العولمة واستراتيجية التحوّل المعرفي مقاربة حفرية في أنساق المفاهيم المعرفية
Plan du site au format XML


Archive: revues des lettres et sciences sociales


N°01 Avril 2004


N°02 Mai 2005


N°03 Novembre 2005


N°04 Juin 2006


N°05 Juin 2007


N°06 Janvier 2008


N°07 Juin 2008


N°08 Mai 2009


N°09 Octobre 2009


N°10 Décembre 2009


N°11 Juin 2010


N°12 Juillet 2010


N°13 Janvier 2011


N°14 Juin 2011


N°15 Juillet 2012


N°16 Décembre 2012


N°17 Septembre 2013


Revue des Lettres et Sciences Sociales


N°18 Juin 2014


N°19 Décembre 2014


N°20 Juin 2015


N°21 Décembre 2015


N°22 Juin 2016


N° 23 Décembre 2016


N° 24 Juin 2017


N° 25 Décembre 2017


N°26 Vol 15- 2018


N°27 Vol 15- 2018


N°28 Vol 15- 2018


N°01 Vol 16- 2019


N°02 Vol 16- 2019


N°03 Vol 16- 2019


N°04 Vol 16- 2019


N°01 VOL 17-2020


N:02 vol 17-2020


N:03 vol 17-2020


N°01 vol 18-2021


N°02 vol 18-2021


N°01 vol 19-2022


N°02 vol 19-2022


N°01 vol 20-2023


N°02 vol 20-2023


A propos

avancée

Archive PDF

N°09 Octobre 2009

العولمة واستراتيجية التحوّل المعرفي مقاربة حفرية في أنساق المفاهيم المعرفية


pp : 105 - 108

عبد الغني بارة
  • Auteurs
  • TEXTE INTEGRAL

إنّ الهمّ الذي لأجله يقوم هذا المشروع، هو الحفر والنّبش في الأنساق المعرفية والأجهزة المفاهيمية التي تقف وراء تشكّل المفاهيم والمصطلحات في إطار ما يعرف اليوم بـ"فتوحات العولمة"، أو "كشوفات ما بعد الحداثة"، حيث تم الانتقال من المصطلح النّقدي إلى الثقافي إلى الاقتصادي (الرقمي/ الإلكتروني)، وبدل الحديث عن العقل البشري أضحى الاهتمام منصبًا على العقل الآلي، وانتهى دور الإنسان مرسِلاً ليُفسَح المجال إلى نظام الوسائط التي تتيح نقل المعطيات والعلامات وإدارة الأعمال والأموال على بعد، وفي زمن قياسي، يقاس بسرعة الضوء، أو قل "سرعةَ الفكر" على حدّ تعبير أحد علماء هذه المعرفة الجديدة (العالم المُعَوْلَم).

أمام هذه التحولات المعرفية في منظومة المفاهيم، أضحى مفيدًا القولُ، إنّ المصطلحات باعتبارها بوابة العلوم ومفتاحها، تعدّ أوّل مظهر تتبدّى فيه هذه المعرفة الجديدة، أو قل هي الوسيط الذي يعمل على ربط البعيد بالقريب، والدخيل بالأصيل، بل وحتى الثقافي بالاقتصادي، لأنّه ـ أي المصطلح ـ في المحصّلة، نتاج محاضن معرفيةٍ كبرى يُصطلح عليها "الأنظمة المعرفية" للثقافة الواحدة، حيث ينشأ المصطلح ويتشكّل قبل أن يُبعث به إلى سوق الرواج، حيث التداول والانتشار. فتزول، إذ ذاك، الحدود بين العلوم والمجالات، ويصبح المصطلح المتداول في مجال النّقد أو الأدب مرتبطًا معرفيًا بقرينه في الاقتصاد والسوق، أو قل يسيران ويعملان جنبًا إلى جنب، وإنْ تعدّدت المسميات.

وهذا، فيما نحسب، من ثمار العولمة، إذ جرّت، والقول لأحد الباحثين، عولمة الاقتصاد معها عولمة الثقافة، فكما يدور الحديث، في مجال الاجتماع، عن تآكل الحدود وتلاشي الهويات، يشيع في الاقتصاد القولُ عن انتشار الشركات متعدّدة الجنسيات، وإلغاء الأسواق الوطنية وتعويضها بالأسواق العالمية، أمّا في عالم الإعلام الآلي، فالكلام يدور حول المجتمع السبراني أو مجتمع الإنترنت، حيث يتشكّل مجتمع تقني جديد لا يعترف بالحدود أو الهويات، وإذا جئنا إلى عالم النّقد، فمدار الكلام عن نظرية التناص، حيث تتمّ هجرة النصوص وارتحالها داخل الثقافة الواحدة، أو من ثقافة إلى أخرى، كما تتعدّد النصوص وتتداخل على سطح النصّ الواحد، بل وتتعدّد قراءة النصّ الواحد قراءات متعدّدة، وهذا بفضل ما يعرف بالقارئ الذي تعدّدت النظريات حوله قصد ضبط مفهوم قارّ له، من قارئ نموذجي إلى قارئ  مثالي، إلى قارئ مخبِر، إلى قارئ مبدع، إلى قارئ تفاعلي، إلى قارئ أعلى، وصولاً إلى القارئ التواصلي كثمرة من ثمار الرؤية التداولية، حيث يتمّ الحديث عن المجتمع التداولي/ التواصلي. وغير بعيد عن هذا التواشج والاتساق يتمّ الحديث عن "المترجم الآلي" كمنحى جديد اقتضاه ميلاد النصّ الإلكتروني، وكذا الحديث عن"الترجمة الفورية"، تجسيدًا لآفاق المجتمع التداولي، حيث يكون التواصل مباشرة دون إحساس بالدونية أو العجز، أو أفضلية لغة على لغة، إذ الغاية، في المحصّلة، هي التواصل بين الإنسان وأخيه الإنسان.

هذا التداخل في المفاهيم ، يعضّد ما تمّ إقراره سلفًا، وهو أنّ هناك أجهزة مفاهيمية تتحكّم في صياغة المصطلحات وتشكيلها داخل الثقافة الواحدة؛ فالثقافة الغربية انتقلت، مثلاً، من خلال ما تمّ عرضه، من سلطة العقل/ النّسق/ الأداتي/ المتعالي، في إطار ما يعرف بفلسفة العقل، أو الفلسفة التنويرية، حيث يُعزى للعقل سلطةُ إنتاج المعرفة والبحث عن الحقيقة، إلى سلطة اللاّعقل/ الشكّ/ العدمية، في إطار ما يعرف بفلسفة التفكيك أو الاختلاف، حيث تمّ الإعلان عن إعادة صياغة مبادئ الفلسفة بإلغاء اليقينيات التي أقرّها العقل/اللوغوس، ولا يكون ذلك إلاّ بتقويض مركزيته وإثبات هشاشة فروضه، ومن ثمّ أصبحت الحقيقة وهمًا، فتعدّدت واختلفت باختلاف زوايا النظر، أو قل أضحت رؤية منظورية بمصطلح نيتشه، لنصل إلى ما يعرف بسلطة العقل التواصلي/الحواري/ المتعدّد، حيث يُحاورالعقلُ جانبَه الآخراللاّعقل، وصولاً إلى العقل العددي/ الرقمي/ الآلي/ الإلكتروني/ الوسائطي، حيث تمّ إشاعة سلطة النهايات (نـهاية التاريخ ، نـهاية الإنسان/ المؤلف، نـهاية الميتافيزيقا، نـهاية الأيديولوجيا، نـهاية المثقف ، نـهاية المكتبة، نـهاية القومية، نـهاية الدولة، نـهاية المدرسة، نـهاية النّقد..) كبيان تأسيسي (مانفستو) عن ميلاد مرحلة جديدة في تاريخ الجنس البشري، يصطلح عليها بمرحلة "ما بعد الإنسان" Posthumain. فيها يُتجاوز الإنسان المؤنسن بكلّ ما يحمله من طوباوية ودعاوى الحرية والعدالة وغيرها من الشعارات إلى كائن بشري جديد يصطلح عليه "الكائن الوسيط"Médium، الذي يلغي ذاته وكينونته متجاوزًا صراعاته، داعيًا إلى الحوار والتواصل.

وتراجـع الإنسان المؤنسـن أمام الإنسان العددي Homme numèrique، ليس وليدَ المجتمع المعولم فحسب، وإنّما هو تطورطبيعي لمسار العقل في الفكر الغربي، إذ منذ أن فُسح المجال للعقل في القرن السادس عشر على يد الفلاسفة التجربيين، وصولاً إلى فلاسفة العقل، انط، ديكارت، هيغل، تمّ إقباره والإجهاز على طموحه في جلب السعادة لنفسه، وليس أدلّ على ذلك من الحربين الكونيتين كثمرة من ثمار العقل، وما إعلان " فوكو" موت الإنسان في النصف الثاني من القرن العشرين إلاّ فضح لمركزية العقل الغربي. فأصبح الحديث عن الأنساق والبنى والأنظمة وإمبراطورية العلامات، وسلطة النصّ، وتشكيلات الخطاب، والكتابة، ولم تعد اللّغة مرآة تتجلّى فيها الأشياء، وإنّما هي بيت الوجود الذي يسكنه الكائن، على حد تعبير هيدغر، فالأشياء تخرج منها كائنات لغوية لا علاقة لها بالواقع، وانتهى دور الإنسان دالاً؛ إذ لا يقول ما يعني، وإنّما اللّغة تعني ما تقول. فالحقيقة، إذًا، لم تعد من إنتاج الإنسان في علاقته بالواقع، بل هي من إبداع هذه الأنظمة النصّية التي تخلق واقعها الخاص، الواقع النصّي، النصّ المكتوب، الذي تحوّل في ظلّ الثورة المعلوماتية إلى "واقع فائق" Hyperreel، ومن ثمّ "النصّ الفائق" Hypertexte، النصّ الإلكتروني، وانتهى، إذًا، دور الأنا المتعالية، والذات المفكرة، والقارئ الأعلى، النموذجي، المثالي، الذي يعيد كتابة النصوص وإنتاجَها بوصفه فعالية قرائية تعيد بعث المكتوب وجعله فاعلاً عبر فعل القراءة، ليفسح المجال أمام القارئ السبراني/ الأثيري Cybernétique/Virtuel، الذي يعبّر عن مرحلة"ما بعد الإنسان"، أو"الإنسان العددي"، أو الكوكبي، أو الإنسان الأخير، أو الإنسان العابرhomme aléatoire L، ككائن بشري جديد، إنّه الإنسان " الوسيط الذي لا يعتبر نفسه أفضل من بقية الكائنات، بل الذي يعيش وسط الطبيعة بوصفه جزءًا من موجوداتـها، والذي تقوم العلاقة بين أفراده على اختراع الوسائـط وخلق الأوساط من أجل التواصل والتعايش..مثل هذا الفاعل البشري، لا هو بالأعلى ولا بالأدنى، لا بالإلهي ولا بالشيطاني ..لا بالمثالي ولا بالمادي ..لا يدّعي أنّه منقذ البشرية ومخلصها، كما لا ينتظر أن ينقذه سواه، وإنّما هو يتصرّف بوصفه مسؤولاً عن نفسه كما عن سواه". وهذا المصطلح ما بعد الإنسان، أوالإنسان الجديد لا يتعلّق الأمر، والقول لأحد الباحثين، بوجود كائن جديد، بقدرما يتعلّق الأمر بنمط جديد من الوجود تتيحه الثورة التقنية والمعلوماتية، شعار هذا الإنسان "لا تكن ذاتك"، و"لا غيرك"، بل "تغيّر عمّا أنت عليه"، لكي تستطيع التواصل والتعايش مع غيرك، بلغة الحوار والمفاوضة، وثقافة المشاركة الفعالة والمسؤولية المتبادلة.

إذًا، هناك مجتمع جديد، هو المجتمع الإعلامي الذي تلاشت على سطح نصّه الإلكتروني الحدود والخصوصيات، بل تآكلت الهويات واضمحلت الفروقات بين الشعوب والثقافات، إذ إنّ التبادل الرقمي الخارق للحدود العابر للقارات قد أعلن عن ميلاد مجموعات بشرية جديدة، يصطلح عليها المجموعات السبرانية أوالافتراضية التي لا ترضى بمنطق المجتمعات القديمة، حيث يُشترط مراعاة الروابط اللغوية والعرقية والدينية لقيام مجتمع، إنّه المجتمع الافتراضي/ الأثيري VIRTUEL، القائم على برامج المعلومات وشبكات الاتصال، في عالم اصطناعي يقوم على الخيال الوسائطي/ الميديائيMEDIOLOGIQUE، ومن ثم تصبح الحقيقة هي مجموعَ العوالم الافتراضية المصطنعة المتعددة عبر الوسائط المتواصلة اللاّمنتهية، وتكون اللّغة الرقمية بدل المكتوبة، الأمر الذي يستدعي ولادة النصّ الإلكتروني ومعه القارئ السبراني CYBERNETIQUE. ولعلّ من أهم خصوصيات اللّغة الرقمية أنّها "لمسية أكثر ممّا هي يدوية، وهي سريعة وآنية بقدر ما هي أثيرية وغير مادية"، خلافًا للمكتوبة التي تحمل طابع الخطي التسلسلي، كما أنّ النصّ الإلكتروني "هو نصّ متشعب وعنكبوتي، بقدر ما هو ذو طابع تعددي أو تركيبي. ولذا فهو يتيح مختلف وسائل الاتصال من سمعي وبصري ومرئي".

هكذا، ومن على شرفة ما تقدّم، يمكن القول، إنّ المعرفة في تحوّل مستمر، وإنّ دعاوى الانكفاء على الذات والانغلاق على منجزاتـها يعيق طموح الكائن البشري في التحرر من كلّ سلطة تقف حاجزًا بينه وبين أحلامه في بلوغ أقاصي العالم واستكشاف خفيّ هذا الوجود، وما لم يشأ الإفصاحَ عنه، لذا، فالانفتاح على مشاريع العولمة واستقبالها بعقل نقدي معرفي، قد يسهم في بلورة الدخيل/ الغريب وجعله ملكًا مشاعًا، لأنّه، أوّلاً وآخرًا، من إبداع الإنسان، كما يَحسنُ التفكير في كيفية إعادة صياغة الأفكار الجاهزة، وذلك بخلخلتها، وتعرية مركزيتها، وبعث  البحث عن كينونة الإنسان في هذا الوجود، وتجلية الخطاب المقهور/ المغيّب/ المسكوت عنه، ولا يكون ذلك إلاّ بإتقان لغة التداول وثقافة الحوار كمرحلة جديدة في هذا الوجود، مرحلة العقل التداولي الذي يسعى إلى كسر الثنائيات الوهمية، الأنا/ الآخر، العقل/اللاّعقل، النخبة/ الجمهور، الثقافة/ الاقتصاد، كثنائيات تزيد من غبطة الكائن وتمنع تواصله وتشلّ طاقته على التفكير والإبداع.

@pour_citer_ce_document

عبد الغني بارة, «العولمة واستراتيجية التحوّل المعرفي مقاربة حفرية في أنساق المفاهيم المعرفية»

[En ligne] ,[#G_TITLE:#langue] ,[#G_TITLE:#langue]
Papier : pp : 105 - 108,
Date Publication Sur Papier : 2009-10-01,
Date Pulication Electronique : 2012-05-07,
mis a jour le : 14/01/2019,
URL : https://revues.univ-setif2.dz:443/revue/index.php?id=440.