تجربة الولاية الصوفية للمرأة في الغرب الإسلامي ما بين القرن 6و 7هجري/12و13 ميلادي-بين التنظير والواقع- Sufi sanctity experience of women in the Islamic West between of 6th and 7th century AH/ 12th and 13th CE - between theorizing and reality -
Plan du site au format XML


Archive: revues des lettres et sciences sociales


N°01 Avril 2004


N°02 Mai 2005


N°03 Novembre 2005


N°04 Juin 2006


N°05 Juin 2007


N°06 Janvier 2008


N°07 Juin 2008


N°08 Mai 2009


N°09 Octobre 2009


N°10 Décembre 2009


N°11 Juin 2010


N°12 Juillet 2010


N°13 Janvier 2011


N°14 Juin 2011


N°15 Juillet 2012


N°16 Décembre 2012


N°17 Septembre 2013


Revue des Lettres et Sciences Sociales


N°18 Juin 2014


N°19 Décembre 2014


N°20 Juin 2015


N°21 Décembre 2015


N°22 Juin 2016


N° 23 Décembre 2016


N° 24 Juin 2017


N° 25 Décembre 2017


N°26 Vol 15- 2018


N°27 Vol 15- 2018


N°28 Vol 15- 2018


N°01 Vol 16- 2019


N°02 Vol 16- 2019


N°03 Vol 16- 2019


N°04 Vol 16- 2019


N°01 VOL 17-2020


N:02 vol 17-2020


N:03 vol 17-2020


N°01 vol 18-2021


N°02 vol 18-2021


N°01 vol 19-2022


N°02 vol 19-2022


N°01 vol 20-2023


N°02 vol 20-2023


A propos

avancée

Archive PDF

N°01 vol 19-2022

تجربة الولاية الصوفية للمرأة في الغرب الإسلامي ما بين القرن 6و 7هجري/12و13 ميلادي-بين التنظير والواقع-

Sufi sanctity experience of women in the Islamic West between of 6th and 7th century AH/ 12th and 13th CE - between theorizing and reality -
ص ص 73-82
تاريخ الإرسال: 2020-06-16 تاريخ القبول: 2021-10-04

نادية بلمزيتي
  • resume:Ar
  • resume
  • Abstract
  • Auteurs
  • TEXTE INTEGRAL
  • Bibliographie

انتقل التصوف إلى الغرب الإسلامي وشهد تطورا ونضجا، فتحول من سلوك روحي إلى حركة فكرية وأخلاقية واجتماعية، وأسس الصوفي لعلاقات مع أفراد المجتمع منحته مكانة ونفوذا، وخلق حول شخصه تصورات واعتقادات كان لها تأثير اجتماعي بالغ على مختلف شرائح المجتمع، وفي مختلف ميادين الحياة حتى السياسية، غير أن المرأة الصوفية أو المرأة الولي حظيت بوضعية خاصة، سنحاول من خلال هذه الورقة البحثية التعرف عن قرب على حقيقة التجربة الولائية للمرأة في الغرب الإسلامي ما بين القرنين 6و7الهجري/12و13الميلادي.

الكلمات المفاتيح: الصورة، الولاية الصوفية، المرأة، حقل الأفكار، الذهنيات

 En arrivant Maghreb musulman, le soufisme a connu un développement substantiel et une importante maturité, lesquels le font évoluer d'un comportement spirituel en un mouvement intellectuel, moral et social. Les soufies ont noué des relations avec les membres de la société qui leur ont donnés un statut et une influence sociale. En plus, ils construisaient des représentations favorables sur leurs personnes, représentations qui ne sont pas sans un grand impact social sur divers segments de la société et dans divers domaines de la vie, même politique. Les femmes soufies ou la femme tutrice avait un statut spécial. À travers ce document de recherche, nous essaierons de mieux comprendre la réalité de l'expérience sainte des femmes en Maghreb Islamique entre les 6et 7AH / 12et 13après JC.

Mots-clés : L’image, Lasainteté soufi, La femme, Le champ des idées, Les mentalités

Sufism passed to the Islamic Maghreb by being a witness of development and maturity. Thus, transformed from a spiritual behavior into an intellectual, moral and social movement. The Sufis have built relationships with members of society and given them status and social influence. In addition, he created perceptions and beliefs about himself that had a great social impact on various segments of society and in various areas of life, even political. Sufi women or the holy woman had a special status. Through this research document, we will try to better understand the reality of the state experience of women holiness in the Islamic Maghreb between 6and 7AH / 12and 13AD.

Keywords:Image, Sufi sanctity, Woman, The field of ideas, Mentalities

Quelques mots à propos de :  نادية بلمزيتي

جامعة محمد بوضياف، المسيلة،nadia.belmeziti@univ-msila.dz

مقدمة

يعتبر موضوع التصوف من المواضيع الشائكة، التي يجد الباحث أثناء الخوض فيها اختلافات وخلافات، ابتداء من ضبط التعريف والمفهوم وانتهاءبتفاصيل حول طبيعته، وسنحاول فيما يلي التعرض للجانب التاريخي الاجتماعي للولاية الصوفية النسوية، وآلية تعاطي المجتمع معها بعيدا عن الجانب الفلسفي.

يطبع التصوف الفرد بالسلوك الكريم، ويعمل على إحياء الضمير والشعور بالمسؤولية ومحاسبة النفس ليركز اهتمامه على حياة أفراد المجتمع وبناء الخُلُقِ الاجتماعي، وهذا ما اضطلع به الصوفي الذي هدف إلى إحياء القيم الأخلاقية المثلى في المجتمع، والتي شكلت في الحقيقة الرابط بين الناس لتنمية العلاقات الاجتماعية السليمة التي تحقق عوامل الصفاء والمودة والإخاء.

أحدث التصوف حركة اجتماعية وفكرية بكل أبعادها وتداعياتها، شهدها المشرق الإسلامي ثم الغرب الإسلامي، وراح الفكر الصوفي يلقى القبول والإقبال من كل شرائح المجتمع حتى النساء خاصة في القرن السادس والسابع للهجرة/ الثاني عشر والثالث عشر للميلاد.

تتفرع علاقة المرأة بالتصوف في الغرب الإسلامي إلى قسم أول يتعلق بموضوع المؤنث في التصوف، ويقدم المرأة والأنثى كرمز له دلالاته الخاصة، وقسم ثان يتعلق بالمرأة كطرف وجزء من المنظومة الصوفية وفرد يتعاطى مع الفكر الصوفي اعتقادا وممارسة، مما يبعث على التساؤل عن واقع المرأة في ظل الحركة الصوفية للغرب الإسلامي في القرن السادس والسابع للهجرة/ الثاني عشر والثالث عشر للميلاد؟ وإلى أي مدى شكل هذا الواقع تحديا أمام نشاط وفعالية المرأة الصوفية أو تجربة الولاية النسوية؟ وما هي الصورة المتشكلة في المخيال الصوفي والجمعي عن المرأة الولي؟

تهدف الدراسة إلى التدقيق في حضور المرأة الولي في دائرة تصوف الغرب الإسلامي كذات وفرد فاعل ومنفعل، وكتمثل ورمز صوفي.

اهتم كثير الباحثين(بونابي، 2017) (دحماني، 2007) (درقام، 2016) بموضوع التصوف والمرأة، وقدموا التصوف كطوق نجاة سمح للمرأة بالتحرر من الظلم الاجتماعي ومن التغييب والتهميش دون الوقوف على حقيقة المرأة في المجتمع مع تقديم قراءة لوضعيتها خارج زمانها.

تكمن أهمية الدراسة في الوقوف على حقيقة وتصور المرأة في مجتمع الغرب الإسلامي القرن 6-7ه، وتحديد وضعيتها من التصوف كمفعول بها ومنظور إليها من الصوفي، ومن الخاصة والعامة ضمن وضعية المرأة الصوفية أو الولي.

1-مفهوم التصوف

أ-الدلالة اللغوية

 التصوف كمصطلح لغوي، لم يرد له ذكر لا في الكتاب، ولا في السنة (لفيف من المستشرقين، 1955، الصفحات 443-444)، غير أنهورد في قاموس اللغة مصطلح «صُوف» مفرد – والجمع أَصوَافٌ، وتَصَوف تنسك أو ادعاه وهو منسوب إلى الصوف الذي هو لباس العباد وذهب البعض إلى أن تَصَوَّفَ من باب تَفَعَّلَ إذ دخل في الفعل ( الزبيدي، 1987، الصفحات 38-42) ( الأدفوي، 1988، صفحة 34).

 وغلب على رأي العلماء نسبة التصوف إلى لبس الصوف( الكلاباذي، 2010، الصفحات 15-16) (الطوسي، 1960، صفحة 40) ( السهروردي، د.ت.ن، صفحة 326)(ابن الجوزي، 2002، صفحة 937) ( ابن خلدون، 2004، صفحة 504)، إلا أن القشيري (ت465ه/1073م) عارض هذا الطرح بحجة: «أنهم لم يختصوا بلبس الصوف»(القشيري، 1994، صفحة 440)، وذهب أبعد من ذلك وهو أن الكلمة مجرد لقب ليس لها اشتقاق لغوي؛ وأيده الهجويري (ت465ه/1073م) الذي رأى أن التصوف أسمى من أن ينسب لغويا إلى اسم بقوله:«...اشتقاق هذا الاسم لا يصح على مقتضى اللغة من أي معنى لأن هذا الاسم أعظم من أن يكون له جنس ليشتق منه»( الهجويري، 1974، صفحة 230).

تعددت واختلفت الاشتقاقات اللغــوية لمصطلح التصوف، بين من نسبه إلى صفاء النفس ( الكلاباذي، 2010، صفحة 15)  (الطوسي، 1960، صفحة 46) (القشيري، 1994، صفحة 440)، وبيـن من فضل نســــبته إلى أهل الصفة القاعدون فيمؤخرة مسجد رسول الله-صلى الله عليه وسلم-(الطوسي، 1960، صفحة 47) (القشيري، 1994، صفحة 440) ( السهروردي، د.ت.ن، الصفحات 331-333)  (ابن الجوزي، 2002، صفحة 199،930) ( الأدفوي، 1988، صفحة 39)، أو الكلمة اليونانية"Sophos" صوفيا(ابن الجوزي، 2002، صفحة 937) (كوربان، 1998، صفحة 282) ..

حصل استعمال كلمة التصوف وشاع في القرن الثاني والثالث للهجرة(القشيري، 1994، صفحة 34) ( السهروردي، د.ت.ن، صفحة 337) ( ابن خلدون، 2004، صفحة 504)، وغلبت التسمية فيقال رجل صوفي، وللجماعة صوفية، ومن يتوصل إلى ذلك أو المبتدئ متصوف، وللجماعة المتصوفة، وغلب أن الصوفية هم المجتهدون في طاعة الله ( الجيلاني، بيروت، صفحة 272) (القشيري، 1994، صفحة 2/440. 1/34).

ب-الدلالة الاصطلاحية

تباينت وتعددت تعاريف التصوف، وأحصاها السهروردي(ت563ه/1168م) في قوله:«وأقوال المشايخ في ماهية التصوف تزيد على ألف قول ويطول نقلها» ( السهروردي، د.ت.ن، صفحة 323)، ورصد القشيري أزيد من50تعريفا، من أهمها القول:« التصوف تصفية القلب عن موافــــقة البرية، ومفارقة الأخلاق الطبيعية، وإخماد الصفات البشرية، ومجانبة الدواعي النفسانية، ومنازلة الصفات الربانية، والتعلق بعلوم الحقيقة، وإتباع الرسول في الشريعة» (القشيري، 1994، الصفحات 441-440) ( السهروردي، د.ت.ن، صفحة 32).

 لا تفترق النظرة المشرقية للتصوف عن النظرة المغربية التي رأت أنه «العكوف على العبادة والانقطاع إلى الله سبحانه وتعالى والإعراض عن زخرف الدنيا وزينتها والزهد فيما يقبل عليه الجمهور من لذة ومال وجاه» ( ابن خلدون، 2004، صفحة 504)، واختصر ابن خلدون (ت808ه/1406م) تعريفه بالقول: «التصوف خلق» ( ابن خلدون ع.، 1996، صفحة 7،94).

يرجح بعض الباحثين( Coudsy, 2007, p. 21) توافق النظرة المشرقية والمغربية الى التصوف بالصفة النوعية لسلوكات الصوفية، دون أن نغفل المرجعية المشتركة وأمهات كتب التصوف المشرقية التي كان لها عميق الأثر في التأسيس لحركة التصوف المغربية، وأهمها مصنف "الإحياء" للغزالي(505ه /1112م) (الغزالي، 1996، صفحة 72،81)، الذي يعتبر مجمل التصوف، وأهم كتاب يعنى بجانب السلوك والأخلاق والمعاملة على أساس من الذوق الروحي.

نؤكد على أن التصوف المعني بالدراسة ليس التصوف الفردي الانعزالي الذي ينأى عن الحياة، بل هو ذلك التجاوب الفعال مع أوضاع خاصة وعامة المجتمع، والذي جعل من التجربة الصوفية تجربة اجتماعية أو مسألة تعنى بتاريخ الأفكار والذهنيات وأخلاقية السلوك في المجتمع.

2-التصوف والولاية الصوفية في الغرب الإسلامي

أ-التصوف في الغرب الإسلامي

تعددت الآراء حول نشأة التصوف مصدرا وزمـانا، فاتجه البعض صوب الطرح القائل أن أصوله تعود للديانات القديمة والفلسفة اليونانية(كوربان، 1998، صفحة 282)(أبو أصبع، 1978، صفحة 116)، في حين توجه البعض الأخر إلى إرجاعه إلى مصدر إسلامي خالص وربطه زمنيا بالكتاب والسنة والسلف الصالح (الطوسي، 1960، صفحة 42)، وإن كان ابن خلدون ( ابن خلدون ع.، 2004، صفحة 504) اعتبره علما حادثا في الملة.

يرجع الخلاف في تزمين ظهور التصوف إلى تداخل التصوف بالزهد ( البيلي، 1993، صفحة 5،23،90)، وإلى هدفهما المشترك في تهذيب النفس وتزكية الروح (الغزالي، 1996، صفحة 81) ( السهروردي، د.ت.ن، صفحة 217) (ابن الجوزي، 2002، صفحة 938)، إذ أن إتباع بعض المسلمين في صدر الإسلام سلوك الزهد  وكثرة العبادة والتقرب إلى الله، اعتبر المرجع التاريخي لظاهرة التصوف التي راحت تنشر وتزداد تشعبا وانتشارا .

تتحدث المصادر عن انتقال ظاهرة التصوف إلى الغرب الإسلامي، بداية من الأندلس التي وصل إليها في وقت مبكر، وتدرج من حركة زهد إلى تصوف مغرق في الفلسفة مشبع بالأفكار والاعتقادات (البختي، 2005، صفحة 10)، وانتهاء بالمغرب الذي ظهر به بمظهر فكر وسلوك وطاقة مؤثرة (البختي، 2005، صفحة 49،50)للإصلاح الديني-الأخلاقي الفردي ثم الجماعي، فلقي إقبال رجال نزلوا به إلى واقع العامة لغاية التقويم، وبالتالي تأسست منظومة صوفية متكاملة زمن الموحدين، أو منظومة رجال تصوف أقطابها أبو مدين(ت594ه/1198م)، وابن عربي (ت638/1240م)(التادلي، 1997، صفحة 319)(الغُبريني، 1979، الصفحات 22-32)وغيرهم.

يمكننا القول بأن التصوف في الغرب الإسلامي قد نضج فعلا بعد القرن 6هـ/12م،  غير أن انشغال  المصادر عن رصد كل رجال التصوف ونسائه حرمنا التعرف على القسم المؤنث من الصوفية، وهذا ما أشار إليه الغبريني في أنه:« حرم خلق كثير من أهل المائة السادسة من الذكر» (الغُبريني، 1979، صفحة 55)، ومع دعمه بقول صاحب مفاخر البربر:« وأما الأولياء والصلحاء والعباد والأتقياء والزهاد النساك الأصفياء فقد كان في البربر منهم ما يوفي على عدد الحصى والإحصاء... (مؤلف مجهول، 2005، صفحة 175)، نصل إلى أنه قد فاتنا ضبط منظومة رجال ونساء التصوف بالغرب الإسلامي خلال القرن6و7هـ /12و13م، لتغيب عنا بعض ممارساتهم وتأثيراتهم المجتمعية، وبالتالي انعكاسهم الذهني عند الخاصة والعامة.

ب-الولاية الصوفية

الولاية أصلها الموالاة؛ والولي-مفعول-من تولى الله أمره لقوله تعالى: «إِنَّ وَلِـِّۧيَ ٱللَّهُ ٱلَّذِي نَزَّلَ ٱلۡكِتَٰبَۖ وَهُوَ يَتَوَلَّى ٱلصَّٰلِحِينَ ١٩٦» الأعراف الآية 196، وقيل فعيل بمعنى فاعل وهو من تولى عبادة الله وطاعته على التوال (البادسي، 1993، صفحة 18) (العزفي، 1989، صفحة 66)، والولاية مصطلح حاول الصوفي ضبط مفهوم له دون الانفصال عن النص الديني، بأبعاد تتناسب وفكره لتدل على فضاء روحي مفتوح أمام الأنثى والذكر بحجة أن:" الله يتولى الرجل والمرأة بعلمه" ( ابن عربي، 1999، صفحة 414)، والتعريف لا يتضمن تمييزا جندريا (نوعيا) وبالتالي لا يلمح إلى إقصاء المرأة.

جمع ادموند دوتي المصطلحات المتعلقة بالولاية، وحمّل الولي معنى" القريب من الله"، وقدم كلمة "لالة" أو "لالاّ" كلفظ تشريف للمرأة (إدموند ، 2014، صفحة 55،56،61) في دائرة الصلاح والولاية بشمال افريقيا، إلى جانب ذلك يتكرر لفظ "السيدة" ( التّادلي، 2011)، الذي أطلق على المنوبية فهل تجسدت في المرأة ملامح الولاية؟

          3-علاقة المرأة بالتصوف في الغرب الإسلامي (6-7هـ)

عرف التصوف انطلاقته القوية في العهد الموحدي، بعد أن تم الإفراج عن كتب الغزالي التي حاصرتها السلطة المرابطية بالحضر والحرق ( المراكشي، 1963، صفحة 237)  (ابن القطان، 1990، صفحة 70،71)، فأعاد الموحدون الاعتبار خاصة لكتاب الإحياء كما شجعوا التصوف (المنوني، 1988، صفحة 133)، مما حرر رجاله ودفعهم نحو النشاط، فَعَلت بذلك مكانتهم بين أفراد المجتمع وامتلكوا سلطة شبه ندية للسلطة السياسية.

إذا دققنا في طبيعة علاقة المرأة بالتصوف، نجد شهادات عن اعتقاد نسوي بالتصوف كسلطة روحية غيبية، لنقول بحضور المرأة المريدة التي قدمت دعما ماديا، وأسهمت في نشر التصوف الشعبي، من خلال إشاعة الكرامات والحكايات ومواظبتها على زيارة الأولياء والتبرك وحضور حلقات الذكر الجماعية وتنشيط عنصري الغناء والرقص (بونابي، 2017، صفحة 459)، وهو ما يصور لنا المرأة (منفعلة وفاعلة) في الحقل الصوفي، حتى أن هناك من نبه إلى تبعات حضورها للمجالس الصوفية وحذر من اختلاطها بالرجال، وهناك من رأى (لدرع، 2010، الصفحات 93، 122-133) أن الممارسة الصوفية ولدت للمريدات عائلة بديلة عن العائلة الطبيعية بروابط تقدس العلاقة بالولي.

إن مسالة الحديث عن المرأة المتصوفة أو الصوفية تحت عنوان "التصوف النسائي في الغرب الإسلامي"، يوقفنا عند محطة طبيعة التحاقها وعلاقتها بالحقل الصوفي (وضع منفعل-وضع فاعل) من جهة، ثم علاقتها بالنص الصوفي من جهة ثانية.

خلال تتبع انضمام المرأة إلى دائرة التصوف نقف على نمط التحاق إرادي وآخر قصري (التادلي، 1997، صفحة 112،175،434)، دون أن تصلنا ردود فعل المرأة التي تدفع إلى التجرد، وبالتالي ففرضية أن دافع تصوفها هو محاولتها الثأر لنفسها، والتخلص من النظرة الدونية، وإعادة التوازن بين المرأة والرجل في المجتمع(النفاتي، 2015، الصفحات 144-145) (دحماني، 2007، صفحة 29) طرح سابق لأوانه، لأن المرأة لم تحدد موقعا لتؤكد دونيتها، لذلك لن نعمد إلى مقارنة الممارسة الرجالية والنسائية للتصوف للقول بظلم المرأة فالسيطرة محسومة للرجل (الغراب، شرح رسالة روح القدس في محاسبة النفس ، 1985، صفحة 85) (بونابي، ظاهرة التصوف النسائي في المغرب الأوسط خلال العصر الوسيط، 2010، صفحة 56)، بل فضلت التركيز على تحليل وضعية المرأة داخل الدائرة الصوفية.       

   تضمنت علاقة المرأة بالنص الصوفي مستوى أول تعاطى مع المرأة من أسس واقعية وعبر عنها حقيقة وهو ما صنفه البعض(بونابي، ظاهرة التصوف النسائي في المغرب الأوسط خلال العصر الوسيط، 2010، الصفحات 58-59) ضمن أشكال الممارسة الصوفية النسوية التي بلغت فيها المرأة مقامات عرفانية لتكون العابدة، والزاهدة، والصالحة (درقام، 2016، صفحة 158)، أما المستوى الثاني فوظف أنوثة المرأة ليحلق بجسدها وصورتها إلى الغيب والخيال ويحمّلها أوجها عديدة هي موضع اللاحق من الدراسة.

لا يمكن تحديد ملامح التجربة الصوفية النسوية إلا بعد استجماع تفاصيل كثيرة حول المرأة والاعتقاد بالتصوف، وتتبع تموقع المرأةفي سياقه، ونظرتها إلى ذاتها ونظرة المجتمع إليها، فحتى وان كانت الساحة الصوفية المغربية والأندلسية لم تعرف امرأة بمستوى التأثير والتنظير الروحي لرابعة العدوية فقد عرفت نساء أسسن لفكر ونهج صوفي على غرار فاطمة الأندلسية والسيدة المنوبية.

حكت مدونة التصوف الغرب الإسلامي عن واقع المرأة باختصار تجاوز بعض حضورها، خضوعا للدين ومراعاة لخصوصية المجتمع (البادسي، 1993، صفحة 150) (لدرع، 2010، صفحة 81)، فأطلت باحتشام مشاركة في حركية المجتمع متفاعلة مع الولاية والولي الذي ربطت به علاقات اجتماعية مستغلة وضع الضعف الأنثوي والانكسار الاجتماعي ليكون سندها المعنوي والمادي، وحققت ثنائية (الولي والمرأة) واقعا بل وصنعت ثنائية الرجل الولي مقابل المرأة الولي، وافتكت هامش من التراجم والمناقب النسوية مؤكدة حضورها المركزي في النهج الصوفي.

علاقة المرأة بالمدونة الصوفية في الغرب الإسلامي(القرن 6-7هـ)

 توسع التصوف كتجربة روحية وفكرية ليخلف أثرا تدوينيا هاما امتزج بالتفسير والشعر..، غير أنه لم يصل إلينا مصنف صوفي بقلم نسائي لتعلن المرأة امتناعها عن التدوين وتحرمنا لمستها وثقافتها، وتحرمنا التعرف على قدرتها في ضبط الحادثة وحمايتها من أي مؤثر خارجي، وتغيب عن التأثير في الفكر والأدب الصوفي وتكتفي كتب التراجم بالإشارة إلى تعبيرها ( ابن عبد الملك، 2012، صفحة 5/407،418)عن الورع والزهد عبر كتب أدعية ووعظ أو نسخها لأمهات كتب التصوف.

أجرينا جردا (التادلي، 1997، صفحة 134،137،150،161،212،443) ( الدباغ، 2015، صفحة 65،69،76،116) من خلال أهم كتب المناقب في مجال وزمن الدراسة، وأظهر قبول المجتمع للمرأة كصانع للرواية المنقبية وناقل للخبر مشافهة، حيث يتسلمه الرجل بقداسة توازي قداسة المادة التي يعالجها، فقدمت المرأة خدمة تخزين الحوادث في الذاكرة، ثمّ نقلها إلى التدوين كشاهد عيان وناقل مباشر قلل من نسبة ضياع الخبر وانحراف الرواية عن سياقها وحقيقتها.

من تحليل ما سبق تظهر المرأة معروفة حينا ومجهولة أحيانا، ويختلف موقعها من الولي بين الزوجة والأخت والعمة... وأحيانا تكفي عبارة:" أخبرتني امرأة" للأخذ عنها رغم الحرص على الثقات ( الدباغ، 2015، صفحة 163) (الهواري، 2004، الصفحات 59-60)، ما يجعلنا نشارك في الحكم بنظرة التصديق والتقدير للمرأة في محيط الولي (لدرع، 2010، صفحة 81)، بل وننفي ذهنية التشكيك والحذر التي تحاصر كل ما يصدر عنها وتطعن في كل ما هو أنثوي.

4-صورة المرأة الولي

  • صورة نظرية

الولاية الصوفية فضاء روحي مفتوح أمام الأنثى والذكر ( ابن عربي، 1999، صفحة 1/414)، ما يعني قبول ولاية المرأة، التي صارت عارفة سالكة سبيل الكشف مرتقية مقامات ومراتب الصوفية وصولا إلى القطبية ( ابن عربي، 1999، صفحة 5/132) (خميسي، 2010، الصفحات 207-208)، ومن مبررات ذلك قدرتها على بلوغ درجة الإنسان ثم الكمال ليقول ابن عربي (خميسي، 2010، صفحة 208) أن العرفان لا ينحصر في الرجل، والمرأة أكثر جدارة منه وهي سبيل العرفان وان المقامات الصوفية ليست مخصوصة بجنس وإن كانت الغلبة تذكر بالرجال تعاطى ابن عربي مع الولاية كفضاء مشترك حقيقة بموجب الإنسانية.

لم يتوقف ابن عربي عند التنظير لكلامه، بل قدم تولية نسائية استجمعها في تجربته وشخص معلمته فاطمة بنت المثنى ( ابن عربي، 1999، صفحة 1/414)، والتي تميزت كمفكر صوفي وتأكدت ولايتها قولا وظهرت كراماتها لتعلن عن سلطتها التي تتجاوز السلطة البيولوجية، هذه المعرفة الصوفية أهلتها للإعلان عن مقامها والكشف عن جانب منه أمام المجتمع وأهلتها لتعليم علم الحروف لابن عربي مؤكدة على أهمية هذا العلم لرجال التصوف ( ابن عربي، 1999، صفحة 2/359) (بوبريك، 2010، صفحة 118).

نفس الوضع جسدته المرأة الولي التي حاولت من جهة التستر على معالم وملامح الولاية، ومن جهة ثانية حاولت إثبات ذاتها، وأعلنت السيدة المنوبية بأقوالها الصوفية ( التّادلي، 2011، صفحة 116،117،123)  عن ثورة روحية وفكرية لتصرح أنها أخذت علمها من الحضرة الإلهية واستخدمت" أنا" لتغير مدلول الولاية النسائية.

قدم الفكر الصوفي الأم البيولوجية حافظة الوجود الإنساني وحملها بمعاني التقدير والبر (الغراب، شرح رسالة روح القدس في محاسبة النفس ، 1985، صفحة 92،111،116)، وصنع صورة أمومة من نوع آخر هي الأم الروحية في شكل تجربة عاشها ابن عربي في الأندلس مع شيخته فاطمة الأندلسية، وهو ما اعتبره بعض الباحثين (بوبريك، 2010، صفحة 120) أسلوبا في تلقين عالم الصلاح مغلفا بمعاني العطف والحنان، بما يقابله عند الذكور "الأخوة" التي يستعمل فيها الشيخ السلطة الذكورية المتعالية والخشنة.

   يحاول ابن عربي تبرير ولاية المرأة أمام الفقهاء، مؤكدا أن هذه التولية تولية ربانية لا تولية بشرية، وبالتالي غير خاضعة لنظرة أهل الحديث والفقه ولا لمعنى حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم- في قوله:” لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة" (البخاري، 1998، صفحة 838،1356)، كما بين أن الرجل فضل على المرأة بدرجة البعثة والرسالة ( ابن عربي، 1999، صفحة 5/131)، وظلت الولاية مفتوحة أمام الجميع، ما يوحي بأن الصوفي رأى في المرأة إنسانا مؤهلا روحيا ومعرفيا ليسلك طريق التصوف بمجاهداته ورياضاته ويتقلب في أحواله ويرتقي في مراتبه مما جعل صورة المرأة إيجابية، نفس الحكم بقدرة المرأة ومميزتها حكم به ابن عريف (536ه/1141م) (ابن عريف، 1993، صفحة 141) في حديثه عن أحوال الصوفية ورغبته في تحصيل الكمال، حيث اعترف بقدرة المرأة وعلاقتها بالحضرة الإلهية وهي التي قدمت له كرجل درسا عمليا، مما يعني شهادة تضاف إلى شهادات ابن عربي حول كفاءة معلماته وتميزهن في حقل الولاية.

ينبعث من تعليق ابن عربي على مظهر أمه الروحية التي كان يستحي النظر إلى وجهها من عظيم تورد وجنتيها وهي في عمر التسعين(الغراب، شرح رسالة روح القدس في محاسبة النفس ، 1985، صفحة 132) تصور ذهني لا يفصلها عن أنوثتها التي تلاحقها في ذهنيته وذهنية مجتمعه لتحظى المرأة الولي بتدقيق في معالم أنوثتها التي من المفروض أنها زالت مع تصوفها.

أنكر ابن عربي درجة التراتبية، ولم يفوت الإشارة إلى أنوثة الرجال (ابن عربي، الوصايا، 1988، صفحة 14) فالرجل في مجال ما هو أنثى من حيث إبداعه وانفعاله، وضبط لفظ الرجل أو الرجولية بقوله كمال سلوكي روحي يتحقق فيمن جاهد هواه النفساني فاهتدى بنور عقله الرباني سواء كان ذكرا أو أنثى ( ابن عربي، الفتوحات المكّيّة في معرفة الأسرار المالكيّة والمُلكيّة، 1999، صفحة 2/588) (خميسي، 2010، صفحة 212)، لكنه انتقل إلى تحديد معالم الاختلاف بين الرجل والمرأة في عديد المسائل كالطهارة والحج ...وقدم تأويلات تتناسب وتوجهاته الفكرية وهي أن المرأة وإن كنت جزءا من الرجل( ابن عربي، الفتوحات المكّيّة في معرفة الأسرار المالكيّة والمُلكيّة، 1999، صفحة 5/130) (ابن عربي، شرح فصوص الحكم، 1985، صفحة 215) واجتمعا في الإنسانية تميزا بأمر عارض لهما وهو الذكورية للرجل والأنوثة للمرأة ( ابن عربي، رسائل ابن عربي-القطب والنقباء وعقلة المستوفز، د.س.ن، صفحة 75)، مما يفتح مجال الاختلاف كتحريم المخيط على الرجل في الإحرام ولم يحرم على المرأة واختصاص الرجال بالتسبيح والنساء بالتصفيق لكون كلام المرأة يثير الشهوة بالطبع، ما يعني أمور يختص بها الرجال وأمور للنساء لعلة شرعية حكيمة أو لسبب معقول في كثير أحيان (خميسي، 2010، صفحة 209).

من أبرز معالم ولاية المرأة الكرامة وهي مما ثبت لها، إضافة إلى خرقة التصوف التي يؤكد ابن عربي من خلالها دخول المرأة في تسلسل الطريق الصوفي، ويشير إلى المساواة بين النساء إذ لا فرق بين الحرة والجارية في بلوغ مقامات التصوف وهو في ديوانه يشيد بمن ألبسهن الخرقة (ابن عربي، ديوان ابن عربي، 1996، الصفحات 54،57-58).

معالجة ولاية المرأة يضعنا في مواجهة مباشرة مع مسألة الجسد والتي عالجها عبد الرحيم العطري بين القدسية والسياسة، فوضح معطيات بناء الجسد الأوليائي في ظل السياق الاجتماعي والسياسي بداية من الصراع على أنماط التدين والكلام باسم الله إلى علاقة الولاية بالسلطة والمجتمع وصولا إلى دور الأزمات في التقديم للولاية (العطري، 2018)، وعليه يبدو الجسد الأوليائي في الغرب الإسلامي نظريا مستقلا عن الهوية الجنسية والنوع البيولوجي مؤهلا للكلام باسم الله مهيئا للتعاطي مع المجتمع.

بلغ التصور الصوفي مداه بالقول بولاية وقطبية المرأة، لتُحصل بموجبها أهلية تملك الكون وخلافة الله (خميسي، 2010، صفحة 211)، لتوحي صورة المرأة الولي بالتحول من طور المشروع الفردي إلى طور التأسيس والشيوع الاجتماعي (التايب، 2000، صفحة 40)، مما يكسبها رسوما تخيلية وصور تكاد تكون مطابقة للولي الذكر فلا تفصح عن ملامح المرأة الولي بقدر ما تحمل تصورات حول قدرتها وهيبتها وإمكانياتها في المساعدة والتخوف من غضبها، دون أن ننكر شهادات تشكك في الولي (الغراب، شرح رسالة روح القدس في محاسبة النفس ، 1985، صفحة 126) والتي تمثل  شظايا رد المجتمع على الولاية الصوفية عامة حيث تبدوا في مراحل منها على أنها ذهاب للعقل وغياب للحلم.

يسعنا القول أن الولاية في المخيال الصوفي ظاهرة مشتركة الدلالات يتداخل فيها المؤنث بالمذكر داخل النظام الرمزي المتعالي لكونها مستمدة أساسا من الرصيد الديني والرمزي المشترك، ويظل الطرح القائل بخنق الحرية الاجتماعية وتضييق الخناق الفقهي على المرأة والوصاية عليها عبر تزكية الولي (بونابي، ظاهرة التصوف النسائي في المغرب الأوسط خلال العصر الوسيط، 2010، صفحة 57) الرجل حكما مؤجلا نتبعه عمليا من خلال المناقب.

  • صورة عملية-واقعية

يجمع التادلي النساء مع الرجال تحت عنوان "تراجم الأولياء" ليعلن قبول ولاية المرأة خاصة وأنه يرى: "فافعل كفعلهم تقرب كقربهم" وبقوله:" قصد الصالحين من عباد الله وإمائه"(التادلي، 1997، صفحة 76، 83، 450) يُثَبّت طرحه في ظل سكوت كتب مناقب أخرى؛ وإن كان هذا الاعتراف لا يعني إضافة التاء لكلمة "ولي" خاصة وأن معالم ذكورة حقل التصوف في مؤلفه طاغية واقعا.

تجاوزت المرأة الحضور في الهامش إلى المركز ( التّادلي، 2011) (التادلي، 1997، صفحة 316)، في خطوة عنونها البعض (دحماني، 2007، صفحة 03) بمشروع إنصاف العناصر المهمشة، ما سمح لها بإثبات حضورها الفاعل، ضمن اعتراف صريح بها في فضاء التصوف وحصّلت المرأة الولاية دون اعتبار السن أو الوضعية الاجتماعية (التادلي، 1997، الصفحات 265-266،237،387،316،416) فكانت منهن الشابة والكهلة والعجوز والعازبة والحرة والأمة في البيئة الحضرية أو البادية (قطان، 1998، الصفحات 130-131)، وتمكنت نساء الغرب الإسلامي من الولاية ووصفن بالأفراد (التادلي، 1997، الصفحات 316، 265-266،388،387)،وظهرت كرامتهن (التادلي، 1997، صفحة 316)،وكسرن ( التّادلي، 2011، صفحة 127) ذكورية الولاية فقاسمن الرجل الولي التعليم وعلائم الزهد والصلاح وحفظ القرآن والانقطاع والتبتل ورفض الزواج، وممارسة الحرف ودعم للفقراء...

من جهة ثانية، مثلت المرأة الولي المجهول الذي يتدخل الولي الذكر والكرامة لإعلاء شأنها (التادلي، 1997، صفحة 94، 237، 385)  ( التّادلي، 2011، صفحة 147، 149) في مجتمع غافل عن دورها وفضلها، وبين ستر الولاية وستر المرأة تلاشت صورة المرأة الولي عامة وغاب اسم نساء كثيرات (التادلي، 1997، صفحة 265) في حقل الولاية بعد أن حققن الانضمام ليتجردن من مشروعية الظهور(لدرع، 2010، صفحة 97).

لا تعكس المناقب صورة مشرقة للمرأة الولي، ولا تقدمها على أنها الشخصية المقدسة أو المؤسسة الاجتماعية الأشد خصوصية في الحياة الدينية على حد تعبير أرنست غلنر ( الجيوسي، 1999، صفحة 1/366)   Ernest Glnerفغير بعيد عن تغييب الاسم والذات في الغرب الإسلامي (التادلي، 1997، صفحة 316) تتعرض للمضايقات التي تضعها محل تهمة ليطعن في شرفها ويشكك في صحة عقلها في أكثر من موقف (التادلي، 1997، صفحة 317) ( التّادلي، 2011، صفحة 124،157) (الغراب، شرح رسالة روح القدس في محاسبة النفس ، 1985، صفحة 132).

لم تشفع مكانة عائشة المنوبية لها من أن يدقق المجتمع في نوعها الاجتماعي هويتها الجنسية، وحاصر المرأة الولي تلميحات تصف جمالها الأنثوي أكثر من مرة (التادلي، 1997، صفحة 237) ( ابن عربي، الفتوحات المكّيّة في معرفة الأسرار المالكيّة والمُلكيّة، 1999، صفحة 3/502،113،123،124)، ما يعني ان الاعتراف الفعلي بالمرأة الولي لم يتحقق ولم تلغ محددات منع الاختلاط وطفت الفروق الجسدية أو ما يسمى "الاختلاف الجنسي" ( العامري، 2006، صفحة 318) (بوبريك، 2010، صفحة 14) .

في المحصلة حظيت المرأة بالولاية بتحفظ (التادلي، 1997، صفحة 112)، وظهور كراماتهاولبسها خرقة التصوف ودخولها سلسلة المشيخة (ابن القاضي، 1973، صفحة 2/434،522)  ( التّادلي، 2011، الصفحات 125-126) وحتى تحولها إلى مزار (التادلي، 1997، صفحة 94)، لم يحررها من وصاية الرجل لترتبط الصالحة مريم بالشيخ أبي يوسف رغم الشهادات التي أعلت شأنها (الدباغ، معالم الإيمان في معرفة أهل القيروان، 1968، صفحة 3/223) لتحصد المرأة بتزكية الولي شهادة قبول، وبالعكس في حالة إنكاره لسلوكاتها مما ينتج عنه إقصاءها والحط من قيمتها.

تعددت دلالات الظاهرة الولائية في المخيال الاجتماعي (التايب، 2000، صفحة 41)، ليتداخل فيها الآني بالأبدي والمقدس بالدنيوي والغريب بالمألوف والفردي بالجمعي، ولبت المرأة الولي ضمن هذه المعادلة الاجتماعية والرمزية حاجيات الناس الاجتماعية والدنيوية، لكنها بقيت على عتبة النظام الرمزي (المقدس)، وتعظيم مريم لشيخها ( الدباغ، الأسرار الجلية في المناقب الدهمانية، 2015، صفحة 71) رغم مقامها يكشف لنا عن ذهنية المرأة وتصورها لذاتها الأنثوية في مرتبة أقل من مرتبة الرجل الولي، حتى أنكر هو نفسه عليها ذلك، هذه الذهنية أثرت وحطت من مكانة المرأة الولي وإن كانت المناقب لا تقدم المرأة الولي بصورة الأنموذج القيمي لنساء المجتمع.

لا تشير المناقب إلى إقصاء المرأة-الولي لاعتبارات فقهية نظير تطلعها للسلطة السياسية، غير أننا نستطيع الحكم بمحاصرة الدين لحراكها الاجتماعي وممارستها الصوفية، وتحالفه مع ذهنية المجتمع لتسييج مجالها ووضعها في خانة المجنونة أو الشيطانة ( التّادلي، 2011، صفحة 112،152،164)، في حين استطاع الولي–الذكر تجاوز العلاقات الاجتماعية وإلغاء التصورات الذهنية وإخضاع العقليات في التعامل مع المرأة دون رد فعل مجتمعي أو سلطوي عدا تحفظ الفقهاء على أبي يعزى(قطان، 1998، صفحة 132) في لمسه جسد المرأة حال علاجها.

خاتمـة

عاش في الغرب الإسلامي خلال عصري المرابطين والموحدين الكثير من الصالحين، الذين اتخذوا التصوف منهجا لحياتهم، وتجمع حولهم أتباع ومريدون ينهلون من علمهم والتفت العامة بهم تعظمهم وتقدسهم، وكانت الملامح البارزة لهذا التصوف هي الزهد ومجاهدة النفس والإكثار من العبادة والأذكار.

يتضح أن الحركة الصوفية شكلت مؤثرا قويا على تطور التاريخ الاجتماعي للغرب الإسلامي، ويبدو الفكر الصوفي متقبلا لولاية المرأة ولا يمانعوصولها إلى القطبية نظريا وهذا لا ينفصل عن اعتباره المرأة والمؤنث ككل رمزا للجمال والصفات الإلهية، وأعلن تنكره لنظرة الفقهاء وفهمهم للنص الديني حول قضايا المرأة.

أسس التصوف في الغرب الإسلامي ما بين القرنين 6و7الهجري/12و13الميلادي لوعي جديد وذهنية جديدة في التعاطي مع الأنوثة، وبالتالي المرأة، محاولا تجاوز التصورات المجتمعية والفقهية وقدم الصوفي المرأة عبر صور نخبوية لم تشارك العامة في رسمها فتعاطت معها بذهنية فقهية راح الصوفي يتتبعها بالتقويم والتوضيح، وأهم تصوير وتمثُّل حظيت به المرأة هو صورة الإنسان وهي صورة استثنائية فيالمدونة الصوفية، تعكس اعتراف بقيمة ومكانة المرأة إلى جانب الرجل وجرأة وانفتاح في معالجة قضايا المجتمع.

جسدت المنوبية وفاطمة الأندلسية تجارب عملية للولاية النسوية التي تجاوزت الجسد الأنثوي والذات الأنثوية، غير أن قبول النخبة الصوفية لهم، واعتقاد عامة المجتمع في المرأة الولي، لم يغير من تصور الأنثى في مجتمع الغرب الإسلامي، التي مثلت الشرف وارتبطت بالستر والوظائف الأسرية والابتعاد عن الفضاء العام والاختلاط بالرجال.

إن الوقوف على ظاهرة الولاية العملية للمرأة من خلال مدونة التراجم الصوفية أو المناقب، يؤكد على التحفظ العملي على حضورها وأدوارها ويتجاوز الأحكام النظرية التي تبناها ابن عربي.

جرى إحاطة الصوفي(الذكر-الأنثى) بهالة من الشموخ، وبولغ في الإعلاء من شأنه لكنه فرد له ظروفه النفسية والأسرية والاجتماعية التي أسهمت في التضييق من أفقه، وشكلت في جوانبها السلبية عقبة أمام نشاطه ودوره في حياة المجتمع.

في الأخير لا تنفصل نظرة خاصة الصوفية وعامة المجتمع إلى المرأة الولي عن نظرتهم إلى المرأة ككل، وهو أفق بحث يسمح بتحقيق تقارب وافتراق يوضح حقيقة المرأة وعلاقتها بالتصوف والمجتمع.

1- أبو نصر السراج الطوسي. (1960). اللمع. مصر وبغداد: دار الكتب الحديثة ومكتبة المثنى.

2- أبو العباس احمد ابن القاضي. (1973). جذوة الاقتباس في ذكر من حل من الاعلام مدينة فاس (المجلد 02). الرباط: دار المنصور للطباعة والورقة.

3- أبو العباس أحمد ابن عريف. (1993). مفتاح السعادة وتحقيق طريق السعادة (الإصدار 01). بيروت: دار الغرب الإسلامي.

4- أبو العباس أحمد العزفي. (1989). دعامة اليقين في زعامة المتقين-مناقب الشيخ ابي يعزى-. الرباط: مكتبة المعارف الجديدة.

5- أبو القاسم هوازن القشيري. (1994). الرسالة القشيرية في علم التصوف (المجلد 02). القاهرة: دار المعارف.

6- أبو محمد حسن ابن القطان. (1990). نظم الجمان لترتيب ما سلف من اخبار الزمان (الإصدار 02). بيروت: دار الغرب الإسلامي.

7- أحمد الغُبريني. (1979). عنوان الدّراية فيمن عرف من العلماء في المائة السّابعة ببجاية (الإصدار 02). بيروت: دار الفاق الجديدة.

8- أحمد المغربي التّادلي. (2011). مناقب السيدة عائشة المنوبيّة (الإصدار 01). تونس: منشورات كارم الشريف.

9- الطاهر بونابي. (2017). عصر المتصوفة بالمغرب الأوسط- دراسة في الحركة الصوفية خلال العصر الوسيط. جامعة المسيلة: سلسلة الكتب الأكاديمية لكلية العلوم الإنسانية والاجتماعية.

10- الطاهر بونابي. (2010). ظاهرة التصوف النسائي في المغرب الأوسط خلال العصر الوسيط. كتاب المرأة والخطاب الصوفي. الجزائر: دار بهاء الدين للنشر.

11- آمال لدرع. (2010). التعتيم المنقبي على تجربة التصوف النسوي في المغرب الإسلامي. كتاب المرأة والخطاب الصوفي.

12- جمال البختي. (2005). الحضور الصوفي في الأندلس والمغرب إلى حدود القرن السابع الهجري (الإصدار 01). القاهرة: مكتبة الثقافة الدينية.

13- دوتي إدموند . (2014). الصلحاء. المغرب: أفريقيا الشرق.

14- رحال بوبريك. (2010). بركة النساء-الدين بصيغة المؤنث. المغرب: مطبعة أفريقيا الشرق، .

15- رشيد قطان. (1998). المرأة المغربية في أدب المناقب. مجلة أمل، 13-14.

16- ساعد خميسي. (2010). ابن العربي المسافر العائد (الإصدار 01). الجزائر: منشورات الاختلاف.

17- سلامة نللي العامري. (2006). الولاية والمجتمع-مساهمة في التاريخ الاجتماعي والديني لإفريقية في العهد الحفصي- (الإصدار 02). تونس-منوبة: منشورات كلية الآداب والفنون والإنسانيات.

18- سلمى الخضراء الجيوسي. (1999). الحضارة العربية الإسلامية في الأندلس، ج1، ط2، (الإصدار 02، المجلد 01). بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية.

19- سهام دحماني. (2007). المرأة والتصوف في المغرب الإسلامي من القرن 6هإلى القرن 9ه/12-15م،مذكرة مقدمة لنيل شهادة الماجستير في التاريخ الاجتماع للمغرب في العصر الوسيط. جامعة منتوري قسنطينة.

20- عادل النفاتي. (2015). المجتمع والجغرافية الثقافية لبلاد المغارب-حفريات في أدب الرحلة القرن 16م في الهوية والتدين والثقافة. المغرب: أفريقيا الشرق.

21- عبد الحق البادسي. (1993). المقصد الشريف والمنزع اللطيف في التعريف بصلحاء الريف (الإصدار 02). الرباط: المطبعة الملكية.

22- عبد الرحمان ابن خلدون. (2004). المقدمة (الإصدار 01). بيروت: دار الفكر.

23- عبد الرحمن ابن خلدون. (1996). شفاء السائل لتهذيب المسائل (الإصدار 01). دمشق: دار الفكر.

24- عبد الرحمان الدباغ. (2015). الأسرار الجلية في المناقب الدهمانية (الإصدار 01). تونس: مطابع إيريس.

25- عبد الرحمان الدباغ. (1968). معالم الإيمان في معرفة أهل القيروان (الإصدار 02، المجلد 01). مصر: مكتبة الخانجي.

26- عبد الرحمن ابن الجوزي. (2002). تلبيس إبليس (الإصدار 01). الرياض: دار الوطن.

27- عبد الرحيم العطري. (29أيار, 2018). مسألة الجسد الأوليائي. تم الاسترداد من مؤسسة مؤمنون بلا حدود: https://www.mominoun.com/tags/2692?page=6

28- عبد القادر الجيلاني. (بيروت). الغنية لطالبي طريق الحق عز وجلّ-في الأخلاق والتصوف والآداب الإسلامية (الإصدار 01، المجلد 02). 1997: دار الكتب العلمية.

29- عبد القاهر السهروردي. (د.ت.ن). عوارف المعارف-مدمج مع إحياء علوم الدين (المجلد 01). سمارغ: كرياطة فوتر.

30- عبد الواحد المراكشي. (1963). المعجب في تلخيص أخبار المغرب. القاهرة: لجنة إحياء التراث الإسلامي.

31- علي الهجويري. (1974). كشف المحجوب. مصر: مطابع الأهرام.

32- علي الهواري. (2004). مناقب أبي سعيد الباجي (الإصدار 01). تونس: الشركة التونسية للنشر وتنمية فنون الرسم.

33- عمر أبو أصبع. (1978). موقف الإسلام من التصوف. العراق: معهد الدراسات الاسلامية.

34- كمال الدين الأدفوي. (1988). الموفي بمعرفة التصوف والصوفي (الإصدار 01). الكويت: مكتبة دار العروبة .

35- لفيف من المستشرقين. (1955). المعجم المفهرس لألفاظ الحديث النبوي (المجلد 03). ليدن: مطبعة بريل.

36- محمّد ابن عبد الملك. (2012). الذّيل والتّكملة لكتابي الموصول والصّلة (الإصدار 01). تونس: دار الغرب الاسلامي.

37- محمّد ابن عربي. (1999). الفتوحات المكّيّة في معرفة الأسرار المالكيّة والمُلكيّة (الإصدار 01). بيروت: دار الكتب العلمية.

38- محمّد ابن عربي. (د.س.ن). رسائل ابن عربي-القطب والنقباء وعقلة المستوفز. د.م.ن: مؤسسة الانتشار العربي.

39- محمد الغزالي. (1996). إحياء علوم الدين (الإصدار 01، المجلد 03). القاهرة: مكتبة الإيمان.

40- محمد المنوني. (1988). إحياء علوم الدين في منظور الغرب الإسلامي أيام المرابطين والموحدين. ندوة أبو حامد الغزالي: دراسات في فكره وعصره وتأثيره. المغرب: مطبعة المحمدية.

41- محمّد ابن عربي. (1985). شرح فصوص الحكم. سوريا: مطبعة زيد بن ثابت.

42- محمّد ابن عربي. (1988). الوصايا (الإصدار 02). بيروت: دار الايمان.

43- محمّد ابن عربي. (1996). ديوان ابن عربي (الإصدار 01). بيروت: الكتب العلمية.

44- محمد البخاري. (1998). صحيح البخاري. الرياض: بيت الأفكار.

45- محمد بركات البيلي. (1993). الزهاد والمتصوفة في بلاد المغرب والأندلس حتى القرن الخامس الهجري. القاهرة: دار النهضة العربية.

46- محمد بن اسحاق الكلاباذي. (2010). التعرف لمذهب أهل التصوف (الإصدار 01). بغداد: دار الوراق.

47- محمد مرتضى الزبيدي. (1987). تاج العروس من جواهر القاموس (المجلد 24). الكويت: مطبعة حكومة الكويت.

48- محمود الغراب. (1985). شرح رسالة روح القدس في محاسبة النفس (الإصدار 02). سوريا: مطبعة نضر.

49- منصف التايب. (2000). الصوفية وأهل الطرق في المخيال الاجتماعي-البلاد التونسية في الفترة الحديثة-. مجلة الحياة الثقافية، 112.

50- مؤلف مجهول. (2005). مفاخر البربر (الإصدار 01). الرباط: دار أبي الرقراق للطباعة والنشر.

51- نادية درقام. (2016). المرأة في رحاب التصوف-التصوف النسوي المغاربي. المرأة في الغرب الإسلامي.

52- هنري كوربان. (1998). تاريخ الفلسفة الإسلامية (الإصدار 02). بيروت: عويدات للنشر والطباعة.

53- يوسف التادلي. (1997). التشوف إلى رجال التصوف (الإصدار 02). الدار البيضاء: مطبعة النجاح الجديدة.

 54- Coudsy, A. (2007). La voi Soufie Mystique de l’Islam (Vol. N°223). Revue Rose-Croix.

@pour_citer_ce_document

نادية بلمزيتي, «تجربة الولاية الصوفية للمرأة في الغرب الإسلامي ما بين القرن 6و 7هجري/12و13 ميلادي-بين التنظير والواقع- »

[En ligne] ,[#G_TITLE:#langue] ,[#G_TITLE:#langue]
Papier : ص ص 73-82,
Date Publication Sur Papier : 2022-04-27,
Date Pulication Electronique : 2022-04-27,
mis a jour le : 29/04/2022,
URL : https://revues.univ-setif2.dz:443/revue/index.php?id=8498.