النزعة الإنسانية والإسلام محمد مجتهد شبستري وهشام جعيط أنموذجينHumanism and Islam Mohammad Mojtahed Shabestari and Hicham Djaït examples
Plan du site au format XML


Archive: revues des lettres et sciences sociales


N°01 Avril 2004


N°02 Mai 2005


N°03 Novembre 2005


N°04 Juin 2006


N°05 Juin 2007


N°06 Janvier 2008


N°07 Juin 2008


N°08 Mai 2009


N°09 Octobre 2009


N°10 Décembre 2009


N°11 Juin 2010


N°12 Juillet 2010


N°13 Janvier 2011


N°14 Juin 2011


N°15 Juillet 2012


N°16 Décembre 2012


N°17 Septembre 2013


Revue des Lettres et Sciences Sociales


N°18 Juin 2014


N°19 Décembre 2014


N°20 Juin 2015


N°21 Décembre 2015


N°22 Juin 2016


N° 23 Décembre 2016


N° 24 Juin 2017


N° 25 Décembre 2017


N°26 Vol 15- 2018


N°27 Vol 15- 2018


N°28 Vol 15- 2018


N°01 Vol 16- 2019


N°02 Vol 16- 2019


N°03 Vol 16- 2019


N°04 Vol 16- 2019


N°01 VOL 17-2020


N:02 vol 17-2020


N:03 vol 17-2020


N°01 vol 18-2021


N°02 vol 18-2021


N°01 vol 19-2022


N°02 vol 19-2022


N°01 vol 20-2023


N°02 vol 20-2023


A propos

avancée

Archive PDF

N°01 VOL 17-2020

النزعة الإنسانية والإسلام محمد مجتهد شبستري وهشام جعيط أنموذجين

Humanism and Islam Mohammad Mojtahed Shabestari and Hicham Djaït examples
ص ص 41-53
تاريخ الإرسال: 2019-03-11 تاريخ القبول: 12-04-2020

عفاف مسعي
  • resume:Ar
  • Auteurs
  • TEXTE INTEGRAL
  • Bibliographie

نهدف من خلال هذا البحث إلى تحليل العلاقة بين الإسلام والنزعة الإنسانية من خلال أنموذجَيْن من الفكر العربي المعاصر هما: المفكر الإيراني "محمد مجتهد شبستري" والمفكّر التونسي "هشام جعيط"؛ فالأوّل حاول تقديم قراءة إنسانية للدين الإسلامي مُقابل القراءات السائدة التي أقرّها الفقهاء، وهي قراءة تهتمّ بالإنسان وكلّ أبعاده المعرفية والأنطولوجية والأخلاقية، لأنّ الإنسان في حاجة إلى الدين من أجل خدمته وليس بُغية القضاء على المخالفين له من الأديان والعقائد الأخرى؛ فـــــ "شبستري" يهتمّ بإنسانيّة الإنسان قبل كلّ اعتبار آخر. أمّا "جعيط" فأكّد على أنّ الإسلام يتضمّن نوعا خاصًّا من النزعة الإنسانية القائمة على الدين الإسلامي والعقل، ويتجلّى هذا من خلال تأكيد القرآن على قيمة الإنسان حيث استخلفه الله في الأرض وكرّمه، كما يتجلّى من خلال الثقافة الإسلامية ما بعد القرآنية؛ حيث تحمل بين طيّاتها ملامح النزعة الإنسانية وهذا في كتب الفقه والحديث وعلم الكلام العقلي والتصوّف وكذلك في الفلسفة والعلم والأدب

الكلمات المفاتيح

الإسلام؛ الدين؛ النزعة الإنسانية؛ محمد مجتهد شبستري؛ هشام جعيط

      مقدمة

يُعدّ سؤال الإنسان بصفة عامة وسؤال النزعة الإنسانية بصفة خاصة من بين الأسئلة المركزية والهامة في الفكر البشري ككلّ والفلسفة منذ القديم، ولكنه أصبح أكثر أهميّة في العصر الحديث والمعاصر وخاصة في أوروبا مع الازدهار الكبير الذي عرفته العلوم الاجتماعية والإنسانية، كما تميّز وأصبح مهمًّا أكثر مع الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي يؤكد على أنّ الإنسان صاحب عقل وإرادة حرة يمكنه من خلالهما تحقيق كل طموحاته وتطلّعاته في الحياة، بعيدا عن ارتباطه بكلّ ما هو متعالي غَيْبيّ ذو سيادة عليا مترفّعة عن الإنسان.

إنّ سؤال النزعة الإنسانية أصبح مطروحا بشدّة في هذا العصر الذي عرف الكثير من مظاهر العنف والكراهية والتعصّب والقتل، والتي يردّها جلّ الباحثين والمفكّرين إلى الفكر الديني المتطرّف واللاّعقلاني، ومن هنا تُطرح جدلية الدين والإنسان وكيفية إمكانية الجمع بينهما، وهو المشكلة التي نطرحها في هذا المقال محاولين الإجابة عنه من خلال فكر كلّ من "محمد مجتهد شبستري"1 والمفكّر "هشام جعيط"2، فالأول حاول تقديم قراءة إنسانية للدين الإسلامي حتى يبتعد عن القراءات الكلاسيكية التي تهتمّ بالظاهر فقط والتي ثبَّتت مظاهر العنف واللاتسامح، أما الثاني فيحاول إثبات وجود نزعة إنسانية  وعقلانية في الدين الإسلامي من خلال القرآن والثقافة الدينية، وحجّتنا في الجمع بين هذين النّموذجين من المفكّرين المسلمين هو أنّ كلاهما يهدف إلى التأكيد على قيمة الإنسان وكرامته وإنسانيته في علاقته بالدين الإسلامي، لأنّ الإسلام يحمل بين طيّاته بذور الإنسانية لا بذور العنف والتطرّف كما هو سائد اليوم، بالإضافة إلى أنّ لكلا المفكّرين مناهج علمية يستخدمانها من أجل قراءة موضوعية وعلمية أكثر، وعليه فإنّ المشكلة التي تواجهنا هي كالآتي: إلى أي مدى يمكننا الحديث عن نزعة إنسانية ذات علاقة بالإسلام في ظلّ تجاوز الباحثين والمفكّرين اليوم البحث في الإنسان إلى البحث فيما يُعرف بما بعد الإنسانية Le post-humanisme؟ كيف يمكن قراءة الدين الإسلامي قراءة إنسانية عند "محمد مجتهد شبستري" من أجل القضاء على العنف والتطرّف؟ وهل تمكّن "هشام جعيط" من إثبات وجود نزعة إنسانية في الإسلام؟

      

أولا: مقاربة مفاهمية: النزعة الإنسانية، الإسلام

1-مفهوم النزعة الإنسانية

    نحاول في هذا العنصر تقديم مفهوم شامل غير مفصّل للنزعة الإنسانية لأنّ هناك العديد من الدراسات التي ناقَشت هذا المفهوم بالتفصيل3؛ ولهذا يمكن القول بأنّ الاهتمام المستقلّ بالبحث في الإنسان والنزعة الإنسانية (الإنسية أو المذهب الإنساني/humanisme, humanism) بدأ في عصر النهضة من خلال تناول كرامة الإنسان المعرّف بالعقل وقدرته على الخَلق والإبداع والإرادة الحرة المستقلّة وهي عبارة عن: "حركة فكرية يمثّلها إنسانيّو النهضة (بترارك، بوغيو، لورنت ڤالاّ، إراسم، بوديه، أولريخ، دوهوتّن)، وتتميّز بمجهود لرفع كرامة الفكر البشري وجعله جديرا، ذا قيمة"4؛ أي أنّ النزعة الإنسانية هي ذلك المذهب الذي يؤكّد على قيمة الإنسان.

تقوم النزعة الإنسانية على تأكيد مكانة الإنسان ضدّ كلّ ما هو لاهوتي وميتافيزيقي وذو سيادة متعالية عن الإنسان ومضادّ للعقلانية والفكر المنفتح الذي لا يقصي الآخر، فهي: "أسلوب في التفكير يدور على إمكان تحكّم الإنسان في الكون، ورفض المهدّئات الدينية، وإنكار التفاؤل الخادع"5؛ ومن هنا فإنّها تخصّ الإنسان بمكانة متميّزة في العالم والتطور التاريخي.

لقد تطوّرت أفكار النزعة الإنسانية بصفة واضحة مع فلاسفة عصر الأنوار في القرن 18، من خلال التأكيد على حقوق البشر في الحرية والإبداع وضرورة المساواة بينهم، وترسّخت أكثر بظهور ميثاق حقوق الإنسان، وبالتالي حاربت الأفكار الظلامية التي تميّز بها العصر الوسيط، ولكن على الرغم من تطور النزعة الإنسانية في هاته الفترة وفي هذا المكان إلاّ أنّ انتشار أفكارها جعلها نزعة كونية عالمية لا ترتبط برقعة جغرافية معيّنة ولا بفترة محددة.

2-مفهوم الإسلام

يبدو من الوهلة الأولى أنّ مفهوم الإسلام واضح وجليُّ ولا يحتاج إلى تعريف –خاصة عند المؤمنين-، إلا أنه من الضروري طرح السؤال الجوهري: ما هو الإسلام؟؛ والإجابة البديهية التي يقدّمها أي شخص أنّ الإسلام هو شهادة أنّ لا إله إلا الله وأنّ محمدا رسول الله، وأنّ الإسلام لا يصحُّ من دون إيمان بالله وملائكته وكتبه ورُسله والقدر خيره وشرّه، وهذا الإيمان بدوره يجب أن يكون قولا باللسان وتصديقا بالجِنان (القلب) وعملُ بالجوارح6، وهناك من يذهب إلى أكثر من هذا ويرى أنه لمعرفة ما هو الإسلام؟ عليك أن "تدرس التوحيد والتجويد، والتفسير والحديث والفقه والأصول"7؛ وهذه هي النظرة التقليدية لمفهوم الإسلام.

أما المفهوم الحديث للإسلام فيحاول تجاوز هذه النظرة الضيقة إلى النظرة التاريخية، فالمفكّرون العرب المعاصرون يذهبون إلى أنّ مفهوم الإسلام من الناحية التاريخية ينتمي إلى ما يصطلح عليه بــــــــ "ديانات الوحي النبوي" (révélations prophétiques فالإسلام هو خاتمة الديانات التوحيدية التي أسسها النبي ابراهيم –"الأب الأصلي"- أو –"أب التكوين"-8: «فهو إذن من هذا المنظور يشترك مع اليهودية والمسيحية في الإيمان بأنّ الله الواحد والمفارق قد تدخّل في التاريخ البشري وخاطب الناس عن طريق الأنبياء»9؛ وعليه فإنّ المشاكل التي يعانيها المسلمون لا تختلف كثيرا عن المشاكل المطروحة في الديانتين اليهودية والمسيحية، لأنّ الإسلام بمعناه الواسع يشمل الديانتين اليهودية والمسيحية في حين أنّ مفهومه الضيّق ينحصر في ظهوره مع النبي محمد.

إنّ انتشار الإسلام في القارات الخمس أدّى إلى وجود العديد من الأنواع المختلفة والمتباينة للإسلام، مثل الإسلام السني وآخر شيعي، إسلام الفقهاء وإسلام المتصوفة، إضافة إلى الإسلام الآسيوي وآخر عربي وغيرها من الأنواع، وكلّ نوع ينتمي إلى البيئة التي يعيش فيها ممثّلوه، ومن هنا يميّز "عبد المجيد الشرفي" بين ثلاثة مستويات لمعنى عبارة "إسلام" وهي:

أ-المستوى القرآني10: هذا المستوى الأول يمثّل مجموعة القيم الدينية والأخلاقية التي نصّ عليها القرآن، وتعدّ القيم فكرة محورية في الإسلام، بل هي جوهره، خاصة قيمة الرحمة، فما يميّز الإسلام هو هذه القيم الأنطولوجية التي تحاول تقديم حلول للمشاكل التي يعانيها الفرد في حياته.

ب-مستوى الممارسة التاريخية11: هذا المستوى يبدأ منذ انقطاع الوحي بوفاة النبي، مما أدى إلى قيام مجموعة من المؤسسات غايتها تطبيق الدين في مختلف أوجه الحياة؛ وهو ما يعرف بالفكر الإسلامي أو العلوم الإسلامية، وهي ممارسة يمكن إخضاعها للدراسة والمراجعة والنقد والتقييم لأنها ذات طابع بشري.

ج-مستوى البُعد الفردي في الإيمان: ويتعلق هذا المستوى بالفهم الخاص لكل فرد من الأفراد للإسلام، حيث يختلف هذا الفهم أو التأويل من شخص إلى آخر، ولهذا ففهم الفقهاء للإسلام يختلف عن فهم الفلاسفة له، ويختلف أيضا عن فهم المتصوفة.

وعليه فإنّ مفهوم الإسلام يختلف من النظرة الإيمانية إلى النظرة التاريخية، وهو الإسلام الذي يدرسه المفكّرون؛ أي بعيدا عن كون الإنسان مؤمن أو غير مؤمن بل الاهتمام أولا بالجانب التاريخي ومحاولة إعادة قراءته انطلاقا من تطبيق مناهج علمية مختلفة، ووضعه في إطاره التاريخي الواسع وعدم النظر إليه نظرة ضيّقة وحصره في الزمن الذي جاء فيه النبي محمد، لأنّ الإسلام يحمل بين طيّاته أبعادا مختلفة لا بُعدا واحدا فقط، ومن هنا يحاول "محمد مجتهد شبستري" إعادة قراءة الدين الإسلامي قراءة جديدة تاريخية أكثر منها إيمانية. 

ثانيا: القراءة الإنسانية للدين عند محمد مجتهد شبستري

1-مفهوم القراءة الإنسانية

إنّ لفظة "القراءة" في اللغة تعني: الجمع، فقَرَأَ يَقْرَؤهُ قَرْءًا وقِراءَةً وقُرآنا، حيث "يسمى كلام الله تعالى الذي أنزله على نبيّه صلى الله عليه وسلم كتابًا وقرآنًا وفُرقانًا"12، وقرأتُ الشيء قرآنا أي؛ "جمعتُه وضممتُ بعضه إلى بعض"13، وورد في "الموسوعة العربية الميسرة" أنّ القراءة هي "طريقة تلاوة القرآن الكريم ونطق ألفاظه، مخففة أو مشدّدة، ممالة أو مشمومة، ممدودة أو مقصورة، ولابد فيها من التلقي والسماع"14، وهو المعنى الذي نجده في "تكملة المعاجم العربية"، إذ أنّ لفظ قَرَأَ معناه: «تلا عن ظهر قلب»15، والقراءة (Lecture) عند "التهانوي" (ت 1158ه/ 1745م) هي: «أن يقرأ القرآن سواء كانت القراءة تلاوةً بأن يُقرأ متتابعا أو أداءً بأن يأخذ من المشايخ ويقرأ كما في الدقائق المُحكمة»16.

وقد تعدّد المفهوم الاصطلاحي لكلمة "القراءة" عند المفكرين، إذ لا يمكن تحديد مفهوم واحد دقيق لهاته اللفظة، حيث يرى "علي حرب" أن المصطلح "يستخدم اليوم، بمعنى أوسع، لكي يشمل الأحداث والتجارب والأعمال التي تنتج حولها الكتابات والنصوص، بل هو بات يشمل أي معطى كان، لكي يتصدّر مفردات الخطاب المتعلقة بالفهم والتشخيص أو بالتقييم والتقدير"17؛ أي أنّ القراءة هنا وخاصة عند المفكرين العرب المعاصرين متعلقة بالنصوص الدينية سواء كانت: النص القرآني أو نصوص السنة النبوية، ولهذا يقول "نصر حامد أبو زيد" (1943-2010م): «في مقابل النصوص تقف القراءة أيضا محكومة بجدلية الإخفاء والكشف»18، فالقراءة  هنا حسب "أبو زيد" هي عملية الكشف عن دلالات وإخفاء لأخرى حسب الظرف التاريخي.

أمّا القراءة الإنسانية حسب ما ذهب إليه "محمد مجتهد شبستري" فيقصد بها تلك القراءة التي تُنزل الدين من الله إلى الإنسان والتي يتم فيها مُراعاة كل أبعاد الإنسان المعرفية والوجودية والقيمية، حيث يقول: «حِينما نقول قراءة إنسانية للدين، نقصد أن يفهم الإنسان دينه وتديٌّنه بالشكل الذي تقتضيه كلّ أبعاد إنسانيّته، الدين للإنسان وليس للّه، فالإنسان هو الذي يحتاج الدين وليس الله»19، ولهذا فإنّ الإنسان يضفي على حياته معنًى روحيّا من خلال توفُّرها على أبعاد مختلفة، من فلسفة وفنّ ودين وعلوم متعددة، فالدين ضروري في حياة الإنسان حتى يتحرر من العدميّة ويضفي عليها صبغة قيميّة روحية، إذ يقول "شبستري": «ينبغي أن لا يُزاحم (أي الدين) أيًّا من أبعاد وجود الإنسان، ولا يعطّله. ليس باستطاعة الدين أن يحلّ محل العلم أو الفلسفة أو الفن فيطردها، إنما يجب على الإنسان الذي يحمل كلّ هذه الأبعاد أن يكون متديّنا أيضا»20.   

إنّ الله سبحانه وتعالى جعل من الإنسان خليفة له في الأرض، وبهذا فإنه يعطيه المكانة العالية ويجعل منه أساسا للوجود، بعد أن ترك له الدين كاملا مكتملا، فما عليه إلّا فهمه واستنباط القوانين منه، التي تنظّم حياته، وكلّ هذا يكون من خلال القراءة الإنسانية للدين، يقول "شبستري": «حينما أقول (قراءة إنسانية للدين) أروم فهم الإنسان للدين والتديّن وفق ما تمليه عليه إنسانيته»21.

إنّ القراءة الإنسانية للدين عند "محمد مجتهد شبستري" تندرج ضمن أحد فروع فلسفة الدين22، في إطار تعدد القراءات الدينية، وهو الذي كتب فيه الكثيرون ومن بينهم مواطنه "عبد الكريم سروش" (ولد 1945)، وذلك من خلال استعمالهم للمناهج الغربية الحديثة وتطبيقها على التراث، والمقصود بتعدد القراءات هو: «التفسير، أو ما يُعبّر عنه بالهرمينوتيك أو البلوراليسم»23، وهي القراءة التي تعطي قيمة لكل أبعاد الإنسان، مثل الثقافة والمعرفة والبعد الاجتماعي والسياسي...، كما أنها تفتح المجال أما تعدد المعاني، إذ أنّ كلّ قراءة تقدّم معنى مختلف للدين وبالتالي فلا ينحصر مفهوم الدين في معنى واحد دوغمائي.

2-مفهوم الدين

يعرّف "ابن منظور" (630ه/1232م-711ه/1311م) كلمة "الدين" في «لسان العرب» بقوله: «الدين ديّان، وهو القاضي والحاكم»24، والدّين بوضع الشدّة والكسرة فوق الدال، فدان دينا، ودان له، ودان بالشيء هي أوجه ثلاثة تعبّر عن الدين، وكلمة "الدين عند العرب تشير إلى علاقة بين طرفين يعظّم أحدهما الآخر ويخضع له"25، وكلمة "دين" في العربية انحدرت من كلمة "دين" الأكدية، التي كانت تعني القضاء والحساب، والحقيقة أنّ هذه الكلمة الأكدية هي ترجمة لكلمة "أور" السومرية، التي كانت تعني "المدينة"؛ لأنّ المدينة كانت هي مكان القضاء والعدالة، وهكذا فقد قفزت الكلمة الأكدية "دين" إلى معنى دلالي آخر، سرعان ما أخذ الكثير من المعاني في لغات العالم القديم، ويمكن الإشارة إلى أنّ كلمة "دين" العربية لم تأتِ مباشرة من اللغة الأكدية، بل جاءت من الكلمة الآرامية "دينو/Deno"؛ أي "الديّان" في العربية (القاضي والحاكم)26.

لقد وجد الباحثون في علم الاجتماع أنفسهم أمام معضلة كبيرة، عندما شرعوا في تحديد معنى الدين، وقد أعلن "ماكس فيبر" (Max Weber 1864-1920) في دراسة أجراها بهذا الخصوص، بأنه يستطيع أن يضمّن مقدمة دراسته هذه، تعريفا محددا للدين، وإنّ عملا كهذا قد يمكن القيام به في نهاية الدراسة27، ونظرا لصعوبة تحديد مفهوم واحد للدين يمكنننا ضبط مفهوم اصطلاحي عام، حيث يقول "عبد الله دراز": «الدين هو الاعتقاد بوجود ذات –أو ذوات- غيبية علوية لها شعور واختيار، ولها تصرف وتدبير للشؤون التي تعني الإنسان، اعتقاد من شأنه أن يبعث على مناجاة تلك الذات السامية في رغبة ورهبة وفي خضوع وتمجيد»28.

يرى "محمد مجتهد شبستري" أن الدين يمكن تعريفه من خلال ثلاثة مستويات هي:

أولا: مستوى الممارسات والشعائر: من خلال الممارسة في الحياة السياسية والاجتماعية... بدوافع دينية.

ثانيا: يندرج تحت المستوى الأول وهو مستوى الأفكار والعقائد المتعلقة بالنبوة والتوحيد...، ويسميه مستوى المعرفة، والذي من خلاله تتم معرفة وتفسير التجارب الدينية المختلفة، إذ يجمع بين التجربة الدينية (ممارسة) والشعائر الدينية، حتى لا تصبح هاته الشعائر مجرد عادات وطقوس فارغة من المعنى.

ثالثا: مستوى أعمق من المستويين السابقين، وهو مستوى التجارب الدينية وهذا هو المستوى المركزي، إذ تختلف التجارب الدينية من تجربة الحب إلى تجربة الأمل إلى تجربة الهيبة...، وهذه التجارب هي لب وجوهر الأديان29.

من خلال التجربة الدينية يسافر الإنسان من الذات إلى الآخر، من الإنسان إلى الله30، وهنا يشير "شبستري" إلى أنه يمكن النظر إلى الدين من زاويتين: من زاوية "الله إلى الإنسان" ومن زاوية "الإنسان إلى الله"31، وهو يفضل الزاوية الثانية والتي يقدّم من خلالها قراءته الإنسانية للدين، ينطلق فيها من الإنسان ويصل فيها إلى الله، حيث يقول: «في القراءة الإنسانية للدين، يُعرّف الدين بالسلوك المعنوي للإنسان في الحياة، إنه نوع من العيش والسلوك الإنساني»32؛ أي بالعودة إلى باطن الإنسان من أجل فهم الدين ومعايشته من خلال التجربة والسلوك33، وكل هذا من أجل تعميق العلاقة بين الله والإنسان، ومن أجل فهمها أكثر.

3/نقد القراءة الرسمية للدين

يقدّم "محمد مجتهد شبستري" من خلال مشروعه الفكري نقدًا للقراءة الرسمية للدين، وهي تلك القراءة الإيديولوجية الفقهية السياسية للدين الإسلامي، حيث يقول: «ما قصدته في هذا الكتاب من القراءة الرسمية هو القراءة (الفقهية – الحكومية). إنها قراءة الذين إذا أرادوا تحديد علاقة الإسلام كدين بالسياسة والسلطة في العصر الراهن، استخدموا اللغة الفقهية، وطفقوا يحددون التكاليف الشرعية للمؤمنين في هذا الباب»34؛ بمعنى أنّ القراءة الرسمية يقصد بها تلك القراءة التي يقدّمها الإمام ويفرضها على المؤمنين، وفق ما يخدم السياسيين والسلطة الحاكمة، إنها تلك القراءة التي تحصر العلاقة بين الله والإنسان في خطاب التكليف، أي أن الله سبحانه وتعالى خلق الإنسان ليعبده فقط، ولم يخلقه حتى يكون خليفته في الأرض، وهذا بتعبير "طه جابر العلواني" (1935-2016) الذي ذهب إلى أنّ خطاب التكليف يجعل من الإنسان عبدا (عبيدا) لله وليس عابدا له35، وهو ما لا نجده في الشريعة الإسلامية، شريعة الرحمة والعفو والمغفرة، لا شريعة الإصر والأغلال وفقه الحيل والمخارج.

     إنّ لغة التكليف الشرعي تهتم فقط بالجائز وغير الجائز، الحلال والحرام، الصحيح والباطل، إنها لغة تهتم فقط بقشور الدين وأهملت لبّهُ وجوهره الروحي، فجعلت من الدين الإسلامي مجرد طقوس جوفاء خالية من المعنى، بل خالية من أي رسالة دينية، وهذه القراءة التكليفية موجودة على مستوى السياسة أيضا، إذ يقول "شبستري": «إنّ رسمية القراءة في الوقت الحاضر تساوي القراءة التكليفية لرسالة الدين في مضمار السياسة والحكومة»36، فالقراءة الرسمية هي قراءة واحدة ثابتة تمنع كل قراءة أخرى مخالفة لها، فتمنع تعدد المعاني وبالتالي تمنع الهيرمينوطيقا، وهو المنهج الذي نادى "شبستري" بتطبيقه في قراءة التراث الديني، حتى يجعل من الدين الإسلامي دينا عالميا يتقبل الآخر، ولا يتعامل معه بعنف، وهكذا فلن يكون الدين إيديولوجيَّا متطرفا، فالهيرمينوطيقا أو المنهج التأويلي يهتمّ بالفهم وتعدد المعنى، واستخدام "شبستري" للتأويل هدفه التأكيد على أنّ الدين الإسلامي يحتمل العديد من القراءات، وأنّ أهمّ قراءة ينبغي اتّباعها هي القراءة الإنسانية؛  لأنّ النصوص وخاصة الدينية منها تحتوي على معنى ظاهري ومعنى باطني خفيّ يجب الكشف عنه واستخراجه، وليس "شبستري" الوحيد الذي اعتمد على التأويل كمنهج من أجل قراءة النص الديني، إذ يعتبر "نصر حامد أبو زيد" أحد أهمّ المفكرين العرب المعاصرين الذين استخدموا التأويل وآليات تحليل الخطاب بُغية إعادة قراءة التراث والنصوص الدينية، وهذا في ضوء المنهج العلمي الموضوعي الذي يبتعد عن الخرافة والأسطورة ويقدّس العقل.

     يرى "شبستري" أن القراءة الرسمية للإسلام وليدة ثلاثة خصائص هي37:

-معارضة الديمقراطية.

-نزعة العنف.

-عدم اعتبار مبانيها الفلسفية.

فالمسلم المعاصر تغذّت لديه نزعة العنف وعدم قبول الآخر المغاير له والذي لا ينتمي إلى دينه، بل قُل لا ينتمي إلى طائفته، فانطلاقا من خطاب التكليف فإنّ كل من يخالفك في اعتقادك (إيديولوجيّتك) فهو كافر وَجَبَ قَتله، وهذا لأنّ المسلمين يشعرون بأنهم يمتلكون الحقيقة، وهو ناتج عن كونهم لا يعرفون منبعا آخر للمعرفة، إلا منبعا واحدا وهو الدين (القرآن)، وهذا من الناحية الإبستيمولوجية38، وهوّ ماولّد لديهم نزعة العنف، أمّا لو كانت لديهم منابع معرفية متعددة من فن وفلسفة وعلم...، لكانت نظرتهم للعالم مختلفة تماما، فالعنف هو النتيجة الحتمية المترتبة عن القراءة الرسمية للدين.

إنّ المسلمين –حسب ما ذهب إليه "شبستري"- ليس لديهم خيار آخر إلا خيار دخول دائرة الحداثة بالفعل، و"السياسة والحكومة في الحداثة تعود إلى: العلم، والفلسفة، واختيار الإنسان، ولهذا يتعذّر في كل المجتمعات المسلمة تحديد العلاقة بين الإسلام والسياسة والسلطة بلغة تكليفية"39، ومن هنا فإنّ الرسالة السياسية والاجتماعية للدين هي ضرورة تحقيق العدالة، وهذا ما تعجز عن تأديته لغة التكليف، لأنها ستجعل من الإنسان المسلم مستسلما لقدره فاقدا لحريته واختياره40، والحرية هي أهم خاصية تميز المجتمعات الحديثة، والمسلم حتى يعيش الحداثة ينبغي عليه أن يكون حرًّا غير مقيّد.

إنّ تحقيق العدل يتطلّب عدم الفصل بين السياسة والأخلاق، وضرورة مراعاة الأخلاق في السياسة41، وهذا يقتضي ضرورة حضور أبعاد مختلفة بالإضافة إلى الدين من فلسفة وقيم وحقوق...، وهو ما يستدعي ضرورة تغيير القراءة الرسمية للدين، واستبدالها بقراءة أخرى إنسانية أو كما يقول "شبستري": «العلاج يكمن في القراءة الإنسانية لهذه النصوص (أي الدينية)، أي أن نقرأ النصوص في إطار ظروفها التاريخية»42.

4/من القراءة الرسمية ... إلى القراءة الإنسانية للدين:

تؤدي القراءة الرسمية للدين إلى العنف والتعصّب في العالم الإسلامي، ومن أجل الخروج من الأزمات التي تعاني منها المجتمعات الإسلامية، يقترح "شبستري" ضرورة تغيير هاته القراءة الرسمية للدين بقراءة أخرى إنسانية، وهي القراءة القائمة على التجربة الدينية للإنسان، والتي يفهم من خلالها دينه بالشكل الذي تقتضيه كل أبعاد إنسانيته.

إنّ المذاهب والجماعات الإسلامية بتشدّدها وفرضها لضرورة تبنّي آراء السلف ومواقفهم، وعودتها دائما إلى الماضي، وخوفها من كل ما هو غربي وحديث، وابتعادها عن العقل والنقد هو السبب المباشر في كل ما يحدث في المجتمعات الإسلامية من عنف وإرهاب43، إذ قاموا بتحريم كل المعارف: فالفلسفة حرام، والمنطق حرام، والفنون الجميلة كالرسم والنحت والموسيقى حرام...، وإذا عدنا إلى قيم الدين الإسلامي نجدها عكس ما تنادي به هذه المذاهب، فالدين الإسلامي في جوهره النقي هو دين إنساني يقدّس الحياة البشرية ولا يدعو إلى القتل والعنف والدماء وإنما يدعو الإنسان إلى استعمال العقل كما يدعوه إلى التأمل.

تعدّ القراءة غير الإنسانية أو فوق الإنسانية للدين، هي القراءة التي تولّد العنف والعدوان، لأنّ الدين حسب هذه القراءة يعدّ مجموعة من المعارف والأحكام الغيبية المتعالية على عقل الإنسان، أنزلها الله على البشر لكي يعملوا بها كأحكام شرعية44، ولكن هذا الفهم للدين سيلغي كل معارف الإنسان العلمية والفلسفية والفنية، ولكي يجمع الإنسان بين أبعاده المعرفية ودينه ينبغي أن يعطي أهمية كبيرة للقراءة الإنسانية.

يرى "شبستري" أن المشاكل التي يعانيها الإنسان المسلم المعاصر، هي مشاكل خاصة بهذا العصر فقط، ولهذا فإن الحلول لهاته المشاكل لا يمكن أن تكون نفسها الحلول التي طرحها أجدادنا منذ 14 قرنًا مضَتْ، فما كان صالحًا لزمان أجدادنا وآبائنا ليس صالحًا لزماننا نحن، وعليه فإن "شبستري" يدعو إلى "بناء كافة الأنظمة الاجتماعية على أساس حقوق الإنسان"45، وهنا فقط يمكن تطبيق الإسلام الحقيقي، الذي ينبذ كل النزعات المتطرفة ويقدّس الإنسان والقيم الإنسانية.

إنّ "حقوق الإنسان" التي يقصدها "شبستري" هي الحقوق التي صادقت عليها منظمة الأمم المتحدة سنة 1948 وتتشكل من ثلاثين مادة46، والتي تنصّ على مبدأ "الحرمة الذاتية للإنسان"، وهذا المبدأ الرئيسي الذي تأسس عليه ميثاق حقوق الإنسان، هو مبدأ موجود في النصوص الدينية التوحيدية الثلاثة (اليهودية، المسيحية، الإسلام) –حسب "شبستري"-، وما يهم هنا هو الدين الإسلامي بالأساس، إذ توجد في القرآن آيات كثيرة تقدّس الحرمة البشرية مثل: "ولقد كرّمنا بني آدم"، "إنَّا خلقنا الإنسان في أحسن تقويم"...47، ومن هنا فإنّ حقوق الإنسان تتلاءم مع الدين الإسلامي، ولهذا ينبغي إعادة بناء كافة الأنظمة الاجتماعية على أساس حقوق الإنسان من أجل تحقيق العدالة، وهي الرسالة الأساسية التي جاء الدين من أجلها.

والقراءة الإنسانية للدين تتم عن طريق "تأويل مختلف للنصوص الدينية، عبر قراءة شاملة لهذه النصوص، تستلهم نظامها الدلالي والرمزي، وما تختزنه من معانٍ ومداليل، لا تبوح بها إلّا من خلال عبور المنظومة المغلقة للفهم التقليدي"48، وهذا يكون من خلال تطبيق المناهج الحديثة، مناهج العلوم الإنسانية بصفة خاصة، حتى لا نختزل الدين في إطار المدوّنة الفقهية التي تجاوزها الزمن، حتى تُعطى للإنسان قيمته العليا التي خُلق من أجلها.

ثالثا: النزعة الإنسانية والعقلانية في الإسلام عند هشام جعيط

يُعدّ "هشام جعيط" من بين المفكّرين العرب والمسلمين المعاصرين القلائل الذين اهتموا بالنزعة الإنسانية في الإسلام من الدّاخل، وهذا بعد الدراسة التي قدّمها المفكر الجزائري "محمد أركون" (1928-2010) في كتابه: «نزعة الأنسنة في الفكر العربي»49، بالإضافة إلى الدراسة التي أعدّها المفكر الإيراني "علي شريعتي" (1933-1977) حول الإنسان والإسلام50، وتُعدّان من أهم الدراسات التي قدّمها المفكّرون المسلمون لموضوع الأنسنة في الإسلام، وعليه كيف حاول "هشام جعيط" الإجابة عن سؤال النزعة الإنسانية والعقلانية في الإسلام؟

1/المركزية الإنسانية في القرآن

إنّ القرآن هو العمود الأساسي الذي يقوم عليه الدين الإسلامي ككلّ، ويهتمّ القرآن بالمركزية الإلهية (المقدّس) ووصف العلاقة التي تربط الله بالكائنات الأخرى من إنسان وحيوان ووجود...، حيث يؤكّد القرآن على الصِّلة القائمة بين الله والطبيعة والإنسان وهي العلاقة المحوريّة التي يقوم عليها الخطاب القرآني، فعلى الرغم من أنه يؤكد على المركزية الإلهية إلا أنه يؤكد أيضا من جهة ثانية على قيمة ومكانة الإنسان الرفيعة في الكون، وهنا يقول "هشام جعيط": «توجد في القرآن مركزية إنسانية، لكنها خاضعة للمقاصد والمخططات الإلهية. وهذا بحدّ ذاته يمثّل شكلا من أشكال النزعة الإنسانية. ففي القرآن درجة إنسانية أرفع؛ إنها مكانة الإنسان في مغامرة الوجود، في غائية الخالق، وفي التاريخ»51؛ أي أنّ النزعة الإنسانية القرآنية تتأسس على العلاقة بين الإنسان والله من جهة، وبين الإنسان والطبيعة من جهة أخرى، لأنّ الله سخّر الطبيعة من أجل خير الإنسان وخدمته: ﴿ ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلۡأَرۡضَ مَهۡدٗا وَجَعَلَ لَكُمۡ فِيهَا سُبُلٗا لَّعَلَّكُمۡ تَهۡتَدُونَ ١٠ وَٱلَّذِي نَزَّلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءَۢ بِقَدَرٖ فَأَنشَرۡنَا بِهِۦ بَلۡدَةٗ مَّيۡتٗاۚ كَذَٰلِكَ تُخۡرَجُونَ ١١ وَٱلَّذِي خَلَقَ ٱلۡأَزۡوَٰجَ كُلَّهَا وَجَعَلَ لَكُم مِّنَ ٱلۡفُلۡكِ وَٱلۡأَنۡعَٰمِ مَا تَرۡكَبُونَ ١٢ لِتَسۡتَوُۥاْ عَلَىٰ ظُهُورِهِۦ ثُمَّ تَذۡكُرُواْ نِعۡمَةَ رَبِّكُمۡ إِذَا ٱسۡتَوَيۡتُمۡ عَلَيۡهِ وَتَقُولُواْ سُبۡحَٰنَ ٱلَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَٰذَا وَمَا كُنَّا لَهُۥ مُقۡرِنِينَ ١٣ 52 ويقول أيضا في موضع آخر: ﴿ ۞وَلَقَدۡ كَرَّمۡنَا بَنِيٓ ءَادَمَ وَحَمَلۡنَٰهُمۡ فِي ٱلۡبَرِّ وَٱلۡبَحۡرِ وَرَزَقۡنَٰهُم مِّنَ ٱلطَّيِّبَٰتِ وَفَضَّلۡنَٰهُمۡ عَلَىٰ كَثِيرٖ مِّمَّنۡ خَلَقۡنَا تَفۡضِيلٗا ٧٠53، وهذا التكريم لآدم ولِــــــ بنيه هو تكريم للإنسان وجوهره الحقيقي دون النظر إلى لونه أو دينه أو عِرقه.

من الشائع في الثقافة الحديثة أنّ النزعة الإنسانية تقوم على تحرير الإنسان من كلّ ما هو مقدّس وذو سيادة عليا، بل تؤكّد على قيمته بوصفه إنسانا متميزا عن باقي الكائنات الأخرى بمجموعة خصائص ومميزات، إلا أنّ "هشام جعيط" يؤكد على أنّ النزعة الإنسانية المتضمَّنة في الأديان الكبرى وخاصة الدين الإسلامي تتّخذ شكلا آخر من أشكال النزعة الإنسانية، فالقرآن يعبّر عن الحرية الإنسانية حين يُحدّثنا عن قصة آدم وطردِه من الجنّة ومعها وُلدت جدلية الخير والشرّ في القرآن54؛ لأنّ الإنسان حُرٌّ ومستقلٌّ ولديه القدرة على التحكّم في أفعاله ومصيره، ولهذا تُطرح مسألة العدل الإلهي بالنسبة لعلاقة الله بالإنسان وليس بالنسبة لعلاقة الله بالطبيعة، لأنها خاضعة لأوامر الله.

إنّ المركزية الإنسانية الموجودة في القرآن تُمثّل شكلا آخر متميّزا عن أشكال النزعة الإنسانية المعروفة، حيث يؤكد "هشام جعيط" أن النزعة الإنسانية القرآنية بدأت بإعلان نزول آدم إلى الأرض؛ وبالتالي فإنها ترمز إلى بداية الحرية البشرية55، والدليل على مكانة الإنسان في القرآن هو تكريمه بالعلم والعقل والإعلاء من مكانته مقابل الملائكة والشيطان: ﴿ إِذۡ قَالَ رَبُّكَ لِلۡمَلَٰٓئِكَةِ إِنِّي خَٰلِقُۢ بَشَرٗا مِّن طِينٖ ٧١ فَإِذَا سَوَّيۡتُهُۥ وَنَفَخۡتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُواْ لَهُۥ سَٰجِدِينَ ٧٢56؛ أي استخلاف الله للإنسان في الأرض.

2/المركزية الإنسانية في الثقافة الإسلامية

بعد تأكيد "هشام جعيط" على وجود نزعة إنسانية قرآنية تمثّل نوعا آخر مختلفا من أنواع النزعة الإنسانية التي عرفها تاريخ الفكر البشري، يحاول الآن التأكيد على أنّ النزعة الإنسانية متجذّرة في الإسلام من خلال الثقافة الإسلامية ما بعد القرآنية، والتي تشكّلت ببطء بسبب اهتمام العلماء والمفكّرين آنذاك بالبحث في القرآن وسيطرته على عقولهم.

تحمل الثقافة الدينية الإسلامية العديد من ملامح النزعة الإنسانية الثاويّة بين طيّات كتب الفقه والحديث وعلم الكلام العقلي والتصوّف الإسلامي الأوَّلي؛ ويقدّم "جعيط" كتاب «الخراج» كمثال في مجال الفقه والحديث على وجود نزعة إنسانية في الإسلام؛ والكتاب عبارة عن رسالة أو مذكرة موجّهة لـــــ "هارون الرشيد" آنذاك والذي كان يهدف إلى: "رفع الظلم عن رعيّته، والصلاح لأمرهم"57، فالاهتمام الأول للكتاب هو الرفع من شأن كرامة الإنسان وقيمته، بخلاف الكتب الفقهية الأخرى التي تهتم فقط بكيفية تطبيق حدود الله على الإنسان دون مراعاة لكرامته.

يذهب "هشام جعيط" إلى أنّ أهم موضوعين أساسين في كتاب "الخراج" واللذان يؤكدان على اهتمامه بالنزعة الإنسانية؛ هما: الموضوع الأول الذي يتمثّل في: "مناشدة الخليفة بأن يعامل السجناء إنسانيا، وهي مناشدة يمكن أن تتبنّاها تماما رابطة حديثة لحقوق الإنسان"58، حيث يؤكد على مجموعة من الحقوق التي لابد من توفيرها للسجناء والأسرى؛ مثل منع ضربهم وإطعامهم وكسوتهم59 وهي الطريقة التي اتّبعها الخلفاء والصحابة أثناء حكمهم، أما الموضوع الثاني فيخصّ تطبيق حدود الله على الإنسان، حيث يهتم "القاضي أبي يوسف" بالتأكيد على ضرورة الحذر في تطبيق العقوبات الجسدية التي تنصّ عليها الشريعة الإسلامية؛ أي عدم التطبيق الحرفي للعقوبات كما وردت وإنما ينبغي تأويلها بما يتفق وكرامة الإنسان، حيث يقدم مجموعة من الأمثلة والدلائل من السُنّة، مثل روايته لحديث عن عائشة أم المؤمنين نقلت عن النبي محمد فقالت: «ادْرَؤوا الحُدودَ عنِ المسلمين ما استطعتم، فإن كان له مَخرجٌ، فَخَلُّوا سبيله فإنّ الإمام إن يُخطئ في العفو، خير من أن يُخطئ في العقوبة»60؛ وهذا كلّه يمثّل مدى اهتمام الثقافة الإسلامية الدينية بالنزعة البشرية أو الإنسانية.

إنّ "هشام جعيط" ومن أجل التأكيد أكثر على البعد الإنساني للإسلام يقدّم مثالا آخر من الثقافة الدينية الإسلامية، وبالتحديد في مجال علم الكلام الإسلامي القائم على العقل، فعلى الرغم من أنه يهتم بالتوحيد الإلهي ومشكلة الله والدفاع عن العقيدة الإسلامية مقابل العقائد الأخرى، إلا أنهم اهتمّوا كثيرا بمشكلة الإنسان والحرية الإنسانية وقضايا المسؤولية، وأفضل مثال على ذلك هي فرقة "المعتزلة" التي تحدثت كثيرا عن العدل الإلهي ولكن غرضهم في ذلك هو الاهتمام بالإنسان والسعادة الإنسانية في الحياة الدنيا والآخرة.

ويُعدّ مفهوم الإرادة الإنسانية الحرة عند المعتزلة من أكثر المفاهيم التي تدلّ على وجود نزعة إنسانية في علم الكلام الإسلامي، حتى وإن كانت هذه النزعة الإنسانية غير واعية بذاتها وجاءت في سياق الحديث عن موضوع آخر مختلف تماما، ولكن التأكيد على حرية الإنسان في الفعل أو التّرك وإرادته الحرة الواعية هي أفضل مثال على اهتمام المعتزلة بالإنسان61، وقولهم بحرية الإرادة الإنسانية هو أساس العدل الذي يُعدّ أحد أهم الأصول الخمسة التي يقوم عليها الفكر المعتزلي ككلّ، فالحرية الإنسانية تمثّل الوجه الآخر للعدالة الإلهية؛ وبالتالي فإنّ النزعة الإنسانية في الثقافة الدينية ما بعد القرآنية لها علاقة مباشرة بالدين الإسلامي القائم على المركزية الإلهية.

إلاّ أنّ التصوّف يُعدّ أهمّ حقل من حقول الثقافة الدينية الإسلامية الذي يحتوي على مثال النزعة الإنسانية في الإسلام؛ فالفكر الصوفي يشغل حيّزًا واسعًا في الثقافة الإسلامية نظرًا إلى الإنتاج الفكري الواسع في هذا المجال، كما أنّه يمثّل الجانب الروحي للإسلام من أجل التأكيد على المفاهيم الإنسانية الإسلامية، ويؤكد "هشام جعيط" على أنّ النزعة الإنسانية الصوفية موجودة في تصوف العصر الكلاسيكي الفردي القائم على الأنا مثلما يوجد أيضا في التصوف الجماعي القائم على الزوايا مشكّلا بذلك نزعة صوفية إنسانية جماعية.

يعتبر التصوف أكثر جوانب الثقافة العربية والإسلامية انفتاحا على سؤال الإنسان، حيث اهتمّ التراث الصوفي منذ القديم بقضايا الإنسان الوجودية والمعرفية مثل "محي الدين ابن العربي" (558ه/1164م- 638ه/1240م) الذي اهتمّ كثيرا بالإنسان واعتبره فكرة مركزية تدور حولها الأفكار الأخرى، فالإنسان الأكبر أو الإنسان الكامل هو خليفة الله في الأرض: "وهو للحقّ بمنزلة إنسان العين الذي يكون به النّظر، وهو المعبَّر عنه بالبصر. فلهذا سميّ إنسانًا؛ فإنّه به ينظر الحقّ إلى خلْقِه فيَرحمُهم"62؛ أي أنّ الإنسان الكامل هو الصورة الظاهرة لله، ظهرت فيه الحقائق الإلهية، وهذا للتأكيد على قيمة ومكانة وشرف الإنسان الذي كرّمه الله في الإسلام.

     يمثّل "ابن العربي" النزعة الإنسانية الكونية لأنه يسعى إلى وحدة الأديان ووحدة الإنسان من أجل إرساء قيم المحبّة والتسامح بين الناس من جهة، ومن جهة ثانية التأكيد على مكانة الإنسان ووعيه بذاته لأنّه يتميّز بالعقل، حيث يقول "ابن العربي":

لقد صار قلبي قابلاً كلّ صورةٍ      

                                                 فمرعى لِغزلان، وديرٌ لرُهبان

وبيتٌ لأوثانٍ وكعبةُ طائـــــــــــــــــفٍ    

                                                 وألواحُ توراةٍ، ومُصحف قـــــــــرآن 

أدينُ بدينِ الحبّ أنّى توجّهَــــــتْ   

                                           رَكائبُه، فالحبُّ ديني وإيمــــــــــــاني63.

فالإنسان هو مركز الكون وهو العالم الأصغر مقابل العالم الأكبر الذي يمثّله الوجود: "فإنّ الله تعالى عَلِم نفسه فَعَلِمَ العالم، فلذلك خرج على الصورة وخلق الله الإنسان مختصَرًا شريفا جمع فيه معاني العالم الكبير، وجعله نسخة جامعة لِما في العالم، ولِما في الحضرة الإلهية من الأسماء"64؛ وهذا الإنسان الذي يريده "ابن العربي" هو الإنسان الكامل لا الإنسان العادي، وهو الإنسان الذي يدين بدين المحبّة بُغية القضاء على الطائفية وإلغاء الفروقات الظاهرة بين الناس، ولا يولد الإنسان كاملا بل يصل إلى الكمال عن طريق الإرادة والممارسة والمجاهدة الروحية.

بالإضافة إلى النزعة الإنسانية الفردية عند المتصوّفة التي يمثّلها أفضل تمثيل "محي الدين ابن العربي" من خلال نموذج "الإنسان الكامل"، نجد نوعا آخر وهو النزعة الإنسانية الجماعية والتي ترتبط بشكل أساسي بالزوايا؛ وهنا يتساءل "هشام جعيط" حول إمكانية وجود نزعة إنسانية صوفية جماعية فيقول: «بأي معنى تستطيع هذه الصوفية الجماعية، المُبَنْيَنة، اللاعقلانية في العمق، أن تحتوي بذورا معينة لمذهب إنساني؟»65، وللإجابة عن سؤاله يؤكّد على أنّ التصوف الجماعي منظّم في مؤسسة دينية تتمثّل في الزاوية والتي تقوم على العلاقة المنظَّمة بين الشيخ ومُرِيديه، يمكنه أن يحمل بين طيّاته بذورا للنزعة الإنسانية وذلك من خلال مجالين: المجال الأول هو الجانب الاجتماعي والأخلاقي مثل تربية الناس على التعاون والتآزر والتضحية وتثبيت قيم الخير والإحسان بينهم، وهو ما جعل رجال السلطة والسياسيين يستعينون بالمتصوفة كوسيط لحلّ العديد من المشكلات السياسية والاجتماعية نظرًا لمكانتهم لدى عامة الناس، أما المجال الثاني فهو الجانب الديني وفيه حاول المتصوّفة الابتعاد عن الإسلام المتشدّد الذي يقدّمه الفقهاء، فالإسلام الصوفي إسلام معتدل يقرّب كثيرا بين الإنسان والله دون أن يشعر بأنه متعالٍ عنه وبعيد كذلك، ولهذا فإنّ "جعيط" يؤكد على أنّ الإسلام يتضمّن بين طياته بذور النزعة الإنسانية منذ البداية، ويُعلي من قيمة الإنسان وكرامته وحريته.

إنّ اعتماد "هشام جعيط" على القرآن كأساس قدسي من أجل التأكيد على وجود نزعة إنسانية قرآنية، عرّضه للعديد من الانتقادات، لأنه لا ينطلق من العقل والنقد والمنطق بل ينطلق من المقدّس وبالتالي فإنّ تحليله أقرب إلى الدّاعية الإسلامي منه إلى المفكّر الحصيف الناقد، والسؤال الذي يطرحه النقّاد هو: «كيف يمكن لنصٍّ ديني متمحور على الله أن يؤسس لإنسانوية ما، في الوقت الذي يعني فيه هذا المفهوم في الثقافة الحديثة وضع الإنسان كقيمة  عليا وتحريره من كلّ مرجعية إلهية؟»66؛ ومن أجل الإجابة عن هذا السؤال يُعاب على "جعيط" استخدامه  للأسطورة الخرافية التي تؤكد أنّ الله استخلف الإنسان في الأرض من خلال خلق آدم، لأنها منافية للنتائج العلمية الحديثة في البيولوجيا وعلم الأجنّة وغيرها من العلوم التي تثبت نظرية التطور، فالمفكّر والباحث الجدّي عليه بضرورة الاعتماد على العلوم العقلية الصارمة والموضوعية من أجل الوصول إلى نتائج أكثر منطقية وعقلانية، لا الاعتماد على الخرافات المنسية في الكتب الدينية.

ولكن "هشام جعيط" يؤكّد منذ البداية في تحليله أنّ النزعة الإنسانية في القرآن تتخذ شكلا آخر مختلفا عن أشكال النزعة الإنسانية التي تؤكدها الثقافة الغربية الحديثة، والتي تعطي السيادة العليا والمركزية للإنسان وتحرره من كلّ مرجعية مقدّسة متعالية.

خاتمة

من خلال كلّ ما تقدّم يتبيّن لنا أنّه على الرغم من اهتمام الفلاسفة والمفكّرين اليوم بسؤال التقنيّة والعلم والتطوّر التكنولوجي والصناعي وكيفيّة تطوير قدرات الإنسان الفكرية والجسدية لمواكبة هذا التطور المتقدّم، إلاّ أنّ هناك من لا يزال يهتمّ بإشكالية النزعة الإنسانية وخاصة من المفكّرين المسلمين المعاصرين لأنّهم يعيشون داخل بلدان متخلّفة مقارنة بالدوّل الغربية المتقدّمة علميًّا وفكريًّا وتكنولوجيًّا، إذ يحاول هؤلاء المفكّرين التأكيد على قيمة الإنسان ومكانته بوصفه صاحب عقل وإرادة وهذا في علاقته بالإسلام.

وبناءً على هذا يُعدّ "محمد مجتهد شبستري" أحد المفكّرين المسلمين المعاصرين الذين اهتموا بمكانة الإنسان وكرامته، ولهذا حاول تقديم قراءة إنسانية للدين الإسلامي بُغية القضاء على نزعة العنف والتطرّف واللاتسامح، وذلك من خلال مراعاة كلّ الأبعاد الإنسانية في الإنسان (المعرفية والوجودية والقيمية)؛ لأنّ الله خلق الإنسان وكرّمه بأن جعله خليفة له في الأرض، وما على الإنسان إلاّ محاولة فهم هذا الدين وفق المبادئ الإنسانية، وهنا يستبدل "شبستري" القراءة الرسمية للدين بالقراءة الإنسانية، لأنّ القراءة الأولى إيديولوجية تخدم السياسة والسلطة ولا تخدم مصالح الإنسان وتهتم بتكليف الإنسان فقط بعبادة الله دون مراعاة للجانب الروحي للدين الإسلامي، أما القراءة الإنسانية فإنها تجعل من الدين منفتحًا يحمل العديد من المعاني ولا يقبل معنى واجد فقط؛ وبالتالي يتقبّل الآخر ويتعايش معه بوصفه إنسان دون النظر إلى معتقده أو مذهبه أو دينه.

ومن بين النتائج التي توصّلنا إليها أيضا أنّ "هشام جعيط" حاول إثبات وجود نزعة إنسانية في الدين الإسلامي وذلك من خلال حقلين؛ الحقل الأول هو المركزية الإنسانية المتضمّنة في القرآن واعتبرها نوعا آخر من أنواع النزعة الإنسانية مختلف عن المفهوم المتعارف عليه في الحضارة الغربية لهذا المصطلح، فالقرآن يؤكد على حرية الإنسان واستقلاليته وقدرته على التحكّم في أفعاله وهو أكبر دليل على احترام القرآن للكرامة البشرية وحقوق الإنسان، أما الحقل الثاني فهو النزعة الإنسانية في الثقافة الإسلامية ما بعد القرآنية؛ ففي مجال الفقه والحديث اعتبر أنّ كتاب "الخراج" لـــ "القاضي أبي يوسف" أفضل مثال جسّد حقوق الإنسان في ذلك العصر، أما في مجال علم الكلام الإسلامي القائم على العقل يذهب إلى أنّ فرقة المعتزلة تمثّل لحظة أساسية في تجسيد مفهوم الإرادة الإنسانية الحرة والعدل، كما يُعدّ مجال التصوف الإسلامي بشقّيه الفردي والجماعي أكثر جوانب الثقافة العربية والإسلامية انفتاحا ودراسة لسؤال الإنسان صاحب الإرادة الحرة والعقل.

وفي النهاية نخلص إلى أنّ "شبستري" اهتم بالنزعة الإنسانية في علاقتها بالإسلام من الخارج؛ وذلك من خلال محاولته إعادة قراءة الإسلام بمناهج غربية حديثة وتحديدا التأويلية من أجل إعطاء معاني متعددة للنصوص الدينية حتى تنفتح على الآخر، أما "جعيط" فاهتم بها من الخارج؛ وذلك من خلال محاولة إثباته لوجود نزعة إنسانية ثاوية ضمن الآيات القرآنية والنصوص الإسلامية ذات العلاقة بالقرآن والإسلام.

ومن هنا نوصي بضرورة دراسة النزعة الإنسانية عند المفكّرين العرب والمسلمين منذ القديم وحتى عصرنا هذا، والتي أكّدوا من خلالها على وجود نزعة إنسانية إسلامية، في مجالات متعددة كالفلسفة والأدب والجمال والتصوف وغيرها من المجالات المعرفية الأخرى

1. "محمد مجتهد شبستري" من مواليد 1936 بشبستر بإيران، فيلسوف وفقيه وباحث في مجال العلوم القرآنية ومتخصص في الإلهيات المقارنة، كان أستاذا في كلية الإلهيات في جامعة طهران في مجال الكلام المقارن، تأريخ الأديان وتأريخ العرفان، ويعتبر من الأوائل الذين جاؤوا بالخطاب الهرمينوطيقي في إيران، وتسببت آراؤه في هذا المجال في الكثير من الجدل والمناقشات.

يعدّ "شبستري" من أبرز دُعاة الحداثة الدينية في إيران، وقد لعب دورا نشِطا بدءا من العام 1990 في نشر المقالات في الصحف اليومية الليبيرالية، داعيا إلى تأسيس نهج جديد، أكثر انتقادا للفهم الرسمي للدين، بلور خلاصات حديثة انطلاقا من النص الديني حول الفردية وحقوق الإنسان والديمقراطية وحكم الشعب، ورأى أهمية تقديم رؤية دينية تُحاكي شروط العصر ومتطلباته على قاعدة أنّ الأزمة التي يمر بها الإسلام اليوم إنما تشير إلى أنّ وجهات نظر الفقه التقليدي في أزمة.

لـــ "شبستري" العديد من المؤلفات نذكر منها:

-نقد الفهم الرسمي للدين.

-قراءة بشرية للدين. أو تأملات في النزعة الإنسانية للدين.

وله أيضا مجموعة من المقالات من بينها:

-الفقه الإسلامي وحقوق المرأة.

-التعايش والحوار بين الديان والثقافات.

-الكلام الوحياني.

-حقوق الإنسان ونصوص الأديان الإبراهيمية.

Hiwarat.net/ ?p=2467 يوم: 12/12/2018على الساعة 12:38

  www.mouminoun.com/articles/3650 يوم: 17/12/2018 على الساعة 23.00

2.هشام جعيط، مؤرخ ومفكر تونسي، انشغل بأسئلة العصر وتحدياته، وركّز في انتاجه على التاريخ العربي الإسلامي في الصدر الأول، كما تطرّق في أعماله إلى أزمة الفكر العربي الإسلامي.

ولد يوم 6 ديسمبر 1935 بتونس العاصمة، وقد نشأ في عائلة برجوازية مثقفة متدينة مقاومة، درس في المدرسة الصادقية، وتابع دراسته الجامعية في باريس، في 1962 حصل على الإجازة في اختصاص التاريخ، وفي 1981 حصل على شهادة الدكتوراه في التاريخ الإسلامي من جامعة باريس أيضا.

يحرص "جعيط" في أعماله على تأكيد وجود أزمة في الثقافة العربية الإسلامية، وينجلي ذلك في كتبه "أزمة الثقافة الإسلامية"، و"الشخصية العربية الإسلامية"، و"أوروبا والإسلام".

اشتهر بثلاثيته في "السيرة النبوية" التي تناولت الوحي والنبوة وتاريخية الدعوة في مكة ومسيرة محمد في المدينة، وقد حاول سبر أعماق هذه المعاني من وجهة نظر تاريخية وفكرية نقدية لمختلف مصادر المعلومات، وقال إن هدفه إعادة كتابة السيرة النبوية بطريقة علمية مغايرة لكل السير التي كُتبت قديما وحديثا. 

من مؤلفاته:

*الشخصية العربية الإسلامية والمصير العربي (1984).

*الكوفة: نشأة المدينة العربية الإسلامية (1986).

*الفتنة: جدلية الدين والسياسة في الإسلام المبكر (1992).

السيد ولد أباه، أعلام الفكر العربي (مدخل إلى خارطة الفكر العربي الراهنة)، ط1، الشبكة العربية للأبحاث والنشر، بيروت، 2010، ص ص 184، 191. وأيّوب أبو ديّة، موسوعة أعلام الفكر العربي الحديث والمعاصر، ط3، المكتبة الوطنية، الأردن، 2018، ص ص 733-735.

3. مثل دراسة: الشريف طاوطاو، الإنسان في فلسفة "رجاء غارودي"، دكتوراه العلوم في الفلسفة، كلية العلوم الإنسانية والعلوم الاجتماعية- جامعة منتوري قسنطينة، 2010، منشورة. وفتيحة بلعكروم، منزلة النزعة الإنسانية النيتشوية في الفكر الألماني المعاصر، رسالة مقدمة لنيل درجة دكتوراه العلوم في الفلسفة، كلية العلوم الإنسانية والعلوم الاجتماعية- جامعة عبد الحميد مهري/ قسنطينة2، 2017-2018، منشورة. عبد الرزاق الدوَاي، موت الإنسان (في الخطاب الفلسفي المعاصر)، ط1، دار الطليعة للطباعة والنشر، بيروت، 1992، ص ص 189-191.

4. أندريه لالاند، الموسوعة الفلسفية، تر: خليل أحمد خليل، ط2، منشورات عويدات، بيروت-باريس، 2001، ص 566.

5. مراد وهبة، المعجم الفلسفي، ط1، دار قباء الحديثة للطباعة والنشر والتوزيع، القاهرة، 2007، ص 105.

6.اختلف علماء الكلام كثيرا حول هذه المسألة، فالأشاعرة مثلا ترى بأنه يكفي التصديق بالجنان حتى نقول عن الشخص أنه مؤمن. أبي بكر الباقلاني، الإنصاف (فيما يجب اعتقاده ولا يجوز الجهل به)، تح: محمد زاهد الكوثري، ط2، المكتبة الأزهرية للتراث، القاهرة، 2000، ص 22.

في حين أنّ المعتزلة مثلا تذهب إلى انّ الايمان اعتقاد بالقلب وتصديق باللسان وعمل بالجوارح. أبو محمد علي ابن حزم، الفصل في الملل والأهواء والنّحل، ج 03، تح: محمد ابراهيم نصر وعبد الرحمن عميرة، ط2، دار الجيل، بيروت، 1996، ص 188.

7. علي الطنطاوي، تعريف عام بدين الإسلام، ط14، دار الوفاء للطباعة والنشر والتوزيع، القاهرة، 1992، ص 27.

8.مصطلح يطلقه "فتحي بن سلامة" على النبي ابراهيم باعتباره مؤسس الديانة التوحيدية، وهو أول من أُطلق عليه اسم «المسلم» قبل الاسلام، فالإسلام هو عودة إلى: ﴿مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ﴾ سورة الحج، الآية 78. فتحي بن سلامة، الإسلام والتحليل النفسي، تر: رجاء بن سلامة، ط1، دار الساقي، بيروت، 2011، ص 103.

9. عبد المجيد الشرفي، الإسلام والحداثة، ط2، الدار التونسية للنشر، تونس، 1991، ص 13.

10.                     المرجع نفسه، ص 15.

11.                      خصص "عبد المجيد الشرفي" لهذا الموضوع كتابا كاملا بعنوان "الإسلام بين الرسالة والتاريخ"، ط2، دار الطليعة للطباعة والنشر، بيروت، 2008.

12.                     ابن منظور، لسان العرب، تح: عبد الله علي كبير وغيره، ط1، دار المعارف، القاهرة، (د.س.ن)، ص 3563.

13.                      المرجع نفسه، ص 3563.

14.                      الموسوعة العربية الميسرة، المكتبة العصرية، مج05، ط3، شركة أبناء شريف الأنصاري للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، 2009، ص 2544.

15.                      رينهارت دوزي، تكملة المعاجم العربية، ج8، تر: محمد سليم النعيمي، ط1، دار الشؤون الثقافية العامة – آفاق عربية، بغداد، 1997، ص 210.

16.                     محمد علي التهانوي، موسوعة كشّاف اصطلاحات الفنون والعلوم، تح: علي دحروج، تر: عبد الله الخالدي، ط1، مكتبة لبنان ناشرون، بيروت، 1996، ص 1312.

17.                      علي حرب، هكذا أقرأ ما بعد التفكيك، ط1، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، 2005، ص 09.

18.                     نصر حامد أبو زيد، الخطاب الديني (رؤية نقدية)، ط1، دار المنتخب العربي، بيروت، 1992، ص 58.

19.                      محمد مجتهد شبستري، تأملات في القراءة الإنسانية للدين، تر: حيدر نجف، مرا: عبد الجبار الرفاعي، ط1، مركز دراسات فلسفة الدين ودار التنوير للطباعة والنشر، بغداد– تونس، 2014، ص 72.

20.                     المصدر نفسه، ص 71.

21.                     المصدر نفسه، ص 72.

22.                    فلسفة الدين هي فرع جديد من فروع الفلسفة، ظهر في الغرب، وتعني القراءة العقلانية للدين، الأديان عموما وليس دين واحد فقط، سواء كانت هذه الأديان سماويةً أو وضعية. عبد الجبار الرفاعي، تمهيد لدراسة فلسفة الدين، ط1، مركز دراسات فلسفة الدين ودار التنوير للطباعة والنشر، بغداد-تونس، 2014، ص 246.

23.                     علي أحمد الكربابادي، قراءة في تعدد القراءات، ط1، دار الصفوة للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، 2010، ص 19.

24.                     ابن منظور، لسان العرب، م س، ص 1367.

25.                     محمد عبد الله دراز، الدين (بحوث ممهِّدة لدراسة تاريخ الأديان، ط1، دار القلم ومطبعة الحرية، الكويت-بيروت، (د.س.ن)، ص 31.

26.                     خزعل الماجدي، علم الأديان (تاريخه، مكوناته، مناهجه، أعلامه، حاضره، مستقبله)، ط1، مؤسسة مؤمنون بلا حدود للنشر والتوزيع، الرباط، 2016، ص 25.

27.                     حسن علي مصطفى، نشأة الدين (بين التصور الإنساني والتصور الإسلامي)، ط1، مؤسسة الإسراء للنشر والتوزيع، قسنطينة، 1991، ص 11.

28.                     محمد عبد الله دراز، الدين، م س، ص 13.

29.                     محمد مجتهد شبستري، "إحياء الدين وتطورات التجربة الدينية"، مجلة قضايا إسلامية معاصرة، دار الفلاح للنشر والتوزيع، بيروت، ع 16-17، ص 61.

30.                     المصدر نفسه، ص 63.

31.                      محمد مجتهد شبستري، تأملات في القراءة الإنسانية للدين، م س، ص 05.

32.                     المصدر نفسه، ص 71.

33.                     محمد مجتهد شبستري، "الإيمان والتجربة الدينية والحرية"، تر: حيدر نجف، مجلة قضايا إسلامية معاصرة، مركز دراسات فلسفة الدين، بغداد، ع 51-52، ص 132.

34.                     محمد مجتهد شبستري، تأملات في القراءة الإنسانية للدين، م س، ص 55.

35.                     طه جابر العلواني، "مقاصد الشريعة"، ضمن كتاب: مقاصد الشريعة (مشكلات الحضارة / دراسات إسلامية)، إشراف: عبد الجبار الرفاعي، ط1، دار الفكر، دمشق، 2002، ص ص 127-128.

36.                     محمد مجتهد شبستري، تأملات في القراءة الإنسانية للدين، م س، ص 62.

37.                     المصدر نفسه، ص 66.

38.                     محمد مجتهد شبستري وآخرون، "بنية العنف ومنابعه وأشكاله وتجلياته"، مجلة قضايا إسلامية معاصرة، مركز دراسات فلسفة الدين، بغداد، ع 35-36، ص 85.

39.                     محمد مجتهد شبستري، تأملات في القراءة الإنسانية للدين، م س، ص 56.

40.                     المصدر نفسه، ص 56.

41.                      المصدر نفسه، ص 70.

42.                     محمد مجتهد شبستري وآخرون، "بنية العنف ومنابعه وأشكاله وتجلياته"، ص 94.

43.                     عبد الجبار الرفاعي، إنقاذ النزعة الإنسانية في الدين، ط2، مركز دراسات فلسفة الدين، بغداد، 2013، ص 280.

44.                     محمد مجتهد شبستري، تأملات في القراءة الإنسانية للدين، م س، ص 72.

45.                     المصدر نفسه، ص 62.

46.                     محمد مجتهد شبستري، "حقوق الإنسان ونصوص الأديان الإبراهيمية والسيادة الحقوقية الإلهية"، مجلة قضايا إسلامية معاصرة، مركز دراسات فلسفة الدين، بغداد، ع 37-38، ص 94.

47.                     المصدر نفسه، ص 95. سورة الإسراء، الآية 70. سورة التين، الآية 04.

48.                     عبد الجبار الرفاعي، الدين والظمأ الأنطولوجي، ط1، مركز دراسات فلسفة الدين ودار التنوير للطباعة والنشر، بغداد-تونس، 2016، ص 94.

49.                     محمد أركون، نزعة الأنسنة في الفكر العربي (جيل مسكويه والتوحيدي)، تر: هاشم صالح، ط1، دار الساقي، بيروت، 1997.

50.                     علي شريعتي، الإنسان والإسلام، تر: عباس الترجمان، مرا: حسين علي شعيب، ط2، دار الأمير للثقافة والعلوم، بيروت، 2007.

51.                      هشام جعيط، أزمة الثقافة الإسلامية، ط3، دار الطليعة للطباعة والنشر، بيروت، 2011، ص 50.

52.                     سورة الزخرف، الآية 10-13.

53.                     سورة الإسراء، الآية 70.

54.                     هشام جعيط، أزمة الثقافة الإسلامية، م س، ص 51.

55.                     المصدر نفسه، ص ص 50-51.

56.                     سورة ص، الآية 71-72.

57.                     القاضي أبي يوسف، كتاب الخراج، ط1، دار المعرفة للطباعة والنشر، بيروت، 1979، ص 03.

58.                     هشام جعيط، أزمة الثقافة الإسلامية، م س، ص 53.

59.                     القاضي أبي يوسف، كتاب الخراج، م س، ص 149. يختلف موقف "هشام جعيط" في كتابه "الشخصية العربية الإسلامية" عن موقفه هذا من كتاب "الخراج" لأنه في الفترة الأولى أكّد على أنّه كتاب لا يدعو إلى العالمية ويحافظ على القومية، في حين أنه في فترة لاحقة ونظرا لتطوّر أفكاره يؤكّد العكس من هذا، حيث يرى بأنّ كتاب "الخراج" يمكن الاستفادة منه عالميا في مجال حقوق الإنسان. هشام جعيط، الشخصية العربية الإسلامية والمصير العربي، تر: المنجي الصيادي، دار الطليعة للطباعة والنشر، ط3، بيروت، 2008، ص 31.

60.                     رواه الترمذي، ضمن كتاب: عبد الرحمن السعدي، بهجة قلوب الأبرار وقرة عيون الأخيار في شرح جوامع الأخبار، ط4، وكالة شؤون المطبوعات والنشر، الرياض، 2002، ص 119.

61.                     القاضي عبد الجبار، المغني (في أبواب التوحيد والعدل)، ج06 (الإرادة)، تح: محمود محمد قاسم، مرا: ابراهيم مذكور، ط1، دار الكتب المصرية، القاهرة، 1962، ص 56.

62.                     محي الدين ابن العربي، فصوص الحِكم، تح: أبو العلا عفيفي، ط1، دار الكتاب العربي، بيروت، (د.س.ن)، ص 50. ويُعدّ "ابن العربي" أول من استعمل تعبير "الإنسان الكامل" في الفكر الصوفي والفلسفي الإسلامي، هذا من ناحية اللفظ، أما المضمون فقد استقاه من ينابيع متعددة لم تؤثّر في فرديّته وابتكاره، وعبارة الإنسان الكامل تشير إلى مجموعة الصفات العالية الرفيعة التي تميّز الحقيقة الإنسانية. ومن هنا فإنّ "ابن العربي" يصف الإنسان "كما يجب أن يكون" وليس الإنسان "كما هو كائن" في الواقع الإنساني؛ أي بطريقة مثالية يوتوبيّة، ومن هنا فإنّ البحث في الإنسان عند المتصوّفة يختلف جذريّا عن البحث في مفهوم الإنسان في الفلسفات الحديثة والمعاصرة، ولكن التأكيد على الكرامة الإنسانية والعقلانية هو ما يثبت النزعة الإنسانية في التصوف الإسلامي والثقافة الإسلامية عموما. سعاد الحكيم، المعجم الصوفي (الحِكمة في حدود الكلمة)، ط1، دار دندرة للطباعة والنشر، بيروت، 1981، ص 160. 

63.                     محي الدين ابن العربي، تُرحمان الأشواق، تح: عبد الرحمن المصطاوي، ط1، دار المعرفة، بيروت، 2005، ص 62.

64.                     محي الدين ابن العربي، رسائل ابن عربي (القطب والنّقباء وعقلة المستوفز)، تح وتق: سعيد عبد الفتاح، ط1، دار الانتشار العربي، بيروت، (د.س.ن)، ص 45.

65.                     هشام جعيط، أزمة الثقافة الإسلامية، م س، ص 56.

66.                     محمد المزوغي، منطق المؤرخ (هشام جعيط: الدولة المدنية والصحوة الإسلامية)، ط1، منشورات الجمل، بيروت- بغداد، 2014، ص 28.

 

@pour_citer_ce_document

عفاف مسعي, «النزعة الإنسانية والإسلام محمد مجتهد شبستري وهشام جعيط أنموذجين»

[En ligne] ,[#G_TITLE:#langue] ,[#G_TITLE:#langue]
Papier : ص ص 41-53,
Date Publication Sur Papier : 2020-04-21,
Date Pulication Electronique : 2020-04-21,
mis a jour le : 21/04/2020,
URL : https://revues.univ-setif2.dz:443/revue/index.php?id=6681.