أثر الفترة الحرجة في اكتساب اللغة عند الطفل؛ مقاربة لسانية عصبيةCritical period’s impact in Child's language acquisition; Neuro-lingual approach
Plan du site au format XML


Archive: revues des lettres et sciences sociales


N°01 Avril 2004


N°02 Mai 2005


N°03 Novembre 2005


N°04 Juin 2006


N°05 Juin 2007


N°06 Janvier 2008


N°07 Juin 2008


N°08 Mai 2009


N°09 Octobre 2009


N°10 Décembre 2009


N°11 Juin 2010


N°12 Juillet 2010


N°13 Janvier 2011


N°14 Juin 2011


N°15 Juillet 2012


N°16 Décembre 2012


N°17 Septembre 2013


Revue des Lettres et Sciences Sociales


N°18 Juin 2014


N°19 Décembre 2014


N°20 Juin 2015


N°21 Décembre 2015


N°22 Juin 2016


N° 23 Décembre 2016


N° 24 Juin 2017


N° 25 Décembre 2017


N°26 Vol 15- 2018


N°27 Vol 15- 2018


N°28 Vol 15- 2018


N°01 Vol 16- 2019


N°02 Vol 16- 2019


N°03 Vol 16- 2019


N°04 Vol 16- 2019


N°01 VOL 17-2020


N:02 vol 17-2020


N:03 vol 17-2020


N°01 vol 18-2021


N°02 vol 18-2021


N°01 vol 19-2022


N°02 vol 19-2022


N°01 vol 20-2023


N°02 vol 20-2023


A propos

avancée

Archive PDF

N°02 vol 18-2021

أثر الفترة الحرجة في اكتساب اللغة عند الطفل؛ مقاربة لسانية عصبية

Critical period’s impact in Child's language acquisition; Neuro-lingual approach
ص ص 145-154
تاريخ الإرسال: 2020-05-28 تاريخ القبول: 2021-04-13

هشام بلخير
  • resume:Ar
  • resume
  • Abstract
  • Auteurs
  • TEXTE INTEGRAL
  • Bibliographie

يهدف هذا البحث إلـى تبني مقاربة جديدة لفهمكيفية اكتساب اللغة عند الطفل، تعتمد على بيان دور الأسس العصبية فـي الاكتساب ومعرفة الشروط العضوية والاجتماعية فيه. ثم، بيان مفهوم الفتـرة الحرجة ودورها فـي تحقيق هذا الاكتساب.

اعتمدنا على خطة من أربعة محاور بدءا بأصل اللـغة، مرورا بالشروط العضوية والاجتماعية للاكتساب، انتـهاء بتتبع أثـر الفتـرة الحرجة في اكتساب اللغة لدى الأطفال والكبار.

الكلمات المفاتيح:اكتساب اللغة؛ شروط الاكتساب؛ الفترة الحرجة؛ المحيط اللغوي؛ اللدونة العصبية

Cette recherche vise à adopter une nouvelle approche pour comprendre comment acquérir le langage d'un enfant, basée sur l'explication du rôle des fondements nerveux dans l'acquisition et la connaissance des conditions organiques et sociales qu'il contient. Ensuite, expliquer le concept de la période critique et son rôle dans la réalisation de cette acquisition. Nous avons adopté un plan en quatre volets en commençant par l'origine de la langue, en passant par les conditions organiques et sociales d'acquisition, terminant de suivre l'impact de la période critique sur l'acquisition du langage pour les enfants et les adultes.

Mots-clés :Acquisition du langage, Conditions d’acquisition, Période critique, L’environnement linguistique, Plasticité neuronale

This research aims to adopt a new approach to understand how a child acquires language, based on clarifying the role of the nervous foundations in acquisition and knowing its organic and social conditions, in addition to explaining the concept of the critical period and its role in achieving this acquisition. This study focuses on a four-pronged plan; starting with the origin of language, passing through the organic and social conditions of acquisition, and ending with tracking the impact of the critical period on language acquisition for both children and adults.

Keywords:Language acquisition; terms of acquisition, critical period, linguistic environment, neuroplasticity

Quelques mots à propos de :  هشام بلخير

جامعة العربي بن مهيدي أم البواقي،linguistique.oeb@gmail.com

مقدمة

إنَّ المطّلع على الدراسات اللسانية المعاصرة يلاحظ تغيُّرا فـي التوجُّهات العلمية وانفتاحا كبيرا على العلوم النفسية والاجتماعية والبيولوجية والعصبية. هذه التغيّرات كانت حاسـمة فـي بلورة تصورات نظرية جديدة ومختلفة حول اكتساب اللغة وتعلُّمها، والوصول إلى الشروط المتحكّمة فيـها، والقيود التي تحول دون اكتسابها، إلا في فترات زمنية معيّنة (الفترة الحرجة). ولعلّ الإجابة عن سؤال: ما هو أصل اللغة؟ ضروري لفهم عملية الاكتساب، وبخاصة وأنَّ الحاجة ملحّة لفهم ارتباطات عملية إنتاج اللغة بسيرورات ذهنية ونفسية وعوامل فيزيولوجية ومؤثرات خارجية وتداولية. والسؤال الثاني: ما هي الشروط البيولوجية والفيزيولوجية والاجتماعية التي تساهم فـي نـمو اللغة لدى الطفل؟ والسؤال الثالث: ما هي الفترة الحرجة؟ هل لها وجود فعلي؟ ما تأثيرها على الاكتساب اللغوي؟ هل هي فترة حاسمة؟ هل يمكن تدارك اكتساب اللغة بعد تجاوزها؟

1.                       أصـل اللــغة

1.1البحوث الأولى فـي أصل اللغة

ترتبط مسألة أصل اللغة وكيفية اكتسابها باهتمام الأمم القديمة، وقد حصل اقترانها بالمسألة الأولى التي تحدثنا عنها (في مقال سابق)، وهي أصل الإنسان، وقد سبقت الإشارة إلى رأي ديكون فـي هـذا الاقتران. " وقد نقل هيرودوت (HERODOT)فـي الجزء الثاني من كتابه (HISTOIRES)كيف أنَّ الأميـر بامتيكوس (Psammetichus)قد تولّى عزل مولودين جديدين بعيدا عن أي محيط لغوي، على أمل أنْ تكون كلماتـهما الأولـى دليلا على الطبيعة الأصيلة للشعب الـمصري. ومنذ القرن التاسع عشر كانت بعض الملاحظات الدقيقة حول لغة الطفولة (Langage enfantin) بديلا عن الأساطيـر والتأمُّـلات حول أصل اللغات؛ فداروين (Darwin)قد احتفظ بجريدة مدقَّـــقة حول التـطوّر اللغوي عند أحد أطفاله، وكذلك بالنسبة إلـى ستيـرن (Stern) فـي الألمانية وقريقوار (gregoire)فـي الفرنسية وليوبولد (Léopold) فـي الإنـجليزيـــة، فقد نشروا جميعا دراسات تستند إلـى الإنتاج اللـــغوي لدى أطفالهم " (باسانو، 2020).

وكل هذه المحاولات تبحث عن اللغة الأولـى، وفـي هذا كثير من التعصّب والتحيُّـز للغة بعينـها لأسباب إثنية أو عرقية، ولكن الدراسات اللسانية الحديثة أتت بنظريات جديدة حاولت تفسير الاكتساب الأول للغة سنتحدّث عنها ضمنا فـي هذه الورقة.

2.1اللغة والمعرفة

يرى أصحاب الاتجاه الربطي في تفسير كيفية اكتساب اللغة أنَّ " الأطفال معرَّضون لآلاف الفرص لتعلُّم الكلمات والعبارات، والتعلُّم يحدُثُ تدريجيا، حين يزداد الربط بين الكلمات والمعاني، وهم يقولون بأنَّ اكتساب اللغة، على ما فيه من جوانب هائلة، فإنه ليس الإنجاز الهائل الوحيد الذي يُنْجِزُهُ الطفل، ويوازنون بينه وبين التعلُّم المعرفي والحسّي، بما في ذلك تعلُّم الرُؤية " (م.لايتاون.نيتا، 2014)

وهو ما يؤيده ديكون (T.w.Deacon)حين اعتبر أنَّ الخاصية المحدِّدة للبشر (الهومو سابينس، أو الإنسان العاقل) هي القدرة المعرفية التي لا نظيـر لها، لعلّتيـن:

§  اختلاف طريقة تفكيرنا اختلافًا بَـيِّنًا عن كلّ الكائنات الأخرى على سطح الأرض.

§  القدرة على تبليغ وتقاسم هذه الأفكار بوسائل ذات طبيعة إبداعية (ديكون، 2014)

3.1اللغة والرمز

يعدّديكون أنَّ ما يفصل ويُمايِــز البشر عن سواهم من الكائنات هو القدرة على التمثيل الرمزي؛ إذ يمكن للحيوانات تعلّم الربط بين الصوت وشيء ما أو نتيجة ما بسهولة، ولكن التفكير الرمزي يستلزم بداية، توفّـــر القـدرة على الربط بين الأشياء التي نادرا ما يكون هناك رابط مشترك بينها، مثال كلمة وحيد القرن، أو فكرة المستقبل. اللغة ما هي إلا تعبير ظاهري عن هذه القدرة الرمزية التي تضع الأساس لكل شيء ابتداء من الضحك عند البشر وحتى بحثنا الدءوب دون كلل عن المعنى (ديكون، 2014).

ويؤيّد هذ الفكرة ميكل كورباليس(M.C.Corballis)؛ فالإنسان لا يستعمل اللغة لمجرّد التعبير عن المشاعر والأحاسيس، بل إنَّ له قدرة على تشكيل عقله؛ فاللغة جِهازٌ مُهَنْدِسٌ بإتقان لوصف الأماكن، والناس، والأشياء الأخرى، والأحداث، وحتى الأفكار والمشاعر. ونحن نستخدمه، أي العقل، بإعطاء الاتجاهات، وحكاية الماضي، وتوقُّع المستقبل، وللإخبار بالقصص الخيالية، وللمداهنة والخداع. ويضيف كورباليس: ننخرط في النميمة، وهي طريقة نافعة في نقل أخبار عن الآخرين. إننا نستخدم اللغة لنقل الخبرة للآخرين، وبتقاسم خبراتنا نجعل التعلّم أكثرَ كفاءة، وأقلَّ خطرًا في الغالب. فالأفضل أن تطلب من أطفالك ألا يلعبوا وسط حركة المرور بدلا من أن تدعهم يكتشفون بأنفسهم ما الذي سيحدث لهم لو فعلوا ذلك (كورباليس، 2006).

4.1اللغة والمخ

يفترض بعض الدارسين في أصل الوجود البشري أنَّ المُخَّ ولُغةَ البشر قد تطوّرا على نحو مشترك على مدى ملايين السنين، في سياق مجتمع بشري، من حيث العمل والفكر والتفاعل، فينفون بذلك وجود لغة، ولو كانت بسيطة، لدى القردة العليا غير البشرية؛ لأنها لم تستطع تعلُّم أساسيات اللُّـغة البشرية، حتى عند معايشتـها لبيئة اجتماعية تسودها لُغَةُ بَشَرِيٍّ (ديكون، 2014).

ولذلك جاءت الدراسات الحديثة والمعاصرة، لتركِّـزَ على التناغم العجيب بين نُضْجِ الدّماغ والمُخّ، خصوصا مع اكتساب اللغة عند الطفل. ومن هذه الدراسات، تلك التي اعتمدت على علم النفس المعرفـي فـي فرع من فروعه، وهو اللسانيات النفسية التطورية (developmental Psycholinguistics)الذي جاء بأدوات جديدة نظرية ومنهجية، فأصبح اكتسابُ اللغة الموضوعَ المباشرَ والمركزيَ. ارتكز التحليل النظري والمنهجي على (باسانو، 2020): التحاليل اللسانية، نتائج البيولوجيا العصبية، منوالات (Modelizations) الذكاء الصناعي.

يعتمد اكتساب اللغة عندنا، نحن البشر، على قدرتنا فـي تجريد واستخدام القواعد النحوية، وهي قدرة تفتقر إليـها الحيوانات، فعلى سبيل الـمثال، أظهرت تجارب تصوير الدماغ أنَّ هناك تنشيطا فـي منطقة بروكا (Broca)عندما يتعلّم الشخص قاعدة نحوية للغة ما، لذلك يبدو أنَّ القيود البيولوجية (Les contraintes biologiques) تتفاعل مع الخبـرة فـي منطقة بروكا لجعل اكتساب لغة ما ممكنا، لذلك اعتبـرت هذه المنطقة هـي الأساس العصبـي لاكتساب قواعد النحو لأي لـــــغـة (niveaux، 2020).

5.1اللغة والأساس الأحيائي

تؤيّد الدراسات في اللسانيات النفسية الاتجاه القائل بأنَّ اكتساب اللغة يُثبِتُ الطبيعةَ الأحْيائيةَ للُّغة؛ إذ إنَّ اكتسابها عملية نماء طبيعية. فكلُّ الأطفال يتقدّمون عبر محطات متشابهة تبعا لجدول زمني متماثل. وما كان لذلك أن يكون على هذا النحو لو لم تكن اللُّغةُ مُتجَذِّرَةًفـي الأحياء البشري. فإنْ كانت اللغةُ خاصيةً بشريةً ذات أصل جيني، يقوم الدماغ بتمثيلها ومعالجتها، فإنه سيترتب عن ذلك أنَّ المولود البشري سيكتسب ذلك النظام بينما ينمو دماغه. وهذا يسمى النموذج الفطري (الأحيائي) في اكتساب اللغة (كيرنز، 2018).

وما يؤيّد هذه الدراسات الملاحظات الدقيقة التي سجّلت من طرف اللسانيين والنفسانيين في الطريقة التي تثيـر النظرَ والعجب فـي النماء البشري للسرعة التي يحدث بـها؛ إذ يكتسبُ الطفلُ اللغةَ أو اللغاتِ، التي يتعرّض لها، في وقتٍ وجيزٍ نسبيًا، بل ويصبح بارعًا، إلى حد فائق، قبل سِنِّ الذهاب إلى المدرسة بسنوات وبقليل من الجهد الظاهرِ، ويشغل نظاما للتعبير عن النفس والتواصل من غير تعليم مباشر، لا يداني كفاءَته أيُّ مخلوق آخر، أو حاسوب. (يول، 2017). وما كان لذلك أنْ يكون ممكنا من دون عنصرين أساسيين: التـهيؤ أو الاستعداد(Predisposition)ذي الأساس الأحيائي الفطري لاكتساب اللغة، ويشترك فـي ذلك الأطفال جميعا، مهما كانت الاختلافات الكبرى [بينهم] فـي الظروف التي يعيشون فيها. ويمكن الظن بأنَّ هذه القدرةَ خاصةٌ باللغة، ويأتي كلُّ طفلٍ مولود حديثا مزوَّدا بها. لكن هذه القدرةَ اللغويةَ التي يولد بـها الطفلُ ليست كافية وحدها، لذا يشترط مزاولة هذه القدرة اللغوية في المحيط (يول، 2017)(كيرنز، 2018)، أو البيئة الاجتماعية.

6.1اللغة والأساس الأحيائي

إنَّ ارتباط الـمخِّ بعملية التعلُّمِ جعلَ من بعض الباحثين يَقْرِنُون الدماغَ، الذي يشتمل على المخ وأعضاء أخرى، بالذِّهنِ، ومن هؤلاء الباحثين اللسانــي الأمريكــي نعوم تشومسكي (N.chomesky) الذي قرن الذهنَ بأعضاء الجسم، " فيعتبـره نظاما من الأعضاء يسميـها الأعضاء الذهنية، والتي تشتغل وفق برنامج جيني وراثي له كـلُّالدور فـي تحديد الوظائف التي تقوم بـها هذه الأعضاء، وتضبط أنساقها وكيفيات نموّها. فـي ضوء تفاعلها مع المحيط (الزناد، د.ت).

يتفق شومسكي مع علماء الأعصاب الذين يقابلون بيـن الدماغ أو الـمخ مع الذهن أو العقل، ويتواتر فـي كتابات شومسكي استعمال ثنائية ذهن/دماغ إشارة منه فـي رأينا إلـى عضوية الذهن وذهنية الدماغ، فالدماغ عضو فيـزيائــي لا شك فيه، ووظيفته نظام رمــــــزي كـامل هو الــذهـــــن (الزناد، د.ت). مع اختلاف علماء الأعصاب معه فـي تحديد مفهوم الذهن أو العقل. فمهمة هؤلاء العلماء تتمثّل فـي دراسة تشريح، وفسيولوجيا، وكيمياء الجهاز العصبي، وبيولوجيا الخلية، وينصبّ تركيزهم على الربط بين نشاط المخ وحدوث السلوكات المختلفة من بينها نشاط التعلُّم، ويحاولون الإجابة عن أسئلة كثيرة منها: كيف يحدث التعلُّم المبكّر؟ كيف ينمو الـمخ؟ هل يمرّ نموّه بمراحل متعدّدة؟ هل هناك فتـرات حرجة يجب أن تحدث خلالـها أشياء معيّنة، لكي ينمو الـمخ بشكل طبيعي؟ كيف تشفر المعلومات في الجهاز العصبي النامي والبالغ؟ وربما كان أهم سؤال هو: كيف تؤثّر الخبرة على الـمخّ؟ (الرسول، 2016). لذلك نراهم يجدون صعوبة فـي معرفة الذهن ومعرفة الـمناطق التـي تُشيـر إليه، إلا أنَّـهم يعتبـرونه النشاط الوظيفي للدماغ. أمَّا شومسكي فيعتبـر أنَّ الذهن نظام معقّد من الملكات المتفاعلة يتكوّن من أعضاء ذهنية.

ويصح الأمر نفسه على الأعضاء الذهنية، " ويمكن أن ننظر إلى الملكة اللغوية، بشكل معقول، على أنـها عضوٌ للغة بالـمعنـى نفسه الذي يتحدّث به العلماء عن نظام الإبصار، أو نظام المناعة أو نظام الدورة الدموية، بوصفها أنظمة للجسد. وإذا فهمنا العضو، على هذا النحو، فهو ليس شيئا يُمْكِنُ نَزْعُهُ من الجسد، فـي حيـن يتـرك سائــــــره كما هو (تشومسكي، 2005)." فاللـــغة والإبصار والتحكُّم الحركــــي متمايزة بوظائفها، وفــي العديد من الأحوال، بمواقعها فــي الدِّماغ، ولكل منــها خصائصها الذاتية؛ فاللغة متفرّدة بالقطع الصوتمية وبالأسماء تفرّد الإبصار بالألوان، ولكنّ جميعها يحلّ فـي خلايا عصبية لها نفس البنية والتخطيط، تطوّرت فــي اتجاه التَّخصُّص الوظيفي من أساس خلوي جينـــي مشتـرك لا تخصص فيه (الزناد، د.ت).

 

 

2.                       شروط الاكتساب اللغوي

وبالنظر إلـى أسس اكتساب اللغة، السابق ذكرها، يرى بعض الباحثين أنَّ الأساسَ الأوَّلَ هو تلاؤمٌ بيولوجيٌّ عَصَبيٌّ للإنسان مع هذا الاكتساب، يسمح بالتهيُّـؤ له والتمكّن منه، بعد التعرُّض للتنبيهات اللغوية المناسبة من البيئة الأسرية والمجتمعية.

إنَّ تطوّرَ اللُّـغةِ محكومٌ بشروطٍ موضوعيةٍ، ومن غيرها لا يمكن للطفل أنْ يكتسب لغةَ بَيْـئتِه، منها: القدرة العضوية، وسلامة الأجهزة المسؤولة عن عملية الاكتساب والكلام؛ كسلامة الجهاز العصبي، والجهاز السمعي، والجهاز النطقي هذا من جهة، ومن جهة أخرى تعرُّض الطفل للتنبيـهات اللغوية فـي فتـرة معيّنة من حياته تسمّى الفترة الممتازة (Privileged period)أو الحرجة (Critical period).

1.2سلامة الجهاز العصبي

تعتمد الوظائف المعرفية على تنشيط شبكات عصبية متخصِّصة، ففي اللغة مثلا، نعلم أنَّـها، ومنذ أبحاث بروكا وفرنيكي والتكامل الوظيفي بين المناطق المحيطة بالشق الجانبي الأيسر (The peri-sylivian regions Left)، لازمةٌ لأداء لغوي سليم عنده (Dehaene-Lambertz, 2004). وقد رأينا دور تقنيات التصوير العصبي في فهم أفضل لنمو الدماغ والكشف الـمبكّـر عن تلفه، وفـي هذه الحال، يمكن القيام بمتابعة هذه الفئة وإعادة تأهيلها لغويا.

وقد اُستُخدِم التصويرُ التشريحيُّ من أجل التعرُّف على طبيعة أنسجة المخّوخلاياه، ومعرفة ما إذا كانت هناك إصابات عضوية محدّدة أم لا. وهذا التصوير ليست له علاقة بالناحية الوظيفية، أي لا يقيس الوظائف الخاصة بمناطق المخ، وإنما مجرّد تصوير شكلي. وتكمن قيمته العلمية في قدرته على الكشف عن وجود العيوب الخِلْقِية والأورام والجلطات والأنزفة المخية، وما إلى ذلك من عيوب أو إصابات (Dehaene-Lambertz, 2004). هذا الكشف يساهم فـي معالجة المصاب في المراحل المتقدمة، وإعادة تأهيله قبل فوات الأوان.

واُستُخْدِمت تقنيات التصوير الوظيفي، مثل تقنية التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي(fMRI)، وهذه التقنية لا تختلف عن التصوير التشريحي للمخ بالرنين، إلا في كونها تقيس التفاعل الوظيفي أيضا، ومن ثم تكشف عن مدى عمل الخلايا العصبية أو اضطراب هذا العمل (كحلة، 2012).

وقد أثبتت التجارب أنَّ استئصالا أو تلفا فـي منطقة دماغية متخصصة باللغة، بعد المرحلة الحرجة، له نتائج وخيمة على اللغة، بينما توجد إمكانية إعادة انتظام المناطق الدماغية المسؤولة عن اللغة لتستقر في مكان آخر (Reorganization of the brain)، هذه المناطق التي أصيبت بآفات أدَّت إلى اضطرابات في اللغة (مناطق بروكا وفيرنيكي بالخصوص)، تغمّد خلال المرحلة الحرجة (Catherine، 2001).

2.2                   سلامة الجهاز النطقي والجهاز السمعي

والمقصود من هذه السلامة، قدرة الأطفال على إرسال الإشارات الصوتية فـي لغة معيّنة واستقبالها؛ إذ يصدرون جميعا ضوضاء على شكل مناغاة خلال السنة الأولى من أعمارهم، لكن الأطفال الرضّع، الذين يولدون صُمًّا، يتوقَّفون عن ذلك فـي الشهر السادس من أعمارهم تقريبا. فلا بدّ أنْ يَكونَ الطفلُ، لكي يتكلَّمَ لغة ما، قادرًا على سماع اللُّـغة التي تُستخْدَمُ فـي محيطه (يول، 2017). وإلا لما تمكَّن من اكتساب هذه اللغة لغياب جهاز الاستقبال.

ظهر مـن الدراسات المكثّفة، التي أُجرِيَتْ خلال العــقود الأربعة الماضية، أنَّ لـغة الإشــارات التي يستعملها الصُّــــــمُّ والبُــكْمُ لا تختلف كثيرا عن الكلام المنطوق في لغات العالم المختلفة. فقد ظهر تشابُهٌ في الذخيرة اللفظية وفي المبادئ التنظيمية للغة. فهي تتألف من عدد من حركات اليدين تقابل الأصوات اللغوية، التي تنتظم في كلمات وصرفيمات، تنتظم بدروها في جمل وعبارات (الحمداني، 2007). ومن المفارقات، أنَّ الأطفال الذين يكتسبون من والديهم الصُّمِّ لُغةَ الإشارات، سواء كانوا صُمًّا أو أصحاء، يَمرُّونَ بنفس المراحل التي يمرّ بها الأطفال الذين يتعلمون اللغة المنطوقة.

والمفارقة الأخرى، أنَّ سلامة الجهازِ السَّمعي ليس كافيا وحده لسلامة اكتساب اللغة؛ ففي دراسة قام بها موسكوفتـز (1991م) لإحدى الحالات تَبيَّنَ له، أنَّ طِفْـلا سليمَ السمع لم يستطع اكتساب القدرة على نطق الإنكليزية أو فهمها، على الرغم من توفيـر أبويه الأصمَّيْنِ له، تعرُّضا كافيا للبرامج الإذاعية والتِّلفازية. أمَّا ما استطاع تعلُّمه بطريقة ممتازة، عند سن الثالثة، فهو استخدام لغة الإشارة الأميركية التي اكتسبها من تفاعله مع والديه الأصمّين (يول، 2017). وتفسير هذه الحالة بأن هناك شرطا آخر، فضلا عن سلامة السمع، يتمثَّل فـي ضرورة إتاحة الفرصة للطفل للتفاعل مع الآخرين عَبْـرَ اللغة، خاصة الأقربين منه (الأبوان، والإخوة...).

وفي غياب النماذج والقوالب اللغوية المناسبة في بيئة الطفل، يقوم بابتكار اللغة التي يتواصل بها مع محيطه. ولعلّ الأهم من ذلك مسألة توقيت نُشوء المَهمَّات اللُّغوية...وهكذا فإنَّ ظهور هذه المراحل، هي جُزْءٌ من النُّمو البيولوجي الذي يظهر موافقا لجدول النضج المناسب للطفل الطبيعي النامي، حتى عندما تَغيبُ البَـيْـئةُ اللغـوية...في الوقت نفسه، يجدر القول إنَّهذه اللغة، التي يبتكرها الأطفال، لا ترتقي أبدا لتَبْلُغَ مستوى اللغات الطبيعية، سواء كانت لغةً منطوقةً أو لغةَ إشارةٍ. وتَغيبُ، على الخصوص، جميع الصرفيمات الوظيفية والمقيّدة والأفعال المساعدة (الحمداني، 2007). وهكذا فإن اللغة تنمو، بالاعتماد على جدول نمائي بيولوجي وكذا التعرض لنماذج لغوية أيضا ضمن البيئة المحيطة بالطفل.

وقد ذكرت إيفا م.فيرنانديز وهيلين سميث كيرنز (Eva.M.Fernandez & Helen.S.Cairns) مثالا عن الكيفية التي نمت بـها لغة الإشارة في مجتمع الصم في نيكاراغوا، رغم غياب اللغة في المحيط. ولكن مستخدمي لغة الإشارة النيكاراغويين كان لديهم مثيرٌ مهمٌ في المحيط: وهو وجودُهُمْ معًا. فالدخل (Input) الآتي من المحيط، بالنسبة للنظام الأحيائي، مثيرٌ يَقْدَحُ النُّموَ الداخلي (كيرنز، 2018). ويجعله في تطوُّر طبيعي من أجل تحقيق الاكتساب.

3.2سلامة الجهاز البصري

لا شكّأنَّ الأطفال العاديين يعتمدون على الجهاز البصري من أجل ملاحظة المضمون الذي تنطق فيه الكلمات في العالم الواقعي حولهم. وإذا كان الأمر كذلك، نتوقع أن تحدث مشكلات في تعلُّم الكلام بين الأطفال المصابين بالعمى. لذا نتوقع تأخر نمو هؤلاء لغويا أو معاناتهم، على الأقل، من تشويهات في المعانيواضطرابها؛ لأنّبعض الكلمات تَدُلُّ على أشياء أكبرَ مما يستطيع الطفلُ الإمساك به أو لـمسه، أو أبعد من ذلك، كالجبال والغيوم والنجوم...ولكن دراسة نمو اللغة، عند هؤلاء الأطفال، تدلُّ على غيـر ذلك، فـقـد ظـهـــر أنـهم يكتسبون الكـلمات نفسـها تقريبــا فـي الوقـــت نـفـــسه الـذي يكتسبـها فيـه الطـفــــل المبـصــــر، كـــــما أنَّــــهـــــم لا يختلفون عن الأطفال المبصرين في اكتساب الصرف والنحو (الحمداني، 2007).

وهذا لا يعني أنَّ هناك تساوياوتماثلا بين الطفل العادي والطفل الكفيف في اكتساب اللغة، بل نجد اختلافا بينهما في بعض الجوانب، فنجد الكفيف يجد صعوبة في فهم اللغة غيـر المنطوقة، كالإيماءات وتعبيرات الوجه والتعبير عنها؛ لأنه لم يتمكن من مشاهدتها؛ لذا يصعب فهمها والتعبير عنها. ولكنه من جهة أخرى يتفوّق على الطفل المبصر، في امتلاكه لقُدرةٍ كبيرةٍ على الانتباه والذاكرة السمعية، والميـزة الأخرى وهي القدرة اللفظية، وهي قدرته على الإسهاب في شرح أو وصف الأشياء، وميله إلـى الحديث بصوت أكثر ارتفاعاً من المبصرين.

4.2التعرض للغة في الفترة الحرجة

يعرّضُ الطفل خلال السنتين الأوليين أو الثلاث سنوات الأولى من حياته للتنبيهات اللغوية من الأقربين إليه (الأبوان، مربية الروضة،...) لكي يحدث تفاعلا معهم ومع مستخدمي اللغة الهدف؛ ليؤسس اتصالا بين القدرة اللغوية ولغة معيّنة كالإنكليزية [أو العربية] مثلا (الحمداني، 2007). وهي خمس سنوات حسب (Gaonoc’h et Golger, 1995)، فحديثنا عن الاكتساب اللغوي وتدقيقا من ظهور اللغة عند الطفل هو حديث في الحقيقة عن الفترة الحرجة أو الفترة الممتازة (Richelle, 1997)(Privileged period) .وأي اكتساب للغة خارج هذه الفترة يصبح صعبا أو مستحيلا.

3.                       حالات إثبات فترة الاكتساب الحرجة عند الإنسان

1.3مفهوم الفترة الحرجة (Critical period)

ماذا نعني بالفترة الحرجة أو الحسّاسة أو الممتازة؟ لها تسميات عديدة، فهناك من يسمّيها الفترة الحرجة، وهناك منيطلق عليها مصطلح الفترة الممتازة، وآخرون يسمّونها الفترة الحسّاسة. وأرى أنها تسميات صحيحة أو قريبة من مفهوم هذهالفترة، بحسب ما يخلّفه تجاوزها من عواقب وخيمة على الطفل الذي لم يتعرّض للتنبيهات اللغوية في هذه الفترة. من جهة مفهومها يرون أنها خاصيةٌللنُّـمو تمَّت دراستـها على مستوى النظام البصري، وتمَّ إثباتـها فـي مجالات حسّية أُخرى، فبمرور هذه الفترة فإنّالوظيفة تنمو، لكن بخصائص وظيفية أقلَّ جَـوْدةٍ.

وتتأكّد أهمية هذه الفترة في الجانب التطبيقي الإكلينيكي، وذلك بإعطاء الأهمية لتفاعلات الطفل مع محيطه، ما ينتج عنه إنشاء أنماط للأنشطة الدماغية، وهو ما يؤكِّد على أهمية التحفيزات والتنبيهات اللغوية خاصة في المراحل الأولى من حياة الطفل. فهي لحظة تطوُّر الفرد الذييجب أن يتعرّض لمنبـهات المحيط اللغوي الاجتماعي بشكل حتمي، حتى يستمرّالنُّمو بشكل صحيح. تم استخدام فكرة الفتـرة الحرجة (مستعارة من علم الأجنة) لمراعاة حقيقة أن بعض السلوكات لا يمكن أن تظهر إلا خلال مرحلة محدّدة من النمو، وأنـها، أي هذه السلوكات ومنها السلوك اللغوي، لم تعد قادرة على الظهور بعد هذه المرحلة من النمو ( Carnets2psycho, , Publish date: Not available).

إنّفترة تطوّر الفرد التي تعكس خلالها التغييرات الوظيفية والسلوكية مرونة معيّنة في الهياكل العصبية، ويبدو أنَّها مرتبطةٌ بحساسية أقوى من أي أوقات أخرى. يوفِّـر اكتسابُ اللغة مثالا جيّدا لهذا المفهوم، ومع ذلك لا يمكن تحديد الحدود العمرية للظاهرة بدقة ( Carnets2psycho, , Publish date: Not available).

وما يؤكد على وجود فترة حرجة أو ممتازة لاكتساب اللغة الأفكار التي جاء بـها لينبـرغ (Lenneberg)، والتي تمتد، فـي رأيه، من منتصف السنة الأولـى للطفل إلـى نـهاية العقد الأول تقريبا، وربما تصل إلى سِنِّ البُـلوغِ عند بعض الدارسين. ولقد لوحظ بالفعل أنَّ استرجاع اللِّسان عند الأطفال يصيب بجروح صادمة أحادية الجانب. وهي إذْ تُسهِّلها الليونة الوظيفية للقشرة الدماغية خلال السنوات الأولى، فإنها تصبح، على العكس من ذلك، بعد سنّالعاشرة. وإنَّنا لنَعْلَمُ أيضا أنَّ مربي الأطفال البرييـن (المتوحشين) وأكثرهم شهرة هو فيكتور من لا فيرون، ومنذ وقت قريب جيني، التي أخذت في الولايات المتحدة في السنة الرابعة عشر من عمرها، قد واجهوا مصاعب هائلة لكي يجعلوا هؤلاء الأطفال يصلون إلى معالجة اللغة الطبيعية. وهذا ما يؤكد الفكرة التي تقول إنّالفترة النقدية [الفترة الحرجة] تمَّ تجاوزها نـهائيا(سشفاير). وهو ما يؤكّد على أهمية التوريث الثقافي، الذي يعني أنَّ اللغة المحدّدة، التي يتعلّمها الطفل، لا تأتيه عن طريق الوراثة، بل يكتسبها فـي وسط يتكلَّم تلك اللغة الـمحدّدة (يول، 2017).

2.3مقارنة بين حالات

سنعرض في هذا العنصر بعض الحالات المشهورة التي تثبت وجود فترة ممتازة لاكتساب اللغة الأولى، حالة استطاعت تدارك التأخر فاكتسبت لغة بيئتها الأولى، وهي حالة الفتاة إيزابيل (Isabelleوالحالتان الأخريان لم تستطيعا تدارك التأخر بسبب تجاوزهما للفترة الممتازة، وهي: حالة الطفلة جيني والفتاة تشيلسي.

1.2.3الحالة إيزابيل

لعلَّ الحالة الأولى التي دُرِسَتْ، هي حالة إيزابيل (Isabelle)وهو اسم مستعار لفتاة اُكْتُشفتْ، وهي في السادسة من عمرها، وقد حَبَسَتْـها أُمُّها، المُضطرِبَةُ عَقْليًّا، في غرفة في أعلى البيت (علّية)، ولم تكن تمنحُها أيَّ اهْـتمامٍ يفوقُ الحدَّ الأدنى الضروريَّ لإدامة الحياة. ولم تُكَلِّمْها طوال السنوات السِّت. كان عمر الطفلة العقلي لا يزيد عن العمر العقلي لطفلة في السنة الثانية من عمرها، ولم تكن تعرف الكلام نُطْقًا ولا فَهْمًا.

أُخْرِجَتْ الطفلة من هذه البيئة اللاإنسانية وأُعيدَتْ إلى المجتمع، وبعد سنة واحدة كانت قدراتها اللغوية تماثل أقرانها في نفس العمر، كما أنَّ قُدُراتِها المعرفية تحسّنت أيضا، فاحتلَّتْ مكانها في مدرسة عادية (الحمداني، 2007). ولولا تدارك الأمر خلال الفترة الحرجة، التي تمتد عند البعض إلى سن البلوغ، لكان اكتساب إيزابيل للغة مستحيلا أو يحدث وبتشوهات لغوية، وبعدم قدرة على التأليف السليم للجمل.

2.2.3الحالة جيني (Genie)

يتفق معظم الباحثين على أنّالفترة المثلى لاكتساب اللغة الأولى هي ما قبل سنوات المراهقة المبكّرة، فلا ينمو بعد ذلك نظام لغوي معقّد تعقيدا كاملا. والدليل على ذلك يأتي من التقارير عما يسمّى بـ الأطفال الوحشيين (البريين)، مع كامل التحفُّظ على هذه التسمية، وخصوصا من حالة جيني، وهي فتاة من كاليفورنيا سُجِـنَتْ في حُجْرة صغيرة مِنْ قِبَلِ والدها المعنِّف طوال الثلاث عشرة سنة الأولى من حياتها (Curtiss, & al, 1974; Curtiss, 1977, 1988). وقد حُرِمَتْ جيني، خلال ذلك الوقت، من أي دخل (Input) لغوي من أي نوع. وبعد أن تمّ إنقاذها في تشرين الثاني/ نوفمبر من عام 1970م، عمل معها باحثون من جامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس لسنوات من أجل مساعدتها على اكتساب الإنكليزية، ولكن دون جدوى؛ إذْ اكتسبت الكلماتِ والقدرةَ على التواصل اللفظي، ولكنّها لم تكتسب أبـدًا النِّـظـام الصرفي والتركيبي التام للإنكليزية (سشفاير). والأمثلة الآتية، من أقوالها، توضِّح مستوى قدرتها اللغوية:

1.                       Genie full stomach. جيني معدة ممتلئة.

2.                       Applesauce buy store.  متجر شراء عصير التفاح.

3.                       Want Curtiss play piano. تريد كيرتس العزف على البيانو.

4.                       Genie have mama baby grow up. جيني ينمو طفل مام.

بالعودة إلى الشروط التي ذكرناها آنفا، من سلامة الجهاز العصبي، سلامة الجهازين السمعي والبصري، والقدرة على النطق، كلّ هذه الشروط متحقِّقة في حالة جيني. ولكن حالتها الذهنية وذكاءها غير معروف ولا محدَّد. ورغم ذلك لا يمكن تفسير عدم قدرتها على اكتساب اللغة بسبب هذا العامل. فمن الواضح أنّجيني قد تعرّضت لصدمة فظيعة لمدّة سنوات، وأنّنموّها العاطفي لا يمكن أن يكون سويا، ولكن مهما كانت درجة تضررها من الناحية النفسية، فإنّذلك لا يفسّر ما لديها من قصور لغوي. والحقيقة أنّجيني كانت ودّية جدا، وكانت تستخدم اللغة بشكل جيد من الناحية الاجتماعية، ومشاكلها كانت في الصرف والتركيب فحسب، وهي الجوانب الشكلانية لبنية اللغة التي يشتبه الباحثون في أنها خاضعة لآثار الفترة الحاسمة (كيرنز، 2018).

3.2.3الحالة تشيلسي (Chelsea)

ثم ظهرت حالة أخرى، بعد بضع سنوات، لامرأة تُدعى (تشيلسي (Chelsea)كرتس، 1989). ولدت تشيلسي وهي صمّاء، ولكن الأطباء شخَّصوها، إمَّا، على أنَّها متخلِّفة عقليا أو أنَّها مضطربة انفعاليا. لم تصدّق أسرتُها أنَّ ابنتهم مُتخلِّفةٌ عقليًا، ولكن لم يخطر على بالهم أنَّها صمَّاء، لذلك لم تلجأ الأسرة لتعليم البنت لغة الإشارات. وربَّوْها في الدار دون أنْ يُعلِّموها لغةَ الإشارات أو الكلام.

وفيما عدا ذلك، كانت الطفلة بصحة جيدة وذات جهاز عصبي سليم. وفي الحادية والثلاثين من عمرها، أُحيلَتْ إلى اختصاصي في الاضطرابات والأمراض العصبية، الذي سرعان ما اكتشف أنَّ السيِّدة صمَّاء فقط. وعندما وصف الطبيب لها سمّاعات (Hearing aids)أصبح سمعها طبيعيا تقريبا. واهتم العلماء بها ونظَّموا لها برنامجا مكثّفا لإعادة تأهيلها لغويا، وبالفعل استطاعت أن تكتسب ذخيرة لغوية واسعة، كما أنَّها استطاعت أنْ تلفظ عبارات مؤلَّفة من عدد من الكلمات. ولكن العبارات التي نَطَقَتْها كانت تفتقر للقواعد اللغوية، ولم تقترب أبدًا حتى من الجمل التي نطقتها جيني؛ فالجمل التي كانت تنطقها عبارة عن رصف كلمات لا تنتظم على وفق قواعد لغوية مقبولة (الحمداني، 2007). ومن أمثلتها:

1.                       Banana the eat. موز الأكل

2.                       Breakfast eating girl. الفطور الأكل البنت

وبعد استعراض هذه الحالات، ماذا يتبيَّن لنا؟ لماذا لم تبلغ تشيلسي وجيني مستوى التعلُّم اللغوي الذي بلغته إيزابيل؟ لماذا استطاعت إيزابيل استدراك ما لم تكتسبه في السنوات الأولى من اللغة؟ ولماذا لم تستطع كل من جيني وتشيلي تحقيق الاكتساب اللغوي المرغوب؟ يبدو أن الجوابَ يكمن في السن الذي تعرّضت فيه إيزابيل للـغة؛ فسن السادسة عُـمْـرٌ مُتأخِّـرٌ لاكتساب اللغة، ولكنَّه ليس متأخرًا كثيرًا. لذلك فقد نجحت في اكتساب اللغة، ولكنَّ عُمِرَيْ (13) و(31) سنة متأخِّرَانِللغاية، نظرا للتغيُّرات التي تطرأ على الدماغ في أكثر الأحوال. ولذلك يمكن القول إنَّهناك فترة حرجة لاكتساب اللغة (الحمداني، 2007).

3.3الفترة الحرجة والمحيط

رأينا أنَّ سلامة الأجهزة العضوية لدى الإنسان لا تعني أنّاكتساب اللغة سيتم بالشكل الملائم والطبيعي، وإنَّما يحتاجُ إلى حدوث هذا الاكتساب ضمن محيط لغوي اجتماعي؛ فغاية هذا المحيط الأساسية هـي توفيرُ المعلومات الخاصة باللـغة التي يكتسبها الطفل. ويسمّي اللسانيون النفسيون هذا النوع من المعلومات الشاهد الموجب؛ إذْ إِنَّه يُوفِّـرُ البيانات التي يحتاجها الطفلُ لكي يوجّه الضوابط، ويقوم بإنماء نَحْوٍ شبيهٍ بنَحْوِ الكبار (كيرنز، 2018). وهكذا فإنّاللغة تنمو استنادا لجدول نمائي بيولوجي واستنادا للتعرض لنماذج لغوية أيضا (الحمداني، 2007).

وطبيعة هذه النماذج ينبغي أن تكون ذات طبيعة بشرية؛ أي من الموفّرين الرئيسيين، وهم الناس الذين يتفاعل معهم الطفل: أي الوالدان، والحاضنون، والأشقاء، وأيّأشخاص آخرون، سواء من الأطفال أم الكبار، ينخرطون في تفاعلات لغوية روتينية مع الطفل. ونُشدِّد على أنَّ الأطفالَ بحاجة إلى أنْ يُتحدَّثَ إليهم: فالتعرُّض للدخل يُزوِّدُ الأطفالَ بالشاهد الموجب عن الكيفية التي تعمل بها اللغة (كيرنز، 2018). وتشير دراسة موسكوفتـز (1991م)، سابقة الذكر، إلى عدم كِفايَةِ تعرُّضِ الطفل (سليم الجهاز السمعي لأبويه أصمّين) للبرامج الإذاعية والتلفازية (يول، 2017).

ولقد وضع لينبرغ ضوابط لاكتساب اللغة عند الطفل منها؛ ما تعلّق بضرورة التحفيز الوارد من المحيط والتفاعل معه. فبعض الأنظمة الأحيائية لا تنمو دون مُثيرٍ من المحيط يقدحها. فلن يقوم الأطفال بإنماء اللغة، إن لم تكن اللغةُ متوفِّرَةً فـي محيطهم، أو لم يكن هناك أحد ما ليتفاعلوا معه (كيرنز، 2018). ولكنّثمّة معطياتٍ مهمةً عن اكتساب اللغة، تجعل دور اللغة في المحيط دورا محدودا جدا فـي نظرنا: فكل طفل في كل ثقافة معروفة يكتسب اللغة بالسهولة ذاتها، عبر اجتيازه لمراحل متشابهة بنفس المعدّل تقريبا. وهذا يدلّ ضمنا على أنَّ ما يعدّ ضروريا لنمو اللغة من خصائص الدخل في المحيط لا بدّ أن يكون موجودا لدى كلّجماعة لغوية في العالم (كيرنز، 2018).

4.3الفترة الحرجة واللدونة العصبية

لعلَّ أهمَّ الأسئلةِ التي طرحها علماء الأعصاب عند دراستهم لتشريح، وفسيولوجيا، وكيمياء الجهاز العصبي، وبيولوجيا الخلية، هي: كيف ينمو الـمخُّ؟ هل يمرّ نموُّه بمراحل متعدّدة؟ هل هناك فتـرات حرجة يجب أنْ تَحْدُثَ خلالـها أشياءٌ معيّنةٌ لكي ينمو الـمخّبشكل طبيعي؟ كيف تُشَفَّرُ المعلومات فـي الجهاز العصبي النامي والبالغ؟ وربما كان أهم سؤال هو: كيف تؤثّر الخبـرة على الـمخّ؟

وبالنظر إلى نتائج هذه الدراسات، يظهر اللاتماثل أو التمجنب (asymmetry)فـي وقْتٍ مُبكِّرٍ جدًّا من العمر؛ إذْ تُشيـر الأدلّة إلـى أنَّ النصف المخِّي الأيسرَ يكون أكبـر من الأيمن قبل الولادة، وأنَّ الأطفالَ الرُضَّعَ يكونون أكثر قدرة على تمييز الكلام من غير الكلام، حينما تعرض المثيرات على النصف المخي الأيسر (Molfese , 1975, Entus, 1973)، ومع ذلك، فإنّاللغة المبكّرة، فيما يظهر، لا يتم تمجنبـها حتى سن الثانية تقريبا. فإنْ أُصيبَ النصف المخي الأيسر فـي سِنِّ الرّضاع، فإنه يمكن للنصف المخي الأيمن أنْ يتولّى وظيفَتَهُ، وقدرة جزئي الأدمغة الناشئة هذه على تولّي الوظائف المرتبطة عادة بالمناطق الأخرى، تُسمَّى اللدونة العصبية (كيرنز، 2018)(Neural plasticity) .  وهي بذلك، محكومةٌ بالتحكيم الجيني الما قبلي، أي بالبنية الجينية الوراثية، حيث تضبط هذه البنية حدود تلك المطاطية نفسها ووجوه حدوثها ومواطن ذلك الحدوث (الزناد، د.ت).

وهذا المصطلح، حسب الأزهر الزناد، يجري على مفهوم التعلُّم في معناه الواسع. وقوام هذه الفكرة أنَّ الفرد عندما يتعلّم شيئا جديدا أو مهارة لم تَكُنْ له، إنَّما يتغيَّرُ شيء في دماغه، وهذا يعتمد في اعتبار الدماغ مطاطيا، بمعنى أنه يتكيّف ويتطوّر وفق المعطى الجديد (الزناد، د.ت). ومن جهة أخرى، تعتبر من صميم التحقيق في الكلام واللغة. فالسلوك اللغوي من جهة أولى، خاصية يمتاز بها صنف الإنسان العاقل، وهو محكوم بيولوجيا كباقي أنماط السلوك، واختلاف درجة المطاطية والمرونة، من جهة ثانية، تولّد الاختلاف بين اللغات الطبيعية الحديثة (لينبورغ، 2019).

وقد أظهرت الدراسات الحديثة، خاصة تلك التي اعتمدت على التصوير الدماغي، أنَّه في حال تَلف النصف المخي الأيسر؛ فإنَّ الرضيع أو الطفل الصغير يستعيد عافيَتَهُ دون أن يصاب بالحبسة أكثر من الكبير، الذي يكون دماغه أقلَّ لدونة بكثير. بل إنَّ الأطفال الذين يخضعون لعمليةجراحية تتم بها إزالة النصف المخي الأيسر يمكن أن ينمّوا وظائف لغوية جيِّدة إلى حدّكبير. ولكن هذه الدراسات نفسها، أثبتت أنَّ النصف المخي الأيمن أقلّلدونة من النصف المخي الأيسر، نظرا للقصور الذي يعاني منه هؤلاء الأطفال في اكتساب الجوانب الشكلية من تركيب اللغة وصرفها (Dennis & Whitaker, 1976) (كيرنز، 2018).


خاتمـة

نصل فـي ختام هذه الورقة إلـى جملة من النتائج، نذكر منها ما يلي:

-  يساهم المدخل اللساني العصبي فـي التفسير العلمي لنمو اللغة لدى الإنسان، وخاصة الأطفال.

-  نؤكِّد على الطابع (الأحيائي) الفطري للغة من خلال وجود جهاز اكتساب اللغة لدى الإنسان. يقوم الدماغ بتمثيلها ومعالجتها.

-  نؤكِّد على أن الرَّكيزة العضوية التي تسمح باكتساب اللغة ليست وظيفية منذ الولادة ولا تبقى بنفس الدرجة خلال سنوات العمر، بل تبدأ بنفس الدرجة ويحدث اللاتماثل أو التمجنب في السنوات الأولى.

-  لا يتم اكتساب اللغة عند الطفل إلا في ضوء شروط موضوعية: سلامة الجهاز العصبي، الجهاز النطقي والجهاز السمعي، الجهاز البصري، على أن تتم التنبيهات اللغوية فـي الفترة الحرجة أو الممتازة.

-  لا يمكن حدوث الاكتساب خارج الفترة الحرجة، وإن حدث كان أقلَّ من الوتيرة التي يتعلّم بها الأطفال العاديون.

- يؤثِّر مفهوم اللدونة العصبية على إمكانية تمديد فترة الاكتساب اللغوي وتجاوز الفترة الحرجة، لكن بكفاءة أقلّ، خاصة عند الكبار

قائمة المراجع

المراجع بالعربية

  1. الأزهر الزناد. 2014. اللغة والجسد، دار نيبور للطباعة والنشر والتوزيع، العراق.
  2. الأزهر الزناد. د.ت. نظريات لسانية عَرفنية، الدار العربية للعلوم ناشرون، بيروت، منشورات الاختلاف، الجزائر.
  3. ألفت حسين كحلة. 2012. علم النفس العصبي، مكتبة الأنجلو مصرية، القاهرة.
  4. أوزوالد ديكرو وجان ماري سشفاير. د.ت. القاموس الموسوعي الجديد لعلوم اللسان، ترجمة منذر عياشي، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء.
  5. إيفا م.فيرنانديز، هيلين سميث كيرنز. 2018. أسس اللسانيات النفسية، ترجمة عقيل بن حامد الزماي الشمري، دار جداول للنشر والترجمة والتوزيع، بيروت.
  6. باتسي م.لايتباون، نينا سبادا. 2014. كيف نتعلّم اللغات، ترجمة علي علي أحمد شعبان، المركز القومي للترجمة، القاهرة، العدد 2193.
  7. تيرنس دبليو ديكون. 2014. الإنسان..اللغة..الرمز؛ التطوّر المشترك للغة والمخ، ترجمة شوقي جلال، المركز القومي للترجمة، القاهرة، العدد 2312.
  8. جورج يول. 2017. دراسة اللغة، ترجمة حمزة بن قبلان المزيني، دار جداول للنشر والترجمة والتوزيع، بيروت.
  9. دومينيك باسانو: اكتساب اللغة، تعريب فرحات المليّح. فـي موقع: https://independent.academia.edu/FarhatMlayeh
  10. سامي عبد القوي. 2002. علم النفس العصبي؛ الأسس وطرق التقييم، مكتبة الأنجلو مصرية، القاهرة.
  11. مايكل كورباليس. 2006. نشأة اللغة؛ من إشارة اليد إلـى نطق الفم، ترجمة محمود ماجد عمر، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت، كتاب ضمن سلسلة عالم المعرفة، العدد 325.
  12. مريم المقبلي. 2019. الأسس البيولوجية للغة، لإيريك لينبرغ، الدار التونسية للكتاب، تونس.
  13. موفق الحمداني. 2007. علم نفس اللغة من منظور معرفي، دار المسيرة للنشر والتوزيع والطباعة، عمّان.
  14. نخبة من الباحثين. 2016. كيف يتعلم الناس؛ المخ والعقل والخبرة والمدرسة، ترجمة سعاد عبد الرسول وآخران، المركز القويم للترجمة، القاهرة، العدد 1483.
  15. نعوم تشومسكي. 2005. آفاق جديدة في اللغة والذهن، ترجمة حمزة بن قبلان المزيني، المجلس الأعلى للثقافة، القاهرة.

المراجع باللغات الأجنبية

  • Catherine Vidal : La plasticité cérébrale. 2012. une révolution en neurobiologie, Spirale (n° 63).
  • G.Dehaene-Lambertz. 2004. Bases cérébrales de l’acquisition du langage : apport de la neuro-imagerie, Neuropsychiatrie de l’enfant et de l’adolescence.
  • Loisy Catherine. 2001. Psychologie cognitive.
  • Marie Louise Moreau et Marc Richelle. 1997. L’acquisition du langage, Pierre Mardaga editeur.
  • Site Carnets2psycho, Definition of Period, Publish date: Not available. Seeing Date: 29-03-2020. Link : https://carnets2psycho.net/dico/sens-de-periode.html

Site : Le Cerveau a tous les niveaux, Broca, Wernicke et les autres aires du langage, link: , Publish date: Not available. Seeing Date: 23-03-2020. https://lecerveau.mcgill.ca/flash/a/a_10/a_10_cr/a_10_cr_lan/a_10_cr_lan.html

 

 

@pour_citer_ce_document

هشام بلخير, «أثر الفترة الحرجة في اكتساب اللغة عند الطفل؛ مقاربة لسانية عصبية»

[En ligne] ,[#G_TITLE:#langue] ,[#G_TITLE:#langue]
Papier : ص ص 145-154,
Date Publication Sur Papier : 2021-06-30,
Date Pulication Electronique : 2021-06-30,
mis a jour le : 30/06/2021,
URL : https://revues.univ-setif2.dz:443/revue/index.php?id=8322.