المدرسة الجزائرية وتنمية قيم المواطنة لدى التلاميذ Algerian school and the development of the values of citizenship among pupils
Plan du site au format XML


Archive: revues des lettres et sciences sociales


N°01 Avril 2004


N°02 Mai 2005


N°03 Novembre 2005


N°04 Juin 2006


N°05 Juin 2007


N°06 Janvier 2008


N°07 Juin 2008


N°08 Mai 2009


N°09 Octobre 2009


N°10 Décembre 2009


N°11 Juin 2010


N°12 Juillet 2010


N°13 Janvier 2011


N°14 Juin 2011


N°15 Juillet 2012


N°16 Décembre 2012


N°17 Septembre 2013


Revue des Lettres et Sciences Sociales


N°18 Juin 2014


N°19 Décembre 2014


N°20 Juin 2015


N°21 Décembre 2015


N°22 Juin 2016


N° 23 Décembre 2016


N° 24 Juin 2017


N° 25 Décembre 2017


N°26 Vol 15- 2018


N°27 Vol 15- 2018


N°28 Vol 15- 2018


N°01 Vol 16- 2019


N°02 Vol 16- 2019


N°03 Vol 16- 2019


N°04 Vol 16- 2019


N°01 VOL 17-2020


N:02 vol 17-2020


N:03 vol 17-2020


N°01 vol 18-2021


N°02 vol 18-2021


N°01 vol 19-2022


N°02 vol 19-2022


N°01 vol 20-2023


N°02 vol 20-2023


A propos

avancée

Archive PDF

N°01 Vol 16- 2019

المدرسة الجزائرية وتنمية قيم المواطنة لدى التلاميذ

Algerian school and the development of the values of citizenship among pupils
08-25
تاريخ الارسال: 10/04/2018 تاريخ القبول: 24/03/2019

العيد هداج
  • resume:Ar
  • resume
  • Abstract
  • Auteurs
  • TEXTE INTEGRAL
  • Bibliographie

تهدف هذه الدراسة للكشف عن  مدى مساهمة المدرسة الجزائرية في تنمية قيم المواطنة لدى متمدرسيها، باعتبارها أهم المؤسسات الاجتماعية المنوط بها تدعيم هذه القيم وإعداد مواطني المستقبل، وكذلك معرفة أهم الآليات التي تتبناها المدرسة للقيام بهذا الدور، حيث قمنا بتعريف أهم المفاهيم الأساسية، ثم بينّا دور التربية على المواطنة في تنشئة الأجيال، وأهمية المناهج الدراسية في تنمية قيم المواطنة، ثم قمنا بعرض بعض النماذج العالمية للتربية على المواطنة في مرحلة التعليم الثانوي ومقارنة تجاربها بالواقع الجزائري، وقد توصلنا في الأخير إلى بعض الاقتراحات والإجراءات التي يمكن أن تساهم في تنمية هذه القيم لدى التلاميذ.

الكلمات المفاتيح: المدرسة، المناهج الدراسية، التلاميذ، المواطنة، القيم

Cette étude a pour objectif de montrer dans quelle mesure l’école algérienne contribue au développement des valeurs de citoyenneté chez les apprenants. Étant l’institution sociale la plus impliquée dans l’instauration de ces valeurs et où sont préparés les futurs citoyens, nous examinons les mécanismes essentiel lui permettant jouer son rôle à travers un certain nombre concepts relatifs à la question de la citoyenneté.  Pour expliquer, par la suite, le rôle que joue la stratégie adoptée par la tutelle dans l’institution de la citoyenneté chez les apprenants et montrer l’importance des méthodes de recherche du développement de ces valeurs pour atteindre cet objectif. Notre étude sera étayée par des exemples internationaux de l’éducation à la citoyenneté au cycle du secondaire en comparaison avec le milieu scolaire algérien. Nous achevons ce travail par la présentation de quelques recommandations ainsi que les mesures à prendre pouvant contribuer au développement des valeurs de citoyenneté chez ces apprenants.

Mots-clés : L’école, Les élèves, Curriculums, Citoyenneté, Valeurs

This study aims at revealing the extent to which the Algerian school contributes to the development of the values ​​of citizenship among young people. The study also seeks to highlight the most important mechanisms adopted by the Algerian school to strengthen the values ​​of citizenship. The paper first defines the most important key-terms used in this investigation. Then, it explains the role of education and educational subjects in developing the values ​​of citizenship. The paper also compares between some global models, which explore the role of education in shaping citizenship in secondary school and the Algerian experience. Finally, the paper provides some suggestions and actions that can contribute to the development of the values ​​of citizenship among young people.

Keywords: School, Educational Subjects, Students, Citizenship, Values

Quelques mots à propos de :  العيد هداج

جامعة محمد لمين دباغينسطيف2Laidsetif2013@gmail.com

مقدمــة

 تواجه التربية اليوم في كثير من المجتمعات العديد من التحديات، لعل أخطرها ما يعرف بظاهرة العولمة والتي تحمل في مضامينها تهديدا كبيرا لمعظم المجتمعات الانسانية، بخلقها لعالم جديد بلا حدود سياسية ولا ثقافية يتم فيه انتقال الأفكار والقرارات والتشريعات السياسية عبر المجتمعات والدول دون أي قيود أو ضوابط، بحيث يصبح العالم الجديد يتركز أساسا في العالم السياسي الواحد وليس في عالم من الدول المغلقة جغرافيا وسياسيا. حيث استأصل الفرد مع العولمة من بيئته التي يعيش فيها، عن طريق خلقها لمرجعيات جديدة مختلفة عن المرجعيات السابقة المرتبطة بفكرة الذات والوطن والانتماء، فأصبح هذا الفرد مرتبطا بفكرة الإنسان العالمي، من أجل تشكيل مجتمع معولم (كوني) تسوده ثقافة تحوي قيما وأخلاقا ومعايير معولمة تسهل التواصل والتقارب بين جميع البشر، وتتجاهل كل الحدود والاختلافات الثقافية والدينية والعقائدية بينهم.

فسادت ثقافة الانترنيت وانتشر التواصل الاجتماعي بين الأفراد في مختلف المجتمعات بغض النظر عن الجنس، أو اللون ،أو العرق، أو الدين مما يسر تبادل الأفكار والمعتقدات ومهد الطريق إلى إحداث تغيير في معظم المجتمعات سواء كانت متقدمة أو نامية، فاهتزت معها دعائم الدولة القومية وخاصة مع تنامي النزعات العرقية والقومية، وكذلك التكلات السياسية والاقليمية بالاضافة إلى النمو المتسارع للمجتمع المدني العالمي بتجلياته المختلفة، والذي أخذ يعيد إلى الأذهان فكرة المواطنة العالميةبفكرها العولمي الذي يتطلب السلام والتسامح واالتعايش واحترام ثقافات الأخرىن، فالمواطنة اليوم  لا تعني ذلك الشخص الذي ينتمي إلى وطن  يحبه، ويخدمه، ويذود عنه، ويحميه  ويصون المرافق العامة، ويحرص على المصلحة الوطنية،  أي ذلك الشخص الذي يتمتع بحقوق ويلتزم بواجبات يمارسها في رقعة جغرافية معينة لها حدود محدودة تعرف بالدولة القومية الحديثة.

وقد انتاب القلق بعض المجتمعات الحديثة من هذا التغير السريع، لذلك زاد اهتمامها بالتربية على المواطنة، وزاد معها أيضا الاهتمام بالمدرسة كأهم مؤسسة للتنشئة الاجتماعية تتولى تربية النشء على قيم المواطنة، فدورها لا يقتصر على إكساب المهارات التقنية والقدرات العقلية فقط، وإنما لها دور محوري في بناء وترسيخ منظومة متكاملة من القيم وأنماط التفكير. وأخذ هذا الأمر يستحوذ على عناية المفكرين والعاملين في الحقل التربوي، وخاصة في بداية العقد الأول من القرن الحادي والعشرين الذي اتسم باختلاف القيم وقواعد السلوك وتنامي العنف وتفكك العلاقات وتشابك المصالح، لهذا أصبح من الضروري العمل على مواجهة تلك التحديات والتهديدات التي تزعزع مظاهر المواطنة وقيم الانتماء والولاء للوطن، وتضعف الروابط الاجتماعية بين أفراد المجتمع الواحد وتخترق منظومة القيم والمعتقدات الأصلية للمجتمع.

فالمدرسة اليوم لها كثير من المبررات التي تجعلها تنفرد عن غيرها بالمسؤولية الكبيرة في تربية المواطنة وتنميتها لدى المتمدرسين، فهي ذات دور فعال في التأثير على تكوين الفرد  معرفيا ونفسيا واجتماعيا، عن طريق الوسائل المختلفة التي تستخدمها  لهذا الغرض، فكلما كانت الأهداف التربوية واضحة وسليمة   زادت فاعلية المؤثرات التي تشكل نمو شخصية الطالب بصفة عامة وتوافقه بصفة خاصة، وأكثر ما يميزها عن الأسرة  هو أن الطفل عندما يذهب إلى المدرسة يبدأ في الاهتمام بالنظم الرسمية للتنشئة في المدرسة وقد يصبح اهتمام الطفل بالأنشطة الرسمية أكثر اتصالا وتفاعلا مع النظم الاجتماعية التي تتمايز فيها الأدوار أكثر منها في الأسرة، حيث ينشأ التلاميذ على احترام النظام ، والتعليمات، ويتم تعريفهم بحقوقهم وواجباتهم والمسؤولية الاجتماعية، وكذا المشاركة في الشؤون المدنية، وتقبل نظم المجتمع وقيمه. فالمدرسة هي التنظيم الاجتماعي الضروري لأي مجتمع، وذلك لأن وجود المجتمع واستمراره يعتمد على نقل تراثه الاجتماعي الثقافي بكل مكوناته بين الأجيال.

 وسنتناول في هذه المقال مفهوم كل من المواطنة والقيم والمدرسة، كما سنتعرف على أهم قيم المواطنة، ثم نقوم بتعريف التربية على المواطنة وأهميتها وأهدافها، وتحاول الدراسة أيضا الوقوف على تاريخ التربية على المواطنة في الجزائر وطرح نماذج مختلفة لتجارب بعض الدول العربية والأجنبية في التربية على المواطنة، وسنحاول استنتاج بعض الاقتراحات والإجراءات التي يمكن أن تساهم في تنمية قيم المواطنة لدى المتمدرسين في مرحلة التعليم الثانوي.  

1.                      مفهوم المدرسة

أ-لغة

المدرسة في اللغة العربية مشتقة من الفعل الثلاثي درس يدرس " ودرس الشيء بمعنى طحنه وجزّأه، وسهّل ويسّر تعلمه على أجزاء، فيقال درس الكتاب، يدرسه دراسة بمعنى قرأه وأقبل عليه ليحفظه ويفهمه، والمدرسة مكان الدرس والتعلم ويقال هو من مدرسة فلان: أي على رأيه ومذهبه."1

ب – اصطلاحا

تجد الإشارة إلى تعدد التعريفات بتعدد المذاهب الفكرية والمشارب الإيديولوجية التي عرّفت المدرسة غير أننا سنركز على أهم التعريفات التي تخدم هذا الغرض ومنها: أنّ المدرسة  عُرفت سوسيولوجيا بأنها " مؤسسة اجتماعية أنشأها المجتمع عن قصد، لتتولى تنشئة الأجيال الجديدة بما يجعلهم أعضاء صالحين في المجتمع الذي تعدهم له، كما تعمل على تنمية شخصية الأفراد تنمية متكاملة ليصبحوا أعضاء إيجابيين في المجتمع " 2، والمدرسة هي " المكان  أو المؤسسة المخصصة للتعليم، وتنهض بدور تربوي لا يقل خطورة عن دورها التعليمي، إنها أداة تواصل نشطة تصل الماضي بالحاضر المستقبل، فهي التي  تنقل للأجيال الجديدة تجارب ومعارف الآخرين والمعايير والقيم التي تبنّوها، وكذا مختلف الاختيارات التي ركزوا وحافظوا عليها، بل وأقاموا عليها مجتمعهم الحالي "3. نلاحظ أن صاحبا التعريفين عرفوا المدرسة من ناحية الغايات والأهداف التي أنشأت من أجلها دون الخوض في العمليات التي تقوم بها هذه المدرسة والطرق المستعملة في التربية والتعليم.

ومنه يمكن أن نعرف المدرسة إجرائيا كما يلي:

ج -إجرائيا

المدرسة هي مؤسسة اجتماعية أنشأها المجتمع بهدف ترسيخ مجموعة من القيم الإنسانية والأخلاقية بالأساس، من خلال برامجها ومناهجها التربوية والتعليمية وفق فلسفة المجتمع التربوية وسياسته التعليمية، وترجمتها إلى واقع يتجسد في سلوكات الأفراد الاجتماعية بما يحفظ التراث الثقافي لهذا المجتمع ويضمن له تواصل الأجيال وترابطها. 

2.                      تعريف القيم

أ-لغة

القيمة لغة جاءت من المصدر قوم وقام، ونقول: قام المتاع أو الشيء الثمين ذو الأهمية والفعل أو الشيء الذي يثمن بقدر"4. فالقيم هو السيد سائس الأمور، وفي الحديث ''أتاني ملك وقال:أنت قيم وخلفك قيم ومن يتولى المهجور عليهم'' وأمر قيم أي مستقيم، وكتاب قيم أي نفيس ذو قيمة، والقيمة هي المستقيمة، قال تعالى ((يتلو صحفا مطهرة فيها كتبا قيمة)) والأمة القيمة هي المعتدلة، قال تعالى ((وذلك دين القيمة)) أي عادلة مستقيمة ليس فيها خطأ "5

ومنه فن المعنى اللغوي للقيمة يدور حول الاستقامة والعدالة والثبات والدوام، ومن ثم فالقيمة في اللغة العربية لها معنى إيجابي يعكس مدى أهميتها في حياة الفرد والمجتمع معا.

ب-اصطلاحا

إن مصطلح القيمة هو من أكثر مصطلحات العلوم الاجتماعية غموضا وتعقيدا، ويعود هذا التعقيد إلى كون المصطلح مرتبطا من جهة بالتراث الفلسفي الذي جعله يختلط مع مصطلحات أخرى كالحق، والجمال والأخلاق وغيرها، ومن جهة أخرى يعدّ نقطة تقاطع بين العلوم والمعارف بل ونجده في كل مجالات الحياة الفردية والاجتماعية، حيث عرفها ويرد بارك  wirdpark  وبيرجس perdjes  بأنها " الشيء الذي يحظى بالتقدير والرغبة"6،  أما دوركايم  Dorkeim فيعرفها بأنها مثلها مثل كافة الطواهر الاجتماعية مجتمعية الصنع، بمعنى أن لها قوة الإلزام رغم أنها مرغوب فيها "7، في حين يرى كلاكهون  Klakhon  " أنها مفهوم واضح أو ضمني خاص بالفرد أو الجماعة بالمرغوب فيه يؤثر على الاختيار من بين نماذج من الأفعال والوسائل أو الغايات"8، نلاحظ من هذا التعريف أن كلاكهون يخلط في  تعريفه للقيم بين المعايير والقيم، بينما يعرفها روز Rozz وصراحة بأنها" اتجاه يقصد بواسطته الفرد أو الجماعة نحو موضوع مادي أو  غير مادي حقيقي أو خيالي يمثل هذا الشيء قدر على أنه يستحق الاختيار، ولهذا فإنه في علاقته بالذين يتمسكون به يكون للقيمة صفة الأمر أو الواجب"9، ومنهم من حاول ربط القيم بالحاجات والرغبات وإرضائهما حيث عرفه روسك Rossek وواران Waren "القيم هي القدرة على إرضاء رغبة إنسانية متصلة بأي موضوع أو فكرة أو محتوى تجربة"10، والقيم كما أشار إليها بارسونز ماهي إلا عنصر في نسق رمزي مقبول في المجتمع يؤدي وظيفته باعتباره معيارا أو قاعدة للاختيار بين بدائل التوجيه التي توجد في الموقف"11، بينما يعرفها ماكس فيبر Max Weber بأنها "عبارة عن الموجهات التي تفرض نمط السلوك وشكله، وتتضمن هذه القيم بعض الأوامر التي تحكم السلوك الإنساني بطريقة ضاغطة، أو قد تضع هذه القيم بعض المطالب التي قد يضطر الإنسان إلى السعي لتحقيقها"12.

فمن خلال ما تم تقديمه لاحظنا أن تعاريف القيم تعددا في الأدبيات الاجتماعية والنفسية فالبعض يخلط بين القيمة كمفهوم والقيمة كعملية، كذلك أخلط البعض الأخر بين القيمة وبعض المفاهيم الأخرى المتصلة بها ك: المعيار، والاتجاه، والرغبة فالقيم لها دور هام في الحياة الاجتماعية لأن أغلب العلاقات الإنسانية لا تستند فقط إلى وقائع وضعية أو موضوعية وإنما إلى أحكام وقيم.

ج -إجرائيا

وتأسيسا على كل هذا فإن التعريف الإجرائي الذي ينطلق منه مقالنا هذا للقيم هو أنّها مجموعة المبادئ والمقاييس والمعايير والمؤشرات التي توجه رغباتنا واتجاهاتنا ومعتقداتنا، والتي تتكون لدينا من خلال تفاعلنا مع المواقف والخبرات الفردية والاجتماعية، بحيث تمكننا من اختيار أهداف وتوجيهات لحياتنا، ويشترط أن تنال هذه القيم قبول من جماعة اجتماعية معينة.

3.                      تعريف المواطنة

أ-المواطنة في اللغة

كلمة دخلت إلى اللغة العربية في بداية القرن العشرين وهي ترجمة للمصطلح Citizenship، وحسبما جاء في كتاب لسان العرب لابن منظور " الوطن هو المنزل الذي تقيم فيه، وهو موطن الإنسان ومحله...ووطن بالمكان وأوطن أقام، وأوطنه اتخذه وطنا، والموطن..و يسمى به المشهد من مشاهد الحرب وجمعه مواطن، وفي التنزيل العزيز (( لقد نصركم الله في مواطن كثيرة ))...، والمواطن الذي نشأ في وطن ما أو أقام فيه، وأوطن الأرض وواطنتها واستوطنتها أي اتخذتها وطنا، وتوطين النفس على الشيء كالتمهيد."13 فإن محصلة الدلالة اللغوية في اللغة العربية تشير إلى التشارك في الوطن والعيش في مكان واحد، وهي دلالة صحيحة ولكنها غير كاملة مقارنة لما يحمله هذا المفهوم اليوم من مدلولات سياسية وقانونية واجتماعية وعاطفية.. وفي اللغة الأجنبية فإن لفظة Citizen في الإنجليزية ولفظة Citoyen في الفرنسية اشتقتا من الأصل اللاتيني Civitas الذي يشير إلى المواطن الساكن المدينة عند اليونان والرومان قديما، فالمواطنة في هاتين الحضارتين كانت تعني الوضع السياسي والقانوني الذي يتمتع به الفرد اليوناني والرماني، حيث كانت الديمقراطية اليونانية تعني الحكم للأكثرية والحرية هي مبدأ الحياة العامة.

ب-اصطلاحا

المواطنة في أبسط معانيها تشير إلى شعور الفرد بحبه لوطنه والانتماء إليه، وهو شعور وجداني بالارتباط بالأرض والأفراد الساكنين على تلك الأرض، وهذا الارتباط تترجمه مجموعة من القيم الاجتماعية والتراث التاريخي المشترك. ويعرفها أحمد زكي بدوي في معجم مصطلحات العلوم الاجتماعية " المواطنة هي صفة المواطن التي تحدد حقوقه وواجباته الوطنية، ويعرف الفرد حقوقه ويؤدي  واجباته عن طريق التربية الوطنية، وتفترض المواطنة نوعا خاصا من ولاء المواطنين لبلادهم وخدمتها في أوقات السلم والحرب والتعاون مع المواطنين الآخرين في تحقيق الأهداف القومية."14 وهو تعريف اقتصر على شرح العلاقة الموجودة بين المواطن والوطن، فالمواطنة هنا غائية تقوم على النفع المتبادل أي الأخذ مقابل العطاء، وفي السياق نفسه تشير دائرة المعارف البريطانية إلى المواطنة بأنها: علاقة بين فرد ودولة كما يحددها قانون تلك الدولة، وبما تتضمنه تلك العلاقة من واجبات وحقوق في تلك الدولة، وتؤكد دائرة المعارف البريطانية أن المواطنة تدل ضمنيا على مرتبة من الحرية مع ما  يصاحبها من مسؤوليات، وعلى الرغم من أن الجنسية غالبا ما تكون مرادفة للمواطنة، حيث تتضمن علاقة بين فرد ودولة، إلا أنها تعني امتيازات أخرى خاصة، منها الحماية في الخارج، وتختم دائرة المعارف البريطانية مفهومها للمواطنة، بأنها على وجه العموم تصبغ على المواطن حقوقا سياسية، مثل حق الانتخاب وتولي المناصب العامة."15 بينما عرّفها معجم المصطلحات السياسية بشكل فيه بعض التفصيل  بقوله : " والواقع أن وضع المواطنة يضمن للشخص الحماية التي تمنحها له قوانين الدولة وتشريعاتها، ويؤدي المواطن واجبات معينة كدفع الضرائب، والخدمة في صفوف الجيش كما يتمتع ببعض الامتيازات، كحق المشاركة في حكم بلده، وعندما يكون المواطن خارج دولته فإنه يكون تحت رعاية البعثة الدبلوماسية والقنصلية الخاصة بالدولة التي ينتمي إليها. " 16 فالمواطنة وفق هذا التعريف محصورة في الجانب العلائقي فقط ولا وجود للشعور والوجدان الذي يعدّ من أهم مقومات المواطنة فمن خلاله يستطيع المواطن أن يتخلى عن حقوقه مقابل المصلحة العامة، ويضحي حتى بنفسه من أجل وطنه، في حين يحدد بعض الباحثين المواطنة على أنها: القدرة  على ممارسة الحياة المدنية بكل ديمقراطية كحق الانتخاب، القيام بالواجبات، المشاركة  في الحياة السياسية ،و هي صنع القرارات تارة وإعداد الأفراد للمشاركة بفعالية في خدمة المجتمع الديمقراطي تارة أخرى، وذلك بفهم حقوقهم ومعرفة واجباتهم وإدراكهم للنظام التشريعي للوطن الذي يعيشون فيه والتعرف على القضايا الراهنة."17 وعرف سامح فوزي المواطنة من الجانب السياسي والحقوقي فقط بأنّها  " تمتع الشخص بحقوق وواجبات، وممارستها في رقعة جغرافية معينة، لها حدود معينة، تعرف في الوقت الراهن بالدولة القومية الحديثة التي تستند إلى حكم القانون، وفي دولة المواطنة جميع المواطنين متساوين في الحقوق والواجبات لا تمييز بينهم  بسبب الاختلاف في الدين أو النوع أو اللون أو العرق أو الموقع الاجتماعي...إلخ وبالتالي فإن القانون يحقق المساواة داخل المجتمعات، ويفرض النظام ويجعل العلاقات بين البشر متوقعة أي تجري وفق تصور مسبق يعرفه ويرتضه الجميع."18 فالمواطنة لا يمكن اختزلها في الجانب السياسي والحقوقي فقط، بل لها أبعاد شتى.

و بناء على ما تقدم يتبين لنا أن مفهوم المواطنة تضمن تفسيرات مختلفة، وذلك لأنه مفهوم معقد ومتعدد الأبعاد والجوانب، وأنه متعلق بدرجة كبيرة بالفكر السياسي والاجتماعي ، غير أن أكثرها ربط بينها  كمفهوم وحقوق وواجبات أو مسؤوليات والتزامات ،وقد يستخدم المصطلح ليشمل المشاركة السياسية وحقوق الفرد وواجباته، كما يستخدم لتعبير عن القومية والوطنية والجنسية وعلاقة الفرد بالدولة من ناحية، والفرد وبقية أفراد المجتمع من ناحية أخرى، وما لهذه العلاقات من تعقيدات ناتجة عن ربط العناصر المختلفة المكونة للنظاميين السياسي والاجتماعي معا، لهذا فإنه من الصعب تقديم تعريف شامل لهذا المصطلح، غير أننا سنحاول تقديم تعريف إجرائي لبحثنا الحالي.

ج -إجرائيا

المواطنة هي تلك العلاقة القانونية التي تحدد حقوق المواطن وواجباته الوطنية، حيث تهدف هذه العلاقة إلى تحقيق انتماء المواطن وولائه لموطنه، وتفاعله الايجابي مع المواطنين الآخرين بفعل القدرة على المشاركة العملية، عن طريق العمل المؤسساتي أو الفردي الرسمي أو التطوعي، لتحقيق الأهداف التي يصبو لها الجميع وتوحد من أجلها الجهود وترسم الخطط وتوضع الموازنات، مع الشعور بالإنصاف وارتفاع الروح الوطنية لديه عند خدمته لوطنه في أوقات السلم والحرب.

ثانيا: كرونولوجيا التعليم والتربية على المواطنة في الجزائر

1.                       أثناء الفترة الاستعمارية

كان الاستعمار الفرنسي للجزائر مشروعا سياسيا متكاملا ومدروسا، وكان لزاما على فرنسا لتطبيق هذا المشروع على أرض الواقع والحفاظ على استمرارها في الجزائر القضاء على الشخصية القومية للشعب الجزائري منذ البدايات الأولى لاحتلالها، وذلك عن طريق تصفية الجهاز التعليمي التقليدي، وتأسيس جهاز تعليمي جديد خادم للمصالح الاستعمارية  بدلا عنه،يعمل على ترسيخ قيم الغالب الثقافية والحضارية، على أساس القضاء على اللغة العربية وكذلك الثقافة العربية الإسلامية، حتى تتكون الأجيال الجزائرية الناشئة تكوينا مشوها وممسوخا بعيدا عن الهوية الوطنية، وبذلك يسهل عليها إدماج الجزائريين وقد تطلب ذلك إستراتيجية استعمارية تركز شقها التربوي على محو مقومات الشخصية الوطنية الجزائرية، وبالفعل فقد ظهر في الساحة السياسية بعض الأحزاب التي دعت إلى الاندماج في الدولة الفرنسية رافعة شعار الجزائر فرنسية، وهناك من دعا  إلى المساواة بين المواطنين الجزائريين والمعمرين الفرنسيين، غير أن جمعية العلماء المسلمين وعلى رأسها العلامة الإمام عبد الحميد بن باديس ركزت في نشاطها وعملها على النضال الثقافي من أجل البقاء، منذ مطلع القرن العشرين بدل النضال في الميدان السياسي من أجل المحافظة على الثقافة القومية، واللغة القومية  وبالتالي الحفاظ على الشخصية القومية للشعب الجزائري تحت شعار :

شعب الجزائر مسلم وإلى العروبة ينتسب   ***   من قال حاد عن أصله أو قال مات فقد كذب

فأنشأت تعليما موازيا للتعليم الفرنسي، عرف بالتعليم الحر، وبالتالي تمكنت من صياغة أهداف تربوية نابعة أساسا من مشروع وطني متكامل ابتداء من تحرير الفرد من الانحرافات، وتعريفه بانتمائه الوطني، وبمواطنته لتحرير الوطن من الاستعمار والمساهمة في بنائه في إطار الوحدة العربية الإسلامية والحرية والاستقلال والمحافظة على الشخصية القومية.

ولما كانت الشخصية الوطنية الجزائرية تقوم على الإسلام عقيدة، والعربية لسانا، والاشتراكية منهجا، كان دور التربية هو: تجسيد هذه المبادئ في برامج ومناهج لتكوين الفرد الذي يؤمن بهذه المبادئ ويعمل على تحقيقها. فالعقيدة الإسلامية من أهم مقومات التربية في الجزائر،  وقد كان من الطبيعي أن تتولد عن هذه الحركة التربوية الشعبية نهضة واسعة النطاق في المعارف، والأفكار  كان من نتائجها نمو الوعي القومي عند الجزائريين نموا عظيما مضطردا كما تولد عنها اعتزاز كبير بالشخصية القومية والتراث الثقافي العربي الإسلامي وكانت السياسة التربوية القومية للجزائر بصفة عامة تخوضان معا معركة الحرية والاستقلال والمحافظة على الشخصية القومية للجزائر في وجه المحتل الغاصب، منذ نهاية الحرب العالمية الأولى حتى فجر الاستقلال الوطني في 1962.19

2.                       بعد الاستقلال

 الجزائر منذ استقلالها وإشكالية النظام التعليمي مطروحة، فلقد وجدت نفسها بعد الاستقلال في مواجهة التخلف الاجتماعي والثقافي بكل أشكاله المختلفة من الفقر والحرمان وتفش الأمية والأمراض وغيرها من العقبات الكبرى والتي على رأسها المنظومة التربوية الأجنبية البعيدة عن واقعنا الحضاري والتاريخي من حيث مضامينها وغايتها، وكان لزاما أمام هذه التحديات أن تجسد طموح الشعب في التقدم والتنمية وأن يستعيد مكونات هويته وبعده الثقافي الوطني من خلال منظومة تربوية جزائرية شكلا ومحتوى.

اعتمدت الدولة الجزائرية المستقلة مجموعة من الإصلاحات استلهمت ملامحها من الأصالة الحضارية للأمة ومن مختلف المواثيق الرسمية  بدء من بيان أول نوفمبر 1954 وكل الدساتير منذ 1962 إلى يومنا هذا ،سعت من خلالها إلى تحقيق جملة المطامع والغايات السامية ،و لكنها لم تتسم بالجدية المطلوبة ماعدا أمرية 16 أفريل 1976 المتضمنة تنظيم التربية والتكوين كذلك ديمقراطيته في إتاحة الفرص التعليمية لجمع أبناء الجزائريين دون تمييز، كما نصت هذه الأمرية على أن الإسلام والعروبة والأمازيغية هي المكونات الأساسية لهوية الأمة الجزائرية التي تكرس أصالتها، ويتعين على النظام التعليمي أن يعمل على ترسيخها والنهوض بها لضمان الوحدة الوطنية والمحافظة على الشخصية الجزائرية، كما يتعين عليها وهي تتطلع نحو المستقبل أن تعمل على إحكام التلاحم العضوي بين هذه القيم الأصلية وتوق الأمة إلى التقدم والحداثة.

وقد تبنت وزارة التربية والتعليم في إطار ذلك جملة من الإصلاحات شملت المناهج التربوية وطرق التدريس المتطورة التي تخدم المتعلم وتنمي قدراته وخبرات المربي، "و في هذا السياق يذهب محمد الطيب العلوي إلى أن محاولا ت إصلاح التعليم من 1962 إلى 1982 كانت تحاول في الوقت نفسه المحافظة على المنظومة الفرنســية بمحاسنـــــها ومساوئها، وفي هذا شبه اعتراف بعجزها الواضح عن الاستقلال من النفوذ الفرنسي، أو الخشية من الوقوع في مغامرة تحيد عن ذلك الاتجاه."20

إلا أن الوضع لم يستمر على هذا النهج حيث بدأ التذبذب الحقيقي لمنظومتنا بداية من 1991 عند انتهاج ما يعرف بالتعليم التأهيلي الذي لم يستمر إلّا سنة واحدة أدى إلى إضاعتها من أعمار الشباب، مع العلم أن هذا الإصلاح لم يحظ بالدراسة والاهتمام اللازمين من قبل الباحثين والتربويين، وفي نهاية سبتمبر 1996 تم تنصيب المجلس الأعلى للتربية الذي عُدّ آنذاك جهازا وطنيا لدى رئيس الجمهورية للتشاور والتنسيق والدراسات والتقويم في مجال التربية والتكوين، استجابة لدستور 96 الذي يعدّ بدوره استجابة للتحولات الاجتماعية، والسياسية، والاقتصادية، والثقافية التي  عرفتها الجزائر منذ نهاية الألفية الماضية،  فالديمقراطية المواطنة، حقوق الإنسان، الحريات الفردية والجماعية (التي أصبحت مفاهيم تتجسد تدريجيا في حياتنا اليومية)، وتفتح السوق لعولمة الاقتصاد، وتدويل الإعلام والاتصال لم تعد مجرد شعارات، بل حقائق ملموسة، لذلك فإن نظام التربية مطالب بتزويد الأجيال الصاعدة بالأدوات الفكرية والمهارات والمعارف لضمان الانسجام مع مسيرة المنظومة الاجتماعية والاقتصادية، وباستيعاب التحولات العلمية والتكنولوجية التي تعرف تطورا كبيرا وسريعا، فكان من مهامه الأساسية حسب الوثائق الرسمية اقتراح إستراتيجية تنمية شاملة للمنظومة التربوية التكوينية الوطنية بناء على المقاييس العالمية وقيم الهوية الثقافية للمجتمع الجزائري التّي تهدف إلى التغيير الاجتماعي بتكوين المواطن الواعي المستوعب للحياة المعاصرة، وقد استطاع هذا المجلس بعد عامين من العمل أن يخرج بوثيقة قاعدية لم يتم تبنيها، فلجأت الوصايا فجأة إلى حله سنة 1998.

ثم قامت اللجنة الوطنية لإصلاح المنظومة التربوية والتي عرفت بلجنة (بن زاغو) بإعداد إصلاحات تعدّ جذرية وذلك بتغيير المناهج التعليمية أسلوبا ومضمونا، ولذا، فإن المنظومة التربوية الجزائرية لا يمكنها أن تشذ عن القاعدة، لذلك اتخذت الحكومة إجراءات، وافق عليها البرلمان بغرفتيه في شهر جويلية 2002، ورسمت أهدافا ذات أولوية هي:21

- تعزيز وتنشيط الاختيارات الوطنية للمنظومة التربوية، وذلك بدعم وترسيخ مكتسباتها في مجال الجزأرة، والديمقراطية والتوجّه العلمي والتكنولوجي.

-  تحسين المردود النوعي للمنظومة، تصحيح وتقويم الاختلالات التي تعيق نموها ووجاهة عملها.

- الأخذ في الحسبان التغيرات الطارئة على المستويين الوطني والعالمي في المجال السياسي والاقتصادي والاجتماعي.

- تجذير المنظومة التربوية في الحركة الواسعة للتغيير والتنمية في مجاليّ المعرفة الإنسانية والتكنولوجيات الجديدة للإعلام والاتصال.

و لكنها في الأخير وبالانتقال إلى التنفيذ تأزمت الوضعية التربوية أكثر مما كانت عليه، حيث تحول الإصلاح التربوي من عملية إصلاح عادية شبه روتينية إلى إشكال استعصى حله، وأصبحت الوزارة تصدر القرار ثم سرعان ما تلغيه بقرار آخر  أو تعدله،  وقد تعرضت منذ البداية إلى نقد شديد ووجهت لها كثير من الانتقادات سواء من المختصين أو من المجتمع المدني ورغم الاحتجاجات التي عرفها ويعرفها القطاع طيلة ثلاثة عشر سنة إلا أنّ الوضع بقي على حاله، هذا ما جعل البعض يحكم عليه بأنه إصلاح سياسي أكثر منه إصلاح لمنظومة التربوية. وقد علق على ذلك  أحمد جبار في  مقاله بعنوان ( النظام التربوي في الجزائر، مرآة مجتمع متأزم قيد التحول )  بعد تشخيصه لواقع النظام التعليمي الجزائري قائلا : " نظامنا التربوي في حالة إتلاف، فتصريحات الرضا للسلطة الرسمية لا تخفي الواقع المأساوي الذي يعيشه الأولياء وأبنائهم، نظامنا التربوي ينتج عدد هائل من المقصيين في الشارع بدون تأهيل، وحاملي شهادات عاطلين عن العمل، كل هذه الأمور تستدعي إعادة النظر كلية في منظومتنا التربوية، لذلك وجب تحديث مدرستنا من خلال انفتاحها على العلوم والتكنولوجيا، وكذلك انفتاحها على عالم الشغل بما يتناسب مع حاجات الاقتصاد، ويتوجب جعل المدرسة بيئة لنقل وإنتاج المعرفة بعيدا عن الحسابات السياسية والتوظيف الحزبي والأيديولوجي، فمستقبل أبنائنا يفرض علينا أخذ ملف المدرسة ومسألة التربية بكل عناية واهتمام." 22

وقد أكد ذلك رابح خيدوسي في كتابه المدرسة والإصلاح شهادته عن مئة يوم من أشغال اللجنة الوطنية لإصلاح المنظومة التربوية باعتباره أحد أعضائها بقوله :" تقرير اللجنة الوطنية لإصلاح المنظومة التربوية يحتوي على اقتراحات جيدة من الناحيتين العلمية والتقنية، غير أنه من الناحية الأيديولوجية والحضارية وفي موضوع اللغات والتربية الإسلامية يهدف في العمق إلى إلغاء البعد الحضاري العربي الإسلامي للجزائر ويقطع جذورها بامتدادها  المشرقي دينا ولغة، وهذا ما سعت إليه فرنسا خلال احتلالها للجزائر وتسعى إليه حاليا بعض التيارات."23

ثم تبلورت هذه الغايات في القانون التوجيهي 0804  المؤرخ في 23 جانفي 2008 الذي يعدّ الإطار التشريعي الرامي إلى تجسيد المسعى الشامل للدولة الجزائرية لإصلاح المنظومة التربوية لجعلها تستجيب للتحديات والرهانات التي يواجهها المجتمع  وقد حدد هذا القانون الغايات التي ينبغي على المنظومة التربوية تحقيها وهي : تعزيز دور المدرسة في بلورة الشخصية الجزائرية وتوطيد وحدة الشعب الجزائري – ضمان التكوين على المواطنة – انفتاح  المدرسة على الحضارات والثقافات الأخرى واندماجها في حركة الرقمنة العالمية – إعادة تأكيد مبدأ ديمقراطية التعليم بشكل عام وإلزامية التعليم الأساسي – تثمين وترقية الموارد البشرية.

وبصفة عامة؛ فإن كل الإصلاحات السابقة والحالية التي قامت بها الجزائر تشترك في أنها تتطلع إلى تحسين المردود الداخلي للمدرسة بتقليص التسرب (لا بتسيير المد فحسب، بل بالنوعية الحقيقية للتعليم والتعلم، هذه النوعية التي يرجى أن يحققها الإصلاح الحالي، قد تحققت بفضل عدد من المساعي المنهجية والبيداغوجية، وقد أدى تطبيق إجراءات الإصلاح هذه في مختلف القطاعات الوزارية المعنية إلى خلق فرصة لا تعوض للتكفل الحازم والمنهجي، وفي إطار منسق، بتطبيق سياسة تربوية رشيدة ومستمرة في مجال التغيير، ثم التعديل الدوري للمناهج ومسارات التعليم والتكوين الملائمة، والتي تشرف عليها وزارة التربية الوطنية.

و تبقى تجربة الجزائر في تنمية قيم المواطنة رائدة تحمل في مضامينها غايات نبيلة من شأنها أن تسهم في تنمية قيم المواطنة وتكوين المواطن الصالح، خاصة وأن الوسط المدرسي أصبح يعاني من تفشي ظاهرة العنف بكل أشكاله، ولا مبالاة أخلاقية وعزوف عن التعليم واحتقار للمدرسة ونظامها الداخلي وحتى القوانين، فنحن في حاجة ماسة لمثل هذه الإصلاحات المدرسية والجامعية والمهنية، والمرافقة البيداغوجية للتلاميذ، وغيرها من الأساليب المنتهجة في الوسط المدرسي ،ذلك أن الأساليب المعتمدة  أصبحت مصدر تذمر أغلبية المتعلمين وخاصة الشباب منهم، بل حتى المدرسين أنفسهم والآباء والمهتمين بالتربية والمجتمع بشكل عام،  فالأساليب المعمول بها في مدارسنا قائمة على النقل والتلقين وفي اتجاه واحد، سواء تعلق الأمر بالجهاز التشريعي أو التنفيذي، فالعلاقة الاتصالية القائمة بين أعضاء الجماعة التربوية علاقة عمودية تتجه من الأعلى إلى الأسفل فقط، في شكل قوانين وأوامر أو قرارات تنفيذية تعاقب المخالف لها، وفي هذا شكل من أشكال الاستبداد الإداري  كما هو في المجتمع. كل هذا أدى إلى تكريس ثقافة الاستبداد في الوسط المدرسي، فالمدير يمارس نوعا من أنواع الاستبداد بالوكالة حين يطبق القرارات والتعليمات والتوجيهات إرضاء للمسؤول الأعلى، وكذلك يفعل المعلم أو الأستاذ في قسمه فهو صاحب القرار فيغيب العدل والمساواة بين المتعلمين، وسلطته في ذلك هي النقطة التي يتحكم بها في التلاميذ، والشيء نفسه عن إدارة المؤسسة التي لا تستطيع أن تتحكم في النظام الداخلي بغير قمع وقهر، وفي هذا لا يجد التلاميذ أنفسهم مجبرون على تقبل هذا النظام السلطوي وقيمه دون تردد، ويتكيفون معه دون مقاومة رغم الإهانة التي يتعرضون إليها في بعض الأحيان، لأنه وبكل بساطة أدرك التلاميذ أنهم لا يستطيعون مواصلة الدراسة والنجاح إلا إذا تقبلوا هذه الثقافة التي كرست القيم السلبية في الوسط المدرس  كالقمع، والخضوع،  والكراهية، والأنانية، والعجز، والكذب، والغش، وهذا يتنافي في حد ذاته مع  قيم المواطنة والديمقراطية التي تقوم على الحرية، والمساواة، وقيم التعاون، والمشاركة، والعمل الجماعي، والديمقراطية ،و حرية المبادرة التي تسعى هذه الأنظمة لنشرها.

وقد أوضح تقرير التنافسية العالمية " بأن المدرسة الجزائرية تعرف كثيرا من الاختلالات تحد من تجسيد أهداف المشروع التربوي، خاصة المتعلقة منها ببناء المواطنة وترسيخ قيمها في السلوك اليومي لدى الأفراد، فالبعد التنموي للتربية وتقدم المجتمع مرهون إلى حد كبير ببناء وتكوين المواطن الصالح "*24

وهذا يعني أن الفلسفة التربوية لمجتمعاتنا العربية والمغاربية لم تستطع بعد إنتاج نظام تعليمي قادر على بناء مجتمع مدني حر قادر على التعبير بشكل عقلاني ووعي سياسي، متفتح على الآخر، مشارك بفاعلية، ومسؤول عن آرائه واتجاهاته ومواقفه وعن مشكلات، وحاجات، وإمكانيات، وتطلعات المجتمع الذي يعيش فيه، مساهما بذلك في تثبيت أسس ثقافة المواطنة والحق والواجب والتعدد والاختلاف في الفكر والوجدان والممارسة الاجتماعية. "و قد انعكس هذا الوضع سلبا على الأداء التربوي والثقافي لمجمل مؤسسات وهيئات المجتمع المدني المذكور، فبدل أن تشكل هذه المكونات " مؤسسات تربوية موازية " للنظام التربوي، دعامة لأدواره في مجال التنشئة الاجتماعية والثقافية والسياسية للأطفال والشباب، وتمرينهم الذهني الوجداني والعملي على تمثيل واحترام قيم  المواطنة ومبادئ حقوق الإنسان ، وبدل أن تشكل هذه المؤسسات امتداد للتنشئة الأنفة على الصعيد المجتمعي العام، نجد أن كثير منها ينخرط في مراهنات وحسابات سياسية أو مصلحية... أو صراعات على سلطة أو مواقع أو أدوار... الأمر الذي ينم عن ضيق أفقها الفكري والسياسي والاجتماعي، وعن منافاة بعض أنشطتها وتدخلاتها في أعراف وتقاليد المجتمع المدني الذي يفترض أن يكون دعامة للتنمية والديمقراطية والحداثة. ولنا في ضعف الاهتمام بتربية وتكوين المواطن لدى الأحزاب والنقابات والجمعيات وغيرها خير دليل على ما ذهبنا إليه."25

33-ماهية التربية على المواطنة

أ – تعريفها

يرى دوركايم بأن التربية هي انتقال للثقافة والقيم الاجتماعية من جيل لآخر، أي من الجيل الناضج إلى الجيل الناشئ وهي بذلك عملية شاملة ومستمرة تتولاها مؤسسات متعددة، ويتم توجيهها بأهداف معينة من أجل توجيه الأفراد وفق فلسفة معينة متفق عليها من قبل المجتمع وتوزعت أدوارها على المؤسسات المختلفة.

و التربية على المواطنة أو التربية الوطنية تتكون من شقين إثنين هما التربية والتي تعرف بوجه عام على أنها عملية إعداد الفرد للعيش في مجتمعه في إطار التكيف السليم والتفاعل الإيجابي مع بقية الأفراد الآخرين، من خلال تزويده بالمعارف والخبرات، وإكسابه المهارات السلوكية اللازمة للحياة الاجتماعية الفاعلة والمنتجة، والشق الثاني هو المواطنة والتي تعني كما عرفنها في  التعريف الإجرائي تلك العلاقة القانونية التي تحدد حقوق المواطن وواجباته الوطنية، حيث  تهدف هذه العلاقة إلى تحقيق انتماء المواطن وولائه لموطنه، وتفاعله الايجابي مع المواطنين الآخرين بفعل القدرة على المشاركة العملية، عن طريق العمل المؤسساتي  أو الفردي الرسمي أو التطوعي، لتحقيق الأهداف التي يصبو إليها الجميع وتوحد من أجلها الجهود وترسم الخطط وتوضع الموازنات، مع  الشعور بالإنصاف وارتفاع الروح الوطنية لديه عند خدمته لوطنه في أوقات السلم والحرب.

وإذا دمجنا الكلمتين يصبح معنى التربية الوطنية أو التربية على المواطنة هو تلك العملية التي تسعى إلى غرس مجموعة من القيم والمبادئ والمثل لدى الناشئة لتساعدهم في أن يكونوا مواطنين صالحين، قادرين على المشاركة الفعالة والنشطة في قضايا الوطن ومشكلاته. ونقصد بهذا قيم المواطنة التي أشرنا إليها في هذه الورقة البحثية.

ويعرفها آخرون التربية الوطنية " هي ذلك الجزء من التربية الذي يشعر الفرد بموجبه بالمواطنة من خلال تزويد الفرد بالمعلومات المرتبطة بالقيم والمبادئ والاتجاهات الحسنة، وتربيته ليصبح مواطنا صالحا يتحلى في سلوكه وتصرفاته بالأخلاق الطيبة ويمتلك القدر الكافي من المعرفة لتحمل المسؤولية تجاه وطنه ومجتمعه."26

يرى جون ميللر أن التربية على المواطنة هي التركيز على تنمية قدرات التفكير لدى الشخص، حتى يستطيع أن يتعامل مع الصراعات التي تنشأ في النظام الديمقراطي، واتخاذ القرار بناء على دراسة الحقائق وفحصها مع مختلف القيم الموضوعة في الاعتبار، وأن تربية المواطنة هي تعلم الطلاب كيف يتصرفون إزاء صراعات القيم الخاصة بالمواطنة مثل كرامة الفرد، والتفكير التأملي والتعددية والتفكير بأسلوب عقلاني. حيث نلاحظ من خلال هذا التعريف أن جون ميللر قد أضاف بعدين أساسين في تعريف التربية على المواطنة وهما: وعي  المواطن بدوره في المجتمع، أما البعد الثاني فهو: المجتمع الديمقراطي الذي يقوم على مبدأ الحريات الفردية، والمشاركة السياسية، ومبدأ التداول على السلطة، وكلها يقرره المواطنون وليس السلطة، فإذا كانت غاية التربية العامة هي إعداد الإنسان للتكيف مع الآخرين ومع بيئته اجتماعيا،  فإن غاية التربية الوطنية هي إنتاج مواطنين  يشاركون في تنمية أوطانهم عن وعي وتفكير، وليس عن طريق الخنوع والتبعية أو ما يعرف بالإمعة.

ب-أنواعها

اتفق كثير من المنظرين والفلاسفة على أن المواطنة تشتمل أربع قيم محورية هي:

- قيمة المساواة :  والمساواة كمقوم رئيس للمواطنة تعني " أنه لا مجال للتميز بين المواطنين على أساس الجنس أو اللون أو الأصل العرقي أو المعتقد الديني، أو القناعات الفكرية، أو الانتماء والنشاط السياسي والنقابي والجمعوي "27، والتي تنعكس في العديد من الحقوق مثل حق التربية، والتعليم، والتكوين، والعمل، والجنسية،  والمعاملة المتساوية أمام القانون والقضاء  فالمواطنة  لا  تتحقق  إلا من خلال المساواة بين جميع المواطنين، فقد دل الواقع الاجتماعي أن " عدم احترام مبدأ المساواة يؤدي إلى تهديد الاستقرار، لأن كل من يشعر بالحيف أو الحرمان دون حق مما يتاح لغيره ، وتنغلق في وجهه أبواب الإنصاف يصبح متمردا على قيم المواطنة، ويكون بمثابة قنبلة موقوتة قابلة للانفجار بشكل من الأشكال"28، "و لحماية قيمة المساواة بين جميع المواطنين  داخل الوطن الواحد  والذي تتناقض فيه المصالح والأهداف  بين أفراده، لا بد لهذا الوطن أو المجتمع أن يوفر ضمانات قانونية وجهازا قضائيا مستقلا وعادلا يتم اللجوء إليه عندما تتعرض حقوق الأفراد للانتهاك أو المساس "29.

- قيمة الحرية: لا يكفي ضمان المساواة بين جميع المواطنين فقط، بل يجب أن تسود قيمة الحرية والتي تنعكس في العديد من الحقوق، مثل حرية الاعتقاد وممارسة الشعائر الدينية، وحرية التنقل داخل الوطن، وحق الحديث والمناقشة بحرية مع الآخرين حول مشكلات المجتمع ومستقبله، وحرية التأييد أو الاحتجاج على قضية أو موقف أو سياسة.

– قيمة المشاركة : والمشاركة في الحياة الاجتماعية العامة تعني ولوج جميع المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية والتي يجب أن تتاح أمام جميع المواطنين دون تميز،  كالتصويت في الانتخابات العامة بكافة أشكالها، والتأسيس أو الاشتراك في الأحزاب السياسية أو الجمعيات أو أي تنظيمات أخرى تعمل لخدمة المجتمع أو لخدمة بعض أفراده، والترشيح في الانتخابات العامة بكافة أشكالها، وحق تولي المناصب العامة وولوج مواقع القرار  " والمشاركة تختلف عن الاشتراك الذي ينطوي على مفهوم المنح من سلطة عليا تحكم بأمرها، لرعايا تابعين خاضعين لنفوذها، لأن الاشتراك بهذا المعنى يتناقض مع مفهوم المواطنة ويتعارض مع مقوماتها ،" 30 لأن المشاركة في الحياة الاجتماعية العامة لن تتأتى إلا في ظل حرية الفكر والتعبير، وحرية الانتماء والنشاط السياسي والنقابي  والجمعوي، "و يعد العمل التطوعي من أبرز المشاركات المجتمعية لما له من أهمية سواء للمجتمع أو بالنسبة للفرد حيث يمتد إلى مجالات متسعة من التنمية المجتمعية الواسعة"31

– قيمة المسؤولية الاجتماعية: ويقصد بها القيام بالواجبات المترتبة عن كون الإنسان مواطنا يشعر بالانتماء إلى وطن ما "حيث تختلف هذه الواجبات من دولة إلى أخرى باختلاف الفلسفة التي تقوم عليها الدولة، فبعض الدول ترى أن المشاركة السياسية في الانتخابات واجب وطني، والبعض الآخر لا يرى هذا واجب وطني" 32، وهذه الواجبات تتمثل في واجب دفع الضرائب، وتأدية الخدمة العسكرية للوطن، واحترام القانون، واحترام حرية وخصوصية الآخرين. إطاعة للقوانين التي سنتها الحكومة، وإظهارا للولاء والانتماء السياسي للمجتمع، واحتراما لحقوق الآخرين، والمحافظة على الممتلكات العامة وغيرها من الواجبات، وهذه الواجبات يجب أن يقوم بها كل مواطن حسب قدرته وإمكانيته، وعليه الالتزام بها وتأديتها على أكمل وجه وبإخلاص.

ج -أهمية التربية على المواطنة

تكتسي التربية على المواطنة أهميتها من حيث إنها عملية متواصلة لتعميق الحس والشعور بالواجب تجاه المجتمع وتتمثل هذه الأهمية في أنها:

- تدعم وجود الدولة الحديثة، والدستور الوطني.

- تنمّي القيم الديمقراطية، والمعارف المدنية.

- تساهم في الحفاظ على استقرار المجتمع.

4 -أهداف التربية على المواطنة

يتفق الباحثون على أن التربية على المواطنة تهدف إلى تحقيق الجوانب التالية :33

- تنمية معارف المتعلمين حول نظام الحكم ومسؤولياته، والمعطيات السياسية، وأهم المؤسسات في المجتمع.

- تشجيع المتعلمين على التمسك بالقيم الأساسية (الحرية_ المساواة _ حقوق الإنسان _ العمل التطوعي).

- توعية المتعلمين بمعنى المواطنة ومهامها، وحقوق وواجبات المواطن في المجتمع الديمقراطي.

- توعية المتعلمين بأهم قضايا المجتمع ومشكلاته، وتشجيعهم على المشاركة في إيجاد حلول لها.

- تنمية الاتجاهات الإيجابية لدى الأبناء نحو المجتمع ومؤسساته، والتشجيع على المشاركة السياسية.

- تشجيع المتعلمين على ممارسة أدوار اجتماعية معينة في المدرسة، وفي المجتمع بعد ذلك.

- تنمية وعي المتعلمين بالأدوار المستقبلية لمسؤوليات العمل، هو تضمين لمفاهيم الجودة والتقدم الحضاري، والربط بين مفاهيم المواطنة والجودة، تنمية إدارة وقيم العمل، والشعور الوطني، بما يعني معايشة الفرد وتفاعله مع المجتمع في حاضره ومستقبله.

- إكساب الأبناء قيم المواطنة يعد الركيزة الإيجابية والفعالة في التنمية الاجتماعية، والاقتصادية، والسياسية.

أما بالنسبة لأهداف التربية على المواطنة في الجزائر فقد حدد القانون التوجيهي للتربية في مقدمته أهداف التربية على المواطنة، ولا سيما الفصلين I وII من الباب الأول، والفصول II   وIII وIV من الباب الثالث مهام المدرسة في مجال القيم الروحية والمواطنة: 

- الاعتزاز بالشخصية الوطنية وتعزيز الوحدة الوطنية، وذلك بالترقية والحفاظ على القيم المرتبطة بالإسلام والعروبة والأمازيغية.

- التكوين على المواطنة.

- التفتح على الحركة التقدمية العالمية والاندماج فيها.

- التأكيد على مبدأ الديمقراطية.

- ترقية الموارد البشرية وإبراز مكانتها.

- تحضير التلاميذ لمواصلة الدراسات الجامعية، وذلك بتنمية القدرات التي تمكن من اكتساب المعارف وإدماجها، والتركيز على قدرة التحليل والتقويم والحكم.

-  إيصال التلاميذ إلى استقلالية الحكم.

- تعزيز الشعور بالانتماء إلى أمة وحضارة عمرها آلاف السنين.

-  تنمية وتعزيز القيم الروحية الأصيلة للمجتمع الجزائري، الموسومة بالتسامح والعدل واحترام النفس والغير.

-  ترسيخ وتنمية حب العمل، والدقة وحب الإتقان.

- تنمية روح النقد، واحترام البيئة والملكية العمومية والخاصة.

5-التربية على المواطنة والمناهج الدراسية

 تعد المناهج الدراسية إحدى الوسائل والأدوات الرئيسية التي تستخدمها المدرسة في غرس القيم الوطنية في أذهان النشء والأجيال،  فهي التي تزود التلاميذ بالمعارف، والمهارات، والقيم، والاتجاهات الايجابية التي تؤدي للاندماج في النسق القيمي للمجتمع، وبالتالي المشاركة الإيجابية في كل مجالات الحياة الاجتماعية، بما يحقق صالح الوطن والمواطنين، ويحقق الازدهار والتقدم للجميع، والمنهاج الدراسي كما عرفته اللجنة الوطنية للمناهج " يدل على كل التجارب التعلمية المنظمة، وكافة التأثيرات التي يمكن أن يتعرض لها التلميذ تحت مسؤولية المدرسة خلال فترة تكوينه. ويشمل هذا المفهوم نشاطات التعلم التي يشارك فيها التلميذ، والطرائق والوسائل المستعملة، وكذا كيفيات التقويم المعتمدة. ولم يعد الاهتمام منصبا على المعرفة، بل على التنمية الشاملة للتلميذ. فالتفتح المعرفي وتنمية الجوانب النفس حركية والاجتماعية للتلميذ يُتكفل بها من خلال تجارب الحياة التي يتعرض لها تحت مسؤولية المؤسسة التربوية، حيث تتكفل فرق المربين بتوجيه مسيرته في إطار ديناميكي لتكوينه، وبناء شخصيته وكفاءاته.34 وتحتل المناهج المدرسية موقعا هاما في عملية التطبيع الاجتماعي، حيث إن فاعلية التطبيع داخل المدرسة مرهونة بجودة المناهج الدراسية وقدرتها على إشباع ميول التلاميذ وحاجاتهم وتجاوبهم مع مشكلات المجتمع وخصائصه، ومن ناحية أخرى فإن لكل مادة دراسية طبيعتها التي تساعدها في عملية تطبيع التلميذ اجتماعيا في ضوء الإطار الاجتماعي السائد."35

وحتى تتحقق أهداف التربية على المواطنة السالفة الذكر بالشكل السليم، لا بدّ علينا أن نراعى الاعتبارات التالية عند تصميم المناهج التربوية:

– أن تشمل المناهج الدراسية ثلاث عناصر أساسية هي المعرفة المدنية والقيم والاتجاهات، ومهارات المشاركة المجتمعية الفاعلة.

– التأكيد على المنظومة القيمية المجتمعية التي تحقق المواطنة الصالحة والانتماء للوطن وتصون الوحدة الوطنية وتهيئ للفر د درجة عالية من التوافق مع مجتمعه.

– الاهتمام بالثقافة السياسية بما ينمى لدى النشء مهارات التعامل الواعي مع قضايا المجتمع.

– التأكيد على الثقافة القانونية والتي تشمل الواجبات والحقوق للمواطنين، وبعض القوانين والنظم الدستورية المنظمة للحياة المدنية للمجتمع.

– تنمية قيم ومهارات الديمقراطية ونصوص الدستور والقانون والمواثيق الدولية.

– إعداد المتعلم للممارسة الحياتية المستقبلية للمواطنة الصالحة عن طريق التطبيقات العملية والأنشطة التعليمية الصفية واللا صفية.

- تكوين قيم ومهارات العمل المنتج وأهميته في تعزيز الاقتصاد الوطني.

– تنوع طرق وأساليب تدريس موضوعات المواطنة بصورة مشوقة ومبتكرة.

ثالثا: نماذج لتجارب أجنبية وعربية لتعزيز أهداف تربية المواطنة في المناهج الدراسية  

سنكتفي في هذا العنصر بتقديم نموذجين من الأنظمة العربية الإسلامية، ونموذجين من الغرب وذلك لاعتبارات عدة نذكرها كما يلي:

1 -  نموذجان عن الأنظمة الأجنبية

أما النموذجان الغربيان فهما: اليابان لأنها من الدول المتقدمة من جهة وثقافتها تختلف تماما عن ثقافتنا المحلية، ومن جهة أخرى لأن اليابان كانت من أكبر الخاسرين في الحرب العالمية الثانية، وهذا بفعل انضمام الولايات المتحدة الأمريكية لهذه الحرب وهي التي أوقفت عجلت تقدم القاطرة اليابانية بفعل القنبلة النووية، لذا ارتأينا احداث المقارنة بينهما للاستفادة من تجاربهما معا.

أ-الولايات المتحدة الأمريكية: المجتمع الأمريكي خليط من المهاجرين الذين قدموا من أنحاء مختلفة من العالم، مما يتطلب من النظام السياسي محاولة دمجهم في الحياة الجديدة أو إعادة التشكيل الأيديولوجي لهم لتدعيم الاستقلال السياسي وتثبيت الحكم الديمقراطي من خلال النظام التربوي. ونظرا لأن الولايات المتحدة دولة اتحادية مكونة من خمسين ولاية لكل منها نظام تعليمي مستقل، فإنه يصعب التعميم بالنسبة لبرامج ومناهج التربية الوطنية حيث تختلف كل ولاية عن الأخرى، إلا أن هذه البرامج تحظى بالاهتمام والعناية من قبل السلطات التربوية في كل الولايات بصور وأشكال مختلفة، فغالبية الولايات تكتفي بالمواد الاجتماعية أو القومية "التاريخ، الجغرافيا"، وبعض الولايات تضع منهجا مستقلا، وبعضها الآخر يضعها كمادة إجبارية، كولاية ميرلاند

       وتمتد برامج تربية المواطنة ضمن المناهج الدراسية التالية:

* الدراسات الاجتماعية: تعد التربية الوطنية هدفا رئيسا للدراسات الاجتماعية، حيث يعد التاريخ مادة إجبارية في جميع الولايات وجميع المدارس، ويركز على: "التاريخ الأمريكي، الدستور، الأبنية السياسية، نظام الحكم، القيم الديمقراطية". أما الجغرافيا فينصب تدريسها على جغرافية كل ولاية مع اهتمام قليل في الآونة الأخيرة بتدريس جغرافية العالم من خلال تقسيمه إلى مناطق متماثلة.

* التربية الوطنية: تدرس بعض الولايات منهجا مستقلا للتربية الوطنية يركز على: "الحقوق والواجبات، المسؤولية والقانون دور المواطن في البناء والإنتاج وغيره"، وبدأ في السنوات الأخيرة الاهتمام ببعض القضايا التي تواجه المجتمع الأمريكي، مثل: "الجريمة، التلوث، الفقر، المخدرات، الهجرة" وبعض القضايا العالمية، مثل: "الصراعات العالمية والسلام، المشكلات البيئية التكنولوجيا، الطاقة وحقوق الإنسان"، وتدمج هذه الموضوعات في الدراسات الاجتماعية والمواد الأخرى إذا لم يكن هناك منهج مستقل في الولاية.

- أشكال تربية المواطنة في الولايات المتحدة مع نماذج منهـا36 :

 *الأسلوب التقليدي: يعد هذا الأسلوب من أقدم أساليب تعليم المواطنة في الولايات المتحدة، ويهدف إلى تعليم الطلاب قدراً محدوداً من الأنشطة السياسية، مثل التصويت في الانتخابات.

*الأسلوب التقنـي: يقدم هذا الأسلوب سلسلة من الأنشطة التي غالباً ما تكون عن طريق إعطاء الطلاب أسئلة للتكملة على استمارة معينة، ويعطي الطلاب بعض الأنشطة الإضافية التي تجمع بين خبرتهم واهتماماتهم ومحتوى المنهج.

*الأسلوب (البنائي) "التجريبي": يشجع هذا الأسلوب الطلاب على ممارسة اهتماماتهم من خلال منهج وأنشطة معدة بشكل متكامل تتماشى مع خبراتهم، وتجعلهم يبحثون على نطاق واسع في المجالات السياسية.

ب-اليـابان:

       يعد النظام التعليمي أحد المقومات السياسية للنهضة اليابانية المعاصرة، حيث تم توجيهه سياسيا لتدعيم الولاء الوطني للنظام السياسي، وترسيخ القيم الجماعية وتغذية الأفراد بالمعتقدات التي تعلي من شأن الانتماء القومي، وتحث على التضحية بالمنفعة الشخصية في مقابل الصالح العام،  ورغم ما يتميز به المجتمع الياباني المعاصر من وجود اتجاهات يمينية تدعو لمزيد من الجماعية وأخرى يسارية تؤكد على الفردية، وجماعات ليبرالية واشتراكية وشيوعية، إلا أن هذه الاتجاهات والجماعات ليس لها تأثير على البرنامج الرسمي للتنشئة السياسية من خلال النظام التعليمي.

وتضع وزارة التربية اليابانية عددا من الأهداف التي تسعى لتحقيقها من خلال موضوعات التربية الوطنية، أهمها:

- احترام الذات، والآخرين، والإنسانية كافة.

- فهم الشعوب والثقافات المختلفة.

- تنمية استعداد الطلاب على تحمل المسؤولية تجاه أنفسهم، ومجتمعهم.

- زيادة الوعي بالمشكلات والقضايا المحلية والعالمية.

- تكوين الاتجاهات الخاصة بعملية السلام والتفاهم الدولي.

هذا ولا تضع وزارة التربية اليابانية مادة دراسية مستقلة تحت مسمى التربية الوطنية أو التربية الدولية في مراحل التعليم العام، وإنما تضمن موضوعاتها في معظم المواد الدراسية، وبشكل خاص في مقررات الدراسات الاجتماعية والتربية الأخلاقية. ويتم اللجوء لعدد من الأساليب والوسائل لتنفيذ برامج التربية الدولية، منهـا:

 المواد الدراسية: تتضمن معظم المواد الدراسية، مثل "الدراسات الاجتماعية" موضوعات تتعلق بالتربية الدولية، أبرزها: "التكافل والتعاون الدولي، العلاقات الدولية، المشكلات الدولية، الأوضاع الدولية والسياسة اليابانية، ثقافات وشعوب العالم المنظمات الدولية، المعاهدات الدولية، مصادر الثقافة اليابانية، التأثير المتبادل بين اليابان والثقافات الأخرى، دور اليابان في عالم اليوم والغد".

   إن مهمة كل تربية هي إيصال ونقل القيـم التي اختارها المجتمع لنفسه: قيم مشتركة بين كل الأعضاء (سياسية، وأخلاقية ثقافية، وروحية) الهدف منها تعزيز الوحدة الوطنية، وقيم فردية (وجدانية وأخلاقية، جمالية، فكرية وإنسانية متفتحة على العالم).

2                       - نموذجان من الأنظمة العربية الإسلامية

النموذج الأول: السعودية باعتبارها تنتهج النظام الملكي من جهة، ومن جهة أخرى لأنها تعدّ مركز الإشعاع الإسلامي لباقي الدول الإسلامية في العالم، فهي قبلة كل مسلمي العالم. أما النموذج الآخر فهو: تونس أو النموذج التونسي لأنه نظام جمهوري مثله مثل النظام الجزائري ولقد كان كلاهما تحت وطأة الاحتلال الفرنسي من جهة، ومن جهة أخرى لأن الخصوصية الثقافية بين الشعبين تكاد تكون واحدة، نظرا لعلاقة الجوار والتاريخ المشترك، وبهذا يمكن إحداث المقارنة بين هذين النموذجين والنموذج الجزائري في تنمية قيم المواطنة.

أ -تجربة المملكة العربية السعودية: "لقد غابت التربية الوطنية كمادة مستقلة عن التعليم العام منذ عام 1355هـ إلى عام 1405هـ حتى عادت مرة أخرى من خلال التعليم الثانوي المطور كمادة إجبارية، يدرسها جميع الطلاب من جميع التخصصات، بواقع ساعتين في الأسبوع لمدة فصل دراسي واحد، ولكن هذا لم يستمر طويلاً فقد ألغي التعليم الثانوي المطور عام 1411هـ ومعه ألغيت مادة التربية الوطنية، ثم عادت من جديد عام 1417هـ كمادة مستقلة تدرس في جميع مراحل التعليم العام بداية من الصف الرابع الابتدائي إلى الثالث ثانوي"37.  ولقد جاء في الفقرة الثالثة من التعميم الوزاري رقم 611 ما نصه "يسند تدريس مادة التربية الوطنية إلى المدرسين السعوديين الذين تبدو عليهم إمارات الاستعداد والحماسة والقدرة على القيام بهذه المسؤولية ويبدون فهماً واضحا لها".

ب– تجربة الجمهورية التونسية:"عرف نظام التعليم في تونس خلال العقدين الماضيين مراجعة شاملة وإصلاحا جذريا وأصبحت المنظومات الجديدة تولي بناء المواطن الجديد عناية خاصة، تتوجه إلى نشر مجموعة من القيم الجديدة وبأسلوب راق وهي مقاربة مختلفة عن تلك التي عرفتها المنظومة التربوية خلال العقود الأولى من الاستقلال. فالسعي إلى ترسيخ الهوية الوطنية ارتبط بالسعي إلى تنمية الحس المدني لدى التلاميذ، وتلازمت عملية بناء الانتماء الحضاري بعملية الانفتاح على الحداثة، كما اعتمدت آليات دعم الروح النقدية والتشجيع على الإبداع والابتكار والانفتاح على الآخر بمجموعة من القيم مثل الدعوة إلى التسامح والاعتدال واحترام التعددية والالتزام بالواجبات والوعي بالحقوق ومقاربة أشكال التمييز والتفرقة "38، وتونس من بين الدول القليلة التي تدرس مقررات التربية المدنية من التحضيري حتى التعليم الثانوي.

رابعا: آليات تفعيل دور المدرسة في تنمية قيم المواطنة

في ضوء ما تم تقديمه في هذه الدراسة يمكن تقديم جملة من الاقتراحات والإجراءات التي قد تساهم في تنمية قيم المواطنة لدى تلاميذ مرحلة التعليم الثانوي في الجزائر كالتالي:

1 -إجراءات متعلقة بتفعيل دور البرامج حتى تؤدي وظيفتها في تنمية قيم المواطنة

حتى يتسنى للمقررات الدراسية تنمية قيم المواطنة لدى المتمدرسين يجب أن تتوفر فيها ما يلي:

*تتضمن في محتواها قيم المواطنة كالروح الجماعية والالتزام بمعاير المجتمع ونظمه، والشعور بالانتماء ومفاهيم المساواة، والحرية، وقيم الديمقراطية، والتعددية السياسية، وقبول الآخر، وتداول السلطة من خلال نظام اجتماعي متكامل يحكمه القانون.

*يجب أن: تتسم البرامج والمناهج التعليمية بالمرونة والتنوع، وأن تعتمد الطرق الحديثة في التدريس                                         بحيث تتيح للمتمدرسين فرصا لإشباع حاجاتهم المعرفية والمهاراتية والوجدانية والسلوكية، مما يساهم في تنمية قدراتهم الإبداعية.

* تهتم بإكساب التلاميذ الهوية الوطنية والارتباط بالوطن، وذلك بالتركيز على الموضوعات المتعلقة بالجوانب المضيئة في تاريخ الجزائر، وتنمية القيم والعادات التي تنبثق من مقومات الهوية الوطنية (اللغة – الدين – الأمازيغية).

* تنمي قدرة التلميذ على التمسك بحقوقه، في مقابل القيام بواجباته، وتعزيز قيمة نبذ العنف والتمييز بكل أشكاله واعتماد مبدأ حرية التعبير عن الرأي وثقافة الحوار الايجابي في المطالبة بالحقوق.

* أن ترتبط بنبض المجتمع وقضاياه وهمومه، من خلال تعزيز قيمة حرية التفكير الجديّ بمشكلات المجتمع، مع إبراز دور مؤسسات المجتمع المدني في التنمية الاجتماعية.

2-إجراءات متعلقة بتفعيل البيداغوجية المنتهجة حتى تؤدي دورها في تنمية قيم المواطنة: لكي تسهم الأنشطة البيداغوجية في تنمية قيم المواطنة لدى التلاميذ ينبغي عليها تبني الاستراتيجيات التالية:

* إدراج مقررات التربية على المواطنة منذ المراحل الأولى للتعليم إلى غاية مرحلة الجامعة، حتى يتمكن النظام التعليمي من مواجهة أخطار وتحديات العولمة وما يصاحبها من ثورة المعلومات والاتصالات والانترنيت التي أصبحت تؤثر على الهوية الوطنية للمجتمعات وخاصة الشباب.

* ضرورة إيجاد مواءمة بين قيم المجتمع الأصلية وتراثه الثقافي والحضاري، والاتجاهات المعاصرة في التربية على المواطنة، بما يكفل التمسك بهوية الأمة ويواكب التطور في وسائل المعرفة والحياة العصرية للمجتمعات في الوقت نفسه.

* بناء إستراتيجية إعلامية تحسيسية تضع في أولوياتها نشر ثقافة السلام والتسامح واحترام   حقوق الإنسان، التي من شأنها تدعيم قيم المواطنة لدى الشباب، وذلك بتنظيم المحاضرات والندوات والمعارض، ويتم خلالها دعوة المسئولين في القضايا المختلفة ومشاركة أولياء الأمور جنبا إلى جنب مع التلاميذ.

* تعميق الإحساس بأن العملية التعليمية التعلمية هي: عملية مجتمعية في المقام الأول، وذلك بدمج التكنولوجيات المتطورة في التعليم والتدريب وربطها بالمفاهيم التكنولوجية الحديثة، مع تطوير نظام الامتحانات وأساليب قياس قدرات التلاميذ، بغرض الاكتشاف المبكر للنوابغ من أجل توجيههم.

* تطوير المناهج العلمية والتعلمية وأساليب التدريس في المراحل المختلفة، بالتركيز على مفاهيم الحاضر والمستقبل شرط أن يكون هذا التطوير يتماشى مع متطلبات العصر، مع الاهتمام باللغات الأجنبية، والعلوم الدقيقة والعلوم الإنسانية وغيرها من العلوم اللازمة لهذا التطور المتجدد والمستمر.

* إعادة النظر في دور العلوم الاجتماعية والإنسانية، وكذا مكانتها في المنظومة التربوية، إذ لا ينبغي أن تقتصر على الدور الاجتماعي وتأكيد الهوية الوطنية بالمفهوم التقليدي للعبارة، بل يجب أن تتعداها إلى التكفل بالمطالب الاجتماعية والسياسية الاقتصادية والثقافية نتيجة العصرنة وتوسّع المبادلات الدولية، عن طريق تنمية روح النقد والإبداع والابتكار لدى المتعلم. ومن أجل بلوغ هذا الهدف، فإنّ العلوم تتطلّع إلى تحسين قدرات التلاميذ على ترشيد النشاطات والخبرات الإنسانية، وتقويمها قصد الاستفادة منها وتجاوزها.

 3-إجراءات تتعلق بالوسط المدرسي حتى يكون نموذجا لتطبيق قيم المواطنة

حتى يساهم المناخ المدرسي في تنمية قيم المواطنة لدى المتمدرسين يجب أن:

* تكثيف المدرسة الجهود مع باقي مؤسسات المجتمع وخاصة الأسرة ووسائل الإعلام والمؤسسات الدينية ذات التأثير على الشباب من أجل تنمية قيم المواطنة وتفعيل دورها كمؤسسة هامة في حياة التلاميذ.

*ضرورة التقليل من حدة أشكال التفاوت الاجتماعي والاقتصادي بين التلاميذ، وذلك من خلال معاملة التلاميذ دون تمييز، وهذا يعزز مبدأ العدل والمساواة وتكافؤ الفرص أثناء تطبيق الأنظمة والقوانين، مما يسمح بالتفاعل والتواصل الاجتماعي الذي ينمي بدوره روح التعاون والألفة ويعزز قيم التسامح بينهم، وكذلك بينهم وبين المدرسين والعاملين، وهذا من شأنه أن ينمي قيم المواطنة لديهم.

*ربط المدرسة بالمجتمع الخارجي من خلال برامج الخدمة الاجتماعية أو التعلم بالخدمة، لردم الفجوة التي تعاني منها التربية وهي الاهتمام بالنظري على حساب التطبيقي، وذلك بتنظيم أنشطة متنوعة لخدمة المدرسة والمجتمع معا، من أجل تعويد التلاميذ على المشاركة المجتمعية، مع تشجيعهم على الاشتراك في منظمات المجتمع المدني والجمعيات الخيرية لخدمة المجتمع.

* تحويل الحياة المدرسية إلى نموذج لتطبيقات الديمقراطية، يمارس فيها المتعلمون دورهم في إدارتها ورسم سياساتها  وممارسة قيم ومهارات الديمقراطية التي يسعى المجتمع لتحقيقها لديهم في حياتهم المستقبلية، يكفل حرية تنظيم نشاطات وفعاليات وطنية واجتماعية، يغلب عليه روح الحوار في التعامل بين التلاميذ والعاملين، فيسود المناقشات قبول النقد والاختلاف في الرأي، ممّا  يتيح للطلبة الاشتراك في عملية اتخاذ القرار، ويسمح لهم بالتعبير عن رأيهم بحرية كاملة، يدعم الثقافة المدنية دون انغلاق  فكري ومعرفي، مع تجنب استخدام أسلوب العقاب البدني والقهر النفسي لحفظ كرامة التلميذ.

* الاهتمام بالجانب الجمالي للمؤسسة التربوية وإنشاء مساحات خضراء وتزيين محيطها، واشراك التلاميذ في

المحافظة عليها والعناية بها، كما في النظام التعليمي الياباني والصيني، مما يولد مشاعر الفخر والاعتزاز بالمؤسسة.

* ضرورة توفر المؤسسة على فضاءات للعب وممارسة الرياضة، فالمدرسة قد تشجع الطلاب على مزاولة أنشطة فنية ورياضية وثقافية تفجر الطاقات الإبداعية، وتنمى مهارات المشاركة وتغذى قيم الانتماء والجماعية والثقة بالنفس، وبالمقابل قد تكون البيئة المدرسية مصدراً للإحباط والخمول والسلبية.

خاتمة

<

و في الأخير يمكن التأكيد على أن المدرسة تساهم بقسط كبير في تنمية قيم المواطنة، ولكن هذا  لن  يتم عن طريق تقديم الدروس، وتلقين المضامين المقررة في المناهج الدراسية وأساليب التدريس وحدها فقط، فالمواطنة كما هو معلوم هي فعل اجتماعي كثير التعقيد ومتعدد الأبعاد والمؤسسات،  لذا يجب تعلمها عن طريق الممارسة والتفاعل والتواصل الاجتماعي في المواقف اليومية التي يتعرض لها التلاميذ داخل الوسط المدرسي والمحيط الاجتماعي، فالتربية على المواطنة في مدارسنا اليوم تحتاج إلى التدريب، كما هي الحال في بعض الأنظمة التعلمية كما رأينا ذلك في النظام التعليمي الأمريكي والياباني،  لأن التجريب هو جوهر التعلم وهو أعظم معلم،  لهذا فإن تنمية قيم المواطنة يتطلب تدخل باقي مؤسسات التنشئة الاجتماعية الأخرى إلى جانب المدرسة،  كالأسرة  والمسجد ووسائل الإعلام التي باتت تشكل مصدرا هاما لترويج القيم، ونماذج التصرف والسلوك وتملك سلطانا قويا على تشكيل العقول والنفسيات، ذلك أن تنمية القيم وسلوك المواطنة لا يجب أن يلقى على كاهل المنظومات التربوية فحسب، بل يجب أن تتضافر جهود عدة أطراف كهيئات  المجتمع المدني إلى جانب الأسرة والإعلام، وكذا المؤسسات والجمعيات ذات الوظائف التربوية  والثقافية والتأطيرية. مما يستدعي اليوم ضرورة انخراط الكل في إرساء صيغ مؤسساتية مستدامة للشراكة والتعاقد، والتنسيق من أجل إنجاح برامج تربوية  وثقافية هادفة، وخلق فضاءات ترفيهية تستجيب للاحتياجات النفسية والذاتية والتنفيس عن طاقاته السلبية، وتوجيهها لتهذيبها من خلال أنشطة تربوية،  واجتماعية وثقافية، لخلق فرص يعبر خلالها الطفل والمراهق عن ذاته ويمارس وجوده  بحرية، كما يتحرر عقله وذاته وطاقاته بشكل إيجابي ويتناغم مع محيطه ويتفاعل مع مجتمعه بطرق خلاقة، ويشارك في بناء ذاته  والانسجام مع قواعد وقوانين مجتمعه ككائن مسؤول حر يلتزم بأداء واجباته، ويتمتع بحقوقه في إطار المواطنة الكاملة. والممارسة الواعية ضمن نطاق الأسرة والمدرسة والجامعة والاعلام وغيرها من مؤسسات التنشئة الاجتماعية وكل الفئات والمؤسسات الأخرى المكونة لأي مجتمع

الهوامش

1.معجم اللغة العربية: المعجم الوسيط، ص ص 281. 282

2.- إبراهيم ناصر: أسسالتربية، ط/5، دار عمان للنشر والتوزع، عمان، الأردن، 2000، ص 171.

3.- جميل حمداوي: تدابيرالحياة المدرسية، ط /1، شبكة الأولوكية، 2015، ص 8.

4.- إبراهيم ناصر: أصولالتربية (الوعي الإنساني)، ط/ 1، الرائد العلمية، عمان، الأردن، 2004، ص 184.

5.- علي بن هادية وآخرون: القاموسالجديد، ط/7، المؤسسة الوطنية للكتاب، الجزائر، 1991، ص ص204 ،205.

6.- محمد عباس ابراهيم: التحديثوالتغير (دراسة في مكونات القيم الثقافية)، دار المعرفة الجامعية، الإسكندرية، مصر، 2009، ص 104.

7.- إيمان العربي النقيب: القيم التربوية في مسرح الطفل، تقديم شبل بدران، ط/1، دار المعرفة الجامعية، الإسكندرية، مصر 2002، ص 18.

8.-  ماجد الزيود: الشبابوالقيم في عالم متغير، ط1/، دار الشروق للنشر والتوزيع، عمان، الأردن، 2006، ص 22.

9.- بدر الدين كمال عبده ومحمد السيد حلاوة: قضايا ومشكلات، ج /1، تقديم سامية محمد فهمي، المكتب العلمي للكمبيوتر والنشر والتوزيع، الإسكندرية، مصر، 1991، ص 199.

10.- محمد أحمد بيومي: علماجتماع القيم، دار المعرفة الجامعية، الإسكندرية، مصر، 2002، ص 110.

11.- ماجد الزنود: مرجعسبق ذكره، ص 22.

12.- وائل عياد: الميول المهنية والقيم وعلاقتها بتصورات المستقبل لدى طلبة كلية مجتمع غزة بوكالة الغوث، رسالة ماجستير غير منشورة، كلية التربية جامعة الأزهر، 2011، ص 39.

13.- ابن منظور: لسانالعرب 1968، ص 451.

14.- أحمد زكي بدوي: معجممصطلحات العلوم الاجتماعية، مكتبة لبنان، بيروت، لبنان، 1993.

15.- مصطفى محسن: إشكاليةالتربية وحقوق الإنسان، ط/1، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، لبنان، 2005. ص 27.

16.- حمدي مهران: المواطنةوالمواطن في الفكر السياسي، ط/ 1، دار الوفاء لدنيا الطباعة والنشر، الإسكندرية، مصر، 2012، ص 66.

17.- سامح فوزي: المواطنة، ط/ 1، مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، القاهرة، مصر، 2007، ص 7.

18.- تركي رابح: أصولالتربية والتعليم، المؤسسة الوطنية للكتاب، ديوان المطبوعات الجامعية الجزائر، 1990، ص 340.

19.- محمد بوقشور: سياسة الإصلاح وإشكالية اللغة في النظام التعليمي الجزائري، البحث التربوي مجلة علمية نصف سنوية يصدرها المركز القومي للبحوث التربوية والتنمية، السنة السابعة العدد الأول، 2008، ص 274.

20.- نصر الدين جابر والطاهر إبراهيمي: النظام التربوي في الجزائر ومتغيرات بيئة التحديات، العدد الأول من دفاتر مخبر المسألة التربوية في الجزائر في ظل التحديات الراهنة (ديسمبر 2005)، 14.

21.A-Djebbar le système éducatif algérien : miroir d’une société en crise et en mutation, in Tayeb Chentouf (sous la direction) Algérie face à la mondialisation, Conseil pour le développement de la recherche en sciences sociales en Afrique (CODESRIA) 2008 p 164.

22.- محمد بوقشور: المرجعالسابق، ص 283.

23.- تقرير التنافسية العالمية يعده المنتدى الاقتصاد العالمي بدافوس، بمثابة تقييم سنوي للعوامل التي تسهم في دفع عجلة الإنتاجية والتنمية، ومنهجية التقرير تقوم على استطلاعات الرأي، يعتمد مؤشر التنافسية على 12 مؤشر (الإطار المؤسساتي – البنية التحتية – المناخ الاقتصادي العام – الصحة والتعليم – التعليم العالي والتدريب – كفاءة الأسواق – كفاءة سوق العمل – تطوير السوق المالية – الجاهزية التكنولوجيا – حجم الأسواق التجارية – تطور نسبة الأعمال – الابتكار)

24.- مصطفى محسن: إشكالية التربية على المواطنة وحقوق الانسان بين الآليات اشتغال الفضاء المؤسسي ومكونات المحيط الاجتماعي (أعمال ندوة)، مركز الدراسات والبحوث الاقتصادية والاجتماعية، تونس 2005، ص 33.

25.- خالد قيرواني: الاتجاهات المعاصرة للتربية على المواطنة، جامعة القدس المفتوحة ،2011 ص 7.

26.- أبو بكر علي محمد أمين: العدالة مفهومها ومنطلقاتها، دار الزمان للنشر والطباعة، دمشق، سوريا، 2010، ص 53.

27.- برهان غليون: بيان من أجل الديمقراطية، ط/5، المركز الثقافي العربي، بيروت لبنان، 2006، ص14.

28.- إيرك كيسلاسي: الديمقراطيةوالمساواة، ترجمة جهيدة لاوند، ط/1، معهد الدراسات الإستراتيجية، بغداد، العراق، 2006، ص 38.

29.علاء الدين عبد الرزاق جانكو : المواطنة بين الشرعية والتحديات المعاصرة ،   متحصل عليه من الرابط بتاريخ 18/01/2018 :                          3http//neelain.edu.sd/mmacpanel/includes/magazines/pdf/

30.محسن مصطفى عبد القادر: التربية العلمية والمواطنة، ط/ 1، السحاب للنشر والتوزيع، القاهرة، مصر، 2014، ص 27.

31.فهد إبراهيم الحبيب: تربية المواطنة (الاتجاهات المعاصرة في تربية المواطنة)، متحصل عليه من الرابط التالي بتاريخ 07/01/2018: http//kenanaonline.com/files

32.عباس راغب علام: أهداف التربية من أجل المواطنة، مقال منشور على الموقع: https://kenanaonline.com/users/abbasallam/posts/195711

33.المرجعية العامة للمناهج: معدّلة وفق القانون التوجيهي للتربية رقم 08-04 المؤرّخ في 23 يناير 2008

34.محمد عطوة مجاهد: المدرسةوالمجتمع، دار الجامعة الجديدة الإسكندرية، مصر 2008 ص 26

35.طارق عبد الرؤوف عامر: المواطنة والتربية الوطنية "اتجاهات عالمية وعربية «، ط/ 1، مؤسسة طيبة للنشر والتوزيع، القاهرة، مصر، 2011، ص 159.

36.راضية بوزيان: التربيةوالمواطنة (الواقع والمشكلات)، ط/ 1، مركز الكتاب الأكاديمي، عمان، الأردن، 2014، ص 132

37.-محمد نجيب بوطالب: الأبعادالاجتماعية والثقافية لأزمة أنموذج القدوة في المدرسة العربية المعاصرة (حالة التعليم في تونس)، ندوة التربية والمواطنة في العالم العربي، مركز البحوث دراسات الاقتصادية والاجتماعية 2005، ص 278

@pour_citer_ce_document

العيد هداج, «المدرسة الجزائرية وتنمية قيم المواطنة لدى التلاميذ »

[En ligne] ,[#G_TITLE:#langue] ,[#G_TITLE:#langue]
Papier : 08-25,
Date Publication Sur Papier : 2019-04-01,
Date Pulication Electronique : 2019-04-01,
mis a jour le : 01/04/2019,
URL : https://revues.univ-setif2.dz:443/revue/index.php?id=5398.