Plan du site au format XML


Archive: revues des lettres et sciences sociales


N°01 Avril 2004


N°02 Mai 2005


N°03 Novembre 2005


N°04 Juin 2006


N°05 Juin 2007


N°06 Janvier 2008


N°07 Juin 2008


N°08 Mai 2009


N°09 Octobre 2009


N°10 Décembre 2009


N°11 Juin 2010


N°12 Juillet 2010


N°13 Janvier 2011


N°14 Juin 2011


N°15 Juillet 2012


N°16 Décembre 2012


N°17 Septembre 2013


Revue des Lettres et Sciences Sociales


N°18 Juin 2014


N°19 Décembre 2014


N°20 Juin 2015


N°21 Décembre 2015


N°22 Juin 2016


N° 23 Décembre 2016


N° 24 Juin 2017


N° 25 Décembre 2017


N°26 Vol 15- 2018


N°27 Vol 15- 2018


N°28 Vol 15- 2018


N°01 Vol 16- 2019


N°02 Vol 16- 2019


N°03 Vol 16- 2019


N°04 Vol 16- 2019


N°01 VOL 17-2020


N:02 vol 17-2020


N:03 vol 17-2020


N°01 vol 18-2021


N°02 vol 18-2021


N°01 vol 19-2022


N°02 vol 19-2022


N°01 vol 20-2023


N°02 vol 20-2023


A propos

avancée

Archive PDF

N° 25 Décembre 2017




ادير نسيم
  • resume:Ar
  • resume
  • Abstract
  • Auteurs
  • TEXTE INTEGRAL
  • Bibliographie

يهدف هذا المقال إلى تسليط الضوء على إسهامات الفكر اليوناني في الفلسفة التأويلية المعاصرة لهانز جورج غادامير، وذلك من خلال عودته إلى الفكر السّقراطي في بعده الحواريّ، باعتبار أن تأويليّة غادامير تتأسّس على الحوار بين الذات والموضوع، والأنا والآخر، الماضي التراثي والحاضر الراهن، في علاقة جدلية مستمرة لا متناهية. كما نشهد أيضا مدى تأثر غادامير بشخصية أفلاطون، والذي عدّه أبا للتفكير الميتافيزيقي الغربي، والمؤسس الحقيقي، إلى جانب أستاذه سقراط لروح التفكير الفلسفي والجدلي بتجلياته المختلفة، خاصة في كشفه لمدى التعالق الحاصل بين الأخلاق والسياسة، ونقده للنزعة المنهجية في الفن الحديث الذي يعاني من الاغتراب والاستلاب، مستعينا في ذلك بنظرية المحاكاة ونظرية التذكر الأفلاطونية في دحض هذه المزاعم. إضافة إلى ذلك المرجعيّة الأرسطية في بعدها الأخلاقيّ العمليّ، فقد رأى غادامير أنّ هذا الفكر ذو فائدة جليلة في تطور الفهم التأويلي خاصة في مسألة علاقة الكلي والجزئي، وفي فهم النّصوص وتطبيقاتها.

     الكلمات المفاتيح:

التأويل، الحوار، الجدل، المحاكاة، التطبيق


L'objectif de cet article, est d’eluminer ce que la pensé grec a fourni pour la philosophie herméneutique moderne, de Hans-Georg Gadamer à travers sa prise en considération  la pensé socratique dans ses mesures de discours. Considérant que Gadamerse base sur les le dialogue entre le sujet et l'objet, le moi et l'autre, l'héritage du passé et le présent, dans une relation dialectique interminable. Ainsi que l'influence de la personnalité de  Platon, sur Gadamer qui le considère comme un père de la pensé métaphysique occidentale et son principal fondateur. Sans oublier son maître Socrate concernant l'esprit intellectuel philosophique et dialectique. Notamment le rapport corrélation entre l'éthique et la politique et son critique de l’aptitude de méthodologique  dans l'art moderne qui subit la subtilisation. C’était à l'aide de la théorie de similitude et celle de la souvenance de Platon pour la glissance de ces  prétentions. Aussi bien que la référence aristotélicienne dans sa dimension éthique et pratique, Gadamer trouve que cette pensé très bénéfique pour la compréhension la herméneutique de développement Gadamerà propos la relations de partiel et de total, ainsi que la compréhension des textes et ces applications.

      Mots clés: Herméneutique, Dialogue, Dialectique, Imitation, Application

This article sheds the light on the contributions of the Greek thoughts on the modern interpretive philosophy of Hans-Georg Gadamer. Gadamer relied on the dimension of dialogue of the Socratic Thought. This dimension as shown the Gadamer’s Hermeneutic which is based on the dialogue between the self and the subject, the ego and the other, the past heritage and the present in a continuous endless struggle. It also witnesses how Gadamer is affected by Plato’s personality as the father of the occidental metaphysics and as the founder of the spirit of philosophical and argumentative thinking, especially in revealing to which extent the relation between ethics and politics is. He, moreover; criticized Methodism in the modern arts. These critics rely on the theory of simulation and the theory of remembering that belong to Plato. Gadamer argued that this thought has a great benefit in developing the Hermeneutic understanding of the whole and the partial as well as in the understanding of texts and their applications.

     Keywords:Hermeneutics, Dialogue, Dialectics, Imitation, Application

Quelques mots à propos de :  ادير نسيم

طالب دكتوراه، قسم الفلسفة، جامعة محمد لمين دباغين سطيف2

مفتتح

تُعتبر الفلسفة اليونانية من أهمّ مراحل تطور الفكر الفلسفي، باعتبار أنها من دشنت القول الفسلفي، حتى أن كلمة "فلسفة" Philosophieيونانية الأصل تعني حب أو محبة الحكمة، كما عرفها فيثاغورس Pythagore(570- 495ق.م)، وهذا ما جعل الفلاسفة والمفكرين اللاحقين، على اختلاف عصورهم وتوجهاتهم يعتبرونها كأهم مصدر يمكن النهل منه في تأسيسهم لنظرياتهم وأنساقهم الفكرية المختلفة. ومن هنا يُعتبر الفيلسوف الألماني المعاصر هانز جورج غادامير مؤسس الفلسفة التأويلية المعاصرة من أشد المعجبين والمهتمين بهذا التراث الفلسفي اليوناني، بحيث أنه تعلم على يد أستاذه مارتن هيدغر حب واكتشاف عظمة الفلسفة اليونانية ذاتها، وحسب غادامير فإنه أمر جدير بالفلسفة المعاصرة أن تحاول فهم الأعمال الكلاسيكية للفكر الفلسفي، فهذه الأعمال تدعي بنفسها حقيقة لم يستطع وعي الحقب الزمنية اللاحقة أن يرفضها ولا أن يتجاوزها، والفلسفة اليونانية كما يراها غادامير تُعبر عن البداية الحقيقية للفكر الغربي وأصوله الأولى التي يجب العودة إليها، باعتبارها تلامس مشكلات الثقافة الغربية المعاصرة.

إن الفكر الغربي المعاصر حسب غادامير يعاني من الاغتراب، المتمثل في انعدام الثقة بالذات والنفس، وذلك منذ بدايات العصر الحديث، خاصة مع اللحظة الديكارتية التي أدت إلى سيادة العناية المفرطة بالمنهج، واعتباره السبيل الوحيد للوصول إلى الحقيقة. وقد عارض غادامير بشدة المثل الأعلى المنهجي للعلوم الحديثة انطلاقا من عملية فهم النصوص، لأنه حسبه أدى إلىتغلغل ثنائية الذات والموضوع، وسيطرة النزعة العِلمويَّة Scientisme، وهيمنة التفكير التقني، مما أدى إلى قتل كلّ إحساس بالحياة والشعور بصعوبة الانطلاق من جديد. وهذا ما يستدعي حسب النظرة الغادامرية إعادة فهم وتأويل وتَمَثُل جديد للتراث الإنساني بشكل عام، والإرث اليوناني بشكل خاص، كجزء مهمّ من هذا التراث، باعتباره أسلوباً متميزاً في التفكير.  

والباحث في أصول الفلسفة التأويلية لغادامير سواءً تعلق الأمر بموضوع الفن، الأخلاق والسياسة، التاريخ وللغة، أو غيرها، يجدُ حضوراً قوياً وإحالاتٍ عديدة لفكر الفلاسفة اليونانيين الكبار، خاصة أشهر أعلام هذه الفلسفة سواءً تعلق الأمر برائد الفكر الحواري الجدلي ألا وهو سقراط أو تعلق الأمر بفكر أفلاطون أو بتلميذه أرسطو. وهؤلاء الثلاثة غالبا ما يستندُ إليهم غادامير في تأسيسه لمفاهيم وموضوعات فلسفته التأويلية. محاولاً بذلك تقديم تأويل جديد ومغاير لفلسفتهم، من خلال تسليط الضوء على بعض أفكارهم التي بإمكانها أن تُنير حسبه الحالة الإنسانية، والكشف عن مواطن الاغتراب فيها، والسعي إلى تقديم السُّبل والأُطر التي تجعل تجاوز هذا الاغتراب أمراً ممكناً.

   هذا ما سنحاول الكشف عنه في عملنا هذا، وذلك بالعودة إلى نصوص غادامير نفسه. وإزاء هذا الحضور لفكر هؤلاء الفلاسفة الثلاثة في مشروع غادامير الفلسفي، فإن أسئلة مهمة تَطرح نفسها علينا مفادها ما يلي:

   كيف قرأ غادامير نصوص هؤلاء الفلاسفة اليونانيين السابق ذكرهم وأعاد توظيفها ضمن فلسفته التأويلية، على الرغم من وجود اختلاف بين المشكلات التي أثارتها كل من الفلسفة اليونانية والمعاصرة؟،ما هي أهم المفاهيم والنظريات التي استفاد منها غادامير من هؤلاء الفلاسفة الثلاث؟ أخيرا كيف أعاد توظيف هذه المفاهيم والنظريات، خاصة في محاولته لتأسيس العلوم الإنسانية تأسيسا تأويليا؟ 

أولا: الحوار والجدل السقراطي

يَحتلّ مفهوم الحوار  Dialogueموقعاً مركزياً في منظومة غادامير1الفلسفية، وقد بدأَ اهتمامه بهذا المفهوم مبكرا كأساس للولوج إلى عالم الظاهرة الهرمنيوطيقية2فالفلسفة التأويلية Herméneutique La philosophieأو التأويل الفلسفي لدى غادامير لم يقم على أساس الأنا المتعالية والدوغمائية اليقينية التي تدّعي وجود الحقيقة الموضوعية، فالحقيقة  تظل في اعتقاده دوما حقيقة إنسانية أي تظل حقيقة بالنسبة لنا Truth For Usوليست حقيقة في ذاتها Truth- as – such".3والقارئ للنص الغادامري يجده حافلا بمفهوم الحوار، فنجده يقول: «وهكذا نعود إلى النتيجة إن الظاهرة التأويلية تدل ضمنياً أيضا على أولوية الحوار وعلى بنية السؤال والجواب.»4

وغادامير في تأسيسه للفلسفة التأويلية على الجدل Dialectiqueوالحوار، قد استفاد كثيرا من التراث الفلسفي الغربي خاصة كما يتجلى في الفكر اليوناني، وفي هذا التأسيس نجد حضورا قوياً لنصوص سقراط Socrate(469-399ق.م)، وهذا ما يتجلى في قوله: «ولغرض بناء نظريتي التأويلية، أصبحت مقتنعا بوجوب تبني ميراث سقراط عن الحكمة الإنسانية التي هي الجهل إذا ما قيست بما يدّعيه العلم من العصمة الإلهية لمعارفه.»5فغادامير، في هذا النص قد خالف مواطنه فريدريك نيتشه F. Nietzsche(1844-1900م) الذي قلل من قيمة الفكر السقراطي، فقد رأى بوجوب إعادة إحياء الفهم السقراطي لأساس المعرفة والفضيلة كما نقلته إلينا أبحاث أفلاطون في محاوراته المشهورة، ففكر سقراط فكر يتميز بأنه جاء في لحظة تأجج الفكر اليوناني بين الإنسان والطبيعة وعندما كان الصراع على أشده بين الذات Sujetوالموضوع Objet.6

فقد قام غادامير بتأويل مغاير ومختلف للفكر السقراطي، وذلك عندما أشار  إلى فنّ المحادثة السقراطية كآلية لمعرفة مكنونات الذات وإعادة اكتشاف لحظة الوجود الحقيقة للإنسان والتسليم بأن دائرة المجهول لديه أكبر من دائرة المعلوم « ... ولكن ليس هذا هو طريق الحكمة: إن الحكمة الإنسانية هي معرفة جهلنا. والشخص الآخر الذي يحادثه سقراط، مدان يجهله بموجب معرفته هو. وهذا يعني أن شيئا ما ينير له نفسه، وما تنطوي عليه حياته من أوهام. ولنعبر عن ذلك بطريقة أفلاطون الجريئة في الرسالة السابعة: ليست محاججته هي التي تدحض فحسب وإنما روحه أيضا.»7  فالتجربة السقراطية الأصيلة هي التي حولت الفلسفة إلى الجدلية، أين تدخل الذات في حوار مع الغير، وقبل ذلك مع ذاتها.8

والشيء الذي استفاد منه غادامير من التفكير السقراطي هو الطريقة التي كان سقراط يتعامل بها مع خصومه وهي طريقة الحوار والجدل، فمذهب سقراط هو نتيجة منهجه، فلقد كان منهجه هو الحوار الاستنباطي القائم على التهكّم والسخرية والتوليد.«وكما عرف سقراط من خلال السخرية المألوفة كيف يحقق غاياته مع أطراف أحاديثه.»9وذلك من أجل الوصول إلى تحديد الماهيات ولهذا يعزو إليه أرسطو أنه – أي سقراط – صاحب الحد الكلي والاستقراء، وهو الانتقال من المحسوس إلى المعقول. ومن صغار الأشياء إلى كبارها للوصول إلى المعنى الكلي أو الماهية. هذا هو مذهب سقراط؛ وهو أنّه إذا كان الإنسان غير مدرك العلم الصحيح فإن فيه مع ذلك حقائق كامنة يستطيع الإنسان أن يستخلصها من نفوس الآخرين فهي حقائق لا يدري الإنسان بها، ولكنها على كل حال كامنة في نفسه ووسيلة استخراجه منها إنما هي الحوار.10لهذا حسب غادامير يُعتبر سقراط من أهم الشخصيات الكاريزمية عبر التاريخ التي استطاعت أن تتقن فنّ التعليم الأصيل، القائم على الدخول في حوار فكريّ مع الآخرين.11

فسقراط في المحاورات الأفلاطونية المبكرة أو ما يسمى بالمحاورات السقراطية مثل محاورة "لاخيس" Lachèsو"ليزيس" Lysisو"أطيفرون" Euthyphronيعتمد على استخراج الأفكار من نفوس الخصوم، ومحاولة توضيحها بالمناقشة الذاتية أو الحوار الثنائي، وهو ما يعرف باسم الدياليكتيك أو الجدل، والحقيقة سواء عند سقراط أو تلميذه أفلاطون هي قبل كل شيء فكرة. والفكرة لا يمكن أن تتضح إلا بالجدل؛ أي بالتحليل النقدي لها كما تبين ذلك من المحاورات السابقة الذكر. إن الجدل في الفلسفة السقراطية لا يتناول الأشياء والوقائع وإنما يتناول التفسيرات والتأويلات المختلفة لها أو العبارات التي تقال عنها ومواجهة الكشف هو جوهر المنهج الجدلي.12لهذا نجد غادامير  يؤكد على أولوية ومكانة السؤال في كلّ أنواع المعرفة، وهذا ما تؤكده المشاهد التي لا تنسى في الحوارات الأفلاطونية، أين يظهر سقراط كمحاور يربك محاوريه السفسطائيين حتى يصلوا إلى نقطة يفقدون فيها القدرة على طرح الأسئلة، فسقراط كان يفحمهم لأنه كان أساسا يعرف كيفية طرح الأسئلة، ففن طرح السؤال هو على وجه الدّقة فنّ قيادة الفكر إلى أبعد الحدود، أن نسأل يعني أن تُتاح لنا الإمكانية أن نكون مفكرين.13

وفقا لذلك فالحوار كما يتجلى في المحادثات السقراطية هو حوار مفتوح الأفاق على اكتشاف المجهول أو المكنون داخل الذات بطريقة دياليكتية مرنة، وهذا ما جعل غادامير يعتمد على هذا الفن ( أي فن الجدل) في حديثه عن انصهار الأفاق الذي يجعل التراث ينخرط في الحاضر وفق آلية أو منطق السؤال والجواب. مما يعني لديه أن عملية الفهم هي حوار ينشأ بين القارئ والمقروء أو بين الذات والنص. فإذا كان سقراط في محاوراته المذكورة سابقا مهتما بمحاورة المعلم السوفسطائي جورجياس Gorgias(480-375ق م) في محاولته إيصاله معنى العلم والمعتقد كما هو في حقيقته. فقد رأى غادامير بأن الحوار يعبر عن الاهتمام بالآخر والاتصال به لفهم ما يقوله أو يعبّر عنه، وهنا الحوار يتسع ليعبّر عن فهم النّص بدرجة أولى وليس الفرد فقط، وبذلك فالحوار هو تقييم الآراء في ضوء التحام الآراء للفحص والمجاوزة، فالفهم هو تفاهم بدرجة أولى والاتفاق هو ضرب من ضروب الفهم التأويلي.

وغادامير في فلسفته التأويلية يُراجع مفهوم الموروث بشكل عام والموروث الفلسفي بشكل خاص، وعلاقته بالأحكام المسبقة التي تملك سلطة كبيرة في عملية التّأويل، بحيث أن وعي المؤوِّل يتشكّل ضمن إطارها. وحسب غادامير، فإنّ هذين المفهومين الموروث والأحكام المسبقة قد خضعا لتخفيض القيمة في عصر التنوير الأوروبي، وهذا ما دفعه لإعادة تأهيلهما. فالنّظرة الخاصة بالتنّوير أضعفت كل أشكال الرؤية التراثية، وعززت بذلك الاستعمالات العقلية والعلمية للمنهج. فهذا العصر وفق الصيغة المعروفة لدى غادامير، لديه «حكمُه المسبق ضد الحكم المسبق ذاته.»14وهذه الرؤية التي تفشّت في هذا العصر حول الأحكام المسبقة تمنعنا من الاستيعاب الكامل لما لدينا من معرفه وما يحدث من إدراك أدقّ لهاته الأحكام التي تقوم بتوجيه عملية الفهم لدينا «فالتغلب على جميع الأحكام المسبقة، وهو المطلب العام لعصر التنوير، سوف يتبين أنه هو نفسه حكم مسبق، والتخلص من هذا المطلب يمهٍّد الطريق أمام فهم مناسب للتناهي الذي لا يهيمن على إنسانيتنا فقط، بل يهيمن على وعينا التاريخي أيضاً.»15والشيء المهم لكي لا نبقى قابعين داخل أحكامنا المسبقة وتحيزاتنا الضارة وغير النافعة، هو القيام بعملية اكتشافها، وعندئذٍ يصبح من الممكن فحصها، في عملية الفهم، لأن التحيّزات النّافعة في الأخير هي التي تكشف لنا عن مدى تجذرنا وانتمائنا للتّراث.16

وعملية الاكتشاف هذه وصفها غادامير بأنها تتّخذ شكل الحوار، الذي من خلاله يتّم تحديث أحكامنا المسبقة. وبمجرد فحصها واكتشافها، يمكنها بالتالي أن "تقول شيئاً ما" عن الطرف الآخر. لهذا من الضروري أن نعرف بأنّنا لا نعرف شيئاً. هنا تتجلّى "الحكمة السقراطية" كشرط أساسيّ لإمكانيّة قيام أيّ حوار.فعدم ادعاء المعرفة؛يعني أن تكون منفتحا أمام إمكانيات جديدة للفهم. هذا هو الذي يحدث عندما يتم استدعاء الأفق لدينا لـ "الذوبان أو الانصهار". فنظرتنا للأشياء وفهمنا لها يتحول لإفساح الطريق لشيء آخر -رؤية جديدة-لأفق انصهر واندمج مع أفق الطرف الآخر. فالحوار بالنسبة للإغريق كان خلاقاً ومبدعاً، يعبّر عن تكاملية وتشاركية الذات مع الموضوع في مجال: الحق، الخير والجمال وقيم الحياة الإنسانية بشكل عام، عكس ما يدّعيه العلم في العصر الحديث، الذي كان يهدف للسيطرة على موضوعه باستعمال منهج معيّن، كسبيل وحيد للوصول إلى الحقيقة.17

لهذا يجعل غادامير من السؤال ذو أهمية كبيرة في العملية الهرمنيوطيقية. فطرح السؤال فيها يؤدّي إلى انفتاح الشيء، لأنّ الجواب لم يتحدّد بعد، وأفضل تعبير عن هذه العلاقة بين السؤال والجواب هو ما نلمسه في المحاورات الأفلاطونية- السقراطية، التي نميّز من خلالها الحوار بين حوار أصيل وآخر غير أصيل؛ أي التّمييز بين من يدخل الحوار من أجل أن يثبت ما لديه من معرفة، وبالتالي ادعائه أنّه يمتلك الحقيقة وبين حوار يدرك من خلاله المرء أنّه لا يعرف شيئا، وبذلك تغدو العلاقة بين السؤال والجواب هي علاقة بين المعرفة والجهل.18 إن الجدل يعبّر عن التمسك بالرأي المراد الدفاع عنه، في حين الحوار هو اختبار الرأي من خلال موضوع الحوار، والذي يتمثل عند غادامير في التراث، أين يكون الحوار بين المؤوِّل والنص، بحيث كلاهما يوجّه سؤالا للآخر.19 وحسب جان غراندانJean Grondin فغادامير في كتابه العمدة "الحقيقة والمنهج" يرحل بنا إلى رحاب الفكر الجدلي السقراطي وتساؤلاته حول المعرفة المزعومة لدى السوفسطائيين. في هذا الكتاب سعى إلى فكّ الارتباط القائم بين الحقيقة Véritéوالمنهج Méthode، مؤكّداً بذلك أن التجربة التأويلية لا تؤدي إلى يقين مطلق، خاصة إذا تعلّق الأمر بالعلوم الإنسانية، أين يكون المجال مفتوحا ورحبا لانكشاف الحقيقة، ففي هاته العلوم ليس المهم تحقيق نتائج نهائية، ولكن معرفة كيفية طرح الأسئلة، وبذلك يغدو الوعي التأويلي فنّ طرح السؤال وترك الإجابة معلقة.20

ثانيا: الفلسفة الأخلاقية السياسية والمحاكاة الأفلاطونية

يجمع المختصّون في تاريخ الفكر الفلسفي على المكانة المرموقة التيّ يحتلها الفيلسوف اليوناني أفلاطون Platon(428-348ق.م) وعلى الدّور الكبير الذي لعبته أفكاره في التّأسيس الحقيقي للنّص الفلسفي سواء من ناحية أعماله التي أرّخت للفكر الفلسفي الذي سبقه، خاصة فكر الفلاسفة الطبيعيين والحركة السفسطائية، أو مختلف المعارف التي تلقاها على يد أستاذه سقراط. ويعتبر أفلاطون صاحب مذهب كامل قائم على فكرة أو نظرية المثُل، فهو إن جاز التعبير، الفلسفة اليونانية كلّها، بحيث أنه حدّد هذه المعارف والعناصر الفكرية التي ورثها تحديدا كاملا، فنجد لديه امتزاجاً بين العنصر العقلي والعنصر العلمي والرّياضي، بالإضافة إلى الجدل والعنصر الدّيني والشّعري وكذلك الفني والأسطوري، وقد زاوج بينهما بطريقة رائعة وأضفى عليها من أصالته وعبقريته ما جعلها فلسفة خلّدها الزمن، ومازالت تأثيراتها حتى يومنا وعصرنا هذا.21وغادامير لم يكن بمنأى عن هذا التّأثير، وهذا ما نجده مؤكداً في قوله: «ما من أحد سوى أفلاطون. أفلاطون صاحب مذهب المثُل، وجدل الأفكار، أفلاطون الذي أضفى على الطبيعة شكلا رياضيا ومنح ما ندعوه بعلم الأخلاق مضمونا عقلانيا، أقول ما من أحد سواه وضع أساس المفهمة الميتافيزيقية لتراثنا، ولكن في الوقت نفسه حدّد جميع بياناته بموجب المحاكاة.»22

وهذا الإرث الأفلاطوني تلقَّاه غادامير بحماسة شديدة واهتمام كبير، ففي أطروحته التي أعدها لنيل درجة الدكتوراه، تناول فيها أحد جوانب الفكر الأفلاطوني تحت عنوان "ماهية اللّذة في حوارات أفلاطون" وعمره لا يتجاوز 23سنة، تحت إشراف أستاذه "بول ناتروب" كما أنجز أطروحته للتأهيل المعنونة بـ "الأخلاق الجدلية عند أفلاطون" وذلك سنة 1928تحت إشراف أستاذه "مارتن هيدغر". كما نشر أيضا سنة 1934دراسة حول أفلاطون بعنوان "أفلاطون والشعراء" التي تمثل أحد أندر ما نشر بين 1931و1945، قبيل اندلاع الحرب العالمية الثانية.

والباحث في نصوص غادامير يجدها حافلة بالإحالات إلى الفكر الأفلاطوني، والبداية هو رؤيته إلى طريقة الولوج إلى تاريخ الفكر اليوناني، فهو كما يقول عنه مترجما كتابه "بداية الفلسفة Au Commencement De La Philosophie" إلى اللغة العربية: ‹‹يستهل غادامير تأويله مرحلة ما قبل سقراط ببداية مختلفة. فعلى عكس ما درجت عليه التواريخ المدرسية والأكاديمية التي تتخذ من طاليس، أو هوميروس وهزيود قبله، بداية الفلسفة اليونانية والفلسفة بعامة، يقف غادامير وسط التيار. فهو يطلّ على هذه المرحلة عبر أفلاطون وأرسطو وهذان الفيلسوفان هما البوابتان اللتان تدفق عبرهما سيل المرحلة السابقة».23وهذا دليل على المكانة العظمى التي يحتلها الفيلسوفان في سيرورة الفكر الفلسفي اليوناني.

وكان السبب الذّي دفع بغادامير بتأويله لهذه البداية انطلاقا من أرسطو وأفلاطون، يعود إلى قناعته أن بداية العلم والفلسفة الإغريقيين يجب أن تُفهم في ضوء إجابات المفكرين العظام عن التساؤلات التي أثارتها تلك البداية. وهنا نجده مثلا يقرأ محاورة فيدون24، على أساس أن فهم أيّ شذرة من هذا النّص المبنيّ جيّداً وبطريقة محكمة، لا يمكن أن يستقيم من دون أن نأخذ باعتبار تلك الشذرة عبارة عن مجمل حركة الفكر والحوار التي جرت بين أفلاطون والماضي، حول مشكلة خلود الروح، المشكلة التي انتظمت تاريخ الفلسفة برمته، والتي يكون فيها فهم النفس بوصفها مبدأ للحياة من جهة، وفكرا وعقلا من جهة أخرى، وليس من أجل عدم القابلية للزوال.25

ولدى التتبع أيضا في مفهوم البداية في كل من محاورتي تياتيتوس*، والسفسطائي26فإننا نجد كلمة البداية و"المبدأ الأساسي "لا تعني هذا المعنى الزّمني اللّحظيّ، وإنّما ذات معاني "منطقية". هنا تبدو لنا قراءة غادامير لمفهوم البداية لدى كل من أفلاطون وأرسطو طريقة تهتّم بالبعد التأويلي أكثر من تركيزها على البّحث الأركيولوجي. لذلك تدخل ضمن باب القراءة التّأويلية والفلسفيّة أكثر من دخولها ضمن باب القراءات التاريخية. وقد رأى غادامير هذه المهمة التي كلّف بها نفسه في البحث في مسألة النّهاية والبداية، وتحديد باب البحث في البداية انطلاقا من أفلاطون أنّها ليست من أجل التفلسف مع أفلاطون، وإنّما من أجل نقده. وربما يكون نقد أفلاطون –حسبه- شيء يدخل في دائرة العبث، لأنّه يجب على دارس الفكر الأفلاطوني والأرسطي أن يفهمهما انطلاقا من المشكلات التي يعالجانها، ووفق الظروف التي أحاطت بهما، وبكلمات غادامير: «فهذه المهمة لا يمكن أن ترى النور إلا من خلال قراءة النصوص التي تحدث فيها أفلاطون وأرسطو على أسلافها، وعندما نحقق ذلك، لا مناص لنا من تذكر حقيقة رئيسية هي أنّ أفلاطون وأرسطو لم يكونا يحملان في أعمالهما الحس التاريخي الذي نحمله نحن، إنما كانا مقودين باهتماماتهما الخاصة، وببحثهما الخاص عن الحقيقة وهو بحث كان يشتركان فيه رغم أنه تكشف عن ميول مختلفة لدى كل منهما.»27

وكان من بين الأسباب التي جعلت غادامير يُعيد النظر في نصوص أفلاطون وأرسطو كل مرة هو إحساسه بوجود نوع من الخلل وفجوة قائمة بين القصد أو الغاية والجهاز المفهومي، وهذه هي نقطة منهجية بالنّسبة له في تناوله لكل من أفلاطون وأرسطو، بحيث رأى أنّ كليهما على دراية تامة وتمييز بين العمل القصدي والعمل المفهومي. فالمهارة بالنّسبة لهما هي معرفة المرء كيف ينشئ شيئاً ما وليس عملية الإنشاء نفسها28، ومن هذه النقطة يشرع الفكر في رحلته على طريق الكلمات والتفكير العقلي والجدل فعبر الفكر الأفلاطوني دُشِّنت طريقة جديدة نحو الحقيقة.29

والنّقطة الثانية أين يمكن للباحث أن يلمس حضور هذا الفكر الأفلاطوني في مسار التأويلية الفلسفية لدى غادامير، يجدها في البدايات الأولى لحياة التفلسف لديه بحيث كانت تميل التأويلية لديه إلى نوع من الاتّجاه السّياسي، خاصة في الفترة الممتدة بين 1934-1942م، أي قبل ظهور كتابه العمدة "الحقيقة والمنهج" في عام 1960. ففي البداية كان التّأثير الأفلاطوني عليه قد اتخذ بعداً سياسياً-أخلاقياً. وكانت عودة غادامير إلى البعد السياسي الأفلاطوني، في الفترة التي كانت ألمانيا تخوض حروباً ضروسةً وصراعات سياسية، التي رأى فيها غادامير نتيجة لانفصال السياسية عن الأخلاق، بحيث أن «النقاط البارزة في فكره تلك السنوات تقوم شواهد على طريق جديدة وجذرية مروعة في تصور السياسة، والنقطة البارزة هي أن الانفصال الحديث بين الأخلاق والسياسة ليس له ما يناظره في العالم الكلاسيكي.»30

وعلى يد جيل غادامير كما يرى محرّر الطبعة الإنجليزية لكتاب غادامير "التلمذة الفلسفية" شهد فكر أفلاطون تأويلاً جديداً، حيث كشفت الرّسالة السّابعة أنّ أفلاطون اختار التفلسف كطريقة مثلى لممارسة السّياسة، بسبب الأزمات الأخلاقية العميقة التي شهدتها أثينا في تلك الفترة.31لهذا يكاد يجمع المؤرخون أنّ فلسفة أفلاطون السياسية كما حدد معالمها في كتابه "الجمهورية"La Républiqueإنّما هي امتداد لفلسفته الأخلاقية ونظريته في المعرفة. لذلك انتهى أفلاطون إلى ضرورة التوحيد بين المعرفة كجانب نظري والحكم السياسي كجانب تطبيقي، وقد عبّر عن هذا بقوله الشّهير: «مالم يتول الفلاسفة الحكم في الدّول، أو يتحول ما نسميهم حكاما إلى فلاسفة حقيقيين، وما لم نر القدرة السّياسية تتحدّد بالفلسفة، وما لم تسنّ قوانين دقيقة تبعد من لم يجمعوا بين هاتين القوتين فلن تنتهي الشرور من الدّول بل من الجنس البشري.»32هنا نجده يمزج بين التأمّل الفلسفي والعمل السياسي، فإذا كانت الغاية من التأمّل الفلسفي هو خلاص النّفس عن طريق ممارسة الحكمة فإنّ غاية العمل السياسي تكون في خلق الظروف الصالحة لتربية المواطن تربيّة صالحة ومفيدة، وهذا هو الطّريق لإصلاح نظام العيش والحياة في المدينة اليونانية. وعليه فإن نظرة أفلاطون إلى ممارسة السياسة قد حفّزت غادامير، لأنّه -كما يرى مقدّم الطبعة الإنجليزية لكتاب "التلمذة الفلسفية"- نفس المحفزات التي حفّزت أفلاطون هي ذاتها التي حفّزت غادامير، في بادئ الأمر لطريقة مختلفة لممارسة السّياسة.33

من جانب آخر فإن التأثير الأفلاطوني على الفكر الغاداميري تبدو معالمه أكثر وضوحا في مرحلة النّضج لديه، خاصّة كما نلمس هذا الحضور الأفلاطوني في كتابه "الحقيقة والمنهج" وكتابه "تجلّي الجميل" والذي حاول من خلالهما إبراز المعالم الكبرى والأساسية لتأويليته الفلسفية ونجده يصرح بقوله: «بقدر ما كانت المحاورات الأفلاطونية رفيقا في الدائمات فإنها قامت بتشكيلي أكثر ممّا فعل مفكرو المثاليّة الألمانية. لقد وفرت لي هذه المحاورات رفقة فريدة.»34

ويستحضر غادامير المضمون الابستمولوجي، الوجوديّ والفنّي للمحاورات الأفلاطونية خاصة فيما يتعلق بالتأويلية الفنّية أو العمل الفنّي لديه، وحقيقة المعرفة باعتبارها حقيقة يمكن أن نلمسها في جوانب عديدة ومن بينها الفنّ. فموضوع الفنّ يحتلّ مكانة هامّة لديه ويمثّل نموذجاً للحقيقة الذيّ يتخطى نطاق المعرفة العلميّة، كما أنّه أحد المداخل الرئيسيّة للولوج إلى عالم التأويلية لديه35، فالفنّ –حسبه - يمثّل نموذجاً خصباً للحقيقة التي تحدث في خبرتنا وتكشف عن تناهي الفهم والوجود الإنساني، وهي حقيقة تنتمي إلى عالم الإنسان المعيش وإلى سياقه التاريخي الذي يحيا فيه وتتجاوز حدود المنهج الضيقة وما يخلفه هذا الأخير من انفصالٍ بين الذات والموضوع، حيث تنسلخ الذات عن عالمها لتنظر إليه من الخارج مستعينة بأدوات وقواعد منهجية تفرضها عليه فرضاً تعسفياً.36

وهنا يستعيد غادامير مفهوم الحقيقة باعتبارها انكشافاً ولا تحجباً التي استقى مفهومها من عند الإغريق، خاصة في أسطورة الجندي لأفلاطون، فالحقيقة في صورتها الأصلية ليست من صنع العقل، بل ماهيتها تتمثّل كما تصورها الفكر الغربي في بدايته عند اليونان بوصفها باللامتحجب "أليثيا"Aletheia  أي انكشاف الموجود أو تكشّفه.37

وغادامير في عودته إلى الفكر الأفلاطوني فيما يتعلّق بالتأويلية الفنّية وعلم الجمال، فإنّه يطرح مسألة إمكانية وجود المعرفة في الفنّ، منتقداً بذلك مجموعة من التيارات الفكرية والجمالية الحديثة والمعاصرة التي استبعدت دور المعرفة والحقيقة في مجال الفنّ، خاصة النّظرة الكانطية التي أسّست نوعا من الاغتراب داخل عالم الفنّ، وأضحى هذا الأخير موضوعاً غير قابل للدراسة العلمية، وذلك عندما حصرت اللّذة الجمالية في الشّكل، وفصلت بين الذات والموضوع في تجربة العمل الفنّي. وأصبح الفنّ الفنّان لا مكان لهما في العالم لأنهما لا يقدمان شيئا؛ أيّ أنّهما لا يعبّران عن الحقيقة ولا يقدّمان المعرفة، وليس لهما أيّ وظيفة من النّاحية الاجتماعية. وقد بيّن إيمانويل كانط E. Kant(1724-1804م) في مؤلفه "نقد ملكة الحكم Critique De la Faculté De Juger" أنّ الحكم  الجمالّي هو حكم صادر عن الذّوق كملكة شخصيّة، ومن ثمّة فالمبدأ المحدّد له هو الذات.38ونتيجة لذلك، تكون الحقيقة التي يقدمها الفنّ أقل مرتبةً من الحقيقة التي يقدمها العلم الذي ينتهج منهجاً علمياً تجريبياً.

وقد رأى غادامير أنّ هذه النظرة هي التي أسّست نوعاً من الاغتراب داخل مجال الفنّ، ودعا إلى ضرورة تجاوزها، كي يستعيد الفن مكانته في الحياة والواقع الأخلاقي.39ومن بين المفاهيم التي استعان بها غادامير في محاولته تجاوز هذه النّظرة، نجد مفهوم "المحاكاة"  Imitationالأفلاطونية. فأفلاطون في نظرية المحاكاة يرى أنّ الصورة التي يرسمها المصوّر أو الشّاعر للشيء هي تقليد للتقليد، لهذا فلا حاجة إليه، فحسبه هذا التقليد يمثل فكرة لا تسّتحق الوجود. لهذا يرى أن الشّعر عمل دنيء لأنّه لا يمثل فكرة وإنّما يمثل الشيء الذي يمثل الفكرة، وهذا ما معناه أن الشاعر ينهل من العالَم الحسي الأرضي السّفليّ، لا من العالَم الفوقي الأعلى عالَم المُثُل. ويغدو بذلك الفن، ومنه فنّ الشّعر - حسب النظرة الأفلاطونية - ليس إلاّ صورة لصورة، واعتبره تافهاً ولا طائل من ورائه حين عده محاكاةً وتقليداً للمظاهر الطبيعية المادية التي هي بدورها تحاكي الصور العقلية المثالية باعتبارها هي التي تمثل الحقيقة.40يعني هنا العمل الشعري يقع في المرتبة الثالثة، وهذا ما يشوّه الحقيقة.

لكن على الرغم من ذلك فإنّ ما يفهمه غادامير في العرض الفني للمحاكاة الأفلاطونية هو الفعل الذي يتّم فيه فعل التعرف على شيء ما، وفي هذا الأخير تكون المحاكاة بوصفها تحولاً لا علاقة له بإعادة تقديم شيء كان موجوداً من قبل41وهذا ما يتضح لدينا من خلال قوله: «لا ريب أن ماهية المحاكاة تكمن على وجوه التّحديد في التعرف على ما يكون ممثلاً في فعل التمثيل. والتمثيل يهدف إلى أن يكون صادقا ومقنعاً إلى حد الذي لا نَفْطِنُ فيه إلى أن يكون ممثلا على هذا النحو لا يكون "حقيقيا" فالتعرف باعتباره معرفة بالحقيقي يحدث من خلال فعل من أفعال المماثلة في الهوية الذي لا نميز فيه بين التمثيل و ما يكون ممثلاً.»42 وهذه الوظيفية المعرفية أو فعل "التعرُّف" في الفن، يُعيد غادامير فيه إعادة تأهيل الفكرة الأفلاطونية القديمة للفن كمحاكاة، فهو يهدف إلى إبراز أن الشيء الحقيقي المُقَلَد لا يُعتبر نسخة أقل من الأصل، ولكنه بالأحرى ما يسمح لنا بمعرفة الأصل ذاته، وبالتالي فمعرفة النسخة المقلدة في العمل ليست أقل قيمة من الشيء الذي يتم التعرّف عليه في الأصل، فكما يخبرنا علم أصول الكلمات (الإيتيمولوجيا) L’Étymologieيجب دائما أن نستحضر فعل التذكر في حديثنا عن المحاكاة، ففي أغلب الأحيان العالَم يعيش في عالَم النسيان؛ نسيان الذّات والعالَم. لهذا فالوظيفة الفنية التي يؤديها الفن تجعلنا نعيد اكتشاف حقيقة الواقع نفسه.43فالمحاكاة بوصفها تمثيلاً لا تُختزل فقط إلى مجرد تقليد نسعى من خلاله للوصل إلى الأصل، بل هي تمثّل إظهاراً لشيء ما يكون مقصوداً، ويضحى بذلك ثابتاً في مجال الرؤية لدينا، والذي يختزل صيرورة أحداث الواقع المتكثّرة.44

وغادامير في حديثه عن المحاكاة يشير إلى أحد الفنون الأدائية وهو المسرح Théâtre، كمظهر من مظاهر العمل الفنّي، فهو يهتم أكثر بهذا النمط لأنّه من أهم الفنون الأدائية الأكثر إبرازاً لمفهوم المحاكاة في بعدها الوجودي، فإذا كان أفلاطون -كما يرى غادامير- أكثر من انتقدوا الفن فإنّه يتحدث عن ملهاة ومأساة الحياة من جهة وعن الملهاة والتراجيديا في المسرح من جهة أخرى، دون أن يقوم بالتمييز بينها، لأن الشيء الذي يمكن أن نجده في معنى المسرح هو اللّذة والمتعة المعرفية له.45فالهدف الذي كان يسعى إليه غادامير عبر تحليله لمفهوم المحاكاة كما تمّ توظيفه في التّراث الفكري اليوناني خاصة الأفلاطوني هو الوصول إلى حقيقةٍ مفادها أنّ العمل الفني يتميز بالوحدة وثبات هويته القائمة على عنصر اللّعب والتّمثيل.46لذلك تتمتّع المحاكاة بقدرتها على إنتاج الحقيقة بوصفها تُمثل وظيفة معرفية خاصة. فالإبداع الفني هو على الأقل مرآة تضيء الواقع من تعسفات الذاتية، وتسعى التجربة الجمالية إلى نوع من إعادة الخلق أو المشاركة في حدث أو حدوثية وانتاج المعنى، وهذا لا يكون ممكناً ولا متاحاً إلاّ إذا كان هناك مجال للمحاكاة داخل الوعي الجمالي، وبدون هذا الأمر لا يمكن أن يكون لهذا الأخير أي مكان داخل الواقع.47     

ثالثا: الفلسفة العملية الأرسطية

استمرارا في البحث في المصادر اليونانية التي استند إليها غادامير في مشروعه التأويلي وتأسيس دعائمه، الفلسفيّة، نجد عودته إلى فكر أرسطو Aristote(384-322ق.م) فإذا كان غادامير في بحثه في تاريخ تشكل الهرمنيوطيقا يرى بأنه لم يعنى بالمشكلة التأويلية، فغياب معالجة قضية تعدّد الدّلالات في المشروع الأرسطي حال دون ملامسة أو تقديم رؤية كاملة تسعفنا في الوقوف على أصول الإشكالية الحديثة لمفهوم التأويل عند أرسطو، مادام أنه لم يفكّر في مؤلفه " فن التأويل perihermeneais" إلاّ في المعنى المنطقي للملفوظ أو العبارة عندما عالج Logos apophanlikosوهو المعنى المعرفي الذي تطور فيما بعد، في الهلينية المتأخرة hermeneaisوhermenusليدلّ "على التّفسير العلمي" أو "المؤوِّل المترجم" وهذا خلاف الأصل المقدس القديم الذي كان ينظر إلى الهرمنيوطيقا بوصفها فنا أو آلية.48هكذا عبر الخطاب الغاداميري عن مدى الانزياح الحاصل في تحول مفهوم الهرمنيوطيقا في التصور الفلسفي الأرسطي عن ذلك الأصل الدّيني واللاهوتي المتوارث. إلاّ أنّه يؤكد أهمية التراث الأرسطي والعودة إليه فيما يتعلق بمشكلة التطبيق Applicationداخل العمليّة التأويلية، والتي يجد لها أصولاً في الفلسفة الأرسطية، خاصة في بعدها الأخلاقي، ونجد هنا غادامير يصرح بقوله: «ولهذه الغاية يمكن أن تكون "الفلسفة العملية" التي طورها أرسطو نموذجا، وهذا هو الخط الثاني من التراث الذي يجب إحياؤه، ويبدو لي البرنامج الأرسطي من علم عملي النموذج البحثي الوحيد الذي طبقا له يمكن التفكير في العلوم التأويلية.»49

ولقد خصّص غادامير في كتابه الرئيس "الحقيقة والمنهج" عنصرا يتحدث عن الفائدة التي يمكن أن نلتمسها من هذه الفلسفة العملية La Philosophie Pratiqueلأرسطو وعلاقتها بقضية التطبيق والفهم في الدائرة الهرمينوطيقية وتبيان أهمية أرسطو تأويليا.50فحسب غادامير يتمثل جوهر المشكلة الهرمنيوطيقية في أن التراث يجب أن يُفهم بصورة مختلفة دائما، انطلاقا من العلاقة القائمة بين الكلي والجزئي فالفهم إذن حالة خاصة من تطبيق شيء كلي على حالة جزئية، وهذا ما يجعل العلم الأخلاقي الأرسطي ذا أهميّة خاصة في العملية التأويلية.51  

فأرسطو في تأسيسه للفضيلة الأخلاقية، بالرّغم أنّه أبقى على الإسهام السقراطي والأفلاطوني على دور المعرفة النّظرية كمكوّن أساسّي للفعل الخلقي إلاّ أنه تجاوز هذا الفهم بإضافة عنصر التطبيق والعمل.52فالفضيلة الخلقية غير متأتية من أمور سابقة تكمن في ضمير الإنسان وفكره، وإنّما هي أمور مكتسبة خاصة بالممارسة. فمن تَعوَدَ وتدرّب على ممارسة الأعمال الفاضلة أصبح عنده ثوابت وقيم لفلسفة أخلاقية فاضلة، فقد كان أرسطو يقدّم -وفق هذا المنّظور- العمل والتطبيق على القول والنظر (التّأمل العقلي)، ويظهر ذلك في قوله:«أما فضائل الأشياء فينبغي أن نعلمها إذا تعلّمناها، هنا إذا عملناها تعلمناها مثال ذلك إذا بنينا صرنا بنّائين، وإذا ضربنا على العود صرنا ضرّابين للعود، وإذا فعلنا أمور العدل صرنا عادلين، وإذا فعلنا أمور العفّة صرنا أعفّاء، وإذا فعلنا أمور الشجاعة صرنا شجعان.»53

وأرسطو كما أشرنا منذ قليل يقيم المعرفة الأخلاقية على الممارسة والسجيّة Ethique، والشيء الذي أثار انتباه غادامير فيما يخص المعرفة الأخلاقية الأرسطية هو كيفية تناول أرسطو المعرفة العملية وكيفية تحديده لها، فما يميز المعرفة العملية لدى أرسطو هو أنها تتعامل مع الجزئيات لا الكلّيات؛ أي كيف ينبغي على إنسان معيّن أن يتصرّف في موقف أو حالة معيّنة. لهذا تشتمل المعرفة العملية دائما على جدل بين "المبدأ العام" و"الحالة الخاصة" والحكمة العملية هي بالتحديد تلك القدرة على إنجاز هذا التطبيق. وما دام كل صنف من المعرفة العملية يتناول جزئيات، فهي إذن بحكم طبيعتها ذاتها، لا تتيح إلاّ معرفة غير دقيقة، فانعدام الدّقة هو جزء من طبيعتها وليس قصورا يمكن التغلب عليه بمزيد من التقدم في هذا المجال أو ذاك.54ويعلّمنا أرسطو أن حكمة الحياة la sagesse De Vieلا تُكتسب من خلال قواعد معينة، يمكن تعلمها مسبقا، ولكنها تُكوَّن أوتُشّكل وتُثقَّف، فهي أساس الحسّ المشترك لدى الإنسان، فهي عبارة عن انفتاح الإنسان على الآخرين، وهذا ما يجعل من الممكن تجاوز الفردية لديه واحتضان الغيرية، وهذا هو السبب الذي يجعل موضوع العلوم الإنسانية هو أساساً الوجود الأخلاقي والتاريخي للإنسان.55ونجد لدى غادامير تأكيدا لهذه الحقيقة في قوله:«والواقع إن نمط المعرفة في العلوم الإنسانية تتوقف على هذا الحسّ المشترك الذي يغذي ارتباطاً وثيقاً بالحقائق الأخلاقية والسياسية والتاريخية. يجب علينا أن نؤسس العلوم الإنسانية على هذا النوع من المعرفة التاريخية، والتأويلية، وذلك ففيما [...] يتصل بموضوعها، يحدد الحسّ المشترك قطعاً الوجود الأخلاقي والتاريخي للبشرية كما يتجلى [هذا الوجود] في كلماتنا وأعمالنا.»56وهذا ما يفسّر عودة غادامير في محاولة تأسيسه للعلوم الإنسانية للمقولات الأخلاقية الأرسطية، مثل مقولة: الحسّ المشترك Sens Commun، الحكمJugement، الحكمة العملية Sagesse Pratique، وغيرها كثير.ووفقاً له، فالمفهوم الذي قدمه أرسطو للحكمة العملية يسمح بتقديم وصف كامل للطريقة التي ينبغي العمل بها، لتطوير فنّ الحوار، الذي يأخذ في عين الاعتبار النتائج والأثار الأخلاقية لمفهوم فنّ الإصغاء كفنّ للفهم: «غير أن "الفلسفة العملية" هي أكبر من كونها مجرد نموذج منها في العلوم التأويلية هي أيضا أساس جوهري، والسمة الخاصة للمنهج في الفلسفة العملية هو مجرد نتيجة " للمعقولية العملية" التي أرسطو رسم قراءتها التصورية.»57ولهذا حدد أرسطو الفضيلة باعتبارها غاية الحكمة العملية، بأنها ملكة خلقية مرتبطة بالاختبار وقائمة في وسط ما، قابل للتحديد بناءً على مبدأ عقلي وعلى أساس هذا المبدأ يحدّد صاحب الحكمة العملية.58

وهذا لا يتحقق إلا وفق تأمل فكري وخلقي عميق الذي يضع تجربة الإنسان في هذا الوجود تجربة تكشف عن تناهي هذا الإنسان التاريخي في هذا الوجود، ويصف غادامير هذه التجربة: «إن التجربة الحقيقية هي ما يصير الإنسان من خلاله واعيا بتناهيه فيكشف فيها حدود قوة عقله المخطط، وحدود معرفة هذا العقل الذاتية [...]فالاعتراف بما موجود لا يعني فقط إدراك ما موجود في هذه اللحظة، بل يعني أن نبصر الدرجة المحدودة التي يمكن أن يظل المستقبل فيها منفتحا ولتوقعاتنا وخططنا ويعني على نحو أساسي أعمق، أن نبصر بحقيقة أن كل ما تتوقعه الكائنات المتناهية وتخطط إليه، متناه ومحدود.»59

ونحن قد أشرنا فيما سبق بأنّ أرسطو في معالجته لمشكلة تطبيق شيء كلّي عام على حالة جزئية خاصة في إطار ما يعرف لديه بالفلسفة العملية، في مجال الأخلاق والسياسة والاقتصاد. وهذه المجالات أدرجها فيما بعد غادامير ضمن حقل بحث العلوم الإنسانية، فالمعرفة في هذا الحقل البحثّي تكون فيه مقولة الموضوعية مختلفة عن باقي المعارف الأخرى، خاصة التي تخضع للرقابة المنهجية. ففي العلوم الإنسانية نتوصّل إلى معرفة غير دقيقة دقّة العلوم الصورية والعلوم الطبيعية والفيزيائيّة. وهذا الشّيء طبيعيّ؛ لأنّه يعبّر عن حقيقة الفهم الإنساني والوجود النسبّي، فالحقيقة تبقى دائما إنسانية، نسبية، محكومة بالظروف المحيطة بالإنسان واللحظة الزمنية المعاشة. فوصف أرسطو للمعرفة الأخلاقية -حسب غادامير- خاصة فيما يتعلق بنظريته حول فضيلة المعرفة الخلقية، فسيجد أن تحليله يوفر في واقع الأمر من نماذج مشكلات التأويلية، خاصة فيما يتعلق بمشكلة الكلي والجزئي والتطبيق، وعلاقته بالمؤول والتراث وما يقوله النّص.60فيدعونا حسب رأي غادامير التأويل المطبقHerméneutique Appliquéeليس فقط إلى تطبيق أورغانون منهجي ابستمولوجي في قراءة التراث الإنساني وإنما إلى تشكيل وعي تأويلي Conscience Herméneutiqueقوامه الحس النقدي التاريخي في تناول موضوعات التراث وعقلانية متميزة Sublititusintelligendفي فحص أصوله واكتناه تربيته وهو ما يسميه غادامير بالوظيفة الفعالة للتاريخ L’Efficience De L’Histoire؛ أي تطبيق الدّلالات التي تكشف عنها حقائق التاريخ والتراث على اللحظة الراهنة، فمهمة الهرمينوطيقا في أساسها فهم النّص وليس فهم المؤلف كما تصور ذلك شلايرماخر61من قبل، فالفهم لا يتم من خلال العلاقة (النفسية) التي تنشأ بين القارئ والمؤلِف، بل على الاشتراك في الموضوع الذي يقدمه النص، ولهذا فالقارئ لا يخرج من عالمه (الحاضر) لينتقل إلى عالم النص (الماضي) بل يدع النص يخاطبه وهو في عالمه الحاضر، وهذا ما يسمح للنص ليصبح حاضرا ومتجددا على الدوام؛ فالفهم هو أن يضع الشخص نفسه في قلب التراث ثم في المحتوى الذي ينقله التراث إليه، بهذا يغدو الفهم مشاركة في تيار التراث أين ينصهر الماضي التراثي بالحاضر الراهني، وهذا ما يُعرف لدى غادامير بانصهار الآفاق La Fusion Des Horizonsأين يَتِمُ دمج أفق القارئ أو المتلقي بأفق النص. فلا ذاتية القارئ والمؤلِف هي النقطة المرجعية، ولكن المعنى التاريخي نفسه، ودلالاته في الزمن الحاضر.62

     إن إشكالية التطبيق، وهي اللّحظة التي تحقق فيها التأويلية بطريقة أو بأخرى، وذلك من خلال دمج الفهم والتأويل، أبرزت حقيقة أنّ الكلّية المتحققة في التراث لا تُظهر مضمونها الحقيقي، إلاّ إذا وجدت طلباً مناسباً من خلال الحالة الخاصة للمؤوِّل. وبالتالي فإن تأويلية غادامير تسعى للبحث عن وجود صلة بين الحالة الكلية والحالة الخاصة. هذه العلاقة التي من شأنها أن تنصف الحركة التاريخية للفهم، خاصة داخل حقل العلوم الإنسانية. وهذا ما يستدعي حسب غادامير رفض فكرة المنهج كما تم فهمها في العصر الحديث، وذلك بالعودة للفكر اليوناني والمفهوم الأرسطي له. فالمنهج الذي يقرر قبل الغوص في الشي هو تجريد سيء. فالحقيقة تعود إلى الموضوع ذاته، الذي يحدد طبيعة البحث والغوص فيه، فالمنهج الحقيقي هو الذي يترك الشيء يكشف عن منطقه الخاص، مثل هذا المنهج ينصف البحث في حقل العلوم الانسانية.63يقول الأستاذ  ياشر ساغائي، مؤكداً دور التطبيق وعلاقته بالفهم التأويلي: «يتخذ الفهم دوما دلالة التطبيق، لأن التأويل الذي نمارسه في حق التراث يرتبط دوما بالسؤال الذي نطرحه، أي بمشكلاتنا الخاصة وإمكانية أن يقدم النص المقروء إجابة لهذه المشكلات.»64

لا نفهم من هذا التصريح أنّنا نجد حلولاً جاهزة في نصوص التراث للمشكلات التي تشغل بالنا في لحظاتنا الراهنة، وإنما توسيع حركة التراث بنقده وتثويره وتطويعه ليتماشى مع الحاضر، فالوعي التأويلي حسب غادامير يعكس ظهور التراث وانصهار أفاق الماضي والحاضر في حدث الفهم، فهو يتضمن إنارةً (أو تنويراً) حاضراً للراهن وحالتنا الواقعية. ولهذا يرى غادامير أنّ مهمة الهرمينوطيقا هي إخراج النّص من اغترابه الذي هو وليد النّظرة الشكلية الثابتة فتجعله يحيا من خلال ربطه بالحاضر عبر الحوار القائم على منطق السؤال والجواب كما أشرنا إلى ذلك سابقا. وبذلك فالتّأويل هو محاولة الإجابة عن السؤال الذي يطرحه النص، ففهم النص هو فهم السؤال. يرى غادامير رغم أهمية إعادة بناء العالم الخاص للنص بغية فهمه إلاّ أنها ليست هي الغاية الأساسية لعملية التأويل أو المفتاح الأساسي لعملية الفهم، وذلك لأن معنى النص يتوقف على الأسئلة التي نطرحها في الحاضر، وبالتالي ليست مهمة الهرمينوطيقا هو استعادة هذا الماضي بل هو دمج الماضي مع الحاضر.65

وتُعتبر الأبحاث التي قدّمها أسطو في فلسفته الأخلاقيّة نموذجاً ثرياً في إبراز أهميّة الجانب العملي أو التطبيقي في التأويل بالرجوع إلى الحكمة العملية الأرسطية. إذ يبدأ فهم النص في صورته النظرية ولكن لا يتوقف عند هذا الحد، بل لابد من الانتقال إلى تطبيقه على الواقع العملي؛ أيّ على السلوك الجزئي، وهذا ما يجعل الذات يمكن أن تطبق ما فهمته فعلا في حاضرها.66فالبرنامج الأرسطي لعلم عملي يمثل النّموذج الابستمولوجي الذي يمكن أن تتأسّس عليه علوم "الفهم" خاصة إذا علمنا أن الفهم يتخذ طابعا لغويا. إنّ التّفكير التأويلي حول شروط الفهم، يجعل من الممكن قيام هذه العلوم على التّفكير اللغوي، الذي لا يبدأ أبدا من الصفر ولا يصل إلى نقطة نهائيّة، فأرسطو يبين أن العقل العملي والحدس العملي لا يتم تعليمهما كعلم، ولكنهما يَكتسبان إمكانيّتهما من الممارسة نفسها؛ أي في الارتباط الداخلي بالأخلاق. هذه هي الحقيقة التي يجب دائما تذكرها.67

ولكن فنّ التطبيق حسب غادامير لا يعني أن هذا الفنّ عملية إضافية تضاف إلى الفهم، ولكن الهدف منه يتحدّد منذ البداية في إطار شامل يكشف المحتوى الفعلي والملموس للفهم التأويلي، ولا يحاول المؤول وبحضور نص ما تطبيق معيار عام لحالته الخاصة، وإنما ينصب اهتمامه على الكشف عن دلالة أصلية متحجبة ومتوارية خلف المكتوب المراد معالجته.68وكون الفهم هو عملية تاريخية لا تتم إلا من خلال انصهار الآفاق، فهم النّص هنا يتوقف على الحالة الراهنة التي يرتبط بها، هذا ما يعطيه معنى متغيراً باستمرار، حيث يتعين القديم والجديد دائما في شيء ذي قيمة حيّة، من دون أن يتصدر أحدهما الآخر.69ولذا يرى غادامير أن عملية الفهم، تقوم على تطبيق النص المراد فهمه على الموقف الراهن، أي ربط النص بالزمن. يمكن اعتبار هذا التحليل لمفهوم التطبيق من إيجابيات تأمل غادامير في فلسفة أرسطو العملية، واستطاعت بذلك التأويلية أن تكون فهماً وتأويلاً وتطبيقاً.70ففنّ التّأويل والفهم ليس مهارة محددة يمكن تعلمها، لتصبح شخصا تعلّمت هذا الأمر كنوع من المؤول المحترف، ولكنه ينتمي إلى جوهر الوجود الإنساني. على هذا النحو، فتطبيق المعرفة في هذا المجال يشبه المعرفة التي طورها أرسطو في أخلاقياته.71وهذا ما يجعل من الفهم الهرمنيوطيقي أمرا عمليا في جوهره، أن تفهم النص هو أن ترى علاقته بالتطبيق أو العمل (البراكسيس praxis)72. وكل هذا يؤكد من جانب آخر العلاقة الأصيلة والأساسية بين الفعل والقول وهو المكسب الأول لهرمينوطيقا (البراكسيس). ولا يتمثل هذا المكسب فقط في اكتشاف أن أقوالنا هي ذاتها أفعال، وإنما في أن أفعالنا يمكن قراءتها على منوال نصوص يجب إعادة تفكيكها وتأويلها مرة أخرى من جديد. ففهم النص يمر قدما بالتطبيق حسب غادامير والتأويل وسيلة من خلالها تتجاوز المسافة والفاصل الموجود بين النص والموقف الحالي.73ولعل المعرفة الأخلاقية ليست لها علاقة مباشرة بالمعرفة التأويلية، ولكن الشيء الذي يجمع بينهما أنّ كلاهما يحتوي على مهمة التطبيق.

خاتمة

من خلال هذا العرض لمجمل أفكار وتأويلات غادامير المتعلقة بالمصادر اليونانية التي ساهمت في تشكيل العناصر الأساسية التي تنبني عليها الفلسفة التأويلية لديه، والتي لا نزعم أننا قد أحطنا بها في مجملها، ولا في تفاصيلها، بل لا نزعم أصلا القدرة على القيام بهذه المهمة كاملة وشاملة، ولكن حسبنا أنّنا حاولنا أن نسلط الضوء على أهم النقاط، والتي تمّ تلخيصها فيما يأتي:

إن عودة غادامير إلى التراث اليوناني يعبر عن موقفه العام من مسألة التراث الذي دعا إلى إعادة قراءته بنظرة مغايرة إيجابية تتيح لنا إعادة فهمه فهما صحيح باعتباره عنصرا أساسيا من الهرمنيوطيقا وجزءاً لا يتجزء منها، بحيث تسعى الهرمنيوطيقا في تطبيقاتها إلى الرجوع إلى المصادر الأساسية والأصلية والبدايات الأولى بغية الوصول إلى فهم أفضل لمعاني التراث وتصحيح الإعوجاجات والتحريفات والاستعمالات السيئة التي حصلت فيه، وذلك بغية تجديده وإمكانية توظيف تلك الحقائق المنتجة فيه في سياق الموضوعات المدروسة التي ترتبط بشكل أو بآخر بهموم اللّحظة الرّاهنة، وفق حس تاريخي ونقدي متميز، محاولا بذلك تمثل النظرة اليونانية القائمة على فلسفتي الحوار والجدل، التي من خلالها أعاد غادامير إحياء منطق الحوار السقراطي، وهذا الحوار الجدلي تكون فيه المعرفة تواصلا ومشاركة وليست قبضا وامتلاكا وحيازة. فقد أقام غادامير الممارسة التأويلية على السؤال في شكله السقراطي، باعتباره سؤالاً عن الحقيقة، فهو بهذا العمل، أراد أن يبعث الجدل الفلسفي من جديد، جدل السؤال والجواب والتواصل مع الآخر مع الماضي حواراً وتفاهماً لا امتلاكاً وإقصاءً. محاولا بذلك تأسيس جديد ومغاير للبحث في منطق العلوم الإنسانية. فمنطق هذه العلوم قائم على هذا النوع من الفهم لجدل الحقيقة، وليس على المنهجية العلمية المتشددة كما هو سائد في العلوم الطبيعية. وهذا ما دعا بغادامير إلى العودة إلى الجدل السقراطي باعتباره مصدر التفلسف في التراث اليوناني وصانع الحكمة الإنسانية التي تؤمن بأن عالَم المجهول في حياة الإنسان أكبر من عالَم المعلوم. لهذا يمكن اعتبار الفهم والتأويل الذي يرتكز على جدل وأخلاقيات الحوار طريقة جيدة للبحث في المشكلات التي تثيرها العلوم الانسانية، ففهم النصوص وتأويلها ليس مجرد مسألة تخص العلم، بل من الواضح أنهما يخضان التجربة الانسانية للعالَم عموماً.

أمّا فيما يخص الحضور الأفلاطوني، فأفلاطون يعتبره غادامير أحد البوابات التي اعتمد عليها في فهم الفلسفة السابقة على سقراط وهي مرحلة الفلاسفة الطبيعيين الذي رأى فيها غادامير ضرورة تأويلها كما لو أننا نكتشفها لأول مرة. تلك البداية التي لا تعرف مسبقا أي طريق سوف تسلكه ولا ما تؤول إليه رحلتها عبر الزمن التاريخي. بالإضافة إلى أن أفلاطون كانت عودة غادامير إليه في المراحل الأولى للتفلسف لديه، والتي كانت تأويليته أخذت بعداً سياسياً وأخلاقياً. حيث اتفقت رؤية غادامير مع رؤية أفلاطون العملية حول السياسية التي لابد أن تستند إلى أُطر معرفية وفلسفية وأخلاقية تنظم مسارها في قيادة المجتمع والابتعاد عن كل نزعة إيديولوجية واهية تشوّه عملها وتخلق نوع من الفوضى والاضطراب داخل هذا المجتمع. ومن جانب آخر فغادامير استند إلى الفكر الأفلاطوني فيما يخص قضية المعرفة خاصة كما رأينا في مجال الفن، فغادامير رأى بأن أفلاطون صاحب المذهب القائم على المُثُل يمثل أباً للميتافيزيقا الغربية وأول المؤسسين لها، والذي طرح قضية الوجود طرحا حقيقيا وأول من وضع أساس المفهمة الميتافيزيقية للتراث الغربي لكنه في نفس الوقت حدد جميع أسسه بموجب نظرية المحاكاة القائمة على جدل التذكر والنسيان، باعتبارها معرفة بجوهر المثال، وأن الشيء يمكن معرفته انطلاقا من ظهوره وانكشافه، فالحقيقة التي أسسها أفلاطون هي حقيقة الظهور والانكشاف وفق نمط المعرفة الظواهرية. ومن هذا الطرح الأفلاطوني جرى ما يعرف حسب غادامير في التراث الغربي مسألة نسيان وتذكر الوجود، وإن كان غادامير يعود إلى هذه المسألة انطلاقا من المعرفة كما تتجلى في حقل الفن ونقده للمذاهب التي أسست للفكر المنهجي التعسفي في هذا الميدان، خاصة المذهب الكانطي الذي حاول شوّه الحقيقة الفنية، وفق نزعة عقلانية ودوغمائية منغلقة. لهذا عدّ غادامير المحاكاة عندما وظفها في عملية الكشف عن طبيعة العمل الفني خاصة في ميدان اللعب المسرحي، مفهوما إجرائيا يفي بهذا الغرض. فهي تؤدي دورا معرفيا يساهم في الوصول إلى الحقيقة، وكشف ماهية الواقع وتقديم حقائقه بصورة فنية. وهذا ما يرفع بالحقيقة الفنية إلى المستوى المعرفي الذي تستحقه، حيث لا تقلُ قيمةً عن الحقائق والمعارف التي تقدمها العلوم الأخرى النظرية والعلمية. 

أما فيما يتعلق بالفلسفة الأرسطية، نخلص إلى القول بأن فلسفة أرسطو العملية، خاصة في جانبها الأخلاقي، هي التي أثارت اهتمام غادامير فيما يخص مسألة تطبيق الكلي والجزئي، والحكمة النظرية والحكمة العملية في مسألة التأويل، بحيث أكد غادامير أن أرسطو يعد مؤسس الفلسفة العملية بمعناها الحقيقي إذ كان هو الذي أدرك في معرض نقده لأفلاطون أن المعرفة النظرية للخير وحدها لا تستطيع أن تدفع الإنسان إلى عمل الخير، وحيثما كان الأمر متعلقاً بالمسائل العملية يكون توضيح التطبيق مطلوبا؛ أي كيف يطبق الإنسان المعرفة النظرية في مواقف خاصة أو وضع فردي مميز، لكي تتحقق الفضيلة لدية. ولا تستطيع الفلسفة العملية أن تمضي في سيرها دون أساس لمفهوم الفعل، الذي يكون الدعامة الأولية لهذا الطابع الخاص لمثل هذا النوع من البحث الفلسفي. فالحكمة النظرية وحدها لا تكفي في فهم وتصحيح الفعل الخلقي وهذا أيضا ينطبق على المصادر القانونية وتطبيق العدالة، فالمعرفة هنا تستلزم التطبيق لتحقق الفعل وتمارسه، وانطلاقا من هذا الفهم الأرسطي رأى غادامير أن مشكلة الفهم التأويلي لابد أن يتضمن التطبيقي للنصوص. ويكون بهذا غادامير قد أسّس ما يُعرف بفلسفة الفعل داخل حقل الممارسة التأويلية، فالفهم والفعل مجالان لا يمكن الجمع بينهما جمعا كاملا بواسطة التأمل التأويلي وحده بل لابد من التطبيق، خاصة إذا تعلق الأمر بالعلوم الإنسانية، التي هي أقرب للمعرفة الأخلاقية العملية منها للمعرفة العلمية النظرية. وذلك راجع إلى خصوصية التجربة الإنسانية التاريخية، المحكومة بالتناهي وفرادة نوعها، وعدم قابليتها للتكرار بنفس الوتيرة والمنوال، عكس العلوم الطبيعية التي تكون فيها التجربة مستقلة عن ذات الباحث، وقابلة للتكرار.

وكملاحظة ختامية يمكن القول أن عودة غادامير للتراث اليوناني، نابعة من قناعته أن التراث ليس شيئا يقع خلفنا، بل هو شيء حاضر أمامنا وفي مستقبلنا، بالرغم من المسافة الزمانية التي تفصل بيننا وبين هذا التراث، إلا أنه لا مناص لنا من الانخراط في البحث في ثناياه والاستفادة من كنوزه. لهذا فتأويل غادامير للفلسفة اليونانية يمكن أن نعتبره تجسيدا لهذه الحقيقة التراثية. واعتباره دعوة إلى أن يكون تصور الفلسفة لا كنظامٍ يعبر عن حقائق صحيحة وثابتة، ولكن كشريك وفعالية حوارية مع التراث، الذي تقع ضمنه. وكل هذا نجد له تعبيراً في التاريخية الراديكالية للفهم الإنساني، الذي مفاده أن الحقيقة دائما تبقى تأويلية.وقد تمكن غادامير من خلال هذه المقاربة التأويلية للفلسفة اليونانية أن يؤسس العلوم الإنسانية على مقولات ابستمولوجية مخالفة لتلك الموجودة في العلوم الطبيعية، فهي مقولات نابعة من الطبيعة الإنسانية ذاتها. وبالنسبة لنا فهذه الروح البحثية الغادامرية يمكن أن تكون مصدرا ثريا وملهما في إعادة قراءة تراثنا الإسلامي قراءة جدية وايجابية وبروح نقدية، بغية فكّ أقفاله واستكناه معانيه، دون أية نزعة تبجيلية أو إيديولوجية إقصائية. كما أنه يمكن الاستفادة من هذا التراث في تأسيس العلوم الإنسانية في حقل الدراسات لدينا، فهذه العلوم لا غنى عنها في فهم الذات والغير، ودفع حركة التقدم العلمي داخل المجتمع الإسلامي. الذي بدوره يعاني اغتراباً كبيراً سواء تجاه الماضي التراثي، أو الحاضر الراهن

1.جورج هانز غادامير  Hans – Georg – Gadamer(1900-2002م)، يُعد من أكبر مؤسسي الهرمنيوطيقا الفلسفيةالمعاصرة. درس الفلسفة في ماربورغ على يد "بول ناتروب P. Natrop" الذي يعد من أشهر مؤرخي الفلسفة و"نيكولاي هارتمان N. Hartman" حيث إلتقى غادامير بالكانطية الجديدة والوضعية، انتقل بعد ذلك إلى "فرايبورغ" سنة 1923لدراسة الفينومينولوجيا على يد إدموند هوسرل E. Husserlومارتن هيدغرM. Heideggerوكان إعجابه شديدا برائد الفلسفة الوجودية هيدغر، الذي وجد في فلسفته مفاتيح فكرية ومفاهيم هامة في بناء فلسفته الهرمنيوطيقية، وفي سنة 1929نال رسالة الدكتوراه، وفي تلك الأثناء تخصص في الفكر الأفلاطوني. إضافة اهتمامه بالدراسات الكلاسيكية والفيلولوجيا. دَرّس في العديد من الجامعات الألمانية والجامعات الأوروبية والأمريكية، أما فيما يخص مؤلفاته فلم يكن غادمير في بداية مشواره الفكري كثير الإنتاج، خاصة إذا علمنا أن "الحقيقة والمنهج" (1960) نشره في ستنيات عمره، وفيما بين 1986-1991قام بنشر أعماله الكاملة في عشرة أجزاء الصادرة في "توبنغن" Tubingenبألمانيا وتُرجم معظمها إلى لغات عديدة. للاستزادة أكثر عن حياة ومسار غادامير الفكري، يُنظر: هانز جورج غادامير، التلمذة الفلسفية، ترجمة حسن ناظم وعلي حاكم صالح، ط1، دار الكتاب الجديد المتحدة، بيروت لبنان، 2013. 

2.تتعدد الترجمات العربية لمصطلح الهرمينوطيقا وهذا راجع إلى الاختلاف الحاصل بين الباحثين سواء في مجال الفلسفة أو الأدب أو الترجمة ومختلف مجالات المعرفة المتعددة، فعلى سبيل المثال وليس الحصر تجد الباحث والمترجم محمد شوقي الزين يترجم هذا المصطلح فيفضل صيغة فن التأويل إذ نجده يقول: «تجدر الإشارة إلى أننا نبتغي صيغة فن التأويل لترجمة Hérménutique  تميزا لها عن التأويل بمعنى Interprétation.»  محمد شوقي الزين، تأويلات وتفكيكات، ط 1، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، 2002، ص 29. وتذهب الباحثة نبيهة قارة إلى القول بأن: «لفظة هرمينوطيقا Hérménutiqueمشتقة من اليونانية Hermeneiaأي فن التأويل... وهكذا تتوزع لفظة هرمينوطيقا على ثلاث مستويات أ) مستوى ميتودولوجي؛ ب) مستوى ابستيمولوجي؛ جـ) مستوى فلسفي.» نبيهة قارة، الفلسفة والتأويل، ط1، دار الطليعة، بيروت لبنان، 2004، ص 05.   

3.عبد العزيز بوالشعير،غادامير، من فهم الوجود إلى فهم الفهم، ط1، الدار العربية للعلوم ومنشورات الاختلاف، لبنان الجزائر، 2011، ص 16.  

4.هانز جورج غادامير، الحقيقة والمنهج، ترجمة حسن ناظم وعلي حاكم صالح، ط1، دار أوبا طرابلس، 2007، ص 491.  

5.هانز جورج غادامير، التلمذة الفلسفية، مصدر سابق، ص307.

6.محمد عبد الرحمن مرحبا، مع الفلسفة اليونانية، ط3، منشورات عويدات، بيروت باريس، 1988، ص 95.

7.هانز جورج غادامير، التلمذة الفلسفية، مصدر سابق، ص 310.

8.Hans Georges Gadamer, L’Herméneutique En Rétrospective,Traduit de l’allemand par Jean Grondin, ÉditionVrin, Paris, 2005, p 140.

9.هانز جورج غادامير، التلمذة الفلسفية، مصدر سابق، ص 309.

10.أميرة حلمي مطر، الفلسفة اليونانية، تاريخها ومشكلاتها، ط2، دار قباء للطباعة والنشر والتوزيع، القاهرة مصر، 1998، ص 145،146.

11.Hans Georges Gadamer, Langage Et Vérité,Traduit de l’allemand par Jean–Claude Genes, ÉditionGallimard, Paris, 1995, p 167.

12.أميرة حلمي مطر، الفلسفة اليونانية تاريخها ومشكلاتها، مرجع سابق، ص 145. 

13.Hans Georges Gadamer, Herméneutique Et Philosophie,Traduit de l’allemand par Jean Greisch, ÉditionBeauchense, Paris, 1999, p 40.

14.هانز جورج غادامير، الحقيقة والمنهج، مصدر سابق، 374.

15.المصدر السابق، ص 381.

16.هانز جورج غادامير، بداية الفلسفة، ترجمة حسن ناظم وعلي حاكم صالح، ط1، دار الكتاب الجديد المتحدة، بيروت لبنان، 2002، ص 64.

17.المصدر السابق، ص 100،101.

18.هانز جورج غادامير، الحقيقة والمنهج،مصدر سابق، ص 427.

19.عادل مصطفى، فهم الفهم مدخل إلى الهرمنيوطيقا، ط1، دار رؤية للنشر والتوزيع، القاهرة مصر، 2007، ص 332.

20.Jean Grondin, Introduction à Hans-Georg Gadamer, Éditiondu cerf,  paris, 1999p 178.

21.محمد عبد الرحمن مرحبا، مع الفلسفة اليونانية،مرجع سابق، ص 117.

22.هانز جورج غادامير، التلمذة الفلسفية، مصدر سابق، ص 309.

23.هانز جورج غادامير، بداية الفلسفة، مصدر سابق، مقدمة المترجمان، ص ه. 

24.محاورة فيدون Phédon: هذه المحاورة من أهم محاورات أفلاطون. اهتمت بها الفلسفة اليونانية بعد أفلاطون واهتم بها الفكر الإسلامي والفكر المسيحي ولا تزال محل اهتمام الكثير من الباحثين المعاصرين لما لها من قيمة عظمى في التفكير الفلسفي وفيما يعرض أفلاطون حيثيات محاكمة سقراط ومؤثرات موته وعرض مشكلة شغلت الإنسانية وهي مشكلة النفس وخلودها. أفلاطون، فيدون، ترجمة عزت قرني، ط1، دار قباء للطباعة والنشر والتوزيع، القاهرة، 2001، تقديم المحاورة، ص 11.   

25.هانز جورج غادامير، بداية الفلسفة، مصدر سابق، ص 83،84.

26.محاورة السفسطائي Le Sophiste: هي محاورة في التعريفات. مصطفى النشار، تاريخ الفلسفة اليونانية من منظور شرقي (السفسطائيون-سقراط-أفلاطون)، مرجع سابق، ص 173.

27.هانز جورج غادامير: بداية الفلسفة، مصدر سابق، ص 40.

28.المصدر السابق، ص 116.

29.المصدر السابق، ص 41،42.

30.هانز جورج غادامير، التلمذة الفلسفية، مصدر سابق، مقدمة الطبعة الإنجليزية، ص 28.  

31.المصدر السابق، الصفحة نفسها.

32.أفلاطون، الجمهورية، ترجمة فؤاد زكريا، دار الكتاب العربي للطباعة والنشر، القاهرة، 1968، ص 473.

33.هانز جورج غادامير، التلمذة الفلسفية، مصدر سابق، مقدمة الطبعة الإنجليزية، ص 28. 

34.المصدر السابق، ص 309.

35.هشام معافة، التأويلية والفن عند هانس جيورج غادامير، ط1، الدار العربية للعلوم ومنشورات الاختلاف، لبنان الجزائر، 201، ص 35.

36.سعيد توفيق، في ماهية اللغة وفلسفة التأويل، ط1، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، بيروت، 2002، ص 93.

37.هانز جورج غادامير، طرق هيدغر، ترجمة حسن ناظم وعلي حاكم صالح، ط1، دار الكتاب الجديد المتحدة، بيروت، 2007، ص 93.

38.إيمانويل كانط، نقد ملكة الحكم، ترجمة غانم هنا، ط1، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت لبنان، 2005، ص 136،137.

39.هانز جيورج جادامير، تجلي الجميل، ترجمة سعيد توفيق، ط1، المجلس الأعلى للثقافة، القاهرة، 1997، مقدمة المترجم، ص 24،25.

40.عبد الحميد حيده، التخيل والمحاكاة في التراث الفلسفي والبلاغي، ط1، دار الشمال للطباعة والنشر والتوزيع، القاهرة، 1984، ص 49،50. 

41.هشام معافة، التأويلية والفن عند هانس جيورج غادامير، مرجع سابق، 159.

42.هانز جيورج جادامير، تجلي الجميل، مصدر سابق، ص 214.

43.Jean Grondin, Introduction à Hans-Georg Gadamer, Op. cit., p 71,72.

44.هشام معافة، التأويلية والفن عند هانس جيورج غادامير، مرجع سابق، 160.

45.هانز جورج غادامير، الحقيقة والمنهج،مصدر سابق، ص 185.

46.هشام معافة، التأويلية والفن عند هانز جيورج غادامير، مرجع سابق، ص 161.

47.Jean Grondin, Introduction à Hans-Georg Gadamer, Op. cit., p 72.

48.هانس غيورغ غادامير، فلسفة التأويل، ترجمة محمد شوقي الزين، ط2، الدار العربية للعلوم ومنشورات الاختلاف، لبنان الجزائر، 2006، ص 62.

49.هانز جورج غادامير، التلمذة الفلسفية، مصدر سابق، ص 307.

50.هانز جورج غادامير، الحقيقة والمنهج، مصدر سابق، ص 423.

51.المصدر السابق، الصفحة نفسها.

52.المصدر السابق، ص 424.

53.أرسطو، الأخلاق، ترجمة إسحاق بن حنين وشرحه وقدم له عبد الرحمان بدوي، ط1، وكالة المطبوعات، الكويت، 1979، ص 192.

54.هانز جورج غادامير، الحقيقة والمنهج، مصدر سابق، 425،426.

55.Jean Grondin, Introduction à Hans-GeorgGadamer, Op. cit., p 47,48.

56.هانز جورج غادامير، الحقيقة والمنهج،مصدر سابق، ص 73.

57.هانز جورج غادامير، التلمذة الفلسفية، مصدر سابق، ص 308. 

58.هانز جورج غادامير، الحقيقة والمنهج،مصدر سابق، هامش ص 95،96.

59.المصدر السابق، ص 477،478.

60.المصدر السابق، ص 438.

61.فريديريك شلايرماخر Friedrich Schleiermacher(1768-1834) لاهوتي وفيلسوف ألماني من ممثلي المذهب البروتستانتي، كانت ثقافته الدينية والدنيوية واسعة ومتينة وارتبط مع كبار الممثلين الرومانسيين الألمان، ومع الرابطة العقلانية. نشر في عام 1799" و"نقد الأنظمة الأخلاقية" في عام 1803، درس الفلسفة والثيولوجيا والأخلاق المسيحية والتأويل، وغيرها من الفروع المعرفية المختلفة. جورج طرابيشي، معجم الفلاسفة، ط3، دار الطليعة للطباعة والنشر، بيروت لبنان،2007. ص 365،366.

62.عارف بن حديد، التأويل عند هانز جورج غادامير، (مذكرة ماجستير)، كلية العلوم الانسانية والاجتماعية جامعة منتوري قسنطينة، نوقشت في 11-03-2009، رسالة غير منشورة، ص 72،73.

63.Hans Georges Gadamer, Le problème de la conscience historique, Traduit par Pierre Fruchon, Seuil, Paris, 1996, p13,14.

64.ياشر ساغائي، غادامير، الحقيقة حوار وتفاهم، ترجمة محمد شوقي الزين، مجلة كتابات معاصرة، عدد 40سنة 2000، بيروت لبنان، ص 79. 

65.عادل مصطفى، فهم الفهم مدخل إلى الهرمنيوطيقا، مرجع سابق، ص 334،335.

66.روديجر بوبنر، الفلسفة الألمانية الحديثة، ترجمة، فؤاد كامل، دار الثقافة للنشر والتوزيع، القاهرة، 1998، ص 84.

67.Hans Georges Gadamer, La Philosophie Herméneutique,Traduit par Jean Grondin, 2eédition, ÉditionPresses Universitaires De France, Paris, 2001, p 50.

68.هانس غيورغ غادامير، فلسفة التأويل،مصدر سابق، ص 39.

69.هانز جورج غادامير، الحقيقة والمنهج، مصدر سابق، ص 416،417.

70.المصدر السابق، ص 438.

71.Hans Georges Gadamer, Langage Et Vérité,Op. cit., p 195.

72.عادل مصطفى، فهم الفهم مدخل إلى الهرمنيوطيقا،مرجع سابق، ص 314. 

73.المرجع السابق، ص 315،316.

@pour_citer_ce_document

ادير نسيم, «»

[En ligne] ,[#G_TITLE:#langue] ,[#G_TITLE:#langue]
Papier : ,
Date Publication Sur Papier : 2017-12-19,
Date Pulication Electronique : 2017-12-19,
mis a jour le : 17/10/2018,
URL : https://revues.univ-setif2.dz:443/revue/index.php?id=2390.