الحداثة السياسية: من التأسيس للعنف إلى تفكيك مفارقاته
Plan du site au format XML


Archive: revues des lettres et sciences sociales


N°01 Avril 2004


N°02 Mai 2005


N°03 Novembre 2005


N°04 Juin 2006


N°05 Juin 2007


N°06 Janvier 2008


N°07 Juin 2008


N°08 Mai 2009


N°09 Octobre 2009


N°10 Décembre 2009


N°11 Juin 2010


N°12 Juillet 2010


N°13 Janvier 2011


N°14 Juin 2011


N°15 Juillet 2012


N°16 Décembre 2012


N°17 Septembre 2013


Revue des Lettres et Sciences Sociales


N°18 Juin 2014


N°19 Décembre 2014


N°20 Juin 2015


N°21 Décembre 2015


N°22 Juin 2016


N° 23 Décembre 2016


N° 24 Juin 2017


N° 25 Décembre 2017


N°26 Vol 15- 2018


N°27 Vol 15- 2018


N°28 Vol 15- 2018


N°01 Vol 16- 2019


N°02 Vol 16- 2019


N°03 Vol 16- 2019


N°04 Vol 16- 2019


N°01 VOL 17-2020


N:02 vol 17-2020


N:03 vol 17-2020


N°01 vol 18-2021


N°02 vol 18-2021


N°01 vol 19-2022


N°02 vol 19-2022


N°01 vol 20-2023


N°02 vol 20-2023


A propos

avancée

Archive PDF

N° 23 Décembre 2016

الحداثة السياسية: من التأسيس للعنف إلى تفكيك مفارقاته


محمد الصادق بلام
  • resume:Ar
  • resume
  • Abstract
  • Auteurs
  • TEXTE INTEGRAL
  • Bibliographie

تهدف هذه الورقة البحثية إلى تناول إحدى الإشكاليات الراهنة، والمتعلقة بسؤال العنف كظاهرة إنسانية متجذرة في التاريخ الإنساني، ومتوطنة في واقعه المعيش كسلوك سياسي واجتماعي.

   من هنا أصبح سؤال العنف من أكثر الإشكاليات الفلسفية والسياسية اشتغالا داخل المتون الفلسفية الحداثية، ابتداء من اللحظة الماكيافللية وصولا إلى اللحظة الكانطية. غير أن العقل الفلسفي الحداثي في طرحه لمفهوم العنف وباقي التيمات المرتبطة به(القوة –الاستبداد السياسي- السيادة المطلقة للحاكم) أوقع نفسه ضمن مفارقة أدت به إلى حد الانقلاب على ذاته نقدًا ومراجعةً.

   على هذا الأساس، تراهن الفلسفة على مواجه العنف والحد من انتشاره متكئة على خطاب عقلاني نقدي يدعو إلى الحوار والتفاهم في أفق الاختلاف والتنوع. ومتسائلة: بأي معنى يكون العنف مرفوضا فلسفيًا وسياسيًا؟ هل يجوز اللجوء إلى العنف لمواجهة العنف ذاته؟ وكيف يمكن الحد من استشرائه داخل المجتمعات الإنسانية مع تعدد أشكاله وتنوع أساليبه؟

الكلمات المفاتيح: الحداثة السياسية، العنف، التعاقد السياسي، الاستبداد، الطبيعة البشرية، الثورة.

Ce document vise à répondre à l’un des problèmes actuels, concernant la question de la violence comme un phénomène humain enraciné dans l’histoire humain et endémique dans la réalité de vie en tant que comportement politique et social.

   De là, la question de violence  est devenue plus abordée dons les textes philosophiques à partir du moment Machiavell jusqu’au moment Kantien. Mais l’esprit philosophique et politique moderne en posant loquetions de la violence et les outres thèmes associés, tels que (Laforce –despotisme politique- la souveraineté absolue au pouvoir) lui a infligé dans Im paradoxe qui le conduit à un coup d’état contre lui-même.

   Sur cette base, la philosophie paris face à la violence se penchant sur Im discours rationnel critique qui fait appel Ou dialogue et compréhension à l’horizon de la différence et la diversité.

Mots clés :Modernité Politique, Violence, Contrat Social, Despotisme, Nature Humaine, Révolution.

This paper aims to address one of the current problems concerning the issue of violence inhuman phenomenon rooted in human history and endemic in reality of life as a political and social behavior.

Of the issue of violence has become more discussed in the philosophical texts from the time Machiavelli until he Kantian but the. Philosophical spirit raising the question of violence and other associated themes (force –the despotism politically-absolute sovereignty) has inflicted paradox that leads to a coup against himself.

On this basis, philosophy paris to violence addressing a critical rational discourse that appeals to dialogue and understanding on the horizon of difference and diversity.

Keywords:Political Modernity, Violence, Social Contract, Despotism, Human Nature, Revolution.

تقديم المفهوم

لقد سعى الخطاب السياسي الحداثي منذ اللحظة الماكيافيللية إلى تأسيس ذاته داخل السياسي، والعمل على عزل هذا الأخير داخل المجال الإنساني بتعلة أن الفعل السياسي صناعة بشرية خالصة ينبغي أن يتأصل ضمن مفاهيم جديدة من شأنها أن تقطع مع العقل السياسي الكلاسيكي، ناسفة القول الأرسطي بأن الإنسان "حيوان مدني بالطبع".1وما لزم عنه دحض مفهوم امتداد السياسي/الدولة لما هو طبيعي، والتأكيد على أن اجتماعية/مدنية الإنسان إنما تكون بفعل تعاقد اجتماعي يقوم أساسا على مفهوم الحق الطبيعي الذي كان بمثابة نقد لكل ثيولوجيا جعلت من السلطة السياسية حقا مطلقا. فالحق الطبيعي يمتثل كرد فعل حداثي ضد السلطة المطلقة القائمة على نظرية الحق الإلهي.

إن ترسيم الفعل السياسي ضمن مفاهيم العقد الاجتماعي والحق الطبيعي يسوق نحو استقلالية السياسي، وتخليصه من كل هيمنة دينية أو سياسية من شأنها أن تكون مسلكا نحوالاستبداد الديني المتحالف مع السياسي. وتجدر الإشارة هنا إلى أن نقد الفلسفة السياسية الحديثة لنظرية الحق الإلهي لم يكن نقدا موجها ضد التيولوجيا المسيحية الوسيطية فقط، بل استمر في تقويض كل تيولوجيا منبثقة من الإصلاح الديني، الذي بدوره أبقى على حضور الدين كمرجعية للتنظيم السياسي وبمثابة دعم إيديولوجي لصاحب السلطة.

لعل المتأمل في مسارات الحداثة السياسية يقف على حقيقة تاريخها الذي هو في جوهره تاريخ النقد الجذري لفكرة الاستبداد السياسي ونبذ كل شكل من أشكال العنف الفيزيائي الممارس ضد أفراد الشعب. وبما أن تاريخ الدولة الحديثة لا يمكن قراءته إلا في علاقته بالنظريات الفلسفية التي عملت على تأصيل مبادئ الحكم المدني والحق والسلطة العمومية وسيادة الدولة، فإن هذه الفلسفات في مقاربتها لمفهوم العنف لم تكن ذات رؤية واحدة بل تعددت التفسيرات بشأنه.

لا جدال أن العنف واقعة تاريخية، تعددت وتنوعت أشكاله إلى درجة يصعب معها الكشف عن مختلف مظاهره وتجلياته عبر التاريخ. ومع تطوير تقنيات ووسائل ممارسة العنف الفردي والجماعي بحيث يبدو للبعض على أنه هو محرك التاريخ أو أنه لازمة من لوازم التقدم داخل التاريخ، وهو ما يؤكده المألوف الهيجيلي والماركسي، أي أن ما يحكم التاريخ الإنساني هو الصراع والتناقض وهذا ما يتّضح في كتابات هيجل حول جدلية العبد والسيد، وكتابات كارل ماركس في حديثه عن حتمية الصراع بين الطبقات الاجتماعية داخل المجتمعات الرأسمالية.لكن الفلسفة بسجيتها النقدية تدفعنا إلى أن نتجاوز فضاء الذات، لنكون مواطنين داخل العالم نبتهج لمسراته وإنجازاته ونحزن لآلامه بعيدا عن الكيل بمكيالين لما يحدث في العالم من عنف وإرهاب تختلف الثقافات والمجتمعات في توصيفه حينا إرهابا وحينا آخر مقاومة بحسب اختلاف المصلحة.

وهكذا فالعنف يتعين كسؤال إشكالي بين حدي المعقول واللامعقول أو بين حدي الأخلاقي واللاأخلاقي إذ يحاكمه الفيلسوف بحجة تناقضه مع عقلانية الإنسان وإرادته الخيرة. في حين ترى فيه الدول الحديثة شرط قيامها وضمان استمراريتها، وهو ما تثبته السوسيولوجيا السياسية عند "ماكس فيبر" عندما يجعل من العنف حقا مشروعا للدولة تمارسه باسم القانون: "الدولة الحديثة لا يمكن تعريفها سوسيولوجيا إلا بالوسيلة المميزة الخاصة بها، وأيضا بكل تجمع سياسي آخر ألا وهو العنف الفيزيائي".2

إن هذا التناقض المبدئي، يقتضي منا فلسفيا النظر في اساس الحاجة للعنف التي تجعل منه ضرورة فردية أو سياسية والنظر كذلك إلى الحد الذي يتجاوز فيه العنف أرفع غايات العقل ليصبح إرهابا وهمجية وممارسة حيوانية تنسف كل القيم والشرائع. من هنا حاز مفهوم العنف فلسفيا الانهمام الأكثر توطينا داخل النصوص الفلسفية إما دفاعا عنه كمبدأ أساسي تتقوم به الدولة وتستقيم به حقوق الأفراد او إثباتا للامشروعيته ووعيا بنتائجه اللاإنسانية والعمل على تربية الجنس البشري وفق تشريعات وقوانين تدعو إلى تحويل العنف إلى حوار عبر مؤسسات الدولة الديموقراطية الحديثة.

المجال الإشكالي

فهل وفقت الدولة الحديثة في امتصاص العنف من المجتمع أم أنها عملت على ترسيخه داخل ممارساتها السياسيةفأصبح أكثر رسوخا وأعمق أثرا؟ وبأي معنى تفهم الفلسفة العنف؟ وهل يجوز أخلاقيا أن نلجأ للعنف نصرة لمبادئ العقل؟ أليس من باب المفارقة الإنسانية والسياسية أن نجد خطابا فلسفيا يرفع العنف إلى مستوى الحق الذي يستمد مشروعيته من منطوقات العقل؟ وهل يتجه العنف مع تطور الحضارة الانسانية وفي زمن العولمة إلى الزوال أم أنه باق ويزداد عنفا وبأقنعة متعددة؟

أولا: في السؤال عن الحداثة السياسية

لقد استنفر العقل السياسي الحداثي كل امكانياته المعرفية لترسيم منطق جديد خاص بالسياسي، وبعيدا عن كل ممارسة تُصيِّر الانسان مجرد مادة استعمالية توجهها تصاريف متعددة. فكان التفكير في السياسي باعتباره صناعة أو فن بشري خالص، يجب العمل على استجلاء خصوصيته وتحديد أساسه بالرجوع إلى الطبيعة البشرية ومعرفة مكوناتها ونوازعها. فلا غرابة أن نجد "توماس هوبز" في كتابه "المواطن" يفرد القسم الأول لتحليل ما يسميه "ملكات الطبيعة البشرية".3وكذا "سبينوزا" في كتابه "الإتيقا" أو "علم الأخلاق" حيث تعد جل فصول الكتاب تحليلا لطبيعة النفس وأصلها وأصل الانفعالات وطبيعتها.

من هذا المنطلق يرفض فلاسفة الحداثة السياسية (نيكولا ماكيافال-توماس هوبز-جون لوك-جون جاك روسو) أن يكون السياسي/الدولة مجرد نتيجة تطور طبيعي لتنظيمات اجتماعية أولية كالأسرة والقرية كما كان الشأن في تفسيرات أرسطو. وهذا يعني أن اجتماعية الانسان لا يحكمها منطق الطبيعة وإنما تفسر داخل منطق التعاقد السياسي المدني، الذي يحيل على الدائرة الإنسانية. وحتى أن مفهوم الطبيعة لدى مفكري الحداثة السياسية مرتبط بالمجال الإنساني في استقلاليته عن قوانين الطبيعة الفيزيائية. فلم تعد الدولة نتيجة حتمية لنظام الطبيعة بل أصبحت محصورة فيما هو إنساني تشتق مضمونها السياسي من منطوقاتها الذاتية وترسم مسارها بإبرام تعاقد سياسي "اعتبر أساسا لتأصيل الحكم المدني وقاعدة للحقوق السياسية والمدنية عامة".4

على هذا الأساس تكون الدائرة الإنسانية ومفهوم الطبيعة البشرية هو المجال الذي تقرأ داخله المسألة السياسية مما يعني أن الفلسفة السياسية الحديثة قد حملت على عاتق مسؤولياتها نقد ورفض نظرية الحق الإلهي وبالتالي استبعاد التيولوجيا كمستند أو دعم إيديولوجي لما هو سياسي. ولازمة كل هذا نبذ كل أشكال العنف السياسي الممارس من طرف صاحب السلطة ضد أفراد المجتمع الذين لم يكن ينظر إليهم على أنهم مواطنون بل أطفال قصر لم ينضجوا بعد لإبداء الرأي في الشأن العام.

ومن هنا يمكن تحديد ملامح الحداثة السياسية على أنها توجه نحو المستقبل وقطع مع الماضي السياسي المستغرق في التأمل الميتافيزيقي أو ذاك المتكلس داخل الديني "فالعصر الحديث لم ينتج منذ بدايته فلسفة سياسية جديدة وراديكالية فقط، بل أنتج أيضا ولأول مرة فلاسفة توجهوا عن رغبة منهم إلى متطلبات المجال السياسي ولم يكن هذا التوجه حاضرا لدى "هوبز" وحده، بل حاضر أيضا لدى "لوك" و "هيوم" رغم الاختلافات بينهم".5

وإذا كانت الفلسفة السياسية الكلاسيكية جعلت من الفضيلة هدفا ساميا يجب أن يكون مركوزا في نفوس المواطنين، فإن الحياة التأملية (النظرية) أرفع درجة من الحياة العملية. غير أن الحداثة السياسية ستسعى عبر مسارها المتعرج منذ اللحظة الماكيافالية إلى إقصاء مقولات الفضيلة والحكمة الأخلاقية لتؤسس لمنطق جديد يتخذ من الأنثروبولوجيا (الطبيعة البشرية) مدخلا له كما هو الحال عند "هوبز" و"لوك" و"روسو". أو الأنطولوجيا عند "سبينوزا".

ومن الأسئلة التي طرحتها الحداثة السياسية كيف يمكن أن تكون الدولة سلطة عمومية غير تابعة لشخص الحاكم؟ وكيف يمكن أن يكون الحق وليس القوة هو أساس السلطة السياسية؟ هذه الأسئلة وغيرها هي مدار البحث لدى فلاسفة الحداثة السياسية لرسم رؤيتهم السياسية حول مبادئ الحكم المدني والحق والسلطة العمومية وسيادة الدولة.

ثانيا: الحداثة السياسية وتبني العنف

على أساس أن الحداثة السياسية أعلنت الخروج من الكهف اللاهوتي والنظر إلى السياسي على أنه مجال إنساني خالص يحقق فيه الإنسان ذاته من خلال إبرام تعاقدات سياسية تكفل له جملة من الحقوق المدنية، يأتي في مقدمتها حق الحرية. لكن الحداثة السياسية انزلقت نحو تبني العنف والاستبداد السياسي منذ لحظتها الأولى والتي يمكن تتبعها في الكتابات السياسية عند "نيكولا ماكيافال" و"توماس هوبز" على الرغم من الاختلافات حول صيغ تنظيم العنف والحلول المقترحة بشأنه.

1-العنف والمحافظة على السلطة السياسية

لقد فكر "نيكولا ماكيافال" (1469-1527) ""Nicolas Machiavelفي الدولة والسلطة السياسية بعيدا عن منطوقات العقل الخالص ليجعل من القوة والتدبير البراغماتي تحديدا لماهية الدولة. وبالتالي يكون "ماكيافال" قد جعل من القوة الفيزيائية باعتبارها ممارسة مادية لا تحتكم إلى منطق العقل وإنما لمنطقها الفيزيائي الخاص بها لأجل التحكم في الواقع السياسي والاجتماعي. ومنه تكون الدولة قوة للتسلط والقهر والعنف ضد كل من يهدد كيانها ومصالحها، وبإمكانها أن تدافع عن هذا الوجود بكل الوسائل التي تحفظ لها السيادة والاستمرارية. لذلك اعتبر "ماكيافال" الحرب بمفهومها الواسع هي أنجع الوسائل للحفاظ على كيان الدولة، يقول "ماكيافال": "ولكن لما كان قصدي أن أكتب شيئا يستفيد منه من يفهمون، فإني أرى من الأفضل أن أمضي إلى حقائق الموضوع بدلا من تناول خيالاته، لا سيما وأن الكثيرين قد تخيلوا جمهوريات وإمارات لم يكن لها وجود في عالم الحقيقة، وأن الطريقة التي نحيا فيها تختلف كثيرا عن الطريقة التي يجب أن نعيش فيها، وأن الذي يتنكر لما يقع سعيا منه وراء ما يجب أن يقع، إنما يتعلم ما يؤدي إلى دماره بدلا مما يؤدي إلى الحفاظ عليه".6

وهكذا يتحول الخطاب السياسي من مجال المنشود إلى مجال الموجود، وحينها تتوقف السياسة على أن تكون ترجمة لمبادئ العقل لتكون تعبيرا عن القوة التي تمتلكها الدولة. فيكون لها الحق في أن تدافع عن نفسها بما تملكه من قوة. ولذلك يدفع "ماكيافال" بالتفكير في الدولة نحو استخدامها للعنف من جهة ما هو مبدأ الوجود السياسي. فمنذ اللحظة الماكيافالية أصبح الأمر يتعلق بضرورة إقصاء الاعتبارات الأخلاقية وفهم العنف كشرط سياسي ومؤسساتي لقيام الدولة وضمان استمرارها بل وتأكيد نجاعتها في فرض تصور واحد للحق والقانون. فلم يعد العنف مع "ماكيافال" خروجا عن منطق العقل وخضوعا عفويا لإرادة القوة بل تحول إلى منطق عقلاني جديد تتنزل فيه القوة منزلة الحق، كضرورة سياسية تحدد شروط قيام الدولة واستمرارها.

على هذا النحو، بدلا من أن يكون كتاب "الأمير" تحديدا لمبادئ السلطة السياسية، وتماشيا مع منطق الحداثة أن تكون سلطة عمومية، فإنه تمركز في تحليلاته حول شخص الأمير ونجاحه في فرض هيمنته وحمل الرعايا على الطاعة المطلقة لأن قوة الدولة من قوة صاحب السلطة وأكثر من ذلك أن تكون الحرب هي ما يرسم ماهية الدولة، والحرب من منظور "ماكيافال" لا تنحصر في "الاقتتال والنزاع والصراع، بل أيضا في الدهاء والتبصر والمكر واختيار أنجع الوسائل لتحقيق غايات السيطرة والقوة".7

اعتمادا على هذا التحديد يتماهى شخص الدولة مع شخص الحاكم، أي أن "ماكيافال" تصور الدولة كقوة فيزيائية وسيكولوجية تابعة في تواجدها لشخص الحاكم وقوته ومصلحته. وهذا ما يمكن توصيفه بشخصنة الدولة بمعنى اختزال كل مقدرات الدولة في شخص الحاكم وعندها يزول التمييز بين الدولة باعتبارها شخص عمومي والحاكم باعتباره الشخص الخاص، مع العلم أن هذا التمييز هو ضرورة حداثية ترفع الدولة فوق كل حيازة للمصالح الشخصية. يقول "ماكيافال" مقدما النصيحة للحاكم: "عليك أن تدرك أن ثمة سبيلين للقتال: أحدهما: بواسطة القوانين، والآخر عن طريق القوة، ويلجأ البشر إلى السبيل الأول، أما الحيوانات فتلجأ إلى السبيل الثاني. ولكن لما كانت الطريقة الأولى غير كافية لتحقيق الأهداف عادة، فإن على الإنسان أن يلجأ تبعا لذلك إلى الطريقة الثانية".8

بهذا الشكل لم تعد سلطة الدولة عمومية، وإنما هي جزء من سلطة الحاكم وبالأحرى أصبح الحديث مع "ماكيافال" عن دولة الأمير القوية ذات السلطة المطلقة التي لا تقهر والقائمة على الاستيلاء، ومن هنا تكون قوة الدولة وقوة الحاكم شيء واحد، تكتسب سيادتها من فرض هيمنته باتباع منطق القوة والحرب. وهي الصناعة التي على الحاكم أن يمتهنها "على الأمير ألا يستهدف شيئا غير الحرب وتنظيمها وطرقها، وألا يفكر أو يدرس شيئا سواها إذ أن الحرب هي الفن الوحيد الذي يحتاج إليه كل من يتولى القيادة".9

إن دولة كهذه، لن تكون إلا ممارسة للتخويف والترهيب بدل الاعتماد على قوة الحق، وعندئذ يُحمل أفراد المجتمع على الطاعة والخضوع لما يقرره الحاكم وأكثر من ذلك يولد فيهم الشعور بأن وجودهم مرتبط بوجوده وأنهم مختزلون في شخصه. "فإن الأمير العاقل سيبحث عن السبيل التي يُشعر بها المواطنون في كل حين وفي جميع الأوضاع الممكنة، بحاجتهم إلى حكومته، فيدينون له دائما بالإخلاص والولاء".10

من هذا المنطلق، يحث "ماكيافال" حاكم الدولة ألا يكون شخصا لينا يعير للطيبة والرأفة شأنا وإنما على العكس "أن يتعلم كيف يبتعد عن الطيبة والخير، وأن يستخدم هذه المعرفة أو لا يستخدمها وفقا لضرورات الحالات التي يواجهها".11هذا المنطق الذي يتبناه "ماكيافال" إنما يأخذ مقدماته من الأنثروبولوجيا، أي من مقتضيات الطبيعة البشرية. وبهذا يكون النص الفلسفي السياسي الحداثي قد جعل من الأنثروبولوجيا مدخلا لقراءة السياسي.لكن هذه الطبيعة البشرية كما فهمها "ماكيافال" فاسدة وماكرة "فالناس ناكرون للجميل، متقلبون مراءون وميالون إلى تجنب الأخطار وشديدو الطمع، وهم إلى جانبك طالما أنك تفيدهم، فيبذلون لك دماءهم وحياتهم وأطفالهم وكل ما تملكون كما سبق لي أن قلت، طالما أن الحاجة بعيدة نائية، ولكنها عندما تدنو، يثورون، ومصير الأمير الذي يركن إلى وعودهم دون اتخاذ أية استعدادات أخرى، إلى الدمار والخراب".12

وبهكذا تصور لماهية الدولة، كان كتاب الأمير بمثابة وثيقة تحمي حقوق الحاكم لا حقوق المجتمع. فالحاكم له الحق في بناء سياسته على القوة والترهيب والمداهنة والمخاتلة "فمن الواجب أن يخافك الناس وأن يحبوك، ولكن لما كان من العسير أن تجمع بين الأمرين، فإن من الأفضل أن يخافوك على أن يحبوك، هذا إذا توجب عليك الاختيار بينهما".13

وبالنظر إلى ما سبق يكون العنف والارهاب السياسي هو ما يحمل أفراد المجتمع (الرعية) على الطاعة والامتثال لأوامر الحاكم. "فلا يتردد الناس في الإساءة إلى ذلك الذي يجعل نفسه محبوبا بقدر ترددهم في الإساءة إلى من يخافونه".14وما يجعل الدهاء السياسي مشروعا ومبررا من منظور "ماكيافال" هو فساد الطبيعة البشرية. وحينها تصبح الدولة قوة لا تقهر مستمدة من قوة حاكمها الذي هو صاحب السيادة حتى ولو كان بواسطة "الحرب التي تزيل الحدود...الحرب التي تطبق الاكتساح والعدوان الموجه، الحرب التي تقوي الحصون هي سلسلة من الممارسات العنيفة".15

من هنا كانت الدولة التي ينصح "ماكيافال" الحاكم بأن يقودها هي دولة حرب مستمرة تمتهن العنف والمكر والدهاء لتحقيق غايات السيطرة والتحكم فـ "على الأمير ألا يستهدف شيئا غير الحرب وتنظيمها، وألا يفكر أو يدرس شيئا سواها. إذ أن الحرب هي الفن الوحيد الذي يحتاج إليه كل من يتولى القيادة".16وعليه تتحول السلطة إلى تسلط، وقوة الحق إلى حق القوة ومع منطق الحرب التي هي أبرز أشكال العنف تبتعد الدولة عن أن تكون مجتمعا مدنيا. بل تصبح هي ذاتها وسيلة لخدمة صاحب السلطة.

على هذا النحو، يكون العنف السياسي هو أنجع الوسائل من منظور ماكيافال في تدبير شؤون الدولة والمجتمع بمقتضى أن الشر والفساد متأصلان في الطبيعة البشرية من خلال استقراء التاريخ البشري أو فحص مكونات هذه الطبيعة، مما يبرر استخدام العنف من طرف صاحب السلطة. وبهكذا تصور يكون ماكيافال قد مثّل نزعة ارتكاسية تتناقض مع قيم الحداثة المتمثلة في الحرية والنقد والمساواة والتقدم.

2-من عنف الطبيعة إلى عنف الدولة

وفي ذات المسار يواصل العقل السياسي الحداثي مساندته للعنف السياسي حيث يذهب "توماس هوبز" (1588-1679) "Thomas Hobbes"إلى اعتبار العنف متأصل في الطبيعة الانسانية ومكون من مكوناتها، وما يلزم عنه أن تكون الدولة من جنس هذه الطبيعة الفاسدة في الأصل والمحكومة بأهوائها "فانفعالات البشر كلها أكثر قوة من عقولهم".17فيندفع الناس إلى تعنيف بعضهم البعض بمقتضى طبيعتهم الفاسدة، وهذه هي حالة "حرب الجميع ضد الجميع وكل واحد في حرب مع واحد وضد الجميع".18ومنه ستكون قوانين الطبيعة البشرية هي المبدأ الذي يفسر به "هوبز" ظاهرة العنف التي هي حالة محايثة للإنسان في الحالة الطبيعية لكونها متأصلة في طبيعته، هذه الحالة الطبيعية تغيب فيها كل أشكال الحقوق المدنية والسياسية وحتى مفهوم الدولة.

وإدراكا من "هوبز" بأنه يستحيل أن تستمر حياة الإنسان ضمن دائرة الصراع والحرب وما ينتج عنهما من مكر وخديعة ودهاء، وجب التفكير للخروج من هذه الدائرة بالانتقال من الحالة الطبيعية إلى الحالة المدنية. وهذا ما يقتضي فهم الطبيعة البشرية قبل التفكير في إنشاء الدولة علما بأن الدولة صناعة بشرية أو كما ينعتها "هوبز" بأنها نتيجة لفن بشري. "فالفن هو الذي يخلق هذا الإله الفاني الذي نسميه الدولة".19ولفظ الإله مجاز يستخدمه "هوبز" للدلالة على السلطة المطلقة التي تكون بيد شخص واحد أو هيئة محصورة العدد تستمد مشروعية سيادتها بموجب عقد اجتماعي/سياسي على إثره يتنازل الكل عن جميع حقوقهم الطبيعية لفائدة هذه السلطة. وحينها تصير جميع الإرادات إرادة واحدة بحيث يمكن للحاكم صاحب السيادة المطلقة تحقيق السلم الذي كان مفقودا في الحالة الطبيعية "باستعمال قوتهم ووسائلهم لصالح السلم والدفاع عن المجموع".20على شرط أن يلتزم جميع المتعاقدين بالقوانين التي سنها الحاكم دون اعتراض أو مقاومة منهم لأنه في حالة التمرد عن القوانين تسود حالة الحرب المدمرة. ولذلك فأهمية التعاقد تكمن في كونه صفقة رابحة للمواطن، وبالتالي فإن الحاكم من منظور "هوبز" يتحول إلى "قوة عليا عامة تدفع الأفراد دائما إلى الخوف من العقاب".21

وبهكذا تصور، فإن قيام الدولة الممثلة بالحاكم صاحب السيادة المطلقة، لا يفقد الإنسان بموجبها طبيعته البشرية الفاسدة وإنما إرادته التي تختزل مع إرادات الأفراد المكونون للدولة في إرادة واحدة يذعن لها الجميع دون أدنى حق للمقاومة. هذا مبرر كاف في نظر "هوبز" لأن تقوم الدولة على سلطة الإذعان والقسر التي يمثلها الحاكم المطلق الإرادة. وهنا بالذات يصعب الفصل بين شخص الدولة وشخص الحاكم "وقد اضطر "هوبز" إلى الدفع بهذا التطابق إلى أقصى حد ممكن، بحيث تحول حديثه عن الشخص المدني (الدولة) إلى حديث عن الحاكم السياسي".22وتجدر الإشارة إلى أن طاعة الرعايا للحاكم تدخل ضمن الواجبات المدنية التي على إثرها يتحقق السلم المدني، أما صاحب الحق فهو الحاكم "الذي يكره الغير ولا يكره ذاته لأنه مبدأ كل إكراه مدني ولا سلطة مدنية فوق سلطته".23

اعتمادا على ما سبق يمكن أن نستنتج أن التعاقد السياسي عند "هوبز" تكمن قيمته في تجاوزه لمفهوم الدولة عند "ماكيافال" الذي اعتبرها مجرد انعكاس للواقع الإنساني والتاريخي، وهذا ما حمل "هوبز" على التفكير في ما يمكن أن يبرر السياسي انطلاقا من مبادئ يقبلها العقل. بهذا الشكل، كانت الأنثروبولوجيا المدخل الأساسي لدراسة السياسي ومبادئ الحكم داخل الدولة. ولذلك فكّر في معقوليتها بالنظر إلى الطبيعة البشرية والأخطر من ذلك أن فكرة التعاقد عند "هوبز" تتعلق بالدولة لا بالمجتمع لأن هذا الأخير يتشكل بواسطة المصالح والمنافع. يقول "هوبز": "يجب أن نخلص إلى أننا لا نبحث عن رفقاء بأية غريزة طبيعية، بل بسبب ما نستفيده منهم من جاه ومنفعة، فنحن لا نرغب في اشخاص نعيش معهم إلا بسبب هاتين المصلحتين اللتين تعودان علينا بالنفع".24

لكن نظرية "هوبز" حول التعاقد تنساق نحو تبرير الاستبداد السياسي وتعويض عنف الأفراد ضد بعضهم البعض بعنف الحاكم والمقربين منه ضد الرعية، وهو عنف أشد من عنف الأفراد ضد بعضهم البعض. فالعنف في كل الحالات ليس سوى تسلط قوة على قوة أخرى أضعف منها بغية تطويعها أو سحقها، "العنف ينفجر، بمعنى يتوسع في كل الاتجاهات وفي الآن نفسه حتى وإن بدا أنه موجه أو يخضع لقانون العقل...فهو غير عادل"25فإذن عدم التمييز لدى "هوبز" بين المصلحة العامة والمصلحة الخاصة والممهاة بينهما يفرغ التعاقد السياسي من كل مشروعية ويفقده كل قيمة حداثية. و "أن قوة هوبز تتجلى في أنه أسس بناء على إجراء العقد سيادة مطلقة لا تتجزأ أو أكثر تصلبا".26

وإجمالا لم تكن نظرية "هوبز" حول الدولة إلا تمثيلا وتعبيرا عن القوى الارتكاسية التي ترفض كل إبداع وجديد. وتعمل بمنعطف رد الفعل المحكوم بقوى النفي والتدمير، ومنه "فـهوبز كان يكمل بشكل فريد ماكيافال"27

ثالثا: النقد الذاتي للحداثة السياسية ونبذ العنف

بما أن العقل السياسي الحداثي قد تأزم مع "ماكيافال" و"هوبز"، لكونه أصبح يعيش حالة قلق مزقته بين دعوة جديدة لرفض كل شكل من أشكال العنف ليجد نفسه أمام عودة ارتكاسية تكرس مقولة العنف السياسي الممثل بجهاز الدولة المتماهية مع شخص الحاكم.وبالتالي كان من الضروري تقديم مراجعة ذاتية لمسار الحداثة السياسية، وهذا ما نجده عند كل من "جون لوك" و"جون جاك روسو". فمن خلال كتاباتهما، استطاع العقل السياسي الحداثي أن يقدم نقدا داخليا واجه به العقل الحداثي ذاته وصحح مساره للخروج من كهف الاستبداد السياسي كيفما كانت منطلقاته براغماتية (ماكيافال) أو فلسفية (نظرية التعاقد السياسي على طريقة هوبز) أو حتى دينية (نظرية الحق الإلهي).

1-التمييز بين الحالة الطبيعية وحالة الحرب

يعتبر "جون لوك" "John Locke" (1622-1704) من أكثر مفكري الحداثة السياسية نقدا للاستبداد السياسي والديني ويرفض أن يكون الإكراه قاعدة للسلطة السياسية حتى ولو كان ضمن بنود التعاقد السياسي كما هو الحال لدى "هوبز" ذلك أن الدولة من منظور "لوك"  شيء عمومي "Res-publica" لا تستمد وجودها من سيادة الحاكم وإنما الدولة حرية تجد ترجمتها في السلطة التشريعية التي تعتبر "الفعل الأصيل والأسمى للمجتمع السياسي".28

ونتيجة لهذا التحديد لا يماهي "جون لوك" بين حالة الطبيعة وحالة الحرب وإنما يعتبر هذه الأخيرة مجرد انحراف غير طبيعي لحالة الطبيعة التي هي في الأصل "حالة للحرية والمساواة الكاملتين بين البشر".29والبشر يدركون أنهم أحرار ومتساوون بمقتضى العقل، هذه الحرية الطبيعية هي أساس بناء الحرية السياسية، مع العلم أن "لوك" يقر بأن ما يسمى بالحالة الطبيعية هي مجرد مفهوم افتراضي لا واقع فعلي. لأن "التاريخ لا يقول لنا إلا القليل عن البشر الذين عاشوا حالة الطبيعة".30

لهذا السبب أقر "لوك" بالحالة الطبيعية ليجعل منها فرضية يساجل من خلالها توصيف "هوبز" لها (حالة حرب الكل ضد الكل) وما لم يقبله "لوك" هو ادعاء "هوبز" بأن الخروج من حالة الحرب والعنف يستوجب سلطة الحاكم المطلقة لتحقيق السلم والأمن الاجتماعي. فهذا نوع من التناقض الذي يصل حد المفارقة، إذ يتساءل "جون لوك" كيف يمكن تفسير هذا الوضع الانساني المتمثل في أن الطبيعة قضت على الإنسان أن يكون في حالة حرب دائمة ومغلقة، بالنظر إلى طبيعته الشريرة، وفي الآن ذاته دفعته إلى أن يفكر في حل يخرجه من وضع الحرب إلى وضع السلم؟

بهذه المراجعة النقدية لأطروحة "هوبز" المحايثة للحالة الطبيعية، يرى لوك أن الحرية الطبيعية "تستوجب الالتزام فقط بقوانين الطبيعة".31وهذه القوانين الطبيعية تكون "قواعد كونية للعقل"،32بموجبها يتعلم كل إنسان أن له حق الحرية مثله مثل الغير، ومن الطبيعي أن يدافع عن حقه في الحرية ضد كل إرادة تريد مصادرته أو الانتقاص منه.

لكن حينما تتجاوز الحرية الطبيعية حدود المعقول ومنطق الطبيعة ذاته تصبح استبدادا وقوة وعنفا لا مبرر لها داخل العقل. وبهذا تتحول حالة الطبيعة إلى حالة حرب، الأمر الذي يستوجب حالة من التنظيم المدني للحياة البشرية داخل الدولة بفعل تعاقد سياسي لا مجال فيه للإكراه والطاعة العمياء، بل هو عقد حرية تتحول الحقوق الطبيعية بموجبه إلى حقوق مدنية عمومية. بمعنى أن ما يعرف بالحقوق المدنية هي ذاتها الحقوق الطبيعية التي تكون بحاجة إلى قوة عمومية ضامنة لها لتفادي العنف والصراع. فسلطة المجتمع المدني الذي يتشكل ضمن مؤسسات وقوانين هو ما يضمن الحقوق الفردية الطبيعية/المدنية وفض المنازعات المفضية إلى العنف.

في أفق هذا التصور، تكون السلطة السياسية بعيدة عن كل نوع من أنواع القسر والتعنيف الممارس من طرف الحاكم على المحكوم كما كان الحال مع "ماكيافال" و"هوبز"، بل هي سلطة للتشريع يمتلكها الشعب تعبيرا وتجسيدا لحريته وسيادته، وحينها "يمتلك المجتمع بكامله حق السيادة".33

من هذا المنطلق ينتقد "جون لوك" الاستبداد باعتباره ظاهرة غير طبيعية وغير سياسية لكونه يشرع الحرب والهيمنة والاستعباد. فهو سلطة تعسفية تمتهن العنف أبعد من أن تكون سلطة سياسية على اعتبار أن مجال السياسي هو مجال الحرية والتعاقد العادل الضامن للحقوق المدنية. ولذلك فالحرب وما ينتج عنها من عنف إنما ناتجة عن النظام السياسي الفاسد حتى وإن كان أفراد المجتمع على بعض اللؤم "فلا شك أن الفتن والحروب والاستهانة بالقوانين أو خرقها إنما هي أمور تعزى إلى النظام السياسي الفاسد، لا إلى لؤم الرعية".34

وأكثر من ذلك أن "جون لوك" يدعو إلى مناهضة الاستبداد بكل الأساليب إلى حد استخدام القوة والعنف من طرف المواطنين ضد المستبد مادام أنه يهدد حريتهم وملكيتهم "فلا يمكننا استعمال القوة إلا ضد القوة الظالمة واللامشروعة وضد العنف"35غير أن أولئك الذين يستخدمون القوة ويمتهنون العنف بدون وجه حق ضد السلطة الشرعية التي تمثل الشعب هم من منظور "جون لوك" متمردون يحاولون إغراق المجتمع المدني ضمن دوامة الحرب والفوضى، وهذا ما يستحق المقاومة والردع.

فإذن استخدام العنف دون سند قانوني تشرعه السيادة العامة هو مسلك نحو الحرب. وعليه تكون كل الأنظمة الاستبدادية في نظر "لوك" تفريخ للفوضى والعنف والبؤس تتوارى خلف أقنعة متعددة لأجل تبرير ممارساتها وانتهاكاتها. وعندئذ تكون ثورة الشعب أمرا مشروعا ورد فعل طبيعي ضد القمع والبؤس، يقول "لوك": "الشعب الذي يعاني عامة من أسوأ أنواع المعاملة بشكل مضاد لحقوقه، لن يترك فرصة انعتاقه من بؤسه تمر دون خلخلة النير الذي فرض عليه فرضا دون وجه حق".36وعليه افتتحت الحداثة عهدا جديدا بتأسيسها لمفهوم التعاقد على مقولة الحق بدل القوة.

2-جدل القوة والحق

في أفق الرفض للاستبداد السياسي ينتقد "جون جاك روسو" (1712-1778) "Jean Jacques Rousseau"حق القوة ذلك أن القوة لا تنتج سوى القوة ذاتها، ولا تولد إلا انصياع الغير لها بحكم منطقها العنيف وبالتالي العنف السياسي لا يعدو إلا أن يكون انحرافا بالطبيعة البشرية عن جذورها ومنه فالعنف لا يتعامل مع كائنات بشرية بل يحول تلك الكائنات إلى أشياء ومواد، أو آلات صماء. فالعنف من أبشع مظاهر الفساد حيث يُصَيِّر الناس عبيدا يسلبهم حقوقهم الطبيعية، وفي مقدمتها حق الحرية باعتباره حق طبيعي. يقول روسو: "ولد الانسان حرا، ومع ذلك فهو مثقل بالقيود في كل مكان".37ولذلك يفند ""روسو" ما ذهب إليه "هوبز" في أن الشر والفساد كامنان في أصل الطبيعة البشرية ليثبت أن الظروف التي أحاطت بهذه الطبيعة من تطورات حضارية وظهور الملكية بحيث توسعت الفوارق واللامساواة بين البشر هي المسؤولة عن تفشي الفساد نتيجة لجوء البشر إلى الاحتيال والمكر خدمة للمصالح الشخصية، وتاليا "يطغى عنف الأقوياء على العلاقات الإنسانية بشكل يسحق الضعفاء".38

هذه الوضعية المأساوية المتمثلة في هيمنة أقلية من الناس على الأغلبية الساحقة أنتجت العنف وبهذا المعنى يكون العنف نتيجة حتمية للظلم الاجتماعي ويتفشى الاستبداد الذي قوامه حق القوة التي لا يمكن أن تكون حقا مطلقا، ولا يمكن لطاعة المستبد أن تكون واجبا لأن طاعة القوة أمر يفرضه التسلط والخوف من العقاب، يقول روسو: "كان الانصياع للقوة فعلا للضرورة الفيزيائية لا للإرادة السياسية، إنه في أكثر الأحوال أحد أفعال التبصر والروية".39

على هذا النحو، الاستبداد السياسي هو خروج ليس فقط من معقولية السلطة السياسية بل هو كذلك خروج عن المعقولية الانسانية لأن فيه إكراه للإنسان بأن يتخلى عن حريته وتباعا عن انسانيته "فأن يتخلى المرء عن حريته، يعني أن يتخلى عن خاصيته الإنسانية وعن حقوق الإنسانية فيه، بل هو يتخلى عن واجباته"40فالعنف من منظور "روسو" لا يصدر عن أية قيمة أخلاقية أو سياسية، بل مصدره الوحيد هو القوة الفيزيائية التي تنمو وتزداد بضعف المحكومين وجبنهم وأكثر من ذلك أن القوة وتماشيا مع منطقها العنيف تبحث عن كل الوسائل التي تمكنها من المحافظة على ذاتها كقوة بعيدا عن المبادئ الأخلاقية أو السياسية وبالتالي فالقوة لا يمكن أن تكون حقا "وليس الحق جزءا من ماهية القوة، القوة قوة فقط".41هنا يقيم "روسو" علاقة سببية بين الجبن من جهة، وبين الاستبداد من جهة ثانية.

وهكذا يسعى المتسيد لكي يكون هو الأقوى له الغلبة المادية والاجتماعية بكل الوسائل إلى مصادرة الحريات وسلب الحقوق. وبهذا فالاستبداد السياسي لا يتماهى مع الطبيعة البشرية الخيرة، وإنما هو أمر مناقض لها. من هنا لا يمكن لأية سلطة سياسية أن تقوم من دون الاعتراف بحق الحرية الذي هو جوهر التعاقد السياسي، وبموجبه يذعن أفراد المجتمع لسلطة القانون الذي شرعته الإرادة العامة المعبرة عن كلية الشعب. ولذلك ينتقد "روسو" التعاقد السياسي كما فهمه "هوبز" لكونه يخلق عبيدا لا شعبا حرا، ويكرس الحكم المطلق والطاعة العمياء، وجبناء يحبون عبوديتهم "فالقوة جعلت من الأوائل عبيدا، لكن جبنهم جعل عبوديتهم دائمة".42وأكثر من ذلك ينبهنا "روسو" إلى أن الانصياع لإرادة المستبد ضرب من الجنون حتى وإن ادعى المستبد أنه يؤمن لرعاياه الأمن والسلم، "وإن فعلا كهذا غير مشروع ولاغ لسبب واحد هو أن من يقوم به يكون فاقدا لعقله، أما أن نسحب القول ذاته على شعب بكامله، فهذا يستلزم أن يكون شعب كهذا شعبا للمجانين، والجنون لا يصنع أي حق".43

من هذا التصور يُصِرُّ "روسو" على أن العنف السياسي المنتج لكل أشكال العنف الأخرى هو انتهاك ونسف لفعل التعاقد ذاته، إذ لا يستقيم مفهوم التعاقد –الذي يعني التنازل مع المقابل وليس دون مقابل-مع مفهوم الاستبداد والعنف. فالأصل في التعاقد السياسي هو أنه فعل للحرية وضامنا لها "ومن قال إن إنسانا ما قد يهب نفسه دون مقابل، فقد قال مالا يعقل وما لا يمكن تصوره، إن عقدا كهذا هو عقد باطل وغير شرعي لمجرد صدوره من شخص غير رشيد".44

لا نجانب الصواب إذا قلنا إن الفهم العميق لمنزلقات الحداثة السياسية مع "ماكيافال" و"هوبز" حمل الحداثة السياسية إلى الاتجاه مع "روسو" إلى ضرورة استئصال ظاهرة الاستبداد المنتجة للعنف والحرب والصراع من خلال إعادة النظر في مفهوم التعاقد السياسي الذي يجب من منظور "روسو" أن يتأسس على مفهوم الإرادة العامة المعبرة عن كلية الشعب. يقول روسو: "كل واحد يضع شخصه وكذا قوته بكاملها بيد العموم تحت سلطة الإرادة العامة. بهذا الشكل، يصبح كل عضو جزءا لا يتجزأ داخل الكل".45وبهذه المراجعة النقدية لمفهوم التعاقد يتحول أفراد المجتمع من قُصّر إلى مواطنين تحكمهم قوة الحق لا حق القوة. وحينها تتآلف الحرية والطاعة تحت سقف القانون دون أدنى تعارض، لأن الطاعة امتثال والتزام بالقانون الذي شرعته الإرادة العامة. وهذا ما يحول دون العنف السياسي، الذي يحول السلطة السياسية من إرادة عمومية إلى إرادة خاصة تنظر دوما إلى افراد المجتمع ليس باعتبارهم مواطنين وإنما أطفال لم ينضجوا بعد. وهذا ما يلخصه "روسو" في قوله: "فالإرادة الثابتة لمجموع أفراد الدولة هي الإرادة العامة، وعبرها يصبحون أحرارا".46

على الرغم من أن "روسو" يوافق "لوك" فيما ذهب إليه حول رفضه ونقده لمفهوم الاستبداد، والسلطة المطلقة، إلا أن "روسو" يرفض مفهوم السيادة ذات المرجعية البراغماتية كما حدّدها "لوك"، إذ الدولة من منظوره ليست سوى سيادة المصالح الشخصية للمواطنين. وبالأحرى يرتبط وجود الدولة كشيء عمومي بالمصالح المدنية الخاصة بالمواطنين. فكل دولة تمثل "مجتمعا بشريا الهدف منه إقامة المصالح المدنية والمحافظة عليها وإعطاؤها الأسبقية".47هنا يعارض "روسو" بكل حسم أن تختزل مهمة الدولة في حماية المصالح الخاصة للمواطنين وهذا يفقدها كل عمومية وتصبح مجرد حارسة لما هو خاص، لأنه "لا شيء أكثر خطورة سوى تأثير المصالح الخاصة على الشؤون العمومية".48وما يمكن أن يترتب عن ذلك في نظر "روسو" هو تحول الدولة إلى مجال لتصارع المصالح الشخصية وتجاهل الشأن العام وتباعا فسح المجال أمام الاستبداد السياسي.

ولتجنب هذا المنزلق، وجب أن تكون مرجعية الدولة سياسية خالصة تنظر إلى الشعب باعتباره إرادة عامة تتجاوز في رؤيتها التموقع داخل الإرادات الخاصة. وبهذا الطرح العميق والمتين لفكرة التعاقد السياسي عند "روسو"، يكون كتابه "في العقد الاجتماعي" هو مراجعة نقدية صارمة لمفهوم التعاقد السياسي كلبنة أساسية للحداثة السياسية. وهنا يتجلى أثر "روسو" الحداثي كعلامة فارقة، يقول "شوفالي": "سيأتي ليضع على القرن علامة لا تُمحى، وسيحضِّر لدولة الشعب أكثر من أي مفكر آخر، الأزمنة الحديثة للسياسة".49

وكل انتهاك للعقد الاجتماعي/السياسي يجعل التمرد أمرا مشروعا من وجهة نظر روسو. وحتى لا يَعُمّ منطق الفوضى والقوة، على السلطة السياسية أن تلتزم القوانين العمومية ولا تعبث بالمصلحة العليا للدولة، فتحولها إلى مجرد جهاز لخدمة المصالح الخاصة، ويتحول معها الكائن الإنساني من إنسان مدني إلى إنسان طبيعي لا تحكمه إلا الأهواء والانفعالات السلبية.

خلاصة

من كل ما سبق يمكن القول أنه منذ لحظة "لوك" و"روسو" اتجهت الحداثة السياسية نحو إدانة العنف بوصفه نسفا وتقويضا للعقل والمعنى، وعائقا يحول دون نشر قيم التسامح والحوار ضمن أفق ديموقراطي يعبق بالحرية ويكبح نوازع العنف وتعرية مصادره. وعلى هذا الأساس تكون الدولة بوصفها تمثيلا للشعب في كليته ذات شرعية تجنبها اللجوء إلى العنف، وتتعامل مع مواطنين يذعنون اختيارا لسلطة القانون العمومية متى أشركتهم في تدبير شؤونهم. ولكن متى عملت الدولة على أن تتشخصن في إرادة خاصة، حينها تعبث بمقدراتها ومصيرها.

من هذا المنظور لا يمكن تعريف الدولة انطلاقا من العنف، وإنما انطلاقا من مشروعيتها السياسية التي بموجبها يمكن ترسيخ مبدأ الحق بدلا من النزوع نحو القوة. وبهذا يتحول أفراد المجتمع من الحالة الطبيعية الهمجية حيث تغيب فيها قوة الضبط والإذعان للقانون إلى حالة مدنية تتجسد فيها المواطنة الفعلية التي تعلو فوق ترديد الشعارات الجوفاء المغذّية للهزال الأنطولوجي وتورم الذات. ومن هنا يكون التغاضي عن الارتقاء بالإنسان وجعله يستكمل غاياته ويستعيد حقوقه هو استئصال لفكرة العدالة من المجتمع وفسح المجال أمام استشراء العنف.

ولا نجانب الصواب إذا اعتبرنا الفلسفة مدعوة أكثر من غيرها من الفنون البشرية أن تكون رافضة للعنف السياسي الذي داخله تتناسل كل أشكال العنف الأخرى. فمهمة الفلسفة هي تطوير أشكال الحوار وتوسيع دائرة الفهم في عالم يزداد اتساعا وتعقيدا. وبهذا فالفلسفة هي ثقافة المستقبل طالما أنها تأخذ وجهة التقدم نحو الأفضل وصناعة العيش المشترك الذي هو شركة حياة فاضلة بتعبير أرسطو، وتبتعد أن تتحول إلى إيديولوجيا تمتهن الهيمنة والعنف الفكري وبالتالي تنتمي إلى الوجود الشبيه دون الوجود بالفعل.

[1]) أرسطو، في السياسة، ترجمة: الأب أوغسطينس بربارة البولسي، ط02، اللجنة اللبنانية لترجمة الروائع، لبنان، 1980، ص08.

[1]) Max Wiber, 1975, Le savant et le politique, trad. J. Freumd, collection10/18; paris, p123   

[1]) Thomas. Hobbes, Du Citoyen, traduction modernisée par Samuel Sorbrière, librairie générale française, 1996, paris, p57 paragraphe1.

[1]) عبد الحق منصف، الأخلاق والسياسة (كانط في مواجهة الحداثة بين الشرعية الأخلاقية والشرعية السياسية)، إفريقيا الشرق، المغرب، 2010، ص244.

[1]) Hannah Arendt, la crise de la culture, traduite de l'anglais sous la direction de Patrick Lévy, Edition Gallimard, 1972, p103.

[1]) ماكيافال: الأمير، تر: خيري حماد، ط13، منشورات دار الآفاق الجديدة، بيروت، 1985، ص135.

[1]) عبد الحق منصف، الأخلاق والسياسة، المرجع السابق، ص254.

[1]) ماكيافال، الأمير، المرجع السابق، ص147.

[1]) المرجع نفسه، ص131.

[1]) المرجع نفسه، ص108.

[1]) المرجع نفسه، ص144.

[1]) المرجع نفسه، ص144.

[1]) المرجع نفسه، ص143.

[1]) المرجع نفسه، ص144.

[1]) V. Jankelevitch, le pur et l'impur, Flammarion, 1960, printed in France, p183.

[1]) ماكيافال، الأمير، المرجع السابق، ص131.

[1]) T. Hobbes, Léviathan, (traduit de l'anglais par François tricaut) sirezy, paris, 1971, p174.

[1]) T. Hobbes, Du citoyen, traduction modernisée par Samuel sorbière, librairie générale française,  paris, 1996, p114

[1]) T. Hobbes, Léviathan, op cit, p05

[1]) Ibid, p178.

[1]) Ibid, p115.

[1]) عبد الحق منصف، الأخلاق والسياسة (كانط في مواجهة الحداثة)، مرجع سابق، ص268.

[1]) T. Hobbes, Léviathan, op cit, p283.

[1]) T. Hobbes, Du citoyen, op cit, p59.

[1]) V. Jankelevitch, le pur et l'impur, op cit, p182.

[1]) جان جاك شوفالي، تاريخ الفكر السياسي (من المدينة الدولة إلى الدولة القومية)، ترجمة: محمد عرب صاصيلا، مجد، المؤسسة الجامعية بيروت، ط05، 2006، ص329.

[1]) Ibid, p337.

[1]) J. Locke, traité du gouvernement civil (traduit par DAVID MAZEL) –GF- Flammarion, 1992, paris, p260, paragraphe 157.

[1]) Ibid, p143, paragraphe 4.

[1]) Ibid, p218, paragraphe 101.

[1]) Ibid, p159, paragraphe 22.

[1]) Ibid, p148, paragraphe 10.

[1]) J. Locke, lettre sur la tolérance –GF- Flammarion, 1992, paris, p202.

[1]) سبينوزا، رسالة في السياسة، تر عمر مهيبل، المؤسسة الوطنية للفنون المطبعية، الجزائر، الفصل الخامس، الفقرة02، ص31.

[1]) J. Locke, traité du gouvernement civil, op cit; p284, paragraphe 204.

[1]) Ibid, p309, paragraphe 244.

[1]) J.J. Rousseau, Du contrat social, présentation H. Guillemin – union générale d'éditions (coll10/18), paris 1973, p60.

[1]) J.J. Rousseau, Discours sur l'inégalité parmi les hommes, présentation H. Guillemin – union générale d'éditions, paris 1973, p296.

[1]) J.J. Rousseau, Du contrat social, op cit, p64.

[1]) Ibid, p67.

[1]) عبد الحق منصف: الأخلاق والسياسة (كانط في مواجهة الحداثة)، مرجع سابق، ص293.

[1]) J.J. Rousseau, Du contrat social, op cit, p63.

[1]) Ibid, p66.

[1]) Ibid, p67.

[1]) Ibid, p74.

[1]) J.J. Rousseau, Discours sur l'inégalité parmi les hommes, op cit, p296.

[1]) J. Locke, lettre sur la tolérance, op cit, p168.

[1]) J.J. Rousseau, Du contrat social, op cit, p181.

[1]) جون جاك شوفالي، تاريخ الفكر السياسي، المرجع السابق، ص478.

@pour_citer_ce_document

محمد الصادق بلام, «الحداثة السياسية: من التأسيس للعنف إلى تفكيك مفارقاته »

[En ligne] ,[#G_TITLE:#langue] ,[#G_TITLE:#langue]
Papier : ,
Date Publication Sur Papier : 2017-01-30,
Date Pulication Electronique : 2017-01-30,
mis a jour le : 09/10/2018,
URL : https://revues.univ-setif2.dz:443/revue/index.php?id=2096.