التراث السردي العربي في المنظور الحداثي: قراءة في كتاب « قال الراوي البنيات الحكائية في السيرة الشعبية» لسعيد يقطينArabic narrative patrimony, career and changes, applying approach in: “the narrator said: Narrator structures in the popular biography”
Plan du site au format XML


Archive: revues des lettres et sciences sociales


N°01 Avril 2004


N°02 Mai 2005


N°03 Novembre 2005


N°04 Juin 2006


N°05 Juin 2007


N°06 Janvier 2008


N°07 Juin 2008


N°08 Mai 2009


N°09 Octobre 2009


N°10 Décembre 2009


N°11 Juin 2010


N°12 Juillet 2010


N°13 Janvier 2011


N°14 Juin 2011


N°15 Juillet 2012


N°16 Décembre 2012


N°17 Septembre 2013


Revue des Lettres et Sciences Sociales


N°18 Juin 2014


N°19 Décembre 2014


N°20 Juin 2015


N°21 Décembre 2015


N°22 Juin 2016


N° 23 Décembre 2016


N° 24 Juin 2017


N° 25 Décembre 2017


N°26 Vol 15- 2018


N°27 Vol 15- 2018


N°28 Vol 15- 2018


N°01 Vol 16- 2019


N°02 Vol 16- 2019


N°03 Vol 16- 2019


N°04 Vol 16- 2019


N°01 VOL 17-2020


N:02 vol 17-2020


N:03 vol 17-2020


N°01 vol 18-2021


N°02 vol 18-2021


N°01 vol 19-2022


N°02 vol 19-2022


N°01 vol 20-2023


N°02 vol 20-2023


A propos

avancée

Archive PDF

N°01 vol 20-2023

التراث السردي العربي في المنظور الحداثي: قراءة في كتاب « قال الراوي البنيات الحكائية في السيرة الشعبية» لسعيد يقطين

Arabic narrative patrimony, career and changes, applying approach in: “the narrator said: Narrator structures in the popular biography”
ص ص 124-138
تاريخ الاستلام 2021-09-08 تاريخ القبول 05-02-2023

زهيرة بارش
  • resume:Ar
  • resume
  • Abstract
  • Auteurs
  • TEXTE INTEGRAL
  • Bibliographie

استقطب التراث السردي العربي اهتمام الدارسين العرب منذ بدايات العصر الحديث، حيث ظهرت عديد الأبحاث التي سعت إلى تغيير زاوية النظر إليه وتجديد أسئلته المعرفية، في محاولة لقراءته بأدوات حداثية استمدت من العلوم المنفتح عليها. ومن نتاج هذا التحول؛ تناولُ النص التراثي السردي باعتباره بنية متكاملة غير قابلة للتجزئة، أو التمييز بين الهامشي والمركزي فيها. بهذا التصور جرى النظر إلى السيرة الشعبية باعتبارها نصا سرديا تراثيا، ينتمي إلى قطاع واسع من الإنتاج الثقافي. وقد أفضت قراءة كتاب: «قال الراوي، البنيات الحكائية في السيرة الشعبية» إلى إبراز أهمية الحوار الهادف البناء والتفاعل الإيجابي بين الأنا (التراث) والآخر (المنجز الغربي) في بلوغ قراءة هادئة هادفة واعية

Le patrimoine narratif populaire vient d’attirer l’attention des chercheurs arabes depuis le début de l’époque moderne. Donc, il existe beaucoup de recherches essayant de le lire avec des moyens modernes. En conséquence, on étudie le texte arabe comme étant une structure intégrée et indivisible sans différencier ce qui est marginalisé de ce qui est central. L’ouvrage « le narrateur a dit… essaye de mettre en relief les dimensions de ce changement ainsi que ses motifs et conséquences

Popular narrative patrimony is attracting the attention of Arab scholars since the beginning of the modern epoch. As a result, there are many researchs trying to read it by using modern means. So, they study the Arabic text as an integrated and indivisible structure without making difference between marginalized and central. The work “the narrator said…is trying to highlight dimensions, motivations and results of this change.

Quelques mots à propos de :  زهيرة بارش

Dr. Zahira Bareche     جامعة محمد لمين دباغين، سطيف 2، الجزائرnour1yakine@yahoo.fr

مقدمة

يعد التراث السردي العربي من أبرز القضايا التي استقطبت توجهات الفكر النقدي العربي الحديث والمعاصر، لما يكتسيه من أهمية بالغة في رسم حاضر الأمة ومستقبلها، فهو يمثل نتاج أمة من العادات والقيم والمعارف والثقافات لفترة زمنية مضت، ولا تزال أنساقها ممتدة في وجدان أبنائها. وقد قدمت دراسات وأبحاث كثيرة جعلت منه محورا هاما من محاور الجدل الفكري والنقدي في الثقافة العربية، إذ تباينت الآراء حوله وتعددت زوايا النظر إليه بين مؤيد ومعارض، أو مقدس ومهمش، ومرد ذلك إلى اعتباره تارة رديفا للماضي-الذي ارتبط أحيانا بالتخلف والانحطاط- وتارة أخرى مصدرا للاعتزاز والفخر.

وبتطور الوعي النقدي العربي، ظهر من نقادنا من تبنى طريقا وسطا، يستأنس فيه بكل من الموروث العربي بوجه عام والمنجزات الحديثة التي أفرزها تطور الفكر الإنساني والنقدي بصفة خاصة، وذلك بالاعتماد على آلية التفاعل الإيجابي المفضية إلى الإنتاج النوعي بدل الاستهلاك العقيم، الذي لا يحل الإشكالات المطروحة بقدر ما يؤزمها، فكانت الدعوة إلى إعادة النظر في التراث السردي بغية استنطاق مضامينه المغيبة واستثمار بنياته السردية بما يوافق زمن القراءة الراهن، في محاولة لمقاربته بوعي جديد، يتجاوز التقديس والتهميش، إلى التفاعل الإيجابي مع كل ما أنتجته المعرفة الإنسانية .

 فالتراث السردي العربي جزء هام من ذلك الزخم المعرفي، نظرا لغنى الثقافة العربية بمختلف الأشكال السردية التي لم تحظ بالاهتمام الذي حظي به الشعر، سواء من ناحية الدرس والتحليل، أو التدوين والتصنيف. ووفقا لهذا التحول جرى النظر إلى السيرة الشعبية باعتبارها نصا سرديا تراثيا ينتمي إلى قطاع واسع من الإنتاج الثقافي العربي، وباعتبارها نصا عربيا جديرا بالبحث والتحليل، لأنه يعبر عن جوانب هامة من الذات العربية في صيرورتها وتحولاتها. فما هي الأسباب - حسب سعيد يقطين- التي بوأت السيرة الشعبية موقعا مميزا في الإبداع الفني العربي؟ فانتقلت من وضع اللانص المهمش إلى النص الجدير بالنص والتحليل؟ وما دلالات هذا التحول من اللانص إلى النص؟ وما دوافعه وتبعاته؟ تلكم هي الأسئلة التي سيحاول البحث الإجابة عنها، من خلال القراءة التي قدمت لكتاب: «قال الراوي، البنيات الحكائية في السيرة الشعبية» لسعيد يقطين، إذ قام البحث بعرض الأفكار ومحاورتها تارة، ومناقشتها والتعقيب عليها تارة أخرى، في محاولة للتنقيب عن الأنساق المضمرة التي من شأها أن تساعد في الإجابة عن التساؤلات المطروحة.

وسعى البحث بداية إلى ضبط الجهاز المصطلحي والمفاهيمي لهذا الموضوع، بغية تسهيل الولوج إلى قضاياه ومضامينه، ثم محاورتها ومساءلة خباياها المستعصية، فكان الوقوف على مفاهيم: التراث، والتراث السردي في الدلالتين اللغوية والاصطلاحية، ثم إبراز أهم الفوارق بين التراث الغربي والتراث العربي، بهدف فهم خصوصية هذا الأخير، ليتم التعريج على أهم الإشكالات التي يطرحها التراث السردي العربي، كأزمتي المصطلح والمفهوم وكذا مختلف المواقف النقدية التي تناولته.

ثم يقدم البحث في شقه التطبيقي قراءة لكتاب: «قال الراوي البنيات الحكائية في السيرة الشعبية»، هذا الأخير الذي اتخذ السيرة الشعبية نموذجا للتراث السردي، محللا أسباب تحولها من اللانص إلى النص، إذ سيعمد سعيد يقطين إلى تفكيك بنياتها الكبرى والمكونات الرئيسية المتحكمة فيها، في محاولة للكشف عن مختلف العلاقات التي أقامتها هذه البنيات مع السياق الثقافي والتاريخي الذي أنتجت في إطاره، محددا من خلالها خصوصية هذا النص السردي الذي يقوم بتحليله. ويختم البحث بحوصلة لأهم النتائج التي خلص إليها، وكذا بعض التوصيات الاستشرافية.

مفهوم التراث في المعاجم اللغوية

يعود أصل كلمة التراث في اللغة العربية إلى مادة (ورث)، (يرث)، (ميراثا)، فهي مرتبطة دلاليا بالميراث والتركة، وما يخلفه الميت لأولاده وأهله، أو بعبارة أخرى ما يخلفه الرجل لورثته، يقول ابن منظور في لسان العرب: «ورث، الوارث صفة من صفات الله-عز وجل- وهو الباقي الدائم الذي يرث الخلائق، ويبقى بعد فنائهم، والله -عز وجل- يرث الأرض ومن عليها وهو خير الوارثين، أي يبقى بعد فناء الكل، ويفنى من سواه فيرجع ما كان ملك العباد إليه وحده لا شريك له، ويقال ورث فلان أباه يرثه وراثة ميراثا، وأورث الرجل ولده مالا إيراثا حسنا، وقيل الوارث والإرث والوراث والإيراث والتراث واحد» (منظور ج.، 1414ه). أما لفظة تراث فأصلها «وراث»، حيث قلبت الواو تاء لثقل الضمة على الواو.

ويتضح من خلال الدلالة المعجمية أن لفظ «التراث» ارتبط أساسا بالمفهوم المادي للتركة والميراث، وظل بعيدا عن الدلالات التي أخذها في العصر الحديث.

وبالعودة إلى القرآن الكريم، يتضح أن الكلمة وردت في عدة مواضع، ففي سورة الفجر يقول الله عز وجل: «وَتَأۡكُلُونَ ٱلتُّرَاثَ أَكۡلٗا لَّمّٗا ١٩» (الفجر الاية 19)،وقد قال ابن فارس في معنى هذا اللفظ: «الواو والراء والثاء كلمة واحدة، هي الورث والميراث، أصله الواو، وهو أن يكون الشيء لقوم ثم يصير إلى آخرين بنسب أو سبب (فارس أ.، 1979)،وقوله تعالى في سورة النمل: «وَوَرِثَ سُلَيۡمَٰنُ دَاوُۥدَۖ وَقَالَ يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ عُلِّمۡنَا مَنطِقَ ٱلطَّيۡرِ وَأُوتِينَا مِن كُلِّ شَيۡءٍۖ إِنَّ هَٰذَا لَهُوَ ٱلۡفَضۡلُ ٱلۡمُبِينُ ١٦» (النمل الاية 16)، كما وردت في سورة الأحزاب: «وَأَوۡرَثَكُمۡ أَرۡضَهُمۡ وَدِيَٰرَهُمۡ وَأَمۡوَٰلَهُمۡ وَأَرۡضٗا لَّمۡ تَطَُٔوهَاۚ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٗا ٢٧» (الأحزاب الاية 27)، وفي مجمل المعاني تدل الكلمة على انتقال الممتلكات إلى ورثة معينين عن أهلية واستحقاق.

تأسيسا على ما سبق، يمكن القول إن التراث هو مختلف الآثار المادية والمعنوية التي يخلفها الشخص الراحل بعد موته في شتى المجالات، كالآثار الأدبية والعلمية واللغوية وغيرها، أو كالنسب والجاه والسمعة، وغير بعيد عن هذا المعنى وردت الكلمة في بيتين من الشعر للشريف الرضي: (الرضي، 2009)

طلبوا التراث فلم يروا من بعده إلا علا وفضائلا وجلالا

هيهات فاتهم تراث مُخاطـــر حفظ الثناء وضيع الأموالا

 حيث يرثي الشاعر في هذه الأبيات «الصاحب بن عبَاد»، ويعتب على حكام عصره بسبب ما فعلوه من نهب وسلب لتركته ومخلفاته.

المفهوم الاصطلاحي للتراث

التراث العربي

رغم تعدد دلالات مفهوم التراث واختلافها بين الدارسين، إلا أن هناك شبه اتفاق على الحيز الفكري الذي يشغله هذا التراث، فهو يمثل كل ماهو ممتد فينا من ثقافات وإيديولوجيات ومعارف وعلوم، وآثار مادية أو معنوية خلفها أجدادنا وأسلافنا العرب على امتداد فترات زمنية ماضية، وقد تناقلها السلف جيلا عن جيل، ولكل جيل خصوصيته في التفاعل مع هذه المخلفات.

ويختلف الباحثون في تحديد الفترة الزمنية التي يمكن اعتمادها مرجعا واضحا للحديث عن التراث العربي، فهناك من يعتمد عصور الازدهار والرقي والتطور الذي بلغته الحضارة العربية الإسلامية، ويعتبرها التربة الخصبة التي أنتجت لنا هذا الموروث الزاخر، وهناك من يعتبر التراث العربي هو ما كان قبل الحملة الفرنسية 1798.

ويذهب البعض إلى أبعد من ذلك، حين يزيح هالة الزمن عن مفهوم التراث، حيث يعد الماضي القريب الذي يخلف أثرا في نفوس الجماعة تراثا أيضا، ما دام أنه يتقمص دور الفاعل أو الممهد للفعل، ذلك ما يعبر عنه الجابري في قوله: «فليس التراث هو ما ينتمي إلى الماضي البعيد وحسب، بل هو أيضا ما ينتمي إلى الماضي القريب» (الجابري، 1991)، ومادام التراث متعلقا بالماضي-قريبا أو بعيدا- فيمكن الاتفاق على أنه نتاج ماضي الأمة العربية بكل ما يزخر به من قيم حضارية، بصرف النظر عن الفترة الزمنية التي تؤطره.

وهناك من الباحثين العرب من يرى أن الزمان ليس ماضيا أو حاضرا فقط، فهناك «الزمان الممتد والمستمر والمنقطع، وبين الماضي والحاضر اتصالات وتداخلات وتفاعلات، فكيف يمكن أن نقيم المسافات والحواجز بين الأزمنة؟ فأين يبتدئ الحاضر؟ وأين ينتهي الماضي؟» (يقطين، 2006)، ويزداد السؤال عمقا وغموضا إذا أسقطنا هذا الطرح على صعيد التراث: «هل التراث الذي ندرس باعتباره ماضيا انقطع في الماضي، أم أنه ما يزال ممتدا في الحاضر؟ ما هي أشكال هذا الانقطاع أو أنماط هذا الامتداد؟» (يقطين، 2006)، أسئلة كثيرة تفرض نفسها بإلحاح علينا ونحن نقارب مسألة التراث، لتجسد بوضوح مشكلة الزمان ومشكلة الوعي به في تصوراتنا وممارساتنا.

ولم يقتصر الخلاف على-الزمن المرجع- فحسب، بل تعداه إلى التأويل الإيديولوجي للمصطلح، فهناك من يعتبره الثقافة الرسمية المدونة، كما يعرفه لنا عبد السلام هارون في قوله: «التراث هو تلك الآثار المكتوبة، الموروثة، التي حفظها التاريخ كاملة أو مبتورة فوصلت إلينا. وليس هناك حدود معينة لتاريخ أي تراث كان، فكل ما خلفه المؤلف بعد حياته من إنتاج يعد تراثا فكريا. ولقد أصبح شعر شوقي وحافظ، وحديث عيسى بن هشام، وآثار العقاد والمازني تراثا له حرمته التاريخية، وله مقداره الأثري» (هارون، 1988)

وظل هذا المفهوم الذي يربط التراث العربي بما هو «مكتوب» أو «مدون» مهيمنا فترة طويلة من الزمن، مما أدى إلى إقصاء وإلغاء جزء هائل من هذا التراث غير المدون، وما أعظمه وأجزله في الحضارة العربية، وهذا ما أثار من الإشكاليات ما لا حصر له، لكون هذه الحضارة اعتمدت لعصور طويلة على الثقافية الشفاهية.

وتتعدد الرؤى تعدد وتنوع التراث في حد ذاته، فنجد هناك من يحصره في القرآن الكريم والسنة الشريفة، كما في قول أحمد العلوي الذي يعتبر التراث: «القرآن وكلام محمد صلى الله عليه وسلم لا غير» (العلوي، 1986)

كما برز من المفكرين العرب من وسع دائرة التراث لتشمل مختلف المرويات الشفوية، بالإضافة إلى منظومة القيم والعادات والتقاليد والفنون، متجاوزا بذلك حاجز الكتابة التي غالبا ما تعبر عن الثقافة الرسمية، إلى ثقافة أخرى يمكن وصفها بالشعبية أو غير الرسمية، وفي هذا الصدد يقدم الجابري تعريفا آخر للتراث، إذ يقول: «الموروث الثقافي والفكري والديني والأدبي والفني» (الجابري، 1991). ولعل هذا التعريف يقرب بشكل أكبر «المسألة التراثية» من المفهوم الذي تمثلته في الخطاب العربي المعاصر.

أما عن علاقة العربي بتراثه فهي علاقة تماه وانسجام شديدين، بحيث لا يمكن فيها الفصل بين الماضي والحاضر، أو بين التراث والعصر، بل إنه من الصعوبة بمكان فهم الذات العربية المعاصرة دون وصلها بمختلف الوشائج التراثية، فالتراث العربي –على خلاف التراث الغربي– يمثل علاقة وحدة عضوية مع الإنسان العربي، لا يمكن فيها إحداث أي نوع من القطيعة، لأن بتر عضو يؤدي إلى اختلال النظام العام للجسد بأكمله، كما لا يمكن فهم فكر وإيديولوجيات العقل العربي المعاصر دون العودة إلى مرجعياته المعرفية، المتمثلة في المخزون التراثي المختزل في اللاشعور لدى هذا العربي، وعى ذلك أم لم يعه، ذلك ما يعبر عنه سعيد يقطين في قوله: «إن التراث الذي وصل إلينا ما يزال يمتد فينا، وما نزال نحيا بواسطته شئنا أم أبينا، وعينا ذلك أم لم نعه، ومهما حاولنا القطيعة معه، أو إعلان موته نظريا أو شعوريا، تظل خطاطاته وأنساقه وأنماطه العليا مترسخة في الوجدان ومتمركزة في المخيلة» (يقطين، 1992)

ومهما تعددت الآراء وتباينت وجهات النظر فإن التراث العربي يبقى بشقيه المادي والمعنوي، والرسمي والشعبي، والمكتوب والشفوي، هو ما يحدد للأمة العربية تميزها ويرسم لها هويتها.

 

الفوارق المعرفية بين التراث العربي والتراث

           الغربي

تعد كلمة (Cultural Patrimony)، التي تعني «الإرث الثقافي» هي الأقرب والأنسب للدلالة المقصودة، على اعتبار أنها توحي بجملة من العادات والمعتقدات الخاصة بحضارة ما.

إن هذا الإرث الثقافي يطرح إشكاليات جمة في الثقافة الغربية، لعل أبرزها ما يحدد طبيعة العلاقة بين الإنسان الغربي وتراثه، فإذا كان العربي يعيش حالة من التماهي والانسجام والعضوية مع تراثه، حيث يتم الاستدعاء والاستحضار لهذا التراث باستمرار، فإن الغربي يقف على مسافة بينه وبين تراثه، ويتضح جليا أن هذه المسافة تشكلت نتيجة الفصل بين التاريخي والثقافي وبين الإنساني والمعرفي في هذا التراث، فالعقل الغربي حتى وإن كان يعيش فعلا تواصليا مع تراثه، فهو تواصل ثقافي إنساني بالدرجة الأولى، وبعيون ناقدة محللة لا منبهرة، ولعل إطلالة سريعة على ما في العصور الوسطى كفيل بأن يفسر هذا الموقف. إن استحضار هذه العصور ومحاولة تمثلها في الفترة الراهنة يعد هدما صارخا لكل المنجزات التي حققها العقل الغربي منذ بداية النهضة الأوروبية.

بناء على ذلك، يصبح النموذج الأمثل والأسوة المحتذاة للإنسان الغربي هو الفترة الراهنة، بما حققته من مكتسبات علمية وحضارية، أما ما قبل عصر النهضة (قبل القرن السادس عشر)، فهو تراث جامد، لا يصبو إليه الفرد الغربي ولا يطمح إلى إحيائه أو تمثله أو التماهي فيه، «لذلك فهو يزوره، ومن خلاله يزور ماضيه لكن لا يقيم فيه، فعلى الماضي أن يخدم الحاضر، لا على الحاضر أن يسكب في قوالب الماضي» (معتوق، 2007)

إشكالات التراث السردي العربي

أزمة المصطلح والمفهوم

يستمر الغموض واللبس الذي واجهنا في ضبط مفهوم «التراث» قائما مع مصطلح آخر هو «التراث السردي»، وغيره من المصطلحات التي تمت بصلة للموضوع على غرار: القصة، الخطاب، الحكاية وغيرها، لذا ارتأينا أن نقتصر على الكلمات المفتاحية للموضوع الذي نحن بصدد دراسته، تمثيلا لوضعيه المصطلح السردي في نقدنا العربي من جهة، وضبطا لحدود الموضوع من جهة أخرى، ونعني بهذه الكلمات المفتاحية على وجه التحديد مصطلحي «السرد» و»التراث السردي».

السرد

هو الذي يهتم بشؤون الحكي وكل ما يمت إليه بصلة كالراوي والمروي له والتقنيات السردية، وقد اقترن وجوده بوجود الإنسان في كل الأزمنة والأمكنة، لذا فهو قديم قدم نشأة الإنسان ومستمر ومتواصل ومتطور، استمرار وتواصل وتطور الحياة البشرية، ويمتد مفهومه ليشمل مختلف المجالات والخطابات، فهو يحضر في اللغة المكتوبة كما يحضر في اللغة الشفاهية، وبتعبير آخر هو موجود في كل ما يقرؤه الإنسان أو يسمعه أو يشاهده أو يحكيه، ذلك ما يعبر عنه رولان بارت في قوله: «ويمكن للقصة أن تعتمد على اللغة المفصلية، شفوية أو مكتوبة، ويمكنها كذلك أن تعتمد على الصورة ثابتة أو متحركة، كما يمكنها أن تعتمد على الحركة وعلى الاختلاط المنظم لكل هذه المواد وإنها لحاضرة في الأسطورة والخرافة، وحكايا الحيوان والحكاية والقصة القصيرة والملحمة والتاريخ والتراجيديا والمأساة والكوميديا والمسرح الإيمائي والصورة الملونة...، وإن القصة لحاضرة بكل هذه الأشكال غير المتناهية تقريبا في كل الأزمنة وفي كل الأمكنة وفي كل المجتمعات وإنها لتبدأ مع التاريخ الإنساني نفسه» (بارت، 1993)

وخلال انتقال مفهوم السرد إلى النقد العربي برزت بشكل جلي أزمة المصطلح، وإذا أخذنا على سبيل المثال لا الحصر مصطلح «Narratologie»، وهو المصطلح الذي اقترحه تودوروف سنة 1969 (وغليسي، 2000)، سنجد الكم الهائل من الاستعمالات التي وظف فيها هذا المصطلح في الدراسات العربية، فقد تأرجح بين «السردية» و«الكتابية» و«الساردية و«السردولوجية» و«علم السرد» وغيرها، وأمام هذا الحشد من المصطلحات سنكتفي بالإشارة السريعة لأصحابها والمراجع التي تحيل إليها.

يوظف عبد الملك مرتاض مصطلحين مختلفين للدلالة على معنى واحد، فهو يستعمل مصطلح «علم السرد» في كتابه: «تحليل الخطاب السردي» (مرتاض، 1995)، كما يستعمل «السردانية» في كتاب: «نظرية الرواية، بحث في تقنيات السرد» (مرتاض، 1998)، أما محمد الناصر العجيمي فيستعمل في مؤلفه: «في الخطاب السردي» مصطلح «السردية» (العجيمي، 1993)، وهو المصطلح نفسه الذي يوظفه لطيف زيتوني (زيتوني، 2002)، أما المرزوقي وجميل شاكر فيوظفان «نظرية القصة» (شاكر، 1985)

 ويستعمل عبد السلام المسدي مصطلح «المسردية» (المسدي، 1984)، الذي يعلق عليه يوسف وغليسي بقوله: «الأغرب أن يكون صاحبه عبد السلام المسدي، لأنه مصدر صناعي مشتق من مصطلح (المسرد) الذي يفهمه المسدي جيدا، وقد ألفنا أن نجعله مقابلا للمصطلح الأجنبي (Glossaire)، الذي ينتمي إلى عالم المعجمية، ولا صلة له بالدراسة السردية» (وغليسي، 2000).

 ويذهب يوسف وغليسي إلى الحديث عن مزاوجة كثير من الدارسين العرب بين مصطلحي (سرديات-سردية)، المقابل للثنائية الغربية (Narratologie-narrativité)، وتوظيفهما معا في الدراسة الواحدة، دون مراعاة للحساسيات المنهجية بين مختلف هذه الاتجاهات (سرديات بنيوية/ سيميائيات سردية) في أصولها الغربية، حيث يستحيل الجمع بينهما، ويمثل وغليسي لذلك بالدراسة التي قدمها عبد الحميد بورايو في كتابه: «البطل الملحمي والبطل الضحية في الأدب الشفوي»، حيث يستعمل بورايو مصطلح تودوروف (Narratologie)، في حين يطبق منهج غريماس في تحليلاته (وغليسي، 2000)

أما سعيد يقطين فيستعمل في جل كتاباته مصطلح «السرديات»، الذي يعتبره من أصح الترجمات وأقربها إلى المعنى الذي قصده تودوروف أول ما وضع المصطلح الذي نحن بصدد الحديث عنه، يقول يقطين:»إن السرديات هي الاختصاص الذي أنطلق منه في معالجة السرد العربي» (يقطين، 1997)

التراث السردي العربي

مفهوم حيوي ومتطور باستمرار تطور الوعي النقدي العربي، ذلك ما يتضح جليا إذا قمنا بعملية رصد سريعة لمختلف الدلالات والمفاهيم التي أخذها هذا المصطلح. تشير الناقدة ضياء الكعبي إلى بعض الاستعمالات التي أخذها هذا المصطلح في الدراسات العربية الحديثة: (الكعبي، 2005)

 فبداية لم يتجاوز مفهوم التراث أو الموروث السردي عند «محمد ذياب» مجرد التسلية والأساليب الإنشائية، دون التركيز على اللفتات الإبداعية التي يمكن أن يحملها. أما «جرجى» زيدان فيصنفه صنفين رئيسيين، القصة الموضوعة، والقصة المنقولة، فالأولى تتمثل في القصص العربية الشهيرة مثل قصة عنترة، وقصة بكر وتغلب وغيرها، أما الثانية فهي ما نقله العرب من القصص عن الثقافات الأولى مثل الفرس والهند. ويتوقف «الرافعي» عند العصر العباسي، متناولا القص بشقيه السياسي والديني.

ويشير «حسن توفيق العدل» إلى ارتباط التراث السردي بالخطاب التعليمي، ممثلا لذلك بفن الخطب والرسائل والأمثال والقصص القرآني. كما اعتبر «العقاد» رسالة الغفران كتاب أدب وتاريخ، وعكف على دراسة فن «المقامة» معتبرا إياها شكلا أدبيا متميزا، وله القدرة على استيعاب مختلف الموضوعات المعاصرة التي قد تعبر عنها القصة والقصيدة والمقالة.

أما «طه حسين» فقد تتبع المراحل المختلفة التي مر بها النثر العربي القديم، مشككا أول الأمر في أصل النشأة، ومدافعا آخره عن أصالته من خلال مناقشة آراء المستشرقين التي تدعي تأثر النثر العربي القديم بالثقافتين الفارسية واليونانية.

ويحصر محمد رجب النجار الموروث السردي في عشرة أنواع (النجار، 1995)، هي:

_قصص الحيوان العربية.

_السير والملاحم الشعبية العربية.

_ القصص الشعبي العربي الديني، الأنبيائي والأوليائي.

_القصص العاطفي في التراث العربي.

_القصص الفكاهي في التراث العربي.

_الحكاية الخرافية.

_الحكاية الشعبية في أشكالها الفرعية التراثية.

_ألف ليلة وليلة والسوسيو سرديات العربية.

_فن المقامات القصصية.

 _ فن الرسائل القصصية.

 وقد جاءت هذه الدراسة في جزأين كبيرين، انفرد كل جزء منها بدراسة بعض الأنماط السردية في التراث العربي، فقد تضمن الجزء الأول الأقسام الخمسة الأولى، أما الجزء الثاني فتضمن الأقسام الخمسة المتبقية.

يقترح سعيد يقطين مفهوم «السرد العربي» معتبرا إياه أكثر دقة وشمولية، لكونه يسعى إلى رصد الظاهرة السردية التراثية في كلياتها، كما يسعى إلى الإحاطة بمختلف حيثياتها وملابساتها، الأمر الذي من شأنه أن يؤدي إلى فهم الظاهرة بشكل أفضل، على عكس المفاهيم القديمة التي تضيق من آفاق البحث العلمي بسبب محدودية دلالاتها من جهة وتكرارها من جهة أخرى، لذا يدعو إلى إعادة النظر في طريقة تناول هذا المفهوم الجديد، بغية تحقيق المقاصد المرجوة من وراء العودة لهذا السرد العربي، إذ يقول: «إننا باعتبارنا (السرد العربي) مفهوما جديدا، نريد أن ننظر إليه كذلك بصفته موضوعا جديدا، ولا يمكن أن نشتغل به إلا بتصور جديد، ولمقاصد جديدة. إنه وهذه من بين إحدى سماته ومميزاته، بقدر ما يدفعنا دفعا إلى الماضي والتاريخ، لإعادة النظر فيهما من منظور جديد ومغاير، يجعلنا ننفتح على العصر، وعلى حاضرنا» (يقطين، 2006)، وتصبح هذه المراجعة الفكرية والمنهجية ضرورية إذ تبين –حسب رأي يقطين- أن العديد من الإبداعات العربية الحديثة تعود إلى هذا التراث، لتتفاعل معه بشتى أشكال التفاعل، محاورة ومحاكاة حينا، ومعارضة في بعض الأحيان.

بناء على ما سبق، تكشف لنا هذه المحاولات عن الزخم الهائل في الأشكال السردية التي حظي بها التراث في الثقافة العربية، وهو الأمر الذي بقي مجهولا أو مغيبا لعقود من الزمن، حيث ظلت المقاربات التي قدمت حوله محدودة سواء من ناحية الدرس والتحليل أو من ناحية التدوين والتصنيف، فالدرس العربي –قديمه وحديثه– لم يُعن بالتراث السردي بالشكل المطلوب، متحججا في ذلك بعدم التدوين تارة وبكونه أدب العامة تارة أخرى. واستمر الأمر على هذه الحال عقودا طويلة، قبل أن يلتفت الباحثون والدارسون لهذا التراث النثري المتنوع، بالدعوة إلى تجديد الوعي النقدي العربي اتجاهه، بغية استنطاق المضامين واستثمار المنجزات بما يوافق زمن القراءة الراهن، بعيدا عن التمثل الكلي للحضارة الغربية.

التراث السردي العربي بين التقديس والتهميش

تعد قراءة التراث السردي من أهم المواضيع والقضايا التي شغلت فكر الناقد العربي المعاصر، وتنبع هذه الأهمية من الدور البارز الذي يلعبه هذا التراث في بلورة هوية حاضر ومستقبل الثقافة العربية، والتي هي في جوهرها امتداد للماضي على أصعدة ومستويات مختلفة، فكرية وثقافية، ودينية، وعقائدية وغيرها، امتدادا تستدعيه الحاجة المعرفية التي تسعى إلى استشراف الرؤى والآفاق المستقبلية.

ومن الأسئلة الجوهرية التي واجهت الباحثين في المسالة التراثية، سؤال حول كيفية التعامل مع التراث السردي العربي؟ وكيفية قراءته؟ وهو السؤال الذي يستدعي تحديد موقف وتقديم اقتراحات، ذلك ما يفرضه الحضور القوي لهذا التراث في الفترة الراهنة، وإسهامه الفاعل في رسم الملامح الثقافية للعصر، وكأنه جزء لا يتجزأ من الحاضر، أو كأن أفراد الجماعة لا يزالون يعيشون في حقبه الماضية. وفي هذا الصدد يقول طه عبد الرحمن: «لا سبيل إلى الانقطاع عن العمل بالتراث في واقعنا، لأن أسبابه مشتغلة على الدوام فينا، آخذة بأفكارنا وموجهة لأعمالنا، متحكمة في حاضرنا ومستشرفة لمستقبلنا، سواء أقبلنا على التراث إقبال الواعي بآثاره التي لا تنمحي أم تظاهرنا بالإدبار عنه، غافلين عن واقع استيلائه على وجودنا ومداركنا» (طه، 2012)، فلا يمكن الانفكاك عن حقيقة ملازمة التراث لنا، ولو سعى المرء إلى غير ذلك، ويستدل طه عبد الرحمن على صحة ما ذهب إليه بتزايد الأبحاث المشتغلة بالتراث دراسة وتقويما، وإن اختلفت النظرة إلى هذا التراث من ناقد إلى آخر، وهو يدعو إلى النظرة التكاملية التي تعتمد على الأدوات المأصولة، بدل النظرة التفاضلية التي تلجأ إلى الأدوات المنقولة.

ويجد المتتبع للموقف النقدي العربي، أن ثمة عدة رؤى وقراءات متباينة ومختلفة للتراث السردي العربي، وصلت في بعض الأحيان إلى حد التناقض الصارخ على العديد من المستويات، نظرا لتعدد زوايا النظر واختلاف المقاصد والغايات بين الباحثين والدارسين لهذا التراث، وقد أفضت عملية البحث والتنقيب إلى رصد ثلاثة أنواع أساسية من القراءات:

أولها القراءة التقديسية أو التمجيدية

وتمثل هذه القراءة الرؤية التقليدية المحافظة التي تدعو إلى إحياء التراث السردي العربي وبعثه من جديد، معتبرة إياه «النموذج المحتذى» للإنتاج والإبداع، كما تبالغ هذه القراءة في الاحتماء بهذا التراث، رافعة إياه إلى مرتبة النزاهة والعصمة. إن التراث وفق هذه الرؤية يتحول إلى «ملكية خاصة»، يسعى كل فريق أو جماعة إلى إثبات أهليته وأحقيته وأسبقيته في هذا الميراث الذي لا يمكن لأحد من الأحياء أن يدعي أنه هو من خلفه «وبما أن هذا الإنتاج بهذه الصفة، يذهب كل بحسب اعتقاده، وموقفه، إلى اعتبار جزء منه ملكية له وحكرا عليه. فيحيطه بهالة من القدسية والمهابة، كي لا يسمح لأي كان الاقتراب منه أو زعم أنه الأولى به من سواه» (يقطين، 2006)، وتبعا لذلك يغدو التراث عاملا من عوامل التمايز والصراع بين الأبناء.

لعل أكثر ما تؤاخذ عليه الرؤية السابقة، هو أنها تبقى غافلة عن معطيات اللحظة الراهنة وما تفرضه من تحديات وإشكالات فكرية وثقافية وغيرها، ناسية أو متناسية بأن هذا التراث يبقى في النهاية جهدا بشريا، يعد الزلل والخطأ فيه واردين بشكل كبير. إن هذه الرؤية غالبا ما تنطلق من القراءة اللغوية للنصوص السردية وفق منهج وصفي يكتفي بإبراز تفوق السابق على اللاحق، والتأثيرات التي تفرضها النصوص القديمة على النصوص الجديدة، بعيدا عن استنطاق الأنساق المعرفية والثقافية لهذه الأشكال التراثية. ويعد الغرق في الماضي والغياب الكلي عن الواقع أمرا لا يخلو من تطرف، لأنه سيؤدي إلى تضييع قضايا بالغة الأهمية عن اللحظة الراهنة، واستهلاك طاقات رهيبة من أجل الحفاظ على اجتهادات ومنجزات –مهما عظمت قيمتها- فهي قابلة للتعديل والتطوير باستمرار، كما أن «سلطة النموذج» من شأنها أن تعرقل الاجتهاد وتجمد الإبداع.

ثاني هذه القراءات هي القراءة المعارضة أو التهميشية

                أو التغريبية

هي التي ظل أصحابها ينظرون إلى التراث عموما نظرة استعلاء، بحجة أنه يمثل الثقافة الشعبية وأنه خاص بعامة الناس، أو أنه ماض انقضى وبالتالي لا طائل من استحضاره واستنهاضه، فكان أصحابه «يرددون ليل نهار، أنه لابد لنا إن أردنا الوثوب من رقدتنا والخروج عن خيبتنا من القطيعة المعرفية مع التراث، ودفن الماضي بكل ما فيه إلى الأبد، لنبدأ من واقعنا وحاضرنا» (جمعة، 2006)، وبهذا التصور تم صرف النظر عن جواهر ثمينة، وذخائر قيمة زخر بها هذا التراث، كان الأولى استثمارها والانتفاع بها.

 وبتسليطنا الضوء على «التراث السردي» على وجه التحديد، نجد إضافة إلى ما ذكرناه آنفا، أن الاعتقاد السائد الذي عمر دهرا طويلا، والذي مفاده أن «الشعر ديوان العرب»، قد أثر أيما تأثير في الفكر العربي عموما، وفي توجهاته واهتماماته، حيث أصبح ينظر إلى النثر على أنه جنس دخيل، زهد في دراسته الكثير من الباحثين العرب –لاسيما القدامى منهم– ولم يقتصر الأمر على القدماء فقط، بل امتد إلى العصر الحديث، حيث ظل سلطان الشعر مسيطرا على الأذهان والأبحاث، وكان أغلب ما قدم من دراسات يدور في فلك الموروث الشعري. واستمرت إشكاليات التراث السردي قائمة، حتى في المرحلة اللاحقة التي بدأ يفرض فيها حضورا قويا ويسير جنبا إلى جنب مع الشعر، لكن هذه المرة مع منهجيات قراءته، وآليات مقاربته، فقد كانت أغلب القراءات تنطلق من مفاهيم غربية خالصة دون الالتفات إلى الخصوصية المعرفية والإيديولوجية لهذه المفاهيم، ومدى تواؤمها مع المواضيع التراثية.

إن الخضوع لسلطة النظرية أو المنهج يعد في أغلب الأحيان تكبيلا للحرية الفكرية، مما يؤدي إلى إغفال وإسقاط الكثير من الأمور التي لا تتناسب ومسلمات هذه النظريات والمناهج، والتي قد تكون عناصر أساسية في بناء منظومة تراثية متكاملة. كما أن تطويع المادة التراثية لكي تعبر أو تمثل منهجا أو نظرية ما، أمر بالغ الخطورة، لأنه يصرف النظر عن الإشكالية الحقيقية التي تتمثل في استكشاف كنه هذا التراث واستلهامه، إلى السعي الحثيث من أجل إثبات صحة المنطلقات النظرية، الأمر الذي من شأنه أن ينعكس سلبا على التاريخ والأصالة بل على الذات العربية بأكملها.

أما القراءة الثالثة التي نتوقف عندها فهي القراءة

                النقدية التفاعلية

تمثل موقفا وسطا بين القراءتين، حيث ترى أن «الحاجة الملحة تتمثل في استقراء هذا التراث بشكل دقيق، واستنباط ما يمكن أن يكون إضافة إلى الجهود النقدية العالمية، لا البحث عن المناهج النقدية في الفكر النقدي العربي» (الجبوري، 2013)، لأن ذلك من شأنه أن يضيع رونق وجمال هذا التراث، ويمكن اعتبار هذه القراءة نتاج تطور حركة الوعي النقدي العربي المعاصر، وهي تنظر إلى التراث السردي على أنه تراث حي لكونه ما زال ممتدا في وجدان وحاضر الأفراد، وتدعو إلى إعادة قراءته بوعي جديد، عن طريق محاورة مضامينه المغيبة ومساءلة أنساقه المعرفية والثقافية، مستعينة في ذلك بمختلف ما وصلت إليه المعرفة الإنسانية من مناهج وخبرات، ذلك ما يعبر عنه أحد الباحثين في قوله: «الحديث عن القديم يمكن من رؤية العصر فيه، وكلما أوغل الباحث في القديم وفك رموزه وحل طلاسمه أمكن رؤية العصر والقضاء على المعوقات في القديم إلى الأبد، وإبراز مواطن القوة والأصالة لتأسيس نظرتنا المعاصرة، ولما كان التراث يشير إلى الماضي والتجديد يشير إلى الحاضر، فإن قضية التراث والتجديد هي قضية التجانس في الزمان، وربط الماضي بالحاضر وإيجاد وحدة التاريخ» (حنفي، 1992)

 وقد رافق هذه الأصوات الداعية إلى مد جسور التواصل الحضاري والتاريخي بين الماضي والحاضر، أصوات أخرى دعت إلى ضرورة دراسة هذا التراث السردي دراسة شاملة متكاملة بعيدا عن التجزيء والاختزال والانتقاء، ودون هذه النظرة الشاملة التكاملية سيظل التعامل مع التراث قاصرا فهما واستيعابا، مادام التهميش والتغييب يطبع العلاقة مع جزء هام منه، وكلما تم استدعاء ذلك المغيب والمهمش كلما أتيحت إمكانات تجديد الرؤية والوعي بالتراث وتطوير أدوات التعامل معه. وهذا هو المطلوب لمواجهة التحديات الحضارية للمرحلة الراهنة (يقطين، 2006).

بناء على ما سبق، يتضح حضور التراث السردي في الخلفية الفكرية للباحث العربي، سواء كان هما فكريا ونقديا يستدعي إعادة النظر فيه باستمرار، أو ملهما للعديد من الرؤى والتصورات، ذلك ما سنحاول إماطة اللثام عنه من خلال المقاربة التطبيقية لكتاب قال الراوي للباحث سعيد يقطين.

تحول السيرة الشعبية –نموذجا للتراث

    السردي- من اللانص إلى النص

مقاربة في كتاب «-قال الراوي- البنيات الحكائية في السيرة الشعبية -» (يقطين، قال الراوي، البنيات الحكائية في السيرة الشعبية، 1997)

بنية الكتاب وأهمية موضوعه

يعد هذا الكتاب امتدادا لمؤلف (الكلام والخبر)، وترجمة عملية لبعض الرؤى والتصورات التي وردت فيه لاسيما ما تعلق منها بالسيرة الشعبية، ويتضح ذلك جليا في مقدمته التي يقول فيها صاحبه: «حاولنا في (الكلام والخبر) تقديم تصور أردناه متكاملا لدراسة السرد العربي، بعد أن وضعناه في نطاق تصور محدد لأجناس الكلام العربي، نروم في هذا الكتاب ترجمة جزء من ذلك التصور من خلال البحث في البنيات الحكائية» (يقطين، 1997)

ويعلن سعيد يقطين أنه سيشتغل على هذه البنيات الحكائية في السيرة الشعبية، ضمن «سرديات القصة» أو «المادة الحكائية»، مؤجلا البحث في «بنيات الخطاب» و«النص» إلى أبحاث أخرى، مشيرا إلى أن أغلب الدراسات السردية قد ركزت على مفهوم الخطاب، تاركة البحث في القصة للسيميوطيقيين الذين انصب اهتمامهم على دراسة المعنى أو الدلالة، ومن ثم أهملوا الدراسة السردية التي من شأنها أن تكشف عن مختلف الخصائص الجمالية والفنية لهذه المادة.

من هذا المنطلق، حاول الباحث أن يكشف عن مختلف البنيات الحكائية في السيرة الشعبية، من خلال النظر إليها من حيث كونها قصة- سواء من زاوية اتصالها بالخطاب أو النص، أو من خلال تبيان مجمل خصائصها الفنية والجمالية وأبعادها الدلالية، وسيتكئ على مفهوم رئيس سماه «الحكائية»، إذ يعرفه بأنه «مجموع الخصائص التي تلحق أي عمل حكائي بجنس محدد هو السرد» (يقطين، 1997)وعليه تغدو الحكائية مقولة جنسية وكلية ثابتة تنضوي تحتها جملة من المقولات الفرعية، التي يقصد بها الأفعال والعوامل والزمان والمكان.

يصرح الباحث بغايتين رئيسيتين يرمي إلى تحقيقهما من وراء هذه الدراسة: الأولى، وتتمثل في تطويره للتصور السردي الذي يسعى إلى إقامته وبلورته انطلاقا من السرد العربي، أما الغاية الثانية، فتتمثل في فتح مجال للبحث في جزء مهم من تراثنا السردي، الذي ظل مهمشا وبعيدا عن دائرة الاهتمام والدراسة عصورا طويلة (يقطين، 1997)

وسيكرس جهدا غير يسير في كتابه هذا، لتحقيق الغاية التي ينشدها، إذ سينطلق من نص السيرة الشعبية كما تجسد كتابيا، مفككا بنياته الكبرى والمكونات الرئيسية المتحكمة فيه، ليتوصل بعدها إلى الكشف عن مختلف العلاقات التي أقامتها هذه البنيات مع السياق الثقافي والتاريخي الذي أنتجت في إطاره، محددا من خلالها خصوصية هذا النص السردي الذي يقوم بتحليله.

وسيعتمد في هذه الدراسة على منهجية منفتحة على مختلف المنجزات، التي من شأنها أن تسهم في تطوير آليات اشتغاله على صعيدي التنظير والتطبيق معا.

المتن النقدي

يشتغل الباحث في هذا المؤلف على متن دسم، يتكون من عشر سير شعبية وهي: سيرة ذات الهمة، سيرة عنترة، سيرة الظاهر بيبرس، سيرة بني هلال، سيرة سيف بن ذي يزن، سيرة حمزة البهلوان، سيرة الزير سالم، سيرة علي الزئبق، سيرة فيروز شاه وسيرة سيف التيجان، حيث يقسم هذا المتن السردي على مختلف أجزاء بحثه، المتكون من تأطير وأربعة فصول.

تناول في التأطير تدقيقا لجملة المفاهيم والتصورات التي سبق أن تطرق لها في كتابه (الكلام والخبر)، والتي تتعلق أساسا بالسرديات من خلال علاقتها بالمادة الحكائية أو البنيات الحكائية كما تتجلى من خلال السيرة الشعبية. ويقترح إستراتيجيتين للعمل أو القراءة على النحو الآتي:

-الإستراتيجية الأولى، تتكون بدورها من مرحلتين: يتم الانطلاق أولا من النص كما هو، من أجل تحليله بناء على تصور نظري محدد، بهدف الكشف عن وظائف تلك البنيات ودلالتها من خلال وضعها في السياق التاريخي والثقافي الذي أنتجت فيه، وأيضا في السياق النصي الذي تولدت عنه، وصارت جزءا من بنيته عبر تحققاتها النصية المختلفة، التي تتجاوز السياق الأول (يقطين، 1997)

-أما الإستراتيجية الثانية، فيكون الانطلاق من خطاطة عامة للنص، مفترضة كانت أو مضمرة، ويشترط فيها أن تتمتع بقدر معين من الملاءمة والكفاية والانفتاح، ويقرأ النص فيها على النحو الآتي:

 -البحث في انتظام النص لعناصر تلك الخطاطة، كليا أو جزئيا.

 -النظر في اختراقه لها، بتقديمه عناصر جديدة غير متضمنة فيها.

ويوضح الباحث بأنه سينحاز للإستراتيجية الأولى، مع أخذ الإستراتيجية الثانية بعين الاعتبار: «من جهتنا، نختار الإستراتيجية الأولى، ولكن من منظور يضع في الاعتبار الإستراتيجية الثانية» (يقطين، 1997)، لأنه يعتبرهما متكاملتين من حيث الجوهر. وتعد هذه المنهجية التي سيعتمدها الباحث في مقاربة موضوعه في غاية الأهمية، لأنها تقدم تصورا نظريا يتم في ضوئه مقاربة نص السيرة الشعبية، حيث تراعى فيه مختلف خصوصياتها النصية والحكائية، بدل الاتكاء على الجاهز من الرؤى والتصورات المعدة سلفا في التحليل السردي.

يبدأ الباحث دراسته بتحديد خصوصية هذا النص السيري، عن طريق ضبط الجنس الأدبي الذي يمثله، بهدف تعيين موقعه ضمن الكلام العربي، ويقترح الباحث مفهوم «الحكائية» ليعني به المقولة الجنسية الخاصة بجنس السرد، وفي هذا الإطار يقول: «نعتبر الحكائية هي الطابع الذي تشترك فيه مختلف الأنواع التي تندرج ضمن السرد، إنها العنصر الثابت الذي ينظم أي كلام يوسم بميسمها، ويلحقه بدائرة جنس السرد بغض النظر عن الزمان والمكان» (يقطين، 1997). وبالتالي يصبح البحث في حكائية السيرة الشعبية، يعني البحث في بنياتها الحكائية التي بواسطتها تنتمي السيرة إلى جنس السرد.

ويقوم بضبط دقيق لجملة المصطلحات التي سيوظفها في تحليلاته، بادئا بتحديد دلالتها كما وردت عند مجموعة من السرديين والسيميوطيقيين الغربيين، ليخلص إلى تقديم تحديده الخاص وفق رؤية شمولية وصرامة علمية دقيقة، نمثل لها بالتعليل المعرفي الذي يقدمه حول اشتغاله بمصطلح الحكائية بدلا من السردية، حيث يرى أن الدراسات الغربية توظف مصطلح (La Narrativité) كمفهوم جامع لتحديد الموضوع الذي تشتغل عليه العديد من العلوم السردية، «وهذا المفهوم يأخذ في الدراسات العربية ترجمات غير دقيقة تنم عن سوء الاستيعاب والفهم» (يقطين، 1997). لذا يدعو إلى تحديد مختلف الدلالات التي يتخذها المصطلح في الدراسات الغربية، والتي يحصرها في دلالتين متباينتين، هما:

-سيميوطيقا السرد، وهي التي تركز على المحتوى الحكائي كموضوع رئيس لها، وتهدف من وراء ذلك إلى الإمساك بالمعنى أو الدلالة. وانطلاقا من هذا المعنى تصبح (La Narrativité) تعبر عن «مظهر تتابع الحالات والتحولات المسجل في الخطاب، والضامن لإنتاج المعنى» (يقطين، 1997)، وهي بهذا تنأى عن مفهوم الأدبية التي يمكن البحث فيه عبر مستويات أخرى، ثم يخلص الباحث إلى تبيان المعنى الذي يستهدفه، والمتمثل في «المادة الحكائية» أو المحتوى أو القصة، وذلك انطلاقا من التمييز الدقيق الذي يقيمه بين مفهومي السرد والحكي، إذ يقول: «وحسب ما نذهب إليه، فإن المصطلح المناسب الذي نضعه هنا، بسبب طابعه «الثابت» هو «الحكي» وليس السرد، إن الحكي عام والسرد خاص، فالحكي هو الذي ينسحب عليه مصطلح «Recit» و«Narrativité» (يقطين، 1997)، ويمكن له أن يوجد في الأعمال التخييلية والصور والحركة وغيرها، أما السرد فسيقتصر على الأعمال اللفظية فقط.

-السرديات التي تهتم بصيغ السرد أو الخطاب، فإذا كانت السيميوطيقا تتخذ من المحتوى موضوعا لها فإن السرديات تتخذ «التعبير» الذي يجسد الأفعال أو الأحداث مجال بحثها. ليخلص الباحث إلى نتيجة مفادها أن (La Narrativité) تتحدد انطلاقا من الاختصاص والمقاصد، فهي عند السيميوطيقيين تناظر «الحكائية» بحيث ترتبط بمبدأ الثبات وتتصل بالجنس، أما عند السرديين فتقابل مفهوم «السردية» نظرا لارتباطها بالخطاب أو التعبير، وهي تتعلق بالنوع وتتسم بطابع التحول (يقطين، 1997)

انطلاقا من هذا التحديد الدقيق للجهاز المصطلحي الموظف، يتناول سعيد يقطين مختلف البنيات الحكائية في السيرة الشعبية، والمتمثلة في (الأفعال والوظائف)، و(الشخصيات والفواعل والعوامل)، وكلا من البنيات (الزمانية والفضائية).

بنية الأفعال/ الوظائف

يحصر سعيد يقطين هذه البنية في أربع وظائف هي: الدعوى، الأوان، القرار والنفاذ. فالدعوى هي الداعي إلى العمل الحكائي، وهي التي يستند عليها في تشكله وانبنائه (يقطين، 1997)، والأوان هو انطلاقة العمل الحكائي، والقرار هو الشروع في إنجاز الدعوى، أما النفاذ فهو تحقيق الدعوى، يقول سعيد يقطين: «إن كل سيرة شعبية تقوم على أساس دعوى معينة، وحينما يحين أوان تحقيقها يبدأ الحكي، ومن الأوان إلى النفاذ نكون أمام الوظائف الأساسية التي تخبرنا عن كيفية تحقق تلك الوظيفة المركزية» (يقطين، 1997)، حيث يعتبر دعوى العمل الحكائي بمثابة الوظيفة المركزية. يتم تحديد هذه الأخيرة على المستوى الأفقي، وغالبا ما تركز على شخصية محددة في السيرة الشعبية، تعد هي أساس الحكي، وتحمل السيرة اسمها.

 أما على المستوى العمودي، فسيدرس تمفصل الوظائف الأساسية إلى بنيات صغرى تدعى الوظائف البنيوية، موضحا كيفية اشتغال كل بنية مع دعوى النص، وبالارتكاز على مبدأ التراكم ينتقل إلى دراسة البنيات الصغرى التي تتمفصل بدورها إلى وظائف جزئية على غرار ما وجدناه في الوظيفة المركزية، وسيكتفي الباحث بالتمثيل بوظيفة الأوان، التي يعتبرها بنية متكاملة تتشكل من دعوى مؤطرة ووظائف جزئية هي نفسها التي ذكرت سابقا (الأوان، القرار، النفاذ)، حيث تعمل مجتمعة على أداء وظيفة الأوان، كما تمهد للوظيفتين المتبقيتين (القرار، النفاذ)، مع تسجيل ملاحظة أساسية في هذا الإطار، هو أن مختلف هذه الوظائف والبنيات تتكامل وتتعالق فيما بينها أفقيا وعموديا (يقطين، 1997).

يخلص يقطين في نهاية تحليله لبنية الأفعال، إلى أن السير الشعبية تشترك في الكثير من الخصائص الحكائية التي تميزها عن باقي الأنواع السردية، وإن بنية الإطناب تسهم في تعدد وتنوع هذه البنيات، حيث تجعل السيرة أقرب ما تكون إلى موسوعة حكائية تتضمن أجناسا وأنواعا وأنماطا مختلفة.

بنية الشخصيات /الفواعل/ العوامل

وقد رتبها الباحث حسب الوظائف إلى: الفاعل المركزي، الفاعل الموازي الأول، الفاعل الموازي الثاني والفواعل الأساسيين، ويتحدد كل فاعل بحسب المقاصد التي توجهه نحو فعل معين، وانطلاقا من ذلك ينتسب إلى هذه البنية أو تلك (يقطين، 1997)، وقد توصل الباحث من خلال عمليات التحليل إلى التمييز بين بنيتين عامليتين، الأولى وتضم الصاحب والقرين والأتباع، أما الثانية فتضم الخصم، القرين والأتباع (يقطين، 1997)، ويميز يقطين بين ثلاثة أبعاد في الشخصيات:

_الشخصيات من حيث صفاتها، وهي تتأطر ضمن فئات اجتماعية أو عوالم لها خصوصيتها -الفواعل: هي الشخصيات حين تضطلع بدور ما، أو تنجز فعلا أو حدثا كيفما كان نوعه -العوامل: هي الفواعل التي تنجز أفعالها وفق معايير محددة وقيم خاصة، وهي التي يدرجها ضمن المقاصد المرغوب في تحقيقها. (يقطين، 1997)

ونظرا لكثرة الشخصيات في السيرة الشعبية بمختلف أصنافها وأشكالها إلى درجة يصعب إحصاؤها، فإن الباحث يمنح للسيرة اسم «إمبراطورية الشخصيات»، وسيحاول بداية تصنيفها حسب الأنواع إلى: شخصيات مرجعية، شخصيات تخيلية، وشخصيات عجائبية، ويعتبر كل نوع من هذه الأنواع بنية كبرى، وهذه الأخيرة تتمفصل إلى بنيتين: بسيطة ومركبة، ومرد هذا التمييز إلى الطبيعة الجنسية للشخصيات، فإذا كانت تنتمي إلى جنس صاف اعتبرت بسيطة، وإذا جمعت أكثر من جنس اعتبرت مركبة (يقطين، 1997). وينظر إلى العلاقات القائمة بين البنيات الشخصية الكبرى من زاويتين: الأولى أفقية، وتتحقق من خلال العلاقة بين البنيتين الكبريين: البسيطة والمركبة، والثانية عمودية، ويمكن أن تتجسد داخل كل بنية صغرى (الترابي، الناري، الطبيعي، الاصطناعي)، وتقوم العلاقة الأفقية على التآزر والمساندة، وهي على نوعين: علاقة التبعية، وتتجلى من خلال السلطة والملكية، وعلاقة قرابة تبرز من خلال الدين والنسب. أما العلاقة العمودية فتتسم بطابع الصراع بنوعيه، الأصلي والطارئ. (يقطين، 1997) ، وهو يرمي من وراء ذلك إلى الوقوف على مجموع البنيات الفاعلية التي تستوعبها السيرة، والتي يرصدها في: - بـنيـة الفـاعـل المحـرك، ويمثلها الفاعل الموازي الثانـي _بنية الفاعل القادر، ويمثلها الفاعل المركزي ج/ بنية الفاعل العارف، ويمثلها الفاعل الموازي الأول.

ويمنح كل بنية اسما حسب الصورة التي يمثلها كل فاعل من هذه الفواعل الثلاث، وذلك بهدف إدخال مجموع الفواعل الذين يشتركون في البنيات التالية: - بنية الفارس، ويحتل الفاعل المركزي الموقع الأساسي فيها - بنية العيار، ويمثلها الفاعل الموازي الأول- وبنية العالم، ويمثلها الفاعل الموازي الثاني، بحيث: «تتفاعل هذه البنيات فيما بينها وتتصارع وتتبادل الأدوار والمواقع، وإذا كانت البنية الأخيرة هي التي تتولد عنها الأحداث والأفعال إجمالا، وذلك بتوجيه العناصر التي تتشكل منها البنية الأولى والثانية، كانت الأفعال تتحدد وتجري بين عناصر البنيتين الأولى والثانية» (يقطين، 1997)، ومعنى ذلك أن البنيات الفاعلية لها قابلية التمفصل إلى بنيات عاملية بحسب مقاصد الأفعال التي يقومون بها. ينتقل يقطين بعدها إلى البحث في هذه العوامل التي تتحدد بحسب المقاصد التي ترمي إلى تحقيقها، فالمقاصد هي التي تجعل الفاعل ينتسب إلى هذه البنية أو تلك، وهي ذات صلة بالوظيفة المركزية، وسيخلص من خلال التحليل إلى وجود بنيتين عامليتين، الأولى توافق الدعوى، وتضم ثلاثة عوامل: الصاحب والقرين والأتباع، والثانية تعارض الدعوى وترفضها، وتضم الخصم والقرين والأتباع.

وحسب يقطين، فإن الصاحب له صورة واحدة في كل السير، على اعتبار أنه يمثل القيم نفسها التي يمثلها كل صاحب في أي سيرة، والأمر نفسه بالنسبة للخصم الذي يحمل قيما وصفات ومقومات مناقضة لتلك التي نجدها عند الصاحب. إن هذا الأخير يمثل عالما من الشخصيات ينتمي إلى العروبة والإسلام، أما الخصم فيمثل عالما آخر من الشخصيات ينتمي إلى الجهة المضادة للعروبة والإسلام.

بنية الزمان

يميز الباحث بين ثلاثة أنواع للزمان في العمل الحكائي، زمن القصة، زمن الخطاب وزمن النص، كما يخضع هذا الزمان لنظام دقيق يتجلى عبر مختلف البنيات والعلاقات. فالبنيات الزمانية الكبرى في السيرة الشعبية بمثابة زمان القصة العام، الذي يتكفل بمهمة تنظيم كل السير وتقديمها على أنها نص واحد، ويتبين من خلاله أن أول سيرة هي سيرة الزير سالم، وآخر سيرة هي سيرة الظاهر بيبرس، كما يتسع هذا الزمان لحقب طويلة، تمتد من العصر الجاهلي إلى عصر المماليك، وتنقسم السير زمنيا إلى قسمين، سير ما قبل الإسلام وسير ما بعد الإسلام، القسم الأول وتمثلها سير: سيف بن ذي يزن، الزير سالم، سيف التيجان، عنترة بن شداد، فيروز شاه وحمزة البهلوان. أما القسم الثاني فنجد: سيرة بني هلال، الأميرة ذات الهمة، على الزئبق، والظاهر بيبرس.

وقد أفضى التحليل بيقطين إلى رصد ثلاثة أنواع من العلاقات الزمانية التي تحكم السير وهي: التأطير والتسلسل والتضمين، وهي التي تربط بين مختلف السير، وتبين أن الراوي كان على علم بوجود السير الأخرى، وكان يرتب عمله بينها بوعي ودراية، ثم يعيد يقطين صياغة هذه العلاقات بهدف الاختزال والتوضيح في مفهومي: التشعب والتوالد. (يقطين، 1997) .

ويشغل مفهموم العلاقات الزمانية الموازية، ليعبر به عن مختلف التفاعلات النصية الحاصلة بين السير الشعبية الموازية (سيف التيجان وحمزة البهلوان وعلى الزئبق) والسير الأساسية (سيف بن ذي يزن وعنترة بن شداد وذات الهمة)، وتقوم هذه العلاقات أساسا على المحاكاة والمعارضة، التي يختزلها الباحث في مفهوم التعلق النصي. وبذلك نكون أمام ثلاثة أنواع من العلاقات: التشعب والتوالد والتعلق، تترابط وتتضافر لتشكل بنية زمانية كبرى، هي التي ستنظم مختلف البنيات الزمانية الصغرى التي تتجلى من خلال تسلسل السير الشعبية وترتيبها واحدة تلوى الأخرى، ويشير يقطين إلى خصوصية سيرة بني هلال في هذا النطاق: « وتبقى لسيرة بني هلال خصوصيتها في هذا النطاق، لأننا نعتبرها أساسية من جهة صلتها بسيرة الزير سالم (التوالد)، ولكننا نعتبرها من جهة الترتيب موازية، لأنها تأتي زمانيا موازية لسيرة الظاهر بيبرس، ذلك لأن زمان أحداثها يقع -وخصوصا في التغريبة- في القرن الخامس هجري» (يقطين، 1997)، ذلك ما يدل عليه المؤشر الزمني في مطلع نص السيرة.

يتضح مما سبق أن الزمان في البنيات الزمانية الكبرى متعدد ومتحول، وهو ينتظم وفق منطق زماني خاص، ويتحدد تبعا لرؤية زمانية خاصة، يخلص الباحث من خلالها إلى أن: «كل هذه الانتظامات على الصعيد الزماني، تبين بما لا يدع مجالا للشك أن كل سيرة من السير ليست سوى وحدة حكائية كبرى، ترتبط بغيرها بالصورة التي تمكننا من تشكيل (سيرة شعبية عربية) كبرى، تتكون من السير الشعبية العشر التي ندرس، ومن (سير شعبية) أخرى ممكنة (باعتبار أنها لم تتحقق) أو كائنة ولم نطلع عليها» (يقطين، 1997).

وفي هذا الإطار المتعلق بزمان السير، يحاول يقطين تحديد موقع السيرة النبوية، حيث يجدها تلتقي مع السير الشعبية في العديد من النقاط، كما أنها تخضع لنفس الخطاطة (أوان، قرار، نفاذ)، ليخلص إلى أن السيرة النبوية هي «النص النموذج» أو النص السابق الذي حاولت مختلف السير أن تسير على منواله بوجه عام.

وفي معرض حديثه عن البنيات الزمانية الصغرى، ينطلق من زمان البدايات والنهايات للتمكن من ملامسة هذه البنيات في كليتها، أو دراسة النص باعتباره جملة واحدة، وإذا كان زمان البدايات مرتبطا بظهور الشخصيات وتوالد الأفعال (ظهور صاحب الدعوى) وتأسيس الفضاءات، فإن زمان النهايات يضع حدا للحكي بنفاذ الأفعال وخراب العمران (نفاذ الدعوى)، يجسد هذا المعطى بالنسبة ليقطين رؤية لتجربة زمانية وموقف زماني، وهي رؤية لا تنحصر في حركة الأحداث وجريانها، ولكن تتجاوزها لتصبح رؤية زمانية للمجتمع والتاريخ والعالم. (يقطين، 1997)

ويخلص إلى ما يلي: «يظل زمان إنتاج وتلقي السيرة الشعبية منفتحا رغم انغلاق زمان مادتها الحكائية، لكنه الانغلاق الذي يشي بالانفتاح على دائرة زمانية لا يمكن التكهن باحتمالاتها وآفاقها، وإن كانت الرؤية الزمانية التي تمثلها السيرة الشعبية تؤكد تكرار الدائرة رغم مظهر التسلسل الذي يطبعها» (يقطين، 1997)، وهذا البعد الدائري هو ما يجعلها تنفتح على كل الإمكانيات والاحتمالات، وهي بذلك تعكس بجلاء صورة الذهنية التي أبدعتها، والتي يجسدها الراوي الشعبي، ذلك المبدع المجهول الذي أثبت بما لا يدع مجالا للريبة أنه يتمتع بخلفية معرفية واسعة، واطلاع هائل على مختلف العلوم.

بنية الفضاء

يتم في هذا المستوى تحليل البنيات الفضائية في ارتباطها بالشخصيات، حيث قام الباحث برصد مختلف البنيات الفضائية العامة والخاصة، وقد جرى تحديد البنيات الفضائية العامة من خلال ثلاثة فضاءات: المرجعية والتخييلية والعجائبية. تتسم الفضاءات المرجعية بالبعد الواقعي وتتخذ بصورة عامة طابع العالم الذي تتحرك فيه الشخصيات، فهي تحمل كثيرا من خصائصه ومميزاته، أما الفضاءات التخييلية فيصعب التأكد من مرجعيتها، سواء من حيث الاسم أو الصفة، فهي من صنع خيال الراوي ولا توحي إلى فضاءات معروفة، رغم توفرها على بعض مقومات النوع الأول(المرجعي)، وبالنسبة للفضاءات العجائبية فهي تتسم ببعدها العجائبي المخالف للفضاءين السابقين، حيث يتم من خلالها الانتقال من المركز إلى المحيط، ومن الأليف إلى الغريب، ومن الواقعي إلى العجائبي، وهي نوعان ظاهرة وباطنة. (يقطين، 1997)

ثم ينتقل الباحث إلى تحليل البنيات الفضائية الخاصة، محاولا الإمساك بها في حركيتها التي تربطها بمختلف المقولات الأخرى، بغية رصد صيروراتها المختلفة والوقوف عند مصائرها وزمنيتها الخاصة، وعلاقتها ببرامج الشخصيات وأفعالها وانتماءاتها، ففي علاقتها بالزمن يتضح أن لكل فضاء زمنية خاصة، فالسيرة تقدم بداية الفضاءات وتأسيسها كما تسجل نهاياتها، وإن للفضاء دعواه وأوانه ونفاذه.

أما علاقة البنيات الفضائية بالشخصيات، فهي تتحدد من خلال رؤية فضائية من أهم ملامحها: الانتماء، الفضاء الموعود، الفضاء واللون واللباس، بحيث تسعى هذه الرؤية إلى إلغاء مختلف الحدود والحواجز الفاصلة بين الفضاءات، ودمجها في فضاء كلي مفتوح على مختلف التفاعلات والعلاقات. (يقطين، 1997)

وللبحث في العلاقات الفضائية سيجري النظر في إعادة ترتيب تلك البنيات، بغية ضبط الانتظامات التي تحددها في علاقات محددة، حيث ينطلق الباحث من الفواعل المركزيين والموازين، أي من العوامل الثلاثة: الصاحب والقرين والخصم، على أنهم يجسدون الحركة الدائبة في فضاءات السيرة الشعبية، ويمفصل تلك العلاقات الفضائية إلى فضاء مركزي وفضاء محيط، يمثل النوع الأول الفضاء البؤري الذي يوجد فيه صاحب الدعوة المركزية، أما النوع الثاني فيتفرع بدوره إلى قريب، له علاقة متواصلة مع المركز، وبعيد تربطه علاقة طارئة ومحدودة بالمركز (يقطين، 1997) ،كما يقوم الباحث برصد بعض أوجه العلاقات التي تحدد وتعين رؤية ومواقف المركز من المحيط، فرؤية المركز للمحيط يطبعها الاستغراب والسخرية أحيانا، والتعجب والتقدير أحيانا أخرى، وتنبني هذه الرؤية على ثلاثة مواقف: التسامح، نقل المعرفة، الصراع.

وعند الانتقال إلى فضاء النص، يركز يقطين على بعدين أساسيين هما الحكي والمجلس. يرتبط البعد الأول بالفضاء الخطابي، حيث يبرز فيه الدور الذي كان يضطلع به الراوي في المجالس العامة من خلال نقل المتلقي من فضائه الخاص إلى فضاء الحكاية، وذلك باستخدام محكيات جذابة ومثيرة تجعله يشاركه رؤيته الفضائية، أما البعد الثاني فيرتبط بالفضاء النصي، ويتعلق بالتفاعل الحاصل بين المروي ومتلقيه، ويبرز هذا التفاعل من خلال تأكيد الانتماء إلى فضاء المجلس واستعداد دخول عالم السيرة. (يقطين، 1997)

يتضح مما سبق، أن يقطين يستلهم النموذج البروبي في شكله الموسع والمطور من قبل باحثين غربيين أمثال رولان بارت، وهو بدوره يحاول تطويره وتطويعه ليتماشى وفق ما يتناسب وخصوصية السيرة الشعبية العربية، ذلك ما يتضح من خلال سعيه إلى توليد مصطلحات ومفاهيم جديدة، من قبيل بنية الإطناب ودعوى النص والأوان والنفاذ والقرار.

وهو بهذا الجهد يحاول بناء صورة جديدة للسيرة الشعبية، ترد الاعتبار لها بعد أن كانت مهمشة وبعيدة عن دائرة الاهتمام، بجعلها نصا جديرا بالدراسة والبحث من خلال إثبات صحة المنطلق، الذي ينظر إلى السيرة على أنها نص واحد.

خاتمة

حاولت هذه المقاربة إماطة اللثام عن أهم مسارات وتحولات البحث في قضية التراث السردي العربي، من خلال تقديم قراءة لأبرز الآراء والمواقف، ثم الوقوف على أهم المعطيات التي وردت في كتاب «قال الراوي» في تناوله للبنيات الحكائية في السيرة الشعبية باعتبارها نصا سرديا تراثيا، ومحاورة خصوصية هذه القراءة التي أتت في خضم روافد المناهج النقدية المعاصرة.

ويمكن إجمال النتائج التي توصل إليها البحث على النحو التالي:

- تبيان ضرورة تطوير الوعي النقدي العربي وتجديد أسئلة قراءة التراث، وفق علاقات تقوم على أساس الحوار الهادف البناء، والتأكيد على ضرورة تناول السرد العربي القديم في إطار صيرورته المتكاملة، وتجنب الرؤية الاختزالية التجزيئية، التي تنبني على الأحكام الجاهزة والتصورات المسبقة.

- اعتماد سعيد يقطين في كتابه «قال الراوي، البنيات الحكائية في السيرة الشعبية» على منهجية تقوم على التفاعل الإيجابي بين المنجز الغربي، المتمثل في مختلف المناهج والنظريات النقدية الحديثة والمعاصرة، وبين التراث السردي العربي بخصوصيته التي يتمتع ويزخر بها.

- تأكيد سعيد يقطين على تحول النظرة إلى السيرة الشعبية من اللانص إلى النص نتيجة انفتاحها على سياقات ثقافية وفكرية متعددة، واحتفائها بجملة من الخصائص والمميزات، مما جعلها تكتسب دلالات منفتحة ومتجددة باستمرار.

- النظر إلى التراث السردي مجسدا في السيرة الشعبية، نظرة عصرية تستند إلى أحدث ما قدمته المعرفة الإنسانية في مناهج التحليل والدراسة دون التطبيق الحرفي لآليات هذه المناهج، بل محاولة تطويعها لتتناسب مع خصوصية النصوص العربية على اختلاف أشكالها وأنواعها.

- توظيف سعيد يقطين للنموذج البروبي المطور والموسع في تحليلاته للبنيات الحكائية في السيرة الشعبية، من خلال كتابه «قالي الراوي، البنيات الحكائية في السيرة الشعبية».

- إعادة بناء تصور جديد للسيرة الشعبية، ينتقل بها من وضع المهمش المغيب إلى وضع الأرضية الخصبة القابلة لمختلف عمليات الدرس والتحليل، وفق أبرز المنهجيات الحديثة والمعاصرة.

 ويبقى البحث والقراءة منفتحين على مختلف المراجعات والمحاورات، التي من شأنها أن تسهم في الإثراء والإغناء والتطوير، بغية إضاءة جوانب أخرى من البحث.

المراجع

-القرآن الكريم

قال الراوي، البنيات الحكائية في السيرة الشعبية، المركز الثقافي المغربي، الدار البيضاء، 1997.

أحمد العلوي: مناقشة مقال عابد الجابري حول التراث ومشكل المنهج، المنهجية في الأدب والعلوم الإنسانية، دار توبقال للنشر، الدار البيضاء، الطبعة الأولى، 1986.

حسن حنفي: التراث والتجديد، موقف من التراث القديم، دار التنوير للطباعة والنشر، لبنان.

رولان بارت: مدخل إلى التحليل البنيوي للقصص، ترجمة منذر عياش، مركز الإنماء الحضاري، ط1، 1993.

سمير المرزوقي وجميل شاكر: مدخل إلى نظرية القصة تحليلا وتطبيقا، الدار التونسية للنشر، ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر،1985.

سعيد يقطين: الرواية والتراث السردي، من أجل وعي جديد بالتراث، المركز الثقافي العربي، بيروت، ط1، 1992.

سعيد يقطين: السرد العربي، مفاهيم وتجليات، رؤية للنشر والتوزيع، القاهرة ط1، 2006.

سعيد يقطين: الكلام والخبر، مقدمة للسرد العربي، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، ط1، 1997.

الشريف الرضي: ديوان الشريف الرضي، ترجمة وتحقيق إحسان عباس، دار صادر، بيروت، ج2.

ضياء الكعبي: السرد العربي القديم، الأنساق الثقافية وإشكاليات التأويل، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت ط1، 2005.

طه عبد الرحمن: تجديد المنهج في تقويم التراث، المركز الثقافي العربي، المغرب، ط4، 2012.

عبد السلام المسدي: قاموس اللسانيات مع مقدمة علم المصطلح، الدار العربية للكتاب، تونس.1984.

عبد السلام محمد هارون: قطوف أدبية، دراسات نقدية في التراث العربي حول تحقيق التراث، مكتبة السنة، القاهرة، ط1، 1988.

عبد الملك مرتاض: تحليل الخطاب السردي، معالجة تفكيكية سيميائية مركبة لرواية زقاق المدق، ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر، 1995.

عبد الملك مرتاض: في نظرية الرواية– بحث في تقنيات السرد-، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت 1998.

محمد رجب النجار: التراث القصصي في الأدب العربي-مقارنة سوسيو سردية-، ذات السلاسل، الكويت، ط1، 1995.

محمد الناصر العجيمي: في الخطاب السردي، الدار العربية للكتاب، تونس، 1993.

منير جمعة: تراث معاني القرآن في العربية، الجزء الثاني، دراسة صوتية، بلنسية للنشر والتوزيع، القاهرة، مصر، ط1، 2006.

ابن فارس: مقاييس اللغة، مادة (و.ر.ث)، دار الفكر، 1979، مج6.

ابن منظور: لسان العرب، مادة (و.ر.ث)، دار صادر، بيروت، مج 2.

لطيف زيتوني: معجم مصطلحات نقد الرواية، دار النهار للنشر، بيروت، ط1، 2002.

فريدريك معتوق: إشكالية التراث، مجلة الموقف الأدبي، اتحاد الكتاب العرب، سوريا، 2007، ع 429، سنة 35.

محمد فليح الجبوري: الاتجاه السيميائي في نقد السرد العربي الحديث، منشورات ضفاف، الرباط، ط1،2013.

يوسف وغليسي: السردية والسرديات، قراءة اصطلاحية، مجلة السرديات، ع1، جانفي 2000.

@pour_citer_ce_document

زهيرة بارش, «التراث السردي العربي في المنظور الحداثي: قراءة في كتاب « قال الراوي البنيات الحكائية في السيرة الشعبية» لسعيد يقطين»

[En ligne] ,[#G_TITLE:#langue] ,[#G_TITLE:#langue]
Papier : ص ص 124-138,
Date Publication Sur Papier : 2023-06-26,
Date Pulication Electronique : 2023-06-26,
mis a jour le : 26/06/2023,
URL : https://revues.univ-setif2.dz:443/revue/index.php?id=9355.