تكريس مبدأ المساواة والمنافسة في الصفقات العمومية وفقا المرسوم الرئاسي رقم 15-247 والقانون 08-12 المعدل والمتمم للأمر 03-03Devoting the Principle of Equality and Competition in Public Deals in accordance with the Presidential Decree No. 15-247 and Law No. 08-12 amending and supplementing Ordinance No. 03-03
Plan du site au format XML


Archive: revues des lettres et sciences sociales


N°01 Avril 2004


N°02 Mai 2005


N°03 Novembre 2005


N°04 Juin 2006


N°05 Juin 2007


N°06 Janvier 2008


N°07 Juin 2008


N°08 Mai 2009


N°09 Octobre 2009


N°10 Décembre 2009


N°11 Juin 2010


N°12 Juillet 2010


N°13 Janvier 2011


N°14 Juin 2011


N°15 Juillet 2012


N°16 Décembre 2012


N°17 Septembre 2013


Revue des Lettres et Sciences Sociales


N°18 Juin 2014


N°19 Décembre 2014


N°20 Juin 2015


N°21 Décembre 2015


N°22 Juin 2016


N° 23 Décembre 2016


N° 24 Juin 2017


N° 25 Décembre 2017


N°26 Vol 15- 2018


N°27 Vol 15- 2018


N°28 Vol 15- 2018


N°01 Vol 16- 2019


N°02 Vol 16- 2019


N°03 Vol 16- 2019


N°04 Vol 16- 2019


N°01 VOL 17-2020


N:02 vol 17-2020


N:03 vol 17-2020


N°01 vol 18-2021


N°02 vol 18-2021


N°01 vol 19-2022


N°02 vol 19-2022


N°01 vol 20-2023


N°02 vol 20-2023


A propos

avancée

Archive PDF

N°02 vol 18-2021

تكريس مبدأ المساواة والمنافسة في الصفقات العمومية وفقا المرسوم الرئاسي رقم 15-247 والقانون 08-12 المعدل والمتمم للأمر 03-03

Devoting the Principle of Equality and Competition in Public Deals in accordance with the Presidential Decree No. 15-247 and Law No. 08-12 amending and supplementing Ordinance No. 03-03
ص ص 52-68
تاريخ الإرسال: 2020-04-06 تاريخ القبول: 2021-04-13

زهير بن ذيب
  • resume:Ar
  • resume
  • Abstract
  • Auteurs
  • TEXTE INTEGRAL
  • Bibliographie

الصفقات العمومية أداة لإنفاق المال العام، لذلك فهيمن بين المجالات الخصبة لإمكانية إهداره وتبديده وإساءة استعماله، مما يستدعي خلق آليات لحمايته والحفاظ عليه، وهو مالا يمكن أن يتحقق إلا بمراعاة مبادئ حرية الوصول للطلبات العمومية والمساواة في التعامل بين المرشحين المتنافسين وشفافية الإجراءات وتكريس مزيد من مبادئ الحوكمة الرشيدة.

تمكّنقواعد المنافسة الإدارة من استخدام الموارد العمومية استخداما رشيدا وعقلانيا، بما تمنحه من تنوع في العروضفيضفي على طلباتها قدرا من الشفافية والنزاهة، لذلك أولى المشرع الجزائري لموضوع المنافسة في الصفقات العمومية اهتماما خاصا لفرض إحترام قواعد السوق بين المتعاملين الإقتصاديين، وقمع جميع الممارسات المنافية لقواعد النزاهة والمنافسة، لكن ما هي الآليات التي اعتمدها المشرع الجزائري لتكريس مبدأ المساواة والمنافسة في الصفقات العمومية،وفقا المرسوم الرئاسي رقم 15-247والقانون 08-12المعدل والمتمم للأمر 03-03المتعلق بالمنافسة؟

الكلمات المفاتيح: مبدأ المنافسة، الصفقات العمومية، المساواة بين المتنافسين، حرية التعاقد، الرقابة الداخلية والخارجية

Les marchés publics sont un outil pour dépenser l'argent public, et par extension, il est considéré comme l'un des domaines fertiles pour le gaspiller, et l'utiliser à mauvais escient, ce qui nécessite de créer des mécanismes pour le protéger et le préserver, et il ne peut être atteint qu'en tenant compte des principes du libre accès aux demandes publiques, de l'égalité dans les relations entre les candidats concurrents, de la transparence des procédures et du dévouement de plus. Principes de bonnes gouvernances. Les règles de concurrence permettent à l'administration d'utiliser rationnellement et rationnellement des ressources rationnelles, en lui donnant une diversité d'offres, ce qui confère à ses demandes un degré de transparence et d'intégrité. Par conséquent, le législateur algérien a accordé une attention particulière à la question de la concurrence dans les marchés publics pour imposer le respect des règles du marché chez les commerçants économiques et pour supprimer toutes les pratiques incompatibles. Les règles d'intégrité et de concurrence, mais quels sont les mécanismes adoptés par le législateur algérien pour consacrer le principe d'égalité et de concurrence dans les marchés publics conformément au décret présidentiel n ° 15-247et à la loi 08-12modifiant et complétant l'ordonnance 03-03relative à la concurrence ?

Mots clés :principe de concurrence, marché public, Égalité entre concurrents, liberté contractuelle, Contrôle interne et externe

Public deals are among the ways of spending public money. Consequently, it is considered one of the fertile areas for wasting, spoiling and misusing it, which calls for creating mechanisms to protect and preserve it. This can only be achieved by applying the principles of free access to public requests, equality in dealing with the competing candidates, transparency of procedures, and more devotion to principles of good governance. The rules of competition enable the administration to rationally and reasonably use public resources through the diversity of offers, which guarantees a level of transparency and integrity. Therefore, the Algerian legislator paid special attention to the issue of competition in public deals to impose respect for market rules among economic dealers, and to suppress all incompatible practices of integrity and competition. Nevertheless, what mechanisms are adopted by the Algerian legislator to enshrine the principle of equality and competition in public procurement in accordance with the Presidential Decree No. 15-247 and the Law No. 08-12 amending and supplementing Ordinance No. 03-03 related to competition?

Keywords:competition principle, Public transactions, Equality between competitors, freedom of contract, Internal and external control

مقدمة

يحتل العقد الإداري مكانة هامة بعدّهمن أهم وسائل النشاط الإداري في إطار تجسيد مشاريع التنمية، وتحريك العجلة الاقتصادية للدولة، وهو الوسيلة الأنجع التي تضبط إعادة توزيع الموارد الوطنية وفق السياسة الإقتصادية، والضمانة الأساسية لحسن سير واستغلال المرافق والأموال العمومية، ولأجل ذلك خصه المشرع الجزائري بإطار تنظيمي يحدد كيفيات إعداده، إبرامه وتنفيذه، والهيئات أو المصالح المعنية باستخدامه، وإذا كانت الصفقات العمومية محلا للإنفاق العام فإن ذلك يعدّمن بين المجالات الخصبة لإمكانية إهداره وتبديده وإساءة إستعماله، مما يستدعي خلق آليات لحمايته والحفاظ عليه، وهو ما لا يمكن أن يتحقّق إلا بمراعاة مبادئ حرية الوصول للطلبات العمومية، والمساواة في التعامل بين المرشحين المتنافسين، وشفافية الإجراءات، وتكريس مزيد من مبادئ الحوكمة الرشيدة.

ونظرا لأهمية تلك المبادئ التي تقترن بها الصفقات العمومية اقتراناواضحا، إذ أن احترامقواعد المنافسة يمكّن الإدارة من استخدامالموارد العمومية استخدامارشيدا وعقلانيا، لذلك أفرد لها المشرع نظاما قانونيا خاصا بها ينظّمها من جميع الجوانب، آخذا بعين الاعتبارالمساواة بين الراغبين في التعاقد معها، ولعل أهم هذه النصوص قانون المنافسة، والذي يعتبر فرعا جديدا من فروع القانون العام، استحدثمن أجل تكريس أسس المنافسة من خلال فرض قواعد قانونية تلزم مختلف الشركاء الإقتصادين على احترامها، إذ نص في المادة الثانية من الأمر 03-03المتعلق بالمنافسة المعدل والمتمم (أمر رقم 03-03ج.ر43/2003) على أن أحكامه تطبق على الصفقات العمومية بدءا من نشر الإعلان عن المناقصة إلى غاية المنح النهائي للصفقة التي عرّفها المشرع الجزائري في ظل المرسوم الرئاسي 15-247بأنها عقد إداريبنصه في المادة الثانية منه على ما يلي: "الصفقات العمومية عقود مكتوبة في مفهوم التشريع المعمول به، تبرم بمقابل مع متعاملين اقتصاديين وفق الشروط المنصوص عليها في هذا المرسوم، لتلبي حاجات المصلحة المتعاقدة في مجال الأشغال واللوازم والخدمات والدراسات".

وبعدّالصفقات العمومية من أهم العقود الإدارية التي تبرمها الدولة ممثلة في مختلف هياكلها على المستوى المركزي أو المحلي، ووسيلة من وسائل تجسيد فكرة استمرار المرفق العام وإشباع الحاجات العامة، وأداة لإنفاق المال العام، فإن الصفقات هي من المجالات الخصبة لإمكانية إهدار المال العام وتبديده وإساءة استعماله، لذا لابد من خلق آليات لحمايته والحفاظ عليه، وهو مالا يمكن أن يتحقق إلا بمراعاة مبادئ حرية الوصول للطلبات العمومية والمساواة في التعامل بين المرشحين المتنافسين وشفافية الإجراءات وتكريس مزيد من مبادئ الحوكمة الرشيدة.

يهدف هذا المقال للبحث في قواعد المنافسة التي تعدّ من أهم ضمانات احترام مبدأ المساواة ومحاربة المحاباة ومختلف مظاهر الفساد، إذ عبر تكريس مبدأي المساواة والمنافسة تتمكّن الإدارة من استخدام الموارد العمومية استخداما رشيدا وعقلانيا، بما تمنحه من تنوع في العروض مما يضفي على طلباتها قدرا من الشفافية والنزاهة، لذلك أولى المشرع الجزائري لموضوع المنافسة في الصفقات العمومية اهتماما خاصا لفرض احترام قواعد السوق بين المتعاملين الاقتصاديين، وقمع جميع الممارسات المنافية لقواعد النزاهة والمنافسة.

لمعالجة الموضوع محل الدراسة ارتأينا الانطلاقمن الإشكالية التالية: ما هي الآليات التي اعتمدهاالمشرع الجزائري لتكريس مبدأ المساواة والمنافسة في الصفقات العمومية وفقا للمرسوم الرئاسي رقم 15-247(مرسوم رئاسي 15-247ج.ر50/2015)، والقانون 08-12المعدل والمتمم للأمر 03-03؟

وللإجابة عن الإشكالية الواردة أعلاه وتحقيق أهداف الدراسة نقسّم البحث إلى مبحثين نتناول في الأول: الضمانات التشريعية لتكريس مبدأ المنافسة في الصفقات العمومية، وفي الثاني نعرض مختلف آليات الرقابة المفروضة في إطار الإلتزام بقواعد المنافسة.

المبحث الأول: التكريس التشريعي لمبدأ المنافسة في الصفقات العمومية

وسنعرض فيما يلي تكريس مبدأ المنافسة من خلال المرسوم 15-247المتعلق بالصفقات العمومية (المطلب الأول)، ثم نتناول تكريس مبدأ المنافسة من خلال قانون المنافسة (المطلب الثاني).

المطلب الأول: مبدأ المنافسة من خلال المرسوم 15-247المتعلق بالصفقات العمومية

من أهم المبادئ التي ورد ذكرها في المرسوم الرئاسي 15/247المتضمن تنظيم الصفقات العمومية وتفويضات المرفق العام، تجسيد نجاعة الطلبات العمومية والإستعمال الحسن للمال العام والمحافظة على مبدأ حرية الوصول للطلبات العمومية، وتحقيق المساواة بين العارضين، وشفافية المعاملة العقدية وعلانية الصفقة العمومية. ونعرض فيما يلي نظرة المرسوم 15-247المتعلق بالصفقات العمومية الجزائري لمبدأ المنافسة، وذلك من خلال بيان ضوابطالإعداد المسبق لشروط الصفقة (الفرع الأول)، ثم علانية المعلومات ومعايير الإجراءات المتعلقة بإبرام الصفقة العمومية (الفرع الثاني).

الفرع الأول: بيان ضوابط الإعداد المسبق لشروط الصفقة العمومية

   تحقيقا لمقتضيات الشفافية ألزم المشرع الإدارات العمومية بضرورة اللجوء لإجراءات محددة، من شأنها إحترام فرض إطارٍ رقابيٍّ يتماشى مع ضمان السلامة القبلية للمعاملة العقدية، وذلك من خلال تحديد الحاجيات العمومية وتنسيقها وتحصيصها، كآليات تسبق الدعوة إلى التعاقد وإعداد مشروع الصفقة (أولا)، ثم بعد ذلك الإعداد المسبق لدفتر الشروط (ثانيا).  

أولا – تحديد الحاجيات وإعداد مشروع الصفقة العمومية

تعد هذه المرحلة من أهم مراحل إبرام الصفقة العمومية وأكثرها انعكاساعلى مبادئ المنافسة، فقبل التوجّه إلى إعداد دفتر الشروط، يتعين على المصلحة الإدارية الراغبة في التعاقد تحديد احتياجاتها، على أساس دراسة واقعية وتقنية تعدها مسبقا)تياب نادية، 2013، ص. 74(، ونظرا لأهمية هذه المرحلةنَظَّمَ المشرّع عملية تحديد الحاجات العمومية في المادة 27من المرسوم الرئاسي 15/247التي تنص على ما يلي: "تحدّد حاجات المصالح المتعاقدة الواجب تلبيتها مسبقا، قبل الشروع في أي إجراء لإبرام صفقة عمومية، يحدد مبلغ حاجات المصالح المتعاقدة إستنادا إلى تقدير إداري صادق وعقلاني، حسب الشروط المحددة في هذه المادة، تخضع حاجات المصالح المتعاقدة مهما تكن مبالغها لأحكام هذه المادة إلا في الحالات الإستثنائية المنصوص عليها في هذا المرسوم، ويجب إعداد الحاجات من حيث طبيعتها ومداها بدقة، إستنادا إلى مواصفات تقنية مفصلة تعد على أساس مقاييس و/أو نجاعة يتعين بلوغها، أو متطلبات وظيفية، ويجب ألاّ تكون هذه المواصفات التقنية موجهة نحو منتوج أو متعامل إقتصادي محدد عندما ترخص المصلحة المتعاقدة، فيما يخص الخدمات المعقدة تقنيا وفق الشروط المحددة والمضبوطة في دفتر الشروط، فإنه يمكن المتعهدين تقديم بديل أو عدة بدائل للمواصفات التقنية، يجب النص على كيفية تقييم وتقديم بدائل المواصفات التقنية في دفتر الشروط، كما يجب تقييم كل البدائل المقترحة".

نستنتج من خلال نص هذه المادة أنه يتوجب على المصلحة المتعاقدة تحديد حاجاتها الواجب تلبيتها مسبقا في دفتر الشروط، قبل الشروع في أي إجراء متعلق بإبرام الصفقة العمومية. إن المشرع ومن خلال المادة أعلاه فرض قيدا على الإدارة وألزمها الإعتماد على المواصفات التقنية المفصلة أثناء تحديد الحاجات العمومية، وذلك في إطار حماية مبدأ المنافسة بين المتعاملين الراغبين في التعاقد وضمان الشفافية في إبرام الصفقات العمومية المنصوص عليه في المادة الخامسة من المرسومنفسه، كما أضاف المشرع ضابطا آخر لعملية تحديد الحاجات العمومية قبل الدعوة إلى التعاقد، وذلك من خلال نصه بأنه يجب ألاّ تكون هذه المواصفات التقنية موجهة نحو منتوج أو متعامل إقتصادي محدد.

في إطار ضبط وتحديد حاجيات المصالح المتعاقدة، يمكنهاأن تتفق فيما بينها على تشكيل مجموعة من الطلبات، وأن تتفق على إبرام صفقة وفق ما يعرف بتنسيق الطلبات العمومية، وذلك حسب نص المادة 36من المرسوم الرئاسي 15/247، وتجسيدا كذلك لإحترام الإدارة لمبدأ المنافسة، نص المشرع على إمكانية اللجوء إلى تحصيص الصفقات بين مختلف المتعاملين، حتى تستغرق الصفقة العمومية أكبر عدد من العروض، وقد نص على ذلك من خلال المادة 31من المرسوم ذاته.

بعد التطرق بإيجاز لأهم العناصر المتعلقة بتحديد الحاجيات وإعداد مشروع الصفقة العمومية، نستكمل دراسة هذا الجزء بتسليط الضوء على دفتر الشروط.

 ثانيا- الإعداد المسبق لدفتر الشروط

إن أهمية موضوع الإعداد المسبق لدفاتر الشروط تجسّد بشكل كبير حماية مبدأ المنافسة وتكريس الشفافية في مجال الصفقات العمومية، ومن أجل ذلك ألزم المشرع الجزائري المصلحة المتعاقدة لضمان تطبيق مبدأ المنافسة، وتكريس شفافية أعمال الإدارة، الإعداد المسبق لدفاتر الشروط، بدليل أنه قد نص في المادة 09من الأمر 06-01المؤرخ في 20فيفري 2006، المعدل والمتمم المتضمن قانون الوقاية من الفساد ومكافحته (الأمر رقم 06-01، ج.ر14/2006)، على أنه: "يجب أن تؤسّس الإجراءات المعمول بها في مجال الصفقات العمومية على قواعد المنافسة الشريفة، وعلى معايير موضوعية، ويجب أن تكرّس هذه القواعد على وجه الخصوص، الإعداد المسبق لشروط المشاركة والانتقاء التي تحددها دفاتر الشروط".

وقدكرس المشرع هذا المفهوم في المادة 26من المرسوم الرئاسي رقم 15/247، أين نصت على ما يلي: "توضّح دفاتر الشروط، المحيّنة دوريا، الشروط التي تبرم وتنفذ وفقها الصفقاتالعمومية...".

ومن أجل إعداد دفتر الشروط، يجب أن التدقيق في جرد ووضع أو تحديد المواصفات المطلوبة (أ)، وتحديد الشروط العامة والخاصة للصفقة (ب).

أ/ تحديد المواصفات المطلوبة في الصفقة: الأساس القانوني المنظم لعملية تحديد المواصفات المطلوبة، بعدّهاأول عملية من عمليات إعداد دفاتر الشروط، هو نص المادة 95من تنظيم الصفقات العمومية وتفويضات المرفق العام، والذي جاء في فقرته الثالثة أنه يجب أن يكون:"موضوع الصفقة محددا وموصوفا وصفا دقيقا".

تحدد المواصفات المطلوبة إذن وفقا لطبيعة الصفقة، ويتعين على جهة الإدارة أن تحدّدها بصورة دقيقة ومفصلة، وتدرجها في دفتر الشروط، والتي تعدّبعد ذلك أساسا في تقييم العروض المقدمة من المتنافسين، ومرجعا في حالة نشوء أي نزاع أو إخلال بالإلتزام بين طرفي العقد،وهذا ما نصت عليه المادة 161من المرسوم السالف ذكره.

وتجدر الإشارة أن عملية وضع المواصفات المطلوبة في حالة صفقات التوريد، ترتبط بضرورة إعطاء الأفضلية للمنتوج الوطني، طبقا للمادة 83من المرسوم نفسه، وذلك بمنح هامش الأفضلية بــــ (25%) للمنتجات ذات المنشأ الجزائري و/أو للمؤسسات الخاضعة للقانون الجزائري، التي يحوز أغلبية رأسمالها جزائريون مقيمون في جميع أنواع الصفقات، على أن تخضع الاستفادةمن هذا الهامش في حالة ما إذا كان المتعهد تجمعا متكونا من مؤسسات خاضعة للقانون الجزائري ومؤسسات أجنبية، إلى تبرير الحصص التي تحوزها المؤسسات الخاضعة للقانون الجزائري والمؤسسات الأجنبية، من حيث الأعمال التي يتعيّن إنجازها ومبالغها، ويجب أن يحدد ملف استشارةالمؤسسات بوضوح الأفضلية الممنوحة، والطريقة المتبعة لتقييم ومقارنة العروض لتطبيق هذه الأفضلية (قرار 28مارس 2011، ج.ر/2011)، من أجل إضفاء أكبر شفافية على مبدأ المنافسة.

ب/ تحديد الشروط العامة والخاصة للصفقة

وضع الشروط العامة والخاصة للصفقة المراد إبرامها، يبعث ويعزّز عامل الطمأنينة بين المتنافسين ويضفي مصداقية أكبر على شفافية الصفقة، ويعزّز من نزاهة المصلحة المتعاقدة، وهذه العملية تقتضي القيام بمجموعة من الأعمال الإدارية والفنية والتقنية اللازمة لإعداد دفتر الشروط، وقد نصت المادة 64من المرسوم الرئاسي 15/247، أنه يتعيّن على المصلحة المتعاقدة أثناء مباشرة إعداد دفاتر الشروط تحضير الوثائق المتعلقة بالإستشارة، أو عند الإقتضاء بالتراضي بعد الإستشارة التي توضع تحت تصرف المتعهدين، والتي يجب أن تحتوي على جميع المعلومات الضرورية التي تمكنهم من تقديم تعهدات.

وبعد أن تم إستعراض أهم جوانب دفاتر الشروط وضماناتها التشريعية في إطار إحترام شفافية مشروع الصفقة ومبدأ المنافسة، ننتقل إلى المرحلة الموالية المتمثلة طرح معلومات المشروع فى إطار الدعوة المتنافسين إلى التعاقد، وذلك في الفرع الموالي.

الفرع الثاني: علانية المعلومات ومعايير الإجراءات المتعلقة بإبرام الصفقة العمومية

تعد العلانية من أهم المبادئ التي تضفي الشفافية على إبرام الصفقات العمومية، ويتطلّب التجسيد الفعلي لمبدأ المنافسة في الصفقات العمومية إعتماد عدة وسائل إجرائية تكفل للمتنافسين العلم بالصفقة، وتضمن لهم معاملة شفافة على قدم المساواة، وتتمثّل هذه الوسائل عموما في علانية المعلومات أثناء عرض المشروع والدعوة إلى التعاقد (أولا)، وتحديد الطرق المتعلقة بإجراءات إبرام الصفقة (ثانيا).

أولا/ عرض المشروع أمام المتنافسين:

يتعين على المصالح المتعاقدة الإلتزام بالعلانية في جميع مراحل إبرام الصفقة، بدءًا بالإعلان عنها، وذلك لتوفير مجال المنافسة الأمثل، لأن المتنافس لا يَعْلَمُ بحاجة الإدارة إلاّ عن طريق الإعلان (GUEDON Julien, 2004, p.15,16.). ويكون ذلك عن طريق الإشهار الصحفي، الذي ورد بصيغة الإلزام طبقا لأحكام المادة 61من المرسوم 15-417.

يعدّإشهار الدعوة إلى التعاقد وإبرام الصفقات العمومية من الإجراءات الضامنة لتفعيل دور المنافسة في الصفقات العمومية (فوزي عبيدي، 2003، ص.3)، إذ لا يجوز إبرام الصفقة سريا، بل ينبغي اللجوء إلى الإعلان والإشهار عن الصفقة، لتمكين المعنيين من المشاركة بتقديم عروضهم، طبقا لمقتضيات دفتر الشروط، حيث يتم إشهار الدعوة إلى المنافسة وجوبا،طبقا لأحكام المادة 61من المرسوم 15-417التي جاء فيها:" يكون اللجوء إلى الإشهار الصحفي إلزاميا...".، ويكون النشرعن طريق كل الوسائل المادية الممكنة التي تضفي العلانية  ومبدأ الشفافية، فعلنية المعلومات المتعلقة بالصفقات العمومية تقوم على جانبين (رحماني راضية، 2015، ص. 64.):

أ‌-      جانب شكلي:يقتضي تطبيق القاعدة القانونية المحددة لمكان إشهار الصفقة العمومية، ويكون في الصحف باللغة العربية وبلغة أجنبية واحدة على الأقل، وينشر في جريدتين يوميتين وطنيتين، وفي النشرة الرسمية لصفقات المتعامل العمومي، وذلك تطبيقا للمادة 65من المرسوم 15-247.

ب‌-       جانب موضوعي: يتمحور حول مضمون الإشهار، إذ نص المرسوم 15-247المتعلق بالصفقات العمومية على البيانات التي ينبغي أن يتضمنّها موضوع إعلان المناقصة، وقد حددتها المادّة 62، وتحقيقا لمقتضيات الإشهار تضع المصلحة المتعاقدة تحت تصرف المؤسسات دفتر الشروط والوثائق المنصوص عليها في المادة 64من المرسوم 15-247، ويجب أن يسحب دفتر الشروط من طرف المرشح أو المتعهد أو من طرف ممثليهما المعينين لذلك (المادة 63من المرسوم 15-247) ، يحتوي مـلـف استشارةالمؤسسات الذي يوضع تحت تصرف المتعهدين على جميع المعلومات الضرورية التي تُمكّنهم من تقديم عروضهم (المادة 58المرسوم 15-247).

ثانيا- الطرق المعتمدة في إبرام الصفقة العمومية

جاء في المادة 39من المرسوم المتعلق بالصفقات العمومية، أنه: "تبرم الصفقات العمومية وفقا لإجراء طلب العروض الذي يشكل القاعدة العامة، أو وفق إجراء التراضي". وهو ما سنعرضه فيما يلي:

أ- إجراء طلب العروض "appel d’offre"

يشكل إجراء "طلب العروض" قاعدة رئيسية في إبرام الصفقة العمومية، فالعرض هو: "تعبير المتعهد عن إرادته الجازمة في الإشتراك في المنافسة، بعد أن يدرس مركزه القانوني والإقتصادي، فيقرر أن يتقدم للإدارة بهذا العرض، وفقا للشروط التعاقدية المطروحة، وتبعا لما تمليه عليه رؤيته الذاتية التي يمكن أن تنجم عن علاقته مع الإدارة" (صحبي محمد أمين، 2020)، ومن جهته عرّفه المشرع الجزائري في المادة 40من المرسوم الرئاسي 15-247طلب العروض بأنه: "إجراء يستهدف الحصول على عروض من عدة متعهدين متنافسين، مع تخصيص الصفقة دون مفاوضات للمتعهد الذي يقدم أحسن العروض، من حيث المزايا الإقتصادية".

من خلال ما سبق، يمكن القول بأن تجسيد مبدأ المنافسة يتم من خلال طلب العروض، ويأخذ أشكالا مختلفة ومتفاوتة بحسب الحالة، فيمكن أن يكون وطنيا أو دوليا، كما يمكن أن يكون مفتوحا أمام جميع المترشحين، أو يكون طلب العرض محدودا، لا يسمح بالمشاركة فيه إلاّ للمتعهد الذي تتوفّر فيه بعض الشروط، أو يكون الطلب مسابقة، تحمل مبدأ المنافسة في إجراءاتها، قصد إنجاز عملية تتميز بجوانب تقنية أو إقتصادية أو جمالية أو فنية خاصة.

ب- إجراء التراضي

أساس هذا الإجراء المادة 39المذكورة أعلاه، فالتراضي طريقة ثانية لإبرام الصفقات العمومية، ويشكّل وسيلة لإختيار المتعامل المتعاقد، وهو إجراء إستثنائي تقوم بموجبه المصلحة المتعاقدة بإختيار المتعاقد معها، متحرّرة من القيود الشكيلة والإجرائية المفروضة على أسلوب طلب العروض بأشكاله المختلفة، وقد عرّفت المادة 41من المرسوم الرئاسي 15-247إجراء التراضي بأنه: "إجراء تخصيص صفقة لمتعامل واحد دون الدعوة الشكلية إلى المنافسة"، ويأخذ التراضي شكلين هما:

-                       التراضي البسيط: وهوإتفاق يعطّل فيه مبدأ التنافس بين المتعهدين، ذلك أن المصلحة المتعاقدة تقوم مباشرة بإختيار المتعامل المتعاقد بعد التفاوض معه، ودون اللجوء إلى الإجراءات الشكلية التي تعتمد في طلب العروض (صحبي محمد أمين، 2020)، نصت عليه المادة 49وتلجأ إليه المصلحة المتعاقدة في الحالات الآتية:

·  وجود وضعية إحتكارية يتمتع بها متعامل إقتصادي وحيد.

·  وجود خطر وإستعجال غير متوقع ومحدق بالمصلحة العامة.

·  حالة التموين المستعجل والمخصص لضمان سير الإقتصاد أو توفير حاجات السكان الأساسية، بشرط أن الظروف التي إستوجبت هذا الإستعجال لم تكن متوقعة من المصلحة المتعاقدة.

·  عندما يتعلق الأمر بالمشروع ذي أولوية وأهمية وطنية.

·  عندما يتعلق الأمر بترقية الأداة الوطنية العمومية للإنتاج.

·  عندما يمنح نص تشريعي أو تنظيمي مؤسسة عمومية حقا حصريا للقيام بمهمة الخدمة الوطنية.

التراضي بعد الإستشارة: هو أسلوب يقوم على إبرام المصلحة المتعاقدة لصفقاتها، بعد إجراء منافسة بين مرشحين تدعوهم خصيصا للتنافس، دون الإعتماد على الإجراءات الشكلية لطلب العروض.

إذا كانت مبادئ المنافسة تظهر بوضوح في طلب العروض الذي يعدّالقاعدة العامة، لإبرام الصفقات العمومية، فإن اختيار الإدارة بما لها من سلطة تقديرية لأسلوب التراضي في إبرام صفقاتها، يثير عديدالإشكالات المنافية لمبدأ المنافسة، وقد حدد المرسوم الرئاسي 15-247في المادة 51خمس (05) حالات تلجأ فيها المصلحة المتعاقدة إلى التراضي بعد الإستشارة، غير أنه لم يحددها على سبيل الحصر، وتبدو هذه الحالات في مجملها تحوي ثغرات قد تسمح بالإلتفاف على مبدأ المنافسة وهي:

الحالة الأولى/ عندما يعلن عدم جدوى طلب العروض للمرة الثانية:بإستثناء حالة إتباعها بداية لأسلوب المسابقة، حيث نصت المادة 48من المرسوم المذكور في فقرتها 07أنه: "يتم إعلان عدم جدوى المسابقة حسب الشروط المنصوص عليها في المادة 40من ذات المرسوم، وفي هذه الحالة يمكن للمصلحة المتعاقدة اللجوء إلى التراضي بعد الاستشارة".

الحالة الثانية/ حالة صفقات الدراسات واللوازم والخدمات الخاصة التي لا تستلزم طبيعتها اللجوء إلى طلب عروض: خص المشرع هذه الحالة بخصوصية موضوع الصفقة، أو بضعف مستوى المشاركة، أو بالطابع السري للخدمات، ولم تنص هذه الحالة على صفقات الأشغال.

الحالة الثالثة/ حالة صفقات الأشغال التابعة مباشرة للمؤسسات العمومية السيادية في الدولة: إن هذه الحالة مرتبطة بصفقات الأشغال فقط، وتظل غامضة إلى غاية قيام سلطة الهيئة العمومية السيادية في الدولة أو مسؤول الهيئة العمومية أو الوزير المعني، بعد أخذ رأي لجنة الصفقات للهيئة العمومية أو اللجنة القطاعية للصفقات حسب الحالة، بإصدار مقرر يتضمن قائمة الأشغال التابعة مباشرة للمؤسسات العمومية السيادية في الدولة، ذلك ما نصت عليه المادة 51من المرسوم الرئاسي 15-247.

الحالة الرابعة/ حالة الصفقات الممنوحة التي كانت محل فسخ وطبيعتها لا تتلاءم مع طلب عروض جديد: تراجع المشرع عن إستثناء صفقات الأشغال من هذه الحالة، والملاحظ أن حالة الفسخ من جانب واحد، دون خطأ من المتعامل المتعاقد كأساس للجوء إلى التراضي بعد الإستشارة، ثغرةً تخوّل للمصلحة المتعاقدة التهرب من إجراء طلب العروض والمساس بمبدأ المنافسة.

الحالة الخامسة/ حالة العمليات المنجزة في إطار التعاون الحكومي أو إتفاقيات ثنائية تتعلق بالتمويلات الإمتيازية وتحويل الديون إلى مشاريع تنموية أو هبات: يُملي العمل بهذه الحالة ضرورة إحترام المصالح المذكورة لإلتزامات الدولة ذات الطابع الخارجي.

الملاحظ أن المرسوم الرئاسي رقم 15-247السالف ذكره، أفرد لحالات التراضي بعد الإستشارة نص المادة 51منه، ولأحكامها وإجراءاتها نص المادة 52منه. غير أنه أخل في نص المادة 52بالتسلسل المطلوب في الصياغة، حيث بدأ نص المادة مباشرة بصيغة (تستشير المصلحة المتعاقدة المؤسسات التي شاركت في طلب العروض برسالة استشارة) دون توضيح الحالة التي يتعلق بها هذا الحكم أو الإجراء، وكان من الأولى أن تكون الصياغة كالتالي: "يتم اللجوء إلى التراضي بعد الاستشارة في الحالة المنصوص عليها في المطة 01من المادة 51أعلاه برسالة استشارة...".

وعدّأن الاستشارة أول إجراء تتبعه المصلحة المتعاقدة، عندما يعلن عن عدم جدوى طلب العروض للمرة الثانية، لكنه لم يوضح المدة الفاصلة بين الإجرائين، مشيرا فقط إلى إمكانية تقليص مدة تحضير العروض.

كما أكد المرسوم أن رسالة الإستشارة توجه إلى المؤسسات التي شاركت في طلب العروض، دون أن يوضح محتويات هذه الرسالة، أو المعلومات التي يجب أن تتضمنها الإستشارة، فالأصل ذكر نية المصلحة المتعاقدة في إستخدام أسلوب التراضي بعد الإستشارة تعميقا للشفافية، ودعما للمنافسة، ودرءًا للفساد.

أما               إذا ما قررت المصلحة المتعاقدة إستشارة مؤسسات لم تشارك في طلب العروض، فإنه يجب عليها نشر الإعلان عن الإستشارة توسيعا للمنافسة، ويدخل هذا ضمن حالات الإقتضاء في اللجوء إلى النشر المنصوص عليه في المادة 61، وتعد إلزامية النشر هنا إجراءً معمولا به في القانون المقارن، كما في فرنسا بالنسبة لصفقات التراضي التي تحتوي على قدر من المنافسة (سحنون سمية، 2013، ص. 14و15).

كذلك لم يشر المرسوم 15-247إلى مبدأ حرية الوصول إلى الطلبات العمومية، بالنسبة للمتعاملين الإقتصاديين، وهو ما يُعَدُّ تضييقا على مبدأ المنافسة، وقد إكتفى المشرع بإحالة المصلحة المتعاقدة إلى بطاقتيها المعدة طبقا لأحكام المادة 58من نفس المرسوم، على أن يحدّد محتوى هذه البطاقيات وشروط تحيينها بموجب قرار من وزير المالية.

كما أن تحديد بيانات وموضوع الإستشارة على أساس دفتر شروط، يخضع قبل الشروع في الإجراء لتأشيرة لجنة الصفقات العمومية المختصة، لإضفاء نوع من الشفافية وعدم المساس بالمنافسة، وحرصا على عدم مخالفة المبادئ التي تحكم الصفقات العمومية قبل منح التأشيرة. ودعما للشفافية، ورغم أن المشرع لم يحدّد الإجراءات التي تتخذها المصلحة المتعاقدة في حالة اللجوء إلى التراضي بعد الاستشارة بصفة منفصلة، فإنه يمكن للمصلحة المتعاقدة أن تتفاوض حول شروط تنفيذ الصفقة، هذا التفاوض ليس إلزاميا بل متروك لتقدير المصلحة المتعاقدة غير أنه اشترط أن تتم المفاوضات في ظل احترام المبادئ المنصوص عليها في المادة 05من المرسوم الرئاسي 15-247، ومعنى ذلك، أن المفاوضات لا يمكن أن تمس بشروط التنافس.

كما أن تبادل الوثائق والمستندات بين المصلحة المتعاقدة والمتعهدين خلال المفاوضات، يقتضي معاملة المتعهدين على قدم المساواة دون أساس تمييزي، وهذا الأمر من الصعب تحقيقه إذا استخدمتالمفاوضات المتتابعة (لجنة الأمم المتحدة للقانون التجاري الدولي، 2009، ص.)، مما يجعل المتعاملين أمام مفاوضات غير مؤطرة شكليا يحيطها الكثير من الغموض، وتختلف حسب كل إدارة، وهو ما يدعو إلى سد هذا الفراغ القانوني، بإجراءات أكثر وضوحا تحقيقا للأمن القانوني المطلوب، وحماية لمبدأ المنافسة والشفافية، ذكرت المادة 53من المرسوم الرئاسي 15-247، على ضرورة أن تقوم المصلحة المتعاقدة بالسهر على ضمان إمكانية تتبع أطوار المفاوضات في محضر.

كما أكد المشرّع، على إدارج السعر وآجال الإنجاز والعناصر التي سمحت بإختيار حائز الصفقة، في إعلان المنح المؤقت للصفقة، ويتعين على المصلحة المتعاقدة أن تعلن للمرشحين الراغبين في الإطلاع على النتائج المفصلة لتقييم ترشيحاتهم وعروضهم التقنية والمالية، الإتصال بمصالحها في أجل أقصاه ثلاثة (03) أيام، إبتداء من اليوم الأول لنشر إعلان المنح المؤقت للصفقة لتبليغهم هذه النتائج كتابيا.

كما يمكن للمصلحة المتعاقدة، بعد منح الصفقة وبعد موافقة حائز الصفقة العمومية، أن تضبط الصفقة وتحسن عرضه، ومن حق المتعاملين الذين تمت إستشارتهم معارضة إختيار المصلحة المتعاقدة، والإحتجاج على المنح المؤقت للصفقة أو إلغائه أو إعلان عدم جدوى أو إلغاء الإجراء لدى لجنة الصفقات المختصة، حسب الشروط المحددة في نص المادتين 80و82من المرسوم الرئاسي 15-247.

يجدر التنويه أنهناك أسباب منطقية تدعو إلى الإقصاء من المشاركة في الصفقات العمومية، لأن الغرض من ذلك ضمان إنتقاء أفضل المتعاملين، وقد حدد المرسوم 15-247حالات الإقصاء في المادة 75منه، التي ذكرت تعداد المتعاملين الإقتصاديين المقصيين من المشاركة في الصفقات العمومية، وتتمثل هذه الفئة في: الذين رفضوا استكمالعروضهم أو تنازلوا عن تنفيذ صفقة عمومية قبل نفاذ آجال صلاحية العروض، حسب الشروط المنصوص عليها في المادتين 71، و74أعلاه، الذين هم محل إجراء عملية الإفلاس أو التصفية أو التوقف عن النشاط أو التسوية القضائية أو الصلح، الذين كانوا محل حكم قضائي حاز قوة الشيء المقضي فيه بسبب مخالفة تمس بنزاهتهم المهنية، والذين لا يستوفون واجباتهم الجبائية وشبه الجبائية، الذين لا يستوفون الإيداع القانوني لحسابات شركاتهم، الذين قاموا بتصريح كاذب، المسجلون في قائمة المؤسسات المخلة بالتزاماتها بعدما كانوا محل مقررات الفسخ تحت مسؤوليتهم، من أصحاب المشاريع، المسجلون في قائمة المتعاملين الاقتصاديين الممنوعين من المشاركة في الصفقات العمومية، المنصوص عليها في المادة 89من هذا المرسوم، المسجلون في البطاقية الوطنية لمرتكبي الغش ومرتكبي المخالفات الخطيرة للتشريع والتنظيم في مجال الجباية والجمارك والتجارة، الذين كانوا محل إدانة بسبب مخالفة خطيرة لتشريع العمل والضمان الاجتماعي، الذين أخلوا بالتزاماتهم المحددة في المادة 84من هذا المرسوم...".

المطلب الثاني: تكريس مبدأ المنافسة من خلال القانون رقم 08-12المعدل والمتمم للقانون 03-03، المتعلق بالمنافسة

   يعمل قانون المنافسة (قانون رقم: 10-05ج.ر 46/ 2010)على إضفاء الصفة القانونية لمبدأ المنافسة، وضبط الممارسات المحظورة التي تضيّق من هذا المبدأ، وقد بدأ هذا القانون بفرض أحكامه وجعل قواعده آداة لحماية المنافسة وتعزيزها، بالرغم من صعوبة الموازنة بين المصالح العامة والخاصة المتضاربة، وقد جاءت قواعده عامة وموضوعية تهدف إلى ضمان السير الحسن للسوق وتحقيق الفعالية الإقتصادية والتنمية الإجتماعية للبلد، وذلك من خلال حظر الممارسات تُضيّق أو تعرقل حرية المنافسة عموما، وتؤثر سلبا على السوق الوطنية. 

وبإستقراء مواده المتعلقة بالصفقات العمومية، نجد المادة 02من القانون 10-05المعدل والمتمم، تنص على تطبيق أحكام المنافسة على الصفقات كقاعدة عامة لإبرامها، مغفلة أو مستثنية إجراء التراضي.

كما جاءت المادة 04منه ضمن الباب الثاني المعنون تحت مبادئ المنافسة، في الفصل الأول المتعلق بحرية الأسعار، ونصّت على ما يلي: " تحدد أسعار السلع والخدمات بصفة حرة وفقا لقواعد الـمنافسة الحرة والنزيهة تتم ممارسة حرية الأسعار في ظل إحترام أحكام التشريع والتنظيم الـمعمول بهما، وكذا على أساس قواعد الإنصاف والشفافية...".

وقد تطرق المشرع الجزائري في القانون رقم 10-05، إلى الممارسات المقيدة للمنافسة في المادة 06منه التي تنص: "تحظر الممارسات والأعمال المدبرة والإتفاقيات الصريحة أو الضمنية، عندما تهدف أو يمكن أن تهدف إلى عرقلة حرية المنافسة أو الحد منها أو الإخلال بها في نفس السوق أو في جزء جوهري منه..".

وسعيا لتكريس مبادئ الشفافية والمساواة أمام المنافع العامة المتعلقة بإبرام العقود والصفقات العمومية، منعت المادة 10من القانون رقم 08- 03،" كلعرقلة لحرية المنافسة أو الحد منها أو الإخلال بها، كما منعت كل عمل أو عقد، مهما كانت طبيعته وموضوعه، يسمح لمؤسسة بالإستئثار في ممارسة نشاط يدخل في مجال تطبيق هذا الأمر".

الجدير بالملاحظة، أن المرسوم الرئاسي 15-247تخلى عن مصطلح "المناقصة" وأبدله بـ: "طلب العروض" كقاعدة عامة لإبرام الصفقات العمومية، وهو ما يدعو إلى ضرورة إعادة النظر في صياغة المادة 02من قانون المنافسة بإدخال صيغة "طلب العروض" بدلا من "المناقصة" درءًا للتناقض.

ويمكن القول أن تطبيق مبدأ حرية المنافسة لا يأخذ على إطلاقه دائما،سواء من خلال المرسوم المتعلق بتنظيم الصفقات العمومية، أو من خلال القانون المتعلق بالمنافسة، ففي بعض الحالات تجد المصلحة المتعاقدة ضرورة عدم إحترامه دون أن يعدّذلك إخلالا منها لمبدأ حرية المنافسة، وتفسير ذلك عندما تحدد نصوص أو بعض القوانين، فئات يمكن تفضيلها.

فنجد في مقابل ما ذكر أعلاه أن المشرّعسمح من خلال المادة 09والمادة 21مكرر من القانوننفسه، بالترخيص بالممارسات المحظورة، وفق المادة 06منه، أين سمح بالترخيص بهذه الممارسات إذا أثبت أصحابها أنها تؤدي إلى تطور اقتصاديأو تقني أو تحسين الشكل أو تعزيز وضعيات المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، بشرط ترخيصها من طرف مجلس المنافسة، كما نجد فئات يمنع عليها الدخول في المناقصات التي تجريها الإدارات العمومية لارتكابهاجرائم أو مخالفات، وهي قيود يفرضها المشرع ويترّتب على إعمالها منع المعنيين بها من المشاركة في الصفقات ومن أمثلة ذلك ما تضمنته المادة 62من أمر 96-31(ج.ر85/1996).

هذا وبعد التطرق إلى أهم الضمانات التشريعية لتكريس مبدأ المنافسة في الصفقات العمومية، ننتقل في المبحث الموالي لعرض مختلف آليات الرقابة الضابطة لقواعد المنافسة.

المبحث الثاني: آليات الرقابة كضمانة لتكريس مبدأ المنافسة

أحاط المشرع الجزائري نظام الصفقات العمومية بتأطير قانوني مكثف وبجملة من الضوابط المتعددة على مستويات من الرقابة، ويتعيّن على جميع المصالح المتعاقدة قبل إتخاذ أي إجراء من إجراءات التعاقد أن تراعي القواعد الإجرائية التي تضعها الدولة، حفاظا على الأموال العامة من جهة، وإلتزامها بترسيخ قيم الشفافية، وتعزيز روح المنافسة، من جهة أخرى، وفي هذا الصدد جاءت المادة 156من المرسوم الرئاسي 15/247، لتأكد على خصوصية رقابة الصفقات العمومية وتطبيقاتها قبل دخولها حيز التنفيذ وبعده، كما تمارس الرقابة في شكل رقابة داخلية ورقابة خارجية ورقابة وصائية، وفي السياق ذاته أكد المشرع في المادة 157من المرسوم ذاته على هذا المبدأ من خلال نصها على ما يلي: "تمارس على الصفقات العمومية مختلف أنواع الرقابة المنصوص عليها في هذا المرسوم كيفما كان نوعها وفي حدود معينة، دون المساس بالأحكام القانونية الأخرى التي تطبق عليها"، وبإستقراء ما ذكره المشرع يتبين بأن المشرع الجزائري خص عدة مستويات للرقابة، فهناك الأجهزة الرقابية الإدارية، تتكون من لجان داخلية وخارجية (المطلب الأول)، وهناك الأجهزة المالية والهيئات المتخصصة (المطلب الثاني) هدفها الوقوف على مدى إلتزام الجهات الهيئات المختلفة بتطبيق قواعد المنافسة.

المطلب الأول: الأجهزة الرقابية الإدارية

بعد مرحلة إيداع العروض التي يتقدم بها الأشخاص المعنيين بالصفقة، یوضع ملف الترشح والعرض التقني والعرض المالي في أظرفة منفصلة بإحكام یُبین كل منها تسمیة المؤسسات، وموضوع الصفقة، وتتضمن عبارة ملف الترشح أو عرض تقني أو مالي بحسب الحالة، وتوضع هذه الأظرفة في ظرف آخر مقفل بإحكام، ویحمل عبارة: " لا یفتح إلا من طرف لجنة فتح الأظرفة وتقییم العروض"، في هذه المرحلة يأتي دور لجنة فتح الأظرفة وتقييم العروض والتي تقوم بدور فتح الأظرفة، وتقوم كذلك بدور تقييم العروض، وسنحاول الوقوف على دور هذه اللجنة في السهر على تكريس مبدأ المنافسة، كجهة رقابة داخلية في (الفرع الأول)، ثم نبرز دور لجان الصفقات العمومية كجهة رقابة خارجية (الفرع الثاني).

الفرع الأول: لجنة فتح الأظرفة ولجنة تقييم العروض

تعدّهذه اللجنة آلية لرقابة الإدارية الداخلية، وجاء دورها لتكريس أسس الشفافية والمساواة، وحفاظا على مبدأ المنافسة المشروعة والنزاهة.

تعد عملية فتح العروض وتقييمها من أكثر المسائل التي عرفت تعديلات متعاقبة وسريعة في الآونة الأخيرة، وقد نص المشرّعفي الفقرة 06من المادة 71من المرسوم الرئاسي 15-247، على أن اللجنة تقوم بالتوقيع على الأظرفة المفتوحة التي لا تكون محل طلب إستكمال، وذلك بغرض تفادي الخلط مع الأظرفة الناقصة من حيث الوثائق، وحسنًا فعل المشرّعفي المادة 71فقرة 08، حين نص على إستثناء من طلب إستكمال الوثائق الصادرة عن المتعهد، المذكرة التقنية التبريرية التي تعدّ ملخصاللعرض التقني وغيابها قد يؤدي إلى إقصاء العرض، وتسمح هذه المذكرة بتنقيط عرض المترشح وإبقاء أحسنها للحفاظ على مبدأ المساواة والمنافسة الحرة.

ومن خلال السماح للمتنافسين بحضور جلسة فتح الأظرفة يمكنهم معرفة عدد العروض التي قُدِّمت وبياناتها ومعرفة أسعارها،ومراقبة ومتابعة عمل اللجنة، من خلال معرفة القرار الذي قد تتخذه بشأن استبعاد الأظرفة غير المستوفية للشروط المنصوص عليها في دفتر الأعباء، وإجازة المشرّعحضور جلسة فتح الأظرفة لا يترتب عنهالبطلان، بعدّه حقالمقدّم العرض قد يتنازل عنه.

تحقيقا لمقتضيات الشفافية تخضع إجتماعات هذه اللجنة لمبدأ العلنية، وذلك رغبةً من المشرّعفي مواجهة الفساد، إبتداء من أول مراحل الرقابة، وتَصِحّ إجتماعات لجنة فتح الأظرفة مهما كان عدد الأعضاء الحاضرون، وكان على المشرع درءًا للشبهات وحمايةً للموظف أن يحدّد النصاب القانوني للجنة، وقد نصّ المشرع على ضرورة توقيع كل وثائق الأظرفة المفتوحة بالأحرف الأولى منعا للتلاعب والمحاباة.

بعد إتمام عملية فتح الأظرفة تأتي مرحلة دراسة العروض التي تتولاها لجنة تقييم العروض على مستوى كل مصلحة متعاقدة، طبقا لنص المادة 160من المرسوم الرئاسي 15-247، ونظرا للدور المهم الذي تلعبه هذه اللجنة، ألزم المشرع المصلحة المتعاقدة بإحترام جملة من المعايير، نصت عليها المادة 78من المرسوم ذاته، وقد جاء فيها: "يجب أن تكون معايير إختيار المتعامل ووزن كل منها، مرتبطة بموضوع الصفقة وغير تمييزية، مذكورة إجباريا في دفتر الشروط الخاص بالدعوى للمنافسة".

بعد إتمام عملية فتح الأظرفة على النحو السابق ذكره تأتي مرحلة دراسة هذه العروض، وتتولى ذلك ذات اللجنة، وبهذه الصفة تقوم لجنة فتح الأظرفة وتقييم العروض بالمهام الآتية:

·  إقصاء العروض غير المطابقة لدفتر الشروط أو لموضوع الصفقة.

·  تحليل العروض الباقية في مرحلتين، على أساس المعايير المنصوص عليها في دفتر الشرط، إذ تقوم في مرحلة أولى بالترتيب التقني للعروض، مع إقصاء العروض التي لم تتحصل على العلامة الدنيا اللازمة المنصوص عليها في دفتر الشروط، ثم تقوم في مرحلة ثانية بدراسة العروض المالية للمتعهدين الذين تم تأهيلهم الأولي تقنيًا، مع مراعاة التخفيضات المحتملة في عروضهم، وتقوم طبقا لدفتر الشروط، بإختيار وإنتقاء أحسن عرض من حيث المزايا الاقتصادية، ثم تبيلغ نتيجة التقييم للمتنافسين، بإعلانها عن إصدار قرار المنح المؤقت، والذي يمكن الطعن فيه أمام لجان صفقات المصلحة المتعاقدة.

الفرع الثاني: اللجان المختصة بالصفقات العمومية

تعدّاللجان آلية للرقابة الإدارية الخارجية، وقد نصت المادة 163من المرسوم الرئاسي 15/247على هذا النوع، حيث جاء فيها: " تتمثل غاية الرقابة الخارجية في مفهوم هذا المرسوم، وفي إطار العمل الحكومي، في التحقق من مطابقة الصفقات العمومية المعروضة على الهيئات الخارجية للتشريع والتنظيم المعمول بهما، وترمي الرقابة الخارجية أيضا إلى التحقق من مطابقة إلتزام المصلحة المتعاقدة للعمل المبرمج بكيفية نظامية".

كما تتمتع هيئات الرقابة الإدارية الخارجية بصلاحيات واسعة، مقارنة بلجنة فتح الأظرفة وتقييم العروض، هذه الأخيرة وإن كان رأيها إستشاري، فرأي هيئات الرقابة الخارجية ملزم للمصالح المتعاقدة، لأن الصفقة العمومية تنفذ بعد التأشير من طرفها، وتمارس الرقابة الخارجية من طرف لجان صفقات المصالح المتعاقدة (أولا)، واللجنة القطاعية للصفقات العمومية (ثانيا).

أولا- لجان المصالح المتعاقدة

تدخل في فئة لجان الصفقات العمومية التابعة للمصالح المتعاقدة اللجان التالية:

أ‌-اللجنة البلدية للصفقاتالعمومية

أساسها القانوني المادة 174من المرسوم الرئاسي 15/247، تعتمد هذه اللجنة على مبدأ التسيير الرقابي الجماعي للصفقة، إذ تراقب وتدرس دفاتر الشروط، كما تراقب الملاحق، وتبت في صفقات الأشغال أو اللوازم التي يساوي مبلغها أو يفوق تقدير للحاجيات أو الصفقة مائتي مليون دينار، وصفقات الخدمات بخمسين مليون دينار جزائري، وصفقات الدراسات بعشرين مليون دينار جزائري، وكل ملاحق تبرمها في حدود المستويات المحددة في المادة 139من المرسوم ذاته، فضلا عن هذه الرقابة تخضع هذه اللجنة لوصاية وزارة المالية التي تعدّمن ناحية إحدى ضمانات مبدأ المنافسة، وتجدر الاشارة إلى أن قانون البلدية نص في مادته 189على أن إبرام صفقات اللوازم والأشغال وتقدیم الخدمات والمؤسسات العمومیة البلدیة، تخضع للتنظیم الجاري العمل به المطبق على الصفقات العمومیة، أي أن الإحالة صریحة لقانون تنظیم الصفقات العمومية، فقد أبقى المشرع الجزائري على اللجنة البلدیة للصفقات العمومیة التي تمارس رقابة سابقة وتم الاحتفاظ بنفس التشكیلة المعروضة في المرسوم الرئاسي 15-247بموجب المادة 174منه.

ب- اللجنة الولائية للصفقات العمومية

خول لها المشرّعرقابة الصفقات العمومیة على المستوى الولائي، بحیث أناط بها دراسة مشاریع دفاتر الشروط، ومشاریع الصفقات، والملاحق التي تبرمها الولایة والمصالح غیر الممركزة للدولة، والمصالح الخارجیة للإدارات المركزیة التي تساوي قيمتها المالية أو تفوق مليار دينار جزائري في حالة صفقات الأشغال، وثلاث مئة مليون دينار جزائري في حالة صفقات اللوازم، ومائتي مليون دينار جزائري، في حالة صفقات الخدمات، ومئة مليون دينار جزائري، في حالة صفقات الدراسات، زيادة على ذلك تختص اللجنة الولائية للصفقات العمومية بدراسة مشاريع دفاتر الشروط، والصفقات التيتبرمها البلدية والمؤسسات العمومية المحلية التي يساوي مبلغها أو يفوق مائتي مليون دينار، بالنسبة لصفقات الأشغال واللوازم، وخمسين مليون دينار بالنسبة لصفقات الخدمات، وعشرون مليون دينار بالنسبة لصفقات الدرسات. بالإضافة إلى ذلك، تقوم بدراسة الطعون الناتجة عن المنح المؤقت، بحسب ما تضمنته المادة 173من المرسوم 15-247، ومن شأن التشكيلة التي تتكوّن منها هذه اللجنة أنها تساعد على كفالة مبدأ المنافسة.

ت- اللجنة الجهوية للصفقات العمومية

تختص حسب المادة 171من المرسوم 15-274، في حدود المستويات المحددة في المطات من 1إلى 4من المادة 184والمادة 139من هذا المرسوم، بدراسة مشاريع دفاتر الشروط والصفقات والملاحق الخاصة بالمصالح الخارجية الجهوية للإدارات المركزية.

وتجدر الإشارة أن المشرع نص في المادة 178منالمرسوم أعلاه، على أن رقابة لجان الصفقات للمصلحة المتعاقدة تتوج بمقرر منح التأشيرة أو رفضها، خلال أجل أقصاه 20يوم، ابتداء من تاريخ إيداع الملف كاملا لدى كتابة هذه اللجنة.

ثانيا – اللجنة القطاعية للصفقات العمومية

لقد شملت عملية الرقابة الخارجية كونها رقابة قبلية عدة مستويات حسب موضوع الصفقة ومجال الإختصاص، وعلى ضوء ما تقدم، فإنإحداث هذه اللجنة على مستوى الدوائر الوزارية جاء بهدف رقابة  ودرا سة مشاريع دفاتر الشروط والصفقات، وكذا مشروع ملحق الصفقة التي تفوق قيمة تقدير الحاجات مبلغ مليار دينار في صفقات الأشغال، وثلاثة مائة دينار في صفقات اللوازم، ومائتي مليون في صفقات الخدمات، ومليون دينار في صفقات الدراسات، إضافة لدراسة مشاريع دفاتر الشروط وصفقات الأشغال والدراسات والخدمات التي تبرمها الإدارة المركزية وفق مستويات محددة قانونا.

الملاحظ حول إختصاصات هذه اللجان في تقييم العروض ورقابة صحة الإجراءات المتبعة عبر جميع مراحل إبرام الصفقة العمومية، تؤكد حرص المشرع على بسط مجال واسعمنالشفافية والنزاهة لبعث روح الطمأنينة في نفوس المتنافسين.

المطلب الثاني: رقابة الأجهزة المالية والهيئات المختصة

 حرصًا من المشرع الجزائري على تعزیز الشفافية وآلياتالرقابة في الصفقات العمومية، زیادة عن تلك المقررة في التنظیم الخاص بها، إنتهج أيضا رقابة تتصف بالدقة والتخصص، وتأخذ عدة أشكال بصفتها رقابة مالیة ورقابة مشروعیة، تمارس من طرف أجهزة مالية (الفرع الأول)، ورقابة السلطات والهيئات الخارجية المُختصة (الفرع الثاني).

الفرع الأول: الرقابة الذايتة ورقابة الأجهزة المالية

تمارس على الصفقات العمومية قبل البدأ في تنفيذها رقابة ذاتية من طرف أعوان عموميين (أولا)، ثم رقابة بعدية لاحقة من طرف الأجهزة المالية (ثانية).

أولا -الأعوان العموميين المكلّفينبالرقابة المالية

تمارس هذه الرقابة من طرف أعوان عموميين تابعین للدولة، منحهم القانون مهمة الرقابة في مجال الصفقات العمومیة؛ وتجدر الإشارة إلى أن المادة 88من المرسوم 15-417، جاءت تحت عنوان القسم الثامن بعنوان (مكافحة الفساد) أشارت إلى سلطة ضبط الصفقات العمومية وتفويضات المرفق العام، والتي تقوم بإعداد مدونة أدبيات وأخلاقيات المهنة للأعوان العموميين المتدخلين في مراقبة وإبرام وتنفيذ الصفقات العمومية وتفويضات المرفق العام، ويمكن حصرهم في الأشخاص التالية:

أ‌-الآمر بالصرف

هو موظف عمومي يراقب الهيئات الخاضعة لإبرام الصفقات العمومیة المحددة في المادة 06من المرسوم 15-247، ولا تكون الصفقة نهائیة إلا بعد أن يوقع علیها، فهو من يتولى التأكد من إبرامها طبقا للتشریع والتنظیم الساري المفعول، في كل المراحل التي تمر بها العملية.

ب‌-                    المراقب المالي

هو عون إداري مكلف بالرقابة القبلیة للنفقات الملتزم بها، یعین من طرف الوزیر المكلف بالمالیة ویخضع له، هذا ما یجعله یتمتع بنظام قانوني خاص، وبموجب المرسوم 15-247، نجد أن المراقب المالي يختص بالرقابة على الصفقة العمومیة بصفة مزدوجة، إذ يعد عضوا في لجنة الصفقات العمومیة التي تتولى التأشیر على الصفقة، ویراقب النفقات الملتزم بها، ویقوم بالتأشیر علیها.

تهدف رقابته لمعرفة مدى مطابقة هذا الإلتزام للتشریع الساري المفعول وشرعیته، وتنتهي عملیة رقابته بمنح التأشیرة في حالة مطابقة الإجراءات للتشریع أو برفض منح التأشیرة (المادة 58من القانون 90-21، ج.ر35/1990)، وذلك بصفة مؤقتة أو نهائیة، الشيء الذي يجعل هذه الرقابة وقائية تهدف للحیلولة دون حدوث تجاوزات مالیة، وضمان إحترام شروط إختیار المتعامل المتعاقد، ما يُعد تكريسا للشفافية والمنافسة العادلة.

ت – المحاسب العمومي

نص قانون المحاسبة العمومية رقم 90-21في المادة 33 منه، على أن مهام المحاسبالعمومي تتلخّص في عمليات تحصيل الإيرادات ودفع الحاسبات، مع ضمانالحرص علىالأموال والسندات والوثائق، بالإضافة لحركة الحسابات الموجودة، ويتصف المحاسب العمومي بازدواجية الوظيفية بين تنفيذ النفقات العامة، والرقابة على مدى شرعية تصرفات الآمر بالصرف، دون مراجعة مدى الملائمة، هذه الأخيرة التي تختص بها السلطة الوصية ذاتها،وقد حصر القانون حدود رقابة المحاسب العمومي بإضفائها طابع الشرعيةوسيادة القانون ضمانا لصيانة النفقات العمومية (خضري حمزة، 2015، ص. 64).

بالإضافة إلى رقابة الأعوان العموميين السالف ذكرهم، يأتي دور الرقابة اللاحقة للأجهزة المالية.

ثانيا- رقابة الأجهزة المالية

يمكن حصر الأجهزة المالية الخارجية المتخصصة، في المفتشية المالية العامة ومجلس المحاسبة

أ‌-      المفتشية العامة للمالية

تعدّالمفتشية العامة للمالية مصلحة تابعة لوزارة المالية تحت السلطة المباشرة لوزير المالية، تم استحداثها لأول مرة بموجب المرسوم رقم 80-53المؤرخ في 01-03-1980، وأعيد تنظيمها في أكثر من مناسبة (المرسوم التنفيذي 08-272، ج، ر50/2008)، وبإعتبار الصفقات العمومية وسيلة لتنفيذ النفقات العمومية، ذلك أنها تأتي لتنفيذ المشاريع المسطرة في ميزانية مختلف الهيئات، تقوم هذه المفتشية ببسط رقابتها، عن طريق قيامها بدور رقابي على إبرام وتنفيذ الصفقات العمومية، والتأكد من شرعية الإجراءات المتبعة فيها ومدى مطابقتها للتشريع والتنظييم المعمول بهما، وكذا ملاءمتها وفعاليتها للإستجابة للأهداف المسطرة، وهذا بهدف الكشف عن الصفقات المشبوهة.

ويتمّذلك بفحص الشروط الشكلية والموضوعية والبحث في طريقة إبرام الصفقة، وتحديد الأهداف المتوخاة ومدى رصد الاعتمادات المالية لتنفيذها. ومن خلال فحص سجل العروض (الترقيم، التأشير) والتأكد من أن العروض قد سجلت في السجل الخاص بها، والاطلاع على دفتر الشروط قصد معرفة مختلف الشروط التي وضعتها المؤسسة من أجل قبول عرض المتنافسين، النظر في شروط تطبيق التشريعات والتنظيمات المتعلقة بمجال المالية والمحاسبة، وفي صحة ونزاهة ومشروعية المحاسبة، ومطابقة العمليات للميزانيات والبرامج، أما فیما یخص الشروط الموضوعیة فهي تتحقق من أن تشكيلة لجنة فتح الأظرفة وتقییم العروض شرعیة، كما تتأكد أيضا من مدى مراعاة هامش الأفضلية للمنتوج الجزائري.

تُعد المفتشية في ذلك تقريرا سنويا عن حصيلة عملها والإقتراحات، وتقدمه لوزير المالية خلال الفصل الأول من السنة الموالية للسنة التي أعد التقرير بشأنها، ويمكن القول أن دور المفتشية العامة للمالية يكمن في الرقابة والإعلام فقط، ولا تملك حق متابعة مرتكبي التجاوزات، ولا حتى سلطة وقف عملية مشبوهة، ولو كانت غير مطابقة للمعايير القانونية.

 ب- رقابة مجلس المحاسبة

تهدف الرقابة التي يمارسها مجلس المحاسبة، حسب المادة 02من قانون المحاسبة (الأمر 95-20، ج.ر49/2010).إلى تشجيع الاستعمالالفعاَل والصارم للموارد والوسائل المادية العمومية، قصد ضمان الشفافية في تسييرها (Sabri M,AUDIA,2000, p.123 )، رقابة المجلس على الصفقات العمومية تندرج في إطار مكافحة الفساد، والوقوف على مدى  احترام تنظیمات الصفقات العمومیة سواء ما تعلق منها باختيارصیغة الإبرام أو عدم تقدیم تحلیل حول الصیغة المختارة أو ما یخص عدم القیام بما تستوجبه قواعد الإشهار أو المنافسة أو استبعادبعض العروض دون وجه حق، فهو یقوم بمراقبة نوعیة التسییر والانضباطفي مجال تسییر المیزانیة والمالیة.

حسب المادة 27من قانون المحاسبة، إذا لاحظ مجلس المحاسبة أثناء ممارسة رقابته على وقائع يمكن وصفها جزائيا يرسل الملف إلى النائب العام المختص إقليميا بغرض المتابعات القضائية، ويطلع وزير العدل بذلك، كما يشعر الأشخاص المعنيين والسلطة التي يتبعوها، وإن كان مجلس المحاسبة يتمتع بسلطة الرقابة على الهيئات الإدارية العمومية، فإن ذلك لا يجعل منه أيضا قاضيا إداريا.

ذلك أن قاضي الحسابات لا يملك أي صلاحية إلغاء القرارات التي تصدرها الهيئات الخاضعة لرقابته، ولا يملك كذلك أي صلاحية لتقدير المسؤولية القانونية لتلك الهيئات، إنما يملك سلطة تقدير مدى مطابقة عملها لقواعد التشريع المعمول به.

مما سبق ذكره يتبيّن أن المشرّععزز قواعد المحاسبة الأفقية أمام الجهات الإدارية الموازية، كما إهتم بالمحاسبة العمودية أمام المصالح الخارجية والمركزية، وبالتالي يمكن القول أن تفعيل هذه الرقابة يٌفعل مصداقية الإدارة العامة والمصلحة المتعاقدة، ويكرس ثقة المتنافسين فيها.

بعد الإشارة إلى أهم جوانب الرقابة الذاتية والرقابة المالیة، نعرض في الفرع الموالي رقابة الهيئات الخارجية حسب قواعد إختصاصها.

 الفرع الثاني: رقابة السلطات والهيئات الخارجية المُختصة

  يمكن إجمال أوجه رقابة السلطات الضابطة والهيئات المختصة، على مدى الإلتزام بقواعد المنافسة في رقابة الهيئات والسلطات الإدارية الضابطة (أولا) ورقابة السلطة القضائية (ثانيا).

أولا- رقابة الهيئات والسلطات الإدارية الضابطة

أ - سلطة ضبط الصفقات العمومية  

لدورها في ترقية المنافسة وشفافية الصفقة العمومية، نص المشرعالجزائري على سلطة ضبط الصفقات العمومية في المادة 213من المرسوم الرئاسي 15/274،  وجاء إنشاء هذه السلطة لدى الوزير المكلف بالمالية وهي تتمتع بكامل إستقلاليتها في التسيير، كما دعمها بمرصد للطلب العمومي وهيئة وطنية لتسوية النزاعات، وتتمثل صلاحياتها في تحضير القوانين المتعلقة بالصفقات العمومية وتفويضات المرفق العام، مع متابعة حسن التنفيذ، ومنحهاالقانون حق إصدار رأيها لكل من المصلحة المتعاقدة وهيئات الرقابة ولجان الصفقات والمتعاملين الإقتصاديين.

وإضفاءلمبدأ الشفافية والمنافسة تسهر على تعميمنشر وإعلام كل وثيقة أو معلومة متعلقة بموضوع الصفقة العمومية وتفويض المرفق العام، دون أن ننسى دورها في الإحصاء الاقتصادي لمجموع الصفقات العمومية المبرمة إستنادا للبطاقات الإحصائية التي تعدها المصلحة المتعاقدة.

ب‌-  الهيئة الوطنية للوقاية من الفساد ومكافحته

أنشأ المشرع الجزائري بموجب المادة 17من القانون 06/01المتعلق بالوقاية من الفساد ومكافحته هيئة إدارية مستقلة مكلفة بالوقاية من الفساد ومكافحته، قصد تنفيذ إستراتيجية الوطنية في مجال مكافحة الفساد (المرسوم الرئاسي 06-413ج. ر 74/2006، المعدل والمتمم بالمرسوم الرئاسي 12-64ج. ر2012)، وتجسيد مبادئ دولة القانون والشفافية والمسؤولية في تسيير الشؤون والأموال العمومية. تعد بموجب هذا القانون سلطة إدارية مستقلة، تتمتع بالشخصية المعنوية والإستقلال المالي، وحدد قانون مكافحة الفساد بوضوح مهام اللجنة حسب المادة 20منه.

تتمتع هذه الهيئة بعديدالصلاحيات كالتحري، التحقيق، التحليل، التحسيس بموضوع الفساد، كما لها أن تستعين بأي خبير أو مستشار يمكن أن يساعدها في أعمالها، أو بالنيابة العامة لجمع الأدلة والتحري في وقائع ذات علاقة بالفساد، وتطلب من الإدارات والمؤسسات والهيئات التابعة للقطاع العام أو الخاص أو من كل شخص طبيعي أو معنوي آخر أيَّةُ وثائق أو معلومات تراها مفيدة في الكشف عن أفعال الفساد، حسب المادة 18من القانون المتعلق بالوقاية من الفساد ومكافحته.

 ت – مجلس المنافسة

   قانون مجلس المنافسة لا يقتصر دوره على النشاط الإقتصادي فقط، بل أكد من خلال أحكامه على ضرورة التقيد بمبدأ حریة المنافسة، وأنشأ سلطة إداریة ضبطیة ذات طابع إقتصادي، وهي مجلس المنافسة.

كٌلفمجلس المنافسةبمراقبة مدى توفر وتكریس حریة المنافسة في الصفقات العمومیة، إذ یتكفل مجلس المنافسة بحمایة النظام العام التنافسي بشكل خاص والنظام العام الإقتصادي بشكل عام، فهو یحتل مكانة هامة في مجال حمایة المنافسة والسوق من الممارسات المنافیة التي تقع بین المتنافسين، بدءًا بالإعلان عن الصفقة إلى غایة المنح المؤقت لها، إذ يمكن للمتضرر من بعض الممارسات المقیدة للمنافسة في إطار إبرام صفقة عمومیة أن یلجأ إلى مجلس المنافسة، وبعد صدور قرار المجلس یقوم بالمطالبة بالتعويض أمام القضاء، وفضلا عن هذا الدور يمكن للقاضي الإداري إستشارة مجلس المنافسة في مجال المنافسة، لأخذ رأيه في بعض الأمور المتعلقة بضبط السوق، وأن يحصل منه على بعض الوثائق، علما أن آراء المجلس لیست إلزامیة للقاضي.

تجدر الاشارة أيضا أن المادة 37من قانون المنافسة تنص على أنه يقوم مجلس المنافسة، في حالة ما إذا كانت الإجراءات المتخذة تكشف عن ممارسات مقيدة للمنافسة، بمباشرة كل الأعمال الضرورية لوضع حد لها بقوة القانون.

وسعيا من المشرّعلإضفاء نوع من الجدية والمصداقية على أعمال مجلس المنافسة، نصت المادة 45 من قانون المنافسة أن بإمكان هذا الأخير إتخاذ أوامر معللة ترمي إلى وضع حد للممارسات المعاينة المقيدة للمنافسة، عندما تكون العرائض والملفات المرفوعة إليه أو التي يبادر هو بها، من إختصاصه، كما يمكن أن يقرر المجلس عقوبات مالية، إما نافذة فورا وإما في الآجال التي يحددها عند عدم تطبيق الأوامر، ويمكنه أيضا أن يأمر بنشر قراره أو مستخرجا منه وتوزيعه أو تعليقه.

نص المشرّعفي المادة 56من قانون المنافسة، على ما يلي: "يعاقب على الممارسات المقيدة للمنافسة كما هو منصوص عليها في المادة 14من هذا الأمر، بغرامة لا تفوق 12% من مبلغ رقم الأعمال من غير الرسوم، المحقّق في الجزائر خلال آخر سنة مالية مختتمة، أو بغرامة تساوي على الأقل ضعفي الربح المحقق بواسطة هذه الممارسات، على ألا تتجاوز هذه الغرامة أربعة أضعاف هذا الربح، وإذا كان مرتكب المخالفة لا يملك رقم أعمال محدد، فالغرامة لا تتجاوز ستة ملايين دينار (6.000.000دج)".

كما نص في المادة 57من نفس القانون على ما يلي: "يعاقب بغرامة قدرها مليوني دينار (2.000.000دج) كل شخص طبيعي ساهم شخصيا بصفة إحتيالية في تنظيم الممارسات المقيدة للمنافسة، وفي تنفيذها كما هي محددة في هذا الأمر". كذلك نصت المادة 58من نفس القانون على ما يلي: "يمكن لمجلس المنافسة إذا لم تنفذ الأوامر والإجراءات المؤقتة المنصوص عليها في المادتين 45و46من هذا الأمر، في الآجال المحددة، أن يحكم بغرامات تهديدية لا تقل عن مبلغ مائة وخمسين ألف دينار (150.000دج) عن كل يوم تأخير".

في إطار فرض الشفافية على المعاملات، ومحاربة الغش والتهرب الضريبي أو تقديم معلومات خاطئة أو غير كاملة، أقر مجلس المنافسة غرامة لا تتجاوز ثمانمائة ألف دينار (800.000دج) ضد المؤسسات التي تتعمد ذلك، أو التي لا تقدم المعلومات المطلوبة في الآجال المحددة من قبل المقرر.

ويمكن للمجلس أيضا أن يحكم بغرامة تهديدية لا تقل عن مــائة ألف دينار (100.000دج) عن كل يوم تأخير (المادتين 58-59من قانون مجلس المنافسة)، وحماية لتنفيذ الغرامات المقررة من مجلس المنافسة، وإضفاء صفة الديون الممتازة عليها، نصت المادة 71 من قانون المنافسة على أن مبالغ الغرامات والغرامات التهديدية التي يقررها مجلس المنافسة يتم تحصيلها بوصفها ديونا مستحقة للدولة.

إذنيمكن القول أن المشرّعخوّللمجلس المنافسة صلاحيات عديدة، تمكّنه من فرض احترامقواعد المنافسة بين الأعوان الاقتصاديين، إضافة إلى قمع الممارسات المنافية لها مهما كان مرتكبها، تحقيقا لفعالية مهمة الضبط المنسوبة إليه بعدّهسلطة ضبط أفقية.

 كما يمكن القول أنه مكّن المشرّعمن صلاحيات قضائية، كفرض النظام، وضبط السوق والتحقيق مع توقيع الجزاء، وهذا كله في إطار حماية المنافسة المشروعة والحد من الممارسات المنافية لها، ويجدر الذكر أن هذه الصلاحيات تمارس تحت رقابة القضاء.

ثانيا- رقابة السلطة القضائية

إنطلاقا من آليات الرقابة والترسانة التشريعية المكفولة لحماية مبدأ المنافسة والشفافية في إطار النشاط الصفقات العمومية، ينبغي القول أن تطبيق قانون المنافسة لا يمكن أن يأخذ طابعه ومساره العادي دون أي نزاع، ولا يمكن أن يمارس تحت رقابة مجلس المنافسة فقط، بل المجال مفتوح للسلطة القضائية بإعتبارها الضمان الفعال لكافة الحقوق بما منحها الدستور من سلطات وضمانات.

الإشكال في هذه النقطة لا يثار بخصوص الإختصاص الرقابي للقضاء الإداري أو الجزائي بمنازعات الصفقات العمومية، فهذا الإختصاص محدد مسبقاً وفق معيار تشريعي عبر نصوص مختلفة (بن ذيب زهير، 2018، ص. 144).بل الأمر يحتاج منا التساؤل هل التشريع الساري المفعول والمنظومة القضائية يمكن لهما مواكبة التطور الإقتصادي الهائل بمفاهيمه التقنية العالمية، والقول أن بإمكانها فرض إحترام قواعد المنافسة والشفافية ؟، ومن أهم الجوانب المثارة حول هذا التساؤل، تبرز إشكالية تحقيق الأمن التشريعي (أ)، وإشكالية أهلية القاضي في الجزائر وتخصصه (2).

أ‌-أقر المشرّعحق اللجوء إلى القضاء بخصوص دعوى المنافسة غير المشروعة، أو دعاوى التعويض عن الأضرار الناتجة عن المنافسة، ودعاوى بطلان الإلتزمات التعاقدية والإتفاقية أو الشروط العقدية المتعلقة بالممارسات المحظورة في إطار قانون المنافسة، والدعاوى الإستعجالية المتعلقة بوقف التنفيذ، وكما سبق ذكره أن دور القضاء هنا مراقب ومكمل لدور مجلس المنافسة.

أهم هذه الدعوى نص عليها المشرع ضمن قانون الإجراءات المدنية والإدارية، الكتاب الرابع في الإجراءات المتبعة أمام الجهات القضائية الإدارية (القانون 09-08، ج.ر21/2008)، وبالتالي مُنح الاختصاص بصريح النص للقضاء الإداري.

الملاحظ أن القرارات الصادرة عن مجلس المنافسة في إطار صلاحياته المتعلقة بالممارسات المنافية للمنافسة، يمكن الطعن فيها أمام مجلس قضاء الجزائر العاصمة، حسب المادة 63من الأمر 03/03المعدل والمتمم.

بينما قرارات رفض التجميع، يطعن فيها أمام مجلس الدولة حسب المادة 19من نفس الأمر، يلاحظ اختلافجهات الطعن حسب نوع القرار المطعون فيه، بالرغم من أن تسبيب قرارات مجلس المنافسة كان بحجة الحفاظ على المسار التنافسي الطبيعي، وبما أن قرارات مجلس المنافسة تدخل في فئة القرارات الصادرة عن السلطة الإدارية المركزية، فإن نص المادة 63يتناقض مع نص المادة 901من قانون الإجراءات المدنية والإدارية، ونص المادة 09من القانون العضوي رقم 98/01المتعلق باختصاص مجلس الدولة (القانون العضوي 98-01، ج.ر43/2011).

  الأمر الذي يثير إشكالاً كذلك هل للقاضي أثناء الفصل في الطعن المرفوع ضد قرارات مجلس المنافسة، أن يمارس رقابته على القرار ويتصدي بصلاحيات قاضي الإلغاء (ZOUAIMIA rachid, 2012, p. 234) أم له صلاحية تعديله الجزئي فقط، دون أن يغير مضمونه، الأمر الذي يطرح التساؤل حول طبيعة الرقابة التي خولها المشرع للقاضي في المادة 63من الأمر أعلاه؟

 يلاحظ كذلك غموض حول إمكانية الطعن في القرار الصادر عن مجلس قضاء الجزائر، وما هي الجهة القضائية صاحبة الإختصاص، أم أن قرارها لا يقبل أي وجه من أوجه الطعن.

نص المشرع من خلال المادة 48من الأمر 03/03المذكور أعلاه على ما يلي: "يمكن لكل شخص طبيعي أو معنوي، يعدّنفسه متضررا من ممارسة مقيدة للمنافسة وفق مفهوم أحكام هذا الأمر أن يرفع دعواه أمام الجهة القضائية المختصة طبقا للتشريع المعمول به"، هنا يمكن لأي شخص متضرر من منافسة غير مشروعة، إخطار مجلس المنافسة ليضع لها حدًا، ويلجأ أمام القضاء المدني أو التجاري لرفع دعوى تعويض. وبالنسبة للقرارات مجلس المنافسة في حد ذاتها المتعلقة بالممارسات المنافية للمنافسة العقدية، قد تكون غير صائبة، وقد ينجر عنها دعوى تعويض لصالح المتضرر منها، هل ترفع أمام قضاء مجلس الجزائر المختص بالدعوى الأصلية، ويتصدى لها هذا الأخير في إطار دعاوى القضاء الكامل (ZOUAIMIA rachid, 2012, p.429)، حسب نص المادة 801فقرة 2من قانون الإجراءات المدنية والإدارية، أو يطبق عليها أحكام القانون المدني أو التجاري؟

 ب- إن النتيجة الحتمية التي تستلزم منا الوقوف عندها في إطار حماية قواعد المنافسة المتعلقة الصفقات العمومية، هي القاضي في الجزائر بصفته الشخص الأخير المُقوّم لجميع الأعمال المنافية للمنافسة السالف ذكرها، وذلك من خلال قراره القضائي الذي قد يكتسب قوة الشئ المقضي فيه تجاه الجميع. وبالتالي القول هل القاضي في الجزائر له التأهيل العلمي والمعرفي المناسب لفض النزعات المنافية للمنافسة، التي تحمل في طياتها أمور تقنية وفنية ومبادئ إقتصادية عالمية غير ثابته، تتأثر وفق معطيات السوق، وسياسة الحكومات وطبيعة الصفقة العمومية في حد ذاتها.

نظرا لعدم أخذ المنظومة القضائية في الجزائر بالقضاء المتخصص، فقد نص المشرع في المادة 38من الأمر 03/03أعلاه، أن الجهات القضائية يمكن أن تطلب رأي المجلس فيما يخص معالجة القضايا المتصلة بالممارسات المقيد للمنافسة"، هنا القاضي يلجأ لمجلس المنافسة بصفته الهيئة الأكثر اختصاصا، والذيسيعيد استنساخقراره محل الطعن، وقد يُصبح خصما وخبيرًا في الوقتنفسه. فالقاضي أثناء التصدي لقضايا المنافسة العقدية، عليه أن يتقمّص دور الخبير الإقتصادي، ودور الخبير المعماري، والمحاسب والتاجر...إلخ، وأن يأخذ بعين الإعتبار مختلف الجوانب، ويترك فلسفة القانون الكلاسيكي، وهذا ما يُعد ضربا من الخيال، أمام عدم وجود قضاء إقتصادي متخصص.

فالنزاع المتعلق بالمنافسة الذي يكون أحد الأشخاص العامة طرف فيه يطبق عليه أحكام القانون الإداري، وتدخل فيه ذهنية القاضي الإداري وذريعة المصلحة العامة، يتولد عنها قرارات قضائية غير صائبة تنعكس سلبا على الحياة الإجتماعية والسوق التنافسية، لعدم إمكانية الوصول للحقيقة الفكرية وراء نظرية حماية مبدأ المنافسة.   

خاتمة

تعد المنافسة في مجال الصفقات العمومية من المبادئ الهامة التي حرص المشرع على تكريسها، فلا يوجد أي مانع لإشتراك أي منافس متى توافرت فيه الشروط القانونية، وفي إطار الشكلية الواجب إتباعها للدخول في المنافسة.

إذا إطلعنا على التجارب المقارنة في مجال تكريس ضمانات المنافسة في مجال إبرام الصفقات العمومية، وخاصة التجربة الفرنسية التي نستعير تشريعنا منها، فنلاحظ هذا المستوى المتطور من تعميق مبدأ المنافسة في صيغة الإستشارات، فقد عدّمجلس الدولة الفرنسي في قرار مؤرخ بتاريخ 29جويلية 2002، يخص شركة (Société MAJ Blanchisseries de pantin) أن الصفقات العمومية التي تتم حسب صيغة الإستشارات تحت سقف مالي محدد يجب أن تكون خاضعة للتحديد المسبق للحاجيات وإجبارية الإشهار، بالإضافة إلى الدعوة للمنافسة ومبدأ إختيار العرض الأنسب، بل تم تجاوز ذلك ليصبح حق المشاركة في الطلب العمومي حق دستوري، فقد إعتبر المجلس الدستوري الفرنسي بتاريخ 23جوان 2003أن حق المشاركة في الطلب العمومي، حق ذا قيمة دستورية، مستمد من الفصل السادس والرابع عشر من إعلان حقوق الإنسان والمواطن لسنة 1789.

بعد هذه التطورات تمت بلورة مفهوم جديد بالصفقات العمومية وهو الدعوة للمنافسة وتفعيلها من "واحد أورو" (mettre les opérateurs en concurrence premier euro)، وهو ما يدفعنا لدعوة المشرع الجزائري العمل أكثر على تجسيد مبدأ المنافسة في مجال الصفقات العمومية من خلال:

 - ضرورة خضوع المصلحة المتعاقدة العامة إلى نصوص المرسوم 15-247المتعلق بالصفقات العمومية التي تجبرها على ضرورة تجسيد مبدأ حرية المنافسة واحترامه.

 - التنسيق بين مختلف الأجهزة الرقابية لضمان الفعالية والجدوى لضمان فعالية الرقابة على مدىتجسيد مبدأ حرية المنافسة واحترامه.

 - العمل أكثر على تكوين القضاة تكوينا متخصص في مجال الصفقات الادارية، أو إستحداث قضاء إقتصادي نظرا للطابع الفني لهذا النوع من المنازعات.

قائمة المراجع

النصوص القانونية

  1. أمر رقم 03-03 المؤرخ في 19 يوليو 2003 يتعلق بالمنافسة، (ج.ر.ج.ج، رقم: 43 الصادرة بتاريخ: 20 جويلية 2003).
  2. مرسوم رئاسي رقم: 15-247 المؤرخ في 16 سبتمبر 2015 يتضمن تنظيم الصفقات العمومية وتفويضات المرفق العام، (ج.ر.ج.ج،رقم: 50، الصادرة بتاريخ 20 سبتمبر 2015).
  3. الأمر رقم 06/01 المؤرخ في 20 فيفري 2006 المتعلق بالوقاية من الفساد ومكافحته، (ج.ر.ج.ج،رقم: 14، الصادرة بتاريخ 08 مارس2006).
  4. قرار مؤرخ في 28 مارس 2011، يتعلق بكيفيات تطبيق هامش الأفضلية بالنسبة للمنتجات ذات المنشأ الجزائري و/أو المؤسسات الخاضعة للقانون الجزائري، (ج.ر.ج.ج،رقم: 24، الصادرة بتاريخ 20 أفريل2011).
  5. قانون رقم: 10-05 المؤرخ في 15 أوت 2010 يتمم الأمر رقم: 03-03 المؤرخ في 19 جويلية 2003 والمتعلق بالمنافسة، (ج.ر.ج.ج، رقم: 46، الصادرة بتاريخ: 18 أوت 2010).
  6. القانون رقم 90-21، المتعلق بالمحاسبة العمومية، (ج.ر.ج.ج.د.ش رقم 35 صادرة بتاريخ 22-08-1990.
  7. المرسوم التنفيذي رقم 08-272، المحدد لصلاحيات المفتشية العامة للمالية، (ج، ر رقم 50، بتاريخ 07-09-2008).
  8. الأمر رقم 95-20، المؤرخ 17-07- 1995، المتعلق بمجلس المحاسبة، الجريدة الرسميةرقم 39، المعدل والمتمم بالأمر رقم 10-01، المؤرخ في 29-08-2010، المتضمن قانون المالية التكميلي لسنة 2010، ج ررقم 49.
  9. المرسوم الرئاسي رقم 06-413 المؤرخ في 22 -11-2006 المحدد لتشكيلة الهيئة الوطنية للوقاية من الفساد ومكافحته وتنظيمها وكيفيات سيره، ج ر، عدد 74، صادرة بتاريخ 22-11-2006، المعدل والمتمم بالمرسوم الرئاسي رقم 12-64 (ج.ر.ج.ج، رقم: 08، الصادرة بتاريخ: 07 فيفري2012).
  10. القانون 09-08، المتضمن قانون الإجراءات المدنية والإدارية،(ج.ر.ج.ج، رقم: 21، الصادرة بتاريخ: 25 فيفري 2008).
  11. القانون العضوي رقم 98-01، المؤرخ في 30-05-1998، المتضمن إختصاصات مجلس الدولة وتنظيمه وعمله،المعدل والمتمم بالقانون العضوي رقم: 11- 13 (ج.ر.ج.ج، رقم: 43، الصادرة بتاريخ: 26 جويلية 2011).

الكتب: بن ذيب زهير، (2018)، القضاء الإداري ومعيار تحديد إختصاصه، دار بغدادي للطباعة والنشر والتوزيع، الجزائر.

المذكرات والرسائل والأطروحات

  1. خضري حمزة، (2015)، آليات حماية المال العام في إطار الصفقات العمومية، شهادة لنيل دكتوراه العلوم في الحقوق، تخصص قانون عام، كلية الحقوق، جامعة الجزائر 1، 2014-2015.
  2.  تياب نادية، (2013)، آليات مواجهة الفساد في مجال الصفقات العمومية (أطروحة لنيل شهادة الدكتوراه في العلوم تخصص قانون)، جامعة مولود معمري، تيزي وزو – كلية الحقوق والعلوم السياسية، نوقشت بتاريخ 23-12-2013.
  3. سحنون سمية، (2013)، إجراء التراضي في المرسوم 15-247 المتعلق بالصفقات العمومية بالجزائر، مذكرة لنيل شهادة الماجستير في قانون الأعمال، كلية الحقوق، جامعة الجزائر 01، 2013.

باللغة الأجنبية

GUEDON Julien, (2004), La Publicité Dans les Marchés Publics : Préalable Indisponsable L’achat Public, mémoire pour le DESS, management du secteur public: Collectivités et Partenaires, Institue D’étude politique de Lyon, Université Lumière, Lyon, 2.

Sabri M,Audia, (2000), Guide de gestion des marchés publics, edition Sahel,Alger. 

zouaimia rachid, (2012) le droit de la concurrence, edition belkeise, alger.

المقالات والدوريات الالكترونية

1/ لجنة الأمم المتحدة للقانون التجاري الدولي، (2009)، تقييم العطاءات والمقارنة بينها واستخدام الاشتراء لتعزيز السياسات الصناعية والاجتماعية والبيئية، الدورة 15، 02-06 فيفري 2009.

2/ رحماني راضية، (2015)، "معايير تطبيق مبدأ الشفافية في المرسوم 15-247 المتعلق بالصفقات العمومية"، مجلة بحوث جامعة الجزائر 01، العدد 08.

3/ صحبي محمد أمين، (2020)، "تكريس مبدأ حرية المنافسة في الصفقات العمومية في التشريع الجزائري"، مجلة القانون والأعمال الدولية، مجلة الكترونية، تصدر عن جامعة الحسن الأول، المغرب، متاحة على الموقع التالي: https://www.droitetentreprise.com/, (06/02/2020).

4/ فوزي عبيدي، (2020)، "تفعيل آليات المنافسة في الصفقات العمومية"، مقال متاح على الموقع التالي:

https://ar.businessnews.com.tn/, (12/02/2020),

@pour_citer_ce_document

زهير بن ذيب, «تكريس مبدأ المساواة والمنافسة في الصفقات العمومية وفقا المرسوم الرئاسي رقم 15-247 والقانون 08-12 المعدل والمتمم للأمر 03-03»

[En ligne] ,[#G_TITLE:#langue] ,[#G_TITLE:#langue]
Papier : ص ص 52-68,
Date Publication Sur Papier : 2021-06-28,
Date Pulication Electronique : 2021-06-28,
mis a jour le : 28/06/2021,
URL : https://revues.univ-setif2.dz:443/revue/index.php?id=8242.