تجليات السادية والمازوخية في القصة الشعرية العربية الحديثةThe manifestation of sadism and masochism in the poetry story
Plan du site au format XML


Archive: revues des lettres et sciences sociales


N°01 Avril 2004


N°02 Mai 2005


N°03 Novembre 2005


N°04 Juin 2006


N°05 Juin 2007


N°06 Janvier 2008


N°07 Juin 2008


N°08 Mai 2009


N°09 Octobre 2009


N°10 Décembre 2009


N°11 Juin 2010


N°12 Juillet 2010


N°13 Janvier 2011


N°14 Juin 2011


N°15 Juillet 2012


N°16 Décembre 2012


N°17 Septembre 2013


Revue des Lettres et Sciences Sociales


N°18 Juin 2014


N°19 Décembre 2014


N°20 Juin 2015


N°21 Décembre 2015


N°22 Juin 2016


N° 23 Décembre 2016


N° 24 Juin 2017


N° 25 Décembre 2017


N°26 Vol 15- 2018


N°27 Vol 15- 2018


N°28 Vol 15- 2018


N°01 Vol 16- 2019


N°02 Vol 16- 2019


N°03 Vol 16- 2019


N°04 Vol 16- 2019


N°01 VOL 17-2020


N:02 vol 17-2020


N:03 vol 17-2020


N°01 vol 18-2021


N°02 vol 18-2021


N°01 vol 19-2022


N°02 vol 19-2022


N°01 vol 20-2023


N°02 vol 20-2023


A propos

avancée

Archive PDF

N°28 Vol 15- 2018

تجليات السادية والمازوخية في القصة الشعرية العربية الحديثة

The manifestation of sadism and masochism in the poetry story
223-238

نسيمة زمالي
  • resume:Ar
  • resume
  • Abstract
  • Auteurs
  • TEXTE INTEGRAL
  • Bibliographie

قامت الآداب العالمية منذ فجرها الأول على ثنائية التأثير والتأثر ولم تكن إبداعاتنا العربية يوما بمنأى عن تلك الثنائية؛ وبما أن التيارات الأدبية تتمازج والمناهج تتلاقح، فقد كانت الفنون العربية دائما على اتصال بكل جديد يظهر في الآداب الغربية، إما عن طريق الترجمة أو الهجرة، وكذلك شأن الآداب الأجنبية مع العربية، لكن الأمر مختلف مع ما يسمى بالسادية والمازوخية، فقد انطوى الإبداع الفني العربي على ممارسات سادية ومازوخية، و قد يكون ذلك تعمدا وتأثرا بمناهج التحليل الحديثة، والنفسية منها تحديدا، وقد يكون عفويا دون أن يلتفتوا إلى كونها تتماشى مع حالات الاضطراب النفسي تلك.

 حاولنا في هذا البحث وضع أيدينا على تجليات السادية والمازوخية في القصة الشعرية العربية الحديثة، فتم تقسيم البحث إلى جانبين: نظري عنى بالإحاطة تاريخيا بهذه الاضطرابات النفسية، وتطبيقي عالج في شقه الأول القصص الشعرية العربية ذات التوجه المازوخي، وفي شقه الثاني  القصص ذات الوجهة السادية.

الكلمات المفاتيح: السادية، المازوخية، الماركيز دي ساد، ليوبولد ساشار مازوخ، الشخصية، القصة الشعرية

Depuis l’histoire ancienne, la littérature a influence et influencé. La créativité arabe n’était pas loin d'être affectée. elle été toujours en contact avec tous les nouveaux idées  qui apparaissent dans la littérature occidentale, que ce soit par la traduction ou par l’émigration, Outre la littérature occidentale, traduite ou migrée, et c’est le cas des littératures étrangères avec l’arabe, elle diffère du soi-disant sadisme et du masochisme. Elle contient une créativité artistique arabe sur le comportement du sadisme et du masochisme, intentionnellement et influencée par les méthodes analytiques modernes, notamment psychologiques, c’était une amnistie A sans prêter attention à être en conformité avec les cas de troubles mentaux. Par conséquent, nous avons essayé dans cette recherche d’aborder les effets du sadisme et du masochisme dans le récit poétique arabe moderne, en deux parties : une partie théorique consacrée à l’histoire de ces troubles psychologique et le premier traitant de l’effet poétique arabe du masochisme, la deuxième partie traitant l’effet sadisme.

Mots clé :Sadisme, Masochisme, Markis de sade, Léopold sachar Mazoche, Personnalité, Histoire poétique.

Since ancient history, literature has influenced. Arab creativity was not far from being affected. it has always been in contact with all the new ideas that appear in Western literature, whether through translation or emigration, in addition to Western literature, translated or migrated, and this is the case of foreign literatures with the Arabic, it differs from so-called sadism and masochism. It contains Arab artistic creativity on the behavior of sadism and masochism, intentionally and influenced by modern analytical methods, including psychological, it was an amnesty A without paying attention to be in accordance with cases of mental disorders. Therefore, we have tried in this research to address the effects of sadism and masochism in modern Arabic poetic narrative, in two parts: a theoretical part devoted to the history of these psychological disorders and the first dealing with the effect Arabic poetics of masochism, the second part dealing with the sadism effect.

Keywords: Sadism, Masochism,Markis de sade, Léopold sachar Mazuch, Personality, Story poétic

تعتبرالسادية1والمازوخية2من أبرز المصطلحات النفسية في العصر الحديث، وضعهما عالم النفس والجنس وطبيب الأمراض العقلية الألماني ريشارد فون كرافت إيبنج Richard Von Krafftفي كتابه (علم النفس المرضي للجنس psychopathiesexualiseالذي نشر عام 1886مستوحيا هذه التسمية من روايات مازوخ الروائي النمساوي، والماركيز دي ساد، والماريشال جيل دي رايسGilles de rays3الفرنسيين، وقبلها كان الأطباء التحليليون يسمون المازوخية الشبقية المؤلمة الساكنة algolagnie passive،والسادية الشبقية المؤلمة النشيطة algolagnie active، ومنذ ذلك الحين بدأ اهتمام العلماء والدارسين والأطباء النفسيين بهذين المصطلحين؛ "فأصدر ألفريد بينيه بحوثه في الموضوع سنة 1887، ونشر هافلوك إليسHavelock Ellisكتابه (دراسات في علم نفس الجنسstudies in thepsychologie of sexسنة1897، ثم ظهر كتاب إلينبيرغ Eulenbirg(السادية والمازوخية) في1902، تلاهم سيجموند فرويد بكتابه (ثلاث مقالات حول النظرية الجنسية) سنة 1905.

وبهذا النضج لعلم النفس الإكلينيكي أصبحت السادية والمازوخية تقاربان بالتحليل النفسي، حيث أقر هذا الأخير أن المازوخية مرض، بينما السادية واحدة من مكونات الليبيدو،"4وعلى غرار تلك الشخصيات سجل لنا التاريخ أسماء شخصيات سادية ومازوخية أخرى ؛ "كجاك الباقرjack l’éventreurالذي كان يمارس ساديته ببقر بطون بائعات الهوى بلندن، وبيتر سوطشاف Peter sut chiffeالذي كان يمارس أيضا ساديته على بائعات الهوى،"5وتختلف هاتان الحالتان في الوضع والدرجة، حتى أن أبسط تعذيب للغير يسمى سادية، وأبسط تلذذ بالإساءة للنفس يدعى مازوخية.

كما حدد علماء النفس درجات هاتين الحالتين، فنادوا بأن السادية: اضطراب مؤقت (حالة انفعالية) أو دائم (سمة) في الشخصية، ويتمثل في التلذذ أو الرغبة في إيلام الآخر، وقد يتظاهر هذا الإيلام في الجانب اللفظي من فحش في الكلام أو سب أو شتم، وتدعى "سادية لفظية"، وقد يترجم في سلوكات عدوانية كاستعمال القوة والضرب والعنف، فنكون أمام "سادية سلوكية"، وقد يبرز في شكل إيلام الآخر نفسيا بإهانته أو التحرش به معنويا أو السيطرة عليه، وهنا نسميها "سادية نفسية"، وأخيرا قد تظهر هذه السلوكات أثناء القيام بالفعل الجنسي ولا يحصل على الإشباع الجنسي إلا بها، فنطلق عليها حينها "سادية جنسية"، أما المازوخية؛ فهي اضطراب مؤقت (حالة انفعالية) أو دائم (سمة) في الشخصية؛ حيث يتلذذ أو يرغب الشخص في التعرض للإيلام الذي يأتيه من الآخرين، وكما في السادية هناك مازوخية لفظية، وفيها يتلذذ بسب وشتم الآخرين، ومازوشخية سلوكية؛ حيث يرضى ويقبل بالعنف والضرب والجرح الممارس عليه، و"مازوخية نفسية" لما يتلذذ بإهانة الآخرين له، وأخيرا مازوخية جنسية، وتحدث حين لا يشبع الشخص جنسيا (أثناء الفعل الجنسي) إلا إذا عومل معاملة سيئة."6

وتأسيسا على قول الباحثة كاترين دوروريCatrine Duruy "أن هناك نوعا من الرواية والقصة التي يحاول صاحبها الوصول إلى أعماق النفس البشرية، وتظهر هذه الكتابات كيف يتمكن الخيال من إبراز الشر والانحراف الذي يمكن أن تتوفر عليه هذه النفس الإنسانية"7، نطرح بعض الأسئلة التي يفرضها الموضوع: هل اقتصر المصطلحان على علم النفس والطب العقلي، أم امتد إسقاط حالات العصاب لهاتين الحالتين على مختلف نواحي الحياة ومنها الأدب؟  هل عرف الأدب العربي والعالمي عبر تاريخه الطويل ممارسات سادية ومازوخية سواء أكانت حادة أم بسيطة؟ هل استعار رواد القصة الشعرية هاته المصطلحات لإبداعاتهم الفنية كالقصة والشعر والرواية؟

 يذكر خير الله عصار8نماذج من الشعر والقصة والرواية أسقطت السادية والمازوخية على شخصياتها، كالحلاج المتصوف9الذي قطعت يداه ورجلاه وهو يضحك ويقول: "اعلموا أن الله تعالى أباح لكم دمي فاقتلوني"، وأنشد يقول:

اُقْتُلُونِي يَا ثُقَاتِي          إِنَّ فِي قَتْلِي حَيَاتِي

وَمَمَاتِي فِي حَيَاتِي        وَحَيَاتِي فِي مَمَاتِي

أو سادية هتلر الألماني الذي أحرق اليهود ودفنهم أحياء بلا هوادة، وشهريار ألف ليلة وليلة الذي كان يقتل كل ليلة عذراء، ومثلهما شيلوخ اليهودي بطل مسرحية تاجر البندقية لشكسبير، والذي استرد دَيْنَهُ كتلا لحمية من البشر، أما المازوخية فقد مارسها إيفان بطل الإخوة كارامازوف لديستوفسكي؛ حين كان يتعمد القمار ليخسر المال ويتلذذ بالفقر والضعف، وجميع شخصيات روايات مازوخ تنقاد قهرا إلى اللذة بممارسات عنيفة وشاذة على نفسها، كذلك جان جاك روسو الوجودي الفرنسي الذي أقر بميولاته المازوخية في الفصول الأولى من كتابه الاعتراف."10

في هذا البحث سنسلط الضوء على حالات السادية والمازوخية التي وسمت أبطال القصة الشعرية العربية، والتي صورها الشعراء إما وعيا بالحالتين أو دون وعي، لكنها انطوت على ممارسات سادية ومازوخية من قريب أو من بعيد بطريقة مباشرة أو غير مباشرة.

1-  تجليات المازوخية في القصة الشعرية الحديثة

كانت السادية والمازوخية موضوعا خصبا في الأدب، حيث حفلت العديد من الروايات والقصص والأساطير بمضامين سادية ومازوخية، ولعل السبب الرئيس لذلك كون المصطلحين يعودان لروائيين لهما باع في مجال الأدب  أحدهما فرنسي (دي ساد)، والآخر نمساوي (ساشار مازوخ)، هذا للعلاقة الوثيقة التي تربط الأدب بعلم النفس؛ "فالنفس تصنع الأدب كما يصنع الأدب النفس، تجمع النفس أطراف الحياة لكي تصنع منها الأدب ، و يرتاد الأدب حقائق الحياة لكي يضيء جوانب النفس، والنفس التي تتلقى الحياة لتصنع الأدب، هي النفس التي تتلقى الأدب لتصنع الحياة، إنها دائرة لا يفترق طرفاها إلا لكي يلتقيا،"11ولم يبق مجال السادية والمازوخية حكرا على علماء النفس، بل تناوله بالدرس أيضا الفلاسفة والأدباء، "فقد ذكر أندريه بينيه André Bennéفي كتابه (الحياة الجنسية عند المرأة) أن الرجل يفتش في الحياة السادية عن السيطرة، وتفتش المرأة في الحياة المازوخية عن الخضوع والاستسلام"12، لذلك يميل الرجل عادة إلى السادية، وتميل المرأة إلى المازوخية، وإذا حاولنا تتبع حالات المازوخية في أدبنا العربي، وفي مجال القصة الشعرية تحديدا، تواجهنا كواحدة من هذه القصص ضمن قصيدة خليل مطران13"شهيد المروءة وشهيدةالوفاء،"14يقول الشاعر:

سَيِّدَتِي إِنْ تَفْسَحِي

لِي بِالكَلاَمِ فَاسْمَحِي  

 

أَقْصُصْ عَلَى قُرَّاءِ

نَشْرَتَكِ الغَرَّاءِ  

 

بِالنَّثْرِ أَوْ بِالشِّعْر

أَيُّهُمَا لاَ أَدْرِي  

 

حَادِثَةً غَرِيبَهْ

مَا هِيَ بِالمَكْذُوبَهْ  

 

أَنْقُلُهَا مُمَثَّلَهْ

مُجْمَلَةً مُفَصَّلَهْ 

 

كَمَا جَرَتْ أَمَامِي 

فِي قَرْيَةٍ بِالشَّامِ 

 

وَذَاكَ أَنَّ ذِيبَا

مُسْتَضْخَمًا مَهِيبَا  

 

إِذِ انْبَرَى شُجَاع

تَرْهَبُهُ السِّبَاعُ

 

كَانَ اسْمُهُ أَدِيبَا  

وَبَأْسُهُ عَجِيبَا  

 

فَهَبَّ يُرْغِي مُزْبِدًا

وقدَ تَجَافَى المَرْقِدَا  

وَاضَطَرَمَتْ عَيْنَاهُ

واضْطَرَبَتْ أَحْشَاهُ 

وَشَنَجَتْ أَعْصَابُهُ 

وبرَزَتْ أَنْيَابُهُ  

فَمَزَّقَ الكِسَاءَ 

وبَعْثَرَ الأَشْيَاءَ  

وَكَسَرَ الزُّجَاجَا 

وأَطْفَأَ السِّرَاجَا  

ثُمَّ مَضَى عُرْيَانَا 

لا يَهْتَدِي مَكَانَا 

كَالسَّبَعِ المُتَوَحِّشْ 

يعْوِي بِصَوْتٍ مُرْعِشْ  

يَسْقُطُ آنًا وَيَقِفْ 

يسْكُنُ ثُمَّ يَرْتَجِفْ  

 

تتسارع الأحداث بعد مهاجمة الذئب للقرية، فإذا بأديب مصاب بالكلب، يصارع الموت منفردا، ثم تدخل لبيبة المخدع لتواجه الموت عامدة متعمدة بعد أن قررت اللحاق بمن تهوى؛ حيث "تظهر المازوخية لما يدرك الإنسان أنه كائن حي متألم،"15فيشمها ويقبلها ثم يعضها في نحرها فلا تبدي حركة أو مقاومة، تبدأ البطلة المازوخية في السير نحو مصيرها المفجع، وفي ثورة نفسها الحزينة المكلومة بفقدان الحبيب، تقترب من أديب وقد غدا في عينيها رسولا من رسل الإنسانية للسلام والتضحية، وكانت التضحية من الطرفين، ففي حين آذى هو نفسه في سبيل الآخرين، تؤذي هي نفسها في سبيله، ولعل هذا النوع من المازوخية هو ما أشار إليه ثيودور راك Theodore Racبقوله: المازوخية هي ميل غريزي مشترك بين كل الناس، وبالتالي هي شيء سوي، ولا تصبح مرضية إلا إذا تجاوزت بعض الحدود،"16

يحدث التصعيد في المشهد الدرامي في هذا الموقف من خلال إقبال لبيبة في حالة من المازوخية التي تطلب الألم تجسيدا للذة، تقودها عاطفتها المتأججة، ولطالما كانت مشاعر: "الحب والكره عنصرين أساسين تؤسس من خلالهما العلاقات الإنسانية"17لذلك ارتأت في التحاقها بمصير من تحب تحقيقا لارتباط الجسدين والتقاء الروحين الذين فرقتهما مآسي الحياة، قابله تصعيد آخر في الموقف الرجولي لأديب الذي أقبل على فتاته يعضها ويغرز أسنانه في نحرها، حتى خرت ميتة دون أن تبدي أية مقاومة، تحقيقا لنظرية الباحثة النفسانية جيزا روهيم Jisa Rohèmeالسادية هي صفة طبيعية عند الرجل والمازوشية صفة طبيعية عند المرأة، الرجل هو سيد المرأة،"18فدفعتها سادية الحبيب ومازوخيتها إلى الموت المؤكد، فجمعتهما المحنة وألفتهما سيمفونية الألم.

تتجلى المازوخية في القصة الشعرية العربية الحديثة كذلك في قصة (الجنين الشهيد)19لخليل مطران20، وتدور حول حادثة جرت في مصر، حضر وقائعها فوصفها بحقيقتها لتكون تذكرة وعبرة، وقد صاغها في نحو مائة وأربعة عشر (114) دورا خماسيا، يقول الشاعر على لسان الفتاة:

أَيَا رَبِّ إِنِّي حَامِلٌ ثُمَّ مُرْضِعٌ          وَمَا لِي مِنَ القُوتِ الضَّرُورِي مُشْبِعُ

أَبِي مُوسِعِي ذَمًّا وَأُمِّي تُقَرِّعُ           وَأَشْعُرُ أَنَّ ابْنِي بِجَوْفِي مُوجَعُ

             فَهَلْ هُوَ جَانٍ أَمْ يُعَذَّبُ مِنْ أَجْلِي؟                                                         

تَمُوتُ وَلَمَّا تَسْتَهِلُّ مُبَشِّرًا             تَمُوتُ وَلَمْ أَنْظُرْ مُحَيَّاكَ مُسْفِرَا

تُفَارِقُ قَبْرًا فِيهِ عُذِّبْتَ أَشْهُرًا    إِلَى جَدَثٍ مِنْهُ أَبَرَّ وَأَطْهَرَا

          وَتَحْيَا صِغَارُ الطَّيْرِ دُونَكَ والنَّمْلُ!

كَفَرْتُ بِحُبِّي فِي اشْتِدَادِ تَغَضُّبِي      فَصَفْوُكَ يَا ابْنِي مَا أَبُوكَ بِمُذْنِبِ

فَقُلْ: رَبِّ أُمِّي أَهْلَكَتْنِي لاَ أَبِي        وَأُمِّي زَنَتْ حَتَّى جَنَتْ مَا جَنَتْهُ بِي

                 فَزِدْهَا شَقَاءً وَاجْزِهَا القَتْلَ بِالقَتْلِ

لقد اندفعت البطلة بفعل فقرها وعوزها وظلم الإنسان لها إلى ارتكاب نوع من المازوخية، فآذت نفسها بإيذائها لفلذة كبدها، حدث ذاك بعد أن انتهكت إنسانية الفتاة، واعتدي عليها من شخص هو صورة لأفراد مجتمع بأكمله، فأضاف إلى حالتها الاجتماعية والاقتصادية المترديتين نكبة خاصة وشقاء سببه عرض مداس وحرمة منتهكة، ما كانت تظن نفسها ستواجهها يوما قبل ارتحالها إلى المدينة، لكن البؤس الاجتماعي كما يقال ينتشر رهيبا في المدن الكبرى؛ حيث "تتوفر أسباب اللهو والملذات وتكثر التجارب والموبقات، فهناك يزحف تيار الخلاعة حاملا معه الشقاء إلى كثير من الأفراد والعائلات."21وبعد السادية المسلطة عليها، تتجه لتمارس هي مازوخيتها تماشيا ونظرية جان بول سارتر jan Paul Sartre التي ترى أن "العلاقات بين الأنا والآخر يحكمها الصراع، فالمازوخية هي محاولة يلجأ إليها (الأنا) بعد فشله في المحاولة الأولى (محاولة الحب) ففي محاولة الحب يريد كل من الأنا والآخر أن يكون موضوعا يمتلكه الآخر ولما تفشل هذه المحاولة يظهر الغضب الذي يجعل الأنا أو الآخر يمر إلى المازوخية، حيث يريد أن يموضع نفسه بعنف ويؤذي نفسه ويشوهها أمام الآخر حتى يلفت انتباهه."22

ثارت الفتاة للظلم المسلط عليها، تلمع نجوم التفاؤل في سمائها مرة حين تمني النفس بزواجها من فتاها، ومتشائمة مرات حين يظل يخادعها ويداهنها، فيغدو الموت أمنية عزيزة تريح النفس والبدن من هموم الحياة وأتعابها، فتتجرع السم لتحقيق ذلك، لكن السم أطاح بجنينها وأبقاها، وكأنها تمارس حيلة نفسية بعد أن "أوذيت أذى شديدا وشعرت أنه ليس هناك من طريقة لحماية نفسها من عذاب مستقبل إلا بالتسلط على آخرين،"23كان الأجدى بفتى المدينة هذا أن يستشعر "مرارة الحياة في فم هذه المسكينة، ويلمس مواقع سهام الزمن في أحشائها، كفرد من الأفراد المنكوبين والمنكودين والمظلومين والمحرومين في المجتمع،"24عوض أن يزيد إلى بلائها بلاء جديدا "فكان الجنين شهيدا من شهداء شرائع الإنسان، فتعست حياته قبل مولده، وتأتت تلك التعاسة من "بغي القوي وجور الحاكم وظلم الغني وأنانية عبد الشهوات،"25 لكن قبل سادية الفتى انطلقت سادية المجتمع لتلقي بشابة في مقتبل العمر بين براثن العوز ولم ترحمها الفاقة فرمت بها في حضن الرذيلة، وكان الأجدى أن يلام الشاب وقبله المجتمع فمن "حق الغانية على المجتمع قبل أن يزجرها لترعوي أو يهيب بها لتتطهر، أن يهيء لها العيش الكريم ويحضنها من الزلل ويؤنسها بالهداية بعد الضلال،"26وهكذا جاءت مازوخية الفتاة صورة عاكسة لسادية المجتمع؛ الذي يعتبر المتسبب في وجود تلك الظروف القاسية والنهايات المحزنة لحياة هؤلاء.

القصة الموالية هي للشاعر اللبناني شبلي ملاط27وسمها بشيرين28، وهي فتاة فارسية، قررت تجرع السم بدورها إنقاذا لنفسها من براثن زواج ثان يخل بوفائها لزوجها وحبيبها الأول، فمارست على نفسها من حيث لا تعلم مازوخية آلت بها إلى الموت، يقول الشاعر في آخر أبيات القصيدة:  

إِيهِ شِيرَوَيْه أَمَا تَزَالُ تُحِبُّنِي                 حُبًّا أَنَاخَ بِأَعْظُمِي فَبَرَانِي

حَسَنٌ، وَلَكِنْ لِي ثَلاَثُ شَرَائِطٍ           أَوَ أَنْتَ مُنَفِّذُهَا بِغَيْرِ تَوَانِ؟

تَسْلِيمُ مَنْ قَتَلُوا أَبَاكَ إِلَى يَدِي         تَكْذِيبُ مَا اخْتَلَقُوا وقِيلَ بِشَانِي

وزِيَارَةُ نَاوُوسِ وَالِدِكَ الَّذِي                لاَ بُدَّ مِنْ لُقْيَاهُ قَبْلَ قِرَانِي

لَكِ مَا طَلَبْتِ، وتَمَّ فِي تَنْفِيذِ مَا         أَرْوَى وَأَطْفَأَ نَارَهَا شَرْطَانِ

مَهْلاً وَلَيْتَ المَوْتُ يَنْشُرُ ظِلَّهُ            فَوْقِي وَتَسْرَحُ فِي العُلاَ الرُّوحَانِ

وامْتَصَّتِ الشَّفَتَانِ حَبَّةَ خَاتَمٍ       يَا هَوْلَ مَا قَدْ مَصَّتِ الشَّفَتَانِ

سُمٌّ سَرَى بِعُرُوقِهَا فَهَوَتْ عَلَى              كَفَنِ الْحَبِيبِ وَذَلِكَ الجُثْمَانِ

وقَضَى أُلُوفًا أًنْ تَلْتَقِي وَحَبِيبِهَا             فَتَلاَقَيَا وَتَعَانَقَ الكَفْنَانِ

  تدور فكرة القصة حول الوفاء للزوج، وقد أخلصت (شيرين) وكانت نتيجة إخلاصها إيذاء نفسها في صورة مازوخية مطلقة، تقابلها سادية من ابن الزوج، الذي حاول قلب كيان الأسرة البطريركية، من حيث الهيمنة وتمركز السلطة التي كانت بيد الأب، وحيث "العلاقة بين الأب والابن علاقة هرمية، تكون إرادة الأب فيها إرادة مطلقة، يتم التعبير عنها بالإجماع القسري الذي يقوم على التسلط من جهة، والخضوع والطاعة من جهة أخرى، حيث يسهم كل هذا في صياغة نمط الثقافة والشخصية، وذلك من خلال ترسيخ القيم والعلاقات الاجتماعية التي يتطلبها المجتمع الأبوي التقليدي والشخصية الأبوية البطركية،"29وحيث يكون"دور الأب فيها مقترنا بالطاعة والعقاب والسلطة والحزم،"30وفي وجود هذه الأسرة الأبوية العاجزة عن المحافظة على وحدة صفها وتماسكها، تتعرض إلى التفكك والانهيار، حتى كأن"ما يجري داخل الأسرة من نزاعات هو صورة لما يجري في المجتمع من ثورات مضادة وتوترات،"31وفي نظام هذاالنوع من الأسر نشأ (شيرويه) بشخصية متصدعة داخليا جراء "هيمنة الأب بسلطته الضاغطة في وجه إمكانية تحقيق الذات التي يسعى الأبناء إلى تحقيقها،32بالإضافة إلى طبيعة الديانة الفارسية التي تبيح زواج المحارم، تؤول النتائج إلى مأساة أسرية، حين يفاتح الابن زوجة أبيه في الزواج فتصده، والصد هو الإحباط الناتج عن موقف ما، وقلما يؤدي الصد البسيط إلى صعوبات توافقية خطيرة، لأن المرء إذا صد يثابر عادة حتى يجد حلا، أو ينصرف عن الهدف إذا كان مستحيل التحقيق، ولكن الصد في كثير من الأحيان يؤدي إلى العدوان، إلى هجمة غاضبة على الشيء أو الشخص الذي يعترض السبيل،"33عندها تختار شيرين كرد على سادية ابن الزوج تصعيدا من نوع آخر، كانت مجرد فكرة الزواج من قاتل زوجها مجلبة لحزنها وألمها، والفكرة كما يقول أوغست كونتAugust Kant، هي التي تدفع إلى العمل،"34فتجرعت السم وآذت نفسها بعد أن آذاها غيرها ووضعها تحت رحمة ساديته، متحولة بذلك إلى شخصية مازوخية، حتى يتسنى لها محو آثار الغدر ومرارة الخيانة بالموت الزعاف الذي يغدو مريحا من ألم الأيام وعفنها.

القصة الثالثة لخالد الشواف35(نبأ من سبأ)36، وتظهر مازوخية البطل فيها أثناء انصياعه المطلق لسادية قومه دون رفض أو دفاع، بل في استسلام تام، يقول الشاعر في المقطع التراجيدي من القصة:

الشَّيْخُ وابْنَتَهُ يَقُودُهُمَا             أَمَلٌ إِلَى حُلْمَيْهِمَا الرَّحِبِ

هَذَا عَلَى مَهْلٍ يَسِيرُ وَذِي         يَنْأَى الحَيَاءُ بِهَا عَنِ الخَبَبِ

لِمَنِ النِّدَاءُ بِمِيتَةٍ عَجَبٍ           تُرْوَى عَلَى الأَيَّامِ والحِقَبِ؟

وَلِمَن زِحَامُ النَّاسِ وَيْحِهِمِ      مَنْ يُوثِقُونَ يَدَيْهِ فِي الخَشَبِ؟

وَتَدَافَعَتْ مَعَهُمْ لِمَعْبَدِهِمْ          فَإِذَا بِهَا مِنْهُ عَلَى كَثَبِ

وَهُنَاكَ حَيْثُ جَرَى دَمُ الفَتَى       مِنْ أَهْلِهَا فِي قَرْيَةٍ كَذِبِ

كَانَتْ عَجُوزٌ غَيْرُ مُبْصِرَةٍ            غَابَتْ لَيَالِيهَا وَلَمْ تَغِبِ

تَأْوِي إِلَى رُكْنٍ تَعِيشُ بِهِ            بَيْنَ الدَّعَائِمِ الشُّمِّ والنُّصُبِ

عَاشَتْ عَلَى الذِّكْرَى تَبْلُغُ مِنْ       بَيْعِ الرُّقَى فِي المَعْبَدِ الخَرِبِ

هذه القصة عبارة عن حكاية شعبية شائعة في اليمن، نهايتها مأساوية يلتقي فيها البطل في نهايته المفجعة بالبطل التراجيدي رغم أن سير الأحداث كان ينبئ بعكس هذه النهاية المحزنة، كان الفتى ملما بمكارم الأخلاق،وفيٌّا لعهوده ومواثيقه التي قطعها للشيخ والفتاة مع كون الفتاة الثانية ذات حسب ونسب، وفتاته فقيرة راعية ، وهو فارس شجاع تمكن من التغلب على نسر البيد وجلب دمه ليقدمه قربانا للآلهة. ولا ننسى أن نشير إلى أن هذه القصة مستقاة من صميم تراثنا العربي، بما احتوته من مواقف بطولية، ومقامات للفروسية العربية، التي اعتز بها العربي، فحتى في أحلك لحظاته رفض البوح بالحقيقة، فحقق النظرية  النفسية القائلة: يهدف المازوخي إلى إحداث قلق الآخر بجعل نفسه موضوعا والآخر حثالة،"37أو على حد تعبير جاك لاكان Jack Laken"لكي أصبح موضوعا، يجب أن أكون حثالة (En se faisant objet, en se faisant déchet)،"38ويقصد لاكان بالحثالة الضحية التي يقع عليها الآلام من نفسها، وكان الفارس بالفعل ضحية مؤامرة باطلة أولا، وقيم أخلاقية ثانيا أودت به إلى القتل، أو النهاية الفاجعة أو نظرية شباك التذاكر كما يسميها المحللون النفسانيون وفحواها أن" قمة المأساة تأتي عادة بخاصة عندما تأخذ صورة القتل في النهاية،"39انقسمت ذاته على نفسها بين أمرين؛ فضح حقيقة المؤامرة، أو التمسك بما تقتضيه الشهامة العربية، فكان الحل الوحيد الذي يعيد إليه ذاته الموحدة، هو رأب الصدع الذي قسمها نصفين، فكان الرأب بسلوك مازوخي هو السكوت وتقبل عقوبة القتل التي سلطت عليه.

  قصة أخرى مجسدة للمازوخية، هي قصة مومس كانت ضحية من ضحايا المجتمع، نظمها بشارة الخوري40موسومة بالريال المزيف،41تتناول مآسي الحرب ومخلفاتها السلبية على المجتمع، استمدها الشاعر من وحي الحرب العالمية الأولى والمجاعة التي حصلت أثناءها لاسيما في بلاد الشام، وتروي هذه القصيدة حكاية فتاة حسناء اضطرتها ظروف ما بعد الحرب إلى سلوك طريق البغاء للعيش، بعد أن شهدت الأوطان العربية حربين عالميتين ومدًّا استعماريا ألقى بثقله على البلاد، كان من نتائجها تأخر اقتصادي وفساد اجتماعي ونكبات نشبت براثنها في جسد الإنسانية بأكملها، والحرب مذ وجدت دمار يهدد الإنسانية ويمزقها، يسلب الحريات ويفرز المآسي وينشر الجوع والعذاب، تُسحق فيها كرامة الناس وتزرع فيها بذور الحقد في أعماق الأرض الوادعة، "فتتوهج أحقاد الذين يشعلونها نيرانا مستعرة، وتتفجر أطماعهم مدوية، تهلك الحرث وتذهب النسل وتعمق جراح الإنسانية."42ثم ينطلق عفن مآسيها فتتساقط ضحاياها من أمثال هذه المرأة، يقول الشاعر مصورا بداية الصراع:

أَأَصُونُ عِرْضِي وَابْنَتِي وَحَيَاتُهُا

وعِلاَجُهَا يَحْتَاجُ لِلإِنْفَاقِ  

أَنَا إِنْ أَعِفُّ قَتَلْتُهَا، فَعَلاَمَ لاَ 

تحْيَا دِمَائِي التَّعَفُّفَ المِهْرَاق  

لاَ، لاَ تَمُوتُ فَإِنَّهَا لَبَرِيئَةٌ 

حسْنَاءُ مَا شَبَّتْ عَنِ الأَطْوَاقِ  

رَجَعَتْ وَفِي يَدِهَا الرَّيَالُ وَرَأْسُهَا 

لحَيَائِهَا مُتَوَاصِلُ الإِطْرَاقِ  

وَكَأَنَّهَا خَطَرَتْ لَهَا ابْنَتَهَا وَمَا 

تلْقَاهُ مِنْ أَلَمِ طَوَى الإِمْلاَقِ  

فَأَصَابَهَا مِثْلُ الجُنُونِ فَتَمْتَمَتْ 

بشْرَاكِ إِنِّي عُدْتُ بِالتِّرْيَاقِ 

فَحَصَ الرِّيَالَ بِإِصْبَعَيْهِ وَجَسَّهُ

وانْهَالَ بِالإِرْعَادِ وَالإِبْرَاقِ  

قُبْحًا لِوَجْهِكِ، سَيِّدِي أَتَسُبُّنِي؟ 

عفْوًا وَتَحْسِبُنِي مِنَ السُّرَّاقِ  

لاَ، فَالرِّيَالُ مُزَيَّفٌ، أَمُزَيَّفُ؟ !

صاحَتْ وَقَدْ سَقَطَتْ مِنَ الإِرْهَاقِ  

     
 

جرت أحداث القصة في فترة ما بعد الحرب العالمية الأولى بإحدى مدن الشام، بطلتها فتاة حسناء مات زوجها في الحرب "ولطالما أفسدت الحرب الأخلاق الطاهرة، وأساءت فظائعها إلى الخلق،"43وتركها مع وحيدتها المريضة تصارع الفقر والمرض، وهنا يشتد الصراع داخل نفس البطلة: أتتمسك بعفافها وتفقد نفسها وطفلتها، أم تقبل على بيع عفتها لتكفل لصغيرتها الغذاء والدواء؟ تحسم البطلة الصراع بالحل الأخير، فتظفر بالريال وتفرح به فرحا كبيرا، نظن في هذا الموقف أن العقدة حلت حلا إيجابيا لكن الأحداث تتعقد ثانية حين يخبر البقال المرأة أن ريالها مزيف ويشتمها طالبا منها إرجاع البضاعة، ويأتي الحل الانهزامي المازوخي بدخول المرأة في حالة هستيرية من البكاء والصراخ والحنق، ثم يصل بها قنوطها إلى وضع حد لحياتها الشقية، فتدفن مع طفلتها التي فارقت الحياة جراء المرض والجوع، وهي قابضة على الريال المزيف، وكأنها تريد أن تقابل ربها لتشكو له ظلم الناس. وقد لجأ فيها المؤلف إلى الوصف المباشر للكشف عن مشاعر الشخصيات وإضاءة تلافيفها النفسية، ولكنه في أحيان كثيرة استخدم المونولوج أو حديث النفس بغية إبانة ما يعتمل في داخل الشخصية، "وهو مونولوج يعتمد على ترتيب الأفكار وتسلسلها"،44وقد اعتمده الشاعر لتصوير معاناة هذه الشخصية المازوخية.

تحركت الشخصية في عجز نحو مصيرها، مستسلمة لقدرها استسلاما شائنا حين أنهت حياتها مثقلة بمزيج معتق من عذاب الضمير واليأس والقنوط والحزن والنقمة، موغلة في إيذاء نفسها لا تنأى عن بطلات روايات ليوبولد مازوخ في إلحاق الأذى بأنفسهن تحقيقا للذة معينة هي الانتقام من المجتمع الذي مارس ساديته عليها أولا ومن المخادع الذي نقدها الريال المزيف ثانيا فيما يشبه الخضوع الذي يسم به ألفرد أدلر المازوخية والتي يراها "موجودة عند عدد من النساء، حين يعبرن بها  عن الميل نحو الخضوع،"45دفعها حظها إلى أناس ذوي فجور لا يكتفون بهتك الأعراض بل يخدعون ضحاياهم بالأموال الزائفة؛ فكانت ضحية فساد مجتمع بأكمله، مجتمع يصنع مجرميه على حد قول برنارد شو BernardShaw"إن المجتمع الذي يجبر المرأة على بيع شرفها مجتمع لا شرف له على الإطلاق، لذلك لا يجب أن نوجه أصابع الاتهام إلى العاهرة، بل نصوبه إلى المجتمع وظروفه التي تساعد على إيجادها."46

غدت ضحية رجل أشبع شبقه وهو يظن نفسه في رفعة عما تأتيه هذه المرأة، لكنه في الحقيقة ألصق الناس بهذه الحرفة؛ لأنه بجريمته هذه يقنن دعارته بأقنعة مختلفة ويموهها بألوان متباينة، رغم أن الشرف قيمة إنسانية لا تتجزأ، فكيف تسقط المرأة في عقاب المجتمع ويفلت الرجل من قبضته؟ إذا أدينت المومس في هذه القصة برذيلة الدعارة، فإن من غرر بها ومنحها الريال المزيف لهو الداعر الحقيقي الذي انعدم شرفه وإنسانيته، ولا نفسر جريمته إلا بطبعه السادي، وكان منطقيا أن تجابهه المرأة بسلوك مازوخي حين"حاولت الهروب من حالة إحساسها الحاد بالواقع، واقعها النفسي الذي يموج بألوان الصراع، وهو أدنى إلى التخلص منه إلى الهروب، وعندئذ كان دافعها إلى إيقاع الألم بنفسها هو الرغبة في التخلص من هذا الواقع بالهروب منه والفرار إلى عالم آخر خيالي لا يمت إليه بصلة،"47لذلك  استلذت الموت المنقذ من المعاناة القاسية، وتحول الفقد من معناه المعجمي إلى دلالته الانزياحية، ومن فاعليته في الحزن في معناه العادي إلى فاعلية الإنقاذ في لحظة المومس هذه، فتحبب الموت إلى نفسها ليقينها أنه الملاذ الأخير الذي تحقق فيه بالمازوخية ما لم تحققه في الحياة الاجتماعية.

2- تجليات السادية في القصة الشعرية العربية الحديثة:

يقول الباحث في علم النفس (أ.أ. روباكRoback . A.A ): "إن أجلَّ المجالات نفعا التي يستخدم فيها دارس الأدب النظرية الفرويدية، هو مجال تفسير الأدب ذاته،"48لذلك يعتبر الرجوع إلى الأصل النفسي في تحليل النصوص إرجاع للأثر إلى مصدره، ومحاولة إيجاد تفسير نفسي له، ويعد التوفيق في ذلك التفسير" إخراج للنص من ورطة التقويم على أساس الاعتبارات الجمالية أو الأخلاقية،"49وبناء على آليات المنهج النفسي نقارب النصوص الآتية مستنبطين تجليات السادية، وهي على حد تعبير أحد مؤسسي هذا العلم (جاك لاكان): "رفض الشخص لمازوخيته،"50أو هي بتعبير ولهام رايشW. Reich "نتاج المجتمع الذي يكبت (يمنع) الحركات العاطفية الطفولية الطبيعية،"51كما ترجعها رايش "إلى انحراف في الطاقة الليبيدية،"52وفي هذا المبحث سيتدرج الأبطال الساديون من السادية البسيطة إلى أعنف أنواعها، وأول نموذج لهؤلاء بطلة طوق ياسمين لنزار قباني،53التي يرسم فيها بكلماته صورة فتاته التي أهداها طوقا من الياسمين فشكرته، وجلست في ركن تسرح شعرها وتنقط العطر من قارورتها وتدمدم لحنا فرنسيا، ثم راحت تختار ثوب سهرتها، فتلبس وتنزع غير مقتنعة بأيها، ثم طلبت منه أن يختار لها ثوبها ففرح إذ ظنها تتجمل له، واختار لها ثوبا أسودا  مكشوف الكتفين يلائم ذوقه، فلبسته ووضعت طوق الياسمين. وظنها مقدرة لذلك الطوق الذي أتاها به تعبيرا عن حبه لها، لكنه خاب حين رآها في مرقص تترامى مخمورة بين زنود المعجبين، فاكتشف أنها خائنة تتجمل لسواه، وزاد حزنه حين لمح طوق الياسمين وقد وقع كجثة تسحقه أرجل الراقصين، وحين يهم مراقصها بالتقاطه تمانع قائلة بسخرية: (لا شيء يستدعي انحناءك، ذاك طوق الياسمين!):

شُكْرًا لِطَوْقِ اليَاسَمِينْ وَضَحِكَتْ لِي وَظَنَنْتُ أَنَّكِ تَعْرِفِينْ

مَعْنَى سِوَارِ اليَاسَمِينْ وَجَلَسْتِ فِي رُكْنٍ رَكِينْ

تَتَسَرَّحِينْ وَتُنَقِّطِينَ العِطْرَ مِنْ قَارُورَةٍ وَتُدَمْدِمِينْ

لَحْنًا فِرَنْسِيَّ الرَّنِينْ لَحْنٌا كَأَيَّامِي حَزِينْ

وَقَصَدْتِ دُولاَبَ المَلاَ بِسِتَقْلَعِينَ وَتَرْتَدِينْ

وَطَلَبْتِ أَنْ أَخْتَارَ مَاذَا تَلْبَسِينْ أَفَلِي إِذَنْ؟

أَفَلِي أَنَا تَتَجَمَّلِينْ؟ الأَسْوَدُ المَكْشُوفُ مِنْ كَتِفَيْهِ هَلْ تَتَرَدَّدِينْ؟

لَكِنَّهُ لَوْنٌ حَزِينْوَلَبِسْتِهِ وَرَبَطْتِ طَوْقَ اليَاسَمِينْ

بِحَانَةٍصُغْرَى رَأَيْتُكِ تَرْقُصِينْ           تَتَكَسَّرِينَ عَلَى زُنُودِ المُعْجَبِينْ

وَتُدَمْدِمِينَ فِي أُذْنِ فَارِسِكِ الأَمِينْ       لَحْنٌا فِرَنْسِيَّ الرَّنِينْ

وَبَدَأْتُ أَكْتَشِفُ اليَقِينْوَعَرَفْتُ أَنَّكِ لِلسِّوَى تَتَجَمَّلِينْ

وَلَهُمْ تَرُشِّينَ العُطُورْوَتَقْلَعِينَ وَتَرْتَدِينْ

وَلَمَحْتُ طَوْقَ اليَاسَمِينْفِي الأَرْضِ مَكْتُومَ الأَنِينْ

وَيَهُمُّ فَارِسُكِ الجَمِيلُ بِأَخْذِهِفَتُمَانِعِينْ

وَتُقَهْقِهِينْ:لاَ شَيْءَ يَسْتَدْعِي انْحِنَاءَكَ

ذَاكَ طَوْقُ اليَاسَمِينْ

لم تكن أذية البطلة وساديتها مباشرة واضحة، ولكنها جعلت تمارسها ببطء وتلذذ؛ حين شكرته أولا على الطوق، وحين طلبت إليه أن يختار لها الثوب الذي يروقه،ثم حين عقدت فوقه طوق الياسمين، فلم يشك لحظة في كونها تبادله المشاعر والأحاسيس الجميلة، لكن حين راقصت المعجبين وأبدت عدم اكتراثها بالطوق لحظة سقط منها، وهمَّ رفيقها بأخذه، فمنعته في ما يشبه الاحتقار لطوق الياسمين، قطع الشاعر شكه في غدرها باليقين، فوقع تحت ممارسات سادية، قد يراها أحدنا بسيطة، لكنها بمنظور المحب وخاصة الشاعر وسيلة قتل فتاك يفوق مفعوله مفعول أقوى السموم أو أشد طعنات الخناجر، في عدوانية سافرة، وعادة ما تكون العدوانية متخفية ومقنعة ومكبوتة وإذا ظهرت سلوكيا صعب معرفة مصدرها؛"54لأنها "تتخذ في اللاشعور ثيابا رمزية ينظر إليها العقل الواعي على أنها كلام فارغ وهو في الحقيقة لا يعرف أهميتها."55

ولعل برودة السادية وممارستها في هدوء وبطء تعبر عن شدة الكبت عند هذه الشخصية، وربما حدث الكبت بسبب القهر الاجتماعي الذي يقتل المشاعر في مهدها، والسلوك القهري "يؤول إلى كبت النزوات، وهذا بدوره يؤدي إلى تولد نزوات ضد طبيعية وثانوية  ولا اجتماعية كالسادية والمازوخية،"56وقد رأى فرويد أن "الدوافع الطبيعية عندما توصف بأنها خطأ فإنها من الممكن أن تكبت ولكنها لا تنمحي، بل تبقى في اللاشعور حتى وإن لم يعد العقد الواعي يعرفها؛ "57لأن "وظيفة الكبت منع النزعات النفسية من السير في طريقها الطبيعي، وهذا المنع لا يقضي على النزوات النفسية، والتي تظل قوة متحفزة للظهور، ولكنها تبقى مع كل هذا مختفية فيما يسمى باللاشعور،"58وتظل تحاول أن تطفو على السطح وأن تظهر بصورة إيجابية، ولكن "الذات العليا (الأنا والأنا الأعلى) تمنعها من السفور والطفو خارج اللاشعور مادامت هذه الأخيرة منتبهة وواعية.

ولا شيء يفسر ساديتها إلا ذلك، خاصة وأن الشخص الذي وقعت عليه سادية البطلة شاعر رقيق المشاعر أملت عليه حضارته وطبيعة تركيبه أن قيمة الهدية في بساطتها وصدقها، وبما يحوطها من مشاعر وأحاسيس رقيقة صادقة، خاصة وهو "ذو شخصية جديدة على عالم المرأة تلك، شخصية ناضجة، شخصية محب أصيل يريد الصدق ويهفو له"59فقابلته بسلوك سادي "فيه من الانتباه أقل مما فيها من الغفلة اللاإرادية"60في حين كان طوق الياسمين قلبه الذي أهداه لها بلا هوادة، فتقابله البطلة السادية بأن تسحقه تحت قدميها في جو المجون واللهو والنفاق والدعارة.   

ولا يبعد عما حدث لنزار ما حدث لبطل قصة الشاعرة والمصور لمحمود عماد61بطلها رسام يعيش تجربة الحب، ليستفيق على معالم كذبة كبيرة وخيال مموه سيطر على عقله وقلبه، وسلوكات سادية مؤلمة، يقول فيها واصفا الغادة الحسناء والطبيعة الغناء:

 

عَلَى ضِفَّةِ الغَدِيرِ حَبِيبَانِ سَعِيدَانِ قَدْ أَطَالاَ اعْتِزَالاَ  

 

غَادَةٌ فِي عَوَالِمِ الشِّعْرِ هَامَتْ وَبِهَا الشِّعْرُ لَيْسَ يَأْلُو هَيَامَا  

 

تَنْظُمُ الكَوْنَ فِي الغُرُوبِ قَصِيدًا وَهْيَ أَجْدَى عَلَى القَصِيدِ نِظَامَا  

إِنَّ حُبِّي شَرَارَةٌ فَلَهِيبٌ فَرَمَادٌ فَهَلْ تُطِيقُ احْتِمَالاَ؟  

 

قَالَ بَلْ أَرْتَضِي هَوَاكِ هَوَانًا وَأَرَى ذِلَّتِي بِهِ إِجْلاَلاَ  

 

صَاحَتْ: انْزِلْ فَقَدْ حَلَلْتَ (بِقَصْرِ البُومِ)  واحْمَدْ بِسُوحِهِ التِّرْحَالاَ  

 

فَرَأَى بُومَةً فَقَالَ عَجِيبٌ ظَلَمْنَا البُومَ بَعْدُ والغِرْبَانَا  

 

سَكَنَتْ قَصْرَنَا فَأَيْنَ بِهِ الشُّومُ أَرَى السَّعْدَ هَاهُنَا وَالأَمَانَا  

 

 

قِيلَ مَا الاسْمُ؟ قَالَ: كَانَتْ تُنَادِينِي (يَا طِفْلِيَ العَزِيزُ) زَمَانَا  

 

 

قِيلَ مَا العُمْرُ؟ قَالَ: عَامٌ فَرِيدٌ مُتُّ مِنْ قَبْلِهِ، وَمُتُّ الآنَا  

 

 

قِيلَ مَا الدَّارُ؟ قَالَ: دَارِي (قَصْرُ البُومِ) لَمْ آوِ قَبْلَهُ جُدْرَانَا  

 

 

قِيلَ مَا المِهْنَةُ التِي كُنْتَ تَهْوَى؟ قَالَ تَصْوِيرُهَا فَقِيلَ كَفَانَا

 

 

أَنْتَ فَينَا مَلِيكُنَا فَاحْمِلِ التَّاجَ وَخُذْ فِي يَمِينِكَ الصَّوْلَجَانَا 

 

         
 

بطلة القصة هذه شاعرة، رغم أنه لا يوجد ما يدل على كونها شاعرة إلا بيتين من النص، فالمعروف عن الشاعر إحساسه الشفيف وعاطفيته الحادة، بينما هي في القصة سادية، تهدف إلى إهانة الآخر أو التسلط عليه62كما يراها سيجموند فرويد، فاشتركت مع الماركيز دي ساد في شدة إيلامها للآخرين وإيذائهم، وصولا إلى تحقيق متعتها الحسية وإرضاء شبقها الجنسي. يرى النقاد أن "الأحرى بالقاص وهو يضع الأسماء لشخصياته أن تكون متناسبة ومنسجمة بحيث تحقق للنص مقروئيته وللشخصية احتماليتها ووجودها،"63لكن بطلتنا السادية هذه مجردة من كل الأحاسيس والمشاعر الصادقة، تتأتى ساديتها من كونها امرأة لعوبا مستهترة في مواقفها وتصرفاتها، تبدي الصد وتضمر الوصال، تعرض وتقبل لا لهدف سوى العبث والمجون ليزداد حبيبها تعلقا بها، وهي صورة لكيد المرأة العابثة، أنأى ما تكون عن طبيعة الشاعر وعاطفته السامية المترفعة، ترمي الآخرين زورا وبهتانا وتدوس على مشاعرهم، وينتهي بها المطاف أن ترمي بريئا مع زمرة المجانين وتُتَوِّجه ملكا عليهم، ولا ذنب له إلا أنه تمادى في حبها والإخلاص لها، يضاهي في تصرفاته تلك البطل الإشكالي Le Héros Problématiqueكما سماه جورج لوكاتش George  Loukatch، حيث يرى أن هذا البطل "ليس سلبيا ولا إيجابيا، بل بطلا مترددا بين عالمي الذات والواقع، يعيش تمزقا في عالم فض، إذ يحمل قيما أصيلة يفشل في تثبيتها في عالم منحط يطبعه التشيؤ64والاستلاب والتبادل الكمي65؛ لذلك يصبح بحثه عن تلك القيم منحطا بدوره لا جدوى منه."66

تبدأ الشخصية في ممارسة ساديتها منذ أوقعت الرسام في شباك غرامها، فصار منقادا لها؛ تأمره فيطيع وتصرفه فينصرف وتدعوه فيجيب وتزجره فيرعوي؛ يصدق فيه قول الفيلسوفقوتيه شينكوف Gouté Chinkofحين تطرق إلى المازوخية: "إذا عشقنا نقبل أن نكون مستعبدين،"67وهو قد أحبها حبا ملك عليه كيانه، ثم أنها سمات تلائم طبيعة الفنان،  وهذه الحالة شبيهة إلى حد بعيد بحالة ابن زيدون مع ولادة التي أرسل إليها من سجنه ومن خارجه الرسائل الشعرية فصدته ولم تتجاوب مع رسائله ودموعه، وشبيهة إلى حد ما بحالة جميل مع بثينة والمجنون مع ليلاه،وهي غالبا وضعية السادي والمازوخي، كما يراها دانيال لاغاشDaniel Lagache: "إن وضعية المطالِب هي وضعية المضطَهَد، المضطَهد لأن وساطة الطلب تخلق بالضرورة علاقة سادية- مازوخية من نوع مسيطر- خاضع،"68بينما المرأة سادية أضاعت عمر الشاعر الزمني وعمره اللازمني (الفني)، جرته إلى حتفه بحبها مثلما تجر السيرينات Sirenes69في الأساطير الإغريقية مستمع ألحانهن إلى التهلكة، بل هي حفيدة السيرينات، وعضيدة دي ساد، تقود من يحبها إلى الضياع والضلال والحرمان ثم الجنون فالموت، وهكذا تتحول إلى فاعلية شريرة وحركة متحولة مختلفة، بطلة سادية مؤذية، تستلذ آلام الآخرين وتسعد بأحزانهم ودموعهم في سبيل تحقيق لذتها وشبقيتها.

لا ينأى عن سلوك هذه المرأة السادية طبيعة المومس في قصة المسلول لبشارة الخوري70(الأخطل الصغير)، حيث لم تكن ضحية مجتمعات وأفراد كنظيرتها المازوخية، إنما ظهرت جلادا تضع النطع وتقطع الرقاب بالسيف، قصة فتى تعرف على حسناء من بنات الهوى، وكان غريبا بلا أهل ولا وطن، رأى فيها كل آماله فراح ينفق عليها وعلى الخمرة أمواله طوال سنة، حتى دب إليه الوهن، فهزل وشاخ في سن الشباب ووقع فريسة بين براثن مرض السل، تتركه فتاته اللعوب خشية انتقال الداء إليها، ليموت وحيدا غريبا بلا أنيس أو جليس، ودفن في قبر موحش كتب عليه:

هُنَا قَتِيلُ هَوَى بِبِنْتِ هَوًى  

فإِذَا مَرَرْتَ بِأُخْتِهَا، فَحِدِ  

 

يصف بشارة، الفتى المسلول بقوله:

مُتُلَجْلِجُ الأَلْفَاظِ، مَضْطَرِبٌ 

متَوَاصِلُ الأَنْفَاسِ مُضْطَرِدُ  

مُتَجَمِّدُ الخَدَّيْنِ مِنْ سَرَفٍ

متَكَسِّرُ الجَفْنَيْنِ مِنْ سُهَدِ  

عَيْنَاهُ عَالِقَتَانِ فِي نَفَقٍ

كسِرَاجِ كُوخٍ نِصْفُ مُتَّقِدِ  

أَوْ كَالْحُبَابِ بَاخَ لاَمِعُهُ 

يبْدُو مِنَ الوَجْنَاتِ فِي خُدَدِ  

تَهْتَزُّ أَنْمُلُهُ فَتَحْسَبُهَا

ورَقَ الخَرِيفِ أُصِيبَ بِالبَرَدِ  

وَيَمُجُّ أَحْيَانًا دَمًا فَعَلَى 

منْدِيلِهِ قِطَعٌ مِنَ الكَبِدِ  

قِطَعٌ تَآبِينَ مُفْجِعَةٌ 

مكْتُوبَةٌ بِدَمٍ بِغَيْرِ يَد

قِطَعٌ تَقُولُ لَهُ: تَمُوتُ غَدًا 

وإِذَا تَرِقُّ تَقُولُ: بَعْدَ غَدِ

حَسْناَءُ أَيَّ فَتَى رَأَتْ، تَصُدُّ 

قتْلَى الهَوَى فِيهَا بِلاَ عَدَدِ

بَصُرَتْ بِهِ رَثَّ الثِّيَابِ بِلاَ

مأْوَى، بِلاَ أَهْلٍ، بِلاَ بَلَدِ

 

تبدأ القصة بوصف تمهيدي للمومس على أنها حسناء يقع في شباكها كل من يراها وتتواصل الأحداث واصفة وضع شاب فقير، دفعته ظروف الحياة للمجيء من القرية إلى المدينة، لكن قدره خطط له غير ما ابتغى، وقت صادف إحدى بائعات الهوى اختارته من بين مجموعة من الشباب لجماله وصحته، فاستغلته استغلالا تاما حتى استنزفت طاقته، فذوت صحته وأصيب بمرض السل الذي سكن صدره وفتك به، فراح يأخذ من جسمه ونفسه، بعدها تركته بين أربعة جدران وأسدلت الستائر تخفيه عن الأنظار استحياء به بعد أن كان مفخرتها، فصارع الحياة والمرض وحيدا إلى أن مات موصيا أن يكتب على قبره :

هَذَا صَرِيعُ هَوَى بِبِنْتِ هَوَى             فَإِذَا مَرَرْتَ بِأُخْتِهَا فَحِدِ

تتجلى سادية البطلة في هيمنتها على الآخر (الفتى)،رغم ضعف طبيعة المرأة وكونها خلقت أنيسة لوحدة الرجل، لكنها أصبحت قوية بضعفها سيدة بخضوعها موحشة بأنسها، وقد أجهزت بسياطها على فتاها حتى عانى سكرات الموت جراها، بعد أن سلبته عمره وماله وشبابه، غانية لعوب متلاف للقلوب والجيوب، تتلون كما يطيب لها لتناسب كل ذوق، ولتساير مصالحها المستجدة، بدت مستعبدة لغريزتها الجنسية التي تسيرها وفق ما تشاء، لا كابح يكبحها ولا ضابط يضبطها فكانت تسلم نفسها لكل الرجال، وتجمع بين أكثر من رجل في آن واحد، عرت جسدها تعرضه حقا مباحا لكل عابر سبيل.

نجح الشاعر في رسم صورة ضحيته الفيزيولوجية وتغاضى عن تصوير مأساته النفسية، وكان الحدث الأكثر درامية في القصة هو رَسْمُ البطل مسلولا ضعيفا، ولعل المؤلف الذي "يثابر في خلق نماذجه الإنسانية يجعل العمل أكثر قدرة على الدرامية من غيره؛ لأن الشخصية تقوم فيه بكونها مؤدية أكثر من كونها خاصية سردية نمطية تتسم بالثبات،"71فبدا متلجلج الألفاظ مضطرب الكلام والحركة، جامد الخدين، متكسر الجفنين، تشع عيناه ببريق المرض ، مطلة من محاجرها الغائرة المظلمة حتى تبدو كالسراج المنطفئ، اصفرت أنامله وبردت كأوراق الخريف في مهب الريح، يمج قطع الدم فيلفظها قطعا قانية تنبئ بمصيره المحتوم، ينطق صمتها بلا حروف وكلمات: تموت غدا، وإن رحمته تقول بعد غد، عمل فيها القاص بتقنية السرد المؤلف، الذي "يضغط المقطع النصي بأحداث الكثيرة في جملة واحدة  متجاوزا عنصر الحرفية، ومن وظائفه الاقتصاد السردي، والقفز بالحكاية إلى الأمام وتجاوز الأحداث العرضية المبنية على حوافز أخرى لا تؤدي إلى نمو حدثي."72

استغلت الشخصية السادية فتاها حين وجدته فتى غريبا وحيدا غِرًّا، ليست له معرفة بالغانيات وألاعيبهن، ارتمى في أول حضن تفتح له وأول سند يتلقاه، نهشه المرض وامتص دماءه قطرة قطرة مثلما امتصت فتاته أمواله درهما فآخر، منت عليه في البداية بالمتعة التي تمنحها لكل طالب ووارد، تنتقم من كل رجل قد ترى فيه صورة والدها وهذا ما تفسر به الباحثة النفسانية هيلان دوتش في نظريتها النفسية سادية الفتاة، إذ تقول :"أما الفتاة فيمارس العالم المحيط بها تأثيرا مثبطا على عدوانيتها ونشاطها، وما يثبط في الأول هي المكونات العدوانية، وتتنازل الفتاة على نشاطها وعدوانيتها لما تتلقى هدية والدها متمثلة في الحب والمودة،"73ولكنها حين تحرم تلك المودة والرعاية تتحول إلى النقيض، أي تتحول من الرقة والحنان إلى العدوانية والسادية، لذلك راحت تسيء لفتاها من حيث ظن أنه وجد المكان الذي يأويه والحضن الذي يحتويه واليد الحانية التي تسنده، لكنها كانت الموت الزؤام الذي كان يتربصه، لكونها تحولت إلى شخصية ذات نفس متحجرة ممعنة في الإيذاء والسادية.

يصور إيليا أبو ماضي بدوره في قصة بائعة الورد74فتاته وهي تتحول من شخص رقيق، إلى شخص سادي مازوخي، بعد أن مورست عليه سادية شخص آخر، فتقتله فيقول:

تَعَلَّقَتْهُ فَتًى كَالغُصْنِ قَامَتُهُ     حُلْوَ اللِّسَانِ أَغَرَّ الوَجْهِ مُزْدَهِرَا

 وَضَاقَ ذَرْعًا بِمَا يُخْفِي فَقَالَ لَهَا:   إِلَى مَ أُلْزِمُ فِيكِ العَيَّ والحُصَرَا

أَهْوَاكِ صَاحِبَةً أَمَّا اقْتِرَانُكِ بِي     فَلَيْسَ يَخْطُرُ فِي بَالِي وَلاَ خَطَرَا

وَأَقْبَلَتْ نَحْوَهُ تَغْلِي مَرَاجِلُهُا          كَأَنَّهَا بُرْكَانٌ ثَارَ وَانْفَجَرَا

لَكِنَّهَا عَاجَلَتْهُ غَيْرَ وَانِيَةٍ            بِطَعْنَةٍ، فَجَّرَتْ فِي صَدْرِهِ نَهْرَا

صور الشاعر بطلته شقراء جميلة، لم يترفع بها جمالها عن الكدح الشاق؛ إذ راحت تجوب الشوارع تستعرض الورود للبيع، تتعرف إلى فتى وسيم تظنه سندها، لكنه يغدر بها كما غدر المجتمع أو أكثر، فتقتله وتنتحر، وكانت تطمح إلى علاقة ثابتة تحتويها، يفرضها حبها لفتاها والرغبة في إقامة علاقة سوية معه "تخفف عليها من وطأة الحياة ومصاعبها،"75لكنها تخيب فتستجلب الموت مرتين، وتحقق مقولة فرويد المذكورة كل سادي مازوخي، خاصة وهي تكبت اليتم والوحدة، حين توفت عنها أمها وانتحر والدها، وقد "حرص كثير من علماء النفس على تقرير أهمية السنوات الأولى من حياة الطفل في تحديد مجموع سلوكه، فإن الطفل الذي يفقد عطف أمه في طفولته المبكرة، أو الذي لا يجد في الوسط المحيط به علاقات عاطفية ثابتة، قد يندفع نحو التمرد على السلطات، أو قد تتخذ علاقاته مع الآخرين طابعا ساديا مازوخيا، ومن ثم فإنه سرعان ما يجد نفسه أسيرا لسلسلة معقدة من الخيبة والحنق والاستياء والعدوان والشعور بالإثم والنزوع نحو الجريمة،"76فترتكبها مرتين؛ مرة بقتل الشاب وهنا تتجلى ثقافة اجتماعية تنبئ عن وضع متحدر لمجتمع يدعي الكمال في التحضر، المجتمع الغربي، والشاب عينة عن أفراده وثقافته، ومرة بانتحارها، فتتحول إلى شخصية مازوخية، وهو تعبير عن رفضها للسادية بكل أشكالها، سادية المجتمع، وسادية العائلة، ثم سادية الأفراد، حتى ليصدق فيها قول فرويد "السادي هو دائما في نفس الوقت مازوخي، ولو غلب عنده الجانب النشيط (السادي)، أو الجانب الساكن (المازوخي)،"77فتنتصر بالموت، أو بجمع السادية والمازوخية معا.

 ساق إيليا نموذجه السادي/ المازوخي من المجتمع الغربي، فتجاوز قوميته وجذور الوطن والعرق واللون مثلما تجاوز "حدود المذاهب إلى الوحدوية في الله؛ التي يختلط فيها (الأنا) و (الأنت)، وتجاوز كذلك الفروق والنزعات العنصرية، وتاق إلى مجتمع إنساني متجانس."78وقد نظر الشاعر إلى فتاته الغربية السادية هذه على كونها إنسانا، قيمة حضارية وروحية، قبل أي شيء آخر، لكون الطبع السادي المازوخي وسمتها به ظروف الحياة وملابساتها، فكسر التنميط والنسقية المعهودة، حيث "نجح في رسم شخصية سادية وكسر التحنط في "توابيت التنميط والتغلف بالشعارات والأفكار الجاهزة"79لشخصيات عربية تفرضها عليه قوميته، ولعل ذلك تماشيا مع ما يسميه النقاد بنزع الألفة ، هذا العنصر الذي "يراه الشكلانيون الروس شرطا لأدبية الأدب،"80 ولطالما صنع الشاعر عالمه بنفسه وبطريقته التي تمليها عليه نزعاته الوجدانية، "فاستحضر شخصية أجنبية رأى استحضارها أمرا ضروريا يزجيه لبني قوميته، حتى ليروا أنفسهم من خلاله،  ويعتبروا بدورها الحضاري وبمصيرها الاجتماعي في الحياة،"81فصور هذه الشخصية بائعة ورد تجوب الشوارع، حيث لم "تخضع لواقعها السائد كما هو، بل تحاول تجاوزه؛ لخلق عالم أرحب لطموحاتها،"82وبيع الورود علامة سردية ذات أبعاد فكرية تنبئ عن عذاب وكدح وسادية مسلطة على الشخصية من مجتمع حضاري يدَّعي التطور والديمقراطية، ففي حين يرمز بيع الورد وشراؤه إلى كون المجتمع الذي تتحرك فيه البطلة قد قطع أشواطا في التحضر والمدنية، نجد السادية -التي يمثلها الكدح والاستغلال والقمع الجسدي- صورة لأحط المجتمعات التي لا هم لها سوى إسكات جوع البطون وكم عواء غرائز الأجساد.

آخر نموذج للسادية، هو السادية الحادة التي توصل صاحبها إلى قتل وحرق ضحيته، إنها قصة ديك الجن الحمصي (عبد  السلام بن رغبان) للشاعر السوري عمر أبي ريشة، الموسومة بكأس،83 ذكرها الأصفهاني في أغانيه كذلك،84وقد عاد شعراؤنا المعاصرون إلى استحياء التاريخ والتراث والأسطورة، فكيف بالموروث الأدبي الذي طالما كان من مصادر الإبداع الفني التي أَثْرَتْ تجارب شعرائنا المعاصرين؛ لذلك كانت شخصيات الشعراء ألصق بنفوسهم وأقرب إلى وجدانهم؛ لكون تلكالشخصيات عانت قبل هؤلاء ما عانوه، وسبقت في التعبير عن تلك المعاناة، وكثيرا ما حملت "تداعيات معقدة تربطها بقصص تاريخية أو أسطورية، وتشير قليلا أو كثيرا إلى أبطال وأماكن تنتمي إلى ثقافات متباعدة في الزمان وفي المكان،"85وبناء على ذلك خاض شعراء القصة في حياة السابقين من بني جنسهم، وديك الجن شاعر عباسي اشتهر بحب جارية نصرانية من أهل حمص وبالغ في هواها، ودعاها إلى الإسلام حتى يتزوجها فأجابت، كما روي أنه قتل تلك الجارية بعد ذلك حبا لها وغيرة عليها، ثم أحرقها وجبل من بقايا جثتها المحروقة كأسه التي أصبح يشرب بها خمرته وينشد:

أَجْرَيْتُ سَيْفِي فِي مَجَالِ خِنَاقِهَا 

       وَمَدَامِعِي تَجْرِي عَلَى خَدَّيْهَا

رَوَيْتُ مِنْ دَمِهَا الثَّرَى وَلَطَالَمَا 

رَوَى الهَوَى شَفَتِي مِنْ شَفَتَيْهَا

خالف عمر أبو ريشة فيها الأخبار والروايات التاريخية قصد إضفاء نزعة إنسانية عليها؛ فقد روت الأخبار أن سبب قتل ديك الجن لمحبوبته، تلك الوشاية التي وصلته على لسان ابن عمه بأنها قد خانته مع غلام له حينما رحل عنها إلى أحد ممدوحيه لينال عطاياهم، بينما يجعل عمر أبو ريشة سبب قتله لها ضعفه الجنسي من جهة وعجزه عن إسعادها من جهة ثانية، فيقول:

دَعْهَا فَهَذِي الكَأْسُ مَا مَرَّتْ عَلَى شَفَتَيْ 

لِي وَقْفَةٌ مَعَهَا أَمَامَ اللهِ فِي ظِلِّ الجَحِيمِ

نَادَى هَوَاهَا فَالْتَفَتُّ وَمَا رَدَدْتُ لَهُ جَوَابَا

وَشَبَابُهَا الظَّمْآَنُ بَيْنَ يَدَيَّ يَسْتَجْدِي السَّرَابَا

فَوَجَمْتُ مَجْرُوحَ الرُّجُولَةِ أَخْفَضُ الطَّرَفَ اكْتِئَابَا

مَا غَرَّهَا مِنِّي وَمَاذَا أَبْقَتِ الأَيَّامُ مِنِّي 

الشَّيْبُ مَرَّ بِلَمَّتِي وَأَقَامَ فِي عَجْزِي وَوَهْنِي

نَامَتْ وَجُنْحُ اللَّيْلِ جَنَّ وَغَيْرَتِي الهَوْجَاءُ غَضْبَى

لَنْ أَعِيشَ غَدًا فَأَرْوِي قَلْبَهَا الظَّمْآَنَ حُبَّا

أَيَضُمُّ غَيْرِي هَذِهِ النُّعْمَى مَتَى وَسِدْتُ تُرْبَا؟

جاء النص صورة قصصية لشاعر أحب فتاته بجنون ولم ينتبه لفارق السن بينهما؛ ففي حين كانت هي تنعم بمائية الشباب وروحية الصبا، كان هو يصارع الشيب الذي رسم خطوطه على شعره وثلم كلومه على وجهه، فتنبه إلى الموت الزاحف نحوه ببطء، تناسى حينها كل شيء وتفطن إلى الفتاة التي أحب، كيف يخلفها لغيره يغرف جمالها ويلثم شبابها؛ فتبدأ ساديته في التشكل منذ كلم بعجزه وجرح بغيرته على الفتاة التي أحبها وعجز عن إسعادها جنسيا، وخشي إن هو أخفته يد الردى أن ترتمي بين أحضان غيره، فأكلته الغيرة وأحرقته هواجسه المظلمة، فغدا مثيرا للشفقة ونوازع الرحمة، مما يدفع بالقارئ إلى التعاطف معه؛ لأن "السادية عند الرجلهي نتيجة الإحباط الذي يعانيه بسبب المرأة،"86فعلى غرار هواجسه تلك قتل الفتاة حتى لا يهنأ بها غريمه المزعوم، وخوفا على ذهاب الذكرى وإبحارها بين القبور دق عظامها وجبل (صنع) منها كأسا لخمرته يشربها به وينتعش بالحب الهستيري الذي تجود به أطلال الحبيبة الراحلة، بعد أن رمت هواجسه في هوة لا قرار لها.  

وبتلك السادية غدا ديك الجن نموذجا مبكرا لعصاب السادية الحاد، والنموذج هو ما "تبنته الدراسات السردية العربية القديمة للدراما والذي تأكد حضوره باستمرار عند تناولهم للشخصية"87؛ لأن النموذج هو "تقديم صورة متكاملة الأبعاد الجسمية النفسية والاجتماعية لشخصية أدبية، بحيث تتمثل في هذه الشخصية مجموعة من الصفات كانت من قبل مطلقة في عالم التجريد الذهني، بعيدة عن عالم الحواس، أو كانت متفرقة في مختلف الأشخاص،"88وقد ارتبطت حالة الشاعر السادية بجذور وجودية، كشفت عن إشكالية تتجاذبها المرأة والزمن؛ فالشاعر حين تقدمت به السن أيقن أن فتاته ستغدو لا محالة راغبة عنه زاهدة فيه، لهذا سعى إلى تخليد هذه العلاقة وفق فلسفة خاصة؛ "لأنه غير قادر على مواصلتها جنسيا وبصورة طبيعية أو بصورة ترضى عنها، ونتج عن هذا صدع أصاب الشاعر وأصبح موقفه منها صورة لموقفه من الزمن، وتمخض عن ذلك الإعراض صدع آخر أصاب الشاعر، صدع لا يرجى له انجبار."89

وقف الشاعر يتذكر أمسه الشارق ويومه الغارب وقد فقد القدرة على الحياة نفسها بفقدانه رجولته، وهذا ما أجج في داخله الإحساس بالزمن وسطوته وبهزيمته أمام الحياة، على حد تعبير سيمون دي بوفوار Simone de Beauvoir"90أنا أحس إحساسا عميقا بفوات الزمن، وكثيرا ما أحس أني تقدمت منه لا محالة، ومن هنا كان الإحساس بالرعب من هذه الهزيمة ومن هذا الخاطر الملح لأن شيئا سوف ينكسر وأن الصعب سوف ينفصم،"91وبتفطنه لعجزه الجنسي وتوقفه عن إسعاد فتاته التي أحب، تحولت مشاعره إلى عدوان، "والعدوان غريزة فطرية في الإنسان، وأي إخفاق أو خطأ في الغريزة يؤدي بالفرد إلى اختلال كيانه وتدهوره،"92ولتيقنه أنه قد أصبح من سقط المتاع، فكان القتل والحرق معلنين عن وقوع الشاعر تحت عصاب السادية الحادة، وخالطت وقائع قصته الخيال مع أنه "ليس بين الحقيقة والخيال صراع، فكلاهما عنصر فعال في مجال أوسع هو عالم الأشياء والأشخاص والأحداث، العالم الدرامي النفسي Psychodramatique،"93فقد قتل بلا رحمة، وتجاوز القتل إلى حرق الفتاة وصنع كأس خمرته من بقايا جثتها، مجسدا رعونة فاق بها هذا الشخص السادي الشيطان شرا، وتجاوز جرائم التتار دموية.

نتائج البحث

  بعد استقراء مجموعة من القصص الشعرية العربية، والتي حاولنا مقاربتها وفق متطلبات المنهج النفسي كاشفين عن ملامح المازوخية والسادية فيها، على اعتبار أن أبسط أذى يُلْحقه شخص بآخر هو سلوك سادي، وأبسط أذى يلحقه الفرد بذاته، هو عصاب مازوخي، حسب أصحاب علم النفس التحليلي، وبناء على تلك الدراسة نجمل نتائج البحث فيما يلي:

في مجال المازوخية

-في فتاة الجنين الشهيد لخليل مطران، تجسدت مازوخية الفتاة في تجرعها للسم محاولة منها لقتل نفسها، لكن السم قتل جنينها وأبقى على حياتها، فامتزج في سلوكها السادية بالمازوخية، وهذا بعد أن مورست عليها سادية من شخص غرر بها.

-في شيرين لشبلي ملاط، تواجه البطلة سادية ابن زوجها بمازوخيتها هي، فتتجرع السم لتضع حدا لحياتها.

-في قصة خالد الشواف نبأ من سبأ، تمارس على البطل سادية من الفتاة التي أعجبت به، وبدوره يجابه أذاها بسكوته، مما يؤدي إلى قتله.

-وفي قصة شهيد المروءة وشهيدة الوفاء لخليل مطران، يتبادل الطرفان (لبيبة وأديب) سلوك السادية والمازوخية، فتؤذي لبيبة نفسها باستسلامها لعضات أديب في محاولة انتحارية، فيمارس هو ساديته عليها دون وعي.

-أما الريال المزيف لبشارة الخوري، فبعد أن يمارس صاحب الريال المزيف ساديته على البطلة، تلجأ إلى حيلة نفسية أخرى، هي ممارسة المازوخية على نفسها، فترمي بنفسها في النهر لتهلك غرقا.

أما في في مجال السادية

-نجد في قصيدة طوق الياسمين لنزار قباني، إصدار سلوك سادي ممعن في الأذية الهادئة من فتاة القصيدة، فيخيل للقارئ أنها سادية هادئة باردة، لكنها في عيون المحب سادية عنيفة حادة.

-أما شاعرة محمود عماد في نصه الشاعرة والمصور، فتمارس البطلة سادية على المصور، توصلها لرميه في مستشفى المجانين ظلما وادعاء.

-ومثلها بطلة قصة المسلول لبشارة الخوري، حيث تستغل فتاها استغلالا ماديا وجنسيا، ثم ترمي به إلى هوة الموت.

-بينما بائعة الورد في قصة إيليا أبي ماضي الشعرية، تُمارَس عليها سادية أفراد ومجتمعات، فترد بسادية مماثلة (قتل الشاب)، ومازوخية تسلطها على نفسها (الانتحار).

-ولعل في قصة جارية ديك الجن المعنونة بكأس لعمر أبي ريشة، نوع حاد جدا من السادية، ينتقل فيها الشاعر من القتل إلى الحرق، فصنع كأس الخمرة من بقايا الجثة، فالتلذذ بشرب الكأس على أنقاض جثة محروقة، ولا شك أن هذه أَحَدُّ السلوكات السادية في القصة الشعرية العربية.

الهوامش

1.السادية: مصطلح يستعمل لوصف اللذة الجنسية التي يتم الوصول إليها عن طريق إلحاق أذى جسدي أو معاناة أو تعذيب من قبل طرف على طرف آخر مرتبطين بعلاقة، سميت بالسادية نسبة إلى الماركيزدوناسيان ألفونس فرانسوا دي سادDonatien Alphonse François de SadeMarquis(1740م/ 1814) الأديب الفرنسي المشهور والذي كان يعذب ضحاياه بطرق وحشية لتحقيق أغراض جنسية. وقد اشتهر بمؤلفاته ذات المحتوى العنيف في الممارسات الجنسية والتي أشهرها روايته المشهورة باسم (جوستين وجوليت) و(120يوما في سادوم)، حيث تميزت شخصيات رواياته بالاندفاع القهري إلى تحقيق اللذة عن طريق تعذيب الآخرين، سواء كان ذلك نفسيا أو بدنيا أو جنسيا. وإيقاع الألم على الطرف الآخر هو شرط أساسي لإثارة الرغبة الجنسية والوصول إلى الذروة عند الشخص السادي، وتختلف صفة ودرجة هذا الألم إلى حد كبير، فقد يتلذذ السادي بوخز الطرف الآخر أو عضه أو ضربه أو أحيانا سبه (ألم نفسي)، وقد تصل درجة الألم إلى حد القتل! وهناك شبه وارتباط بين الشخص السادي والمغتصب، رغم اختلاف دافع كل منهما؛ فقد وجد أنه بين كل أربعة مغتصبين يوجد واحد على الأقل له ميول سادية. ينظر:جابر عبد الحميد وعلاء الدين كفافي: معجم علم النفسوالطب النفسي. دار النهضة العربية، القاهرة، 1988أو الموقع الإلكتروني: ساديةhttps://ar.wikipedia.org/wiki/

2. المازوخية: صورة للاضطراب النفسي، يتجسد في التلذذ بالألم الواقع على الشخص نفسه، أي التلذذ بالاضطهاد عامة. وهي من الاضطرابات النفسية التي تستوجب العلاج. اشتقت المازوخية من اسم الروائي النمساويليوبولد شيفالييه ساشار مازوخMasochLéopoldchevalier Von sachar الذي كتب رواية (فينوس ذات الحلل الفروية)، كانت روايته تحتوي ممارسات مازوخية جسدت بعضا من حياته، حاول كثيرا قبل موته تغيير مسمى هذه الحالة إلى آخر لا يشتق من اسمه، لكنه فشل وحاول من بعده ابنه لكنه فشل أيضا فالتصق مفهوم المازوخية والخضوعية بمازوخ وكان هذا بمثابة وصمة عار للرجل. ينظر في ذلك:M. Magnait: les Masochisme ou l’effet- mère. AntibesAntipolis- graphique. P : 19أو الموقع :https://ar.wikipedia.org/wikiالسادية والمازوخية، أو معجم علم النفس والطب النفسي.

3.عاش جيل دي رايس في القرن الخامس عشر 15، حيث ولد عام 1404، وعرف بشخصيته الغامضة والملغزة، كان صديقا لجان دارك، استقر بعد وفاتها في منطقة (بريطانيا) وانسلخ من المسيحية لينضم إلى عَبدَة الشيطان فأصبح سفاح أطفال، فقتل ما يقارب الثمانمائة (800) طفل بعد اغتصابهم، عرف بساديته المتطرفة وبشذوذه ودمويته حتى أنه لا يتذكر عدد قتلاه؛ كان يستلذ بموت ضحاياه وألمهم، ويظل ينظر إليهم وهم يحتضرون، تم القبض عليه وأودع السجن مع التعذيب حتى وافاه أجله. ينظر في ذلك:

R, Villeneuve, gilles de rays, une grand figure diabolique, VerviersP :217، عن : بوخميس بوفولة: تصميم سلم السادية والمازوشية مخطوط أطروحة دكتوراه دولة في علم النفس الإكلينيكي. جامعة الإخوة منتوري، قسنطينة، 2007. ص: 11- 19.

عن: بوخميس بوفولة: تصميم سلم السادية والمازوخية، ص: 11- 19.

4.M. Magnait : les Masochismes ou l’effet- mère. Antibes Antipolis- graphique. P :19، يراجع في هذا: بوخميس بوفولة: تصميم سلم السادية والمازوخية، ص: 11.

5.انظر: بوخميس بوفولة : تصميم سلم السادية والمازوخية. ص: 11.

6.يراجع: بوخميس بوفولة: تصميم سلم السادية والمازوشية، ص: 07.

7.Catrine Duruy : a la découverte de roman, paris, ellipse, 2000, p : 40

8.خير الله عصار. مقدمة لعلم النفس الأدبي. ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر، 1982. ص: 108

9.الحسين بن المنصور أبو مغيث البيضاوي.

10. ينظر: مقدمة لعلم النفس الأدبي، ص: 12.

11. عز الدين إسماعيل (د. ت): التفسير النفسي للأدب. دار غريب للطباعة والنشر والتوزيع، الفجالة، القاهرة، مصر، ط 04، الصفحة الافتتاحية.

12. بوخميس بوفولة: تصميم سلم السادية والمازوخية، ص 04.                     

13. خليل مطران (1949): الديوان. مطبعة دار الهلال، مصر، (د. ط). ص: 82والقصة من أدب البالاد.

14.  وتحكي قصة شاب شجاع تصدى لذئب هجم على قريته، وكان موبوءا بالكلب، فانتقلت العدوى إليه، وحين تدهورت صحته وأصبح على شفير الموت وقد حجز في غرفة منعزلة مقيدا، تدخل خطيبته وحيبته عليه، فيعضها ويمزق أوصالها، ليموتا معا ويدفنا سوية.

15.Grand dictionnaire de la psychologie, p : 556. Où : Jack Lacan 1964: Les quatres concepts fondamentausc, (le séminaire, livre xl) paris, éd du seuil, 1973, p : 205-208.

16. بوخميس بوفولة: تصميم سلم السادية والمازوخية، ص: 79.

17.   D. W. Winnicott : l’enfant et le monde extérieure. (trad : Annette stronck Robert). Paris, petite bibliothèque, Payot, sans date, p147.

18. W. Reich : l’irruption de la morale sexuelle, p : 116.

 عن: بوخميس بوفولة: تصميم سلم السادية والمازوخية، ص90.

19. وتتلخص في أن فتاة حسناء جاءت من صعيد مصر إلى القاهرة بمعية والديها للارتزاق، فدفعاها بداية للتسول، ثم للعمل في حانة، فجعلت تجالس الخلعاء، حتى وقعت في فخ شاب وعدها بالزواج، لكن سرعان ما تخلى عنها حين تحركت ثمرة الخطيئة في أحشائها، وحين تأكدت من تخليه عنها، تجرعت السم فقتلت الجنين في أحشائها.

20.خليل مطران (1952): المختارات، جمع وترتيب (محمد أبو المجد) المطبعة البوليسية، حريصا، لبنان، (د. ط). ص: 163

21.   أنيس الخوري المقدسي (د. ت): الاتجاهات الأدبية في العالم العربي الحديث. دار العلم للملايين، بيروت، لبنان، الطبعة الثالثة. ص: 231

22.  حبيب الشاروني (1986): فلسفة جان بول سارتر. دار منشأة المعارف، الإسكندرية، مصر، (د. ط). ص177.

23.Rollon May 1953: man’s search for himself, w.w, Norton, New York, p: 131

 عن: عز الدين إسماعيل: التفسير النفسي للأدب، ص254.

24. خليل مطران (د.ت): "العناصر الإنسانية في أدبنا الحديث"، مجلة الكتاب، مصر، المجموعة الثالثة، ص: 45.

25. جبران خليل جبران: المجموعة الكاملة، (الأجنحة المتكسرة).  ص: 332، مقال: (يا خليلي الفقير).

26.  جمال عبد الرحمان صالح1399هـ / 1978م: نسيب عريضة حياته وشعره. مخطوط رسالة ماجستير غير منشورة، جامعة الأزهر، القاهرة. ص: 279، نقلا عن: فصل سالم العيسى 2006: النزعة الإنسانية في شعر الرابطة القلمية. دار اليازوري العلمية للنشر والتوزيع، عمان، الأردن، ص 153.

27. شبلي ملاط1952: الديوان. دار الطباعة والنشر اللبنانية، بيروت، (د. ط). ص: 200.

28. نشأت (شيرين) يتيمة فقيرة، فكفلها أحد رجال الفرس من ذوي الوجاهة، وتربت مع أحد أبناء (كسرى) فولد الحب بينهما صغيرا، ونما وترعرع بكبرهما، وحدث أن اتفقت مع (أبرويز) حبيبها على الوفاء والإخلاص مدى الحياة، وأهداها (أبرويز) خاتما دلالة على صدق عهده لها. وحين علم مربيها القصة خاف من بطش (كسرى) فقرر رميها في مياه دجلة، استنجدته أن لا يفعل فأبعدها عن الديار، فالتجأت إلى أحد الأديرة وترهبت فيه. وفي يوم زار أحد خدام الملك الدير لشأن، وكان المُلك قد آل لـ (أبرويز) من بعد والده فأعطتهم الخاتم، وطلبت منهم تسليمه لملكهم، فحن (أبرويز) إلى (شيرين) وطافت بفؤاده الذكريات الخوالي، فأمر بإحضارها وتزوجها وأنزلها منزلة عظيمة من ملكه، وبنى لها قصرا على نهر دجلة. وبعد أن أطاح الابن البكر لـ (أبرويز)  بأبيه واعتلى عرشه، جاء شيرين ايطلب ودَّها وحبها فصدته، فعمل جاهدا على تدنيس سمعتها، ورميها بالأباطيل حتى كرهها الناس ومقتوها، فدعت (شيرويه) ابن زوجها يوما وأخبرته أنها توافقه فيما ذهب إليه شريطة أن يسلمها قتلة زوجها، وأن يكذب الشائعات التي راجت حولها، ثم يسمح لها بالذهاب لزيارة زوجها، ففعل، وحين زارت قبر زوجها (أبرويز)، ناجته متحسرة مستحضرة ذكريات الحب والوفاء، وعاهدته على البقاء على العهد، ثم امتصت خاتمها الذي حوى سما زعافا، وسقطت على قبره لافظة أنفاسها الأخيرة.

29. عدنان علي الشريم (2008): الأب في الرواية العربية. تقديم الأستاذ الدكتور خليل الشيخ. عالم الكتب الحديث، إربد، الأردن، الطبعة الأولى. ص: 23

30. ينظر: عبد الرحيم العطري: الشباب العربي والسلطة الأبوية. عمليات التدجين وإرهاصات الثورة المضادة، عن: عدنان علي الشريم: الأب في الرواية العربية المعاصرة. ص: 24

31. ينظر: حليم بركات (1986): المجتمع العربي المعاصر.  بحث استطلاعي اجتماعي. مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى. ص: 223

32. يراجع في هذا:هشام شرابي (1977): مقدمات لدراسة المجتمع العربي. الأهلية للنشر والتوزيع، بيروت، لبنان. ص: 38– 39.

33. Sigmund Freud (1962) : collected papers, Basic works, New York, 5thprinting, , vol 5, p: 246

عن: عز الدين إسماعيل: التفسير النفسي للأدب، ص 81.

34.عمر الدقاق(1985): الاتجاه القومي في الشعر العربي الحديث. دار الشرق العربي، بيروت، لبنان. ص: 444

35. خالد الشواف (1953): نبأ من سبأ، مجلة الآداب، بيروت، لبنان، العدد الأول، كانون الثاني يناير (جانفي). ص: 71.

36. وخلاصتها: أن فارسا من فرسان صنعاء الأفذاذ خرج ليجلب دم (نسر البيد) ذلك الطائر الجبار كقربان للشمس إلهة معبدهم، حتى تقي صنعاء شر الحرب والخراب والدمار، وأثناء عودته غانما بقارورة دم النسر أحس بالتعب، فتوسد خُرْجَ فرسه ونام، وفي أثناء غفوته اقتربت منه فتاة حسناء، كانت ترعي شويهاتها هناك، فانبهرت بجماله وقوته، ووقفت تتأمله، وقد تنبهت من لباسه أنه من فرسان سبأ. وحين استيقظ وجد فرسه قد شردت، فسأل الفتاة الراعية بديلا لفرسه حتى يدرك قومه قبل فوات الأوان، فيعطيه الشيخ والد الفتاة فرسه شريطة الزواج من ابنته؛ حتى يطمئن على حالها بعد وفاته، فيقبل الفتى، وتفرح الفتاة. ويعود الفارس إلى صنعاء بالقربان، فيفرح القوم بطلعته، وتعجب فتاة من علية القوم وعلى قدر من الجمال به، وتطلبه للزواج، فيرفض مصرا على وعده الذي قطعه للشيخ وابنته؛ فتكيد له تلك المرأة؛ وتشيع في القوم أن الفتى خدعهم، وأن الدم المجلوب هو دم بغاث الطير، فتثور ثائرة القوم، وينهالون عليه ضربا بالقضبان حتى تسيل دماءه الطاهرة، وكانت الفتاة الراعية ووالدها شاهدان على ما حل بالفتى، فتأسفا غاية الأسف لذلك، وتحل النقمة بالقوم، وتغدو صنعاء خرابا بعد سيطرة الفاتك الجبار عليها، وأصبح الرائي لا يرى في معبدها إلا عجوزا كفيفة تغدو وتروح بين الأنصاب تعيش على ذكرى الفتى، وتبيع الرقى في ذلك المعبد الخرب، ولم تكن في الحقيقة إلا تلك الفتاة الراعية عاشقة فتى صنعاء وفارسها.

37.  Le Grand dictionnaire de la psychologie, 1964, p : 556.Où: Jack Lucan : Les quatres concepts fondamentausc, séminaire, livre xl) Paris, ed du Seuil, 1973, p : 205-208. 

38. R. Chemama,B , vendermerch, op.cit, p :377

عن: بوخميس بوفولة،: تصميم سلم السادية والمازوخية، ص 63.

39. عز الدين إسماعييل: التفسير النفسي للأدب، ص 126.

40.  بشارة الخوري(1373هـ/1953م): أديب لبناني، ينظر ديوان الهوى والشباب)، دار المعارف، القاهرة، مصر، (د. ط)، ص41.

41. وتحكي القصة حكاية فتاة اضطرتها ظروف ما بعد الحرب العالمية الأولى إلى امتهان حرفة البغاء، خاصة أن ابنتها كادت تهلك من المرض والجوع، فوقفت في البداية محتارة بين ظروفها وعفتها، ثم اختارت درب الرهبة والسقوط. التقت بأحد فتيانها في خلوة فنقدها ريالا، تهرع إلى البقال لتشتري الغذاء والدواء لابنتها التي تركتها تلتحف السماء وتفترش الأرض وقد عصرها الجوع عصرا، وتزايد عليها المرض، منحها البقال حاجتها وحين قبض الريال تفحصه فوجده مزيفا فطلب منها رد البضاعة وأخْذِ الريال المزيف، فصدمت وأخذت تبكي وتقطع شعرها من القنوط وهرعت نحو الوادي ورمت نفسها فيه. بإطلالة الصباح وجدها الناس قتيلة، قد هشمت صخور الوادي رأسها، وفي يدها الريال المزيف تقبض عليه، كأنما لا تصدق بعدم جدواه، فكفنها الناس وطفلتها التي قتلها الجوع والمرض ودفنا معا.

42. فصل سالم العيسى: النزعة الإنسانية في شعر الرابطة القلمية، ص: 118.

43.  عزيزة مريدن (1974): القصة الشعرية في العصر الحديث. ديوان المطبوعات الجامعية. الجزائر، (د. ط). ص: 251.

44.   محمد فتوح أحمد (د. ت): جماليات الخطاب القصصي. دار غريب للطباعة والنشر والتوزيع، القاهرة، مصر، (د. ط). ص: 39.

45. ألفرد أدلر (د. ت): الفتاة الصبية والأحلام المازوخية، ضمن كتاب: سيجموند فرويد، ألفرد أدلر وآخرون: علم النفس والنظريات الحديثة، ترجمة فارس متري ظاهر، دار القلم، بيروت، لبنان، (د. ط). ص 67.

46. برنارد شو (د. ت): دليل المرأة الذكية إلى الاشتراكية والرأسمالية والسوفييتية والفاشية. ترجمة وتحقيق عمر مكاوي وعلي أدهم. المركز القومي للترجمة. وزارة الثقافة، القاهرة، جمهورية مصر العربية الطبعة الأولى 01. ص: 162.

47. ينظر: عز الدين إسماعيل: التفسير النفسي للأدب. ص37.

48. Roback . A. A (1956): The psycology of littérature ,cf, present day psycology ,ed A.A.Roback, petrowen, London, , p : 869.

عن: عز الدين إسماعيل: التفسير النفسي للأدب، ص 47.

49.  Ray. p. Basler (1948): sex symbolismand phsycology in littérature (Nwe Brans wik), p :03.، ينظر: عز الدين إسماعيل التفسير النفسي للأدب، ص: 11.

50. Jack Lacan : Les quatre concepts fondamentaux, p : 556

51.  W. Reich : l’irruption de la morale sexuelle, études des origines du caractère compulsif de la morale sexuelle, paris, éd Payot, 1999, p :217.

52.   W. Reich : l’irruption de la morale sexuelle, p :217.

53.  نزار قباني (1960): قصائد من نزار قباني. دار الكتب، بيروت، لبنان، الطبعة الخامسة. ص:111

54.  بوخميس بوفولة تصميم سلم السادية ص74.

55. Ray. p. Basler: sex symbolismand phsycology in literature, p:15.، عن: عز الدين إسماعيل: التفسير النفسي للأدب، ص 39.

56.   W. Reich : l’irruption de la morale sexuelle, p :217.

57.    Ray. p. Basler: sex symbolismand phsycology in literature, p:15.

58. عبد العزيز القوصي: أسس علم النفس، القاهرة، مصر، 1960، ص 267.

59. جليل كمال الدين (1964): الشعر العربي الحديث وروح العصر (دراسات نقدية مقارنة). دار العلم للملايين، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى،

60.   Cyril Burt : how the mind works (2nd, ed, London, 1945), p : 273.

عن : التفسير النفسي للأدب. ص 40.

61.محمود عماد (1949): شاعر مصري من مواليد 1935.الديوان. مطبعة شبرا الفنية، مصر، (د. ط). ص: 172، تحكي قصة مصور، كان يخرج إلى الغابة ليسكب مناظر الطبيعة الخلابة في لوحاته، وفي إحدى الأيام صادف حسناء تتجول هناك، طلب وصالها فتمنعت ثم رمت له رسالة بين الورود تواعده فيها. وتقول: " إن حبي شرارة فلهيب فرماد لا تطيق احتماله"، لكنه أظهر استعداده للموت في سبيلها، تأخذه بعدها إلى قصرها ويسمى "قصر البوم"، يبقى معها مدة سنة، ليكتشف في الأخير أنها متزوجة من حاكم البلاد، وقد كان غائبا في سفر، يلاحقها فتتهمه بالجنون، وتأمر زوجها أن يرمي به في مستشفى المجانين ليكمل حياته هناك.

62.   S. Freud : trios essais sur la théorie sexuelle, (tra: Philippe Koppel) Paris: Gllimard,1987, p :68-69

63.  كمال الرياحي (1426هـ / 2005): حركة السرد الروائي ومناخاته في استراتيجيات التشكيل. دار مجدلاوي للنشر والتوزيع عمان، الأردن. الطبعة الأولى 01، م. ص: 60.

64.من كلمة شيء، أي بلا كيان أو روح أو عواطف.

65. التبادل الكمي: المادية المطلقة، أي الإيمان بكل ما هو كمي لا كيفي.

66. جورج لوكاتش(1988): نظرية الرواية. ترجمة الحسين سحبان. منشورات التل، الرباط، المغرب، الطبعة الأولى 01. ص: 141- 142

67. بوخميس بوفولة تصميم سلم السادية والمازوخية، ص04.

68. J. Bergeret : la personnalité normale et pathologique, p :212.، عن : بوخميس بوفولة تصميم سلم السادية والمازوخية، ص06.

69. السيرينات: مصطلح شائع في الأساطير الإغريقية، وهن جنيات يعشن في أعماق البحار ويتمتعن بأصوات جميلة ساحرة، من يسمعهن يفقد إرادته ويمشي وراءهن مسحورا بجمال أصواتهن إلى أن يسحبنه إلى أعماق البحر. يراجع: معجم الأساطير اليونانية والإغريقية.

70.  بشارة الخوري (الأخطل الصغير): ديوان الهوى والشباب، ص 103.

71.  علي بن تميم (2003): السرد والظاهرة الدرامية (دراسة في التجليات الدرامية للسرد العربي القديم). المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، المغرب، الطبعة الأولى. ص: 93.

72.  السعيد بوطاجين (2005): السرد ووهم المرجع (مقاربات في النص السردي الجزائري الحديث). منشورات الاختلاف، الجزائر. ص: 88.

73. Helin Deutsch : p : 221.

عن: بوخميس بوفولة تصميم سلم السادية والمازوخية، ص07.

74.  إيليا أبو ماضي (1986): الجداول. دار العلم للملايين، بيروت، لبنان، ص: 132، أو: زهير ميرزا (1963): إيليا أبو ماضي شاعر المهجر الأكبر. دار اليقظة العربية للتأليف والترجمة والنشر، دمشق، سوريا، الطبعة الثانية، ص: 463، وما بعدها.

75.يراجع: جرجس سعادة: الموضوعات الأساسية في شعر الرابطة القلمية. ص: 434، نقلا عن: فصل سالم العيسى: النزعة الإنسانية في شعر الرابطة القلمية. ص: 119

76.  زكريا إبراهيم (1958): الجريمة والمجتمع. مكتبة النهضة المصرية، القاهرة، مصر، (د. ط). ص 76.

77.    S. Freud : trios essais sur la théorie sexuelle, p : 70

78. فصل سالم العيسى: النزعة الإنسانية في شعر الرابطة القلمية، ص: 31.

79.   صلاح صالح (2003): سرد الآخر (الأنا والآخر عبر اللغة السردية). المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، المغرب، الطبعة الأولى، ص: 115

80.   جون هالبرين وآخرون (1981): نظرية الرواية. ترجمة محي الدين صبحي، وزارة الثقافة، دمشق، سوريا، الطبعة الأولى، ص:18

81.   ينظر: أرنست كاسيرر (1975): الدولة والأسطورة. ترجمة حمدي محمود. الهيئة العامة للكتاب، مصر، (د. ط). ص: 56.

82. ينظر:عبد القادر فيدوح (2010): الاتجاه النفسي في نقد الشعر العربي. دار صفاء للنشر والتوزيع، عمان، الأردن، ط 01. ص: 397

83.  عمر أبو ريشة (د. ت): مختارات. مطابع دار الكشاف، بيروت، لبنان، (د. ط). ص40.

84. الأصفهاني (أبو الفرج علي بن الحسن) (د. ت):الأغاني. الدار الثقافية للنشر والتوزيع، بيروت، (د. ط). ص: 142

85.  محمد مفتاح (1992): تحليل الخطاب الشعري (استراتيجية التناص). المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، المغرب الأقصى، ط03. ص: 65

86.  إبراهيم ريكان (1987): النفس والعدوان (دراسة نفسية اجتماعية في ظاهرة العدوان البشري). دار الشئون الثقافية، آفاق عربية، بغداد، العراق، (د. ط). ص175.

87.علي بن تميم: السرد والظاهرة الدرامية. ص: 93

88. علي عبد المنعم خفاجي: النقد الأدبي، ج 03، ص: 45، عن السرد والظاهرة. ص: 93

89. عبد القادر عبد الحميد زيدان: التمرد والغربة في الشعر الجاهلي.دار الوفاء لدنيا الطباعة والنشر، الإسكندرية، مصر ص: 53

90.  سيمون دي بوفوار: من رواد المذهب الوجودي المعاصر، وزوجة الوجودي الفرنسي: جان بول سارتر.

91. مجلة الهلال: الأدب والحب والموت (حوار مع سيمون دي بوفوار). بيروت، لبنان، العدد الثاني، فبراير، 1967، ص: 165

92. إبراهيم ريكان، النفس والعدوان. ص 18.

93. Morens F.L : Psychodrama and society, cf Present day psychology, p : 681.

عن: عزالدين إسماعيل: التفسير النفسي للأدب. ص: 36.

@pour_citer_ce_document

نسيمة زمالي, «تجليات السادية والمازوخية في القصة الشعرية العربية الحديثة»

[En ligne] ,[#G_TITLE:#langue] ,[#G_TITLE:#langue]
Papier : 223-238,
Date Publication Sur Papier : 2019-01-09,
Date Pulication Electronique : 2019-01-09,
mis a jour le : 09/01/2019,
URL : https://revues.univ-setif2.dz:443/revue/index.php?id=5244.