جماليات الرؤية في سجنيات مفدي زكرياء
Plan du site au format XML


Archive: revues des lettres et sciences sociales


N°01 Avril 2004


N°02 Mai 2005


N°03 Novembre 2005


N°04 Juin 2006


N°05 Juin 2007


N°06 Janvier 2008


N°07 Juin 2008


N°08 Mai 2009


N°09 Octobre 2009


N°10 Décembre 2009


N°11 Juin 2010


N°12 Juillet 2010


N°13 Janvier 2011


N°14 Juin 2011


N°15 Juillet 2012


N°16 Décembre 2012


N°17 Septembre 2013


Revue des Lettres et Sciences Sociales


N°18 Juin 2014


N°19 Décembre 2014


N°20 Juin 2015


N°21 Décembre 2015


N°22 Juin 2016


N° 23 Décembre 2016


N° 24 Juin 2017


N° 25 Décembre 2017


N°26 Vol 15- 2018


N°27 Vol 15- 2018


N°28 Vol 15- 2018


N°01 Vol 16- 2019


N°02 Vol 16- 2019


N°03 Vol 16- 2019


N°04 Vol 16- 2019


N°01 VOL 17-2020


N:02 vol 17-2020


N:03 vol 17-2020


N°01 vol 18-2021


N°02 vol 18-2021


N°01 vol 19-2022


N°02 vol 19-2022


N°01 vol 20-2023


N°02 vol 20-2023


A propos

avancée

Archive PDF

N°03 Novembre 2005

جماليات الرؤية في سجنيات مفدي زكرياء


pp : 83 - 105

محمد زغـينه
  • Auteurs
  • TEXTE INTEGRAL
  • Bibliographie

تمهيد:إن شعر السجون إبان الثورة التحريرية الكبرى يمثل حلقة هامة من تاريخ الشعر الجزائري الحديث، والشعر العربي عموما؛ بل يمثل صورة المقاومة الجادة بالقلم والبدن، ومَعْلَما من معالم الأصالة والعبقرية في ليالي الاستعمار؛ لأنه شعر التزم بقضايا الوطن، والأمة، ودافع عن مقوماتها ونافح عنها في سبيل التحرر، بروح إيمانية وتصور إسلامي، وبسالة استشهادية؛إنه الشعر الذي مثل واقعه أحسن تمثيل، فكان وثيقة تاريخية لصدقه، وعفويته، وموضوعيته.

 وأهم شاعر جزائري مثل ذلك هو الأديب الشاعر مفدي زكرياء؛ هذا الشاعر الذي آمن منذ نعومة أظافره بأن الشعر رسالة إنسانية سامية، بما يحمل من عظمة، وجلال وما يمكِّن له من عقيدة ووحدة اللغة، والتزام شعري، وتجديد في التعبير والتفكير، مما يجعله شعرا صادقا مع مشاعر العروبة الزاحفة([i]). هذه الروح الجهادية هي التي طبعت هذا الشعر وخلدته.

1 (نارية الرؤية والفكر)

 إن المتصفح لديوان "اللهب المقدس"يحس بالاحتراق بدءا من العنوان الموحي، والمنعكس على الموضوع، والعاكس للهب الثورة الذاتية والموضوعية؛ ثورة الشاعر، وثورة الأمة، ولذلك توزعت "النار" على ديوانه تسعا وعشرين مرة([ii])، وتوالت بصفاتها، وإشاراتها أكثر من أربعين مرة مما جعل الشاعر ماردا بشعره، الذي تحول إلى رجوم لشياطين الاستعمار ولكل باغ.

 فاستخدام الشاعر للنار يعود إلى إحساسه الجمالي الفعال بهذا اللون"النوراني"، ليشكل به صور الرعب من جهة، ويبرز مشاهد التضحية من جهة ثانية، وضراوة هذا اللهب من جهة ثالثة؛ ويحيلنا إلى حقيقة النار التي يُسْفِر منها الصبح بعد الظلام، وهذا إحساس فطري بقيمة التأثيرات النورانية، والضوئية في التعبير عن جمال الأشياء، فالشمس تحيي موات الأشياء، والنار تبعث الدفء في الأحياء، وبذلك تكون الرؤية النارية في اللهب المقدس امتدادا للزمن الروحي، زمن الكون المترامي الأطراف؛ حيث النار التي تحيط بكل شيء، وتتسلط على الحيز المكاني لتكون "لهبا مقدسا" من جهتين؛(نار الإحراق/ ونار البرد و السلام)، لأن الشاعر ينطلق من ذاته المحترقة، من لحظة الألم من لحظة معانقة الموت، من لحظة الصفر التي تتولد منها روائع الحياة وتنبعث البذرة من ترابيتها الحارقة كانبعاث طائر الفنيق([iii]) من رماده ولذلك يقـول:([iv])        

        وتُسْمِنُنَا الأحجار نقضم صخرهـا         ونبلع إن جعنا شعاليل نـيران

 فهذه النار هي نار الوجع التي ترسم صورة الجحيم يوم القيامة حين يتساوى الإنسان مع الحجارة ويصبح معها وقودا لنار جهنم، إلا أن الشاعر عَكَسَ هذا المعنى فإذا بها نار لا قيمة لها لأنه لا يحس بها؛ لأنها من مخلوق متجبر متسلط وبذلك فإن الشاعر سيقاوم وسينبعث من رماد هذه النار لينطلق بروحه في رؤى صوفية مثقلة بالأحلام، حالة بالبعث، باللحظات الضوئية التي تنير المكان المغلق قائلا من البسيط([v]):

يا سجن ما أنت لا أخشاك تعرفــني
أنـام مـلء عيـوني غبطة ورضــى
طوع الكرى وأناشيدي تهدهـــدني
والـروح تهـزأ بالسجان ساخــرة

تنسـاب في ملكـوت الله سابــحة
 

 

من يحذق البحر لا يحدق به الغــرق
علـى صياصيك لا حقد و لا حنـق
وظلمـة الليـل تغـريني فأنطلــق
هيهات يـدركـها أيــان تنزلـق
 لا الفجر إن لاح  يفشيها  و الغسـق

 

  هكذا يرحل الشاعر بروحه إلى حيث منابع النور لأنه يستدعي حالة سيدنا إبراهيم-عليه السلام- حين (قَالوا حَرِّقُوهُ وانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينْ)([vi])؛ فتحولت تلك النار المقدسة من الإحراق إلى الإشراق، ومن الإماتة إلى الإضاءة، ومن التنكيل إلى التحرر، ومن الاستعباد إلى الانعتاق، لأن هذه النار خاضعة للأقوى، للذي قال لها: (يا نَارُ كُونيِ بَرْدًا وسَلاماً)([vii]).

         ولذا فلا عجب أن يتحدى الشاعر أيضا هذه النار قائلا على الخفيف ([viii]):

              يا فرنس امطري حديدا ونــارا            واملئي الارض والسماء جنودا

              واضرميها عرض البلاد شعالـيـ             ل فتغدو لها الضعاف وقـودا               

        

  هكذا ينتشي الشاعر باللحظات النارية لأن المقدس صار مثلا أعلى في ذهنه في تلك اللحظة، وأصبح لا يخاف شيئا، وآمن بأن النور لا يكون إلا بعد الاحتراق المادي أو المعنوي، ولعله في تلك اللحظة تذكر ما ذكره الألوسي في تفسيره روح المعاني: إن سيدنا إبراهيم عليه السلام (حين أوثقوه ليلقوه في النار قال: لا إله إلا أنت سبحانك لك الحمد، ولك الملك لا شريك لك، فأتاه جبريل عليه السلام فقال: يا إبراهيم ألك حاجة؟ قال: أَمَا إليك فلا؛ فقال جبريل عليه السلام: فاسأل ربك؛ فقال حسبي من سؤالي علمه بحالي)([ix]).

  هذه الصورة كانت حاضرة، ونار اللهب تلهب جسد الشاعر الغائب عن الوعي المادي، والجلاد يتفنن في تعذيبه (بأساليب نمرودية)، ولذا قال الشاعر من البسيط([x]):

سيـان عنـدي مفتـوح ومنغلق
أم السيـاط بـها الجـلاد يلهبني
والحوض حوض وإن شتى منابعه

 

 

يا سجن بابك أم شدت به الحلق
أم خـازن النار يكويني فأصطفق
ألقى إلى القعـر أم أسقى فأنشرق

 

 

  هكذا ينعدم الاحساس (بالنار) حين يكون المؤمن تحت تأثير الإيمان القوي، حيث الدفقات الضوئية التي تفتح كل الأماكن المغلقة، فيكون الثبات وتكون القوة التي لا يمكن أن توقفها قوة أخرى، ولا يمكن أن توقف نهر النور المتدفق بالحياة، ولذلك هيهات تدرك هذه النارُ روحَ الشاعر المسافرة في منابع النور كصوفي ينعتق من ترابيته عارجا إلى حبيبه ولذا كانت صورة سلوى الحبيب وكانت الذكرى وكان الحلم الدافئ([xi]).

سلوى أناديك سلوى هل تجاوبيني
ردي عليَ أهـازيجي مـوقعـة
ورتليـها تسابيحـا مقدســة

 

سلوى فأنا لساني بـاسْمِهَا ذَلِقُ
فقـد أعارك وزنـا قلبي الخفق
في معبد الحب يسجد عندها الأفق

 

 فالكي بالنار يصل الشاعر بالحبيب؛ فالنار براق للمعراج ومطية للسفر والقرب، ولذا يستجيب لهذه النار المقدسة"سيدي بومدين الغوث"([xii])حارس تلسمان ووليها على أفقها الغربي يحرسها من كل ظلام آت من هذا الغرب؛ يقول الشاعر من الوافر ([xiii]):

مضت كالشهب وانحدرت شظايا
وشـبت من ذرى وهـران نـار

 

تَلَهَّـبُ في دجنتـها التهـابـا
رآها برج مدين فاستجابـــا

 

 

  تلكم النار الأولى ذات الدلالة الروحية التي تنبعث منها الحياة، أما النار الثانية فهي نار الإنذار والوعيد، النار التي حركها الأزل وضغط بها القدر الرابض على زناد البعث لتطلق القذيفة المسحورة في دروب الجزائر الحالمة، وأحراشها السكرى، ورمالها العطشى، وجبالها الغضبى([xiv]).

   نار الحجة والبرهان، نار الصدق التي تنبعث من نار الباطل من ليل الظلم، بقول الشاعرمن الكامل([xv]):

ما شئت تصعق عندها الأحـلام
رُفعـت لـمن في نـاظريْه رُكام

 

 

والنار أصدق حجة فاكتب بـها
ولوافـح النيران خيـر لـوائـح

 

  إن الرؤية النارية في اللهب المقدس تتجاوز حدود المادية لتكشف عن حالات روحية ومجالات نفسية بحثا عن الجوهر الذي يغذي النفس ويريح الروح، ولذلك ماجت فيها الظلال وتعانقت مع الرؤى، فشع الديوان بالنور وتسامت ناره وتساوقت فيه الحياة بالموت لأن الشاعر كان يغرف من معين صاف لا تعكّره الأهواء، ولذا امتدت رؤيته إلى مناخات السماء مشعة بالوقفات الروحية.

  وبذلك يبدو مفدي زكرياء في هذه اللحظات النارية المتألقة في ذلك الحيز السجني، منجذبا إلى النار مشدودا إلى النور، مفتونا بهذا اللون إلى حد الهوس ملونا خارطة المك

([1])-انظر : حواس بري، شعر مفدي زكرياء، دراسة و تقويم، ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر ، ط1، 1994، ص 360.

([1])-طائر اسطوري تروي ألأسطورة أنه حين يحترق ينبعث من رماده.

([1])-مفدي زكرياء، اللهب المقدس، ص : 326.

([1])-المصدر نفسه، ص : 26.

([1])-الأنبياء/ 69.

([1])-الأنبياء/70.

([1])- مفدي زكرياء، اللهب المقدس، ص :17.

([1])-الألوسي، روح المعاني، 17/68، وانظر الحديث في صحيح البخاري عن أبي بن كعب، و انظر : د/ فضل حسن عباس، القصص القرآني، شركة الشهاب، باتنة، الجزائر، (د.ت)،ص : 161.

([1])- مفدي زكرياء ، اللهب المقدس،ص 26.

([1])-مفدي زكرياء، اللهب المقدس،ص:25.

([1])-انظر: حياته في : د/ عبد الحليم محمود: شيخ الشيوخ، أبو مدين الغوث،  حياته و معراجه، دار المعارف مصر، ط2، 1993.

([1])-مفدي زكرياء، اللهب المقدس، ص :31.

([1])- المصدر  السابق، ص :3.

([1])-المصدر  السابق، ص : 43-44.

([1])-انظر : هذه الإشكالية  : مالك المطلبي، الزمن النحوي، الفكر العربي المعاصر ، مركز الانتماء الفكري، بيروت، عدد 40، تموز آب  1986، ص : 80.

([1])-انظر : اشكالية الزمن ، غاستون باشلار؛ جدلية الزمن، ترجمة خليل أحمد خليل، ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر 1982.

([1])-مفدي زكرياء، اللهب المقدس،ص 30.

([1])-غاستون باشلار، جدلية الزمن، ص : 65.

(*)– البقرة /160.  انظر كذلك محمد بابا عمي، الزمن في القرآن رسالة ماجستير جامعة الجزائر 1999.

([1])-مفدي زكرياء، اللهب المقدس، ص: 137.

([1])-انظر: عبد الصمد زايد، مفهوم الزمن و دلالته ، الدار العربية للكتاب، طرابلس، ليبيا، 1988، ص 17-18.

([1])-فيليب مانع، الإختلاف و التكرار الأيقوني، ترجمة عبد العزيز بن عرفة، مجلة كتابات معاصرة عدد 35 المجلد التاسع، تشرين الأول و الثاني 1998،ص 78.

([1])-ينظر : نوفل جراد، الجميل و الجليل، مجلة كتابات معاصرة عدد 35 المجلد التاسع، تشرين الأول و الثاني 1998،ص 23.

([1])-انظر : يس/40 ،"ولا الليل سابق النهار".

([1])-آل عمران/55، انظر : النساء/157-158.

([1])-القصص/29.

([1])- الإسراء/1.

([1])-انظر قصة ذبح عبد الله أبي الرسول (ص) في ابن هشام السيرة النبوية ، دار إحياء التراث العربي- لبنان، ص : 164.

([1])-انظر : سيد قطب، رسالة إلى أخته من السجن.

([1])-مفدي زكرياء ، اللهب المقدس،ص : 09-10.

([1])-مفدي زكرياء ، اللهب المقدس، ص : 11.

([1])-سورة القدر.

([1])-مفدي زكرياء، اللهب المقدس، منشورات وزارة التعليم الأصلي و الشؤون الدينية، الجزائر، ط 1973،ص: 18.

(*)– من أكبر  السجون الذي خصصته فرنسا لمعتقلي الثورة الجزائرية  و قد تحول إلى متحف بعد الاستقلال.

([1])-مفدي زكرياء، اللهب المقدس،ص : 18.

(*) – مرحلة  يبلغها السالك  الهندوسي، وتقوم على مجاهدات  شاقة ، بالإقلال من الطعام و كثرة السهر، أي لون من ألوان الثرية الروحية عن طريق الآلم.

([1])-انظر : د/ أنس داود، الهلال ، عدد 8 ، السنة 84، 1976، ص : 127.

([1])-مفدي زكرياء، اللهب المقدس، ص : 22.

([1])-انظر : مفدي زكرياء، اللهب المقدس، ص : 22-23.

([1])-انظر : المصدر نفسه، ص 22-23.

([1])-انظر المصدر نفسه، ص 22-23.

(*)– أنظر : تعريف الخاطرة  : محمد البستاني، الإسلام و الفن، مجمع البحودث الإسلامية، مشهد إيران ط ، 1409،ص : 165، وانظر : رابح لطفي جمعية  فن كتابة الخواطر، مجلة  العربية  ع 63، س06، 1983،ص 229.

([1])-د/ عبد الكريم بلبع، حركة التجديد في الشعر المهجري، الهيئة المصرية العامة  للكتاب، مصر ، 1980، ص : 208.

([1])-أنظر: د/ محمد ناصر، الشعر الجزائري الحديث/، دار الغرب الإسلامي، بيروت 1984، ص : 324-325.

([1])- انظر :د/ صالح الخرفي ، الشعر  الجزا ئر  الحديث، المؤسسة  الوطنية للكتاب ، الجزائر ، 1985، ص : 255.

([1])- انظر : مفدي  زكرياء ، اللهب المقدس ، ص :26.

(*) – انظر ، أحمد مختار  البزرة ، الأسر و السجن في شعر العر ب، مؤسسة علوم القرآن، دمشق بيروت ط 1، 1985، ص 23...الخ

([1])- داصالح خرفي ، الشعر الجزائري الحديث ، ص 255.

([1])- مفدي زكرياء ، اللهب المقدس، ص :33.

([1])- المصدر السابق ، ص : 58.

([1])- انظر: رئيف خوري، مقدمة ديوان  أحمد الصافي النجفي، مكتبة المعارف بيروت 1983 ، ص : 58.

([1])- مفدي زكرياء ، اللهب المقدس،ص :52.

([1])-د/ أحمد مختار البزرة، الأسر و السجن في شعرب العرب ، مؤسسة علوم القرآن ، دمشق، بيروت، ط1، 1985، ص : 473.

([1])-مفدي زكرياء ، اللهب  المقدس، ص : 29.

([1])-انظر  : أ با  فراس الحمداني، الديوان ، دار بيروت للطباعة و النشر  ، لبنان، 1979، ص :161.

([1])-د/ محمد ناصر، الأصالة  عدد 89، 90، الجزائر ، ص : 122.

([1])-انظر : مفدي زكرياء اللهب المقدس، المكتب التجاري، بيروت، 1961، ص : 5.

([1])-انظر: د/عباس محمود عوض، في علم النفس الاجتماعي، دار النهضة العربية، بيروت، 1980، ص : 61.

([1])-  مفدي زكريا ء، اللهب المقدس ، ص 316.

@pour_citer_ce_document

محمد زغـينه, «جماليات الرؤية في سجنيات مفدي زكرياء»

[En ligne] ,[#G_TITLE:#langue] ,[#G_TITLE:#langue]
Papier : pp : 83 - 105,
Date Publication Sur Papier : 2005-11-01,
Date Pulication Electronique : 2012-05-05,
mis a jour le : 14/01/2019,
URL : https://revues.univ-setif2.dz:443/revue/index.php?id=408.