحمن، الذي يتغاضى عن شطحات الصوفي في ادعائه المحبة ؛ فتراه يصيح ،ويستغيث، ويمزق ثيابه؛ ويخرج عن حد الشرع بدعواه ومضمونها.(ابن الجوزي،1997) مع أن مبدأ المحبة قائم على اتّباعالنبي صلى الله عليه وسلم قولا وعملا ،مصداقا لقول الله عز وجل: ﴿قُلۡ إِن كُنتُمۡ تُحِبُّونَ ٱللَّهَ فَٱتَّبِعُونِي يُحۡبِبۡكُمُ ٱللَّهُ وَيَغۡفِرۡ لَكُمۡ ذُنُوبَكُمۡۚ وَٱللَّهُ غَفُورٞ رَّحِيمٞ ٣١﴾[سورة آل عمران،31]

والشرط الثاني في تحقيق العقل المؤيد بعد العينية هي صفة العبدية التي لا تتحقق إلا بالتحرر الكامل من كل تبعية، فيكون التحرر من قصد الصفات (وهذا ما وقع فيه العقل المجرد) هو ترك التبعية للشيء أو ترك التبعية الشيئية، وهو ما سماه طه بالتخلص. ويكون التحرر من قصد الأفعال (وهذا ما التزم به العقل المسدد) هو ترك التبعية للعمل أو ترك التبعية العلمية، وسماه الإخلاص، وإذا استوفت الملابسة شرط التخلص وشرط الإخلاص مهدت لتحقق شرط ثالث وهو بالذات التبعية المحققة للعبدية واصطلح عليه تسمية الخلاص.

فالتخلص هو التحرر من التبعية الشيئية التي تحجب الإنسان عن معرفة التبعية الأصلية لأنها حبيسة إدراك الصفات الخارجية والداخلية للأشياء بقوة العقل المجرد والتعلق بالأشياء في حد ذاتها. (طه، 2009)أما الإخلاص فهو التحرر من التبعية العملية وهي صفة العقل المسدد ، (طه، 2009)لأن قيمة العمل عنده بمقدار نفعه، ونفعه بمقدار أثره في الصالح العام فيكون طلب الانتفاع شرطا للقيام بالعمل، مما يولد شعور الامتنان على الغير واستحقاق العوض وهذا ما يتنافى مع صفة الإخلاص، وعليه يجب الكف عن المنازعة في الاستحقاق والتسليم بسبق المنة الإلهية حتى يتحقق شرط الإخلاص .إضافة إلى ذلك فيجب التحرر من تعظيم العمل، لأن تخليد الأعمال مظهر للتبعية وهو عند أهل التجريد غاية الغايات التي يجب الوصول إليها بحجة أن الإبداع هو العمل العظيم الذي يؤثر في غيره كما يؤثر الإله في خلقه ،وأما أهل التسديد فينظرون إلى التخليد كوسيلة لتكثير العمل والتفاني فيه باعتباره أسلوبا في الجزاء والثناء ،أما جماعة التأييد فلا ترى في التخليد إلا مانعا يقطع استئناف السير إلى المطلوب لأنه يكرس صفات الرضا والمنازعة في التبعية الأصلية  التي تحقق معنى العبديّة حتى لا تكون هناك منازعة في الاستحقاق وفي التبعية العملية والتسليم بإسناد التسديد إلى العمل الشرعي وهذا كله فضل من الله ومنّته، وبهذا يتحقق التحرر من إسناد الأعمال للمخلوقية لأنها  تختص بالخالقية .

وحين يصل المتقرب إلى مرتبة الخلاص والتي تجمع مزايا المرتبتين (التخلص والإخلاص) يكون بالفعل قد تحقق بوصف العبدية الذي سيمنحه الحرية المكونية أو الحرية الربانية بحيث يتحرر المتقرب من كل أشكال التبعية الشيئية والتبعية العملية ويتصف بالتبعية الأصلية التي انبنت على الافتقار إلى الله والاضطرار في الأفعال؛ أي ترك التصرف واستشعار منّةالخالق في كل شيء، وبذلك يتحرر من رق الحرية الكونية ،فتكون العبدية هي الدخول في الامتنان الإلهي والوصفي والفعلي. (طه، 2009)إذْلا يرى العبد لنفسه وجودا إلا بمنة الله في كل حركاته وسكناته فيصير بين يديه متملكا بخالقيته ومتصرفا بفاعليته وهكذا يحصل له التأييد ويبلغ منتهى الكمال.

فالعقل المؤيد إذًا، يتضمن العقلين المجرد والمسدد، ليتجاوزهما نحو الكمال الذي يتحقق بدرجة العبدية التي تهبه الحرية الحقة، لأنها بحق حرية محبة، ذلك أنه قد تحرر من كل ما له علاقة بهذا العالم المادي، لمعرفته بالطريق الصحيح إلى خالق هذا الكون، الذي سخّره لأجله، ليسخّر وجوده لأجل عبادة الله وحده. لقد بلغ العقل المؤيد الكمال لأن صاحبه نال حظه من العلوم النظرية بواسطة العقل المجرد، ثم استزاد معرفة جديدة بواسطة العقل المسدد، الذي أخضع المعرفة النظرية إلى ممارسة عملية، والمداومة عليها بالتجربة الحية التي تميز العقل المؤيد.

2- 3- 1- دفاعا عن الممارسة الصوفية

ولكي يحفظ طه عبد الرحمن الكمال للعقل المؤيد(التصوف) كان لزاما عليه إبطال بعض الدعاوى التي ألصقت بالصوفية منها:

2- 3- 1-1- دعوى الذاتية: لقد أطلق على المتصوفة تسمية أهل الباطن لأنهم اهتموا بتزكية أنفسهم لكن هذه التسمية ألصقت بهم صفة الذاتية التي تعني أن حالهم هذا لا يمكن تعميمه أو اكتسابه، وبذلك تنتفي عن تجربتهم صفة الموضوعية، وهذا غير صحيح من منظور طه عبد الرحمن، لأن العقل المؤيد (التصوف) لم يصل إلى هذه المرحلة إلا بعد تدرجه في مرتبة العقل المجرد والمسدد بمعنى أن معايير الموضوعية في التجريد وقيمها في التسديد قد تحققت في التصوف بحكم احتوائه العقلين، هذا من جهة ومن جهة أخرى فإن للتجربة الصوفية معاييرها الخاصة في الموضوعية تجلت في المعنى الذي يصل إليه الصوفي نتيجة التأثر بقيم العمل والاستغراق فيه. "وإذا صح أن الموضوعية مشتقة بأساليب الاشتغال التجريدي من المعنى المدرك في التجربة الصوفية فأي الأمور أولى بالتقديم والاعتبار، أ هو الموضوعية المجردة أم التجربة المؤيدة."(طه، 2009؛ ص161)وبناء على ذلك ،فإن الوسيلة التي يبتغي بها المتصوف الوصول إلى الموضوعية حتما ستختلف عمّا هو في العقل المجرد ذلك أن هذا الأخير يبتغي إدراك صفات الأشياء بالنظر أما العقل المؤيد فيبتغي إدراك ذواتها وحقائقها .

ومع ذلك لا يمكن اعتبار معاني التجربة الصوفية موضوعية لنتائجها المختلفة بين الصوفية، فبعض معانيها كفر بواح تدعي به إدراك حقيقة الذات الإلهية أدى إلى إباحة دم أصحابها كما حدث مع الحلاج. ومن الذي خول له الشرع ليتكلم عن حقيقة إدراك الذات الإلهية سوى نبي؟ أيخرّموسى عليه السلام صعقا لما تجلى ربه للجبل ويهذي هؤلاء من دون ضابط شرعي كالقول بالحلول والاتحاد، ثم يدعي لهم طه عبد الرحمن موضوعية خاصة بتجربتهم ويخصهم وحدهم بوظيفة التربية وتزكية النفوس.

2- 3-1-2- دعوى الغموض: يبطل طه عبد الرحمن ما يتهم به المتصوفة من غموض عبارتهم، من جهتين اللغة والتجربة، فمن جهة اللغة لا يمكن وصف كل كلام غير مباشر بالغموض، وليس بالضرورة الغموض هو كلام غير مباشر، كما أن  لغة الصوفي لا تخرج عن حدود التخاطب العربي الطبيعي، أما أساليب الاصطلاح فقد اتبعوا فيها طريق التماثل والتدرج والتقابل، وهي أيضا لا تخرج عن  طبيعة اللغة العربية في اشتقاقها وارتباطها بالوزن وتقيدها بخصائص التبليغ اللغوي، لذلك يتهم طه عبد الرحمن أهل التجريد بأن طريقتهم في الاصطلاح والتعبير والتي تعتمد على الشمولية والبرهانية والموضوعية هي التي حجبت عنهم دلالة العبارة الصوفية. أما من جهة التجربة فناتج عن تعذر مشاركة الصوفي تجربته وتعذر حصول العلم بها ، ويصبح الأمر مع العقل المجرد أكثر غموضا لأنه لا يرى ضرورة اقتران القول بالعمل وبالتالي فهو يجد الغموض حتى في العبارة العلمية الشرعية. (طه، 2009)لقد تجاهل طه عبد الرحمن كثيرامن المصطلحات المتداولة في ساحة الصوفية وبعضها  مأخوذ  من المسيحية بحروفها وألفاظها ومدلولاتها مثل :(ناموس ، لاهوت، جبروت ، رهبانية ، ربوبية ،....). (ظهير، 1986)كما اعتبر بعضها الآخر من الكفر البواح الذي استحلت به دماء أصحابها (الحلول ، ووحدة الوجود).وغموض المصطلح لا يأتي من الدلالة  اللغوية للفظ في حد ذاته وإنما من الدلالة الاصطلاحية لأنها تحمل معنى جديدا مقصورا على واضعه كمصطلحات السكر والغيبة ،والقطب...وغيرها. (ظهير، 2005)وعليه فإن حجة طه عبد الرحمن لا تصمد أمام حقيقة غموض العبارة عند المتصوف لأنه يختار الأمثلة التي تؤيد رأيه ويتغاضى عن أخرى  لا يجد لها تبريرا لا منطقيا ولا شرعيا.

2- 3-1- 3- دعوى نفي العقلانية :  يرد طه عبد الرحمن على من يعتبر أن الصوفية هم أهل ذوق لا أصحاب عقل بالمسلّمةالتي مفادها أن العقل المسدد يحتوي العقل المجرد ويزيد عليه بالعمل ، العقل المؤيد (التصوف) يحتوي العقل المسدد مع إقامته له على التجربة الحية، وعليه فهو مبني على العمل المستعين من جانبه بالتجربة الحية. (طه، 2009)وبالتالي فهو يجمع فضائل العقلين ويزيد عنهما بثمار التجربة ،فهو أصوب وأسلم وأنفع، كما أنه قد استوفى شروط المقاربة النظرية .

ومن يدعي أن الصوفي لا عقلاني كمن يدعي أن الناظر العامل الحي هو لا نظري لكونه يأخذ بالتجربة ويأخذ بالعمل المقرون بالتجربة، وهذا ما لا يقبله العقل من وجهة نظر طه عبد الرحمن، كما لا يقبل أن يكون الفصل بين النظر والعمل والتجربة أفضل من الجمع بينها، عملا بمبدأ التكامل الإسلامي بين العلوم. فلئن اعتبر الصوفي لا عقلانيالأنه لا يأخذ بالنظر المجرد ، فإن خصمه هو أيضا لا عقلاني لأنه لم يأخذ بالعمل والتجربة ،لأن الخروج عنهما تحرمه فوائدهما وتضر به. (طه، 2009)فالعقل المجرد باستخدامه وسائل التحليل والاستدلال على أسماء الله الحسنى في معرفة معانيها قد لا يتحقق في غياب التجربة الحية وبالتالي لا ينطبع سلوكه بهذه الصفات مهما أمعن النظر بعقله المجرد ، في الوقت الذي يمكن أن يحدث العكس، أي أن التجربة الحية ستؤدي إلى استنارة القلب والتحقق بالأسماء دون استخدام أساليب النظر المجرد.

وبما أن العكس قائم فهذا دليل على أن أهل الذوق أو أهل العقل المؤيد لم يأخذوا فضائل العقل المجرد لأن الكثير من الصوفية يُقبل على العمل وما حصّل العلمي الشرعي، فأي عقلانية تسلحوا بها وما بلغوه بعملهم دون علمهم من الزيغ والضلال لهو خير دليل على ذلك دون الحاجة لمزيد من الأمثلة فواقع الحال يكفي عن السؤال. ولو انبنت الصوفية على تدرجها في العقل المجرد ثم العقل المسدد لما احتاجت إلى عقلها المؤيد يبتدع من الدين ما ليس فيه. 

2- 3-1- 4- دعوى ترك الكسب: يفترض طه عبد الرحمن حتى لو أن الذاكر ترك الكسب فقد اشتغل بما هو أعظم وأهم كالقيام بالعلم والاختصاص في التربية، وهو بهذه الحال مثله مثل غيره ممن يتفرغون لعلم من العلوم، لأنه مقبل على تحمل أعباء التربية على المنهج الشرعي. وعليه  فإن الاستغراق في العمل يجعل وصف المشتغل بالله تسديديا مما يجلب له التكفل الإلهي ومحبته ،فتزداد إنتاجيته وتكثر منفعته، فيزدادا تقربا إلى الله ، فكسب المتصوف يتصف بدوام الإنتاجية والتسديد والتأييد، لابالبطالة كما يتصور بعضهم ،بل كسبه هو تصرف إنتاجي بقصد التقرب. (طه، 2009)وعليه فإن الصوفي على هذا النحو من التصور الافتراضي في كل أحواله في حالة كسب سواء طلبه أم تركه ،وهي حالة الاشتغال بالله والتقرب إليه لتزداد منفعته فينفع غيره.

لقد أسس طه عبد الرحمن حجته على افتراض لا على الحقيقة التي يؤكد واقعها ترك المتصوف للكسب لأنه يقطع الطريق عنه في الاشتغال بالله والتقرب إليه ،وهذا جزء من معتقده ،وليس لأنه سيتفرغ لتربية غيره وإصلاحه لأنه قد لا يفعل ذلك أساسا، أما ادعاء أنه يقوم بالتربية على المنهج الشرعي فهذا أيضا خلاف الحقيقة والواقع لأن سنة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام والسلف الصالح رضوان الله عنهم؛ هي الالتزام بالكسب لا تركه ومع ذلك عرفوا الله حق معرفته فاستطاعوا أن يوفقوا بين معاشهم وكسبهم وبين وظيفة الدعوة والإصلاح، وما ترك الكسب في الشرع فضيلة حتى يقبلوا عليه، والسير على نهج محمد صلى الله عليه وسلم أحق أن يُتبع .

2- 3-1-5- دعوى ترك الإصلاح:يعتبر طه أن مفهوم الإصلاح كما سار عليه العقل المسدد مرتبط بالسياسة في إيجاد حلول للمشاكل الاجتماعية، فاعتبره آفة في حقه كما مر بنا، وعليه فإن مفهوم الإصلاح بهذا الشكل هو تصرف تغييري غرضه التسييس، وهذا لا يليق بالمتصوف لأنه لا يتناسب مع غايته التخليقية، لذلك اختار طريقه الخاص بحيث لا يرتبط بالتسييس وإنما بالتأنيس؛ ويقصد به الاعتماد على الجانب التخليقي للإصلاح لأنه مدار اهتمام الصوفي، وعليه فالإصلاح هو التصرف التغييريبغرض التأنيس. (طه، 2009)ذلك أن الإصلاح المقرون بالتسييس لا تؤمن عواقبه وإن بدا بعض نفعه، وعليه فالإصلاح التأنيسي يتميز بثلاث صفات هي:(الشمولية والواقعية والالتزامية). (طه، 2009)الشمولية بمعنى أنه لا يهتم بقطاع أو مجال بعينه، وإنما يهتم بما يصلح الإنسان ككل، فهو يشمل جميع أبناء مجتمعه وغير مجتمعه ،بل أفراد الإنسانية قاطبة ،ويتجه نحو الفرد لا نحو كيان مجرد مثالي هو المجتمع، فهذه هي الواقعية. أما صفة الالتزامية فهي التزام المتصوف بالإصلاح حسب شرائط الإصلاح التأنيسي الذي يخلّص الأفراد من الآفات لعلمه أن الإصلاح أمانة فلا يكون لنفسه فيها حظ، لأنه انشغل عن حاله بحال إصلاح غيره، لذا يتعجب طه ممن ينسب للمتصوف التقاعس والقعود عن الإصلاح وهو يتولى أجلّوظيفة وهي التقرب إلى الله وسواء قام بوظيفة الإصلاح أماستغنى عنها فإن حاله في حد ذاتها دعوة للإصلاح، لأنه مصدر تأثير في بيئته أكثر من أي قول.

ما أهمية إصلاح منقطع عن حياة الناس؟ ولو أن المتصوف انخرط في حياة الناس لما استطاع  أن يحفظ الصلاح لنفسه حتى يحفظه لغيره، لأن قيمة التجربة التخليقية أن تمتحن في واقع الحياة لتترك أثرها في كل المجالات (اجتماعية، سياسية، ثقافية، اقتصادية...)،أما أن يعتزل حياتهم ثم يأمل أن يربي أفرادا يمكنهم أن يثبتوا على قيمهم ويقيموا فيها شرع الله ،فهذا بلا شك غير ممكن فمثلما نفى طه عبد الرحمن عن أصحاب العقل المجرد والمسدد إدراك معاني التجربة عند العقل المؤيد  لأنهم لم يمارسوها ، فكذلك المتصوف لا يستطيع أن يكون فاعلا بإصلاحه لأنه لم يعايش حياة الناس بل هو في عالمه الخاص. و "لو فهم معنى التعبد؛ لم يقتصر على الصلاة والصوم، فرب ماش في حاجة مسلم فضل تعبده ذلك على صوم سنة."(ابن الجوزي،1997، ص380)

 

3- شروط كمال العقل

انطلق طه عبد الرحمن من مقدمة كمال العقل المؤيد التي مفادها:" أن العقل المؤيد لا تظهر  كمالاته في الممارسة  العقلانية الإسلامية  بقدر ما تظهر في الممارسة الصوفية." (طه، 2009)بمعنى أن الممارسة الصوفية هي الوحيدة التي تمثل نموذج العقل المؤيد للأسباب السالفة الذكر.

يعمل العقل المؤيد على تكميل الحقيقة العقلية عند الإنسان التي يعتبرها طه عبد الرحمن غير مكتملة مع العقل المجرد والمسدد بسبب الآفات التي لحقتهما، والعقل المؤيد هو القادر على اتقاء هذه الآفات الخُلقية: كالتظاهر والتقليد والآفات العلمية كالتجريد والتسييس عن طريق التوسل بالتجربة الحية التي تتحقق من خلالها صفات العينية والعبدية. فكمال العقل المؤيد لا يتحقق فقط لكونه استطاع أن يحمي نفسه من أفات العقلين، بل لأنه تحقق بشروط كمال العقل، والتي يظن طه عبد الرحمن أنها متحققة فقط في الممارسة الصوفية، لأنها اتخذت التجربة الحية سبيلا لإقامة العمل، وهذه الشروط وهي: اقتران العلم بالعمل -اقتران المعرفة العلمية بالمعرفة الغيبية- وسلامة الزيادات.

3-1- اقتران العلم بالعمل

لابد لكل معرفة عقلية أن تنتقل إلى مستوى التخلق السلوكي، حتى لو كانت علما نظريا أو آليا كاللغة والمنطق والحساب، لأن التخلق سبب في نفوذ المعاني والقيم إليها ،بحيث يقيها  مساوئ التنظير المجرد. (طه، 2009)ذلك أن العقل المجرد لا يؤمن أساسا بضرورة هذا الاقتران وهذا حال المعاصرين في تفكيرهم ودراستهم للتراث ونقده ،بآليات العقلانية النظرية المجردة في الوقت الذي بني أساسا بآليات العقلانية العملية، مما أفضى إلى قطع الصلات بين أقسام هذا التراث والتعامل معه  بانتقائية. (طه، 2012)فكانت النتائج التي توصلوا إليها أبعد ما تكون عن الفائدة ، كما سبق وأن أشرنا إلى ذلك مع الجابري. أما العقل المسدد وإن كان يستوفي هذا الشرط فإنه لا يؤمن عليه دوام الاتصاف به.

ليثبت وفاء العقل المؤيد بهذا الشرط من خلال التجربة الصوفية التي التزمت بهذا المبدأ فيما يعرف با(اجتماع المقال والحال) ،إذ  أن الصوفي في حال تتزايد في الترقي بتزايد العمل تسمح له بتصحيح فهمه والاستمرار على حمل عبارته بمعان متفاوتة تختلف باختلاف حاله ومعرفته ، يحسبها طه عبد الرحمن غير مضرة بالتواصل ولا هي مخلة بالتعاقل. (طه، 2009)ولكن أي معرفة يختص بها العقل المؤيد (الصوفي) ومجال تخصصه تزكية النفس لا غير؟ فهل كان المتصوفة علماء نظر أو دين في أي تخصص كان؟ حتى ينظر إليهم بوفاء هذا الشرط. إضافة إلى هذا فإن ممارسة الفقهاء والسلفية التي يمثلها العقل المسدد أثبتت استفاءها لهذا الشرط وحكم طه عبد الرحمن عليها ليس قطعيا بدليل من واقع حالها بل ظنا بما يمكن حدوثه.

3- 2- اقتران المعرفة العلمية بالمعرفة الغيبية وذلك بربط موضوع العلم والمعرفة بمعرفة المولى عز وجل لأن معرفة قوانين العلوم ما هو إلا تجلي لقدرة الله ومظهر صنعه، وبالتالي وجب أن تكون سببا في التقرب منه. غير أن الذين اقتصروا على العقل المجرد في المعرفة لم يزدادوا إلا إعراضا عن الله ومنازعته في شرعه، بحجة الموضوعية العلمية أو استقلالية المعرفة العلمية، أو بدعوى تعذر المعرفة الغيبة، فحُرموا من سبل الهداية والانتفاع بعلمهم. أما العقل المسدد فإنه يقصُر مبدأ ربط العلم بمعرفة الله على مجال العلوم النقلية دون العلوم العقلية ،إذْ يعتبر الأولى إما مُوصلة إلى الله أو معينة على أسباب السلوك الموصل إلى هذه المعرفة ،أما الثانية فلا يوجد إجماع على ضرورة التزامها بهذا المبدأ. (طه، 2009)وهذا ما يعترض عليه طه عبد الرحمن لأنه يرى ضرورة أن تكون العلوم نقلية كانت أو عقلية  خادمة للحقيقة الغيبية لأنها هي المقصود الأصلي، وإلا فهي ليست من العلوم النافعة، وعلى الباحث المسلم أن يخرج معارفه ونتائجه العلمية على مقتضى دلالة هذه الحقيقة العلمية حتى لا يحرم التسديد الإلهي بإسقاط جانب الوحي وجانب العمل الشرعي منه.

يتجلى تحقق العقل المؤيد بهذا الشرط في المبدأ الصوفي القائل ب(رؤية الله في كل شيء)لأن علم الصوفي بالموجودات ينقله إلى العلم بموجدها، كما أن العلم بالموجد يفتح له الأفق على العلم بالموجودات، فهو عمل متبادل لا ينفصل عن بعضه. (طه، 2009)فالصوفي لا يصل بين المعرفتين(المعرفة العلمية ومعرفة الله) كأنهما أمرين مستقلين كما هو شأن العقل المجرد وإنما معرفته بالشيء لا تفارق معرفة ذاته  المرتبطة أساسا بمعرفته بربه، وهذه المعرفة هي تحقق كامل بالتبعية لله لأنها تدفعه لجعل كل مدركاته سبيلا  لتحققه بالعبدية. (طه، 2009)تحقق هذا الشرط في الصوفية لأن معرفتهم أساسا لا تتجاوز حدود المعرفة الغيبية، أما أهل العقل المسدد فأغلبهم يربطون المعرفة العلمية بالمعرفة الغيبية دليل ذلك إدراكهم للإعجاز العلمي في القرآن الكريم. وحتى وإن لم يحصل بينهم إجماع فيما يتعلق بالعلوم العقلية كما يزعم طه فلا يعني أن الشرط لم يتحقق في العقل المسدد لأن الإجماع ليس شرطا في تحققه.

3-3– سلامة الزيادات: شرط في اتساع الممارسة العقلية لأن المعرفة العقلية الكاملة هي المعرفة التي لا يخشى عليها من الزيادة من دون أن تحيد عن جادة المقصود أو تسيء إلى المتقرب ، فكلما كانت الزيادة قائمة على الاجتهاد في العمل والتحقق به زادت العامل بها تقربا إلى الله ورسوخا في معرفته، وبهذا يتحقق النفع للذات وللغير. (طه، 2009)لكن أهل العقل المجرد وإن ادعوا لأنفسهم الاستزادة التي حققت لهم السعادة ولغيرهم النفع ،فإن واقع الحال يكذب ذلك لما تعانيه الإنسانية من الآثار السلبية كاستعمال أسلحة الدمار الشامل وتلويث البيئة وغيرها، أما أهل العقل المسدد فالآفة تدخل عليهم ما بقيت أعمالهم قائمة بالجوارح  وحدها من دون أن تترك أثرها على الجوانح .

والصوفية وحدها من تحققت باتساع المعرفة لسلامة الزيادة من خلال تحققها بمبدأ (التقرب بالنوافل) لأنه يفتح باب الوصول إلى الله والحصول على محبته فيتولى المولى عز وجل عبده في جميع أحواله حتى لا يرى شيئا إلا ويرى الحق فيه ولا يعرف شيئا إلا ويعرفه به. ومنه يتبين مدى حرمان من يترك النوافل بحجة أنها ليست شرطا في تحقيق الاستقامة أو من يستخف بها بدعوى الاشتغال بما هو أهم، وكأن التقرب إلى الله ليس أعجل المتطلبات إلى الله . (طه، 2009)

إن هذا الشرط في كمال العقل لا يمكن إثباته لأي عقل من العقول لأن سلامة الزيادة علمها عند الله لا عند خلقه، وإن الحكم بسلامتها قائم ما لم تُخرج صاحبها عن شرع الله كما جاء في كتابه وسنة نبيه وكان على طه عبد الرحمن أن يقيده بهذا الشرط، أو يجعل شرط موافقة العمل ونتائجه للشرع من شروط كمال العقل لأن تحقق شرط اتساع الممارسة العقلية بالاستزادة في العمل غير مضمون لأحد.

وواقع الممارسة الصوفية خير دليل على ذلك فمع كثرة التقرب بالنوافل لدرجة تكلف أصحابها أكثر مما يطيقون وابتدعوا طرقا من التقرب ما سنها نبي الهداية صلى الله عليه وسلم ولا أتى بها صحابته رضوان الله عنهم وهم أحسن الخلق عبادة لله،لذا ما كانت لتزيد بعضهم معرفة بالله بل زادتهم  جهلا، إذْ أنها بلغت عند بعضهم  أن أسقطها عن نفسه لأنه قد تحقق مراده.(ابن الجوزي،2003)  مستدلا بالآية الكريمة ﴿ وَٱعۡبُدۡ رَبَّكَ حَتَّىٰ يَأۡتِيَكَ ٱلۡيَقِينُ ٩٩﴾[سورة الحجر،99]وبعضهم الآخر بلغ به الحال درجة التأله يبوح بعبارات استحل بها دمه كابن عربي وابن الفارض ،..وغيرهم.(ابن تيمية،1976)

خلاصة القول في هذا الشرط أنه لا يتحقق إلا بموافقة ما جاء به الشرع، لذا فإن العقل المؤيد هو أكثر العقول إخلالا بهذا الشرط لأن أصحابه عولوا على كثرة العمل لا على مدى موافقتها للشرع واعتمدوا الظن بادعائهم بلوغ مقامات أدركوا بها اليقين وحقيقة العبودية فأظهروا من أقوالهم وأفعالهم ما خالف الشرع بما ليس له تأويل إلا الخروج عنه.

بناء على ما تقدم فإن العقل المؤيد لم يستوف جميع شروط كمال العقل بل العقل المسدد هو الأحق باستفائها من غيره لأنه يجمع بين العلم والعمل ولا يقطع الصلة بين موضوع الحقيقة العلمية ومعرفة المولى عز وجل ،لأن القرآن أساسا يوجه العقل لتدبر في الكون حتى تتجلى له قدرة الله ويعرف عظمة ربه وهو أشد التزاما بشريعة الإسلام، كما أنه أقرب العقول في سلامة الزيادات واتساع معرفته لأنه اتساعه في حدود الشرع ويقينه لا اتساع الظن بلا حدود كما هو الشأن مع العقل المؤيد (التصوف) وخير مثال في الممارسة الفقهية فقهاء الأمة الأربعة خاصة فقد تحقق حالهم بكل هذه الصفات ،فهم أحق بصفة كمال العقل وكان علمهم نافعا لا يستغنى عنه في إقامة الدين ، مع أن العقل لا كماله لقوله تعالى ﴿وَيَسۡ‍َٔلُونَكَ عَنِ ٱلرُّوحِۖ قُلِ ٱلرُّوحُ مِنۡ أَمۡرِ رَبِّي وَمَآ أُوتِيتُم مِّنَ ٱلۡعِلۡمِ إِلَّا قَلِيلٗا٨٥﴾[سورة الاسراء،85]لكن طه عبد الرحمن من خلال طرحه يبدو أنه لم يرجع إلى الممارسة الإسلامية بكل أطيافها ليبحث فيها عن حقيقة العقل الكامل وإنما اتخذ من صوفيته نموذجا ومن معاصريه التجريديين وأهل العقل المسدد  ليبنى نموذج العقل الكامل فاستأثر به دون سواهم، مع أن صوفيته تختلف عن الصوفية في حقيقة وجودها ،ولو أنه عاد حقيقة إلى الممارسة الإسلامية لكانت نتائجه خلاف ما وصل إليه .

 

4- التصوف وتجديد العقل

ربما كان على طه عبد الرحمن أن لا يسمي كتابه (العمل الديني وتجديد العقل) بل كان عليه بكل بساطة أن يسميه (التصوف وتجديد العقل) لأن مدار كتابه قد تأسس للدفاع عن التصوف عن طريق منطق الفلسفة أو كما قال بعض الباحثين  تقديم سند فلسفي حديث للتصوف، جعل أعلى المراتب للتراتب الفكري هو النموذج الصوفي (العقل المؤيد)، ودونه في المنزلة النموذج الفقهي السلفي (العقل المسـدد)، وأما أحط المنازل فهـو النموذج العقلاني(العقـل المجـرد). (السكران، 2014)

وقد يرجع السبب في هذا الدفاع المستميت عن الصوفية إلى تصوفه بالدرجة الأولى، لذلك فهو لا يرى طريقا لكمال العقل إلا في التصوف ،لذلك يهب الكمال للعقل المؤيد (التصوف) لأنه شعر بكماله في نفسه فهو في الحقيقة يصف لنا تجربته الصوفية في نسختها المثالية فبنى نسق تراتبية العقل كما اعتقد هو أنه قد تحقق به ،أما واقع الممارسة الصوفية فيختلف كثيرا عما أورده في كتابه، فلو كان بالفعل ينطلق من الممارسة الإسلامية بمختلف أطيافها النظرية والسلفية والصوفية لاهتدى إلى نسق آخر غير هذا الذي يدافع عنه أو على الأقل ما كان  ليختار الصوفية نموذجا للعقل المؤيد. وبهذا يكون طه عبد الرحمن قد ابتعد كثيرا عن مراده من تأسيس سند فكري لليقظة الدينيةوإنما انتصر لعقل لن يغير في واقع حالها شيئا ولو كان بمقدوره فعل ذلك لكان ظاهرا للعيان ولا يرتاب فيه الإنسان وأثبته الواقع بالبرهان.

أضاف منطق طه عبد الرحمن للتجربة الصوفية مفاهيم جديدة أسعفته في بناء نسقه حول مراتب العقل، فأصبحت التجربة الصوفية عنده هي النموذج  الذي يحقق التسلف العملي ويقوم  بوظيفة التخليق ،لأن العودة إلى النصوص فقط للأخذ منها غير قادرة على تحقيق ذلك وعواقبه غير محمودة ، ما لم يوجد النموذج الذي يجسد معاني النص ،ويعود ذلك إلى حقائق ثلاث مانعة وهي: الحقيقة التاريخية متمثلة في بعد النص عن زمنه، الحقيقة اللغوية التي تفتح باب التأويل نتيجة هذا البعد، والحقيقة الدينية أن أعلى المراتب في التقرب إلى الله ما كان أكثر رسوخا في العمل. (طه، 2009)وعليه لا يمكن تحصيل فهم حقيقي للنصوص في غياب النموذج الذي يطوي الحقائق السالفة الذكر في ممارسة حية يمكن الأخذ عنها، متمثلة في التسلف العملي القائم على النظر العملي الحي الذي تمثله التجربة لأنها قد تضمنت طبقات التجربة والمعرفة عبر الزمن فهي أنسب وسيلة لتحصيل القدرة على استخراج مضامين النصوص الأصلية وبهذا يصبح المتصوف أقدر من غيره في فهم النصوص الشرعية حسب طه عبد الرحمن، إذ يرى أن حقيقة التسلف ليس في رجوعنا إلى النصوص الإسلامية ، بل في رجوعها هي إلينا عن طريق النموذج الذي تمثله التجربة الصوفية .

مع أن الصوفية كل ما اهتمت به هو تزكية النفس أما الذين تولوا فهم النصوص الشرعية من أجل تحيينها حسب الواقع ومستجدات العصر هم الفقهاء، والناس في أشد الحاجة إليهم من الصوفية ولا ينفع علم الصوفي وهو في عزلة عن واقعه. بل أن ابن عقيل يعتبر المتكلمين خير من الصوفية لأنهم قد يزيلون الشك والصوفية يوهمون التشبيه، فإن ادعوا أن أصحاب الحديث قد أخذوا علمهم ميتًا عن ميت، فقد طعنوا في النبوات وعولوا على الواقع.(ابن الجوزي،2003) لأن النموذج الذي يدعي له طه عبد الرحمن الكمال في فهم الشرع، فيخصه وحده بمهمة التخليق لا تأمن سلامة زيادته وإنما سلامتها متوقفة على موافقة الشرع، والصوفية لا يخلو حالها من مخالفة للشرع، ولقد بيّن العلماء أخطاءهم بالدليل والحجة الشرعية والعقلية والواقعية.

فالتسلف العملي (النموذج) هو نظر في سلوك الأوائل من الصحابة الذين هم بدورهم نظروا إلى سلوك النبي صلى الله عليه وسلم ،وهكذا كل طبقة تأخذ عن الأخرى .لأن غياب النموذج الحي للاقتداء به والتعلم عنه سيجعل من الفرد نفسه نموذجا ولم يبلغ مبلغ النموذج بعد، فيحصل الابتداع بسبب ترك التوجه إلى النموذج. (طه، 2009)لكن ما ينبغي التساؤل عنه كيف تم تحريف النموذج ؟ فلئن كان الانحراف في فهم النص لابد كائن لأن النص لا يشرح كيفية العمل، فكيف دخل الانحراف على العمل وهو متواتر عن النبي صلى الله عليه وسلم حسب ما يعتقد طه عبد الرحمن؟ فنهج النبي صلاة ربي وسلامه عليه خلاف ما هو عند المتصوف ولشدة هذا التباين انتقدت الصوفية، كما نجد ذلك في كتابات ابن الجوزي حيث يصفهم في قوله:" منهم من تصدر، وصنف، فاقتدى به الجاهلون في هذه الطريقة، وكانوا كعمي اتبعوا أعمى، ولو أنهم تلمحوا للأمر الأول الذي كان عليه الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة رضي الله عنهم؛ لما زلوا". (ابن الجوزي،1997، ص67). فالأحق بالاقتداء هو محمد صلى الله عليه وسلم، ولا ينبغي لعاقل أن يقلد، فالمقلد أعمى كما وصفه ابن الجوزي.

والنموذج في حقيقته قائم على تقليد المريد لشيخه يأتمر بأمره في كل أحواله لذلك بالفعل هو أعمى ينتظر من شيخه أن يسير به في طريق الهداية، لقد صاغ طه عبد الرحمن طريقة الصوفية في التزكية في قالب النموذج الذي أسسه بمنطق العقل المجرد لا بمنطق الشرع، وإلا فإن دين الله بيّنٌ في كتابه وسنة نبيه. وإذا لم يجد المسلم هذا النموذج فهل يعني أنه محروم من الوصول إلى الله على وجه الحقيقة ولن يصل إلى محبة الله ولن ينال محبته؟ وهل تحصيل المحبة مقيد بالنموذج في دين الله؟

لم يكتف طه عبد الرحمن أن صاغ التجربة الصوفية في صورة النموذج بل إنه يبرر لغة الصوفي في تبليغ تجربته بطريق الإشارة  على أنها الأنسب لتبليغ النموذج، لأنها أوفى بغرض النموذج في  التبليغ  لما لها من الأوصاف التبليغية تقابل ما عند النموذج من الأوصاف التخليقية، فإذا كان النموذج حقيقة مشخصة ،فكذلك الإشارة تعبير مشخص، ولا يتحقق هذا عن طريق العبارة ، بسبب إدراك المعنى دون تحققه في القلب ،فضلا عن الجهل بكيفية العمل به ولا تنفع إلا المحاكاة. (طه، 2009)إضافة إلى ذلك فإن الإشارة تزيد القرب بين المتخاطبين لأنها تدل على تقاسمهم لتجربة مشتركة لها خصوصيتها في تبادل الفهم بينهم، مما يولد لديهم الرضا. (طه، 2009)يبدو حسب دفاع طه عن توظيف الإشارة عند الصوفي لدرجة تصبح منطق تواصل طبيعي أن النبي صلى الله عليه وسلم  وصحبه قد فاتهم علم عظيم هو علم الإشارة ، وأن النبي على اعتباره النموذج الأول لعبادة الله ومحبته لم يهتدلأهمية الإشارة في تبليغ نموذجه. وهنا يتبين أن منطق العقل المجرد هو الذي يعلل اتخاذ النموذج طريق الإشارة في التبليغ، وليس طبيعة الدين ولا خصوصية مهمة التخليق ولا أن الشرع يُقر بذلك، وما كان أسلوب القرآن كله إشارة حتى يقتدى به بل إنه بيان للناس.

ولأن العقل المؤيد وحده من تحققت فيه صفة النموذج حسب ظن طه عبد الرحمن فهو أحق بمهمة التخليق، وغيره مغتصب لهذه الوظيفة لذلك تدخل عليه الآفة إذ يمارس هذا الحق ولم يبلغ مبلغ النموذج ،وعليه فإن العقل المؤيد هو مناط التكليف التخليقي لأنه ملزم بعد بلوغه مرتبة النموذج أن يقبل على الغير حتى يعلمهم التقرب إلى الله. (طه، 2009)لينال الترقي في مراتب القرب والتأييد أما إذا ترك هذا الواجب سيتعرض للتدني والتراجع في هذه المرتبة .وعليه فقد خصّالعقل المؤيد بوظيفة التخليق قصرا لأنه يُسأل عنها سؤال المكلًّف، معتبرا تولي العقل المجرد والمسدد لهذه الوظيفة من باب الاغتصاب. لأن فعلهما تصرف بغير حق مع عدم تحصيل الاستعداد الخاص بهذه المهمة.

لذا كانت نتائج هذا الاغتصاب مختلفة باختلاف العقول أدت بالنسبة للعقل المجرد نتيجتين هما: التعالي الإلحادي بسبب غلو العقل المجرد في اعتماد وسائله البرهانية المستمدة من التجريد، وبالتالي يستغني كليه عن قيمة العمل الشرعي حتى لو كان مجرد اعتقاد من دون عمل، وعليه فلا يؤمن عليه أن يصرح بوجهه الإلحادي. والتأنيس الإلحادي فيدعي فيه صاحب العقل المجرد أن وسائله سلطانية تستمد مشروعيتها من سياسة الأحوال المادية للإنسان، مستغنيا عن المعاني الروحية المستمدة من العمل الشرعي، معتقدا أنها كافية للقيام بغرض التخليق، بحيث يُنسبإليها نوعمن التأنيس يقطع صلته بهذه المعاني. (طه، 2009)إن صفة الإلحاد وما تحمله من معنى يعرفه العام والخاص قد يكون بعيداعن واقع الممارسة الإسلامية  جملة وتفصيلا لأن طه يؤسس لمراتب العقول في ظل هذه الممارسة التي يدين جميع أهلها بدين التوحيد الإسلام، وهي قائمة على الاحتمال والشك لا اليقين .فكيف للصوفي طه  أن يصف غيره بصفة  دالة  على صفة التشدد التي جعلها آفة العقل المسدد حين يغتصب مهمة التخليق ، والمبدأ عنده أن الصوفية أبعد في  تكفير الناس من السلفية .

أما النتائج السلبية لاغتصاب العقل المسدد لوظيفة التخليق فهي  التشدد  والتحجر؛ (طه، 2009)يحدث التشدد عندما ينزل بدرجة التأثير بواسطة المقال والحال معا إلى درجة المقال الذي لا يلبث أن ينطبع بالقسوة والتعنيف لأن وسائله الوعظية قائمة على تسديد العمل، وبالتالي فقد ينصرف عنها أثار التجربة العملية الحية. أما التحجر فيحدث نتيجة اعتقاده بأن وسائله الوعظية تتوقف عند حدود ظاهر النصوص دون الحاجة في الخوض في معانيها الدالة على أخلاق النفس وأسرار القلب، لأنه لا يمكن مراقبتها، وبالتالي فهو يقطع وجه الانتفاع بالمعاني الباطنية، وحينها يحرم ما يبعث على تجديد خطابه والاجتهاد في النصوص، فيتوقف عند حدود ظاهرها. إن وسائل العقل المسدد وإن بدا أنها تتوقف عند ظاهر النص فإنها لا تقطع الانتفاع بالمعاني الباطنية بل إنها هي أيضا تخوض في معاني الدالة على أخلاق النفس وأسرار القلب مثال ذلك ابن الجوزي في وعظه وفي كتاباته ، أما تحويل خطابهم إلى الغلظة والقسوة فغير صحيح لأنهم أشد التزاما بمعاني القرآن الكريم الصريح في أوامره ﴿ٱدۡعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِٱلۡحِكۡمَةِ وَٱلۡمَوۡعِظَةِ ٱلۡحَسَنَةِۖ وَجَٰدِلۡهُم بِٱلَّتِي هِيَ أَحۡسَنُۚإِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعۡلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِۦ وَهُوَ أَعۡلَمُ بِٱلۡمُهۡتَدِينَ ١٢٥﴾[سورةالنحل،125]كما أن وسائل الوعظ عندهم تتراوح بين الترغيب والترهيب وهو نهج القرآن الكريم ، فكيف لطه أن يعترض على هذا النحو ليصف العقل المسدد بالتشدد والتحجر .

في الوقت الذي لا يأمن على العقل المسدد ميله للتشدد والتعنيف في الوعظ، لم يشكك في وسائل العقل المؤيد، مع أنها أساسا قد بُنيتعلى التشدد وإنما يتحدث عنها بمفهوم شمولي يتغاضى فيه عن حقيقتها التي يحفظها التاريخ ولا يزال الواقع شاهداعليها، لأن ما يفرضه شيخ الطريقة الصوفية الذي أصبح نموذج التخليق في أتباعه حتى يرتقي بهم لمستوى ما وصل إليه هو عين التشدد والتنطع إذْ يلزمهم بأذكار وصيام وانقطاع عن الناس وخدمة له . (ظهير، 2005)وليس كل الناس تقوى على هذا ،ولا كان طريق المشقة هو نهج النبوة ،ولا القرآن الكريم نص على ذلك بل كل يعمل على قدر طاقته ﴿فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ مَا ٱسۡتَطَعۡتُمۡوَٱسۡمَعُواْ وَأَطِيعُواْ وَأَنفِقُواْ خَيۡرٗا لِّأَنفُسِكُمۡۗ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفۡسِهِۦ فَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُفۡلِحُونَ ١٦﴾[سورة التغابن،16].

بناء على ما تقدم فإن ما وعد به طه عبد الرحمن في مقدمة كتابه لم يتحقق لأنه أخفق في بناء يقظة دينية تستند إلى فكر يلتزم بشروط المناهج العقلية، وبالتنظير العلمي المحكم وبالتبصر الفلسفي، ذلك أنه جانب الموضوعية بل والمنطق في مواضع كثيرة من طرحه نذكر بعضها:

لقد انطلق طه في بناء تراتبية العقول من مقدمتين لكل عقل، سلّمبها ثم انطلق يثبت صحة اعتقاده، تارة بأدلة منطقية وأخرى واقعية وقلما كان يرجع إلى القرآن الكريم والأحاديث النبوية الشريفة والتي يختار لها مكان الهامش من كتابه، لتدعم قوله لا لتكون المبدأ الأساسي في بناء استدلاله، وعلى هذا ما أهمية بناء نسق منطقي لليقظة الدينية دون الرجوع إلى مبادئ هذا الدين؟ بل اتخذ الممارسة الإسلامية بمختلف اتجاهاتها ليبني منها نسقا يدافع به عن التصوف لا ليقيّم أو يقوم النتاج الفكري للعقول الثلاثة -المجرد(الممارسة الإسلامية العلمية والنظرية) والعقل المسدد(الممارسة الفقهية والسلفية)والمؤيد( التصوف)- بموضوعية بينت ايجابيات كل عقل في بناء هذه اليقظة وكيف يجب إصلاح بعض سلبياتها، بل استعان بالحجج المنطقية والواقعية لإدخال الآفة على العقل المجرد والعقل المسدد ليتغاضى عن العقل المؤيد ويعمل على بناء كماله على ما تدخله من آفات الواقع أيضا يثبتها وأدبيات التصوف تحفل بها كما سبقتالإشارة له. ومع ذلك يتغاضى عن كل ذلك بمغالطة التعميم التي ألبست الصوفية ثوب العقل الكامل وسعى بكل ما أسعفه منطق ترتيب النسق الذي أراد أن يبنيه للعقل في الممارسة الإسلامية فراح يحجم عمل المنظرين من علماء الإسلام فاختار مسألة الألوهية وأسماء الله الحسنى ليثبت بها حدود العقل المجرد الذي تمثله هذه الممارسة، وقصور العقل المسدد في الاتصاف بها ووحده العقل المؤيد من وصل إلى حقيقة الذات الإلهية.

ولكن السؤال المطروح، إن كان بالفعل قد استطاع طه أن يجدد العقل بما افترضه من مراتب جعل أكملها العقل المؤيد (التصوف)، فهل بعمله هذا هو بالفعل يؤسس ليقظة دينية يمكن أن يستفيد منها العمل الديني؟

لقد استطاع طه عبد الرحمن أن يدافع عن التصوف ويجعله عقلا سماه العقل المؤيد ولولا ذاتية طرحه كونه صوفيا لما كان سيختار غير العقل المسدد لأنه هو الذي نشر هذا الدين بأخلاقه، وعدل بين الناس بقيمه ،فلا السياسة أفسدته ولا التجريد ضيعه لأن قيم العمل تحفظه وكل الآفات التي حاول طه أن يلحقها به قائمة على الظن فيقول( لا يؤمن عليه التعثر) ويثبت باليقين  للعقل المؤيد سلامته لأنه تحقق بالتجربة مع أن الواقع يثبت خلاف ذلك وهي غير مانعة من دخول الآفة عليه ، لذا كان عليه  أن  يتبع الدليل ،لا أن يتبع طريقا ويتطلب دليلها(ابن الجوزي،1997) .

وعليه فإن استفادة اليقظة الدينية مما قدمه في تراتبية العقل لن تكون بالشكل الذي طمح فيه إلا إذا اعتبرنا العقل المسدد هو أفضل العقول حتى لا نقول أكملها، لأنه لا كمال للعقل إلا بمقارنته مع غيره أما على وجه الحقيقة كل العقول قاصرة في إدراك الحقيقة الإلهية، لذا جاء قول الحق تبارك وتعالى:﴿فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ مَا ٱسۡتَطَعۡتُمۡ وَٱسۡمَعُواْ وَأَطِيعُواْ وَأَنفِقُواْ خَيۡرٗا لِّأَنفُسِكُمۡۗ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفۡسِهِۦ فَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُفۡلِحُونَ ١٦﴾[سورة التغابن،16] وهنا تصدق مقولة طه عبد الرحمن في حقيقة المناهج وبحثها عن الحقيقة: "إن الأجهزة النظرية التي نصطنعها للوصف أو التحليل أو التفسير ليست إلا حيلا أو قل (ألعابا) نبتدعها لنلاحق ونقارب بها الظاهرة المدروسة، حتى يقوى سلطاننا عليها؛ ومهما بلغت من الكفاية الوصفية والتفسيرية، فإن هذه الأجهزة تظل غير مشاركة في وجود الظاهرة ذاتها، إذ يبقى دائما في الإمكان أن نستبدل مكانها أجهزة أخرى لا تقل عنها إنتاجية إن لم تفقها."(طه، 2012؛ ص50)وعليه لم يوفق طه في مقاربة الممارسة الإسلامية بمختلف أطيافها بموضوعية تفضي إلى نتائج إن لم نقل عنها علمية فعلى الأقل غير متناقضة مع واقع هذه الممارسة .

خاتمة

- انطلق طه عبد الرحمن في تأسيس تراتبية العقل من الممارسة الإسلامية، فكان العقل المجرد وسيلة الممارسة الإسلامية العلمية والنظرية، والعقل المسدد وسيلة الممارسة الفقهية والسلفية والعقل المؤيد وسيلة الصوفية، وهي أنجع الوسائل في القيام بمهمة التخليق، لذا كان العقل المؤيد أعقل العقول لأنه اهتدى إلى حقيقة الوجود وهي محبة الله، ولأجل ذلك استحق صفة الكمال.

- مقاربة طه عبد الرحمن للممارسة الإسلامية بمختلف أطيافها السالفة الذكر كان إلى الذاتية أقرب منه للموضوعية، لأن وصفه للعقل المؤيد هو وصف لتجربته الصوفية لا للتجربة الصوفية كما هي في الممارسة الإسلامية لذا تغاضى عن كل الآفات التي وقعت فيها ،بل إنه وهو يبطل الدعاوى التي ألصقت بها، تغافل عن أهم دعوى وهي مخالفة طريقتهم لشرع الله في جوانب منها، مما نتج عنها بدعا وضلالا بلغ الكفر عند بعضهم، وحتى حججه وأدلته في إبطال دخول الآفة على العقل المؤيد كانت مناقضة لواقع الممارسة الصوفية من جهة، مستغنية عن الشريعة الإسلامية وأهم مصادرها الكتاب والسنة  من جهة أخرى وهي الأحق بالاحتكام إليها إذا كان بالفعل يريد نفع هذه الأمة  .

- إن محاولة طه عبد الرحمن في زحزحة التصوف من موقع الهامش في الممارسة الإسلامية إلى موقع المركز حيث يصبح أكمل العقول وأقدرها على الإصلاح وتغيير واقع الحال، لم يتحقق إلا في نسقه الذي بنى عليه تراتبية العقل، ولكنه في واقع الممارسة الإسلامية سيظل في موقعه لن يبرح عنه شبرا، لأنه بعيد عن واقع الحياة، وعليه، فما أهمية السند الفكري والمنطقي لليقظة الدينية إن لم يكن قادرا على التغيير في حال الناس والأمة؟

- لم يستوف العقل المؤيد جميع شروط كمال العقل، بل العقل المسدد هو الأحق باستفائها منه، لأنه يجمع بين العلم والعمل ولا يقطع الصلة بين موضوع الحقيقة العلمية ومعرفة المولى عز وجل، ذلك أن القرآن أساسا يوجه العقل للتدبر في الكون حتى تتجلى له قدرة الله ويعرف عظمة ربه وهو أشد التزاما بشريعة الإسلام، كما أنه أقرب العقول في سلامة الزيادات واتساع معرفته لأن اتساعه في حدود الشرع ويقينه لا اتساع الظن بلا حدود كما هو الشأن مع العقل المؤيد (التصوف).

- خلاصة القول في مقاربة الممارسة الإسلامية  بأي منهج كان لابد من الرجوع فيها إلى كتاب الله وسنة رسوله، فهي المرجعية الأساسية في أية مقاربة، وإلا تصبح المقاربة مجرد تأويلات ذاتية مصبوغة بأدوات ووسائل تدعي العلمية، وحينها حتما ستكون النتائج مناقضة لمقاصد الدين، فهذا طه عبد الرحمن الذي جاء ليبني سندا فكريا بأحدث أدوات التنظير المنطقي والعقلي يصل لنتائج متناقضة لا يصدقها واقع الممارسة الإسلامية التي انطلق منها، ولا  يُنتظر منها أن تُحدث تغييرا لأنها لا تقف على متغيرات هذا العصر ومتطلباته، وهذا نتيجة استعانته بالعقل المجرد في بناء تراتبية العقل  مع علمه بقصوره ،فانْ سلم نسق ترابية العقل في بنائه المنطقي ،فانه لم يسلم من التناقض مع المنطلقات التي تأسس عليها، وهي الممارسة الإسلامية التي لم يحدد زمنها ولا المقصود بها

قائمة المراجع

القرآن الكريم برواية حفص.

1- ابن الجوزي أبو الفرج عبد الرحمن: 1997، صيد الخاطر، تحقيق: عامر بن علي ياسمين، دار ابن خزيمة، الرياض، ط1.

2- ابن الجوزي أبو الفرج عبد الرحمن: 2003، تلبس إبليس، تحقيق: السيد الجميلي، دار الكتاب العربي، لبنان.

3-ابن تيمية تقي الدين: 1976، مجموعة الرسائل الكبرى، دار إحياء التراث العربي، لبنان، ط2.

4-  الجابري محمد عابد: 2009، بنية العقل العربي دراسة تحليلية نقدية لنظم المعرفة في الثقافة العربية، ط2، مركز الوحدة العربية، لبنان.

5- الجابري محمد عابد: 2009، تكوين العقل العربي، مركز دراسات الوحدة العربية، لبنان، ط 10.

 6- الحري عبد النبي: 2014، طه عبد الرحمن ومحمد عابد الجابري- صراع المشروعين على أرض الحكمة الرُّشديّة، الشبكة العربية للأبحاث، الدار البيضاء المغرب، ط 1.

7- أرحيلة عباس: 2013، فيلسوف في المواجهة –قراءة في فكر طه عبد الرحمن، المركز الثقافي العربي، المغرب، ط1.

8- الزبيري زين الدين احمد بن عبد اللطيف: 1986، مختصر صحيح البخاري، دار النفائس، بيروت، ط2، ج1.

9- السكران إبراهيم بن عمر: 2014، التأويل الحداثيّ للتراث -التقنيات والاستمدادات، دار الحضارة للنشر والتوزيع، الرياض، ط 1.

10- بلعقروز عبد الرزاق: 2010، السؤال الفلسفي ومسارات الانفتاح- تأوّلات الفكر العربي للحداثة وما بعد الحداثة، منشورات الاختلاف - الجزائر، والدار العربية للعلوم ناشرون – لبنان، ط 1.

11- حرب علي   : ب د ت ،نقد النص، المركز الثقافي العربي، المغرب – لبنان، ط 4.

12- حرب علي: 2007، الحقيقة والتأويل قراءات تأويلية في الثقافة العربية، دار التنوير للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت.

13- طه عبد الرحمن: 2012، تجديد المنهج في قراءة التراث، المركز الثقافي العربي، المغرب، ط4.

14- طه عبد الرحمن: 2014، الحوار أُفقا للفكر، الشبكة العربية للأبحاث والنشر، بيروت، ط2.

15-طه عبد الرحمن: 2011، حوارات من أجل المستقبل، الشبكة العربية للأبحاث والنشر، بيروت لبنان، ط1. 

16- طه عبد الرحمن: 2016، من الإنسان الأبتر إلى الإنسان الكوثر، المؤسسة العربية للفكر والإبداع، لبنان، ط2.

17- طه عبد الرحمن الفيلسوف المجدد، فلم وثائقي،https://www.youtube.com/watch?v=0MF_mN7oQ3Q.

18- طه عبد الرحمن: 2009، العمل الديني وتجديد العقل، المركز الثقافي العربي، المغرب – لبنان، ط4.

19- طه عبد الرحمن: 2013، سؤال الأخلاق-مساهمة في النقد الأخلاقي للحداثة الغربية، المركز الثقافي العربي، المغرب، لبنان، ط5. 

20- ظهير إحسان إلهي: 1986، التصوف المنشأ والمصادر، دار ترجمان السنة، باكستان، ط 1.

21- ظهير إحسان إلهي: 2005، دراسات في التصوف، دار الإمام المجدد للتوزيع والنشر، مصر، ط1. 

@pour_citer_ce_document

سليمة جلال, «تراتبيّة العقل في الممارسة الإسلامية عند طه عبد الرحمان»

[En ligne] ,[#G_TITLE:#langue] ,[#G_TITLE:#langue]
Papier : ص ص 163-182,
Date Publication Sur Papier : 2021-03-08,
Date Pulication Electronique : 2021-03-08,
mis a jour le : 08/03/2021,
URL : https://revues.univ-setif2.dz:443/revue/index.php?id=7955.