النص بين القراءة الحرفية والقراءة التأويليةعند علماء الكلام"The text between the literal reading and interpretive reading of scientists "elkalam
Plan du site au format XML


Archive: revues des lettres et sciences sociales


N°01 Avril 2004


N°02 Mai 2005


N°03 Novembre 2005


N°04 Juin 2006


N°05 Juin 2007


N°06 Janvier 2008


N°07 Juin 2008


N°08 Mai 2009


N°09 Octobre 2009


N°10 Décembre 2009


N°11 Juin 2010


N°12 Juillet 2010


N°13 Janvier 2011


N°14 Juin 2011


N°15 Juillet 2012


N°16 Décembre 2012


N°17 Septembre 2013


Revue des Lettres et Sciences Sociales


N°18 Juin 2014


N°19 Décembre 2014


N°20 Juin 2015


N°21 Décembre 2015


N°22 Juin 2016


N° 23 Décembre 2016


N° 24 Juin 2017


N° 25 Décembre 2017


N°26 Vol 15- 2018


N°27 Vol 15- 2018


N°28 Vol 15- 2018


N°01 Vol 16- 2019


N°02 Vol 16- 2019


N°03 Vol 16- 2019


N°04 Vol 16- 2019


N°01 VOL 17-2020


N:02 vol 17-2020


N:03 vol 17-2020


N°01 vol 18-2021


N°02 vol 18-2021


N°01 vol 19-2022


N°02 vol 19-2022


N°01 vol 20-2023


N°02 vol 20-2023


A propos

avancée

Archive PDF

N°28 Vol 15- 2018

النص بين القراءة الحرفية والقراءة التأويليةعند علماء الكلام

"The text between the literal reading and interpretive reading of scientists "elkalam
325-341

عبد المجيد مسالتي
  • resume:Ar
  • resume
  • Abstract
  • Auteurs
  • TEXTE INTEGRAL
  • Bibliographie

لا تزال ثنائية العقل والنص في الفكر الإسلامي، هذه المشكلة القديمة المتجدّدة،تثير في راهنيتن جدلاً منهجيًا، يمكن اعتباره، المحك الذي على أساسه يتّم تصنيف اتجاهات الفكر الإسلامي، بل إنّه الميزان العقلي الذي يتّم الفرز من خلاله. فهل يمكن اعتبار البعد عن جوهر الإسلام وروحهيقوم على أساس البعد عن النّص واعتماد العقل، أم أنّ الارتباط بالنّص وإتباعه حذو النعل بالنعل هو الفيصل الوحيد في الحكم على مدى أصالة المعتقد وتأصيل الانتماء؟  فأهل النص يرفضون إخضاع النص الديني للعقل بحجة أنّ النص الديني مقدس ومطلق وهو أعلى وأشرف من الذي يَدَّعِى الدفاع عنه. فتشدد أنصار هذا الاتجاه في التفسير ولم يجرأ أحد منهم على تفسير آية ما لم يرد فيها قول للنبي أو للصحابة، يرون أن النص الديني لا يفسره إلاّ نصا دينيا.  ومن هنا بدأت معاناة الفكر الاعتزالي بالذات، وهو الذي يولي أهمية خاصّة للعقل كأداة منهجية فعالة لفهم النّص الدّيني الإسلامي من جهة واتخاذه وسيلة لمجادلة خصوم الإسلام واستنباط الحجج المقنعة لغير المسلمين ما داموا يرفضون أساسًا مبدأ الوحي والتنزيل. أما موقف الأشاعرة فهو يتأرجح بين موقف المعتزلة وأهل السلف، لأن العقل المستقل عن الوحي عاجز عن معرفة الشؤون الإلهية وما هو إلاّ أداة أو وسيلة لفهم الوحي المنزّل. ورغم أن العقل هو الداعي إلى الإيمان، غير أنّه لا يوجب شيئا على أحد ولا يرفع عنه، ولا يمكنه أن يحلل أو يحرِّم، ولا أن يحسن أو يقبّح، بل كل ما سبق ذكره من وظائف هي من المهام المنوطة بالشرع.

الكلمات المفاتيح: العقل، النص, التأويل, أهل النص, المعتزلة, الأشاعرة.

Le dualisme de l'esprit et du texte de la pensée islamique, ce vieux problème récurrent, soulèvent un argument méthodologique, qui peut être considéré comme une base de classement des tendances de la pensée islamique sont classées. Est-il possible de considérer la dimension de l'essence de l'Islam et de son esprit sur la base de l'éloignement du texte et de l'adoption de la raison, ou est-ce que l’application du texte est le seul paramètre de l'originalité de la conviction et l'enracinement de l'appartenance ? Les "Salafs" refusent de soumettre refusent le texte religieux à la raison sous prétexte que le texte religieux est sacré et absolu et qu'il est plus élevé et plus honorable que celui qui est appelé à le défendre. Les partisans de cette tendance n’ont réussi d’expliquer aucun Verset tant qu’il n’a pas été interprété par le Prophète ou Ces Compagnons. Ils considèrent que le texte religieux ne doit être expliqué que par un texte religieux. D'où les hésitations de la pensée "Mu'tazilit" elle-même, qui attache une importance particulière à l'esprit, comme un outil méthodologique efficace de compréhension du texte religieux islamique. Elle le considère comme un outil de débats des opposants à l'islam, tant qu'ils rejettent fondamentalement le principe de la révélation. Quant à la position des “Ashaira”,elle oscille entre la position du Mu'tazil et celle des "Salafs", justifiant que l’esprit indépendant de la révélation est incapable de connaître les questions divines, plutôt il n’est qu’un outil ou un moyen de compréhension de la révélation. Bien que l’esprit soit celui qui appelle à la croyance, il n’exige rien de personne et ne l’en dispense, il ne l’autorise ni le proscrit, ni le considère comme bon ou mauvais, toutes ces fonctions sont des tâches confiées à la charia

Mots clés : Laraison, Le texte religieux, L'interpétation, Des "Salafs", "Mu'tazilah", “Ashaira”. 

The bilateral of mind and transfer in Islamic thinking, this old and renewable problem, it still raising at the present time, a methodological controversy which can be considered not only as a criterion on which we classify the Islamic thinking trends but a mental balance as well So, can we consider getting far from the essence of Islam and its spirit, which means getting far from the text ( Quran and Hadith ), follow it word by word,and take it as the only criteria in the judgment of the originality of the belief  and the belonging? Those who are in favour of the text refuse to subject the religious text to the mind arguing that the religious text is so sacred, higher, and more honour dole that it doesn’t need to be defended. They didn’t even dare to interpret or explain any verse which has no interpretations from our prophet  or his companions, as previously note, the religious text can be interpreted only by another religious text.From this point, Almoutazila‘s thinking suffering started. This trend, which gives too much importance to the mind and consider it as the only effective means to understand the religious text on one hand and take it as a means to refute the opponents of Islam or the other land. In addition to this, we can deduce the convincing proofs or arguments for non-Muslims since they totally refuse the idea of revelation. However, the “Ashaira”, s point of view is swinging between “Al moutazila” and the ancestors because the mind, which is independent of revelation, is unable to know Devine affairs and it is just a means to understand the revelation. Although the mind pushes us to faith, it can’t oblige anything on anyone; it doesn’t relieve him and it can’t allow or forbid, it doesn’t improve or condemn. But all that have been mentioned is among the functions or tastes of "sharia"..

Keywords:The Mind, The religious text, The interpretation, "Salafs", "Mu'tazila", "Ashaira". 

مقدمة

انقسم المسلمون إلى فرق، فريق وقف خلف النقل يتشبث بألفاظ النصوص، باعتبار أن آيات القرآن بيِّنة،﴿ وَلَقَدْأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَمَا يَكْفُرُ بِهَا إِلَّا الْفَاسِقُون﴾َ1، وفريق وقف وراء العقل، فدخل هذا الفريق في متاهات كان في غنى عنها، نظرا لما قدمه الله تعالىله من خلال الوحي، فتجاوزَ حدود العقل بل حتى حدود الشرع. «فأما الفريق الأول فيعرف بالنصيين أو الحرفيين وهم الذين وقفوا عند ظواهر النصوص فوقعوا في التشبيه والتجسيد وعجزوا عن الارتقاء إلى آفاق التنزيه والتجريد. وأما الفريق الثاني فهم الذين غالوا في التأويل فزعموا أنّ لكل آية ظاهرا وباطنا ولكل تنزيل تأويلا».2

وكان هذا من بين الأسباب غير المباشرة في ظهور ما يسمى بالتعارض بين العقل والنقل، ومنه نشأ في الفكر الإسلامي لون جديد من البحوث والدراسات يقوم على تأويل ما يبدو أنه يتعارض أو يتناقض مع العقل من نصوص الكتاب أو السنة3. وفي هذا يصور "ابن حزم" (994، 1064) فتنة الأقدمين بالعقل فيقول: «هما طرفان: أحدهما أفرط فخرج عن حكم العقل. والثاني قصّر فخرج عن حكم العقل، ولا نعلم فرقة أبعد من طريق العقل من هاتين الفرقتين، إحداهما التي تبطل حجيج العقول جملة، إن صحة ما أوجبه العقل عرفناه بلا واسطة وبلا زمان ولم تكن بين أول أوقات فهمنا وبين معرفتنا بذلك واسطة البتة»4.

في هذه الظروف ظهر علم الكلام، كما يعرفه "ابن خلدون" بأنه «علم يتضمن الحجاج عن العقائد الإيمانية بالأدلة العقلية، والرد على المبتدعة المنحرفين في الاعتقادات عن مذاهب السلف وأهل السنة»5. وهذا يعني أنلعلم الكلام وظيفة تتمثل في إثبات العقائد الدينية بالأدلة العقلية، ورد الشبهات التي يوردها المبتدعة على العقائد بالأدلة العقلية.أو الدفاع عن العقائد الدينية التي أتي بها الشرع. وقد اعتمد علماء الكلاممنهجين لتحقيق هذه الغاية السابقة الذكر: منهج نقلي، وآخر عقلي. المنهج النقلي هو الذي كان فيه القرآن والسنة المصدر الأساسي الذي استمد منه المسلمون تصوراتهم العقدية. والمنهج العقلي هو الذي أصبح فيه المسلمون إبتداءً من منتصف القرن الثاني يواجهون في عقيدتهم هجومات تجاوزت الاستدلالات النصية إلى استدلالات عقلية قائمة على قواعد فكرية عامة وقوالب منطقية معينة.

إنّ قضية "العقل والنقل"، أو "العقل والسمع"، أو ما تعرف حاليا بقضية "العقل والنص" تُمشكل، وفي كثير من الأحيان تُؤشكل، في الظروف التي يواجه فيها المسلمون الحضارات القائمة على العقل، في صدر الإسلام عندما تُرجم الفكر اليوناني إلى اللغة العربية، وفي العصر الحديث عندما غزت الحضارة الغربية الحديثة المجتمعات الإسلامية.6

ومن هنا نصل إلى طرح الإشكالية التالية: كيف كان التحول من القراءة الحرفية (أهل الحديث) إلى القراءة التأويلية (أهل الرأي) وما خصائص وحجج كل منالقراءتين؟  

التحليل

أ-القراءةالحرفية للنص عند أهل الحديث7أو أهل النص

إذا كانت المعتزلة كما نعرف لا تقول بالتناقض بين النص والعقل و"أبو حامد الغزالي" الأشعري الذي يقول بأولوية النقل على العقل، وكونه من أهل الصوفية، فمن المفروض أنه يتجاوزهما8– العقل والنقل - إلى الكشف والذوق لكنه يصرح بوضوح عن تكاملهما بقوله: «إن أهل السنة قد تحققوا أن لا معاندة بين الشرع المنقول والحق المعقول، وعرفوا أن من ظن وجوب الجمود على التقليد وإتباع الظواهر، ما أُتوا به إلا من ضعف العقول وقلة البصائر»9. ويقصد هنا "الغزالي" الحشوية الذين تمسكوا بالتقليد فجمدوا عقولهم. ثم قال: «وأن من تغلغل في تصرف العقل حتى صادموا به قواطع الشرع، ما أُتوا به إلا من خُبث الضمائر»10ويقصد بهم الفلاسفة وغلاة المعتزلة، يواصل القول: «فميل هؤلاء إلى التفريط، وميل أولئك إلى الإفراط، وكلاهما بعيد عن الحزم والاحتياط»11. الفئة الأولى هم الحشوية أما الفئة الثانية فهم الفلاسفة وغلاة المعتزلة الذين كانوا دوغماتيين في ثقتهم التامة في العقل. يحكم عليهم "الغزالي" بالغباوة التي لا تختلف عن العمى بقوله: «فمثال العقل: البصر السليم عن الآفات والأذاء، ومثال القرآن: الشمس المنتشرة الضياء، فأخْلِق أن يكون طالب الاهتداء المستغنى إذا استغنى بأحدهما عن الآخر في غمار الأغبياء، فلا فرق بينه وبين العميان. فالعقل مع الشرع نور على نور»12.

إذن الحديث عن التعارض بين العقل والنقلما هو إلا أثر من آثار الغلو في أحدهما، تفريطًا أو إفراطًا. وعليه لماذا كانت فرقة أهل الحديث أو النص في صراع فكري وحتى عقدي مع المعتزلة وصل إلى حد التكفير وتجاوز في أوقات ما حدّ التطاحن واستعمال القوة الجسدية لكلتا الفرقتين؟

فرقة أهل الحديث هي الاتجاه ذو البعد الواحد، النص والنص فقط. لذلك يمكن أن نخرجه من دائرة علم الكلام، لماذا؟ من خلال تعريف "ابن خلدون" لهذا العلم: «هو علم يتضمن الحجاج عن العقائد الإيمانية بالأدلة العقلية، والرد على المبتدعة المنحرفين في الاعتقادات عن مذاهب السلف وأهل السنة»13. وانطلاقا من هذا التعريف فأهل النص يرفضون إخضاع النص الديني للعقل بحجة أنّ النص الديني مقدس ومطلق وهو أعلى وأشرف من الذي يَدَّعِى الدفاع عنه، أما العقل الإنساني فهو محدود ونسبي، عُرضة للزيغ، فقد يعتقد ما هو خطأ وباطل وهو ليس كذلك، كما قد يعتقد ما هو صواب وحق وهو ليس كذلك، وفي هذا يقول "الفارابي" (874، 339):«إنَّ قوما من المتكلمين يرون أن ينصروا الملل بأن يقولوا إنّ آراء الملل وكل ما فيها من الأوضاع ليس سبيلها أن تُمتحن بالآراء بالروية والعقول الإنسية، لأنها أرفع رتبة منها: إذْ كانت مأخوذة عن وحي إلهي، ولأنّ فيها أسرارا إلهية تضعف عن إدراكها العقول الإنسية ولا تبلغها...»14

ولذلك فالنص الديني لا يفسره إلاّ نص ديني آخر، وبتعبير آخر القرآن المنَزَّل على نبيِّنا محمد eيفسره هذا الأخير قولاً أو فعلاً باعتبار أن السنة هي المصدر الثاني في التشريع الإسلامي. وبما أن الرسول صل الله عليه وسلم قال:«أصحابي كالنجوم بأيِّهم اقتديتم اهتديتم»15. لذلك هناك من يتبعها بأقوالالصحابة وأهل البيت والتابعين. هذا من جهة، ومن جهة أخرى يصف الفيلسوف الفرنسي هنري "كوربان" علم الكلام الإسلامي بالفلسفة المدرسية في الإسلام وأنه جدل عقلي صرف، يتناول المفاهيم اللاهوتية فهو لا يتطرق إلى البحث في«العرفان» الصوفي، ولا في «علم القلب» الذي كان الأئمة الشيعة أول من تحدث عنه بالإضافة إلى أن المتكلمين كما أشار بذلك الفلاسفة من "الفارابي" و"ابن سينا"  حتى الملا"صدرا الشيرازي"(1572، 1640) كانوا يستخدمون جدلهم وحججهم في الدفاع عن الدين ولم يتعلقوا بالحقائق الثابتة أو التي يمكن إثباتها بقدر ما كانوا يدافعون بمختلف وسائل جدلهم اللاهوتي عن المبادئ الإسلامية التي يقوم عليها الإسلام16.

إلاّ أنّ أهل الحديث بعيدون كل البعد عما وصفه "كوربان" (1903، 1978) من كونه جدلاً عقلياً صرفاً. لكن إذا عرضنا تعريف "الفارابي" لعلم الكلام وهو: «صناعة الكلام ملكة يقتدر بها الإنسان على نصرة الآراء والأفعال المحدودة التي صرّح بها واضع الملة وتزييف ما خالفها بالأقاويل»17. بهذا يمكننا أن نعتبر أهل الحديث ضمن علماء الكلام، رغم أنهم يُغيِّبون العقل، أو بمعنى آخر لا يستعملون المنهج العقلي، لأنه وحسب "الفارابي"، علم الكلام يتبع أساليب متعددة في نصرة الدين، وليس الأسلوب العقلي فحسب، لذلك فعلم الكلام بمفهوم "الفارابي" متعدد المناهج والأساليب في الدفاع عن الدين، فهو يضيف الممارسات ولا يقتصر على العقائد كما ذهب إلى ذلك "ابن خلدون"18. إذن تعريف "الفارابي" جامع، يجمع كل الفرق الكلامية، ومانع لغيرهم. عكس "ابن خلدون" الذي كان تعريفه مانعا لكنه ليس جامعا لكل الفرق الكلامية لأنه -وكما أشرنا سابقا- لا يدخل أهل الحديث في هذا التعريف. وقد كانت فعلا هذه المدرسة في بداية تشكّلها رافضة لعلم الكلام نفسه وللقضايا التي بحثتها الفرق الكلامية كالمعتزلة والأشاعرة 19. وفي هذا يقول "أحمد بن حنبل"(780،855): «لا يفلح صاحب الكلام أبدا، ولا تكاد ترى أحدا نظر في الكلام إلاَّ وفي قلبه دغل»20. وعليه فهي رافضة لكل تأويل مادام أن التأويل قراءة عقلية للنص، ورد المتشابه إلى المحكم،بل إنّ التأويل محدود جدا عندهم، وفي هذا يقول "محمد عمارة": «ليس هناك فريق من أهل الإسلام إلاّ وهو مضطر إلى التأويل، حتى من كان منهم غير ممعن في النظر العقلي، "كأحمد بن حنبل" -رحمه الله- فلقد صرح بتأويل ثلاثة أحاديث فقط، أحدها قوله e: «الحجر الأسود يمين الله في الأرض»21والثاني قوله e:«قلب المؤمن بين أصبعين من أصابع الرحمن»22والثالث قوله e: «إني لأجد نَفَس الرحمن من قبل اليمن»23حيث قام البرهان عنده على استحالة ظاهره24. ولهذا قال أصحاب هذه الفرقة إنّ مَنْ حرّك يده عند قراءته الحديث: «قلب المؤمن بين أصبعين من أصابع الرحمن»25وجب قطع يده وقلع أصبعيه26.

وهنا نجد الغموض في موقفهم؟! فالمعنى الظاهر يوحي بوجود أصابع للرحمن وهذا ما رفضته المعتزلة لذلك لجأت إلى التأويل. وأهل الحديث أو أهل النص لا يميلون إلى التأويل وفي نفس الوقت يرفضون ظاهر نص الحديث السابق، فهم أمام خيارين إما الوقوف عند ظاهر النص وهذا سيغرقهم في التشبيه الذي يرفضونه، أو يلجؤون إلى التأويل حتى يكون حكمهم بقطع اليد أو قلع الأصابع مشروعا، ولكنهم رأوا أن التأويل يظل دائما ظنيا، ومن ثمة فالقول في صفات الله تعالى بالظن غير جائز لأنه قد تُؤول آية بخلاف ما يريده سبحانه وتعالى، فيبتعد المؤول عن الصواب أو عن مقصد الشارع. وللخروج من هذا الإحراج أو هذا المأزق سلّموا عِلْمَه إلى الله تعالى وآمنوا بظاهره وصدّقوا باطنه، وقالوا لسنا مكلفين بمعرفة ذلك إذْ ليس ذلك من شرائط الإيمان وأركانه27. ولذلك تشدد أنصار هذا الاتجاه في التفسير ولم يجرؤ أحد منهم على تفسير آية ما لم يرد فيها قول للنبي أو للصحابة لأنه كما سبق وأن أشرنا، يرون أن النص الديني لا يفسره إلاّ نص ديني.

ومن الأمثلة على ذلك كما قال صاحب العقيدة والشريعة في الاسلام: أن "الأصمعي 121هـ740م/216هـ831م" -مع علمه الواسع باللغة - كان شديد الاحتراز في تفسير الكتاب والسنة، فإذا سئل عن شيء منها يقول: العرب تقول معنى هذا كذا، ولا أعلم المراد منه في الكتاب والسنة أي شيء هو"28. حتى أنَّ أمثال "الأصمعي" حكموا مسبقا على المُؤَوِلِ بالخطأ ولو كان على صواب، وفي هذا قال فقهاء الحديث في فقهاء الرأي: «من تكلم في القرآن برأيه فأصاب، فقد أخطأ»29، أو كما قال الإمام "الشافعي" (766م، 820م): «الكلام علم إن أصاب المرء فيه لم يؤجر وإن أخطأ فيه كفر»30.

حاول هؤلاء الفقهاء أن يبينوا َغِيرتهم على القرآن أكثر من صاحب القرآن نفسه أو المُوحَى إليه وهو رسول الله e،فإذا كان الله تعالى يأمرنا بتدبر القرآن، ولن يكون ذلك إلاّ إذا فهمناه، وهو القائل تعالى: ﴿كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ﴾31. ولهذا «يُتهم الإسلام عقيدة وشريعة ومنهاجا بأنه المسؤول عن تخلُّف المسلمين، وتعطيل عقولهم وجهودهم»32، وإذا كان "الغزالي" مُحِقاٌ فيما دعا إليه، وهو إلجام العوام عن علم الكلام، فإنه لا يحق لهؤلاء الفقهاء أن يلجموا العلماء عن الكلام في القرآن، خاصة أنهم ورثة الأنبياء، هذا من جهة، ومن جهة ثانية إنَّ تفسير الرسول صل الله عليه وسلموصحابته لم يكن يشمل كل آيات القرآن الكريم بل تفسيرا لبعض ما غمض، فأقبل المشتغلون بالتفسير بإكمال ما نقص من تفسير الآيات المتبقية معتمدين في ذلك على ما عرف من لغة العرب وأساليبهم، وما ورد في التاريخ من أحداث في عصر النبي صل الله عليه وسلم. ومن جهة ثالثة أنّ العربية لم تعد سليقة لكثير من الناس وخاصة أهل الحضر، كما أنّ الأمة الإسلامية لم تعد تشمل العرب الأقحاح في جنوب الجزيرة العربية فحسب، بل أصبحت هذه الأمة تشمل شعوبا وقبائل متعددة الأعراف والأعراق واللغات، ولا تعرف من اللغة العربية إلاّ النزر القليل، وهذا ما يجعل وجوب وجود المفسرين لكتاب الله تعالى أمرا لا مفر منه.

لكن أهل الحديث رأوا أن الدخول في تفصيل الآيات المتشابهات والجدال فيها لا يخدم مصلحة المسلمين، ولذلك سمحوا للعلماء أن يعتمدوا على عقولهم لفهم وتفسير النصوص لنفوسهم وليس للجمهور، وقد جاء في الحديث: «حدثوا الناس بما يعرفون أتريدون أن يكذب الله ورسوله »34. والسؤال المطروح هو: هل يكتب العلماء لعامة الناس؟ وهل ينزل العالم للعامة أو يسعى لرفع مستواهم؟ وهل الكاتب عامة والعالم خاصة مسؤول عن الفهم الخاطئ من العامة لما يكتب؟ أعتقد أنّ الحديث الشريف وُضِع من طرف أهل الحديث في غير محله.

كما رأوا- أهل الحديث- أنّ الله تعالى  وصفاته أمور لا يدركها عقل الإنسان المحدود النسبي، فلا يمكن للعقل النسبي أن يستوعب المطلق إذْ "فاقد الشيء لا يعطيه"، يقول "ابن تيمية"(661هـ، 728هـ ): «ولهذا لما سئل "مالك بن أنس" وغيره من السلف عن قوله تعالى: ]الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى35[قالوا الاستواء معلوم والكيف مجهول والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعة. وقال كذلك "ربيعة" - شيخ مالك - قبله: «الإستواء معلوم والكيف مجهول ومن الله البيان وعلى الرسول البلاغ وعلينا الايمان»36.

"مالك بن أنس"(715م، 796م)  كما تعتقد جماعته أنّ الله تعالى عندما أنزل القرآن واصفا فيه ذاته بالتنزيه المطلق من خلال آيات كثيرة صريحة ليس فيها تأويل، كما أن الرسولeوصحابته والتابعين كانوا يفسرون هذه الآيات على ظاهرها لذلك وجب علينا تفسيرها على ذلك النحو، كما كان الرسول وصحابته يفعلون. وفي هذا يقول "ابن خلدون" في مقدمته: «وقضوا بأنَّ الآيات من كلام الله تعالى، فآمنوا بها ولم يتعرضوا لمعناها بِبَحث ولا تأويلٍ. وهذا معنى قولِ الكثير منهم: اقرؤوها كما جاءت، أي آمنوا بأنها من عند الله تعالى. ولا تتعرضوا لتأويلها ولا لتفسيرها»37.

وعلى هذا الأساس قالوا أنّنا عرفنا بمقتضى العقل أن الله تعالى لم يكن له كفؤاً أحد، لكننا لم نعرف معنى اللفظ الوارد في آياته كقوله: ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى﴾38وقوله: ﴿خَلَقْتُ بِيَدَيَّ﴾39وقوله: ﴿وَجَاءَ رَبُّكَ﴾40وغيرها من الآيات المتشابهة التي تفيد في ظاهرها التجسيم، قالوا كلفنا بأن نعتقد بأن الله تعالى واحد ليس كمثله أحد وذلك أثبتناه يقينا، أما تفسير الآيات السابقة الذكر أو تأويلها فلم نكلف بذلك. أما المتأخرين من السلف فقد أبقوا على رفض التأويل لكنهم قالوا لابد من إجرائها على ظاهرها والقول بتفسيرها كما وردت، يعني الأوائل من السلف رفضوا التأويل والتفسير معا، لكن المتأخرين منهم رفضوا التأويل وقالوا بالتفسير.            

فنجم عن ذلك وقوعهم في التشبيه الصرف41. وعلى هذا الأساس يقول "الشهرستاني" (1086م، 1152م): «فأجازوا على ربهم الملامسة، والمصافحة، وأنَّ المسلمين المخلصين يعانقونه في الدنيا والآخرة، إذا بلغوا في الرياضة والاجتهاد إلى حد الإخلاص والإتحاد المحض»42، وهذا ما تقول به الصوفية. كما يصدق هذا القول أيضا على قوم من النسّاك – ليسوا موضوع بحثنا - الذين يزعمون أن الله تعالى يُرى في الدنيا على قدر الأعمال كما جوّزوا على الله تعالى المعانقة والملامسة والمجالسة في الدنيا43.

إذن أهل النص- الاتجاه ذو البعد الواحد: النص والنص فقط- يفضلون الوحي على العقل الإنساني،وهم الذين يتبعون كما يرى "أحمد ابن حنبل" كتاب الله تعالى وسنة نبيِّه وصحابته والإيمان بكل ما جاءت به الرسل واتباع سنة النجاة، في هذا قال الإمام "أحمد بن حنبل" في نبذة عن العقيدة: «ثم بعد كتاب الله، سنة النبي صل الله عليه وسلم ، والحديث عنه، وعن المهديين أصحاب النبي  صل الله عليه وسلم والتصديق بما جاءت به الرسل، وإتباع  سنة النجاة، وهي التي نقلها أهل العلم كابرا عن كابر»44، لأنَّ الشرع قول المعصوم الذي لا يخطئ عكس قول علماء الكلام والفلاسفة الذي يبدو متناقضا ومختلفا فيما بينهم لذلك فقولهم مردود ما لم يُؤكد صحته الشرع. وهذا ما قصده "ابن تيمية" في قوله: «فإنَّ الشرع قول المعصوم الذي لا يُخطئ وخبر الصادق الذي لا يقول إلاّ حقاً، وأما آراء الرجال فكثيرة التهافت والتناقض، فأنا لا أثق برأيي وعقلي في هذه المطالب العالية الإلهية...فنحن لا نقبل قول هؤلاء إن لم يُزَكِ قولهم ذلك المعصوم خبر الصادق المصدوق، ومعلوم أن هذا الكلام أولى بالصواب، وأليق بأولي الألباب»45. وهو نفس الرأي الذي قال به تلميذ "ابن تيمية" "السيوطي" (1445م، 1505م) عندما اعتبر أنَّ أهل الحق، ويقصد بهم أهل النص، الذين اعتبروا الكتاب والسنة معيار الحقيقة، ولذلكّ ما وصلوا إليه عن طريق العقل عرضوه - كما قال "ابن تيمية"– على الكتاب والسنة فما وافقهما أخذوا به وما عارضهما تخلوا عنه، وفي هذا المعنى يقول: «وأما أهل الحق فجعلوا الكتاب والسنة إمامهم، وطلبوا الدين من قِبَلِهما، وما وقع لهم من معقولهم وخواطرهم عرضوه على الكتاب والسُنة، فإِن وجدوه موافقا لهما قبِلوه، وشكروا الله عزَّ وجلَّ حيث أراهم ذلك ووقفهم عليه، وإن وجدوه مخالفا لهما تركوا ما وقع لهم وأقبلوا على الكتاب والسُنة»46.

نلاحظ أن معيار أهل النص مختلف تماما عن الأشاعرة التي أخذت بالشرع قبل العقل، وبشكل مختلف تماما عن المعتزلة التي عرضت الشرع على العقل، بل إن الشرع لا نعرف صحته إلاّ بالعقل. وهنا الفرق كما صرّح "السيوطي": «واعلم أنَّ فصل ما بيننا وبين المبتدعة هو مسألة التعقل، فإنهم أسسوا دينهم على المعقول وجعلوا الإتباع والمأثور تبعا له، وأما أهل السُنة فقالوا: «الأصل في الدين الإتباع »47. ونحن نقول: إن كان ولابد الإتباع في الدين وهذا لا ينكره عاقل، فأيهما أفضل وأصلح وأضمن، إتباع بتعقل وروية وبصيرة أم إتِبَاعٌ عن حرف؟ فشتان بين الذي يؤمن عن قناعة والذي يؤمن دونها والله تعالى ذاته يقول:﴿... قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ﴾48.

نلاحظ أنّ ما حدث من تغير في منهج الأشاعرة، من ميلٍ نوعا ما عن الوسط بين النقل والعقل إلى العقل، وهذا ما شاهدناه عند "الإيجي" (1281م، 1355م) مقارنة بزعيم الأشاعرة " أبو الحسن الأشعري"(260هـ، 324هـ) الذي كان أقرب من أهل النص – وهو الملقب بشيخ أهل السنة والجماعة - منه إلى المعتزلة رغم أنه كان معتزليا في بداية عهده، قبل إعلانه المشهور في المسجد الخروج عن فرقة المعتزلة.

نجد هذا يتكرر عند أهل النص الذين كانوا يعتبرون المشتغل بعلم الكلام فاشلا وقلبه مليئا بالدغل أو كما يقول "أحمد بن حنبل": «لا يفلح صاحب الكلام أبدا، ولا تكاد ترى أحدا نظر في الكلام إلاَّ وفي قلبه دغل»49. فتتحول هذه الفرقة -أهل النص- إلى قابل للأخذ بالعقل ولو بشكل محدود جدا، إذْ نجد هذا عند شيخ الإسلام "ابن تيمية" الذي قال بموافقة صريح المعقول لصحيح المنقولفي كتابه المعنون بنفس العبارة. حيث يقول "ابن تيمية": «إن كثيراً مما دل عليه السمع يعلم بالعقل أيضاً، والقرآن يبين ما يستدل به العقل ويرشد إليه وينبه عليه كما ذكر الله تعالى ذلك في غير موضع. فإنه سبحانه وتعالى بين من الآيات الدالة عليه وعلى وحدانيته وقدرته وعلمه وغير ذلك مما أرشد العباد إليه ودلهم عليه، فهذه المطالب هي شرعية من جهتين: من جهة أن الشارع أخبر بها، ومن جهة أنه بين الأدلة العقلية التي يستدل بها عليهما»50، فالنقل في نظره الذي يشمل أساسا نصوص القرآن والسنة لا يفتقر للمعقول. والمعقول في الإسلام ينبع من النص وتتركز حوله وهي في الجوهر عقلنة النص، لأن القرآن نفسه يدعونا إلى التعقل والتبصر والتدبر والتفكير.وهو الموقف نفسه الذي نجده في الحديث النبوي الشريف: «إنَّ هؤلاء لا يعقلون، إنما يجمعون الدنيا»51، فالحديث يصف الذين تلهيهم الأعراض الدنيوية عن حقائق الأشياء بعدم الإدراك والفهم52. فالنص يمثل المحور الرئيسي الذي تدور حوله جميع بحوث علماء الكلام، فهم ينطلقون إلى فهم القرآن من خلال رؤية فكرية ويتعمقون في فهم الحقائق التي تدل عليها غير بعيدين عن مرجعية الوحي أو الشريعة.

وكما لا تستقيم الحياة إلاّ بضياء الشمس ونور القمر، فإن حياة البشرية لا تستقيم إلابضياء العقل ونور العلم، في هذا يقول " أبو ذر الغفاري": «يا جاهل تعلم فإن قلبا ليس فيه شيء من العلم كالبيت الخراب الذي لا عامر له»53.

 ولكن على العموم فأهل النص كما هو ظاهر من تسميتهم يولون النص كثيرا ولكنهم يناهضون المعقول بشدة. ولذلك كفّروا كل من تصور أمراً بغير قرينة نصّية، أو فسّر آية إلى تصور آخر بالتأويل كما عند الأشاعرة أو المعتزلة خصوصا. فالأساس الإبيستمولوجي وحتى الأكسيولوجي الذي تنطلق منه هذه الفرقة هو النص، سواءً كان قرآنًا، أو حديثًا، أو أثرًا عن الصحابة، أو التابعين.

ب- القراءة التأويلية للنص عند المعتزلة

شغلت المعتزلة بال الكثير من مؤرخي الفكر الإسلامي، لِمَا اتصفت به من جرأة في الطرح وشجاعة في مناقشة قضايا كلامية بأسلوب جعل أغلب مؤرخي المعتزلة يصفونها بأنها فرقة عقلية، بل مبالِغة في إِعمال العقل والثقة به، فإلى أي مدى يصح هذا الحكم؟ وما دور العقل في النقل وما دور هذا الأخير في الأول؟ وهل يصح أن يُنعت المعتزلة ببروتيستانتيي الفكر الإسلامي؟

عرّف القاضي عبد الجبار العقل بقوله: «إنّه عبارة عن مجموعة من العلوم المخصوصة، أي العلوم الضرورية التي إن حصلت في المكلف، صح منه النظر والاستدلال، والقيام بما كُلف، ولكي يكون عقلا، لابد أن تجتمع فيه هذه العلوم، أما إذا تفرقت عن بعضها فهي ليست كذلك»54. أي لا تكون علوما ضرورية.

ويتساءل القاضي عبد الجبار «إن قال قائل ما تلك العلوم؟ أتقولون فيها أنها علوم محصورة بعدد أو تحصر بصفة دون العدد؟ أم لا يصح حصرها أصلا؟ قِيل له هي محصورة بعدد ولا معتبر فيها بعدد»55. والعلم الضروري هو: «علم يلزم نفس المخلوق لزوما لا يمكنه الخروج عنه ولا الانفكاك منه ولا يتهيّأ له الشك في متعلقه ولا الارتياب به»56.

ورغم أن النظر حسب رأي المعتزلة قد يولد علما ومعرفةً، كما قد يترتب عنه جهلا أو ظنا أو شكًّا57.إلاّ أنّهم يجعلونه في المرتبة الأولى من حيث التعويل عليه، لماذا؟ لأنّ العقل لديهم قبل السمع ودليلهم في ذلك أن الناس كانوا يحتكمون إلى عقولهم قبل نزول الشرائع، ومادام النظر حسب رأي المعتزلة عامة والقاضي عبد الجبار خاصة واجبا فإنَّ التقليد دون شك يكون فاسدًا ومن ثمة مرفوض58

          وإذا كان المعتزلة اتفقوا على ريادة العقل على جميع مصادر المعرفة، فإنهم لم يتفقوا على رأي واحد بالنسبة للحواس. ذلك أن القاضي عبد الجبار يرى أنّ الحواس أبواب المعرفة وهذا ما يدل على وجوب الثقة بها. بالمقابل يقول " الجاحظ"(159هـ، 255هـ): «لا تذهب إلى ما تُريك العين، واذهب إلى ما يُريك العقل، وللأمور حُكمان، حُكمٌ ظاهر للحواس، وحُكم باطن للعقل، والعقل هو الحجة»59.

اعتمد المعتزلة على العقل وعوّلوا عليه كل التعويل لدرجة أنهم جعلوا العقائد والسُنة في خدمة العقل وليس العكس، على حد تعبير "أحمد بن حنبل"60،أما النص فيعرِّفه القاضي عبد الجبار بقوله: «وأما مذهبنا في ذلك، فهو أنَّ القرآن كلام الله تعالىووحيه، وهو مخلوق محدث، أنزله الله تعالىعلى نبيِّه ليكون علما ودالا على نُبُوَتِه، وجعله دلالة لنا على الأحكام لنرجع إليه في الحلال والحرام»61.

وهنا يحدد القاضي عبد الجبار مفهوم النص من خلال ماهيته أوَّلاً إذْ «القرآن كلام الله تعالىووحيه، وهو مخلوق محدث»62. ثانيا من الناحية العملية: «أنَّ القرآن دلالة لنا على الأحكام لنرجع إليه في الحلال والحرام»63. والكلام حسب تعريفه هو: «ما انتظم من حرفين فصاعدا»64. ومن ثمة فالنص القرآني كلام مكون من مجموعة حروف منسجمة تدل على معانٍ، إن كلام الله تعالى لا يجوز أن يعرى عن الفائدة، حتى لا يجوز أن يخاطبنا بخطاب ثم لا يريد به شيئا أو يريد به غير ظاهره، ولا يبينه، لأنّ ذلك يتنزل في القبح منزلة مخاطبة الزنجي بالعربية والعربي بالزنجية، فكما أنَّ ذلك لا يحسن بل يعدُّ من باب العبث، كذلك في مسألتنا. فحصل من هذه الجملة، أنَّ كلام الله تعالى إنما يكون نعمة إذا كان على الحد الذي ذكرناه65.

ومعنى هذا أن القرآن كلام مُشكل من حروف منظمة دالة على معانٍ، يفهمه الإنسان إذا ما رده إلى ما تواضع عليه العرب في لغتهم، ومن ذلك يكتسب النص القرآني صفة المعقولية، ومن هنا تكون العلاقة جدلية بينهما ـ أي بين النص القرآني والعقل ـ وكما أشرنا سابقا فإن وظيفة العقل هي النظر المؤدي إلى العلم ومنه العلم بصحة الكتاب، أو كما يقول القاضي عبد الجبار: «وما يقولون من أنّ النظر لا يوجب الثقة، والوحي يقتضيها، فيجب التعلق به، غلط. لأنّ النظر لو لم يولد إلى العلم، لما عرفنا صحة الكتاب أصلاً»66.ويعتبر النظر المؤدي إلى معرفة الله مشروعا وينبغي تحقيق العلم بجملة معارف عقلية يجب تحصيلها قبل إثبات صحة العقل.

يبدو أن هناك فرقا بين ما يعتقده القاضي عبد الجبار أو المعتزلة عموما، وبين ما يؤمن به ويدافع عنه أنصار النص إذْ يَدْعُون إلى إبطال العقل والرجوع فيما يقع فيه الشارع إلى الكتاب، لأنّ الله تعالى أنزل قرآنه واضحا لا لبس فيه إذ قال تعالى:﴿وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ﴾67وقوله تعالى﴿مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ﴾68. لكن الله تعالى ذاته قد بيَّن في كتابه العزيز وجوب النظر، ونبّه عليه بقوله:﴿أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ﴾69، وقوله تعالى ﴿أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ﴾70، وقوله تعالى ﴿وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ﴾71، وقوله تعالى ﴿أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾72إلى غير ذلك مما يكثر من آيات دالة على إعمال العقل.

ونحن نتساءل لماذا أمرنا تعالى التدبر في آياته المسموعة "القرآن" وآياته المرئية "ملكوت السموات والأرض"؟ أليس من أجل معرفته؟ أو كما قال "ابن رشد":«وذلك أنه يظهر، من غير ما آية من كتاب الله تعالى، أنّه دعا الناس فيها إلى التصديق بوجود البارئ سبحانه بأدلة عقلية منصوص عليها فيها»73.ومنه عندما يثبت العقل من كون الوحي هو «كلام عدلٍ حكيم لا يكذب ولا يجوز عليه الكذب »74، يُصدِّق بالرسول ويؤمن بالكتاب الذي جاء به، وفي هذه الحالة يكون الإيمان بالنص فرعا عن معرفة الله تعالى بتوحيده وعدله الذي هو حسب رأي القاضي عبد الجبار أصلا. أما لو عكسنا القضية كما يدَّعي ويدعو إلى ذلك أهل النص، وعرفنا الله تعالى بتوحيده وعدله من خلال كتابه أو سنة رسوله كنّا كما يقول القاضي عبد الجبار: «مستدلين بفرع للشيء على أصله، وذلك لا يجوز»75. فلا يمكن الاستدلال بالفرع على الأصل، بل العكس هو الصحيح أي نستدل بالأصل على الفرع، لأنه «لولا صحة النظر لم يفد الكتاب ولا السنة ولما صح أن يعرف صحتهما»76. هذا لا يعني كما فهم البعض أنّ العقل هو الذي يعطي للنص المصداقية بل إن النظر العقلي يولد العلم بصحة الكتاب، يعني أنّ النظر العقلي يترتب عنه العلم بماذا؟ العلم بصحة الكتاب وليس كما فُهِم، يترتب عنه صحة الكتاب.

إذن النظر العقلي يفضي إلى الإيمان الفعلي، أو قل من "باب ليطمئن قلب " القاضي عبد الجبار والمعتزلة عموما. وبالمقابل يأخذ القاضي عبد الجبار بالنص كمرشد للعقل عندما يعجز، ذلك أنه «لما لم يمكنّا أن نعلم عقلا أنّ هذا الفعل مصلحة وذلك مفسدة، بعث الله تعالى إلينا الرسل ليعرّفونا ذلك من حال هذه الأفعال، فيكونوا قد جاؤوا بتقرير ما قد ركبه الله تعالى في عقولنا، وتفصيل ما تقرر فيها»77. إذن فالنص يُعَدُ تبيانا للشريعة «التي يمكن أن يدركها العقل»78. والنص ذاته الذي جاء به سيدنا محمد صل الله عليه وسلم هو الذي يحمل صِيغ الأمر والنهي، لأنه هو الذي من خلاله، يحرِم الله ويُحلِّل، وفي هذا الصدد يقول القاضي عبد الجبار: «فكلام الله تعالى المنزل على رسوله أدخل في باب النعمة، لأنه به يعرف الحلال والحرام، وإليه يرجع في الشرائع والأحكام»79. ثم إنّ هذا النص لابد أنه يحمل مقاصد ويجب على المسلم أن يعرفها حتى يسعى لتنفيذها، أو بتعبير آخر يُنَزِّل النصوص الشرعية على الواقع المعيش ولا يمكن أن يتأتى هذا إلاّ من خلال إِعمال العقل في فهم النص. لذلك يقول القاضي عبد الجبار: «إنّ كلام الله تعالى لا يجوز أن يعرى عن الفائدة، حتى لا يجوز أن يخاطبنا بخطاب ثم لا يريد به شيئا أو يريد به غير ظاهره ولا يُبَيِّنُه»80، لهذا وجب التأويل الذي يعني ببساطة قراءة النص قراءة عقلية أو كما يقول القاضي عبد الجبار: «لابد فيه من تأمل ليعرف به المراد»81. وهنا نطرق قضية التأويل والتفسير للآيات القرآنية، ترى ما الفرق بينهما؟

التأويل في اللغة هو العودة إلى المعنى الأول الجذري في الأصل. و«التأويل هو ترجيح المراد، بخلاف التفسير فإنه الجزم بالمراد. وقيل التأويل بيان أحد محتملات اللفظ، والتفسير بيان مراد المتكلم»82. ومصطلح التأويل في ثقافتنا العربية يعود ظهوره إلى "الطبري " (838م،923م) باعتباره مفسرا للقرآن. فكان التأويل معه بمعنى فهم القرآن فهما مستقيما سويا، وهو إعداد العدة اللغوية والمفهومية للوصول للمعنى الدقيق الواضح، وللوقوف على معنى الآيات القرآنية، بمعنى أن التأويل كان ضربا من التفسير، ولكنه أرقى أنواع التفسير83.يقول "نصر حامد أبو زيد" (1943، 2010): «إن المؤوِّل لابد أن يكون على علم بالتفسير يمكنه من التأويل المقبول للنص، وهو التأويل الذي لا يُخضع النص لأهواء الذات وميول المؤول الشخصية والإيديولوجية، وهو ما يعتبره القدماء تأويلا محظورا مخالفا لمنطوق النص ومفهومه»84.

وعليه فالتفسير يتناول المدلول اللغوي القريب الذي يُعنى بشرح المعنى وتفسير آيات الأحكام، أما التأويل فهو عملية عقلية أو ذوقية إلهامية تسمو إلى إدراك المقاصد الخفية والعميقة، مما لا يدركه سائر الناس، ولذلك يميز "القشيري"(376هـ، 465هـ)، بين التفسير والتأويل، فيجعل التأويل للخواص وتفسير التنزيل للعوام85. أما " الماتريدي أبو منصور""ت 333هـ 944م" فقد جعل التفسير خاصاً بالقَطْع بأن مراد الله تعالىكذا، أما التأويل فهو ترجيح أحد المحتملات دون قطع86.

تُرى ما هي أسباب ظهور هذا المعنى الاصطلاحي للتأويل؟ إنّ من بين هذه الأسباب:

- النظر إلى القرآن نظرة إشكالية، إذ ْفيه آيات تدل على التنزيه المطلق ]ليْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ[87وفيه آيات تدل على التشبيه ]وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ[88]يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ[89.

- ظهور طرائق في النظر ونظريات واحتكاك بفلسفات لم يكن للعرب المسلمين عهد بها قبل ذلك. كان الرائد فيها إما للعقل والبرهان أو القلب والوجدان، فلم تكن بالضرورة متطابقة مع النص القرآني. كان لا بد من اجتهاد كلا الفريقين لتطويع المعنى القرآني في ضوء تلك المستجدات الثقافية الحادثة انطلاقا من مسلمة في الفكر الإسلامي، وهي أن الحقيقة واحدة وأن القرآن الكريم هو الذي ينطوي عليها.

–الفرق التي كانت تتجادل حول هذه القضايا بحثاً عن شرعية دينية لأفكارها، ولا يمكن ذلك إلا إذا كان لها سند من الدين90.

ولهذا طفت إلى ساحة ثقافتنا قضية التأويل والتفسير عندما نشأت مشكلة الظاهر والباطن، مع ظهور الاعتقاد بأن للقرآن ظاهرا وباطنا، فاختص التفسير بالمعنى الظاهر، بينما اختص التأويل بالمعنى الباطن أو المعنى البعيد والخفي، فالتأويل لا يستهدف المعنى اللغوي وإنما يبتغي الوصول إلى معنى باطن، وراء ظاهر اللفظ، وكأنه ينظر إلى لغة القرآن بأنها لغة تحتاج إلى من يفك رموزها لكي يصل إلى المعنى الخفي والمقصود، الذي لا يصل إليه، إلاّ الخاصة وخاصة الخاصة.«فالتأويل في المنهج الإسلامي –كما يقول "محمد عمارة "(1931)- سبيل من سبل وعي الإنسان المسلم ومعرفته بصور عالم الغيب التي جاءت بها السمعيات، وقصرت قدرة اللغة الدنيوية المحدودة عن تبيان كنه حقيقتها»91. وما ركز عليه هذا العلم من قضية المجاز، هو تجاوز المعنى اللغوي الظاهر إلى ما هو أعمق منه دلالة.

 كل هذا فتح الباب عريضا أمام التأويل، فلغة القرآن لم تعد أداة تواصل وخطاب فحسب، بل صارت تستدعي الحل، وبذلك اتسعت دائرة التأويل. فهذا المنهج التأويلي سيطر على فهم النصوص الدينية في ثقافتنا سواء عند الفلاسفة، أو المتكلمين، أو المتصوفة، فلا نكاد نستثني إلا الظاهريةأو الحشوية. لكن ما الذي يميز التأويل عند المعتزلة عامة والقاضي عبد الجبار خاصةً عن غيره من علماء الكلام؟

لقد اعتبر المعتزلة كغيرهم من الفرق الإسلامية ـ كل الآيات التي توافق آراءهم، آيات محكمات، أمّا الآيات التي تبدو في ظاهرها تختلف عمَّا يعتقدون فهي آيات متشابهات، ولذلك أوَّلوا كل الآيات التي يظهر فيها الجبر أو التجسيم أو التشبيه، وكل ما يوحي أنّ الله تعالىفي السماء، لذلك أوّلوا الاستواء والعرش، كما أوّلوا الآيات التي تُخبر برؤية الله تعالىمن طرف عباده92، مثل قوله تعالى﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ﴾93أوّلوها إلى معنى الانتظار وليس النظر أو الرؤية بالعين. بالمقابل يعتبرون الآية: ﴿لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ﴾94، آية محكمة لأنها توافق رأيهم. ولهذا فالتأويل حسب القاضي عبد الجبار هو: «حمل خطاب الله تعالى على ما تقتضيه حقيقة اللغة ومجازها»95. وبما أنّ الآيات فيها ما هو متشابه وأخرى محكمات، وجب على المُؤَوِل ولكي يكون تأويله صحيحا «أن يحمل المتشابه على المحكم »96يفسر القاضي عبد الجبار الآية ﴿مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ﴾97، بقوله إن المحكم هو ما تكون دلالته في ظاهر لفظه، والمتشابه هو ما يشتبه بظاهره، ومرجعه ومرده إلى المحكم. 

وهذا يعني أنّ المؤوِل يحاول أن يجد قرينة سمعية تمكنه من فهم المقصد من الآية المتشابهة، أي يبحث عن الآية المحكمة كي يحمل عليها الآية المتشابهة، «فالمتشابه المحتاج إلى تأويل، هو الذي ينبه المحكم أو الاستدلال العقلي على المتشابه»98. لكنه قد لا يجد هذه القرينة السمعية، فما عساه أن يفعل؟ حسب رأي القاضي عبد الجبار يجب على المؤوِّلِ في هذه الحالة أن يؤول المتشابه وفق دلالة العقل، وكأن التأويل للمتشابه بهذه الكيفية يجعل القرآن كله محكم لأنَّ التأويل يرد المتشابه إلى المحكم، ويرجع بالفروع إلى الأصول99.  والغاية من ذلك ألاّ يبدو القرآن يحمل تناقضات، وهو في الأصل ليس كذلك. يشترط القاضي عبد الجبّار في المفسِرين100جملة من الشروط التي تؤهلهم للتفسير، كاللغة العربية والفقه وعلم أصوله، والكتاب والسنة والإجماع والقياس، والعلم بتوحيد الله وعدله101.

وهؤلاء الذين تتوفر فيهم هذه الشروط هم الراسخون في العلم الذين يعلمون تأويل القرآن، فالقاضي عبد الجبار يميل إلى الطائفة التي ترى أنّ «الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ »102معطوفة على ما تقدم "الله"، ودليله في ذلك أنهم لو كانوا لا يعرفون تأويله لكانوا مثل غيرهم ولما كانوا متميزين عنهم103.  وهذا يبيِّن أنّ المعتزلة لم يكونوا عقلانيين بمفهوم العقلانية المعاصرة التي لا تعترف إلاّ بسلطة العقل والعقل وحده، كما هو الشأن لدى "ديكارت " (1596، 1650) والديكارتية. بل كانت عقلانية لا تقصي النص الديني، «فالتأويل الإسلامي هو السبيل إلى طمأنينة الإيمان الديني وليس سبيل تفريغ الدين من الإيمان»104.

 ولذلكردّالقاضي عبد الجبار على من يتخذ الشريعة العقلية كبديل عن شريعة اللهتعالى 105: «بَطُل قول من قال: إنّ هؤلاء الرسل إن أتوا بما في العقل ففي العقل كفاية عنهم، وإن أتو بما يخالفه فيجب أن يكون قولهم مردودا عليهم، غير مقبول منهم، لأنّ ما تأتي به الرسل والحال كما قلنا، لا يكون إلاّ تفصيل ما تقرر جملته في العقل»106، وهذا يعني بوضوح أن لا تناقض بين العقل والنقل.

نلاحظ أنَّ المعتزلة تجادل الفرق الإسلامية من خلال قراءتها الاعتزالية ـ وفق منهج عقلي ـ للنصوص الدينية، أما بالنسبة لجدالها للخارجين عن الدين الإسلامي من أنصار ديانات أخرى، فإننا نجد المعتزلة تستعمل الحجج العقلية الصرفة. وهذا ما استعمله القاضي عبد الجبار عندما أبطل فكرة الأقانيم الثلاثة عند النصارى، فإذا اعتبرنا هذه الأقانيم الثلاثة آلهة، ومن ثمة فهي قديمة وقادرة، فالمشارك في القدم بالضرورة مشارك في القدرة، ويترتب عن هذا تمانع الإرادات بينهما في الإيجاد والإعدام، فإن اتفقا في إيجاد المعدوم أو لا، فإذا اتفقا في إيجاد المعدوم ترتب عنه اجتماع إرادتين على مؤثر واحد وهذا يجعل إرادة كل واحد محدودة بإرادة الآخر وهذا لا يجوز أن يتصف به الإله. أمّا إذا لم يتفقا على إيجاد المعدوم بحيث أحدهما يريد إيجاده والآخر لا يريد ذلك، فتحقيق إرادة أحدهما ينجر عنه عجز إرادة الآخر ومنه يثبت عدم قِدمه لعدم مشاركته في القدرة وهذا ما يسمى بدليل التمانع107. نلاحظ أنَّ القاضي عبد الجبار لا يستعمل الحجج النقلية "النصوص" في منازلة أهل الديانات الأخرى من مجوس ويهود ونصارى، ودعوتهم للإسلام، بل يعتمد على الأدلة العقلية المنطقية.

إذن فالمنطلق الابستمولوجي وحتى الاكسيولوجي للمعتزلة هو العقل "العقل قبل ورود السمع" -كما تقول - بل إنّ العقل انطلوجيا أوّل وأوّلي للدين، هو الأوّل لأنه وكما يرى القاضي عبد الجبار كان الإنسان عاقلاً فأنزل الله عليه الوحي، وإن لم يكن كذلك، لماذا لم يخص غيره بالدين، وبالخلافة. والعقل أوّلي للنقل، لأنّه -كما تعتقد المعتزلة- به نفهم ونفسر ونؤول النص، وننزله على أرض الواقع.

ج -  القراءة التأويلية للنص عند الأشاعرة                           

مما سبق ذكره عن إشكالية النص والعقل، بين المعتزلة وأهل النص، بدا لنا بوضوح أنّ هناك تناقضا صارخا بينهما، يجعلنا نتصور بمنظور جدلي هيغلي، أنّ أحدهما يمثل القضية والآخر يمثل نقيضها، لكن أيُّ فرقة كلامية كانت وسطا أو تركيبا بينهما؟ إنها وكما سجل مؤرخو الفكر الإسلامي فرقة الأشاعرة بزعامة " أبو الحسن الأشعري".

          كما هو معروف فإنَّ "أبا الحسن الأشعري "نشأ منذ شبابه على مذهب الاعتزال إلى غاية 300هـ، ما يعني أنّه بلغ في هذا التاريخ 30سنة، ومن ثمة يكون قد كوّن تصورا معمقا عن المعتزلة، وبعد المناقشة المشهورة بينه وبين أستاذه "الجبائي" حول حكم الزاهد والكافر والطفل الصغير بعد الموت وبعد توقف الأستاذ عن الإجابة واتهام التلميذ – الأشعري – بالجنون... تخلى " أبو الحسن الأشعري" عن فرقة المعتزلة وأسس فرقة يدعي فيها أنه يدافع عن عقيدة السلف108. فهل فعلا استطاعت الأشاعرة أن تكون وسطية كما يتصف الإسلام بذلك؟ وهل كانت حقا تركيبا بين المعتزلة وأهل النص أم أنها تجاوزتهم في إشكالية النص والعقل؟

يعرِّف " أبو الحسن الأشعري" العقل بقوله: «هو العلم ببعض الضروريات التي سميناها العقل بالملكة»109. فالعقل هو العلم المخصوص، أي العلم الضروري، فالأشعري يعتقد أن هناك تلازما بين العقل والعلم، فلا يمكن أن يكون أحدهما دون الآخر فلا عقل دون علم، ولا علم دون عقل، إذْ يقول: «إذ يمتنع عاقل لا علم له أصلاً أو عالم لا عقل له»110. أما العقل عند "الإيجي" فلا يخرج عن وظيفتين هما: النظر وإدراك الكليات والحكم بينها، واستنباط الصناعات الفكرية ومزاولة الرأي والمشورة مما ينبغي أن تفعل أو تترك111. أما النص فهو عند "الإيجي" الوحي، وهذا يعني أن النص مصدره النبي الذي أوحي إليه ويسميه السمع لأن النص أصبح تعاليم مسموعة لا من قِبل الرسول eفحسب بل من قِبل الناس خاصة بعد تدوينه، وقد روعي في تسميته قرآنا كونه متلوًا بالألسن، كما روعي في تسميته كتابا كونه مدونا بالأقلام، فكلتا التسميتين من تسمية الشيء بالمعنى الواقع عليه.

والنص عند عامة الأشاعرة كلام الله تعالىوهو المعنى القائم بالنفس الذي وصل إلى الرسول eعن طريق الوحي، وبلغنا نحن بألفاظ تعبر عنه112، ولا يمكن للألفاظ أن تعارض العقل لان هذا الأخير هو الذي  يثبت النقل وحسب رأي "الإيجي" لو أنّ النقل عارض العقل، لبطل الأصل بالفرع، وفي إبطال الأصل بالفرع، إبطال للفرع أيضا113. رغم ادعاء الأشاعرة الوسطية إلاّ أنهم في هذه القضية أقرب للمعتزلة، إذْ لا فرق بين "الإيجي" والقاضي عبد الجبار الذي يقول: «وما يقولون من أنّ النظر لا يوجب الثقة، والوحي يقتضيها، فيجب التعلق به، غلط. لأنّ النظر لو لم يولد إلى العلم، لما عرفنا صحة الكتاب أصلاً»114. وكل نص بدا في ظاهره انه يعارض العقل وجب تأويله حتى لا يعارضه، لأن القاعدة الاشعرية تنص على انه لا يمكن للنقل أن يعارض العقل البتة، لان ذلك سيؤدي إلى إبطال العقل والنقل معا كما سبق وأن أشرنا.

إذن موقف الأشاعرة يتأرجح بين موقف المعتزلة وأهل السلف، لأن العقل المستقل عن الوحي عاجز عن معرفة الشؤون الإلهية وما هو إلاّ أداة أو وسيلة لفهم الوحي المنزّل115. ورغم أن العقل هو الداعي إلى الإيمان، غير أنّه لا يوجب شيئا على أحد ولا يرفع عنه، ولا يمكنه أن يحلل أو يحرِّم، ولا أن يحسن أو يقبّح، بل كل ما سبق ذكره من وظائف هي من المهام المنوطة بالشرع، ثم إن الله تعالى فرض علينا إتباع دينه، وهو القائل:﴿وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾116.

والدين منه ما هو معقول، ومنه ماهو غير معقول. ومثل ما هو غير معقول، الخوارق والمعجزات التي يجب علينا أن نسلم بها، لأننا عاجزون على البرهنة أو الاستدلال عليها. فهل يمكننا أن نفسِر عقليا حادثة الإسراء والمعراج؟ أو حادثة موسى عليه السلام وشقه للبحر بعصاه...الخ.

يفرق " أبو الحسن الأشعري" بين حصول معرفة الله تعالىوبين وجوبها، فالتحصيل بالعقل والوجوب بالسمع117. وفي هذا الصدد يقول "أبو حامد الغزالي": «ندَّعي أنه لو لم يرد الشرع لما كان يجب على العباد معرفة الله تعالىوشكر نعمه خلافا للمعتزلة حيث قالوا: العقل بمجرده موجِب. وبرهانه أن نقول: العقل يوجب النظر وطلب المعرفة لفائدة مرتبة عليه أو مع الاعتراف بأنّ وجوده وعدمه في حق الفوائد عاجلا أو آجلا بمثابة واحدة »118.

نلاحظ أنّ استدلالات الأشاعرة تركز أكثر على النص، رغم أنها لا تهمل العقل، أو قل إن الفرق بينهم وبين المعتزلة هو أنهذه الأخيرة تنطلق من العقل وتؤكد بالنقل أما الأشاعرة فينطلقون من حجج نقلية ثم يدعمونها بحجج عقلية.

لقد اتفق أئمة الأشاعرة على القول بحدود العقل ونسبيته، وتتمثل هذه المحدودية في: نسبية القيم، نفي العلّية، إنكار وجود الكليات، وهي أسس يحتج بها الأشاعرة لتجريد العقل من كل إمكانية للحكم اليقيني المطلق، أي جعله قاصرا على امتلاك الحقيقة بنفسه دون ورود النقل. كما أن هذه الميزة للعقل تضع حدودا لما يمكنه القيام به في فهم النقل. فلا يمكن لدليله مهما كانت قوته أن يبطل أو يُشكك فيما هو صريح بالنص: فإذا كان النص يتضمن أمورا يتقبلها العقل ويسلم بها فإنه بالضرورة يتضمن ما يعلو على العقل وما يمتنع عليه.

وهذا ما يظهر في كتاب "أبي الحسن الأشعري ""اللمع في الرد على أهل الزيغ والبدع"، الذي يقدم فيه الدليل النقلي والعقلي لجواز إعادة الخلق، فيقول: «فإن قال قائل: ما الدليل على جواز إعادة الخلق. قيل له الدليل على ذلك أن الله سبحانه خلقه أولاً لا على مثال سبق فإذا خلقه أولاً لم يُعْيِيِه أن يخلقه خلقاً آخر وقد قال تعالى: ﴿وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَن يُحْيِي العِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ﴾119. إذن القدرة على النشأة الأولى دليلٌ على جواز النشأة الآخرة»120، ثم قال تعالى: ﴿الَّذِي جَعَلَ لَكُم مِّنَ الشَّجَرِ الأَخْضَرِ نَاراً فَإِذَا أَنتُم مِّنْهُ تُوقِدُونَ﴾121فجعل ظهور النار على حرها ويبسها من الشجر الأخضر على ندارته ورطوبته دليلاً على جواز خلقه الحياة في الرمة البالية والعظام النخرة وعلى قدرته على خلق مثله، ثم قال تعالى:﴿أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَن يَخْلُقَ مِثْلَهُم﴾122وهذا هو المعول عليه في الحجاج في جواز إعادة الخلق.

وهذا هو الدليل أيضاً على صحة الحجاج، والنظر لأن الله تعالى حكم في الشيء بحكم مثله، وجعل سبيل النظير ومجراه مجرى نظيره، وقد قال تعالى: ﴿اللَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ﴾123، وقوله تعالى: ﴿وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ﴾124يريد وهو هين عليه فيجعل الابتداء كالإعادة125. وبما أن الله تعالى أنشأ العظام أول مرة فهو قادر على إنشائها مرة أخرى، وبما أنه خلق السماوات والأرض فلا يعجزه خلقها من جديد، نلاحظ أن "أبا الحسن الأشعري "يرتكز في أدلته على النصوص الدينية ومنها ينتقل إلى الأدلة العقلية.            

ويؤكد هذا المنهج أشعري آخر وهو "الباقلاني" في مسألة التعديل والتجوير126بقوله: «إن قال قائل: فهل يصح على قولكم هذا أن يؤلم الله تعالى سائرالنبيين وينعم سائر الكفرة والعاصين من جهة العقل قبل ورود السمع؟ قيل له: أجل له ذلك، ولو فعله لكان جائزا منه غير مستنكر من فعله. فإن قال قائل: فما الذي يؤمنكم من تعذيبه المؤمنين وتنعيمه الكافرين؟ قيل له: يؤمننا من ذلك توقيف النبي e، وإجماع المسلمين على انه لا يفعل ذلك. وعلى انه قد أخبر إخبارا علموا قصده به ضرورة إلى أنَّ ذلك لا يكون. ولولاتوقيف هذا الخبر لأجزنا ما سألت عنه.»127وهنا يظهر أن "الباقلاني" يعطي الأولوية والأفضلية للنص على حساب العقل فإن أقر النص حكم فلا يمكن لعقل سويٍّ تقبله فالعقل تابع لا متبوع.  وهذا ما يؤكده "البزدوي" (ت.482هـ) في كتابه "أصول الدين" عندما قال: «لا يجب على العاقل أداء شيء ما إلاّ بالخطاب من الله تعالى على لسانٍ واحد من عباده، وكذا لا يجب عليه الاقتناع عن شيء إلاّ به، وبه قال الأشعري»128.

يبدو لي أن "الباقلاني" جوَّر الله تعالى ولم يقل بعدله وفعله الأصلح، فهل يمكن أن يكون الله تعالى الذي هو ليس عادلا فحسب بل مصدر العدل نفسه، أن يؤلم سائر النبيين وينعم سائر الكفرة والعاصين ؟!فإذا كان اللهتعالى ذاته في كتابه العزيز يقول:﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ﴾129،فكيف يمكن أن يظلم عباده عامةً وسائر أنبيائه الصالحين خاصة ؟. يبدو لنا أنّ "الباقلاني" في قضية التعديل والتجوير كان موقفه لا يتماشى والنقل كما انه لا يؤكده العقل،«ف"الباقلاني" لا يستعمل اصطلاحات المنطق الأرسطي ولا اصطلاحات المنشغلين بالفلسفة على غرار "الفارابي" وغيره، مما يدل على جهله التام بالفلسفة»130.

كما يكرر برهان التمانع ـ الذي يؤكد على أن الله واحد ـ الذي جاء به " أبو الحسن الأشعري" والذي يرجع في الأصل إلى قوله تعالى:﴿لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا﴾131، وقوله أيضا:﴿... وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ﴾132وملخص هذا البرهان: «أن الاثنين يصح أن يختلفا ويريد أحدهما ضد مراد الآخر.فلو اختلفا وأراد أحدهما إحياء جسم وأراد الآخر إماتته، لوجب أن يلحقهما العجز أو واحدا منهما، لأنه محالٌ أن يتم ما يريدون جميعا لتضاد مراديهما. فوجب أن لا يتما، أويتم مراد أحدهما دون الآخر، فيلحق من لم يتم مراده ـ العجز، لا يجوز أن يكون عاجزا»133. نلاحظ أنّ هذا البرهان يقول به الأشاعرة كما يقول به المعتزلة134.

إن الأشاعرة كما يصنفهم المؤرخون ذووا نظرة وسطى بين الاعتزال الذين أفرطوا في استخدام العقل حتى صادموا به قواطع الشرع وأخضعوا النقل للعقل واحترزوا التشبيه فوقعوا في التعطيل، وبين أهل السلف الحشوية والظاهرية الذين يرون الجمود على التقاليد، وإتباع الظاهر، والقول بالتشبيه مخافة الوقوع في التعطيل، وبذلك سمي الأشاعرة بأصحاب الطريقة الوسطى135.

وفي نفس السياق يرى إمام الحرمين " الجويني" (419هـ،478هـ) أن النظر في الشرع واجب شرعي، أما القضايا الخارجة عن العقيدة فيمكن للعقل أن يصل فيها إلى حقائق يقينية فيقول: «العقل لا يدرك على حسن شيء ولا قبحه في حكم التكليف، وإنما يتلقى التحسين والتقبيح من موارد الشرع وموجب السمع وأصل القول في ذلك لا يحسن لنفسه وجنسه صفة لازمة له، وكذلك القول فيما يقبح وقد يحسن في الشرع ما يقبح مثله المساوي له في جملة إحكام صفات النفس»136.

ولذلك فالأشاعرة ينفون أن يكون الفعل في حد ذاته خيرا أو شرا، فليس الفعل خيرا في حد ذاته أو خيرا لأنه خير، بل هو خير لان الشرع جعله خيرا، فالحسن ما ورد الشرع بالثناء على فاعله، والقبيح ما ورد الشرع بذم فاعله. والعقل ما هو إلا مُخبِر عما بينه الشرع. وهذا ما يؤكده أيضا أحد الأشاعرة "أبو حامد الغزالي" عندما اعتبر معرفة الله تعالى وطاعته واجبة شرعا137.

لاحظنا في ما سبق ذكره عن المعتزلة أنّ علاقة النص بالعقل تبدو بوضوح أكبر في الجانب النظري التنظيري، وذلك من خلال تحديد مفهوم التأويل وفي الجانب الإجرائي العملي والمتمثل في التأويل منهجا وتطبيقا وأعني تطبيقا أي تنزيل النص على الواقع، بمعنى أن نؤول المتشابه لنفهمه قصد ممارسته عمليا. وهذا ما قامت به الأشاعرة عندما حددت مفهوم التأويل بأنّه لا يخرج عن القراءة العقلية للنص الديني، وفي الظاهر يبدو أن مفهوم التأويل عند المعتزلة لا يختلف عنه عند الأشاعرة، لكن من حيث المضمون هناك هوة شاسعة بينهما والسبب في ذلك يعود إلى نظرة كل منهما إلى سلطة العقل، فالعقل عند المعتزلة ذو سلطة أوسع ولذلك يجب خضوع النص للعقل بشكل أكبر، أما العقل عند الأشاعرة فهو تابع للنقل لذلك يجب عليه أن يذعن للنص الديني ولا يجب تجاوزه إلاّ ضمن شروط138. وقد وضع "أبو حامد الغزالي" رسالة تضمنت قانون التأويل حيث حدد فيها معالم هذا القانون عندما قال: «ليس هناك فريق من أهل الإسلام إلاّ وهو مضطر للتأويل، حتى من كان منهم غير ممعن في النظر العقلي»139وهو يقصد "أحمد ابن حنبل".

ولا تختلف الأشاعرة عن المعتزلة في تأويل الآية المتشابهةأيضا﴿... وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ﴾140فيعتبرون الواو أداة عطف ومن ثمة «الراسخون في العلم" معطوفة على الله تعالى، ومنه فالله تعالى والراسخون في العلم يعلمون جميعا الآيات المتشابهات. والمتشابه حسب رأي الأشاعرة يحتوي على مجازات عن معاني ظاهرة، وبذلك فكل آية متشابهة وجب تأويلها من معنى ظاهر إلى معنى مجازي، أو بتعبير آخر كل آية متشابهة تحمل معنى مجازي، فاليد مجاز عن القدرة، والاستواء مجاز عن الإستلاء، والوجه عن الوجود، والعين عن البصر...

وهكذا يرى سلف فرقة الأشاعرة وجوب الإيمان بهذه الآيات والأحاديث كما وردت وترك بيان المقصود منها لله تعالى فهم يثبتون اليد والعين والاستواء والضحك والتعجب...وكل ذلك بمعاني لا يدركونها، ويتركوا الله تعالى الإحاطة بعلمها. أما الخلف من نفس الفرقة يرون أن معاني هذه الألفاظ والأحاديث لا يراد بها ظواهرها، وعلى ذلك فهي مجازات لا مانع من تأويلها141.

كما أنَّ التأويل عند "الإيجي" يجيزه الشرع رغم أنه ناتج عن فعل العقل في النص، إذ لو تُرِكت النصوص ظنية الدلالة دون تأويل بحجة أن التأويل كما يرى أهل النص غير مجدٍ، ويدخلنا في متاهات قد تؤدي بنا إلى الكفر والزندقة، لفات الإنسان المكلف معرفة ما أُمِربه وما نُهِيَ عنه، ولكان التكليف بالإيمان بالقرآن من باب ما لا يطاق، إذْ يأمرنا الله تعالىبتدبر القرآن وهو يعلم أننا لا نستطيع، ولبطل مقصد التدبر الوارد في الآية: ﴿أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا﴾142، كان هذا الدليل النقلي على تأصيل مفهوم التأويل، أما الدليل العقلي الذي قدمه "الإيجي" فقد استمده من السلف الذين كانوا كلما استعصى عليهم فهم آية ذهبوا إلى الرسول e،باعتباره لا ينطق عن الهوى، ثم إنه الأقدر على فهم مراد الله143. فعن "جابر بن عبد الله" tقال:«...ورسول الله e، بين أظهرنا، وعليه ينزل القرآن وهو يعرف تأويله»144. ومنه إذا ثبت فعلا أنّ التأويل مورس في زمن الصحابة-رضوان الله عنهم-، فمن ذا الذي يحق له أن يرفضه أو يحرمه؟

ما يلاحظ في منهج "الإيجي" في تأويل المتشابه من الآيات على استثمار المجاز أكثر من اعتماده على النحو والصرف، لذلك نراه يُؤوِل الآيات التالية كما يلي: ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى﴾145، الاستواء تعبير مجازي عن الاستعلاء146.

﴿وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ﴾147الوجه هنا مجاز عن الذات وجميع الصفات148.أما الآية﴿... يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ...﴾149فاليد تعني مجازا القدرة. والآية ﴿تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا جَزَاءً لِمَنْ كَانَ كُفِر﴾150كلمة أعيننا مجاز عن البصر151. أما الآية﴿... وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾152لفظ يمينه لا تفيد يمين جسمه بل هي تعبير مجازي عن القدرة التامة153. وفي تأويل "الإيجي" للآية﴿... إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ...﴾154يرى أنّ الصعود كناية عن رضا الله عن الكلم الطيب ودليله على ذلك أن الكلم عرض يمتنع عليه الانتقال155 وحسب رأيه أنّ العقول قررت أن العرض لا ينتقل.

يتضح لنا أن الأشاعرة وإن جعلوا النقل قبل العقل فإنهم لم يهملوا دور العقل، وفي هذا يقول "الغزالي": «فالذي يقنع بتقليد الأثر والخبر وينكر مناهج البحث والنظر لا يستتب له الرشاد، لأن برهان العقل هو الذي يعرف به صدق الشارع، والذي يقتصر على محض العقل ولا يستضيء بنور الشرع لا يهتدي إلى الصواب، ومثل العقل البصر السليم عن الآفات والاذاء، فالمُعرض عن العقل مكتفيا بنور القرآن كالمُعترض لنور الشمس مُغمضا للأجفان فلا فرق بينه وبين العميان. فالعقل مع الشرع نور على نور»156. وها هو "الإيجي" الأشعري يُغَلِب في تأويلاته الخطاب العقلي على حساب الخطاب البياني.

وبذلك يظهر أن الأشاعرة جاءت كتركيب بين اتجاهين متطرفين احدهما وقف عند ظاهر النص مُبعِدا الرأي والنظر العقلي في النصوص الدينية وهم أهل الحديث، وبين جاعلٍ العقل أصلا للنقل - وهم المعتزلة- بل إنه المتقدم في مصادر التشريع، إذْ أن العقل هو السلطة الآمرة للخير والشر وهو مصدرهما، وبه نعرف الكتاب والسنة بل أن الله خاطب الإنسان دون غيره لا لشيء إلاّ لأنه عاقل، وفي هذا المعنى يقول القاضي عبد الجبار: «لان به يميز بين الحسن والقبح، ولان به يعرف أن الكتاب حجة، وكذلك السنة والإجماع، وربما تَعَجَبَ بعضهم من هذا الترتيب فظن أن الدلالة هي الكتاب والسنة والإجماع فقط، أو ظن أن العقل إذا كان يدل على أمور فهو مؤخر، وليس الأمر كذلك لان الله تعالى لم يخاطب إلا أهل العقل»157. وهذا تعبير صريح على تقديم العقل عن النقل، أو كما هو معروف عند المعتزلة " العقل قبل ورود السمع".

خاتمة

أعتقد أنّ قضية العقل والنقل في الفكر الإسلامي، يمكن أن تطرح طرحا صحيحا، إذا ما كانت داخل نسق عقائدي، يتناول بالتحليل قيمة الإنسان وغايته ومنزلته ومهمته في هذا الكون. إذ أن العقل والنقل- في سياق مقالنا- ليسا إلا ّوسيلتين لغاية واحدة وهي الحقيقة158.

وكل مَنْ حاول أن يجعل إحداهما وسيلة والثانية غاية، فلن يضيف إلاّ تأزيما للموضوع.فالعقلنة حينما تستجيب لحاجة النص تعمل على إقصائه، والتيار النقلي عندما يتجاهل هذه الحاجة أو يضعها في حدود ضيقة يحوِّل النص إلى أداة لتجميد العقل وتجريده من طاقته الأصلية على الجدال والحوار.

وعليه يمكن القول أنّ كل فرقة من الفرق السالفة الذكر، كانت صحيحة -نوعا ما- فيما ذهبت إليه، ولكنها كانت خاطئة -بشكل كبير- عندما أنكرت رأي من خالفها من الفرق.

فمنطلقات الفرق الاسلامية متباينة ولذلك كانت المآلات متباينة كذلك، فالمعتزلة تبجل العقل على أساس إجرائي وليس تفضيلي. بالمقابل أهل النص تنظر لهذا الأخير من حيث الشرف، وأنه غاية في حد ذاته.


 


  1. سورة البقرة الآية 99
  2. محمد عمارة، النص الإسلامي بين التاريخية والاجتهاد والجمود، ط1، شركة نهضة مصر، القاهرة، مصر، 2007، ص3
  3. عبد المجيد النجار، خلافة الإنسان بين الوحي والعقل، ص17
  4. نقلا عن عبد المجيد النجار، خلافة الإنسان بين الوحي والعقل، ط2، المعهد العالمي للفكر الإسلامي، هيرندن - فرجينيا - الولايات المتحدة الأمريكية، 1993، ص16
  5. عبد الرحمن بن خلدون، المقدمة، ط 3، دار الكتاب اللبناني، بيروت، لبنان، 1967، ص821.
  6. عبد المجيد النجار، خلافة الإنسان بين الوحي والعقل، ص32.
  7. وتسمى أهل السنة والجماعة، وأصحاب الحديث، وهم أهل الحجاز بزعامة أحمد بن حنبل ومالك بن أنس. "عبد المنعم الحفني، موسوعة الفرق والجماعات والمذاهب الإسلامية، ط1، دار الرشاد، القاهرة، مصر، 1993ص45."
  8. في كتابه المنقذ من الضلال، اهتدى إلى الحقيقة في التصوف، ولم يجدها في الحواس أو العقل أو علم الكلام والفلسفة والباطنية.
  9. أبو حامد الغزالي،الاقتصاد في الاعتقاد، ط1، دار الكتب العلمية،  بيروت،لبنان، 1983،ص3.
  10. المرجع نفسه، ص3.
  11. المرجع نفسه، ص3.
  12. المرجع نفسه، ص4.
  13. عبد الرحمان بن خلدون، المقدمة، ط3، دار الكتاب اللبناني، بيروت، لبنان، 1967، ص821.
  14. أبو نصر الفارابي، إحصاء العلوم، تح وتق عثمان أمين، ط3، مكتبة النهضة المصرية، القاهرة، مصر، 1968، ص ص132- 133.
  15. بحثت في الكتب التسعة ولم أجده لكن وجدت حديثا قريبا جدا له في المعنى وهو «اقتدوا باللذَيْنِ من بعدي من أصحابي أبي بكر وعمر واهتدوا بهدي عمّار وتمسكوا بعهد ابن مسعود»سنن الترميذي، الكتاب المناقب عن رسول الله، الباب مناقب عبد الله بن مسعود، رقم الحديث 3741.
  16. هنري كوربان، تاريخ الفلسفة الإسلامية، ط2، عويدات للنشر والطباعه، بيروت، لبنان، 1998، ص 170.
  17. أبو نصر الفارابي، إحصاء العلوم، تح وتق عثمان أمين، ص131.
  18. ساعد خميسي، أبحاث في الفلسفة الإسلامية، "د-ط" دار الهدى، عين مليلة، الجزائر، 2002، ص14.
  19. رواء محمود، مشكلة النص والعقل في الفلسفة الإسلامية، ط1، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، 2006، ص45.
  20. أبو حامد الغزالي، كتاب قواعد العقائد من إحياء علوم الدين، مج1، تقديم رضوان السيد، ط1، دار اقرأ للنشر والتوزيع، القاهرة، مصر، "د-ت"، ص90
  21. فتح الباري شرح صحيح البخاري - كتاب الحج - ما ذكرفيالحجر الأسود، ص 541.
  22. مسند أحمد - مسند الشاميين رقم الحديث  17178.
  23. صَحَّحَ الحديث الشيخ الألباني بعد تراجعه عن تضعيفه قال:«إني لأجد نفس الرحمن من قبل اليمن. الضعيفة 1097. والحديث في الصحيحة 3367بلفظ: «إني لأجد نفس الرحمن من هنا - يشير إلى اليمن -». وقال الشيخ تحته: «واعلم أن هذا الحديث قد جاء في بعض طرقه زيادة أخرى بلفظ: «عقر دار المؤمنين بالشام» وكنت خرجته في المجلد الرابع 1935، فأعدت تخريجه هنا لحديث الترجمة مستدركا به على تخريجي إياه في الضعيفة 1097، لكن من حديث ابي هريرة، فهذا شاهد قوي له من حديث سلمة بن نفيل أوجب علي تخريجه هنا والتنبيه على أن الحديث صار به صحيحا والحمد لله على توفيقه وأسأله المزيد من فضله»
  24. محمد عمارة، النص الديني بين التأويل الغربي والتأويل الإسلامي... ص45.
  25. مسند أحمد - مسند الشاميين رقم الحديث  17178.
  26. الشهرستاني "أبو الفتح محمد"،الملل والنحل، ج1، تح محمد سيد كيلاني، ط2، دار المعرفة،  بيروت، لبنان، 1975م ص104.
  27. المرجع نفسه، ص104.
  28. جولد تسهير، العقيدة والشريعة في الإسلام، ترجمة محمد يوسف موسى وآخرون، ط2، دار الكتب الحديثة، مصر، 1946، ص129.
  29. المرجع نفسه، ص129.
  30. المرجع نفسه، ص129.
  31. سورة ص الآية 29.
  32. السيد قطب، خصائص التصور الإسلامي ومقوماته، ط12، دار الشروق، بيروت، لبنان، 1992، ص27.
  33. عبد المجيد النجار، خلافة الإنسان بين الوحي والعقل ص19.
  34. يقول الشيخ المحدث العلامة محمد ناصر الدين الألباني رحمة الله علينا وعليه في مثل هذا الحديث:
    «حدثوا الناس بما يعرفون أتريدون أن يكذب الله ورسوله». تخريج السيوطي: "فر" عن علي مرفوعا وهو في "خ" موقوف. تح الألباني: "ضعيف" انظر حديث رقم: 2701في ضعيف الجامع. ‌
  35. سورة طه، الآية 5.
  36. ابن تيمية، مجموع الفتاوى، ج2، ص218.
  37. عبد الر حمن "ابن خلدون"، المقدمة، ص831.
  38. سورة طه الآية 5.
  39. سورة ص الآية 75.
  40. سورة الفجر الآية 22.
  41. الشهرستاني "أبو الفتح محمد "، الملل والنحل، ج1، تح محمد عبد القادر الفاضلي، "د-ط"، المكتبة العصرية، صيدا، بيروت، 2003، ص73.
  42. المرجع نفسه، ص ص 83-84.
  43. الأشعري (أبوالحسن علي بن اسماعيل)، مقالات الإسلاميين، ج1، تح محمد محي الدين عبد الحميد، ط02، مكتبة النهضة المصرية، القاهرة، مصر، 1969، ص 344.
  44. أحمد بن حنبل، الصلاة وما بها نبذة عن العقيدة، (د-ط)، الدار السنة، (د-ت)، ص 42.
  45. ابن تيمية، موافقة صحيح المنقول لصريح المعقول، ج1، ط01، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، 1985، ص110.
  46. جلال الدين السيوطي، صون المنطق والكلام عن فن المنطق والكلام، تح علي سامي النشاروسعاد علي عبد الرازق، ط1، مجمع البحوث الاسلامية، الاسكندرية، 1947، ص116.
  47. المرجعنفسه، ص182.
  48. سورة الزمر الآية 9. 
  49. أبو حامد الغزالي، إحياء علوم الدين، مج1، تقديم رضوان السيد، ط1، دار اقرأ للنشر والتوزيع، القاهرة، مصر، "د-ت"، ص90.
  50. نقلا عن: محمد بن عبد الهادي المصري، معالم الانطلاقة الكبرى، ط4، دار الإعلام الدولي، 1992، ص28، 29.
  51. البخاري، الجامع الصحيح المختصر، ج2، تح مصطفى ديب البغا، ط3، دار ابن الكثير، بيروت، لبنان، 1987، ص510.
  52. عبد المجيد الجوزي، مكانة العقل في فلسفة " الجاحظ"، رسالة مقدمة لنيل شهادة ماجستير فلسفة، جامعة الجزائر، قسم الفلسفة، 2004، ص24.
  53. نظير الخزرجى، العقل والنقل: جدلية الصراع المعرفي المزمن بين منهجين، http //imarahrebuilding.jeeran.com/nadir10.html.. 11/02/2011، 11سا 23د.
  54. عبد الكريم عثمان، نظرية التكليف آراء القاضي عبد الجبار الكلامية، ط1، مؤسسة الرسالة، بيروت، لبنان، 1971، ص 74، وانظر أيضا:القاضي عبد الجبار، المغني ج11، التكليف، تح محمد علي النجار وعبد الحليم النجار، الدار المصرية للتأليف والترجمة والنشر، القاهرة مصر، 1965، ص375.
  55. القاضي عبد الجبار، المغني، ج11، التكليف، ص379.
  56. "الباقلاني"، التمهيد، تح محمد محمود الخضيري ومحمد عبد الهادي أبو ريدة، (د-ط)، دار الفكر العربي، القاهرة، مصر، 1947، ص 35.
  57. القاضي عبد الجبار، المغني، ج12، النظر والمعارف، تح ابراهيم مذكور، مطبعة دار الكتاب المصرية، مصر، 1962ص، ص، 104،115.
  58. إبراهيم مذكور، مقدمة تحقيقه للمغني في التوحيد والعدل، القاضي عبد الجبار، ج12، الصفحة د.
  59. الجاحظ" أبو عثمان عمرو بن بحر"، الحيوان، ج01، تح وشرح عبد السلام محمد هارون، ط03، دار الكتاب العربي، بيروت، 1969، ص207.
  60. علي سامي النشار، نشأة الفكر الفلسفي في الإسلام، ج1، ط5، دار المعارف، مصر، سنة 1971، ص327.
  61. القاضي عبد الجبار، شرح الأصول الخمسة، حققه وقدم له عبد الكريم عثمان، ص 528.
  62. المصدر نفسه، ص528.
  63. المصدر نفسه، ص528.
  64. المصدر نفسه،ص 529.
  65. المصدر نفسه،ص 531.
  66. القاضي عبد الجبار، المغني مج12، النظر والمعارف، ص169.
  67. سورة النحل الآية 89.
  68. سورة الأنعام الآية 38.
  69. سورة النساء الآية 82.
  70. سورة الغاشية الآية 17.
  71. سورة الذاريات الآية 21.
  72. سورة الأعراف الآية 185.
  73. "ابن رشد" أبو الوليد، مناهج الأدلة في عقائد الملة، تقديم وتح محمود قاسم، ط2، مكتبة الانجلو مصرية، القاهرة، مصر، 1964، ص 134.
  74. القاضي عبد الجبار، شرح الأصول الخمسة، حققه وقدم له عبد الكريم عثمان، ص88.
  75. المصدر نفسه، ص88.
  76. القاضي عبد الجبار، المغني مج12، النظر والمعارف، ص169.
  77. القاضي عبد الجبار، شرح الأصول الخمسة، ص 565.
  78. صلاح إبراهيم، العقل ومسألة الأخلاق عند المعتزلة، مجلة الفكر العربي، عدد64، معهد الإنماء العربي، بيروت، أفريل، 1991، ص206.
  79. القاضي عبد الجبار، شرح الأصول الخمسة، ص ص530-531.
  80. المصدر نفسه، ص531.
  81. القاضي عبد الجبار، المغني مج12، النظر والمعارف، ص169.
  82. محمد فريد وجدي، دائرة معارف القرن العشرين، المجلد الأول، ط3، دار المعرفة، بيروت، لبنان، 1971، ص 778.
  83. محمد بالطيب، التأويلعند الصوفية،/http://forums.naseej.com archive/index.php/t-  123884.html 14/04/2008،02:17
  84. "نصر حامد أبو زيد"، مفهوم النص: دراسة في علوم القرآن، ط3، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء 1996، ص234.
  85. "القشيري" عبد الكريم بن هوازن بن عبد الملك، لطائف الإشارات، مج3، تح عبد اللطيف حسن بن عبد الرحمان، ط 3، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، 2007، ص21.
  86. علاء الدين عبد العزيز بن أحمد البخاري، كشف الأسرار عن أصول فخر الإسلام البزدوي، ج1، " د-ط" دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، "د-ت" ص45.
  87. الشورى:11.
  88. الشورى:11.
  89. سورة الفتح، الآية 10.
  90. محمد بالطيب، التأويلعند الصوفية، فيhttp://forums.naseej.com  /archive/index.php/t-123884.html،14/04/2008،02:17
  91. محمد عمارة، النص الإسلامي بين التاريخية.. والاجتهاد.. والجمود، ط01، نهضة مصر للطباعة والنشر والتوزيع، مصر، 2007، ص11.
  92. عبد الحميد خطاب، الغزالي بين الدين والفلسفة، "د-ط"، المؤسسة الوطنية للكتاب، الجزائر، 1984، ص 174.
  93. سورة القيامة، الآية 22-23.
  94. سورة الأنعام، الآية 103.
  95. القاضي عبد الجبار، شرح الأصول الخمسة، ص238.
  96. القاضي عبد الجبار، المغني مج12، النظر والمعارف، ص176.
  97. سورة آل عمران، الآية 07.
  98. محمد عمارة، قراءة النص الديني بين التأويل الغربي والتأويل الإسلامي، ط01، مكتبة الشروق الدولية، القاهرة، مصر، 2006، ص35.
  99. المرجع نفسه، ص37.
  100. يبدو أنَّ القاضي عبد الجبّار في كتابه "شرح الأصول الخمسة" ص606، لا يميل إلى التمييز بين التفسير والتأويل
  101. القاضي عبد الجبار، شرح الأصول الخمسة، ص606.
  102. سورة آل عمران، الآية 7.
  103. محمد عمارة، قراءة النص الديني بين التأويل الغربي والتأويل الإسلامي، ص35.
  104. المرجع نفسه، ص37.
  105. "أبو بكر محمد بن يحيى بن زكريا الرازي "عالم وطبيب فارسي"250هـ-311" كتب في مجال الأديان التي انتقدها بشدة، ورأى أن النبوة إن أتتنا بما يوافق ما جاء به العقل فنحن في غنى عنها، لأن العقل وحده يكفي، وإن جاءت بما يخالف العقل فنحن ملزمون برفضها ومحاربتها لأنها مخالفة لما استقر في العقل، والنبوة إمّا أن توافق أو تعارض العقل وفي كلتا الحالتين نحن في غنى عنها. "تيسير الفارس العفيشات  حضارة النص،   http://www.elaphblog.com /posts.aspx?u=3128&A=37723"  بتــاريخ:10/20/2010/13سا04د.                    
  106. القاضي عبد الجبار، شرح الأصول الخمسة، ص ص564-565.
  107. القاضي عبد الجبار، المجموع المحيط بالتكليف، ج1، جمع الشيخ أبي محمد الحسن بن احمد بن متويه، تح عمر السيد عزمي، المؤسسة المصرية العامة للتأليف والنشر، مصر، "د-ت" ص ص217-218.
  108. محمد علي أبو ريان، تاريخ الفكر الفلسفي في الإسلام، ط02، دار النهضة العربية، بيروت، لبنان، 1973، ص199.
  109. "الإيجي" عضد الدين عبد الرحمن بن أحمد، كتاب المواقف، ج10، تح عبد الرحمن عميرة، (د-ط)، (د-ت)، ص185.
  110. المرجع نفسه ص 285.
  111. المرجع نفسه، ص 437.
  112. المرجع نفسه، ص496.
  113. المرجع نفسه، ص79.
  114. القاضي عبد الجبار، المغني مج12، النظر والمعارف، ص169.
  115. "الباقلاني"، الإنصاف فيما يجب اعتقاده ولا يجوز الجهل به، تح محمد زاهد الكوثري، ط 2، مؤسسة الخانجي، مصر، 1963ص 13.
  116. سورة آل عمران الآية 85.
  117. الشهرستاني،نهاية الإقدام في علم الكلام، حرره وصححه ألفرد جيوم، "د-ط"، مكتبة المثنى، بغداد،  "د-ت " ص370.
  118. ابوحامد الغزالي، الاقتصاد في الاعتقاد، ص 118.
  119. سورة يس، الآيتين 78، 79.
  120. " أبو الحسن الأشعري"، اللمع في الرد على أهل الزيغ والبدع، نشر وتصحيح الأب يوسف مكارثي، "د-ط"، المطبعة الكاثوليكية، بيروت،1953، ص22.
  121. سورة يس،الآية 80.
  122. نفس السورة الآية 81. 
  123. سورة الروم الآية 11.
  124. سورة الروم الآية 27.
  125. " أبو الحسن الأشعري"، اللمع في الرد على أهل الزيغ والبدع، ص22.
  126. معنى التجوير هو نسبة الجور إلى الله والحكم له بأنه جائر" سميح دغيم، موسوعة مصطلحات علم الكلام الإسلامي، ج1،ط1، مكتبة لبنان ناشرون، بيروت، لبنان، 1998، ص298.
  127.  "الباقلاني" أبو بكر، كتاب تمهيد الأوائل وتلخيص الدلائل،تح الأب ريتشارد يوسف، "د-ط"، المكتبة الشرقية، بيروت، لبنان، 1957، ص343.
  128. البزدوي، أصول الدين، تح هانز بيترلنس، "د-ط"، دار إحياء الكتب العربية، القاهرة، مصر، 1963، ص207.
  129. سورة فصلت الآية 46.
  130. عبد الرحمان بدوي، مذاهب الإسلاميين، "د-ط"، دار العلم للملايين، بيروت، لبنان، 1997، ص598.
  131. سورة الأنبياء الآية 22.
  132. سورة المؤمنون الآية 91.
  133. أبو بكر "الباقلاني"، كتاب تمهيد الأوائل وتلخيص الدلائل، ص 25.
  134. ولقد تمت الإشارة اليه من قبل عند الحديث عن القاضي عبد الجبار ونقده للنصارى.
  135. محمد علي ابوريان، تاريخ الفكر الفلسفي في الإسلام، ص 212.
  136. الجويني، الإرشاد إلى قواطع الأدلة في أصول الاعتقاد، تح محمد يوسف موسى وعلى عبد المنعم عبد الحليم، "د-ط"، مكتبة الجانحي، مصر، 1950، ص258.
  137. أبو حامد الغزالي، إحياء علوم الدين، قواعد العقائد، تقديم الدكتور رضوان السيد، ط1، دار أقرأ، بيروت، لبنان، 1983، ص30.
  138. عبد الحميد خطاب، الغزالي بين الدين والفلسفة، ص207.
  139. أبو حامد الغزالي، قانون التأويل، تح زاهد الكوثري، "د-ط"، مطبعة الأنوار، 1976، ص 32.
  140. سورة ال عمران الآية 07.
  141. حمد السِنان، فوزي العنجري، أهل السنة الأشاعرة، جمع وإعداد، "د-ط"، دار الضياء للنشر والتوزيع، "د-س"، ص 191.
  142. سورة النساء الآية 82.
  143. عضد الدين عبد الرحمن بن أحمد الإيجي، كتاب المواقف، ج10، ص59.
  144. صحيح مسلم - كِتَاب الْحَجِّ - باب حَجَّةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
  145. 2137 بَاب حَجَّةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
  146. سورة طه الآية 05.
  147. الإيجي، كتاب المواقف، ج10، تح عبد الرحمن عميرة، ص501.
  148. سورة الرحمن، الآية 27.
  149. الإيجي، كتاب المواقف، ج10، تح عبد الرحمن عميرة، ص501.
  150. سورة الفتح الآية 10.
  151. سورة القمر الآية 14.
  152. الإيجي، كتاب المواقف، ج10، تح عبد الرحمن عميرة، ص502.
  153. سورة الزمر الآية 67.
  154. الإيجي، كتاب المواقف، ج10، تح عبد الرحمن عميرة، ص502.
  155. سورة فاطر الآية 10.
  156. الإيجي، كتاب المواقف، ج10، تح عبد الرحمن عميرة، ص473.
  157. أبو حامد الغزالي، الاقتصاد في الاعتقاد، ص4.
  158. القاضي عبد الجباروآخرون، فضل الاعتزال وطبقات المعتزلة، اكتشفها وحققها فؤاد سيد، "د-ط"، الدار التونسية للنشر، 1979، ص139.
  159. عبد المجيد النجار، خلافة الإنسان بين الوحي والعقل، ص ص34-35.

@pour_citer_ce_document

عبد المجيد مسالتي, «النص بين القراءة الحرفية والقراءة التأويليةعند علماء الكلام»

[En ligne] ,[#G_TITLE:#langue] ,[#G_TITLE:#langue]
Papier : 325-341,
Date Publication Sur Papier : 2019-01-09,
Date Pulication Electronique : 2019-01-09,
mis a jour le : 10/01/2019,
URL : https://revues.univ-setif2.dz:443/revue/index.php?id=5070.