المسرح الاحتفالي :... قراءة في بياناتهCeremonial theatre...reading statement
Plan du site au format XML


Archive: revues des lettres et sciences sociales


N°01 Avril 2004


N°02 Mai 2005


N°03 Novembre 2005


N°04 Juin 2006


N°05 Juin 2007


N°06 Janvier 2008


N°07 Juin 2008


N°08 Mai 2009


N°09 Octobre 2009


N°10 Décembre 2009


N°11 Juin 2010


N°12 Juillet 2010


N°13 Janvier 2011


N°14 Juin 2011


N°15 Juillet 2012


N°16 Décembre 2012


N°17 Septembre 2013


Revue des Lettres et Sciences Sociales


N°18 Juin 2014


N°19 Décembre 2014


N°20 Juin 2015


N°21 Décembre 2015


N°22 Juin 2016


N° 23 Décembre 2016


N° 24 Juin 2017


N° 25 Décembre 2017


N°26 Vol 15- 2018


N°27 Vol 15- 2018


N°28 Vol 15- 2018


N°01 Vol 16- 2019


N°02 Vol 16- 2019


N°03 Vol 16- 2019


N°04 Vol 16- 2019


N°01 VOL 17-2020


N:02 vol 17-2020


N:03 vol 17-2020


N°01 vol 18-2021


N°02 vol 18-2021


N°01 vol 19-2022


N°02 vol 19-2022


N°01 vol 20-2023


N°02 vol 20-2023


A propos

avancée

Archive PDF

N°28 Vol 15- 2018

المسرح الاحتفالي :... قراءة في بياناته

Ceremonial theatre...reading statement
119-137

أسماء غجاتي
  • resume:Ar
  • resume
  • Abstract
  • Auteurs
  • TEXTE INTEGRAL
  • Bibliographie

المسرح قبل كل شيء هو نشاط فكري وفني له قوانينه وشروطه، وإذا ألزمناه صفة الاحتفالية أصبح مسرحا احتفاليا، تتغير فيه طريقة التوصيل بأن تصبح مستندة على التصور الاحتفالي، حيث إن البداية كانت من الاحتفال الذي هو تظاهرة اجتماعية، وتكون محاولة تشكيله داخل منظومة فكرية مترابطة، ليكون بذلك فلسفة، والفلسفة هنا لا تعني التمذهب، بل إن تجربة الاحتفاليين هنا هي كيفية بناء مسرح يجمع بين الأشكال التراثية الاحتفالية، ووضعها في قالب متميز تكون لغته متميزة ومغايرة أيضا، يكون هذا البناء قابلا للممارسة ،للتنظير وللنقد معا.

تأتي هذه الورقة البحثية لتتناول المسرح الاحتفالي كأحد أهم اتجاهات المسرح العربي، وذلك من خلال مفهومه، وشروطه، ووظيفته، ومصادره.

 

الكلمات المفاتيح: المسرح الاحتفالي، الاحتفال، الاحتفالية، المسرح العربي، التراث الشعبي، الواقع، التاريخ.

Le théâtre est une activité intellectuelle et artistique qui à ces propres règles et conditions. En soumettant à un statut de célébration, il devient un théâtre festif. La manière dont s’effectue sa transmission change et se base sur la perception cérémonielle, dont l’origine consistait en une manifestation à caractère social, mais sa constitution en système intellectuel cohérent devient alors une philosophie. Le concept de philosophie ne renvoie pas ici à une notion de doctrine, plutôt elle vise à élaborer un théâtre combinant les différents aspects patrimoniaux sous une forme spécifique (le cérémonial) et son expression à travers une langue spécifique et différente. Cette construction se prête en même temps à l’initiative, au développement et à la critique.

   La présente recherche traite du théâtre festif comme l’une des plus importantes tendances du théâtre arabe, et ce à travers sa définition, ses conditions, ses fonctions et ses sources.

Mots-clés :Le théâtre festif, Célébration, Le théâtre arabe, Le patrimoine populaire, L’histoire.

Theater is an intellectual and artistic activity that has its own rules and conditions. If we submit it to a celebratory status, it becomes a festive theater and the way in which it is transmitted changes and becomes based on the ceremonial perception of which the origin was a social manifestation and the attempt to constitute it in a coherent intellectual system then becomes a philosophy. The concept of philosophy does not refer here to the notion of doctrine, but the experience of the celebrants aims to know how to elaborate a theater combining the different patrimonial aspects in a specific form (ceremonial) and its expression through a specific and different language. This construction lends itself at the same time to initiative, development and criticism.

This research deals with festive theater as one of the most important trends in Arab theater through its definition, conditions, functions and sources.

Key words:Festive Theater, Celebration, Arab theater, Popular heritage, History

مدخل

"أيها المسرحيون العرب... هذا عصر الاحتفال ... فاحتفلوا... احتفلوا" (1)

هذا النداء هو دعوة صريحة ومباشرة للمسرحيين العرب من طرف أحد أهم أقطاب جماعة المسرح الاحتفالي، المؤلف والناقد المغربي (عبد الكريم برشيد)، نشره بمجلة التأسيس" دفاتر مسرحية" سنة 1987، وهذا لأجل الإسهام في بناء مسرح عربي له هويته وروحه وفكره ولغته، وذلك بإحداث انقلاب جذري، ابتداءا من التمثيل والنص والإخراج والمعمار المسرحي والمؤسسة  (2).

وقبل هذا النداء كانت هناك العديد من البيانات التي توضح معالم هذا المسرح الجديد وتدعو إليه، إذ كان البيان الأول سنة 1976كإعلان لظهور هذا التيار من مدينة (مراکش)، وهذا طبعا لم يكن صدفة بل " لأن هذه المدينة من خلال ساحتها (جامع الفنا) كانت دائما سوقا للوجدان الشعبي، إنها احتفال شعبي مفتوح، أحتفال يجسد الفعل الدرامي، هذا الفعل القائم على وسائل تعبيرية مختلفة ( الشعر، الغناء، الحكاية، التقليد، الزجل، الألعاب البهلوانية" )(3).وفي هذا المكان الواحد (جامع الفنا) يكون اجتماع كل الناس للتحاور حول قضاياهم المشتركة بينهم جميعا، وهذه التجمعات في هذه الساحة لا تزال إلى اليوم " ففي مراكش  لا زال الاحتفاظ بالأصالة والجذور الضاربة في تاريخ الفولكلور بما فيه الطوائف الدينية والرقصات الجبلية "البربرية" (4).

وقد دُعّم هذا البيان بكتابات نظرية وبعض الأعمال المختلفة على أن " تراکم المساهمات الاحتفالية -إبداعا وتنظيرا ونقدا ومناقشة – وتصاعد المد الاحتفالي، كلها عوامل أدت بالضرورة إلى ميلاد الجماعة (5). وجماعة المسرح الاحتفالي متكونة من: مؤلفين، نقاد، ممثلين، مخرجين، صحفيين، باحثين مسرحيين وأيضا نجد ضمنها رسامين، تقنيين، مهندسين، موسيقيين، شعراء، وهذا لعلاقة هؤلاء جميعا بشكل من الأشكال بفن المسرح، تبنوا النظرية الاحتفالية وعملوا داخل ورش مسرحية واحدة لأن الفعل المسرحي، من حيث هو فنون وصناعات متشابكة ومتداخلة ومتكاملة، لا يمكن دراسته إلا داخل فضاءات مختبرية تتعدد فيها الاجتهادات وتختلف لتشكل في الختام من خلال تكاملها شيئا ملی موحدا" (6).

فالاحتفاليون بهذا يؤكدون جدوى جماعية العمل التي من خلالها كما يقولون: " يمكن أن نضمن للبحث المسرحي صفتين، التكامل والشمول(7) كما إن التجارب السابقة في هذا الميدان -المسرح الاحتفالي – كأعمال (يوسف إدريس) وأبحاث الدكتور (علي الراعي) بقيت حبيسة التنظير ولم تتعداه إلى العملي، وأيضا فيما يخص الممثل والمخرج المسرحي (الطيب الصديقي) الذي رغم ميدانية تجاربه وعمليتها وكذا وصوله إلى درجة الريادة في التجارب المغربية إلا أن أعماله هذه " ظلت تفتقر إلى التنظير الفكري(8). وهذا الحكم فيما يخص بداياته.

وبالتالي فالتنظير والإبداع مهمان إلى جانب الجماعية في العمل المسرحي، حيث إنّ" إحداث تراكمات في الإبداع والنقد والتنظير والممارسة هذه التراكمات بما تحمله من تعدد وتنوع هي الكفيلة وحدها بإيجاد وعي مسرحي، فهذا التأسيس يقوم على النظرية والممارسة معا وبهذا كان فنا وكان فكرا وكان صناعة" (9). ليأتي النقد الهادف كمستوى آخر لاستيعاب العمل المسرحي.

فالاحتفالية لها أسسها واختياراتها وأفكارها، وهي استمرار لتلك الأعمال السابقة لتطويرها وتنميتها ضمن مؤسسة جماعية، وعليه فإن الخطوط العامة بين بداية التأسيس الثاني* وعملية استكماله هي خطوط مشتركة لأنها تبحث في كيفية بناء مسرح عربي، وتبقى التفاصيل بحسب رؤية كل واحد من العاملين في هذا المجال.

وفي بيانها الأول أوضحت جماعة المسرح الاحتفالي " أن الاحتفالية بالأساس ورش، ورش مفتوح للإضافات ابتداء من الخليج إلى المحيط "(10).

لتستمر البيانات بعد ذلك في الظهور محمّلة بالإضافات والبحوث المتصلة بما قبلها وبما بعدها باستمرار، وهذا لإيمان الاحتفاليين بأن تجدد اللقاء " هو إقرار ضمني بأن باب البحث مفتوح أبدا. مفتوح للخلق والإضافة. فالاحتفالية ليست كينونة ثابتة ومستقرة، ليست بناءا جاهزا، وإنما هي بالأساس هذا الفعل الذي يسمى البناء" (11)، هذا البناء الذي يستدعي الاجتهاد والعمل المستمر لا الكسل والتراجع، فكان بذلك البيان الثاني، فالثالث فالرابع، في مارس من كل عام " ليكون احتفالا يتجدد مع دورة الحياة والطبيعة. إنه بعث بعد موت أو شبه موت. فهو لا يغيب إلا ليحضر ولا يبتعد إلا ليقترب وهو في بدايته الجديدة هذه يكتسب أبعادا وآفاقا جديدة إضافية" (12)، والتجدد والاستمرار هما من خصائص العيد والاحتفال، وبمثل هاتين الخاصيتين كانت إطلالة بيانات جماعة الاحتفالية، التي جعلت بابها مفتوحا وهذا يعني أنها ليست ملكا لأحد بل هي للكل وهذا ما سماه الاحتفاليون " التطوع الإبداعي".

ولم يقف الأمر عند حدود البيان الرابع بل كانت هناك مراجع أساسية وهامة متمثلة في دراسات وأبحاث نظرية وأيضا كتابات إبداعية وأعمال مسرحية ميدانية توضح وتجسد التيار الاحتفالي، ومن بين الكتب: "حدود الكائن والممكن في المسرح الاحتفالي،" الاحتفالية بين التأسيس وإعادة التأسيس"، "الاحتفالية في أفق التسعينات"، " الاحتفالية مواقف ومواقف مضادة لـــــــــــــــــــــــــ (عبد الكريم برشيد)

 في النقد الاحتفالي المسرحي" لــــــ (عبد الرحمان بن زیدان)، إلى جانب مسرحيات منها: " سالف لونجة "، " منديل الآمان"، "جحا في الرحى"، " النمرود في هوليود" وغيرها.

1-مفهوم المسرح الاحتفالي

لقد وجدت أنه من الصعوبة تحديد مفهوم واضح ومباشر للمسرح الاحتفالي، لذا عمدت إلى تجميع بعض العبارات الأولية التي يمكن من خلالها توضيح معناه. سيكون الحديث عن الاحتفال الذي يعتبر (شكلا من أشكال التعبير الإنساني)، فقد وجد بوجود الحياة ليعبر عن حالات وجودية للإنسان الذي يعتبر محرك هذا التعبير وهو " الذي يعقل الأشياء ويحسها، فيفرح ويغضب، ويقلق ويحزن، والذي يترجم هذه الأحاسيس اللامرئية إلى فعل حسي منظور، وهو رقص حينا، أو غناء أو تمثيل أو نحت أو عزف، أو جنازة أو عرس أو مظاهرة، وبهذا كان الاحتفال مرتبط بحقيقتين: الحياة والإنسان."(13)

ومنه فإن الاحتفال هو كشف عن احساسات الإنسان الداخلية، ويكون في الفرح كما يكون في الحزن، وهو يتميز عندئذ بالآنية والتلقائية، فهو لا يعبر غدا عن الشيء الذي يقع اليوم أو وقع بالأمس"(14).

                                   كما إن " التعبير فيه مرتبط وملتحم بموضوع التعبير. (فالغناء مرتبط بالحصاد والرقص بالغناء والصيد والتحطيب)(15). "و " إنه في-حقيقته وجوهره - تعبیر جماعي، عن حس جماعي. إنه تعبير يضطلع به (الكل) للتعبير عن (الكل) "(16).

من هذا كله يمكن اعتبار الاحتفال المصدر الأساسي لجميع الفنون المعروفة من شعر ورسم وغناء ورقص وغيرها، وعليه كانت خصائصه المذكورة والمتمثلة في التلقائية والجماعية والآنية شاملة لما تفرع عنه من فنون على أنه لم يبق إلاّ " المسرح والملحمة وحدهما يحتفظان بعناصر الاحتفال وملامحه الأساسية: المسرح من خلال الممثل، الذي هو في نفس الوقت المغني والمنشد والرسام ... والملحمة وذلك من خلال المداح والراوي والشاعر المتجول...." (17).

وفي رأيي فإن باقي الفنون أيضا بقيت تحتفظ بعناصر الاحتفال وربما أن ميزة الجماعية هي المفتقرة فيها رغم تعبيرها عن الجماعة انطلاقا من الذات الإنسانية، أي تكون هناك نمذجة للواقع وللشخصية التي من الممكن إيجادها في أي فرد من أفراد الجماعة الواحدة، كما يمكن أن تتحقق عناصر الاحتفال في المسرح والملمحة -ضمن مفهوميهما السابقين-، على أن البحث عنها في كل الاتجاهات المسرحية المعروفة قد يؤدي إلى انعدام وجود بعض منها. وهذه الخصائص المميزة للاحتفال هي التي أراد المسرح الاحتفالي استعادتها فهو " يبدأ من درجة الاحتفال الخام ليصل إلى المسرح الاحتفالي(18)، وبذلك كانت صفة الاحتفالية مرتبطة بالمسرح باعتبار أنه " يعمل على إحياء فعل ما، إنه يخلق تظاهرة آنية، تظاهرة تتم في حضور الجميع وبمشاركة الجميع."(19)

وفي عملية الاستعادة للاحتفال الخام لأجل خلق مسرح عربي مركزه الذات العربية، تتحقق فيه الأصالة والمعاصرة حدد المنظر (عبد الكريم برشيد) ثلاث مراحل يبرز فيها مسيرته هذه وهي: " مرحلة البحث في المواد الخام العربية، أي الرجوع إلى مصادر الإنشاء المسرحي، والتي يمكن أن تتجلى في التاريخ والأسطورة والحكايات والأمثال والأغاني، والملاحم الشعبية والأدب العربي والتصوف الإسلامي والقرآن الكريم. المرحلة الثانية وتتمثل في البحث عن شكل مسرحي عربي، وذلك من خلال مساءلة الحفل العربي، واستنطاق صامته. وتبقى المرحلة الثالثة هي البحث عن نظرية مسرحية ونظرية فكرية وجمالية على ضوئها نؤسس الكتابة وتوجد للصناعة المسرحية مناهجها في الخلق والإبداع" (20).

فالمرحلة الأولى من خلالها يمكن العثور على " لغة أوسع وأشمل وأعمق من لغة اللفظ (الشعر القصة) ومن لغة اللحن (الغناء -الموسيقى) ولغة الإشارات والحركات (الإيماء)(21)، وهو البحث إذن عن خطابات مغايرة. وعلى تنوع هذه المصادر كان لكل باحث عربي وجهته المختارة، (فتوفيق الحكيم) مثلا اعتمد، المصدر القرآني، والأسطورة أعتمدها (ولد عبد الرحمان كاكي)، ونماذج المصدر التراثي نجد لها: (الطيب الصديقي)، (كاتب ياسين)، و(الطيب العلج)، أما التاريخ فقد كان مصدرا مهما للتونسي (عز الدين المدني)، (والطيب الصديقي) أيضا، أما عن التصوف فنجد أن (صلاح عبد الصبور) قد اختاره في مسرحيته الشعرية (مأساة الحلاج) كما نجد أن كلا من (الطيب الصديقي) و(الطيب العلج) أيضا قد اعتمداه.

أما المرحلة الثانية فهي البحث عن شكل مسرحي عربي وهذا يعني رفض كل ما سبق من أشكال المسرح التقليدي (الخشبة) هذا الذي ينفي التواصل بين الممثل والمتفرج، وعليه فإن وجود مقال جديد يستدعي وجود شكل جديد " يمكن أن يستوعب الاحتفال المسرحي ويبعده على أن يكون طقوسا في كنيسة أو فرجة أمام صندوق سحري، أو تجمعا رسميا في بناية رسمية(22). فالبحث يكون باستقراء "طبيعة التجمعات واللقاءات العربية، سواء كانت علمية تقام في الجوامع أو " فرجوية" تقام في الأسواق العامة" (23)، هذه التجمعات هي الحلقات أو ما يسمى بالمسارح الدائرية وهي حلقات غير مقفلة، تضيق وتتسع، ويصب بعضها في البعض الآخر، فهي محطات للعيون وليست محطات للاستقرار. إنها كالنهر تماما، يتدفق باستمرار ليعطي الحياة والتجدد، وداخل هذه الحركة فإن النظر يتجدد، والمكان يتجدد، والوجود يتجدد والطقس يتجدد. كل شيء يتغير ليعطيك الإحساس بأنك حقا تعيش جو الحفل، وهذا ما نفتقده في وجود الخشبة في هندستها الإيطالية" (24). وعليه فإن وجود مثل هذه الخشبات (الحلقات) في مسرح واحد يؤدي إلى تحقق سمات الحلقة المذكورة فتكون الحيوية ويكون التجدد، ويكون التحكم في الاتساع والضيق، من طرف المتفرجين الذين كلما زاد عددهم زاد اتساع الحلقة والعكس بالعكس، ويحصل ضمن هذا الشكل الجديد "أن يكون تحرير العين أولا، وتحرير الذهن ثانيا، وتحرير الفعل المسرحي ثالثا، وذلك من جاذبية الصندوق السحري الذي يسمى خشبة(25).

هذه الحرية التي توجد التفاعل والانفعال معا " من طرف المتفرج ويصبح مساهما لا مشاهدا وساكنا، ويكون انتقاله من حالة الانتظار إلى حالة البحث، وبذلك تتحقق العلاقة (مبدع، متفرج).

ويمكن أن نشير هنا أنه كان من نماذج حركة البحث عن شكل مسرحي عربي جديد، " مسرح الشوك في سوريا، ومسرح الناس بالمغرب، المسرح الفردي أو المونودرامي، ... المسرح الملحمي... المسرح الفقير"(26)  إضافة إلى ما سبق إليه ( يوسف إدريس) في دعوته إلى تأكيد شكل السامر، أو في دعوة ( توفيق الحكيم) في البحث عن شكل مسرحي يجمع ( الراوي، المداح، المقلداتي)، وكذا الدعوة إلی الكوميديا المرتجلة من طرف ( علي الراعي)، وأيضا محاولة ( الطيب الصديقي) و( عبد القادر علولة) في ترسيخ شكل الحلقة، وغيرها من محاولات التجريب في ميدان التراث الشعبي لخلق شكل خاص بالمسرح العربي.

                                  وعن المرحلة الثالثة المتمثلة في البحث عن نظرية مسرحية فهي تعتبر مهمة جدا رغم وجود من يرفض فكرة التنظير هذه ويعارضها وهذا لأسباب عدة تتمثل في:

-"التضخم في البيانات المسرحية والتنظير في الوقت الذي بدأ يقل فيه عدد العروض المسرحية بل وتقلصت الممارسة.

- عدم وجود تراکم مسرحي يؤهلنا إلى الدخول في مرحلة التنظير.

- إن اكتمال صورة التجارب المسرحية العالمية وما وصلت إليه من تنوع واختلاف إنما كان من باب التطبيق والممارسة وليس من باب التنظير.

- غياب الجدل الفني، والسجال الفكري -الجماعي -في زمن طغت فيه الفردانية التي يبحث فيها الفرد " المنظر" عن الزعامة ومخالفة الجاهز والمعروف الشائع.

- إخفاق وعجز النظريات العربية كلها -وفي جميع المجالات -عن إنتاج جهاز نظري مستقل، سواء من وحي معرفتنا الأصيلة أو بالاتصال بمعرفة ثانية"(27).

وربما في هذه النقاط نجد ما هو صحيح وما هو قاس نوعاً ما على التجارب العربية، فيما أن النظرية تأتي بعد التجربة فهذا معناه أن بيانات الجماعات المسرحية العربية ظهرت انطلاقا من الممارسة والتجريب. كما إن هناك من التجارب العربية الرائدة التي كانت بدايتها دون تنظير ووصلت إلى درجة كبيرة من النجاح والأهمية كأعمال (الطيب الصديقي) مثلا، ولا زال يحقق نفس النجاح وهو ضمن الجماعة التي تتبنى التنظير، كما إن اتهام المنظرين العرب بالفردانية في العمل وبحثهم عن الزعامة أجده قاسيا جدا والدليل على خطأ هذا الزعم هو العمل الجماعي المتكامل الذي أضفى على التجارب المسرحية العربية. وربما كان الاتهام الأخير هو الأقسى على الإطلاق، فهناك نظريات عربية ما تزال تحقق النجاح والاستمرارية لحد الآن كنظرية (محمود أمين العالم) النقدية مثلا.

والنظرية المسرحية التي دعى إليها (برشيد) يتم الوصول إليها بأن " تعيد قراءة الموروث لتعرف مكوناته الداخلية، للبحث عن نظرية أو نظريات المسرح العربي"(28)، وانطلاقا من هذه النظرية يمكن إحداث فعل الإبداع والخلق.

من هذا كله نستطيع القول إن المسرحيين العرب قد وصلوا إلى درجة من الوعي في قراءتهم لهذا التراث، فهم لم يقفوا عند حدود تقديسه واسترجاعه بطريقة ميكانيكية فقط، ولكن كان وعيهم بوجود " العلاقة التي تأخذ من التراث شيئا وتعطيه أشياء، والتي نقرأ منطوقه وصامته والتي تلامس سطحه وتحفر في أغواره، والتي تترجم غيابه حضورا، وسكونه حركة، وماضيه حاضرا ومستقبلا، والتي تتدخل في وجهة هذا التراث -أو ذاك-وتجعله يمشي في اتجاه ما هو إنساني وحيوي ومدني وحقيقي وعقلي وعلمي وعيدي" (29)

وقد تنبه إلى هذه العملية عدد لا بأس به من المهتمين بالمسرح العربي وتطوره وتطويره وذلك منذ العقد السادس من هذا القرن. إيمانا منهم بالوصول إلى إيجاد قالب مسرحي -ليس بالمفهوم النمطي-يتلاءم والفكر الجمعي لشعوبهم وما يحمله هذا الفكر من تراكمات ثقافية متنوعة. وإن كان هذا الاتجاه لم ينطلق من فراغ، وإنما استعان بكثير من التجارب الناجحة في البلدان الأخرى. هذه الاستعانة لم تكن نمطية كما هو في المسرح الكلاسيكي، وإنما أخذ الوسائل المتبعة في ذلك وإيجاد طرق الملاءمة بينها، وبين المشهد الثقافي العام.

   ومن بين الذين ساروا في هذا المنحى وقدموا أعمالا أثْرت هذا الاتجاه الجديد (القديم) وأرست القواعد الأساسية له على مر العقود السابقة: (يوسف إدريس)، (توفيق الحكيم)، (علي الراعي)، (عز الدين المدني)، (علي عقلة عرسان)، (سعد الله ونوس)، (رياض عصمت)، (ولد عبد الرحمان کاكي)، (عبد الكريم برشيد)، وغيرهم.

 

 

2-شروط المسرح الاحتفالي

أ-المشاركة

تعتبر المشاركة جوهر الاحتفالية وفكرتها المحورية، وقد ورد ذكرها -تقريبا-في جميع بيانات الاحتفاليين وهذا تأكيدا على أهميتها الكبرى، فنجد منظر الاحتفالية (عبد الكريم برشيد) في خضم حديثه عن الواقع في المسر ح يذكر: " الاحتفال يسعى إلى إيجاد الآخر المشارك في الإبداع. ومتى أصبح مشاركا فإنه يتخلى عن التفرج الشيء الذي يعطي العرض تلقائيته وعفويته، وبذلك يصبح المسرح حفل كرنفال، يشخص فيه الكل ويختفي بذلك الناظر والمنظور، والمنتج والمستهلك".(30)

فالاحتفال يعبر عن حالات وجودية مختلفة للإنسان،وهو شكل من أشكال التعبير الإنساني، لذلك لابد أن يكون المسرح حفلا عاما، تتحقق فيه المشاركة، إن العلاقة التقليدية بين المبدع والمتلقي والتي تضع حدودا بينهما يجب أن تنتفي في المسرح، من جهة المتلقي الذي عليه أن يجعل لك إحساساته في حالة استنفار وبهذا فقط يمكن أن يكون لحضوره معنى" (31)، ومن جهة المبدع الذي يجعل من الصدق والحياة والحركية هي سمات الاحتفال الذي يكون "ملكا للمحتفل وساعتها يجسد الفرجة عن طريق الكلمة المنغومة، والحركة الموقعة والإشارة الموحية "(32).

و"الممثل الاحتفالي لا ينقل الأحاسيس إلى الجمهور (كما في المسرح الدرامي)، ولا ينقل له الأفكار والأوامر( كما في المسرح الملحمي)، وإنما يحيا بحضور الآخرين ومشاركتهم تظاهرة شعبية، وذلك من أجل إعادة النظر في الواقع، وذلك بواسطة عيون جماعية وإحساس جماعي" (33)، ومن هنا يظهر أن الجمهور ممثلا مشاركا، ففي الاحتفال تتحرر طاقاته، وتزول موانع الخوف والخجل، ويعتبر الاحتفاليون      "أن تجديد الرؤية وتجدید وسائل التعبير عنها ، لا يمكن أن يتما بعيدا عن (المتلقي) لأنه الطرف الثاني في عملية الإبداع" (34)، وعليه فإن إهمال المتلقي وإبعاده عن المشاركة في الإبداع سيؤدي إلى الانفصال لا الاتصال.

وهناك نقطة أساسية يجب الإشارة إليها هي أن الاحتفاليين في كل مرة يوضحون العلاقة بين الذي يملك المال وكيف يكون عمله الفني، وبين الفقير وكيفية إبداعه، فعلى اعتبار أن الفقراء يقيمون احتفالاتهم بأنفسهم ويعيشونها هم بذواتهم  فإنّ ذلك معناه أن الحفل ملكهم هم، وإنّ تجسيدهم المباشر لهذا الاحتفال والتلقائي أيضا صادقا وحيا، وبالتالي فإن مشاركة الكل فيه تكون مؤكدة، أما عندما ينتفي كل رابط بين المحتفل والاحتفال فإن الحفل يفقد معناه ومغزاه" (35)، كما هو الحال عند الأغنياء الذين تمنعهم مراكزهم الاجتماعية من أن يعبروا عن

فرحتهم وآلامهم، لذلك فإنهم يقومون (باكتراء) أجواق تفرح لهم، وناديات محترفات يعبرن عن آلامهم. ومن هنا يفقد الاحتفال عناصره الأساسية المتمثلة في المشاركة الوجدانية بين المبدع والمتلقي" (36). ولَرْبما كان هذا التعبير من طرف الاحتفاليين بالدرجة الأولى، لإيضاح تأكيدهم على علاقة المشاركة بين الممثل والمتلقي، وكذلك نقد المسارح التي تنتفي فيها هذه العلاقة (أي المشاركة) وهذا بالدرجة الثانية.

وقد أوردت جماعة الاحتفاليين أنّ المسرح المعاصر قد استعاد شيئا من احتفاليته عندما أخذ" الفن الذي ولد في المعابد ثم التجأ إلى القصور والمعارض والفنادق الفخمة، قد أخذ يعرف طريقه إلى الأسواق بحثا عن الناس والحياة..."(37)، وحيث يكون اللقاء تختفي تلك المسافة الفاصلة بين المتفرج وما يتفرج عليه كليا ضمن المسرح الاحتفالي.

حيث" إن المسرح ليس فرجة، وإنما هو بالأساس لقاء -من هنا تبدأ الاحتفالية. لقاء تكون فيه -في ذات الوقت -أقطاب اللقاء وموضوعه أيضا" (38). في حين نجد أن الطبيعية الفرجة أن تكون شيئا منفصلا عنا، وأن تكون شيئا غريبا عن ذواتنا... أن تكون هناك مسافات بيننا -نحن من يتفرج وبين ما نتفرج عليه"(39). ومن هنا فإنه يتحدد الفرق بين الفرجة والاحتفال في (المسرح الاحتفالي).

ب-الجماعية 

باعتبار أن الاحتفال يعني الاجتماع والامتلاء فنقول:" احتفل القوم: اجتمعوا واحتفل المجلس بالناس: امتلأ"(40)، فهذا يعني أن الاحتفال لا يتم إلا بحضور الجماعة التي تحيا الحفل وتعيشه، فكذلك المسرح لا يكون له معنى دون وجود الجماعة " فالممثل الاحتفالي إنّما يحيا بحضور الآخرين ومشاركتهم تظاهرة شعبية، وذلك من أجل إعادة النظر إلى الواقع وذلك بواسطة عيون جماعية وأحساس جماعي(41). والمسرح بالأساس هو موعد عام، موعد يجمع في مكان واحد وزمن واحد بين فئات مختلفة ومتباينة من الناس "(42)،هذا الموعد يتم بوجود قاسم مشترك بين الناس يؤكد أن القضية جماعية عامة تهم الجميع.

ويعني هذا أيضا أن الجمهور هو مقياس لتقييم الأشياء والحكم عليها. ويتضح هذا في ناحيتين: فبالنسبة للناحية الأولى: الإقبال الواسع للجمهور على عمل ما يعني أن هذا الأخير ناجح وصائب، ذلك لأن "المسرحية المعينة بالظروف الاجتماعية الجادة الحية، الواعية بها، المتعلقة بها، أكثر تأثيرا في الجمهور الواسع" (43)، والتالي يكون الجمهور ذا نوعية إيجابية وممتازة. أما الناحية الأخرى، وهي الأهم والتي توضح الجماعية أكثر فتتضح في كون الجماعة تتحول إلى طاقة فاعلة ومحركة، لها دورها وقيمتها. ويظهر أن الاحتفاليين من خلال الجماعية التي نادوا بها كان هدفهم تصحيح وتحويل بعض الرؤى الخاطئة تجاه الجمهور فهو -سواء هنا أو هناك -ليس أكثر من أداة فقط، أما بالنسبة. للاحتفاليين فهو غير ذلك، بل هو بالأساس "طاقة فاعلة ومحركة للتاريخ، ومن هذا المنظور وجب التعامل معه" (44)، هذا الاعتراف بالإنسان أو الفرد وهو المكون للجماعة -يظهر أنه هو القادر على الفعل والخلق والإبداع والتغيير وصنع التاريخ، في حين أن "الظروف -وهي مجرد وعاء-فلا يمكن أن تعطي غير الشكل واللون والظل والطول والعرض والعمق"(45).

وقد أورد (یوسف إدريس) شرط الجماعية كأحد العناصر الواجب توفرها في العمل المسرحي في قوله:" في كل تلك الأشكال المسرحية لا بد من توفر عنصرين: أولا الجماعة والحضور الجماعي، وثانيا قيام الجماعة كلها بعمل ما" (46)، وهو بهذا يؤكد أن المشاركة تستلزم وجود الجماعة.

كما إنّنا نجد المسرحي المصري (ألفريد فرج) يؤكد على أهمية الجمهور حين قال:"إن الجمهور عنصر إيجابي في فن المسرح... ولا يمكن تصور العمل الفني المسرحي بلا جمهور..."(47)، لأن العمل المسرحي أساسا موجه إلى الجمهور، فالعلاقة بين العرض المسرحي وبين الجمهور علاقة تكاملية.

ج-التلقائية

"إنّ المسرح الاحتفالي وهو يبحث عن التواصل الإنساني وعلى الحوار مع الآخرين يسعى إلى أن تتميز العروض بالتلقائية والعفوية والبساطة وذلك كما يحدث في الحياة اليومية(48). فالحيوية والحركية التي تميز المسرح هي التي تجعل من التواصل بين الخشبة والصالة ممكنا، ويتم ذلك عن طريق (الممثل )، هذا الأخير الذي يقول بخصوصه المؤلف المسرحي (ألفريد فرج) : لعل أوضح ما فوق المنصة هو الممثل، إن الممثل هو ملك المنصة" (49)، وهو بهذا لا يريد أن يقول أن الممثل مجرد حامل للنص ولملكات وجهد وعبقرية المخرج إلى المتفرج، كما أنه ليس مجرد حلقة وصل بين المؤلف والمتفرج، بل العكس من ذلك" فإن له ملكاته الخاصة وعبقريته الخاصة التي يستطيع بها أن يثري العمل المسرحي كله، ويضيف إليه من عنده، وأن يحقق الصلة الروحية بين العمل المسرحي كله والجمهور"(50)، وهنا يتضح لنا جواب السؤال التالى:هل على الممثل تأدية دوره بشكل طبيعي أم لا؟.

الجواب يظهر من خلال القول السابق لـــــ (ألفريد فرج)، وهو أن يضيف، الممثل من عنده طبعا ليس الإضافة السلبية أو الارتجال السلبي الذي لا فائدة منه -ليثري بذلك عمله ويجعله بعيدا عن الميكانيكية والجمود وبعيدا عن المبالغة الشديدة أيضا، سواء في التعبير عن الأحزان التي تنفر الجمهور أو الإفراط في الإضحاك إلى درجة التهريج. إلى جانب كذلك " أن مختلف التيارات، والمذاهب الفنية الحديثة والمعاصرة ترفض محاكاة الطبيعة في الفن سواء أكانت هذه المحاكاة مذهبا للأدب أو التصوير أو للموسيقى أو التمثيل"(51). فالمحاكاة تعني المماثلة دون إضافات، وحيث إن " الفن ليس تصوير للطبيعة(52)، ينبغي على الممثل أن يستقي موضوعه من الحياة اليومية المحيطة به، أما كيفية تقديمه فتكون بأسلوب يوضح قدرته على التحوير الصادر عن ثقافته ووعيه وخبرته، وبطريقة تنسجم فيها كل عناصر العمل المسرحي بما أنه عمل جماعي لا فردي. فوجود الوعي واليقظة والعقل تجعل الممثل متحكما في انفعالاته ومنتبها وعالما بدوره مثله مثل أية وظيفة في الحياة اليومية التي تستدعي شرط اليقظة، فإن الممثل إذا فقد هذا التحكم الواعي يفقد سيطرته على نفسه وموهبته وقدرته على التأثير في الجمهور.(53)

وهذا التوازن هو ما يسمى في التمثيل الاحتفالي (بالاندماج الواعي) بمعنى أن تكون هناك مراقبة للإحساس وضبط لدرجة الانفعال، ليصل الممثل إلى رتبة الممثل الحقيقي. وجماعة الاحتفاليين يقولون أنه: "كلنا نحتفل -تعبيرا عن حس أو قضية -ولكن الممثل يحتفل بشكل أحسن وأعمق. إن إحساسه. بما حوله لا يمكن أن يعفينا من الإحساس، ولا فعله فوق الخشبة يمكن أن يعفينا من الفعل وراء الخشبة"(54)، كما إنه أيضا " لا يفعل شيئا سوى أن يعيش حياته بصدق ليعبر عنها في ذات الوقت بشكل أعمق وأنقي وأصفي(55).

ومن هنا يتضح أن الممثل الحقيقي هو الإنسان الأقدر على الاحتفال، وذلك بأن يعبر عما يعيشه أو يحياه بصفة عامة بطريقه مغايرة عمن حوله بحيث تكون تلقائية وعفوية وشفافة دون زيف، ليؤثر بذلك في الآخرين.

وهم يؤكدون أيضا أن الممثل هو كل شيء على الخشبة، فالمؤلف، غائب والمخرج غائب، و"الممثل ساعة الاحتفال هو الثلاثة في واحد. المؤلف، والمخرج والممثل، إنه لا يكرر غيره، سارقا منه هويته وزمنه وحالاته وقضاياه. زمن الحفل ليس تكرارا لزمن آخر مضى وإنما هو زمن مغاير"(56).

ويمكن اعتبار هذا القول شاملا لما أوردناه عن الممثل، فهذا الأخير لا يحتل مكان أحد من مقيمي العمل المسرحي (مؤلف ومخرج)، بل هو الكل في آن واحد، قد يضيف على ما هو مكتوب من خلال تحكمه فيه، فليس المكتوب هو الذي يسير الممثل، ويستطيع أن يغير من حركاته بحسب استعداداته ومواقفه ومزاجه. كما إنه لا يكرر أحدا ممن يعيشون حوله ولا يكرر حالة أمامه، بمعنى أنه" لا يحيا الحالات والمواقف الخام وإنما يصنعها داخله لتصبح ملكا له، عليها بصماته وطابعه واجتهاده"(57)، فالممثل يستلهم من الحياة اليومية وقضاياها ليحولها في خياله ويسقط عليها إضافاته بخبرته وتجربته ووعيه بها، لتكون القضية عامة تمس كل المتفرجين وهو بذلك لا يعطي صورة للطبيعة ولا يكررها.

وإذا حدث العكس أي جعل العمل تكرارا لحالة ما، فإن المثل يصبح مجرد دمية " لأنه يقتل في الحفل المسرحي حيويته وتلقائيته ويحيله إلى مجرد عرض بارد للكراكيز. فالممثل لا يمكن أن يحقق ذاته إلا باتصاله. وانفصاله -في ذات الوقت-عن المؤلف والمخرج، وأن تكون له ذاكرتان الأولى للماضي والثانية للمستقبل، أي أن يجمع بين المحفوظ الثابت والمتخيل المتحرك"(58).

وعلى هذا يكون الممثل هو المبدع، لا المقلد، بإبداعه تكون للعمل المسرحي الحيوية والتلقائية، ويبعده عن الأقنعة والجمود، بالمزاوجة بين الماضي المعلوم والمستقبل کشيء مجهول ممكن التخيل.

يقال إن النص المسرحي لا يمكن أن يوجد إلا إذا انطلق من مسرحية حياتية قبله. ومنه يمكن القول إن العرض المسر حي يوجد قبل النص المسرحي لأنّ الكاتب قبل أن يكتب النص يتصور العرض بأبعاده المخالفة.

ومن هنا تبرز قدرة الممثل في احتواء الموقف أو المواقف التي يقوم بها حتى وإن لم يلتزم بحرفية النص، لأنه ينطلق أساسا من خلفيات الموقف العام الذي يراد تخيله والمأخوذ من واقع حياتي معين.

والتلقائية هي العفوية الممارسة في العمل دون الخروج عن الإطار العام المفروض للعرض المبني على أسس مكانية وزمانية.

 د-التحدي

لقد              أورد (عبد الكريم برشيد) التحدي كمبدأ من مبادئ الاحتفالية وإستعرض لأجل توضيحه عدة أمثلة من الفنون الشعبية التي تولدت عن الاحتفال إذ يقول:

"فإننا نجد مثلا أن البهلوان الذي يمشي على الحبل يأتي بفعل غير عادي، إنه يتحدى قانون الجاذبية الذي يخضع له الكل. أما مروض الحيوانات، في السيرك فهو يخرج أيضا عن المألوف، إذ إنّه يُخْضِعُ الوحوش المفترسة إلى إرادته وهو بهذا يتحدى الواقع ويأتي بشيء جديد أما الساحر الذي يحول المنديل إلى حمامة. فهو أيضا يحطم منطق الأشياء، إذ يقفز على مبدأ السببية والعلية ويجعل الأشياء ترتبط مع بعضها برابط سحري" (59). وغيرها من الأمثلة التي يتضح من خلالها أن التحدي هو الخروج عن المألوف، وتجاوز ما هو کائن.

كما إن (برشيد) أوضح أمثلة أخرى بهذا الشأن. كالرجل الذي يخرج النار من فمه و"المهرج الذي يكشف عن مفارقات الواقع من خلال حركات غير واقعية في الظاهر" (60).

و"يتحدى الاحتفال الموت والزمن ليعيد للحياة شخصيات مثل "دیونیزوس" و"الحسين" و"المسيح" في مسرح الأسرار" (**)(61). ويكون هذا التحدي ببعث الزمن الماضي الميت في الحاضر أي في الآن كالاحتفالات التي تقام لـــــ " ديونزوس" اله الخمر، بمعنى بإعادة التاريخ بكل مجرياته وشخصياته.

و"حفلات سلطان الطلبة هي أيضا خروج عن المألوف إذ تنقلب كل الأشياء في المدينة، ويتحدى الوهم الحقيقة، ليصبح الطالب ملكا أو وزيرا أو حاجبا...، إنهم يتجاوزون الواقع اليومي الجامد وهم بهذا يكسبون الحياة إضافة جديدة" (62).

و(سلطان الطلبة) هو من الأشكال الاحتفالية المسرحية المعروفة بالمغرب، ويحدث فيه " أن يلعب كل فرد دورا جديدا ابتكره حسب الوضع الجديد الذي خلقه المجتمع نفسه بصورة كاملة وعفوية"(63).

فانقلاب الأشياء في المدينة وتحدي الوهم للحقيقة يظهر في مبدأ هذه اللعبة أو الاحتفال وذلك بأن " ينتخب فيه طلبة جامعة القرويين سلطانا عليهم، تدوم سلطته سبعة أيام، يقوم خلالها بتمثيل أعباء الملك، ولال هذه الأيام السبعة ينصب الطلبة خيامهم على ضفاف          (وادي فاس) ويشخص الطالب المنتخب شخصية السلطان، حيث يشكل حكومته وأعوان دو لته ويمارس مهامه القانونية بشخصية الملك"(64) ، فالمسرحية - الاحتفال - هنا تمثل الوضع الجديد الذي خلقه المجتمع واعتبره نموذجا للحياة الاجتماعية الحقيقية، وانقلات المدينة يظهر في التمثيل الجماعي " الذي تقوم به المدينة كلها لدرجة أن الخط الفاصل بين ما هو تمثيل وما هو واقع يمحي كليا" (65) . هذا التحدي للمنطقية ولكل ما هو عادي ومألوف يؤدي إلى الحركية والابتعاد عن الجامد وهذا بــــــ " محاولة تركيب الأشياء تركيبا فنيا جديدا يخضع لمنطق فني مغاير." (66)

ونجد البيان الثالث لجماعة الاحتفالية يؤكد أن التحدي الذي يريده هو تحدي الموت، هذا الأخير " الذي يتخذ مجموعة من المظاهر المختلفة، فهو الفقر والجوع والمرض والاعتقال والجهل والظلم وكل ما يشكل عقبة في وجه الانطلاق والنمو والتجدد والاستمرار. أي كل ما يعطل الاحتفال الذي هو بالأساس ظل الحياة وملحها وقوامها"(67)، إلى جانب تحدي الطبيعة -كما ذكرت من قبل -بكل ما تحمله من كوارث طبيعية مختلفة حاملة للموت. إن هذا التحدي يظهر "في المجتمعات، أيضا يظهر في شكل طبقات اجتماعية تقوم على أساس الاستغلالية والتطفل، وبهذا فهي تعمل عمل الطفيليات البيولوجية داخل الجسم البشري" (68).

فالاستغلال والاحتكار والتطفل أمراض اجتماعية مثلها مثل الأمراض البيولوجية تؤدي إلى الموت إذا لم تجد المقاومة والتصدي والتحدي. ويصف بعد تلك ( عبد الكريم برشيد) هذه العملية أي ( التحدي) بأنها ( نضال)، إذ يورد : "يكون النضال في بعده البيولوجي أو الفكري أو النفسي أو الاجتماعي -شيئا أساسيا، ذلك أن النضال- باعتباره مجموع التأمينات التي تقهر العلجز والموت - فعل مرادف للحياة أو هو الحياة نفسها - وغياب النضال، لا يمكن من أن يعنى سوى شيء واحد هو الموت"(69)، فباعتبار أن الحياة هي الوقوف ضد الموت ، ضد الضعف، ضد السكون والثبات، وكل معوقات الحياة هي في حقيقتها مسار للموت، كان التحدي لها هو الحياة ذاتها وهذا بقوى كبيرة "وتتجسد هذه القوى في الحرية والحب والعدالة وكل القيم التي تفيد الإيجاب" (70).

وربما يكون  التحدي المقصود هنا ليس بمفهوم المقاومة ولكن باللامبالاة وعدم الاهتمام بها لأن الاهتمام بها والخضوع لها هو الاستسلام ولكنها مادامت خارجة عن نطاق الإنسان ولا مفر له منها فإنه لا يبقى مكتوف الأيدي ، بل عليه أن يقلل من سيطرتها عليه،وربما هذا ما ذهب إليه (توفيق الحكيم) إلى كون "الإنسان لا يحكم حوافزه ما نسميه بالطبيعي أو بغير الطبيعي،  بالقدر أو القوى المعادية أو الأطماع أو الأهداف ... وإنما حقيقته الخالدة أنه مخلوق أبدي الطموح، وأبدي الصراع، ومقاوم باستمرار لحالته الراهنة وذلك يرجع إلى أنه عقل متحرك ومادام كذلك، فهو لا يمكن أن لم تسليما تاما لأي وضع من الأوضاع ولا بد أن يتحرك في مختلف الاتجاهات لأنه إذا وقف انقلب شيء إلى جماد، ولسم يعد إنسانا (71). إذن يظهر أن طبيعة الإنسان الطموحة، المحبة للحركية ولمواجهة كل معيق جامد هو الذي جعل منه مقاوما لقوانين الطبيعة على الرغم من أنه يعلم مسبقا أنه لا جدوى من مقاومتها، وهنا تكون مأساته. وعظمته في الوقت نفسه.

وإذ إن بيانات الاحتفالية أوسع وأشمل في كل مرة فإنه الإضافة إلى ما سبق من التحديات ولو أنها تصب كلها في معنى الأبعاد الأربعة السابقة الذكر نجد جماعة الاحتفالية يقولون" كان موقفنا المعارض للجبرية السيكولوجية عند فرويد... وللتجربة البيولوجية عند داروين... وللجبرية الاجتماعية التاريخية عند ماركس"(72).

ففرويد قد أرجع عوامل الفعل الإنساني إلى مجرد القوى الداخلية التي تتحكم فيه، وهي اللاشعور، كما إن الفن عنده تعبير مرضي يهدف إلى إشباع رغبات جنسية أما داروين فقد قال: بأن الإنسان قد تطور من الأصل الحيواني(القرد). وقد وجدت هاتان النظريتان (النظرية النفسية أو المنهج النفسي عند فرويد والنظرية الداروينية) المناقشة والنقد فالإنسان يقوم بعملية تحقيق العمل الفني استجابة لدوافع أخرى لا تقتصر على الجانب الجنسي فقط، كما إن أصل الإنسان محدد في القرآن الكريم.

ونجد الماركسية " أحلت (الجبر) محل (الاختيار) في توجيه الفرد وأصبح الفرد لذلك مجبورا لا اختيار له، مجبورا ببيئته، وبوراثته وبحياته، السياسية والاجتماعية والاقتصادية على الخصوص"(73) بذلك نجد ان هذه الجبرية أيضا قد جرّدت الإنسان من كونه إنسان، وجعلت منه عبدا مجبورا قد أصبحت البطن هي الهدف والوسيلة معا في حياة الإنسان، غاية الإنسان في حياته أن يعمل حتى يستطيع أن يأكل والحرمان من الأكل هو الوسيلة إلى إخضاع الإنسان(74).

فالحرمان من الأكل هو السبيل الأول للجبر ليكون الفعل أو العمل للأكل لا للعيش هو الدرجة الثانية للجبرية. .

ومنه يلزم تحدي هذه الجبريات إلى جانب الوقوف ضد:

·  " كل الدكتاتوريات في الحكم [...] وذلك باعتبار هذه الأنظمة تتعامل مع الإنسان -وهو الكائن الحي الذي له عقل وإحساس وخیال ومنطق -تتعامل معه على أساس أنه مجرد قطيع حيواني" (75).

·  "البيروقراطية وذلك باعتبار أنها نظام للعمل يجعل الإنسان في سلالم ودرجات مختلفة" (76).

·  " كل أشكال الصنمية وعبادة الأوثان، وذلك لأن الوثن -حقيقته وقوته وفعالیته -أشياء تأتي، ليس من هذا الوثن ذاته، ولكن من اسقاطا المستضعفين والمقهورين والمراهقين"(77)، بمعنى أن الوثن لا يحمل أي قوة أو حياة تجعله عنصرا حيا يستجيب بل هو مجرد رمز لشخص ما كان له فعإلىة وبموته بقي الناس يحبونه ويعبدونه وكأنه على قيد الحياة، وهذا ما يتنافى مع الحياة المتحدية لكل أشكال الموت.

ه -الإدهاش

"هو انفعال بين الخوف والتعجب يباغت الإنسان، يتحدد حسب الموقف الذي يتعرض له. الإدهاش کشف جديد ألفه الإنسان. هذا الكشف يؤدي إلى مراجعة الواقع وتجاوزه نحو اتخاذ موقف حيال هذا التجاوز يتم لحظة توقف،نتيجة سلوك معين، وكلمة مؤثرة، حينئذ يندهش الإنسان من وضعه المعتاد فيسعى إلى محاولة تغيير هذا الوضع بطرق مختلفة حسب ما تقتضيه الظروف وهذا باعتبار أن تجاوز الواقع يأتي عادة محمل بالإدهاش" (78)" ومن عادة الشيء العادي أن لا يثير الإنسان ولا يلفت انتباهه. وعليه كان لا بد من الاعتماد على المدهش من الصور والحدث لمخاطبة وجد أن الجمهور" (79)، فالدهشة هي أساس لاكتشاف الأشياء المختفية وذلك بإزاحة صفة العادية والبديهية عنها، والتالي يحدث أن يكون تجاوز للواقع الساكن. والمسرح عند الاحتفاليين " يجب أن يخاطب في المقام الأول شعور الجماهير. (...) وما الشعور في المسرح الاحتفالي إلا مرحلة للوصول إلى العقل الفاعل " (80) وإني أرى أنه يجب أن تكون هناك مرحلة سابقة للإدهاش تتمثل في إرادة المعرفة الحقيقية ومحاولة إزالة عادية الظاهرة بالبحث عن السبب.أما عن كيفية الوصول إلى العقل الفاعل في المسرح الاحتفالي وقد أعطي. لأجل ذلك مثالا إذ يقول أصحابها:" معرفة الاستغلال مثلا معرفة نظرية لا يمكن أن يغير شيئا، إذ لا بد من أن نحصي الاستغلال وأن نشعر به لأنه ليس أرقاما فقط ونظريات وإنما هو شعور كذلك(81). فهنا يشترط أن تكون معايشة الاستغلال حتى يكون هناك وعي بهذه القضية، أي يجب أن يمر الوعي عبر الإحساس والشعور ليمر إلى العقل الفاعل.في الظاهر هذا قول صحيح ولكن أرى أن هذا من الحالات التي لا يجب أن نعايشها حتى نعقلها ونعيها، بل يكفي معرفتها ليقوم العقل الفاعل بتحديد معالمها. وأرى اعتبارهم أن المثقف بعيد عن قضايا الاستغلال هو اتهام لأنه لا يجب أن يكون هناك" عذاب جسدي وروحي" (82). - حسب قول الاحتفاليين -ليكون تماس بين المثقف وقضايا المجتمع. وفي موضع آخر يذكرون:" أن العادة بكل ما تحمله من تكرار قد أفقدت الحياة اليومية جدتها وحيويتها وقتلت فيها عنصر الإدهاش والغرابة ولذلك أصبح الفقر شيئا عاديا، وكذلك الأمر بالنسبة للمرض والجهل والاضطهاد والقهر" (83). وبهذا الصدد فإن المسرح الاحتفالي يعمل على تغيير هذه الرؤية بأن يعيد لهذه المظاهر التي تبدو عادية عنصر الدهشة لتعريتها وإيضاح حقيقتها -ومنه يكون التغيير، فالكشف عن الحقيقة هو في أساسه استعادة الإحساس بالاندهاش الذي اختفى نتيجة التعود والتكرار، وهذا حسب ما ورد في البيان الثالث للاحتفالية: "هذا الإحساس الـمُصَادَر -بفعل التعود على أشياء اكتسب مع التكرار شرعية زائفة-هو ما يسعى المسرح الاحتفالي إلى تفجيره في ذات الفرد سواء كان مبدعا أو مساهما (متفرجا)" (84). فقولهم (بالشرعية الزائفة) للمظاهر المتعود عليها فلا شرعية حقيقية للاستبعاد، للفقر، للظلم، للاضطهاد ولغيرها من مظاهر الاستغلال على الرغم من أنها أصبحت مظاهر عادية في ظاهرها بفعل الخوف من مواجهتها وتحديها. وعليه فإن وظيفة المبدع هي الكشف عن حقيقتها بإعادة عنصر الدهشة إليها ليخلق فاعلية الوعي والتغيير لدى المتفرج. ويكون هذا
الكشف. عبر مراحل تتشكل كالآتي:


وضمن هذا: "فلا تقل للعامل بأنك مستغَل ثم تأتي بحجج وبراهين لتدل على ذلك. بل أعطه جانبي الصورة ودعه يقارن ويستكشف، سيندهش أول الأمر وهذا شيء طبيعي لأنه سيقف على الفرق الشاسع بين ما يعطيه للعمل من جهد، وما يعطيه له هذا العمل من أجر. الشيء الذي يجعله يتساءل أولا، ثم يحتج ثانيا، ويضرب ثالثا للمطالبة بحقه المشروع(85)والتالي تكون المعادلة التالية:

أما إذا حدث العكس أي بأن تظهر للعامل بأنه مستغل بإعطائه البراهين فإننا هنا نتبع طريقة تلقين تعليمية غير حيوية، ولا تحمل أي نوع من الحركية التي تساعد على اكتشاف الحقائـق، وهذا ما يظهر في مسرح (بريخت) من خلال أهم خاصية فيه وهي (التغريب) التي تؤدي إلى التغيير " ويتم ذلك عند (بريخت) بالعمل على عزل المتفرج عن المسرح حتى يتمكن من ممارسة التفكير النقدي(86). فــــــ (بريخت) من خلال مبدئه هذا يبعد المشاهد عن المشاركة ويلغي مجال التعاطف بينه وبين الشخصية، بمعنى يعزله عن عملية اكتشاف هذه الأخيرة التي توضح أمامه على خشبة المسرح دون مشاركته وهذا يعني بالضرورة " أن يتخذ المسرح موقفا نقديا وذلك بأن يعرض الحقيقة أمام المشاهد لتمكينه من أن يقف منها موقف المراقب المتأمل، وليس موقف المشارك" (87)

وهذا يتضح أن الاحتفالية قد عكست هذه العملية وجعلت من المشاهد مشارك ناقدا، لا متفرجا مراقبا وملاحظا كما في مسرح (بريخت) "الذي يحول دائما بين حدوث التوحيد بين المشاهد وحقيقة المسرح، وان يستخدم كل الوسائل الممكنة لكي يخلق عند المشاهدة الشعور بالدهشة. الذي يفصله مسافة على خشبة المسرح فيستطيع بالتالي أن يرى الأوضاع الاجتماعية التي ألف أن يراها وقد أصبحت غريبة عنه، وهذا هو مبدأ التغريب الذي قام عليه مسرح بریخت" (88).


ومنه تكون المعادلة كالتالي:

هنا يتضح جليا أن حدوث التغيير عند (بريخت) يحدث من خلال مباشرة في إظهار كل شيء على الخشبة، إلى جانب ارتكازه علی التفكير أولا أي أن العقل يكون قبل الشروع بالشيء وهو عكس المسرح الاحتفالي.

و-الشمولية

إن الفنان ابن بيئته ومجتمعه، فهو ينطلق من ظروفه الخاصة ومما يحيط به في مجتمعه وعصره، وهذا لا يعني التقوقع على الذات والانغلاق عليها، وإنما يجب إنتاج فن يتعدى حدود المكان الواحد والزمان الواحد، ذلك" أن الفنان الكبير، هو ذلك الذي يصلح لعصره، ولكل عصر وينفع الناس ويعرض لشؤونهم ويوجه حياتهم في جيلهم ثم يمضي بعد ذلك ينفع الناس في كل الأجيال! هو ذلك الذي ينظر بإحدى عينيه إلى الوطن الصغير، ممثلا في بيته وزمنه، وبعينه الأخرى إلى الوطن الأكبر، ممثلا في الإنسانية إلى نهاية الدهر! ..."(89) .

" هذا الانطلاق والعموم في القول قد يبعد الكثير من الآثار الأدبية والفنية "فأذواق الأمم متغيرة، ومدارك الأجيال متطورة"(90).

وعليه فإن إيجاد لغة إنسانية شاملة بتلك الأوصاف، لن يكون إلا بالاعتماد على تصوير ثوابت الطبيعة الإنسانية ونقل جوهرها "لأن الثابت وحده هو الذي يملك لغة شاملة تخاطب العقليات المختلفة والبيئات المتباينة"(91). فالثابت الذي يمثل الأصل يبقى على الدوام يتحدى الزمان كما يتحدى المكان، لكن الفروع متغيرة.

وبما أن المسرح الاحتفالي يبحث عن التواصل فهو " يقوم على البحث عن لغة إنسانية ذات أبعاد إنسانية عامة، لغة يفهمها ذلك الشخص الموجود في مكان آخر والزمن الآخر. لغة مستقبلية ولكنها في نفس الوقت تحمل صورا ماضوية ذات بعد إنساني شامل"(92).

وباعتبار أن التاريخ والتراث شمولیان، فهما ملك للإنسانية ككل، فإن " النظرة الدرامية هي نظرة شمولية تقرأ التاريخ وكأنه صفحة واحدة"(93)، أما الارتباط بظرف تاريخي معين أو التسجيل الوثائقي، فله أهمية مرحلية لا تتخطى حدود اللحظة التاريخية المعينة، (فبريخت) مثلا في مسرحية "أيام الكومونة" أراد القول أن "الثورة لم تنشأ وتتكامل في الرأس، أي على صعيد الفكر، بل وقبل كل شيء بين الناس وبهم، فهم صانعو الثورات الحقيقية، كما توضح لنا الإستراتيجية الثورية التي يجب أن تنبثق عن هزيمة كتلك التي منيت بها تلك الكومونة واستخلاص العبرة التاريخية للانطلاق منها والاستفادة منها في التجارب الثورية المماثلة. لا شك أن (بريخت) كتب هذه المسرحية في ظرف تاريخي معين. لكنه كتبها من منظور يتخطى حدود هذه اللحظة التاريخية أيضا ويجعل المسرحية وفق المفهوم المطروح ذات أهمية لنا أيضا" (94). فوجود الظروف نفسها يؤدي إلى وجود نظائر للشخصيات في مكان آخر وزمن آخر.

ز-تعرية الواقع الاجتماعي

في البيان الأول للاحتفالية يظهر المعنى الحقيقي للواقع المراد إيضاحه، وتعريته وهذا انطلاقا من كون:"المسرح الاحتفالي قائم على أساس التعرية وذلك علما منا بأن الواقع الاجتماعي قائم على أساس التغطية" (95).

فرغم أن الواقع الاجتماعي، هو واقع نعيشه ونحياه ونتفاعل فيه إلا أنه في نظر الاحتفاليين مزيف ومغطى، فهو مملوء بالمتناقضات والمفارقات، مما يؤدي بالإنسان إلى ازدواجية في شخصيته، وثنائية في خطابه، تفرضه عليه المعاملات والسلوكات الاجتماعية التي تأبى المواجهة وتنفر من مصادمة الحقيقة وتختبئ وراء الأقنعة، ومن هنا كان:" وجود الآخر المتفرج هو أصل التمثيل. إنني وأنا وحدي أتصرف بكل حرية، أتصرف بكل جنون وحمق، ولكن بمجرد أن أجد نفسي محاطا بالعيون (المتفرجة) فإنني أتخلى مؤقتا عن حريتي وتلقائيتي وآخذ في التمثيل وساعتها لن تكون الكلمات والحركات والإشارات، مطابقة لِما بالداخل، ولكن لِما يريد الآخرين، من هنا افتقدنا وجوهنا الحقيقية داخل المجتمع وعوضناها بأقنعة تمثل الإيمان أو الاستقامة أو الوداعة والبراءة. فعندما أراك لا أرى غير القناع. أما أنت فَمُصَادر لفترة قد تطول وقد تقصر، ومنه كان التمثيل هو ما يحدث يوميا في المجتمع" (96).

فالواقع اليومي هو واقع مقنَّع، وإنّ نقله بأقنعته وزيفه على المسرح لن يضيف في الأمر شيئا بل يصبح (تمثيل التمثيل)، ومنه كان المسرح الاحتفالي تعرية له ونفوذا لبواطنه، لكن وجود هذا الزيف مقترن بوجود الآخر المحبد للخصال السامية، إذ إن أصل التمثيل كان بوجود (الآخر المتفرج). فيكون المجتمع أو الواقع الاجتماعي هو الذي يجعل الإنسان يلبس أقنعة مغايرة لحقيقته. فالدور عند الاحتفاليين سابق لصاحبه" وإنّه من خلال أدوار (مسرحية) تسمى الوظائف والمراكز والطبقات ... وإن كل دور يفرض نوعا معينا من الأداء والسلوك. فالإقطاعي لا يمكن أن يتصرف إلا كإقطاعي والعامل كعامل. ومن هنا يكون الدور سابقا -من حيث الترتيب الزمني - علی من يؤديه الشيء الذي يجعل من الوظائف والحرف أقنعة جاهزة يلبسها الأشخاص فتكسبهم ملامح جاهزة كذلك(97).

والاحتفال هو الذي يُخفي تلك الوظائف والأقنعة ويوقفها وبالتالي يتحرر الإنسان من التمثيل. ونجد(برشيد) في خضم حديثه عن المسرح البورجوازي وضَّح أنّ "الشخصية المسرحية تحصُر نفسها مرتين. مرة عندما ترتدي قناع (أرباغون) قناع البخلاء ومرة أخرى عندما يلبس الممثل قناع (أرباغون) وبهذا تبتعد عن الواقع الحقيقي مرتين كذلك (98).

و(أرباغون) هو بخيل موليير وهو يعتبر قناع (قناع البخيل) وهو درجة أولى من التمثيل، ثم تكون الدرجة الثانية بإلباس هذا القناع للممثل وهذا الواقع المعتاد والمبتذل. ليس في حاجة إلى نقل بل إلى تعرية، وإن الاحتفال هو عكس هذا المثال ففيه لا وجود للتفرج بل هناك. "ومن هذا كان لابد أن نميز بين شيئين: الواقع والحقيقة، وذلك وذلك لأن الواقع لا يمكن بالضرورة أن يكون حقيقيا، إن الزيف واقع بل هناك مشاركة للعرض تحمل التلقائية والعفوية وفيه يتوقف التمثيل بزوال الأقنعة. " ومن هذا كان الإستغلال واقع، والظلم واقع أيضا، ولكن هذه الأشياء لا تمثل الحقيقة في شيء، ومن هنا أمْكن القول أن رصد الواقع من خلال متغيراته السطحية من اختصاص وسائل الإعلام أما رصد جوهر الواقع وحقيقته فذلك من اختصاص الآداب والفنون بصفة عامة والمسرح الاحتفالي بصفة أخص(99).

فالاحتفاليون من خلال إعطائهم هذا المفهوم الجديد للواقع يؤكدون أن ليس كل واقع هو بالأساس حقيقة، فسير الأحداث اليومية وتطورها يرجعون اختصاصه إلى وسائل أخرى تعتمد على الوصفية كما في الظاهر، أما التوغل إلى البواطن لاكتشاف الحقائق فهو من اختصاص الأعمال الفنية والإبداعية. والإبداع عندهم هو " خلق على غير هيئة سابقة" (100)، بمعنى هناك رؤية جديدة لواقعهم، فهم يبتعدون عن التكرار والعادي والطبيعي، وهذا ليس معناه أن الإبداع عندهم يلغي الواقع، بل على العكس من ذلك فهو عنصر خام لأنه       " ليس لهم بديلا له، ولكنه رسم تقريبي (ماكيت) للزمن الآتي ....(101)إنه رؤية ما لا يرى، ونقل الموجود لا كما هو موجود، وکشف مواطن نراها ولا نراها هو الإحساس بالشيء لا كما تعودناه، ورؤية من زوايا قد لا ينتبه إليها الإنسان العادي." الإبداع انطلاقا هو نتيجة تعارض وانقطاع بين الواقع القائم وطموح الذات (الفردية والجماعية) إلى واقع غير متحقق" (102).

وهم بهذا يبتعدون عن المسرحية الطبيعية " التي لا نكاد نجد فيها دراسة أو فكرة عامة ولا مشكلة ولا صراع بل نجد صوراً عامة توضع أمامنا وضعا ماديا فوتوغرافيا" (103)

فكما يدل الاسم (الطبيعية) فإن أصحابها لا يعنون فيها بتحوير ما في الطبيعة لصالح الفن بل " ينقلون إلىك من الحياة صورة طبيعية صادقة متحللة من القواعد، طليقة من القوانين، غير مقيدة بالآداب والشرائع، فمسرحياتهم تضع شخصياتها بين يديك عارية سافرة، كأنها مقاطع طولية أو عرضية لهضبة من الهضاب أو سهل من السهول أراد راسمها أن يطلعك على ما تتركب منه تلك الهضبة أو ذاك السهل من طبقات جيولوجية وكيف تضافرت القرون والأجيال على تطور هذه الطبقات وتحويرها حتى استقرت على هذه الحال التي ترى، فعملهم ينحصر في إعطائك صورة لهذا المقطع"(104).

فهدفهم من أعمالهم هو الصدق في النقل ونسخ الطبيعة دون تحليل ولا تحوير، في حين أن " الكاتب الواقعي في المسرح لا ينقل الحياة الواقعية نقلا حرفيا، أو نقلا فوتوغرافيا كما يفعل الكاتب الطبيعي، بل هو يلخصها ويعطي جوهرها بل يهذبها ويتناولها تناولا فنيا كفيلا بأن يؤدي رسالته في المسرحية التي يقدمها (105)

وبهذا تكون الاحتفالية. وإذ إن تصورهم للمسرح على أنه واقع أوسع من واقعنا المعيش، وتمارس فيه الحرية والشفافية، والتلقائية، وتُرسم فيه أحلا م مستقبلية ومغيرة لما هو كائن، كان واقعهم مركبا ومكثفا " يعتمد. هذا التركيب في كلياته وجزئياته على المزج بين الأجواء المختلفة، مزج الواقع بالحلم، وإغراق الحقيقي في الأسطوري، وإدخال الوهمي في صلب اليومي والخلط بين التمثيل واللاتمثيل، الشيء الذي يجعلنا نعيش كمساهمين في الحفل المسرحي داخل أجواء شفافة" (106).

فالمناهل مختلفة عند الاحتفاليين بالإضافة إلى كيفية تركيبها عن طريق الإبداع، فإدخال الوهمي في صلب اليومي ليس معناه أن المسرح وهم كما أن مزج الواقع بالحلم لا يبعد جوهر الحقيقة عن الواقع، بل كل هذه العناصر تساهم في صنعه، وما هذه الأساليب إلا لتعميق المعنى، والابتعاد عن النسخ الطبيعي للواقع.

فهذه التركيبة في العملية الإبداعية يجعل من المسرح الاحتفالي يرتكز على المفارقات المختلفة ليتمكن من الوصول إلى تعرية الواقع السائد، من خلال نماذج متنوعة من المشاهد، التي يمكن أن تتضارب أحيانا، لكن هي الأجدى في الكشف والوصول إلى تحقيق الغايات التي يهدف إليها.

وسيتم ترك المتفرج يندمج في عملية العرض كمشارك في إزالة القناع الذي يخفي وراءه مَخفيات يصعب كشفها بالطرق التقليدية في المسرح الكلاسيكي. ومن هنا فإنّ اعتماده على جملة من المصادر المتنوعة، يستغلها في العملية الإبداعية في إطار العرض المسرحي.

3-وظيفة المسرح الاحتفالي

يعتبر(أرسطو) أول من وضع شروط ومقومات وقوانين المسرح الكلاسيكي وهو المسرح اليوناني القديم، فأورد مفهوما للمأساة ووظيفتها، إنها" تثير في نفوس المتفرجين الرعب والرأفة، وبهذا تؤدي إلى التطهير أو الــ CATHERSISأي تطهير النفوس من أدران انفعالاتها"(107).

غير إن هذه النظرة لمهمة المسرح قد تغيرت عند(بريخت) وقد ظهر ذلك في كتابه" اورجانون المسرح الصغير" الذي أصدره عام 1948  مؤكدا فيه أن المسرح له وظيفة تتمثل في التعامل مع الأفكار وتوظيفها للحصول على نتاجات فكرية جديدة وبها يتم إحداث قلب الأفكار العامة السائدة في العالم"فالمسرح لا يقتصر على مجرد إنتاجه المشاعر والمعارف والدوافع التي يسمح لها مجال العلاقات الإنسانية التي تجري به الأحداث ولكن نحتاج إلى مسرح يستغل الأفكار وينتجها حتى تلعب هي نفسها دورا في تغيير العالم" (108)، فلم يقصر هنا (بريخت) وظيفة المسرح في مجرد الغاية التعليمية بل أخضعها للجمالية أي إنه " لم يغفل الغاية، ولكن من خلال المتعة الفنية" (109)، إذن فقد حدد (بریخت) لمسرحه غاية كامنة وراء الإحكام الفني هي (التغيير) الناتجة عن " شعور الانتصار والثقة، وتزودنا بمتعة إمكان تغيير كل شيء".(110)

وربما هي الفكرة نفسها التي تحدث عنها (توفيق الحكيم) حين قال: "إن الفرجة يجب أن يكون خلفها فكر، وأضواء النيون البهيجة المنظر في أي لافتة يجب أن تحمل خلفها رسالة سواء كان الفكر أو الرسالة فلسفية أو اجتماعية أو عقائدية، دون أن يتخذ ذلك نبرة عالية زاعقة مباشرة تظهر فيها الفن بمظهر الوسيلة الثانوية. فالفن متعة قبل كل شيء، وإن لم تستطع إمتاعي فلن تستطيع إقناعي" (111)فهناك جمع في رسالة الفن بين المتعة والفكرة.

في حين نجد (الطيب صديقي) يقول في حديث، معه أنه " كلما قسا المسرح في تصويره فجيعة الإنسان داخليا وخارجيا فإنّه يؤدي دوره بشكل أكمل، إذ يهز بعنف ويبعث إلى التمرد على واقع تعس کي لا تعاد الصورة مرة أخرى."(112)

وبالنسبة للمسرح الاحتفالي يحدد (عبد الكريم برشيد) وظيفة المسرح في مقاله (ألف باء الواقعية الاحتفالية في المسرح) فيقول: "وظيفة المسرح الاحتفالي ليست هي تغيير الواقع وإنما في تجاوزه وإن التغيير لا يمكن أن يتم إلا عن طريق العقل الشاعر، العقل الذي يستوعب الأشياء بعد أن يمر بالحس"(113).

فهدف الاحتفالية من المسرح هو البحث عن الجديد المغاير عن طريق الفعل والحركة المستمرین، وبذلك فهي ترفض الواقع المعطى العادي لتتجاوزه إلى واقع جديد تكون فيه الدهشة أولا للتحرر من المألوف العادي.

إلى جانب أن استعمال " الرمز التاريخي والأسطوري يملكان قابلية تركيب واقع مسرحي تطبعه الجدة والغرابة، واقع يجعل المتفرج وكأنه يكتشف الأشياء لأول مرة وبذلك يستعيد إحساسه المفقود في زحمة الأيام وتواترها" (114)؛ ذلك أن استعمال مثل هذه الأساليب الجديدة قد شاع عنها أنها تؤدي إلى الغموض والإبهام في حين أنها تعتبر إبداع في الفن بل هي" مظهر من مظاهر الفن. ووسيلة للتعبير عما تعجز عنه اللغة المتعارفة، ومَنْفَذا للخروج من الجو الفكري المألوف، أو الميدان الحسي الرتيب، الذي تواضع عليه الناس، والتحرر من القيود التي تغل التفكير، وتقف به عند حدود النظرات المباشرة للأشياء من زاوية واحدة دائما" (115).

ويمكن اعتبار مثل هذه الرموز غموض ولكن الغموض " الذي يتولد عن كل نظرة مستقبلية تسبق الأحداث وتبشر الزمن بالآتي" (116). وهذه النقطة أي التنبؤ بالمستقبل من طرف الأدب والفن عموما قد تحدث عنها (توفيق الحكيم) بإسهاب وأثار مشكلة: دور الفن والأدب في ناحية ودور العلم في ناحية أخرى، حيث يقول: " إن مقدرة العلم اليوم في الكشف عن إمكانيات المستقبل وإعطاء صورة عنه قد جعل الفن والأدب يفقدان في هذا المجال الكثير من مبادرتهما في تصور الغد وقيادة الناس إليه" (117).

فتصبح وظيفة الفن أو الأدب بالأخص تقف عند التفسير، في حين أن (توفيق الحكيم) يرى أنه رغم استمرار تغير الحياة بتغير النظرة العلمية، إلا أن الفن لم يقف ساكنا بل " اتجه إلى زلزلة الأساليب الفنية التي يمتلكها وأصبح يهم باحثا عن وسائل جديدة للتعبير، مثلما استطاع العلم أن يغير التفكير العلمي" (118)، فكما أن العلم بمقدوره تغيير البيئة، فإن مهمة تغيير الإنسان تبقى ملقاة على عاتق الفن والأدب فلقد " تنبه الفن إلى أنه يتحمل مهمة تغيير الإنسان في هذه المرحلة، ولكن ...تغييره إلى أي صورة؟" (119).

هنا توقف (توفيق الحكيم) لأنه لم يجد جوابا لسؤاله هذا، هل يكون تغییر الإنسان بخلق قيم جديدة تتماشى مع الظروف الجديدة؟ أم يتم بتصحيح القيم القديمة فقط.

وجواب هذا السؤال نجده في البيان الأول للاحتفالية ليؤكد ما ذكره من قبل (عبد الكريم برشيد) عن وظيفة المسرح التي تكمن في التغيير، إذ نجد في الفقرة (27): " إنّ المهم هو تغيير الإنسان. تحريره من ذاته أولا، ثم مما يحيط به من مخلفات الماضي، ومتى أوجدنا الإنسان الجديد سهل علينا إيجاد الواقع الجديد" (120).

قد يبدو الأمر غامضا من الوهلة الأولى، ولكن بناء على ما سبق ذكره من المبادئ نجد أن تغيير الإنسان يتم عن طريق تحريره من ذاته، ففي المسرح الاحتفالي باعتباره تظاهرة شعبية عامة لابد من مشاركة المتفرج مباشرة في الإبداع والتفكير دون وساطة، ومن هنا يصبح إنسانا واعيا لما يجري حوله، حرا في تفكيره واختياره، مشاركا في الإنتاج. متصلا بما حوله كما يجب تحريره مما يحيط به من مخلفات الماضي، وهذا لا يعني تحريره من ذاكرته وتراكماته المعرفية السابقة أو الماضية، بل هو تحرير من الأفكار الغريبة الآتية من خارج محيطه والتي جعلته عبدا لها ومجرد مروج لها فهي لا تنبع لا من ذاته ولا من واقعه، هو التحرير أيضا من النظريات والمذاهب التي تجعل من الجماعة الإنسانية فرقا وشيعا تصب كلها في الصراع وبذلك يفقد الإنسان الحرية والعدالة وكذا القدرة على إيجاد هويته وفكره.

وعلى اعتبار أن "الاحتفالية تسعى إلى خلق مسرح شعبي، ولكن هذا لا يمكن أن يتأتى إلا بوجود مؤسسة مسرحية جديدة، مؤسسة تعمل على تجاوز ما هو كائن وموجود وقائم، لتعمل بعد ذلك على خلق هياكل جديدة مغايرة للإنتاج وتسويق المسرحيين" (121).

فتجاوز ما هو كائن وموجود تعني التغيير، بخلق قيم جديدة تتماشى مع الظروف الجديدة وهي الفرضية الأولى لتوفيق الحكيم في كيفية تغيير الإنسان من خلال الفن، وبطبيعة الحال ليس خلق القيم الجديدة بتكسير الذاكرة أي ماضي الإنسان بل هو تكسير العادي والشائع والمعروف والبديهي ليكون هناك إعادة اكتشاف العالم من جديد والتعبير عنها بوسائل فنية جديدة.

ولكن في البيان الثالث لجماعة الاحتفالية نجد تراجعا عن هذا الهدف ليكون التفسير هو المرحلة الأولى في وظيفة المسرح الاحتفالي، وتأتي مرحلة التغيير بعدها، ويظهر هذا في أنّ"وظيفة المسرح الاحتفالي هي وظيفة ذات حدين متكاملين: التفسير والتغيير، إن الفهم هو المنطق، إنه المفتاح الأساسي لفتح كل مغلق وبسط کل منقبض وفك كل الرموز، وإن الفهم الذي نقصده هو بالأساس فعل لاحالة، فعل يستطيع بالضرورة فعلا آخر غيره، ويتجسد. هذا الفعل في إحداث انقلاب جذري في هندسة الواقع والتاريخ والإنسان".(122)

وفهم الواقع واكتشافه ليس معناه الوقوف عند حدود الوصف، إذ إن الوصف يعني تثبيت الزمن الذي يؤدي إلى ثبات الحياة وكأنها صورة، في حين أنّ الحياة تتغير وتتجدد في كل حين. والإبداع الأدبي والفني يجب أيضا أن يتابع هذا التحول والتغير والتجدد، وبصفة خاصة العمل المسرحي والاحتفال، الذي يتغير ويتجدد زمنه ومناخه (مناخه النفسي) وظروفه، ويسند هذا التغيير إلى مسرحيين -بنائين-كما تدعوهم الاحتفالية يُشْتَرَطُ فيهم الحيوية " وهم هؤلاء الناس الذين يتفاعلون مع محيطهم، فيضيفون ولا يكررون... ويجددون ولا يقلدون وبهذا أمكننا القول بأنّ الممثل لا يحتفل نفس الاحتفال مرتين لأنه لا أحد يعيش لحظتين متشابهتين تماما" (123).

والبحث في معناه هو اكتشاف كل خفي للوصول إلى حقيقته، عندئذ يتجسد الفعل في إحداث انقلاب جذري على: الواقع، التاريخ، الإنسان.

على الواقع: بإزالة الزيف منه، فكون السمة الأساسية في المسرح الاحتفالي هي أنه فن حي ومتحرك، فإن هذه الحيوية والحركية ناتجة عن عمل طرفي الاحتفال المبدع (الممثل) والمساهم (المتلقي)، ويصبح بذلك العمل المسرحي تظاهرة يشارك فيها الكل وليس فرجة، وهذه الحيوية ناتجة أيضا عن قناعة أن المسرح الذي يعني الحياة بكل ما تحمله من زيف وأقنعة يجب على المسرح بمعناه الآخر الحقيقي (الذي يمثل هذا الاحتفال) أن يُخرجه من مسرحيته بمعنى أن تحصل هناك عملية تعرية للمسرح الأول (الذي هو الواقع أو الحياة).

الفعل هو أيضا انقلاب جذري على التاريخ: وهذا ليس معناه تغيير الوقائع التاريخية الثابتة وإنما يكون العمل المسرحي مغايرا لعمل المؤرخ، هذا الأخير الذي " يهتم بما وقع، أي بالأحداث التي تنتمي بالضرورة إلى الماضي، أما المسرحي فيهتم بالأساس بمعنی ما وقع، وهذا المعنى ينتمي للماضي، كما ينتمي للحاضر والمستقبل(124)، ومنه تكون معاني الوقائع التاريخية الماضية كمفاتيح مساعدة " لصناعة تاريخ آخر مغاير، ولتغيير ما هو واقع بالفعل بالرغم من انه غير حقيقي"(125) فالمعاني باقية.

والفعل كذلك انقلاب على الإنسان: فالاحتفالية وهي تسعى من أجل إيجاد الإنسان الجديد،" ترى أنّ الأساس الأول هو إيجاد العلاقات الجديدة وذلك لان العلاقات الطيبة يمكن أن تعطي الإنسان الطيب، ولكن الإنسان الطيب وحده لا يمكن أن يعطي شيئا" (126). إذ إنه "ليس له وجود في ذاته، وإنما هو مجموع العلاقات التي تربطه بالآخرين، وتبلغ هذه العلاقات أوجَها في المحبة" (127)، فيتضح هنا أن الإنسان الجديد الذي تسعى الاحتفالية إليه هو (الإنسان الطيب)، ولكن ليس الإنسان الفرد، بل" نقصد منه الجماعة والفرد في ذات الوقت"(128). أي إن وجود الإنسان مرتبط بوجود الجماعة على عكس ما قالت به الوجودية. وبهذا فإن العلاقات الطيبة هي التي تلد الإنسان الطيب فهو وحده لا يعطي شيئا، بل يجب أن يكون ضمن جماعة إنسانية ليظهر تعاملاته وتفاعلاته فيها.

وقد جعلت الاحتفالية من الإنسان نسبي أي يُعرف ضمن علاقاته مع غيره (أي نسبة إلى)، في حين أن مقدرة الفرد وقوته تعرف وهو منعزل عن الغير وهذا يظهر حينما قالت الاحتفالية في البداية أن: "الشخصية في المنظور الاحتفالي مبنية على أساسين: الاتصال والانفصال، الاتصال بالماضي، أي بما هو عام ومشترك، والانفصال في ذات الوقت، عن هذا العام المشترك للبحث عن التمييز والتفرد لتجاوز المعطيات الأولية، والإفلات من جاذبية القطيع(129)؛ فاتصال الإنسان بالماضي أين كان منفعلا وأين كان مشتركا مع غيره وحيث بدأ بناؤه. وهو منفصل عن هذا كله حيث يكون البحث عن الفرد ذاته وعن استقلاله. لكن هذا الانفصال طبعا يكون بعلاقات جديدة مع الاحتفاظ بالماضي، كما أنه يتصل من جديد في المستقبل حيث يكون فاعلا في الآخرين ولكن وهو حامل للآخرين (الماضي) في سلوكه ومعارفه وأخلاقه ولغته.

وفي موقع آخر نجد الاحتفالية تقول إنه "لرد الأشياء إلى حقيقتها وتحقیق المجتمع / الحلم، فإنه لابد أن يخرج. الإنسان من سكونيته ليصبح فاعلا في المجتمع، عوض أن يبقى منفعلا ومتأثرا من السماء، وإنما هي نتيجة حتمية افرزها الضعف والجهل والفقر، فالضعف يعزی بالاستبداد، والجهل يفرخ الأوصياء والعرابين. فلا شيء إذن، يمكن أن يرد الأشياء إلى حقيقتها سوى أن يكون الإنسان غنيا قويا، عالما وحرا، وهذا ما تسعى الاحتفالية ضمن طموحها المشروع" (130). فالاستسلام إذن لما هو موجود ودون إحداث تغيير أو تجديد وتطوير يعتبر طريقة اتباعية لا إبداع فيها ولا فعل، ولا حياة وهذا يرجع إلی الضعف والجهل والفقر، وعليه فإن إزالة الأقنعة عن الأشياء للوصول إلى حقائقها مرهون بالإنسان في حد ذاته، إذ يجب أن يكون في آن واحد:

قويا: لأن القوة ضد الضعف الذي يؤدي إلى الاستعباد والاستبداد.

غنيا: لأن المال يوفر الإمكانيات المادية والقدرة على الامتلاك.

عالما: لأن القوة والغنى لا معنى لهما دون وجود عقل يضبطهما ويوضح كيفية استعمالهما في حين أن الجهل يوجد الأوصياء والمسيرين المستغلين، كما إن العلم يعني الوعي بما كان وما هو كائن وما يجب أن يكون.

حر Engras: لأن القيد يشييء الإنسان ويفقده الحياة في حين أن الحرية تعني الانطلاق.

كل هذه الشروط يجب توفرها في الإنسان باعتباره الأساس لكي يستطيع التغيير، في حين أجد أنه يجب كذلك قبل هذا توفر الإرادة الواعية في العمل وفي التغيير، وهذا هو مسعى المسرح الاحتفالي.

 4-مصادر المسرح الاحتفالي

أ‌-                        الواقع

 وقد أوضحت ذلك في شرط (تعرية الواقع الاجتماعي)، حيث إن الاحتفالية أعطت مفهوما جديدا للواقع وفرّقت بينه وبين الحقيقة، فالواقع بتغيراته السطحية ليس هو ما يبحث عنه المسرح الاحتفالي، ولكن التعامل مع الواقع يكون بالغوص في بواطن الأشياء للوصول إلى جوهرها وحقيقتها." لأن المسرح واقع حياتي بالأساس، ولكنه واقع مكثف ومركز وأكثر شفافية وصدقا من الواقع اليومي(131). وتركيز الواقع وتكثيفه يكون بفعل الإبداع، بإدخال الوهمي والحلمي والماورائي ليكون عمقا للمعنى، إلى جانب التجديد والحركية في الفعل والزمن والحوار، بالإضافة أيضا إلى مشاركة الجميع المساعدة على مواجهة الواقعية التقليدية.

ب‌-                      التاريخ

وقد تحدثت عنه أيضا فيما سبق حيث يتعامل الاحتفاليون مع التراث التاريخي بنفس تعاملهم مع الواقع، أي ليس من الصحة الوقوف على الظاهر فقط بل يجب الغوص في جوهره، وفي هذا نجدهم يقولون: "(...) فنحن لا نسعى وراء أحداثه وقشوره، لأن ذلك ليس من اختصاصنا، فما يهمنا هو روحه وجوهره وفلسفته، هذه الفلسفة التي تعطينا المفاتيح أيضا لصناعة تاريخ آخر مغاير، ولتغيير ما هو واقع بالفعل بالرغم من أنه غير حقيقي" (132)، لأن الإنسان هو من نتاج التاريخ، فهو الكائن الوحيد الذي يعي ضرورة الزمن ويفيد منها. ما يضيف جديدا إلى خبرته على الدوام.

ت‌-                     التراث الشعبي

يعتبر التراث الشعبي من أهم مصادر المسرح الاحتفالي لأنه "مسرح شعبي بالأساس، ولما كان التراث -بكل ما يحمله من تنوع وخصب يمثل ذاكرة الشعب، فقد كان لابد أن يكون له مكانا مهما في إبداعنا المسرحي. إن المسرح كما رأينا لغة، ولا يمكن أن تُحدث شعبا إلا من خلال لغته، هذه اللغة التي تختزن عليته وروحه وتطوراته، هذه أشياء لا يمكن التوصل إليها إلا من خلال التراث العربي". (133)

فالحاضر كائن بوجود ماضٍ سبقه هو تراثنا الشعبي الذي يمثل ذاكرة الشعب، وهو الذي يحمل خصائص الخصوبة والتنوع التي ساعدت على بقائه حيا إلى الآن.

وإن الاهتمام بقضية التراث وإقامة جسور بينه وبين الواقع العربي الراهن، تعتبر من أولويات المسرحيين العرب سواء الأوائل منهم أي الذين كانت لهم الأسبقية في عملية توظيف التراث في المسرح كـــ (یوسف إدريس) و(الفريد فرج) و(توفيق الحكيم) ...، أو لمن بعدهم، كمحاولات المغاربة منهم: (الطيب الصدیقي)، (عبد الكريم برشيد)، (أحمد الطيب العلج) ... فالكل يقول بضرورة وجود مسرح عربي أصيل.

وفكرة الاغتراف من التراث أصبحت " ظاهرة تُمّيز المسرح العربي المعاصر منذ أواخر الستينات وحتى الآن، حيث أغرى هذا الاتجاه ما تفرع عنه       من مسرح مشاركة ومسرح فرجة ومسرح وثائقي وغيرها من الصيغ التي تعتمد على أسس ملحمية، كتاب السبعينات والثمانينات على السواء"(134).

ويمكن اعتبار هذه المصادر هي الأسس التي يرتكز عليها المسرح الاحتفالي، لمحاولة خلق نمط مسرحي يتلاءم والفكر الاجتماعي في الأقطار العربية، هذا النمط هو تأصيل جديد لفن مسرحي قائم على مقومات فكرية متعددة المنابع والمشارب، ومحاولة التخلص من التبعية والتقليد. وهنا يمكن اعتباره ضربا من ضروب الإبداع في المسرح التجريبي العربي بصفة عامة.

بحيث لا يمكن أن يكون إجهازا على العطاءات الفنية والفكرية السابقة، بل إنه يؤكد فعل الاستمرار وفي الوقت نفسه يؤكد القطيعة، وذلك لخصوصية مرتكزاته الفلسفية والفكرية، وكذا رؤاه الفنية والجمالية، التي وجد أصحابها أنها أكثر فاعلية وشمولية ضمن عمل (المؤسسة الجماعية).

ومع أن هذه التجربة قد راقت الكثير من المهتمين بفن المسرح في البلاد العربية، إلا أن خشية التشتت بفعل توسيع الجهود وتنويع الآراء وتناقضها أحيانا، قد يكون أحد أسباب توقف نشاط هذه الجماعة، وأدى إلى إعلان موتها من طرف أحد أهم مؤسسيها عبد الكريم برشيد.


الهوامش

1.وليد بو عديلة (1999)، المسرح الاحتفالي أو الاحتفالية في عمق المأساة: "رسالة الأطلس"، تصدر عن دار الأطلسي للصحافة والنشر، باتنة-الجزائر، ع228، -(15-21/02/)، ص 17.

2.   محمد السيد عيد، (1994) الاحتفالية في المسرح العربي، دط، مطبوعات ملتقى القاهرة العلمي لعروض المسرح العربي، مصر، ص66. [هذا الكتاب يتضمن مجموعة بيانات المسرح الاحتفالي الصادرة عن مؤسسيه من تقديم محمد السيد عيد].

3.المرجع نفسه. ص 56.

4.خراف محمد (1980)، نشأة المسرح المغربي وإسهامات الطيب الصديقي: "مجلة الأقلام"، تصدر وزارة الثقافة والإعلام، دار الجاحظ، بغداد-العراق، ع 6.  ص 5.

5.محمد السيد عيد، الاحتفالية في المسرح العربي، ص 76.

6.محمود نسيم(1995)، المسرح العربي والبحث عن الشكل: " فصول (مجلة النقد والأدب)"، تصدر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب المجلد 14، ع 1-مصر، ص 83.

7.محمد السيد عيد، الاحتفالية في المسرح العربي، ص 76.

8.المرجع نفسه. ص 26.

9.محمود نسيم، المسرح العربي والبحث عن الشكل (مرجع السابق)، ص 83.

عملية التأسيس الثاني (أو إعادة الفعل التأسيسي الأول) ابتدأت مع أسماء مسرحية في الستينات من أمثال (يوسف إدريس، علي الراعي، الطيب الصديقي) ولكنها في السبعينات والثمانينات إنتقلت إلى الجماعات.

أما التأسيس الأول فقد كان مع (مارون النقاش) عام 1848، حيث كان أول عمل مسرحي عربي تأليفا وتمثيلا بلادنا، وهو تمثيلية البخيل

10.  محمد السيد عيد، الاحتفالية في المسرح العربي، ص 58.

11.  المرجع نفسه، ص 81.

12.  المرجع نفسه، ص 155.

13.  محمد السيد، عيد، الاحتفالية في المسرح العربي، ص 119.

14. المرجع نفسه. ص 84.

15. المرجع نفسه. ص. ن.

16. المرجع نفسه. ص. ن.

17.  المرجع السابق، ص 85

18.  محمود نسیم: المسرح العربي والبحث عن الشكل (المرجع السابق)، ص 83.

19. محمد السيد، عيد، الاحتفالية في المسرح العربي، ص 66.

20.  محمود نسیم: المسرح العربي والبحث عن الشكل (المرجع السابق)، ص 82.

21.  محمد السيد، عيد، الاحتفالية في المسرح العربي، ص 59.

22.   المرجع نفسه، ص 139.

23. المرجع نفسه، ص 140.

24. المرجع السابق، ص141

25. المرجع نفسه، ص 139

26.  عبد الرحمان بن زيدان (1995)، أشكال الغرب وخصوصيات والرجوع إلى الذات في التنظير المسرحي العربي: "فصول (مجلة النقد والأدب)"، تصدر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب-مصر، مجلد 13.ع 4. ج 1. ص 104.

27. المرجع السابق، ص 85.

28. المرجع السابق، ص 104.

29.  عبد الكريم برشيد(1995)، المسرح والتجريب والمأثور الشعبي، "فصول (مجلة النقد والأدب)"، تصدر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب – مصر، المجلد 13، ع4، ص 17.

30. محمد سيد عيد، الاحتفالية في المسرح العربي، ص 94.

31.المرجع نفسه. ص 43.

32.  المرجع نفسه. ص، ن.

33.  المرجع نفسه 88

34. المربع نفسه، ص 82

35.  المرجع نفسه ص 43.

36.   المرجع نفسه، ص 43.

37.   المرجع نفسه، ص 44.

38. المرجع السابق. ع 134

39.   المرجع نفسه، ص، ن.

40.   المنجد في اللغة والأعلام. ط22، دت، دار المشرق، بيروت-لبنان، ص 143.

41.  محمد السيد عيد، الاحتفالية في المسرح العربي، ص88.

42.  المرجع نفسه، ص 59. 

43.   المرجع نفسه، ص92.

44.  المرجع السابق، ص 93.

45.  المرجع نفسه، ص 93.

46.  المرجع نفسه، ص 10.

47.  ألفريد فرج، (1966)، دليل المتفرج الذكي إلى المسرح: "مجلة الهلال، تصدر عن دار الهلال القاهرة-مصر"ع179، فبراير، ص 11.

48.   محمد السيد عيد، الاحتفالية في المسرح العربي، ص 48.

49.   ألفريد فرج، دليل المتفرج الذكي إلى المسرح (مرجع السابق)، ص 22.

50.  المرجع نفسه، ص 22.

51.  المرجع السابق، ص 23.

52.  المرجع نفسه، ص24.

53.  المرجع نفسه، ص26.

54. محمد السيد عيد، الاحتفالية في المسرح العربي، ص 165.

55.  المرجع نفسه، ص، ن.

56. المرجع السابق، ص166.

57. المرجع نفسه، ص، ن

58.  المرجع نفسه، ص، ن.

59.  المرجع السابق، ص، ن.

60.المرجع نفسه، ص، ن.

(**) -مسرح الأسرار: هو المسرح الذي لم يكن يحضره سوى الكهنة ورجال الدين.

61.  محمد السيد عيد، الاحتفالية في المسرح العربي، ص 38.

62. المرجع نفسه، ص 39.

63.محمد أديب السلاوي(1980)، إطلالة على التراث المسرحي المغربي:" مجلة الأقلام، تصدرها وزارة الثقافة والإعلام، بعداد-العراق، ع6، ص 22.

64. المرجع نفسه، ص، ن.

65.  المرجع نفسه، ص 22.

66. محمد السيد عيد، الاحتفالية في المسرح العربي، ص 39.

67. المرجع السابق، ص 120.

68. المرجع نفسه، ص، ن.

69. المرجع نفسه، ص 120.

70.  المرجع نفسه. ص، ن.

71.ألفريد فرج، دليل المتفرج الذكي إلى المسرح (مرجع سابق). ص22

72. محمد السيد عيد، الاحتفالية في المسرح العربي 122.

73.محمد البهي، (1973)، الفكر الإسلامي الحديث وصلته بالاستعمار الغربي، ط6، دار الفكر بيروت-لبنان، ص 369.

74. المرجع نفسه، ص277.

75.  محمد السيد عيد، الاحتفالية في المسرح العربي ص .122.

76.  المرجع نفسه، ص، ن.

77.  المرجع نفسه، ص 123.

78. المرجع نفسه، ص 39.

79.  المرجع نفسه. ص، 39

80.  المرجع نفسه، ص، ن.

81.  المرجع نفسه، ص، ن.

82. المرجع السابق، ص39.

83. المرجع نفسه، ص129.

84.المرجع نفسه، ص، ن.

85.المرجع السابق، م 129.

86. السعيد الورقي(1990)، تطور أبناء الفني في أدب المسرح العربي المعاصر، دط، دار المعرفة الجامعية، مصر، ص 275.

87.  المرجع نفسه، ص 262.

88.  المرجع نفسه، ص 262.

89.توفيق الحكيم الفنان(دت)، دط، دار الكتاب الجديد، مصر، ص 346 -347.

90. المرجع نفسه، ص 341.

91.  محمد السيد، عيد، الاحتفالية في المسرح العربي، ص 45.

92.  المرجع نفسه، ص، ن.

93.  المرجع نفسه، ص، ن.

94. عادل قرشولی(1976) جدلية القومي والإنساني العام في المسرح:"مجلة الموقف الأدبي"، يصدرها اتحاد الكتابة العرب، بدمشق، ع68، كانون الأول، ص31.

95. محمد السيد عيد، الاحتفالية في المسرح العربي، ص 41.

96. المرجع نفسه، ص، ن.

97.  المرجع نفسه، ص 41.

98. المرجع نفسه، ص42.

99. المرجع السابق ص. 42.

100.  المرجع نفسه، ص 66

101.  المرجع نفسه، ص .162 وما بعدها.

102.  خالدة سعيد (1982)، حركية الإبداع ط2، دار العودة، بيروت-لبنان، ص 13.

103.  جمعة احمد قاجة (دت)، المدارس المسرحية وطرق إخراجها من الإغريق إلى الآن، دط، منشورات المكتبة العصرية، بيروت-لبنان، ص. 45.

104. المرجع نفسه، ص. 42.

105. المرجع نفسه. ص 46.

106. محمد السيد عيد، الاحتفالية في المسرح العربي، ص 143

107.جمعة احمد قاجة، المدارس المسرحية وطرق إخراجها من الإغريق إلى الآن، ص10.

108. محمد غنيمي هلال(دت)، في النقد المسرحي، دط، دار نهضة، القاهرة-مصر، ص172.

109.المرجع نفسه، ص173.

110. المرجع نفسه، ص، ن.

111. توفيق الحكيم يتحدث(دت)،دط، مطابع الأهرام التجارية، مصر، ص 194.

112.رياض عصمت(1975)، بقعة ضوء -دراسات تطبيقية في المسرح العربي، دط، منشورات وزارة الثقافة والإرشاد القومي، دمشق-سوريا، ص 254.

113.محمد السيد عيد الاحتفالية في المسرح العربي، ص46

114.المرجع نفسه، ص173.

115.عبد الحميد حسين(1964)، الأصول الفنية للأدب، ط2، مكتبة الانجلو المصرية القاهرة-مصر، ص 196.

116. محمد السيد عيد الاحتفالية في المسرح العربي، ص 47.

117.توفيق الحكيم يتحدث. ص .118

118.المرجع نفسه، ص119.

119. المرجع نفسه، ص122.

120.  محمد السيد، الاحتفالية في المسرح العربي، ص 61.

121. المرجع نفسه. ص63

122.المرجع نفسه، ص124.

123.المرجع السابق، ص 125.

124. المرجع نفسه، ص 60.

125.  المرجع نفسه، ص، ن.

126.  المرجع نفسه، ص،131.

127. المرجع نفسه، ص، ن.

128. المرجع نفسه، ص،130.

129. المرجع نفسه. ص 131.

130. المرجع نفسه. ص. ن.

131. المرجع السابق، ص 59.

132. المرجع نفسه. ص64

133. المرجع نفسه،61.

134.  السعيد الورقي، تطور البناء الفني في أدب المسرح العربي المعاصر، ص320.

@pour_citer_ce_document

أسماء غجاتي, «المسرح الاحتفالي :... قراءة في بياناته»

[En ligne] ,[#G_TITLE:#langue] ,[#G_TITLE:#langue]
Papier : 119-137,
Date Publication Sur Papier : 2019-01-08,
Date Pulication Electronique : 2019-01-08,
mis a jour le : 09/01/2019,
URL : https://revues.univ-setif2.dz:443/revue/index.php?id=4895.