التنميـــــة المحليـــة التشاركيــــــة والدور الجديـــد للمجتمـــع المدنــــــ...
Plan du site au format XML


Archive: revues des lettres et sciences sociales


N°01 Avril 2004


N°02 Mai 2005


N°03 Novembre 2005


N°04 Juin 2006


N°05 Juin 2007


N°06 Janvier 2008


N°07 Juin 2008


N°08 Mai 2009


N°09 Octobre 2009


N°10 Décembre 2009


N°11 Juin 2010


N°12 Juillet 2010


N°13 Janvier 2011


N°14 Juin 2011


N°15 Juillet 2012


N°16 Décembre 2012


N°17 Septembre 2013


Revue des Lettres et Sciences Sociales


N°18 Juin 2014


N°19 Décembre 2014


N°20 Juin 2015


N°21 Décembre 2015


N°22 Juin 2016


N° 23 Décembre 2016


N° 24 Juin 2017


N° 25 Décembre 2017


N°26 Vol 15- 2018


N°27 Vol 15- 2018


N°28 Vol 15- 2018


N°01 Vol 16- 2019


N°02 Vol 16- 2019


N°03 Vol 16- 2019


N°04 Vol 16- 2019


N°01 VOL 17-2020


N:02 vol 17-2020


N:03 vol 17-2020


N°01 vol 18-2021


N°02 vol 18-2021


N°01 vol 19-2022


N°02 vol 19-2022


N°01 vol 20-2023


N°02 vol 20-2023


A propos

avancée

Archive PDF

N°14 Juin 2011

التنميـــــة المحليـــة التشاركيــــــة والدور الجديـــد للمجتمـــع المدنــــــ...


بلقاسم نويصر
  • resume:Ar
  • resume
  • Auteurs
  • TEXTE INTEGRAL
  • Bibliographie


تمثل التنمية في عالمنا المعاصر، وسيلة هامة من وسائل النهوض بالمجتمع وتطويره بالاعتماد على الطاقات المادية والبشرية التي يتوفر عليها كل بلد، كما تستند إلى إطار مجتمعي يقوم على المشاركة الفعالة للمجتمع بجميع أجهزته ومؤسساته الرسمية (الدولة وأجهزتها) وتنظيمات المجتمع المدني، ضمن عملية شاملة ومتوازنة، تعمل على صهر المجتمع وتحويله إلى حالة من التماسك والترابط، تجنبه الهزات والانتكاسات، وهذا ما يحاول هذا المقال بيانه من خلال تصور العلاقة بين المجتمع المدني والقيادات المحلية التي تحتاج إلى نظرة جديدة تقوم على التشاركية كمقاربة جديدة في تنمية المجتمع المحلي

Le développement local  a pris une place sans précédent dans la pensée sociologique et politique. Actuellement, dans la mondialisation le développement est repensé autrement ; il est considéré à la fois comme moyen et objectif, qui nécessite dans une action globale une participation intense et équilibrée de la  part des  institutions de l’Etat et de la société civile.

         Au- delà de ses attentes, le développement est aussi  la préservation du lien social de toutes les bouleversements et les crises, afin de concrétiser l’homogénéité et l’intégration des individus.

C’est dans cet objectif que nous essayons de démontrer la relation de la société civile et les responsables locaux qui devront promouvoir la participation sociétale  comme une  nouvelle approche dans  le développement local.



أولا:مدخل للموضوع:

         عرف مفهوم  التنمية تغيرا في مدلوله ومضمونه، تحت تأثير التغيرات السريعة التي يشهدها العالم، منذ انهيار النموذج الاشتراكي في الاتحاد السوفياتي  (سابقا) وأوروبا الشرقية، و بروز ظاهرة العولمة بكافة مستوياتها السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية والإعلامية، بحيث لم تعد التنمية- كعملية- تعني  مجرد نقل المجتمع من حالته التقليدية إلى حالة التحديث modernisation(1)  اعتمادا على مؤشرات اقتصادية بحثه مثل مستوى الدخل الفردي و درجة النمو الاقتصادي، و نسبة التضخم ....الخ.

          بل أصبح يقصد بالتنمية تلك العملية التي تضمن حاجات الأجيال الحاضرة دون الإنقاص آو القدرة على الوفاء باحتياجات الأجيال القادمة وذلك بالعمل على تنمية الموارد و المحافظة عليها من التلوث ، و هو  ما أصبح يعرف ألان بالتنمية المستدامة                     ( développement durable)

           و قد أدت هذه المستجدات إلى إعادة تشكيل العلاقات و التكتلات العالمية والإقليمية، و إلى إحداث تغيرات محلية، مثل تغير دور الدولة، و بروز دور و أهمية المجتمع المدني في  الحياة السياسية و الاجتماعيةو الثقافية وإعادة ترتيب الأولويات بحيث أصبح مفهوم التنمية الشاملة هو المفهوم المحوري ليشير إلى العمليات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية ، التي تستهــــــدف تنمية  نوعية الحياة، مما يعني التحسن في مختلف نواحيها، أي رفع مستوى العنصر البشري في إطار من الحرية والديمقراطية و كل ما يتصل بالعمل و التعليم و الصحة و الغذاء، و المياه الصالحة للشرب، و الصرف الصحي، و غير ذلك من الجوانب التي تؤثر في حياة البشر بصفة مباشرة.

           و إذا كان مفهوم التنمية قد عرف تغيرا في مدلوله، فان مهمة الاطلاع بمجهود التنمية الشاملة لم تعد حكرا على الدولة و حدها تصورا و تخطيطا، وتنفيذا، بلإن  تفتح الدولة على المجتمع المدني، و اعتماد مبدأ التشاركية في مختلف العمليات التي تشتمل تحسين إطار الحياة، و مستوى المعيشة، وزيادة فرص التشغيل، خفض معدلات البطالة و الحد من الفقر، و توفير التامين الاجتماعي للفئات الهشة، وزيادة مشاركة المرأة في الشأن العام، و تنمية الموارد البشرية، أصبح من أوكد المهام، إذ لم يعد بمقدور الدولة أن تضطلع بمجهود التنمية لوحدها، أي بالاعتماد على الأجهزة الحكومية  فقط، بل أصبح لزاما عليها أن تمد يدها إلى أفراد المجتمع المنتظمين في جمعيات ومنظمات من اجل إشراكهم في هذه العملية،و ذلك بفتح المجال أمام المجتمع المدني الذي ما فتىء يتسع دوره في المجتمعات الغربية في  المقام الأول، و في المجتمعات النامية بشكل اقل على وجه العموم، تحت تأثير الديمقراطية كنسق سياسي و اقتصادي و اجتماعي وثقافي.

         و في إطار الاهتمام المتزايد بالتنمية الشاملة، ظهر مفهوم التنمية المحلية كمصطلح جديد في الأدبيات الاقتصادية و الاجتماعية و الإدارية، ليشير إلى  آلية جديدة لتنمية المجتمع المحلي يجري بمقتضاها التخطيط لمختلف العمليات  و تنفيذها على أساس تعاون الجهود الأهلية و الحكومية،  لتحسين الأحوال الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية للمجتمعات المحلية، عبر عملية تعبئة  و تنظيم مجهود أفراد المجتمع، و جماعاته وتوجيهها للعمل المشرك مع الهيئات  الحكومية بأساليب ديمقراطية، لحل مشكلات المجتمع و تهيئة مقومات الحياة الكريمة لأفراده (2).

       ووفقا لهذا المنظور سنركز في هذا التحليل على  بيان دور المجتمع المدني في ما أصبح يعرف اليوم بالتنمية التشاركية التي تعني مشاركة كافة مؤسسة المجتمع و إفراده مع الدولة لتحقيق التنمية بشموليتها واستدامتها وعدالتها ( 3)

          ويعد مفهوم التشاركية paternershipمن المفاهيم الجديدة التي أصبحت متبادلة في السياقات الاقتصادية و الإدارية  بحكم تعقد علاقات السوق، ليشير إلى علاقة قانونية بين منظمات شريكة، و قد اتسع هذا المفهوم ليشمل مؤسسات مدنية، فهو صيغة بديلة أفرزتها السياسات التي حلت محل الدولة الراعية état providence  والتي تقوم على مقاربة الاعتماد المتبادل بين مؤسسات المجتمع المدني و الدولة، بغرض تحقيق مصلحة عامة مشتركة ( النفع العام)  (4) .

        وقبل الخوض في الدور المنوط بالمجتمع المدني في عملية التنمية المحلية، وفقا للنظرة الجديدة التي أصبحت تعتمد مبدأ التشاركية كمقاربة جديدة، يتم بمقتضاها الاتفاق على عقد تواصلي، يهدف إلى خلق مجال  عمومي  جديد و متحرر من كل الضغوط في إطار ما يعرف بالديمقراطية التشاركية démocratie participativeالتي تبنى في إطار تفاعلات اجتماعية وسياسية واقتصادية بين مختلف الإطراف المجتمعية، يتعين بيان مفهوم المجتمع المدني، وتنامي  دوره في العالم الغربي و في الدول النامية و منها الجزائر.

ثانيا:  المجتمع المدني:  المفهوم والتحول

         عرف مفهوم المجتمع المدني توسعا كبيرا في استخداماته بشكل غير مسبوق خاصة منذ ثمانينيات القرن العشرين، حيث ما فتئ يعرف تحولات عديدة واختلفت تعريفاته ودلالاته بحسب السياقات التي استعمل في إطارها، فتارة يستخدم كمقابل للدولة والمجتمع السياسي، و تارة كمقابل للدين وتارة كمقابل للنظم العسكرية والبني الاجتماعية التقليدية (5) .

         إن الاهتمامات الحديثة  بهذا المفهوم، تطرح العديد من القضايا   لعل أبرزها، المواطن و الموطنة و المجتمع، الدولة، و الحريات السياسية، ومنظومة القيم المساندة للمجتمع المدني، على اعتبار انه يعتبر شكلا من إشكال الحياة الاجتماعية  يرتبط الأفراد من خلاله بالدولة  و يضم مجموعة من الجهات الفاعلة غير الحكومية، و هو من حيث المفهوم تبلور تدريجيا عبر مراحل تاريخية  مختلفة بدأت من القرن السابع عشر و الثامن عشر في أوربا بعد انهيار المجتمع الإقطاعي وظهور المجتمع البورجوازي، و قد ساهمت عدة مدارس في صياغة هذا المفهوم مثل مدرسة العقد الاجتماعي، التي يمثلها توماس هوبز، الذي يرى أن المجتمع المدني هو مجتمع السلطة المطلقة، و جون لوك الذي يرى أن المجتمع المدني هو المجتمع الضامن للحقوق المتساوية لكل الأفراد وجان جاك روسو الذي يرى أن المجتمع المدني هو مجتمع الإدارة العامة، أما المدرسة الهيجلية  فترى  أن المجتمع المدني بمفرده بعيدا عن الدولة لا يستطيع تحقيق العدالة و الحرية، حيث تكون الدولة هي الإطار القوى القادر على تحقيق هذه الغاية، بينما ترى المدرسة الماركسية بأن المجتمع المدني هو ميدان الصراع الطبقي المؤسس للدولة، و في نفس السياق تقريبا يرى المفكر الايطالي انطونيو غرامشي بان التنظيمات غير الحكومية تمارس وظيفة الهيمنة الثقافية، حيث يرى بأنه لا يكفي للوصول إلى السلطة و الاحتفاظ بها السيطرة على أجهزة الدولة و لكن لابد من تحقيق الهيمنة على المجتمع أولا، و لا يتم ذلك الأمن خلال منظمات المجتمع المدني و عبر العمل الثقافي بالدرجة الأولى ( 6)

          وعموما يمكن القول بان المجتمع المدني ينطبق على كافة الارتباطات الاجتماعية التي لها علاقة بالمشاركة الاختيارية للإفراد في مجالاتهم الخاصة، ضمن ارتباطات تعاقدية متمايزة عن الدولة (7)، وبناء على هذا يمكن إدراج المؤسسات التالية ضمن المجتمع المدني وهي : النقابات والجمعيات الخيرية، و جمعيات تنمية المجتمع، والأوقاف الدينية، و النوادي والجمعيات الثقافية و الرياضية و اتحادات رجال الإعمال

        كما يمكن بناء على هذا المفهوم مقاربة مفهوم المجتمع المدني،  باعتباره فضاء للتفاعل وممارسة المواطنة،  أداه لتحليل الواقع الاجتماعي، الذي تشكل التنمية المحلية جزء منه.

 وإذا كان المجتمع المدني قد ظهر وتبلور في المجتمع الحديث نتيجة  للإخفاقات المتتالية للدولة، فإن بروز دولة القانون والمؤسسات في الخطاب السياسي والإعلامي اليوم، و ظهور الحركات الاجتماعية الجديدة، استوجب النظر من جديد إلى طبيعة المجتمع المدني في علاقته بمؤسسات الدولة، وذلك ببروز مقاربة جديدة تقوم على البحث عن مجتمع مدني مضمون من طرف الدولة، وله قدرة عالية على الاستجابة لاحتياجات المجتمع وتوسيع أشكال التضامن الاجتماعي (8)

مما يعني البحث عن أرضية لتواصل الدولة بواسطة أجهزتها المختلفة مع المجتمع عبر وسائط جديدة تتمثل في جمعيات ونوادي المجتمع المدني، ضمن توجه جديد للتنمية تتسم بالاستدامة والاستمرارية ضمن سياق مجتمعي، وتنهض على مبدأ المشاركة في البناء الاجتماعي، هذا الفهم الجديد للتنمية ، الذي تخطى المفهوم التقليدي أدى إلى اعتماد الأمم المتحدة إعلان الحق في التنمية سنة 1986، مما أدى إلى بروز العلاقات الارتباطية بين مفهوم التنمية ومفهوم التشاركية، بحيث أصبح مفهوم التنمية أكثر ارتباطا بحقوق الإنسان، و توسيع قاعدة المشاركة، حيث لا تنمية بدون  مشاركة الأفراد بقطاعاتهم وفئاتهم وطبقاتهم وشرائحهم الاجتماعية المختلفة (9)، و هو ما تحاول هذه الورقة بيانه.

ثالثاالمجتمع المدني في الجزائر نظرة تاريخية ورؤية واقعية:

        ينبغي أن نميز بين ثلاث مراحل أساسية و هي :

1-   المرحلة الاستعمارية

2-   مرحلة ما بعد الاستقلال لغاية 1989

3-   مرحلة ما بعد 1989

1-   المرحلة الاستعمارية

          من  المعروف تاريخيا أن الاستعمار الفرنسي في الجزائر عمل  على طمس معالم  الشخصية الوطنية بمكوناتها الأساسية في محاولة يائسة لتنفيذ مخططة الاستعماري الاستيطاني، و لذلك فقد عمق  نموذج الدولة الاستعمارية بممارستها القمعية العداء بين الإنسان الجزائري و الدولة المستعمرة، رغم ظهور بعض الجمعيات المهنية و الثقافية والخيرية مستفيدة من القانون الفرنسي الصادر في سنة 1901 ل الخاص بالجمعيات (10) إلا أن هذه الجمعيات لا يمكن اعتبارها في عداد المجتمع المدني في ظل العلاقة الاستعمارية، حيث غلب العمل السياسي على جل نشاطاتها، و ذلك عن طريق نشر و تشكيل الوعي الوطني التحرري، كما لعبت دورا نضاليا في تعبير الجزائريين عن رفضهم لمحاولات طمس معالم شخصيتهم، فضلا عن الدور الخيري و التضامني،  حيث عمل الاستعمار على تهميشها و محاصرتها، كما برزت في هذه الفترة أيضا جمعيات ذات طابع  سياسي و أحزاب سياسية  حملت لواء الحركة الوطنية التحررية، التي انصهرت جميعها – تقريبا- ضمن الثورة التحريرية المباركة التي اندلعت في الأول من نوفمبر عام 1954 و التي أنجزت التحرر والاستقلال.


2-   مرحلة 1962 – 1989 :

         بعد افتكاك الاستقلال الوطني في الخامس من جويلية 1962، و تولى الدولة الوطنية مهام تسيير البلاد، طرحت عدة قضايا و خيارات على أساس أنها تشكل أولويات السلطة و منها إعادة بناء الدولة الجزائرية الحديثة ( دولة ما بعد الاستعمار l’état post colonial) و ما تتضمنه من إعادة البناء المؤسساتي،و   بعث الاقتصاد المحطم، والهياكل الإدارية الهشة، و إعادة بناء البناء الاجتماعي الذي لم يكن يستند إلى أي أساس تنظيمي ( سياسيا و اقتصاديا و اجتماعيا).

        ورغم تضمين أول دستور الجزائري المستقلة سنة 1963 في مادته 19 حرية تكوين الجمعيات، إلا أن المؤتمر لجبهة التحرير الوطني المنعقدة سنة 1964 أكد على عدم جدوى تكوين الجمعيات، التي قد تؤثر على المصلحة العامة، في مقابل بعث الحزب الواحد الطليعي ذي القدرة على تعبئة الجماهير و تأطير القوى الحية ( العمال ، الفلاحين، الشباب، النساء و المجاهدين) ضمن منظمات جماهيرية تعمل تحت سلطة الحزب ووصايته، وتوجيهاته (11).

إن المهام الكبرى التي انيطت بالدولة الوطنية، أجلت مرة أخرى التعامل مع المجتمع المدني كإطار مؤسساتي و تنظيمي، حيث أن الاتجاه نحو دولتة ETATISATIONكل شيء و تولي الدولة لمهام الإدارة و الإشراف على السياسة التنمية من توظيف و تشغيل، و صحة و تعليم، أدى إلى استمرار هيمنة الدولة على المجتمع المدني، حيث تبنت السلطة خطابا تحديثيا يقوم على مفاهيم جديدة تهدف  إلى تغيير البنية المفاهيمية السائدة في إطار المجتمع التقليدي، فالاشتراكية و العدالة الاجتماعية و المساوات ، و وحدة التصور و العمل كمنهج للتفكير و الممارسة جرى ترسيخها في الذاكرة، و تطبيقها عبر تحديد التوجهات السياسية و خيارات  التنمية، و أولوياتها، على الرغم من أن هذه المفاهيم ترسخ في الواقع سلطة الدولة و إعادة إنتاج هيمنتها على المجتمع المدني المغيب، و هكذا تم إلحاق المجتمع المدني بالمجتمع السياسي وفقا لمنطق  الشمولية التي طبعت السلطة خلال الثلاثة عقود التي تلت الاستقلال.





3-   مرحلة 1989 و ما بعدها ( دستور 26 فيفري 1989):

          بفعل تقييد القانون لحرية إنشاء جمعيات المجتمع المدني، و في خضم تزايد التوترات الاجتماعية نتيجة لانسداد الأفق السياسي، و التباين الاجتماعي الصارخ، إضافة إلى التهميش و الإقصاء لفئة الشباب عن المشاركة في القرارات الحاسمة في الحياة السياسية  و الاجتماعية و الاقتصادية للمجتمع، فضلا عن فشل نموذج التنمية الذي استند إلى الاشتراكية كخيار استراتيجي ، أدى ذلك إلى بروز أرهاصات للتغيير، لعل أبرزها أحداث الربيع الامازيغي في افريل 1980، الذي اندرج ضمن سياق النضال من اجل حقوق الإنسان و الديمقراطية حسب  رموز هذه الحركة،با لإضافة إلى انتفاضة  الخامس من أكتوبر 1988، التي أبرزت مقدار الهوة بين السلطة السياسية و المجتمع، فضلا عن انكشاف الوضع المتردي في المجالات الاقتصادية و الاجتماعية، حيث شكلت هذه التوترات نقطة تحول بارزة في تاريخ الجزائر المستقلة.

            وفي ضوء المؤشرات السابقة الذكر، كان من الضروري على السلطة السياسية أن تعيد النظر في القوانين والتشريعات باتجاه صيانة الحريات،  الفردية والجماعية، و حقوق الإنسان، والحق في تأسيس جمعيات ذات طابع سياسي ( 12) ، حيث شهدت الفترة التي أعقبت الاستفتاء على التعديلات الدستورية نموا متزايدا لتنظيمات المجتمع المدني الممثلة لمختلف الفئات الاجتماعية و منها: النقابات المستقلة المتمثلة للنخب المستنيرة في المجتمع ( أساتذة جامعيون، أساتذة ثانويون، أطباء) و منظمات نسائية و جمعيات حقوق الإنسان، والجمعيات الثقافية والجمعيات التطوعية، فضلا عن ميلاد العشرات من الأحزاب السياسية، التي تعدى عددها الستون  حزبا، وآلاف الجمعيات.

           ونتيجة لهذا التحول نحو مأسسته الحياة السياسية في الجزائر كان من المنتظر أن تلعب الأحزاب و الجمعيات، عن طريق قياداتها و منتخبيها في مختلف المجالس المحلية

 ( بلدية وولائية)، دورا مهما في تحديد أولويات التنمية المحلية  ووسائل تحقيقها، باعتبار إن هذا الدور يعد من صميم الممارسة الديمقراطية في الدولة  الحديثة.


         وبفعل لاستمرار هيمنة السياسي على المدني، فان الولادة القيصرية للمجتمع المدني في الجزائر، لم يتم تعزيزها بتجديد دور هذه الجمعيات و التنظيمات في المجتمع، و تحولها إلى تنظيمات عضوية ORGANIQUEحيث إن كثيرا من هذه الجمعيات  قبلت أن تكون امتدادا لأحزاب سياسية، أو جهات نافذة بل إن بعضها حاول أن يقوم بدور بديل للإدارة، رغم أنها ليست مؤهلة لذلك، إذ لا يمكنها أن تكون بديلا للسلطة العمومية            ( مؤسسات الدولة، و أجهزتها التنفيذية)، لان دورها يختلف،  بالإضافة إلى عدم استقطابها للكفاءات المتخصصة وسقوطها في الشللية والعصبية، وانصرافها عن القضايا الجوهرية للمجتمع، و اهتمامها أكثر بالمنافسة غير الشريفة على المناصب والتمويل، وكان من نتيجة ذلك انصراف أفراد المجتمع عن الانخراط في صفوفها،  مما افقدها القدرة على التأثير خارج الحدود الضيقة التي رسمتها لنفسها.


رابعا:التنمية المحلية التشاركية، هل من دور للمجتمع المدني ؟.

             في ظل التغير في وظائف الدولة الاجتماعية، تحت تأثير المستجدات المحلية والعالمية، حيث تغير دور الدولة من الإشراف المباشر إلى دور الشريك في عملية التنمية،  حضيت التنمية المحلية بمزيد من الاهتمام سواء من قبل القائمين على  التنمية الشاملة للمجتمع ، أو من قبل القيادات المحلية، كما استقطبت اهتمام الدارسين في علم الاقتصاد و الاجتماع و السياسة، حيث عدت جزءا من التنمية الشاملة، تتفاعل معها بدرجات متفاوتة، كما أصبحت التشاركية آلية أساسية من الآليات المستحدثة في رسم استراتيجيات تنمية المجتمع المحلي، وتنفيذها.

             وفي سياق هذه النظرة الجديدة للتنمية الشاملة عموما والتنمية المحلية على وجه الخصوص، برز مفهوم جديد، وهو مفهوم " إطار الحياة" الذي يتعدى النظرة التقليدية للتنمية التي تعتمد على مؤشرات تقنية بحتة،  إلى نظرة أكثر شمولية واقعية تقوم على المقاربة التشاركية، حيث لم تعد التنمية من مسؤولية الدولة وأجهزتها فقط، بل أصبحت تعني مسؤولية المجتمع بأسرة، تقودها الحكومة، وبمشاركة حقيقية وفعالة من مؤسسات المجتمع المدني، التي أصبحت ضرورة ملحة، وشرطا لازما لتحقيق أهداف التنمية (14) .

          ووفقا لهذه النظرة، وفي ظل تفتح الدولة على المجتمع المدني بات من الضروري البحث عن أرضية اتفاق جديدة تقوم على مبادئ و آليات عمل مشتركة ومتكاملة، عوض علاقة التوتر والتنافر التي أثرت شكل سلبي على مسيرة التنمية في الماضي ويمكن تحديد هذه المبادئ و الآليات في مايلي:

1-إرساء ثقافة الشأن العام التي ستسمح بتجاوز النظرة السائدة في التصور الذهني الغالب، بأن المال العام هو مال سائب ( لا صاحب له)، أو هو مال الغير، هذه الثقافة الجديدة ستسمح باندماج المواطن في العملية التنموية عبر وسائط تشاركية تسمح بتخفيض التوترات الاجتماعية، و تؤدي إلى اكتساب المصداقية و التأييد للمجهود التنموي الذي يهدف إلى  تحقيق حاجات  الفئات الاجتماعية ( تنقل المسؤولين لمعاينة المشاريع واللقاء بالقيادات المدنية واستقبال المواطن و التكفل بانشغالاته).

2-المكاشفة والمحاسبة و الشفافية، وتعزيز الرقابة الشعبية التي تسمح بإزالة الغموض والإبهام حول إدارة الشأّن العام، و إبراز الأهداف  المتوخاة من مجهود التنمية المحلية، التي تتواصل مع التنمية الوطنية الشاملة.

3- تنمية وتوسيع فضاءات الحوار و النقاش CONCERTATIONالمحلي حول القضايا الحياتية اليومية و المشتركة للمواطنين لأنه من حق المواطن أن يطالب بسكن لائق، و أن يكون له محيطا نظيفا، و مياه شرب نقية و صالحة، و مشاريع صرف  صحي، و طريق مرصوف ، و تمدرس لائق، و مساحات خضراء، و حدائق عمومية ، و مجال عمومي أرحب و مجهز، مما يسمح ببلورة رؤية مشتركة حول أولويات التنمية المحلية و تجميع الطاقات اللازمة لتحقيقها.

4- اعتماد مبدآ المرافقة L’accompagnementبهدف إزالة العراقيل الإدارية، والاطلاع على سير تنفيذ المشاريع عن كثب.

5-إعلام المواطن على نطاق واسع بتفاصيل المجهود التنموي على مستوى المحلي، وذلك باعتماد و سائل التبليغ الجوارية( إذاعة، ملصقات الخ) وصولا إلى بيان تأثير مشاريع التنمية المحلية على تحسين إطار حياة المواطن .

6-تعزيز الرقابة الشعبية على أداء القائمين على الشأن العامة و تعزيز الديمقراطية المحلية، و ذلك بالعمل على ترقية عمل المجتمع المدني عبر اعتماده على الكفاءات المتخصصة والدراسات المعمقة للأولويات و المشاريع مما يحول المجتمع المدني إلى قوة اقتراح وضغط على السلطات العمومية.

7-اعتماد قنوات مرنة للاتصال والعمل الجواري proximité، وبلورة آليات للتشاور والمرافقة مماسسه((institutionalisé و منظمه، بهدف اكتسابها قوة في التأثير، ومصداقية في التجنيد على المستوى الجماهيري مما يسهل اندماج المواطنين والمجهود التنموي المحلي.

8-تعزيز الرقابة الشعبية على أداء القائمين على الشأن العام، تعزيز الديمقراطية، و ذلك بالعمل على ترقية عمل المجتمع المدني عبر اعتماده على الكفاءات المتخصصة والدراسات المعمقة للأولويات و المشاريع مما يحول المجتمع المدني إلى قوة اقتراح وضغط على السلطات العمومية.


خلاصـــــــــــــة


         تناول التحليل السابق دور المجتمع المدني في المجتمعات الحديثة، و تزايد الاهتمام به باعتباره فاعلا اجتماعيا يتطلع لأنه يقوم بوظيفة تسييرية شاملة للمجتمع كله في مقابل إخفاقات الدولة المتتالية في  مجال الانجازات السياسية والاجتماعية  والاقتصادية، مواجهة التحديات الخارجية.

         بيد أن التحولات الجذرية التي عرفها العالم في العقود الأخيرة،اظهرت الحاجة إلى تجاوز حالة الافتراض بان هناك عداء أو تناقضا بين الدولة والمجتمع المدني، و الاتجاه نحو تأكيد الطابع التعاقدي بين المواطنين و المجتمع المدني، تكون الدولة فيه نتاجا لهذا التعاقد ، تضم التنظيم  و التواصل و المشاركة في الشأن العام عبر أجهزتها المختلفة.

         و تأسيسا على ذلك، تتضح لنا أهمية التفكير حول كيفية تدعيم دور المجتمع المدني من جهة ، و في ذات الوقت تدعيم دور الدولة و مؤسساتها من جهة أخرى أي البحث عن علاقة توازن بين المجتمع المدني و الدولة باعتبارها مشهدا مهما للنهوض  بالمجتمع، و ذلك ببعث الرأسمال البشري و تنميته، و تدعيم الديمقراطية التشاركية، تم الاتجاه بالمجهود التنموي نحو العمق الاجتماعي  الذي يحدد الأولويات، و يشارك بفعالية في حشد الطاقات و القدرات التي يقتضيها تجسيد تلك الأولويات في الواقع، مما يجعل العمل المدني أكثر تعبيرا عن حاجات الأفراد، وأكثر انسجاما مع ما تقتضيه التنمية الشاملة  من إمكانيات واستراتيجيات.


الهوامـــــــــش:


1- للاطلاع على نظريات التنمية و التخلف انظر:

السيد حسني-التخلف والتنمية – دار المعرفة الجامعية - الإسكندرية 1966-

2-  صلاح العبد -علم الاجتماع التطبيقي و تنمية المجتمع العربي - دار التعاون للنشر و الطبع- القاهرة 1985 ص336

3-  سعد طه علام - التنمية و المجتمع- مكتبة مدبولي - القاهرة 2006  - ص31

4- اماني قنديل -الموسوعة العربية للمجتمع المدني - الهيئة المصرية العامة للكتاب- القاهرة 2008 ص108_109

5-  علي عبد الصادق - مفهوم المجتمع المدني- قراءة اولية-الهيئة المصرية العامة للكتاب،  القاهرة 2007 ص 7

و للتوسع في مفهوم المجتمع المدني انظر:

·       علي ليلة -المجتمع المدني العربي - قضايا المواطنة و حقوق الإنسان - المكتبة الانجلو مصرية - القاهرة 2007

·       عزمي بشارة - المجتمع المدني - دراسة نقدية - ( مع الإشارة للمجتمع المدني العربي) مركز دراسات الوحدة العربية،   ط1  بيروت 1988

·       احمد شكر الصبيحي - مستقبل المجتمع المدني في الوطن العربي ط1 - بيروت 2000

·       ستيفن ديلو- التفكير السياسي و النظرية السياسية و المجتمع المدني- ترجمة ربيع و هبة منشورات المجلس للثقافة مصر ط 1، 2003

6-  أماني قنديل -مرجع سابق- ص45

7-  علي عبد الصادق -مرجع سابق-ص8

8- احمد وأعطي, ترجمة حيدرحب الله -المجتمع الديني و المدني- دار الهادي- بيروت2001

09- للتوسع في مفهوم و دلالات "التنمية التشاركية" أنظر: أماني قنديل، مرجع سابق ص102

9-   محمود بوسنة- الحركة الجمعوية  في الجزائر نشاتها و طبيعة  تطورها  و مدى مساهمتها في تحقيق الامن و التنمية، مجلة جامعة قسنطينة للعلوم  الاجتماعية و الانسانية العدد 17- جوان 2002 ص 139

11-  بوجمعة عشير - الإطار التنظيمي للجمعيات في الجزائر, ندوة المبادرة العربية من اجل

        حرية الجمعيات  - عمان  الأردن -  9_10 ماي 1999

12- الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية -دستور1989 المادة 40-:

13-  زياد عبد الصمد- المجتمع المدني و تحديات التنمية و الديمقراطية في عالم متغير،  

   في:

      المجتمع المدني العربي و التحدي الديمقراطي أعمال المؤتمر المنعقد ببيروت 18/20 أفريل 2001  من طرف مؤسسة فريريش ابيرت بالتنسيق مع تجمع الباحثات  اللبنانيات.


@pour_citer_ce_document

بلقاسم نويصر, «»

[En ligne] ,[#G_TITLE:#langue] ,[#G_TITLE:#langue]
Papier : ,
Date Publication Sur Papier : 2012-06-13,
Date Pulication Electronique : 2012-06-13,
mis a jour le : 14/01/2019,
URL : https://revues.univ-setif2.dz:443/revue/index.php?id=532.