المقاربة الأنثربولوجية للظاهرة القرآنية في الفكر الحداثي لمحمد أركون بحث في المقومات والمقاصدAnthropological approach Of the Qur’anic phenomenon in the modernist thought of Muhammad Arkoun’s a research in the aims and the bases
Plan du site au format XML


Archive: revues des lettres et sciences sociales


N°01 Avril 2004


N°02 Mai 2005


N°03 Novembre 2005


N°04 Juin 2006


N°05 Juin 2007


N°06 Janvier 2008


N°07 Juin 2008


N°08 Mai 2009


N°09 Octobre 2009


N°10 Décembre 2009


N°11 Juin 2010


N°12 Juillet 2010


N°13 Janvier 2011


N°14 Juin 2011


N°15 Juillet 2012


N°16 Décembre 2012


N°17 Septembre 2013


Revue des Lettres et Sciences Sociales


N°18 Juin 2014


N°19 Décembre 2014


N°20 Juin 2015


N°21 Décembre 2015


N°22 Juin 2016


N° 23 Décembre 2016


N° 24 Juin 2017


N° 25 Décembre 2017


N°26 Vol 15- 2018


N°27 Vol 15- 2018


N°28 Vol 15- 2018


N°01 Vol 16- 2019


N°02 Vol 16- 2019


N°03 Vol 16- 2019


N°04 Vol 16- 2019


N°01 VOL 17-2020


N:02 vol 17-2020


N:03 vol 17-2020


N°01 vol 18-2021


N°02 vol 18-2021


N°01 vol 19-2022


N°02 vol 19-2022


N°01 vol 20-2023


N°02 vol 20-2023


A propos

avancée

Archive PDF

N°01 vol 19-2022

المقاربة الأنثربولوجية للظاهرة القرآنية في الفكر الحداثي لمحمد أركون بحث في المقومات والمقاصد

Anthropological approach Of the Qur’anic phenomenon in the modernist thought of Muhammad Arkoun’s a research in the aims and the bases
ص ص 24-40
تاريخ الإرسال: 2020-06-30 تاريخ القبول: 2021-10-04

سارة عبدو
  • resume:Ar
  • resume
  • Abstract
  • Auteurs
  • TEXTE INTEGRAL
  • Bibliographie

يسعى هذا البحث إلى مساءلة إحدى المنهجيات العلميّة الأساسيّة التي دعا محمّد أركون  من خلال مشروعه النقدي إلى الاعتصام بها في قراءة مصادر التراث الإسلامي، وعلى وجه الخصوص الظاهرة القرآنيّة ألا وهي "الأنثربولوجيا"، ومن ثمّ تحديد موقع هذه المنهجيّة من إسلامياته التطبيقيّة التي أسّسها،  بالإضافة إلى الكشف عن الخلفيات والأصول التي استمدّ منها تلك المنهجيّة والأسس التي تقوم عليها، وأخيرًا إبراز آفاق القراءة الانثربولوجية  للظاهرة القرآنيّة من منظور محمّد أركون، والمقاصد التي يتطلّع إلى تحقيقها جرّاء تطبيق تلك القراءة.

الكلمات المفاتيح: الأنثروبولوجيا، الظاهرة القرآنية، الإسلاميات التطبيقية، محمّد أركون، المقاصد

Cette recherche s’interroge sur une des méthodes scientifiques que Mohamed Arkoun a préconisées, à travers son projet critique des sources du patrimoine islamique, en particulier le phénomène coranique, à savoir "l'anthropologie". Ce faisant, nous chercherons à déterminer les fondements de la méthode qu'il a fondée dans ses études islamiques appliquées afin de mettre en évidence la lecture anthropologique du phénomène coranique du point de vue de Muhammad Arkoun et les objectifs qu'il aspire à atteindre grâce à l'application de cette lecture.

Mots-clés : Anthropologie؛le phénomène coranique؛islamisme appliqué؛Muhammad Arkoun؛les objectifs

This research aims to question the anthropology, one of the basic scientific methodologies that Muhammad Arkoun focused on, through his critical project, to read the sources of the Islamic Religion, especially the Quranic text. Then, it tries to locate this methodology from his applied Islamism. In addition, it demonstrates the backgrounds and origins from which this methodology was derived and the foundations on which it is based. Finally, it focuses on the horizon of the anthropological reading of the Quranic phenomenon from his perspective, and the purposes that he aspires to achieve because of applying that reading.

Keywords:The anthropology؛the Quranic phenomenon؛the applied Islamism ؛Muhammad Arkoun؛the horizon

Quelques mots à propos de :  سارة عبدو

مخبر العلوم الإسلامية في الجزائر تاريخها مصادرها وأعلامها، جامعة باتنة 1، saraabdo16792@gmail.com

مقدمة

إنّ التسارع الثقافي والتحوّلات المعرفيّة التي يشهدها الراهن البشري في مختلف الأصعدة والميادين، وما حقّقته الثورات العلميّة من منجزات، لاسيّما في العلوم الإنسانيّة قد أفرز العديد من المفاهيم والمناهج والنظريات والتصوّرات، التي أفضت إلى جعل الظاهرة الدينيّة تعتليصدارة البحث العلمي من جديد، وتبرز على رأس أولوياته، مستجيبةً بذلك لمستجدّات العصر، ولتقدّم المعرفة، ولتحوّلات المجتمع الفكريّة والسياسيّة والثقافيّة والاجتماعيّة، فكان البحث والتفسير والتأمّل، في محاولة لمساءلتها واستنطاقها، فظنّ أرباب الحداثة أنّ الاستعانة بمعطيات الحداثة العلميّة بمختلف فتوحاتها ومنجزاتها، كفيلٌ بإيصال الفكر العلمي الجديد إلى وعي دينيّ تاريخي وعقلي متكامل.

فإذا كان العروج الحضاري الذي آل إليه الفكر الغربي المعاصر جاء كمحصّلة لثورات معرفيّة ومنهجيّة شنّها تجاه مقوّماته ومبادئه الدينيّة، فإنّه من المحقّق- في اعتقاد روّاد الحداثة- أنّ الذي يؤهّل الفكر العربي الإسلامي اليوم إلى بلوغ تلك الحقبة الحضاريّة التي انتهى إليها نظيره الغربي،مرهون بمساءلة موروثه الديني بكافّة تجلّياته؛ وذلك من خلال وضعه في مختبر علميّ، واستدعاء كافّة الآليات المنهجيّة والمعرفيّة التي تمتلك صلاحيات النقد والتفكيك، والتأويل والتفسير.

موضوع البحث

ومن هنا فإنّ دراسة الظاهرة القرآنية اليوم في العالم العربي باتت تفرض نفسها بإلحاح، خاصّة بعد التقدّم الساحق الذي أحرزه الغرب، فإذا ما أراد الفكر الإسلامي -على حسب المقاربة الحداثية-استدراك تأخره الحضاري، واستعادة مكانته في التاريخ، فلا بدّ له من الاقتداء بالنموذج الغربي في إخضاع مرجعياته الدينيّة للدراسة وفق مقاربات علميّة، وآليات معرفيّة ومنهجيّة متعدّدة لنقدها وتحليلها وتفكيك بناها.

 وتأتي المقاربة الانثربولوجية على رأس تلك المقاربات التي أسّست لقراءة جديدة للتراثات الدينيّة تتجاوز سابقتها الميتافيزيقية اللاهوتية للدين، ومن هذا المنطلق دعا روّاد الفكر العربي المعاصر، إلى إرساء علم الأنثروبولوجيا الدينيّة كبروتوكول بديل عن المنهجيات التي تحكمها الصبغة   الميثولوجيّة1في استنطاق المنظومة الدينيّة، واستجلاء مكنوناتها المعلنة والمضمرة.

ويأتي محمّد أركون في طليعة أعلام الفكر العربيّ الذين دعوا إلى الشروع في تدشين ممارسة أنتربولوجيّة على المسألة الدينيّة؛ ذلك أنّه ما يفتأ في مشروعه النقدي يلحّ على ضرورة إذعانها بمختلف تجلّياتها إلى تلك المنهجيّة، فهي الكفيلة بتفكيكها وجمع كافّة المعارف المتّصلة بتلك الظاهرة في سياقاتها وأبعادها المختلفة (التاريخيّة والاجتماعيّة والثقافيّة وغيرها...).

   ولمّا كان القرآن هو محور التراث الإسلامي ومصدره الأساسي ونصّه التأسيسي الأوّل كما يطلق عليه محمّد أركون، وجب-من منظوره- أن نعيد قراءة نصوصه من منظور أنتربولوجي، نسعى من خلاله كشف خباياه وإماطة اللثام عمّا يكتنفه من مفاهيم ودلالات، ورموز وإشكالات، لذا فإنّ التعاطي مع الظاهرة القرآنيّة عند محمّد أركون لا يتأتّى إلّا من خلال اللجوء إلى المعالجة الأنثربولوجيّة كخطوة أولى وهامّة في مسار المشروع النقدي للتراث الإسلامي.

من هذا المنطلق يتحدّد موضوع هذا البحث بشكلٍ جلي والموسوم بـ"المقاربة الأنثربولوجيّة للظاهرة القرآنيّة في الفكر الحداثي لمحمّد أركون- بحث في المقوّمات والمقاصد"،

إشكاليّة البحث

يعالج البحث إشكالاً معرفيًّا رئيسيّا وهو:

كيف يمكن للأنثروبولوجيا أن تؤسّس لمقاربة علميّة ونقديّة للظاهرة القرآنيّة من منظور محمّد أركون؟  

وفي ضوء هذه الإشكاليّة المحوريّة نطرح التساؤلات الفرعيّة التاليّة:

- ما مفهوم الأنثربولوجيا؟ وأين يتحدّد موقعها كمنهج ضمن المشروع النقدي لمحمّد أركون؟

- ما هي أبرز الخلفيات الفلسفيّة والمعرفيّة التي استوحى منها أركون هذا المنهج؟

- فيم تتمثّل علل ومسوّغات تبنّي محمّد أركون للاستراتيجية الأنثربولوجيّة في تحليل الظاهرة القرآنيّة؟

- إلى ماذا يتّجه محمّد أركون من خلال دعوته لمقاربة أنثربولوجيّة للظاهرة القرآنيّة؟ أو ماهي المقاصد والغايات التي يتوخّاها محمّد أركون من توظيفه لتلك المقاربة؟

أهداف البحث

 تروم هذه الورقة البحثيّة الوصول إلى أهداف منها:

  • التعرّف على المنهجيّة الأنثربولوجيّة بوصفها أحد أهمّ المنهجيات المتعددّة الاختصاصات التي تشكّل منها المشروع النقدي لمحمّد أركون.
  • الوقوف على دوافع ومبرّرات محمّد أركون في الدعوة إلى التوسّل بالمنهجيّة الأنثربولوجيّة لمقاربة النصوص الدينيّة.
  • الكشف عن الأسس والمقوّمات الأساسيّة التي وضعها محمّد أركون من أجل الشروع في قراءة أنثربولوجيّة للظاهرة القرآنيّة.
  • التوصّل إلى الآفاق والغايات التي يطمح محمّد أركون لبلوغها من خلال توظيف تلك المنهجيّة.

الدراسات السابقة للموضوع

من خلال استقرائي للدراسات السابقة المتعلّقة بالموضوع وجدت العديد من البحوث التي عالجت هذه الإشكاليّة-حسب اطلاعي-ضمن إشكاليات بحثيّة عامّة دون التعمّق فيها نذكر منها:

  • دراسة بعنوان: "أزمة المنهج في الخطاب الحداثي المعاصر- محمّد أركون نموذجًا- للباحثة بلميهوب هند.
  • دراسة بعنوان:" المقاربة الحداثيّة الأركونيّة للوحي" فاتحة الكتاب نموذجًا" للباحث حامد رجب عبّاس.
  • القراءة الأركيولوجيّة للفكر الإسلامي عند محمّد أركون مسألة الإسلام والحداثة للباحثة شهرزاد درّاس.
  • دراسة بعنوان: "محمّد أركون والتأويل الأنثربولوجي للخطاب الديني لفاطمة الزهراء بلحجي تعلٌّقت هذه الدراسة في عنوانها بالموضوع بشكل مباشر إلّا أنها بشكل سطحي ومختصر مركّزة اهتمامها على تداعيات القراءة الأنثربولوجيّة دون التطرّق إلى مفهومها والمقصود منها، والبحث في أسسها والغايات من تطبيقها هو ما يسعى هذا البحث إلى التطرّق إليه.

منهج الدراسة

نظرًا لطبيعة الإشكالية التي تطرحها هذه الورقة البحثيّة ينبغي الاعتماد على المنهج الوصفي، مع الاستعانة بآليتي الاستقراء والتحليل في طرح أفكار الموضوع ومعالجتها. 

هذا وسنعالج إشكاليّة هذا الموضوع ونعرض أفكاره من خلال العناصر التالية:

أوّلًا: منزلة الأنثربولوجيا من النسق المنهجي الأركوني

ثانيا: المنهجيّة الأنثربولوجيّة عند محمّد أركون– الأصول والاستمدادات-

ثالثا: محمّد أركون من نقد سؤال الفيلولوجيا إلى استحضار الأنتربولوجيا

رابعا: في أسباب تبنّي المقاربة الأنثربولجيّة عند محمّد أركون

خامسًا: ضرورة التلازم بين الظاهرة القرآنيّة والمنهجيّة الأنثربولوجيّة من منظور محمّد أركون

سادسًا: مقوّمات القراءة الأنثربولوجيّة للظاهرة القرآنيّة من منظور محمّد أركون

سابعًا: مقاصد القراءة الأنثربولوجيّة للظاهرة القرآنيّة عند محمّد أركون

أوّلًا: منزلة الأنثربولوجيا من النسق المنهجي الأركوني

تتبوّأ المقاربة الأنثربولوجيّة موقعًا هامّا ضمن الممارسة النقديّة التي يصبو إليها محمّد أركون على غرار المقاربة اللغويّة( الألسنية) والتاريخيّة، وترتبط هذه المقاربة أساسًا بمجال الإسلاميات التطبيقيّة2، كحقل معرفي ووجهة ابستمولوجيّة جديدة في مساءلة  مصادر التراث الإسلامي عمومًا، والنص القرآني على وجه الخصوص؛ وذلك من خلال إعادة الاعتبار إلى الاستشكالات المهمّشة، والتي ضرب عنها الفكر الإسلامي صفحًا كما يرى أركون ، ويأتي في مقدّمتها سؤال الأنثروبولجيا بمختلف سياقاته( الدينيّة والتاريخيّة والاجتماعيّة والثقافيّة )، ووضع حدّ لتاريخ طويل من التغييب والتجاهل والتغافل الذي كابدته هذه المنهجيّة في سائر الأديان الإنسانيّة وفي طليعتها الإسلام، بالمقارنة مع غيره؛ إذ إنّ كلّ الخطابات3موجودة في الساحة العربيّة أو الإسلاميّة ما عدا خطاب واحد هو: الخطاب العلميّ4والتاريخي والفلسفيّ والأنثربولوجي عن التراث الإسلامي، هذا هو الخطاب الغائب.. ونحن بحاجة ماسة إلى الخطاب العلمي الذي يتخذ من تراث الإسلام مادّة للتفحّص التاريخي، والدراسة الموضوعيّة، في كلّ ما وراء المماحكات الجداليّة، والقطيعات اللاهوتيّة الحاصلة بين الأديان التوحيديّة الثلاثة5.

لقد آن الأوان –في نظر محمّد أركون- لمصالحة الفكر الإسلامي مع سؤال الأنثربولوجيا، وإدراجه كأحد المقولات الأساسيّة ضمن إسلامياته التطبيقيّة التي يسعى إلى إرساء دعائمها، والتي تضطلع مَهَمَّتُها الرئيسيّة في تكريس وعي ابستمولوجي بالخطابات الدينيّة وعلى رأسها الخطاب القرآني6، ولن يتسنّى له ذلك إلّا عبر حقل معرفي مهم وهو "الأنثربولوجيا" فما المقصود به؟

يقول أركون في التعريف بالأنثربولوجيا: "هي علم الإنسان في المطلق أي: كلّ إنسان أيًّا يكن أصله وفصله أو دينه ومعتقده" (محمّد أركون،2017، ص: 184)، ويطلق على الأنثروبولوجيا إسم "المنهج الإناسي" أو كما يصطلح عليه مؤسّس الأنثربولوجيا التطبيقيّة روجر باستيد إسم"الإناسة التطبيقيّة" وهي في نظره" هي علم نظري للتطبيق"(مختار الفجاري، 2005، ص:42).

وأهمّ ما يميّز المنهج الإناسي بصفة عامّة، تأكيده على دراسة الكائن البشري من كلّ وجوهه وبكلّ أبعاده "فالإنسان في نظر الإناسة كائن طبيعي واجتماعي ولساني وسياسي وتاريخي ونفسي وعاقل ومتخيّل وعاطفي..." (مختار الفجاري، المرجع نفسه). وبناءً على هذا المفهوم تتحدّد الوظيفة الأساسيّة للمنهج "الأنثربولوجي" أو الإناسي بصفته "منهجًا يسعى إلى تجميع المعرفة الخاصّة بالإنسان من كافّة جوانبه؛ وذلك بهدف تقديم فهم مترابط حول الإنسان"(محمّد أركون،1996، ص:57.)، كما تتبلور خاصيّته المثلى التي ساهمت إلى حدّ كبير في تبجيله وتبنّيه من قبل أركون، في كونه مجالًا واسعًا لتقاطع الاختصاصات، وتمازج الميادين، ولأنّ الاستراتيجية الأنثربولوجيّة التي يروم محمّد أركون تطبيقها تحتلّ حيزًا مهمًّا ضمن خارطته النقديّة المتمثّلة في "الإسلاميات التطبيقيّة" وجب البحث في أصولها، والنظر في مرجعياتها.

ثانيا: المنهجيّة الأنثربولوجيّة عند محمّد أركون _الأصول والاستمدادات_

تتّسم المنظومة المنهجيّة  التي أسّسها محمّد أركون بانتمائها إلى أصول ومرجعيات من الثقافة الغربيّة؛ فقد أسهمت العديد من المدارس الغربيّة –على اختلاف مذاهبها ومشاربها- في إبراز وعيه النقدي، وبلورة نزعته العلميّة في مباشرة القضايا والإشكالات التي يتطرّق إليها، والمتأمّل في ثنايا المشروع النقدي لمحمّد أركون منذ ظهوره وإلى أن تحدّدت معالمه، يجد أنّ  أركون ينسب كلّ آلية منهجيّة استفاد منها، وتبنى مبادئها إلى المدرسة النقديّة التي أنتجتها وانحدرت منها؛ ففي سياق حديثه عن الأنثربولوجيا كمنهج علميّ لمقاربة التراث الإسلامي يعترف محمّد أركون بأنّ  كتاب "الأنثربولوجيا التطبيقيّة" لعالم الاجتماع والإثنولوجي7الفرنسي "روجيه باستيدRoger BASTID" قد كان له الأثر البارز في  أبحاثه ودراساته، واستفاد منه أيّما استفادة، حتّى أنّه نحت منه اسما لمشروعه "الإسلاميات التطبيقيّة" نظرًا للتشابه بين البحثين؛ "فقد حاول روجيه باستيد أن يجعل الأنثربولوجيا التطبيقيّة تتعدّى الوصف، إلى النظر في أثار الأوصاف  على المجتمعات المدروسة، وهذا ما يريد محمّد أركون بلوغه من خلال النموذج الإسلامي، وخاصّة أنه مهتمّ بالثقافة الشعبيّة والتراث الشفوي، ولا يهمل التراثات السابقة على الإسلام،  سواء لدى العرب في الجاهليّة، أو لدى الشعوب التي تمّ تعريبها وأسلمتها كتراث الشعب البربري الذي ينتمي إليه أركون نفسه (فارح مسرحي،2006،ص: 105).

ولا يكتفي محمّد أركون بالاعتماد على جهود "باستيد"  لوحده، بل يعزّز منهجيّته الأنتربولوجيّة بمدرسة أخرى لا تقلّ أهمّية عن الأولى، ألا وهي تلك الأعمال والإسهامات التي صاغها عالم الاجتماع والأنثربولوجيا  "جورج بالانديه Georges BALANDIER"، ويتبيّن ذلك من خلال صياغته لمفهوم التراث ومكوّناته، واستفادته من تشبيه بالانديه لتاريخ البشر بتاريخ الكرة الأرضيّة، الذي ينتج طبقات جيولوجيّة متراصّة،  بعضها فوق البعض، نفس الشيء للتاريخ البشري الذي يمثّل طبقات سميكة ينبغي أن تكشفها العلوم الاجتماعيّة، أمّا محمّد أركون فيرى أنّ  هناك ثلاث طبقات من التراث المتداخلة بعضها ببعض، والتي تشكّل التراث الإسلامي المقدّس، مستعملاً كلمة السنّة لا للدلالة على المذهب السنّي فقط، وإنّما على ما يدعى السنّة الإسلاميّة الشاملة أو الكلّية؛ لأنّه لا يفضّل اتجاهًا على آخر أو فرقة على أخرى، باعتباره باحثًا غايته الأولى الوصول إلى الحقيقة الموضوعيّة للتاريخ، عن طريق دراسة المعتقدات أو العادات الإسلاميّة المتوارثة من جيل إلى آخر، منذ العصر التأسيسي الأوّل للإسلام إلى الآن، فأركون يحاول تجاوز التراث الإسلامي المبتور الخاص بكلّ فئة منعزلة، وبكلّ فئة متمسّكة برأيها تمارس احتكار الحقيقة الدينيّة لنفسها، وتنفيها عن غيرها(فارح مسرحي، المرجع نفسه، ص: 105).

ومن هنا تظهر نظريّة بالانديه الأنثربولوجيّة من حيث هي مرجعيّة أساسيّة يستند إليها في إخضاع التراثات الدينيّة إلى عمليّة أركيولوجيّة8، يتّجه من خلالها إلى إعلاء كلمة الحقيقة، وتقديمها على كلّ شيء، ومن ثمّ تدشين معرفة متكاملة بالتراث الديني، لا يكون فيها لفرقة ما سلطة دينيّة على حساب الأخرى، بل إنّه وطبقًا لهذا المرسوم الأنثربولوجي الذي يصدره أركون تتكافأ كافّة المذاهب الدينيّة، وتتساوى مقوّماتها أمام نفوذ المعرفة، ومقصد الوصول إلى الحقيقة.

ثالثا: محمّد أركون من نقد سؤال الفيلولوجيا إلى استحضار الأنتربولوجيا

إذا كانت "الفيلولوجيا"9هي الورقة الرابحة التي كان يعتمد عليها الاستشراق الكلاسيكي في أبحاثه ودراساته التي ينتجها عن التراث الإسلامي، فإنّ محمّد أركون لا يرى فيها إلّا قيدًا متينًا لم تستطع الإسلاميات الكلاسيكيّة التملّص منه، ممّا دفعه إلى وضعها على محكّ النقد والتقييم، فهي وإن كانت لم تتجرّع ما تجرّعه الاجتهاد التقليدي من الرفض والتهميش من قبل محمّد أركون، إلّا أنّها تعتريها الكثير من النقائص والمثالب، والتي لا بدّ من التفطّن إليها؛ حيث تبقى في نظره خطوة منهجيّة أولى لا بدّ من الانطلاق منها من أجل بلوغ محطّة ابستيمولوجيّة قصوى في التعامل مع التراث الديني، فأركون"لا يدحض الفكر الاستشراقي، ولا يدعو إلى تجاوزه، بالرغم من الإقرار الضمني لدى بعض الباحثين بموقعه التراجعي حين يقارن مع العلوم الإنسانيّة الأخرى، ولكن الموقف الأركوني يؤصّل لاستمراريّة الخطاب الاستشرافي، مع الدعوة الملحّة لمراجعته حتى يستوفي درجة العلميّة والموضوعيّة"(رمزي بن حليمة، مجلّة الكلمة، العدد97، 2017، ص:47.).

 إنّ غاية أركون من خلال تدشينه لإسلامياته التطبيقيّة تكمن بالدرجة الأولى في تصحيح مسار الخطاب الفيلولوجي الاستشراقي، وتحريك فاعليته في البحث، وإعادة صياغته، من خلال طرح استراتيجيّة بديلة، تستجيب لمعطيات الحداثة الجديدة، وفي هذا يقول محمّد أركون: "ينبغي إذن تكملة النقد الفيلولوجي أو تعميقه عن طريق التحليل الأنتربولوجي، من أجل إحداث التطابق بين المادّة العلميّة المدروسة، ومضامين التراث المعيشة من جهة، وبين الفاعليّة النفسيّة والتشكيلة البسيكولوجيّة العميقة للذات الجماعيّة من جهة أخرى"(محمّد أركون، 1996، ص: 37).

 وبهذا فقد رأى محمّد أركون في الممارسة الأنثربولوجيّة بديلًا فاعلًا أساسياّ ضمن حقيبته المنهجيّة التي استعارها من الثقافة الغربيّة، كونها " تشكّل منهجًا يسعى إلى تجميع المعرفة عن الإنسان من كافّة الجوانب، وذلك بهدف تقديم فهمٍ متكامل ومترابط عنه، وحياته ونتاجه الحضاري في الماضي والحاضر، ومن ثمّ يكون لديها القدرة على استقراء أنماط الحياة المستقبليّة" (حسين فهم، سلسلة عالم المعرفة، عدد98، 1986، ص: 18).

رابعا: في أسباب تبنّي المقاربة الأنثربولجيّة عند محمّد أركون

قدّم محمّد أركون -في سياق طرحه لسمات الإستراتيجيّة الأنثروبولوجيّة التي اقترحها-العديد من التفسيرات والتبريرات التي تدعم منهجيّته التي يتبنّاها وتتمثّل فيما يلي:

1/ إفلاس الفيلولوجيا: لم تخلُ كتابات محمّد أركون من الحديث عن نقائص المنهج الفيلولوجي الاستشراقي، وقصور جدواه العلميّة والمعرفيّة؛ فهو وإن كان لا يلغي إسهامات البحث الفيلولوجي، ولا ينكر النتائج التي  حقّقها، إلّا أنّه "يدعو إلى ضرورة أن يصبح الاستشراق جزءًا لا يتجزأ من البحث العلمي المعاصر، وأن يلحق بركب التجديد المنهجي والمفهومي الذي حصل في ربع القرن الماضي، فلا يعقل أن يظلّ منغلقًا على نفسه، وراضيًا بمنهجيّة القرن التاسع عشر، ورافضًا الانفتاح على الثورة المنهجيّة الإبستيمولوجية، التي شهدتها العلوم الإنسانيّة منذ الستّينات وحتّى اليوم" (محمّد أركون، 2004، ص: 130).

وبهذا فهو يرى في الممارسة الأنثربولوجيّة سبيلًا للخلاص من القيود الإيديولوجيّة التي لازمت الخطاب الفيلولوجي منذ قرون عديدة، كما "يذهب إلى أنّ هذا المنهج يمارس ضغطًا مزدوجًا، فهو يرفض الأخذ بعين الاعتبار الأساطير والتزويرات والتحريفات والتصوّرات الخياليّة التي يتصوّرها المخيال الجمعي، والتي تضعف من المضامين الحقيقيّة لكلّ وجود اجتماعي، وآليات إنتاجه للمعنى والحقيقة.." (رمزي بن حليمة، مرجع سابق، ص: 46.).

وبالتالي فإنّ نزوع محمّد أكون لترويج الممارسة الأنثربولوجيّة لم يكن من فراغ، وإنّما جاء كردّة فعلٍ يأمل من خلالها تصويب وجهة الفيلولوجيا، وترقيع ثغراتها، وإكمال نقائصها؛ من خلال "إعطاء الأولويّة للمنهج الأنثربولوجي باعتباره ضمانة رئيسيّة لتحصيل معارف أكثر متانة وطرافة علميّة، والابتعاد عن تلك النزعة الفيلولوجيّة التي سقطت فيها معظم الدراسات الاستشرافية، والتي أفرزت بدورها آراء ومعارف تنحو نحو الدوغمائيّة" (رمزي بن حليمة، مرجع نفسه، ص:52)، وعلى عكس ذلك فإنّ"القراءة الأنثروبولوجيّة التي يسعى إليها أركون تسمح لنا بالاستماع إلى ما قاله المهمّشون، المنبوذون، المعارضون، على مرّ العصور والذي حذفه التاريخ الرسمي وجعله في دائرة المستحيل التفكير فيه"(فارح مسرحي، مرجع سابق، ص: 116).

وعليه فإنّ الثورة التي دشّنها محمّد أركون تجاه مسلّمات الفيلولوجيا الاستشراقيّة لا يهدف من خلالها إلى تأسيس قطيعة معها، وفكّ الارتباط بمقولاتها المعرفيّة والمنهجيّة،  ذلك أنّ النقد الفيلولوجي بالنسبة إليه "يكشف عن أشياء مذهلة، ويطرح تساؤلات عديدة، ولكن دون أن يستطيع القطع بأيّ شيء" (أنظر: تعليق هاشم صالح، 2001، ص: 148)، ومردّ ذلك أنّ "هناك فرقٌ كبيرٌ بين القراءة السطحيّة التي تهتمّ بإعادة منطوق الكلمات، وبين القراءة العميقة التي توازن بين المنطوق والمكتوب، بين الذاكرة والتحليل، بين اللّاوعي المكبوت أو المنسي، والوعي المستعيد لهذا الوعي ليواجهه" (رضوان جودت سعيد، 2004، ص:267)، لذلك أراد تدعيم مقوّماتها من خلال اقتراح نموذج بديلٍ في تحليل التراث الديني يتمثّل في "المنهج الأنثربولوجي".

2/ سيطرة الإيديولوجيا الدينيّة

شكّلت هذه النزعة حافزًا هامًّا دفع بأركون إلى الدعوة إلى توظيف المقاربة الأنثربولوجيّة؛ حيث عاب كثيرًا تلك السيطرة التي تمارسها الأديان التوحيديّة الثلاثة(الإسلام المسيحيّة اليهوديّة)، والتي طالت الباحثين والدارسين للتراث الديني لقرونٍ عديدة، ولا تزال تسيطر إلى اليوم، ونجدها في الفكر الإسلامي بالدرجة الأولى –حسب اعتقاد أركون- كما نجدها أيضًا في الطوائف الدينيّة الأخرى؛ "فلطالما اهتمّ المفكّرون والباحثون المسلمون بالأديان والملل والعقائد العديدة، ووصفوها في كتب الأهواء والملل والنحل، إلّا أنّه ما كان بإمكانهم أن يتحرّروا من النظريّة اللاهوتيّة القائلة بالدين من جهة، وبالنحل والأهواء الضّالة من جهة أخرى، ولم تزل تلك النظرة الدوغمائيّة تتحكّم في الذهنيّة المعروفة بالطائفيّة، فكلّ طائفة تدّعي بأنّ دينها هو دين الحق، وبالتالي أنّها الفرقة الناجية، والأخرى كلّها هالكة ضالّة، وقد شاعت هذه الذهنية في اليهوديّة والمسيحيّة والإسلام" (محمّد أركون، مصدر سابق، ص: 09).

ووفقًا لتصوّر محمّد أركون لم يسلم أي دين توحيدي من تجذّر المركزيّة الدينيّة داخل مجتمعاتنا، ولهذا أُحبِطَتْ مشاريع النقد بمختلف مستوياتها؛ لأنّ "جميع التأويلات التي قدّمت عن العالم والإنسان والتاريخ مربوطة بالضرورة بالحقيقة المطلقة التي لا حقيقة بعدها، ونقصد بها الحقيقة الوحيدة، الضروريّة، التي لا يمكن تجاوزها، والتي نصّ عليها «الدين الصحيح» أو «دين الحق» بحسب التعبير القرآني، فقد استملك القرآن هذا المفهوم الوارد في الديانتين السابقتين بعد أن أعاد بلورته واشتغاله من جديد"(محمّد أركون، ص: 239-240).

3/عنصريّة الخطاب الاستشراقي

حتى الخطاب الاستشراقي لم يتحرٍّر من هذا التفكير العنصري في مساره الفكري باعتباره "خطابا غربيا باردا عن الإسلام؛ ذلك أنّ كلمة ومصطلح الإسلاميات (L’islamologie) أي الخطاب الذي يهدف إلى العقلانيّة في دراسة الإسلام، مثلما يفعل المسيحيون فيما يتعلّق بالمسيحيّ، إنّ العلم المدعو هكذا لم يحظ بأيّ تأمّل منهجي.." (محمّد أركون، مصدر سابق، ص: 51) ، هذا فيما يخصّ الإسلاميات الكلاسيكيّة من حيث مفهومها أمّا من حيث مجالاتها واهتماماتها فالأمر بالنسبة لأركون أعمق وأعقد؛ ذلك أنّ"الإسلاميات الكلاسيكيّة تحصر اهتمامها بدراسة الإسلام من خلال كتابات الفقهاء المتطلّبة من قبل المؤمنين؛ حيث أنّ عالم الإسلاميات يعرف جيّدًا بأنّه أجنبي عن موضع دراسته، ولذا ومن أجل أن يتجنّب كلّ حكم تعسّفي فإنّه سيكتفي أن ينقل إلى إحدى اللغات الأجنبيّة كبريات النصوص الإسلاميّة الكلاسيكيّة.."(محمّد أركون، ص: 52) ،وهذا في حدّ ذاته  يعدّ سببًا رئيسيًّا- من منظور محمّد أركون- ليحمل على عاتقه مهمّة تصحيحه وتهديم مسلّماته الدوغمائيّة، ومنهجياته الإيديولوجيّة؛ كونها "متأثّرة بنزعة عرقيّة مركزيّة مؤكّدة ومفهومة ضمن الوسط التاريخي الذي ولدت فيه" (محمّد أركون، ص: 275)، فعلى الرغم من المسار الطويل الذي اجتازته حركة الاستشراق الكلاسيكي، وما أفرزته أبحاثها العلميّة الضخمة، إلّا أنّها بقيت متمسّكًة بأسسها الأولى، ولم تتعدّها إلى غيرها، سواء على المستوى المعرفي أو المنهجي ممّا جعل منهجيتها ثابتة في حدودها التي رسمت لها، لا تزيغ عنها ولا تتطوّر، وبالتالي فقدت حيويتها العلميّة؛ وذلك راجعٌ إلى أنّها لا تعدو أن تكون إلّا "منهجيّة وصفيّة سكونيّة بطبيعتها، لأنّها تغرق في التفاصيل، واستخلاص الوقائع والتواريخ والأحداث من النصوص القديمة، ثمّ تقوم بترتيبها وفرزها وتصنيفها، لكي تكتب تاريخ الإسلام، بشكلٍ خطّي مستقيم، متسلسلة في عرضها بحسب الصورة التي تعكسها النصوص القديمة للإسلام ذاتها"(محمّد أركون، 2001، ص: 182).

وفي ظلّ هذه التداعيات، لجأ محمّد أركون إلى تأسيس منهجيّته النقديّة والتي أسماها بـ "الإسلاميات التطبيقيّة"، "مميّزًا بينها وبين منهجيّة المستشرقين المجتزأة والاختزالية التي لا تقوم بمحاولة تأويليّة لموضوع بحثها بعيدًا عن الالتزام المعرفي الكامل، ويرى أنّ العمل الاستشراقي يخلّف وراءه حقلًا من الأنقاض، على عكس الفكر النقدي البنّاء الذي يتضامن فعلًا مع كلّ ما يخلّفه البحث العلمي من صعوبات" (نائلة أبي نادر، مجلّة" قضايا إسلاميّة معاصرة"، العدد 53/54، 2013، الصفحة 141).

ولقد بقيت الإسلاميات الكلاسيكيّة -على الرغم من مكتسباتها المعرفيّة- رهينةَ حدودها الإيديولوجيّة"؛ والسبب يكمن في أنّ النقّاد المستشرقين- بحسب أركون- لا ينطلقون إلّا من مرجعيات نقديّة، إمّا خاضعة لسلطة المكتوب، وإمّا خاضعة لسلطة العقل"(مختار الفجّاري، مرجع سابق، ص: 30).

والأمر نفسه بالنسبة للعقل الحداثي الغربي، الذي لم يتجرّد من سلطة مرجعياته في متونه النقديّة حيث "فشلت تلك الحداثة الفكريّة في تعميم «الأنوار» الحديثة والتخلّي عن ذهنية التحريم أو التكفير والحروب الدينيّة، وإحلال ذهنية الأنسنة المنفتحة محلّها، وهي ذهنيّة تدافع عن حقوق الإنسان، وتحرير الوضع البشري من الاضطهادات والقمع والظلم، والسرّ في ذلك أنّ العقل الحديث لم يتقيّد بتعاليم الأنثربولوجيا الحديثة، وإنّما اكتفى منذ القرن التاسع عشر بالانغلاق، وحصر نفسه في مقتضياته (محمّد أركون، مصدر سابق، ص: 06).

ولكن بظهور الأنثربولوجيا، من حيث هي منهجيّة لقراءة النصوص الدينيّة في ساحة الفكر العلمي المعاصر -كما يرى أركون- ستقف كافّة المذاهب والعقائد والإيديولوجيات على استقامة واحدة، لا فضل لإحداها على الأخرى؛ فهي منهجية ترفض التمركز حول الهوّية الواحدة، والأخذ بالنظرة الأحاديّة، وتأخذ بعين الاعتبار كلّ العوامل المحرّكة للتاريخ، ولا تكتفي فقط بالنصوص المكتوبة، وإنّما تهتمّ بالتراث الشفوي للشعوب، فهي قراءة شاملة، كما أنّها تقوم على المقارنة بين التراثات الدينيّة.."(الطاوس أغضابنة، رسالة دكتوراه، 2010/2011، ص:380).

ويرى محمّد أركون أنّ "الثقافة الأنثربولوجية هي وحدها القادرة على التحرّر من العقبات الذهنية التي يعزوها إلى العقائد التقليديّة، أو إلى المبادئ الإيديولوجيّة، التي تريد حسب اعتقاده احتكار السلطة على العلمنة وعلى استخداماتها" (فاطمة العلمي، 2018، ص: 67).

ويتبيّن لنا من خلال هذا الدافع أنّ أركون يقرّ بتبنّي الفكر الغربي الحداثي للمنهجيات العلميّة في دراسة منظوماته الدينيّة، والتي يرى فيها طريقًا أمثل للخلاص من سيطرة الايديولوجيات الدينيّة من جهة، إلّا أنّه يؤكّد على الصعيد ذاته على استمرار هيمنة الإيديولوجيّة الدينيّة على الفكر الغربي المعاصر من جهة أخرى، والسؤال الملح في هذا، أين ثمار المنهجيّة الأنثربولوجية التي يأملها أركون في تجاوز هذه السيطرة التي تفرضها العقائد الدينيّة في الفكر الغربي إذن؟ وبعبارة أخرى كيف لمنهجيّة أنثربولوجيّة لم تضمن للفكر الحداثي الغربي (وهو الذي نبتت فيه) التحرُّر من عقبة منظومته اللاهوتيّة، أن يضمن للفكر الإسلامي اجتياز السياج الديني المحيط به؟  

4/ ضمور(اضمحلال) الأنسنة

تعدّ الأنسنة مفصلًا هامًّا من مفاصل المشروع النقدي الذي يتّجه محمّد أركون إلى تفعيله، "ويرادف هذا المصطلح أي "الأنسنة" العديد من المصطلحات وهي النزعة الإنسيّة، والأنسانويّة والتي تأتي في اللغة العربيّة كترجمات للمصطلح الفرنسي«Humanisme» والتي تعني في اللّاتينيّة "تعهّد الإنسان لنفسه بالعلوم الليبرالية التي بها يكون جلاء حقيقته كإنسان متميّز عن سائر الحيوانات"(مصطفي كيحل، 2011، ص: 55).

"وقد قامت الأنسنة عند محمّد أركون على الإنسان عنوانًا ومرجعًا، وجعلت من إحلال الرؤية الإنسانيّة للإنسان والعالم من حولها ديدنها، ومشغلها الذي تسير إليه، منشئة بذلك علاقة جديدة بين الإنسان والنصوص، شرطها الأساس تحرير العقل الإنساني- وأساسًا العربي- حتى يقرأ وينتج ويؤوّل بعيدًا عن كلّ محدّدات أو ضوابط تعيقه" (عبد المنعم شيحة، 2018، ص: 05.).

"وعلى هذا الأساس يرى محمّد أركون في الأنثروبولجيا -باعتبارها منهجًا إناسيًا يجعل من الإنسان مدخلًا للدراسة والبحث-طريقًا وتوجّهًا موصلًا لمبدأ الأنسنة، فهي الكفيلة "بجعل العقل الإنساني في مرتبة الحاكم الأوّل، وصاحب السلطة في كلّ ما يتعلّق بمعارفه ومساعيه وإنجازاته وآماله" (محمّد كيحل، مرجع سابق، ص: 52).

وليس من المغالاة إذا قلنا إنّ "الهاجس الذي حرّك  أركون في دراسته للأنسنة هاجسًا ابستيمولوجيًّا بالأساس، مستمدًّا من معرفته الدقيقة بتاريخ هذه الحضارة، وحضور الأنسنة فيها في برهٍ أساسيّة من تاريخها، وهو الحضور الذي ظلّ ملهمه، على الرغم من انطفاء جذوته، ونسيان كثيرين له، لذلك يتساءل بمرارة في كتابه "نزعة الأنسنة في الفكر العربي" عن سبب ازدهار النزعة الإنسانيّة أثناء العصر الكلاسيكي، ثمّ انقراضها بعد ذلك من ساحة المجتمعات الإسلاميّة والعربيّة، وعن هذا القدر التراجيدي الذي أصابها، فجعلها تختفي وتموت" (محمّد أركون، 1997، ص: 10).

وعليه فإنّ هذا التساؤل الذي ما ينفكّ يؤرّق مخيّلة أركون، حول عوامل اضمحلال المبدأ الإنساني، وعن إمكانية استعادة مكانته، يعدّ ولا شكّ من أهمّ الدوافع التي جعلت أركون يقحم الممارسة الأنثربولوجيّة على الظاهرة الدينية والظاهرة القرآنية بشكل أخصّ، آملًا في تجسيد مراميه وطموحاته النقديّة على أرض الواقع.

خامسا: ضرورة التلازم بين الظاهرة القرآنيّة والمنهجيّة الأنثربولوجيّة من منظور محمّد أركون

دعا محمّد أركون إلى الانطلاق من الظاهرة القرآنية في مشروعه النقدي، وأكّد على ضرورة تناول الظاهرة القرآنيّة من منظور أنثربولوجي، فما الذي يقصده أركون بالظاهرة القرآنيّة؟ وما مقوّمات ومقاصد القراءة الأنثربولوجيّة لهذه الظاهرة من منظوره؟  

في مفهوم الظاهرة القرآنيّة عند محمّد أركون

1/ مصطلح الظاهرة عند محمّد أركون

لم يحدّد محمّد أركون طبيعة مصطلح الظاهرة، إن كان "مصطلحًا سوسيولوجيًا، أوأنثروبولوجيًّا، أو لاهوتيَّا، أو ثقافيًّا، أو فلسفيَّا، أو نصنّفه على المعنى الكلاسيكي" (أنظر: عبد الجبار الرفاعي، 2015، ص:20) وإنّما عرّفه انطلاقا من توجّه فلسفي، ذهب من خلاله إلى أنّه"يعتمد على المنهاج الفينومينولوجي10؛ بمعنى"الفينومن" باللغة اليونانيّة، يعني شيء يظهر أمامك، ما كنت تنتظره، ولا رأيته في حياتك، مفاجئًا، مدهشًا، غير منتظر، مركّبًا، يبعث قلقًا في قلبك، يعني كأنّه صاعقة، أو عاصفة، أو إعصار"(عبد الجبار الرفاعي، مرجع سابق، ص: 21).

2/ الظاهرة القرآنيّة بالمعنى الإضافي: عرّف محمّد أركون "الظاهرة القرآنية" بقوله: "أقصد القرآن كحدث يحصل لأوّل مرّة في التاريخ، وبشكل أدقّ أقصد ما يلي: التجلّي التاريخي لخطاب شفهي في زمان ومكان محدّدين تمامًا، (الزمان هو بداية التبشير، والبيئة الاجتماعيّة – الثقافيّة التي ظهر فيها في الجزيرة العربيّة، وألحّ هنا على الطابع الشفهي للقرآن في البداية، لأنّه لم يكتب، أو لم يدوّن إلّا فيما بعد" (محمّد أركون، د.س.ن، ص: 186).

وفصّل هاشم صالح مقصود أركون من إطلاقه لمفهوم "الظاهرة القرآنيّة" بقوله: "يستخدم محمّد أركون مصطلح الظاهرة القرآنيّة أو الحدث القرآني"Le fait coranique"، وليس القرآن، للدلالة على تاريخيّة هذا الحدث، المقصود أنّه حدث لغوي، وثقافي وديني، يستخدم مرجعيات تعود إلى القرن السابع الميلادي في الجزيرة العربيّة، ولا يفهمها جيّدًا إلّا من عاش في ذلك العصر، أو درسه من الداخل، والحدث القرآني هو انبجاس لغوي رائع وأخّاذ، ومفتوح على العديد من المعاني والدلالات؛ لأنّه يستخدم لغة رمزيّة مجازيّة في معظم الأحيان" (تعليق هاشم صالح، ص: 186).

وتتجسّد معالم المنهجيّة الأنثربولوجيّة عند أركون واضحةً انطلاقًا من تمييزه بين القرآن والظاهرة القرآنيّة، وتفضيله لمصطلح "الظاهرة القرآنيّة" على "القرآن"؛ لأنّ هذا الأخير يعدّ -في نظره- "كلمة مشحونة إلى أقصى الحدود بالعمل اللاهوتي، والممارسة الطقسيّة الشعائريّة الإسلاميّة، والتي استمرّت مئات السنين؛ بحيث يصعب استخدامها كما هي" (محمّد أركون، مصدر سابق، ص: 29).

وعليه فبموجب مسلّمات المنهجيّة الأنثربولوجيّة التي ينوي محمّد أركون تفعيلها على الظاهرة القرآنيّة، ينبغي استبعاد كافّة مظاهر التعالي والفوقيّة الملازمة لمصطلح" القرآن"، والتركيز فقط عليه من حيث هو وعاءٌ يختزن في جوهره "مادته اللغويّة، وتراكيبه النحويّة والمعنويّة، ومرجعياته التاريخيّة المرتبطة ببيئة شبه الجزيرة العربيّة" (أنظر: تعليق هاشم صالح، ص: 29.). 

سادسًا: مقوّمات القراءة الأنثربولوجيّة للظاهرة القرآنيّة عند محمّد أركون

في اتّجاهه لصياغة منهجيّة أنثربولوجيّة في التعامل مع الظاهرة القرآنيّة، وضع محمّد أركون جملة من المبادئ والمقوّمات، جعلها مدخلاً ضروريًّا لا غنًى عنه في مباشرة الممارسة الأنثربولوحيّة للظاهرة القرآنيّة، وتتمثّل تلك المبادئ فيما يلي:

1/  أشكلة مفهوم الوحي وتوسيع دائرته: تقوم المنهجيّة الأنثربولوجيّة التي بلورها محمّد أركون على مبدأ "الأشكلة"11، أو الطرح الإشكالي لمفهوم الوحي؛ حيث  يتمّ طرح كلام الله/ الوحي طرحًا إشكاليًّا في ضوء التوجّهات التي فتحها العلم المعاصر، لتفكيك وتجاوز الطرح "الساذج" والبديهي المرسّخ من قبل التفسير الموروث" (محمّد كنفودي، 2015،ص:44)، ولم تقف المنهجيّة الأركونيّة عند مبدأ الطرح الإشكالي لمفهوم الوحي والقرآن، وإنّما تستدعي الأشكلة –من منظوره- "توسيع ذلك المفهوم الذي ضيّقته القراءة الدينيّة، ليصبح منحصرًا فيما ورد في القرآن الكريم وحده، لأنّ المفسّرين والمتكلّمين والفقهاء انفصلوا عن القراءة التاريخيّة للوحي، واكتفوا بالقراءة اللّاهوتيّة الأرثوذوكسيّة بالمعنى السنّي والشيعي والخارجي"(محمّد أركون، القرآن، مصدر سابق، ص: 09)، ويتّجه هذا المبدأ بشكل أساسي إلى "إزاحة  طابع التقديس" عن النص القرآني، وربطه بشروطه التاريخيّة واللغويّة والثقافيّة من جهة، كما يسعى من جهة أخرى إلى "نزع الأدلجة" عن كلّ تركيباته الفكريّة والعقائديّة .." (محمّد الأندلسي، 2011، ص: 109)، ولأجل بلوغ هذه المسعى الذي يتطلّع إليه أركون في مشروعه النقدي للظاهرة القرآنيّة ينبغي – من منظوره- "الاعتماد على الأنثربولوجيا كفضاء معرفي يستعان به في بيان علاقة النصّ بالثقافة، ويوظّف آلياتها لمعرفة طبيعة علاقة النصّ باللغة، فيدرس النصّ المقدّس كأيّ نص بشري" (ليندة صيّاد، د.س.ن، ص:17).

ويتضمّن الطرح الإشكالي للقرآن عدّة تساؤلات، يراها محمّد أركون ضروريّة لاقتحام الظاهرة القرآنيّة، وتأسيس مقاربات جديدة لها – وفي مقدّمتها المقاربة الأنثربولوجيّة- وتتمثّل هذه التساؤلات فيما يلي: (محمّد كنفودي، مرجع سابق، ص: 44-45)

  • هل النص القرآني حافظ ويحافظ على صفة كلام الله منذ زمن النزول وإلى اليوم، أو حصل تلاعب به زيادة أو نقصانًا؟
  • هل النصّ القرآني يستمرّ بالصفة الفوق تاريخيّة، عبر السياقات الاجتماعيّة الأكثر تنوّعًا؟
  • هل كان حرص التفاسير المتوفّرة حاليًا يتركّز على التوصّل إلى المعنى الحقيقي والنهائي للنصّ القرآني، أو ترسيخًا لتوجّه مذهبي إيديولوجي؟
  • كيف يتعيّن قراءة العلاقة بين الوضع التاريخي للإنسان، والوساطة المحتومة للغة، من أجل الاضطلاع بهذا الوضع، ثمّ الحنين الجارف والعنيد إلى المعنى النهائي والأخير..." (محمّد كنفودي، ص: 110).

2/ التخلّص من هيبة وقداسة النص القرآني:لا تتأسّس القراءة الأنثربولوجيّة التي يسعى محمّد أركون إلى تدشينها إلّا من خلال زعزعة ذلك التسليم المطلق الذي يبديه المسلمون تجاه كتابهم، بعلويته وسيادته "فإذا كانت المبادئ التي تحكّمت في التراث التفسيري التقليدي للقرآن في -اعتقاد محمّد أركون- عبارة عن مسلّمات لاهوتيّة تؤدّي إلى «أسطرة» العبارات القرآنيّة؛ حيث تعمل على تضخيمها، ورفعها إلى مرتبة التعالي المقدّس، لكي تفقد  كلّ صفة تاريخيّة، أو كلّ علاقة بالظروف التاريخيّة التي ظهرت فيها" (محمّد الأندلسي، مرجع سابق، ص: 109)، ومن هنا فإنّ مهمّة محمّد أركون عبر هذه القراءة الأنثربولوجيّة التي ينشدها هي إعادة تفكيكه وتحليله على النحو الذي"يؤدّي إلى انخراطه في التاريخ الأرضي، وبالتالي اقتلاعه تدريجيًّا من ذروة تعاليه" (محمّد أركون، 2007،ص: 88).

ومن هذا المنطلق يستبعد محمّد أركون إمكانية تحقّق مساءلة أنثربولوجيّة للظاهرة القرآنيّة، ما لم ينزع القارئ عن خلفياته مسلّمة قداسة وهيبة النصّ القرآن، لذلك يقترح علينا في هذا الشأن" إعادة النظر بكلّ تقييماتنا وتصوّراتنا المتعلّقة بمنشأ الثقافة ووظيفها، وعندئذٍ سوف تنزاح هذه الأنظمة الثقافيّة الكبرى المتمثّلة في الأديان دائرة التعالي والأنطولوجيا والتقديس والغيب باتّجاه الركائز والدعامات المادّية والعضويّة التي لا يزال العلم الحديث يواصل استكشافها" (محمّد أركون، مصدر سابق، ص: 26).

3/ مبدأ التعالق النصّي: إنّ اطّلاع أركون الواسع وتشبّعه من الثقافة الغربيّة ونظريّاتها، لا سيّما في مجال اللسانيات والنقد الثقافي والأدبي، خوّل له استرفاد العديد من المصطلحات والنظريات، التي تثري مشروعه النقدي وإسلامياته التي ينشدها ومن ذلك "التناص"12، حيث استدعى محمّد أركون هذه النظريّة (أي التناص) (أشار إلى مبدأ التناص الدكتور محمّد كنفودي، أنظر: ص: 45، 90) ، واعتبرها منطلقًا أساسيًّا في مشروعه النقدي للقرآن، واعتبر"أنّ نصًّا ما- كالنّص القرآني مثلًا- قد يتأثّرُ بالعديد من النصوص السابقة له، كالنصّ التوراتي أو النصّ الإنجيلي، بل وحتّى ما قبل التوراة والإنجيل، وهكذا تتداخل هذه النصوص- أو مقاطع منها- مع النصّ القرآني، ويستوعبها هذا الأخير حتى تصبح جزءًا لا يتجزّأ منه، وهذا لا يعني التقليد كما يتوهّم بعضهم، وإنّما يعني التفاعل والاستيعاب، والدمج المبدع الخلّاق" (تعليق هاشم صالح، محمّد أركون، القرآن من التفسير الموروث إلى تحليل الخطاب الديني، ص: 40).

فبفضل محتوى هذه النظريّة"أي التناص"يتسنّى لنا – حسب أركون-  التغلغل في كافّة النصوص التأسيسيّة على عكس ما يذهب إليه "الفيلولوجيون التاريخيون الذين يتمسّكون بنظريّة معروفة عن الأصالة والابتكاريّة الأدبيّة والعقائديّة، وهذه النظريّة تمنع علميًّا عمل عادة الخلق والإبداع لشيء جديد انطلاقا من مواد متبعثرة مستمدّة من التراثات السابقة، أمّا الألسنيات الحديثة، وعلم السيميائيات، فيتيح لنا اكتشاف الحيويّة الخاصّة بكلّ نصّ يعيد مزج واستخدام العناصر المتفرّقة والمستعارة والمقتلعات من سياقها النصّي السابق، وذلك ضمن منظورات جديدة، ويمكننا بهذا الصدد أن نبيّن في كلّ قصّة رواها القرآن كيف أنّ الخطاب السردي يفتتح تجربة جديدة للتألّه عن طريق استخدام المواضيع والمشاهد وحتّى المفردات المستعارة من نصوص سابقة"(محمّد أركون، مصدر سابق، ص: 144-145).

ويتجلّى ذلك واضحًا -حسب أركون- في العديد من المواضع والآيات القرآنيّة فمثلًا في قوله تعالى: «وَعَلَّمَ ءَادَمَ ٱلۡأَسۡمَآءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمۡ عَلَى ٱلۡمَلَٰٓئِكَةِ فَقَالَ أَنۢبِ‍ُٔونِي بِأَسۡمَآءِ هَٰٓؤُلَآءِ إِن كُنتُمۡ صَٰدِقِينَ ٣١» (البقرة الآية-31-"يعتبر أركون أنّ القرآن قد استعار هذه الآية من التوراة، فقد ورد في التوراة في سفر التكوين: "وجبل الربّ في الأرض كلّ حيوانات البريّة، وكلّ طيور السماء، فأحضرها إلى آدم ليرى ماذا يدعوها، وكلّ ما دعا به آدم ذات نفس حيّة فهو اسمها فدعا آدم بأسماء جميع البهائم، وطيور السماء، وجميع حيوانات البريّة"، ولكن القرآن لم يتعرّض للتفاصيل كما يرى محمّد أركون" (أحمد فاضل السعدي، 2012، ص: 500).

ومن أبرز الأمثلة التي برهن محمّد أركون من خلالها على وجود تداخليّة نصّية بين نصوص القرآن وغيره من النصوص المقدّسة الأخرى"سورة الكهف"، والتي تجسّد في نظره"مثًالًا ساطعًا على ظاهرة التداخليّة النصّانيّة، الواسعة والموجودة والشغّالة في الخطاب القرآني، فهناك ثلاث قصص هي قصص: أهل الكهف، وأسطورة غلغاميش، ورواية الاسكندر الأكبر، وجميعها تحيلنا إلى المخيال الثقافي المشترك والأقدم لمنطقة الشرق الأوسط القديم، وهي جميعها ممزوجة أو متداخلة في سورة واحدة من القرآن هي سورة(الكهف) لكي تدعّم وتجسّد الشيْ ذاته، وهو الرسالة الإلهية الخالدة"(محمّد أركون، مصدر سابق، ص: 40).

والمتمعّن في طرح أركون بخصوص مبدأ التعلق النصّي يتبيّن له أنّه وإن كان يختلف مع أعلام الإستشراق فيما يتعلّق بمنهجيّتهم الفيلولوجيّة في بحث تلك التعالقات بين النصوص المقدّسة( التوراة، الإنجيل، القرآن) وحدود ذلك التعالق، إلّا أنّه لا يتباين معهم في الغايات والمقصديات التي يتّجهون إليها من القول بـ"التناصيّة"؛ حيث سيفضي القول بهذه النظريّة- من قبله-  في نهاية المطاف إلى تأكيد دعوى أقرّها رؤوس الخطاب الاستشراقي، فإذا كان أعلام الإسلاميات الكلاسيكيّة لجأوا إلى الممارسة الفيلولوجيّة المقارنة بين النصوص "والتحقّق من صحّتها، وصحّة نسبتها، والتأكّد من معاني كلماتها، ومقارنة النسخ المختلفة للنّص نفسه، بعضها بالبعض الآخر" (محمّد أركون، مصدر سابق، ص: 213)، فإنّ أركون يرفض ويتجاوز تلك المقارنة التي تكرّس للتفاضليّة بين النصوص الدينيّة، وهو ما قاده إلى التسليم بمبدأ المساواة النصوصيّة وهو ما سنورده فيما يلي:ستاذتهااس

4/ مبدأ التسوية النصّية: إنّ الانخراط في قراءة أنثروبولجية للظاهرة القرآنيّة -في نظر محمّد أركون- لا يتحقّق إلّا من خلال القول بمبدأ التسوية النصّية (يعدّ مبدأ التسوية النصّية من مبادئ القراءة الأركونيّة التي وضعها محمّد كنفودي، أنظر: ص: 43، 83) وذلك من زاويتين:

أوّلا: تسوية القرآن مع النصوص المقدّسة الأخرى: وذلك من خلال دحض مبدأ التفاضل بين النصوص الدينيّة المختلفة خاصة (الأديان التوحيديةّ الثلاثة الكبرى)، واعتبار نصوص القرآن مع نصوص اليهوديّة والإسلام في كفّة واحدة، دون ترجيح إحداهما على الأخرى، وإنّما التزام الحياديّة التي تقتضيها المنهجيّة العلميّة الحديثة في مساءلة النصوص ونقدها " فأركون يعتبر بأنّ الانطلاق من "مبدأ التفاضل بين النصوص" هو بقدر ما ينتمي إلى النظام المعرفي القروسطي، وهو أيضا من إيحاءات استحضار مبدأ قائل/ مؤلّف النص، وهذا الحكم المسبق حائل دون الاستكناه الموضوعي للقرآن، لذا تعيّن التخلّص منه، حتى تتمّ قراءة النص القرآني بنفسه " (محمّد كنفودي، مرجع سابق، ص: 89-90.).

ومن هنا فإنّ المنهجيّة الأنثروبولجية التي يسعى محمّد أركون إلى تفعيلها في مشروعه النقدي، لن تتجسّد واقعيًّا ما لم نتعامل مع النصوص الدينيّة بمبدأ المماثلة في تفكيكها وتحليلها، والابتعاد عن التحيّز وتفضيل نصوص عن الأخرى.

ثانيا: تسوية القرآن بغيره من النصوص البشريّة الأخرى: إنّ القول بمبدأ التسوية النصّية لا يتعلّق بالقرآن وغيره من النصوص الدينيّة الأخرى فحسب بل هو – في نظر محمّد أركون- يتعلّق أيضًا بالنصوص البشريّة الأخرى؛ حيث اعتبر "النص القرآني نصًّا لغويًّا محضًا، مثله مثل باقي النصوص؛ لأنّ بذلك الاعتبار يتحرّر القاريْ من أسر هيبته الدينيّة، التي تفرض على القاريْ معاني وإيحاءات مسبقة، تعيق الوصول إلى كنه المعنى الحقيقي الموضوعي له.." (محمّد كنفودي، المرجع نفسه، ص: 43).

وعلى الرغم من الالتزام العلمي الذي يتقيّد به أركون من خلال صياغته لهذا المبدأ، إلّا أنّه ينبغي الإقرار بصعوبته تطبيقه وتحقّقه على أرض الواقع، فمتى سلّمنا بمبدأ تساوي نصوص التوراة والإنجيل مع بعضها، أو تساوي نصوص الأناجيل فيما بينها على الأقلّ عبر مراحل ظهورها، واختلاف كتبها ونسخها، لنسلّم بمبدأ مساواة القرآن مع غيره من النصوص، فضلًا عن مساواته بالنصوص البشريّة الأخرى؟    

5/ مبدأ استحالة التأصيل: ويلزم من خلال اعتبار النصّ القرآني نصًّا متساويًا مع النصوص الأخرى سواء كانت الدينيّة أو الإنسانيّة استحالة ردّه- في اعتقاد محمّد أركون-  إلى أصوله والعثور على البدايات الأولى لظهوره، ممّا يجعله مستوجبًا للنقد والتأويل اللانهائي واللامحدود، "فأركون يتعامل مع النصّ القرآني بدون استحضار قائله، فتجده لا يقول: قال تعالى، بل يقول: جاء في القرآن، أو تقول الآية، تقول السورة، جاء في المصحف..." (محمّد كنفودي، المرجع نفسه، ص: 88).

ويتبيّن ممّا سبق أنّ محمّد أركون قبل شروعه في قراءة الظاهرة القرآنيّة من منظورٍ أنثربولوجي نجده قد وضع أسسا ومقوّمات صارمة لمباشرة نقد وقراءة المادة المدروسة (أي نصوصالقرآن)، في حين أنّه تجاهل صياغة مبادئ وأسس للمنهجيّة المطبقّة والمتمثّلة في(الأنثربولوجيا)، وهذا لا شكّ سيوقعه في تناقض في نتائجه وأحكامه فيما بعد، ويجعل دراسته تجافي الموضوعيّة المطلوبة والتي يتطلّع إليها في أبحاثه ودراساته.

سابعًا: مقاصد القراءة الأنثربولوجيّة من منظور محمّد أركون

اتجه محمّد أركون - من خلال تنصيبه للأنثربولوجيا ودعوته للاعتصام بها كمنهجيّة علميّة نقديّة في قراءة الظاهرة القرآنيّة- إلى تحقيق جملة من المقاصد والغايات من أبرزها:

1/ تحرير وتحديث الوعي الإسلامي من الطابع اللاهوتي الكلاسيكي

 يراهن محمّد أركون من خلال دعوته الملحّة إلى توظيف المنهجيّة الأنثربولوجيّة على بلوغ مقصديّة هامّة تتمثّل- حسب نظره- في تحرير تصوّراتنا ووعينا من البطانة اللاهوتيّة الميتافيزيقية، والتي سُجِن الفكر الإسلامي في غياهبها منذ قرون عديدة،وقد صرّح في الكثير من المواضع  بهذه الغاية قائلًا: "إنّ كل دراساتي التحليليّة، وكلّ جهودي تهدف إلى شقّ الطرق، وتأمين شروط إمكانيّة وجود فكر إسلامي نقدي وحرّ، وأقصد بذلك الفكر الذي يطارد كلّ الاستخدامات الإيديولوجيّة داخل الفكر الديني، الذي يريد أن يكون منفتحًا وحرًّا" (محمّد أركون، الفكر الإسلامي، مصدر سابق، ص: 229)،  وعليه فإنَّ التسلّح بالمنهج الأنثربولوجي في قراءة الظاهرة القرآنيّة ونقدها؛ باعتبارها حجر الأساس الذي يشكّل منظومة الفكر الإسلامي يسهم- كما يرى أركون-  وبشكل  فعّال في التخلّص بشكل نهائي  من الانقياد والتبعيّة الفكريّة التي فرضتها الأنظمة الدينيّة الكلاسيكيّة على مسار الفكر الإسلامي، كما أنّ "الثقافة الأنثربولجيّة – في نظره- هي وحدها القادرة على تحريرنا من العقبات الذهنيّة المتمثّلة حتّى الآن بالعقائد التقليديّة، أو بالمبادئ الإيديولوجيّة" والتي تريد احتكار السلطة على العلمنة، وعلى استخداماتها"(محمّد أركون، 1995، ص: 42.) .

ومن هنا فمن غير الممكن- من منظور محمّد أركون-  أن يحقّق الفكر الإسلامي سيادته واستقلاله الفكري، الذي سلبته منه السلطة العقائديّة بكافّة أشكالها، من دون اللجوء إلى مقاربات علميّة تنطلق في مسارها التحرّري من الظاهرة القرآنيّة، وتستعين بالمنهجيّة الأنثربولوجيّة في مقدّمة تلك المقاربات التي يعتصم بها.

2/ اقتحام منظومة اللامفكّر فيه والمستحيل التفكير فيه:

لا يمكن تحرير وتحديث الفكر الوعي الإسلامي-كما يرى محمّد أركون- إلّا من خلال إعادة الاعتبار للتساؤلات والاستشكالات المهمّشة، والنبش عن المغيّبٍ والمسكوت عنه، والذي يتطلّب التوسّل بالمنهج الأنثربولجي؛ فهو الكفيل بـ"إغناء تاريخ الفكر عن طريق إضاءة الرهانات المعرفيّة والثقافيّة والإيديولوجية للتوترات الموجودة بين مختلف التيّارات الفكريّة.. وإيجاد حركيّة للفكر الإسلامي المعاصر، وذلك بتركيز الاهتمام على المشاكل التي كانت قد أقصيت والطابوهات(المحرّمات) التي أقامها، والحدود التي رسمها، والآفاق التي توقّف عن التطلّع إليها، وكلّ ذلك حصل باسم ما كان قد فرض تدريجيًّا بصفته أنّه الحقيقة الوحيدة" (محمّد أركون، مصدر سابق، ص: 13). 

3/ تقليص المسافة الإبستيمولوجية الفاصلة بين الفكر الغربي والفكر العربي

 من خلال إعادة الاعتبار للثنائيّة المغيّبة (اللامفكّر فيه والمستحيل التفكير فيه)13نتمكّن – حسب محمّد أركون- من تقويض الحواجز والسياجات، وتجاوز الفواصل المعرفيّة الموجودة بين العالم الإسلامي والحداثة الغربيّة، فالمنهجيّة الأنثربولوجيّة في -نظر أركون- تعمل على "تقديم قراءة نقديّة من شأنها أن تقلب معايير التعاطي مع هذا التراث في سبيل الانخراط في ركب الحضارة العالميّة، وعدم الاكتفاء بما أنجز من مئات السنين.." (نائلة أبي نادر، 2008، ص: 46).

لقد كانت مهمّة اجتياز الخط الفاصل، وتقويض كلّ أشكال التفاوت والتمايز بين الشرق والغرب، همًّا معرفيًّا شغل محمّد أركون طيلة مساره الفكري، بل وضعها على أنّها هدفٌ يسعى إليه قبل انطلاقه في رسم المعالم الكبرى لمشروعه النقدي "الإسلاميات التطبيقيّة"، فجعل بذلك من العلمنة الجسر الذي سوف يعبر به الفكر العربي والإسلامي إلى برّ الازدهار والتحضّر المعرفي الذي آلت إليه الحداثة الغربيّة؛ إذ إنّ " الإسلام في نظره ليس منغلقًا في وجه العلمنة، ولكي يتوصّل المسلمون إلى أبواب العلمنة فإنّ عليهم أن يتخلّصوا من الإكراهات، والقيود النفسيّة واللغويّة والإيديولوجيّة، التي تضغط عليهم وتثقل كاهلهم.." (محمّد أركون، 1996، ص: 59).

تلك الغاية التي لا يمكن للفكر العربي والإسلامي إدراكها إلّا من خلال "تحقيق نوعٍ عالٍ من الوعي الأنثربولوجي" (سعيد عبيدي،2017، ص: 03)، هذا الوعي- من منظور محمّد أركون هو الذي يدفعنا إلى تفجير ثورة تقتحم أسوار العقائد الدينيّة المنغلقة، وتحطّم وتسقط كافّة الجدران الصلبة التي أقامتها الإيديولوجيات التقليديّة، تمامًا كما حُطٍّمَ جدار برلين (أنظر: محمّد أركون، مصدر سابق، ص: 26)، واللجوء إلى طاولة مستديرة للحوار والتفاهم المعرفي والفكري يقول أركون: "إنّ الكلمتين المتقابلتين "شرق" و"غرب" تواصلان حمل الموروثات الخبيثة لذلك التاريخ الذي لا يكتب حتّى الآن وفق مناهج وتساؤلات أنثربولوجيا الماضي، وعلم آثار الحياة اليوميّة التي يمكنها أن تعيد أساسًا المشترك إلى المجتمعات التي فصّلت بعضها عن بعض تمثّلات ومعتقدات متخيّلة" (محمّد أركون،2008، ص: 44).

ولهذا فإنّ التعويل على الثقافة الأنثربولوجيّة-وفق ما يتأمله أركون- من شأنه أن يلغي تلك المركزيّة الغربيّة التي تجعل من الفكر العربي تابعًا لها، بدل أن تعدّه موازيًا لها ومتكافئًا معها، وشريكًا مماثلًا في تدشين حداثة وعلمانيّة عالميّة تسير على ساقين: ساق الفكر العربي وساق الفكر الغربي، ذلك أنّ الحداثة الغربيّة (الأوروبيّة) – كما يتصوّر أركون- باستبعادها للفكر العربي تكون بذلك قد أجبرت نفسها أن تسير عرجاء.

4/إرساء تاريخ مقارنة وحوار الأنظمة اللاهوتيّة

 بعد سعيه إلى تحقيق حوار حضاري بين الشرق والغرب على المستوى المعرفي تتجه  أطماع محمّد أركون إلى تأسيس حوار على مستوى أشمل وأعمق ألا وهو الحوار الديني؛ حيث جاءت أغلب عناوين مؤلّفاته معلنةً ومصرّحةً بهذا المقصد ومنها كتابه "نحو تاريخ مقارن للأديان التوحيديّة"، وكتابه "العلمنة والدين الإسلام والمسيحيّة والغرب"؛ حيث أراد من خلال إعطاء الأولويّة لخطاب الأنثربولوجيا في بناء مشروع لحوار والتقاء الأديان، خاصّة التوحيديّة لأنّه "إذا لم نعتنق منهجيات الأنثربولوجيا الاجتماعيّة والثقافيّة وتساؤلاتها وفضولها المعرفي، فإنّه من غير الممكن أن نقدّم تعليمًا علمانيًّا للأديان"(محمّد أركون، مصدر سابق، ص: 41).

5/ استعادة الأنسنة (النزعة الإنسيّة) في السياقات الإسلاميّة: وعد أركون من خلال إسلامياته التطبيقيّة بفتح أبواب الأنسنة العربيّة من جديد، واستعادة مقوّماتها داخل منظومة الفكر الإسلامي، والتي تجلّت وبرزت -على حدّ قوله-  في محطّات مشرقة من تاريخ الإسلام، واتّصفت بكونها "نزعة علميّة ذات تلوين علماني، وذلك في العصور الوسطى، ولكن هذه النزعة الإنسيّة أُجهِضَتْ بدْءًا من القرن الحادي عشر الميلادي لأسباب تاريخيّة يمكن تحليلها ومعرفتها" (محمّد أركون، مصدر سابق، ص:41).

ولن نتمكّن من معرفتها وتحليلها -في نظر محمّد أركون-إلّا من خلال الأخذ بناصيّة النقد الأنثربولوجي وتفعيله فهو المنهج الوحيد الذي يضمن"استعادة الفكر الإسلامي لنزعته الإنسيّة التي عدّت امتدادًا لما جاءت به النصوص المقدّسة.." (محمّد إدريس، 5يوليو/2018، ص:23).

وحده العلم الأنثربولوجي-حسب محمّد أركون-الذي بإمكانه اختصار العديد من المحطّات التي تبعدنا وتفصلنا عن تلك الخاصيّة المثلى التي أُطفِئ نورها من فكرنا الإسلامي، والتشبّث بالمنهج الأنثربولوجي-على حدّ قول محمّد أركون- "يخرج العقل من التفكير داخل السياج الدوغمائي المغلق إلى التفكير على مستوى أوسع بكثير، أي على مستوى مصالح الإنسان، أيّ إنسان كان وفي كلّ مكان.." (محمّد أركون، مصدر سابق، ص:06). 

إذن فقد سعى محمّد أركون منذ تولّيه مهمّة نقد الفكر الإسلامي أن يستعين بالأنثربولوجيا من حيث هي منهج، من أجل بلوغ"الأنسنة" من حيث هي غاية ومقصد ينشده.

6/ استبعاد كافّة أشكال العنف والتطرّف باسم الدين والحقيقة المطلقة

إذا حاولنا البحث عن نماذج لحدود المقاربة الأنثربولوجيّة للنصوص القرآنيّة نجد سورة التوبة من أبرز الأمثلة التي تجسّد وبوضوح انطلاقه في تطبيق لتلك القراءة؛ إذ يقف محمّد أركون عند تلك السورة وتحديدًا في آية السيف وقوله تعالى:﴿فَإِذَا ٱنسَلَخَ ٱلۡأَشۡهُرُ ٱلۡحُرُمُ فَٱقۡتُلُواْ ٱلۡمُشۡرِكِينَ حَيۡثُ وَجَدتُّمُوهُمۡ وَخُذُوهُمۡ وَٱحۡصُرُوهُمۡ وَٱقۡعُدُواْ لَهُمۡ كُلَّ مَرۡصَدٖۚ فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتَوُاْ ٱلزَّكَوٰةَ فَخَلُّواْ سَبِيلَهُمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٞ رَّحِيمٞ ٥﴾ (التوبة/5)

 حيث يرى أركون في هذه الآية "وجود ثلاث قوى أنثربولوجيّة متداخلة ومتفاعلة هي "العنف، التقديس، الحقيقة" (محمّد كنفودي، مرجع سابق، ص: 175وبيّن محمّد أركون سبب وقوفه عند الآية لأنّها- في نظره-" تشكّل بالنسبة لسورة التوبة الذروة القصوى للعنف الموجّه لخدمة المطلق (الله المطلق).." (محمّد أركون، مصدر سابق، ص:93).

وأراد محمّد أركون من خلال استشهاده بهذه الآية الاستدلال على جدليّة كلّ من "الحقيقة المقدّس العنف"، لأنّ" القرآن يستخدم فيها ألفاظًا جداليّة ومعياريّة تأسيسيّة في ذات الوقت، وهذه الألفاظ تعبّر عن الجدليّة الاجتماعيّة– التاريخيّة التي كانت جارية آنذاك بينه وبين المعارضين.. فهؤلاء رأوا في كلام محمّد شيئًا تفجيريًّا انقلابيًّا مزعزعًا لعقائدهم الراسخة منذ زمن طويل، إنّه يزعزع المعنى الذي كان يطمئنهم ويعيشون عليه أبًا عن جد منذ آلاف السنين" (محمّد أركون، 2011، ص: 209)

ثمّ يقترح أركون إعادة تأويل هذه الآية من جديد لأنّه- في نظره- "إذا لم يعدْ تأويل هذه الآية وربطها بسياق تاريخي محدّد مضى وانقضى فإنّها ستسجننا داخل الحروب الدينيّة للأبد، وإذا ما اعتبرنا أنّ هذه الآية صالحة لكلّ زمان ومكان فهذا يعني أنّه لا حلّ ولا خلاص، وسنظلّ نذبح بعضنا البعض لقيام الساعة (محمّد أركون، مصدر سابق، ص: 90).

ويخلص محمّد أركون من خلال هذه الآية أنّ العنف في المجتمعات الدينيّة مردّه تقديس الحقيقة الواحدة المطلقة والنهائيّة، واستبعاد كافّة الحقائق الأخرى، وطريق الحلّ -كما يرى أركون- يكمن في الشروع في استعادة تأويليّة لهذه الآية لأنّ ذلك التأويل الجديد سيمكّننا من تجاوز سياق العنف الذي وردت فيه الآية، وإبقائها في الدائرة الزمنيّة التي ظهرت فيها، وبالتالي حصر معناها في سياق معيّن ومحدّد انتهى عهده. 

من هنا كان لزامًا-في اعتقاد- أركون اللجوء إلى الأنثربولوجيا في دراسة الخطابات الدينيّة وعلى رأسها القرآن للحدّ من العنف الديني بكافّة أشكاله، ذلك أنّ "ممارسة التفكير الأنثربولوجي بكلّ آلياته وقواعده، سيمكّن العقل -في نظره- من الخروج من السياجات الدوغمائيّة المغلقة والابتعاد عن إنتاج خطاب الحقيقة والأحكام المترتبة عنه، كادعاء الدين الحقّ وتكفير وتضليل باقي الديانات، والخروج كليًّا من منطق الثنائيات التي تكرّس للعنف والعنف المضاد والدخول في منظومة تفكيريّة أساسها الأنسنة المنفتحة"14

خاتمـة

في ختام هذا البحث نخلص إلى جملة من النتائج نعرضها فيما يلي:

-تعدّ الأنثربولوجيا من أهمّ المنهجيات التي تضمّنها المشروع النقدي لمحمّد أركون" الإسلاميات التطبيقيّة" كما لا تقلّ المنهجية الأنثربولجيّة- باعتبارها طرحًا جديدًا في مساءلة الظاهرة الدينيّة- أهمّيةً عن سائر المنهجيات الأخرى (الألسنيّة اللغويّة والبنيويّة والتاريخيّة)، فهي توجّه يكمّل ويتكامل مع ثلّة المناهج التي يقترحها محمّد أركون من أجل تفسير جديد للظاهرة القرآنيّة.

  • إنّ سؤال الأنثربولوجيا يعدّ-في نظر محمّد أركون- من أكثر الأسئلة العلميّة تغييبًا وتهميشًا في ساحة الفكر العربي والإسلامي والذي أسّس- حسب أركون-  لقطيعة معه منذ قرون، انطلاقًا من السلطة والدوغمائيّة الدينيّة التي تمارسها المذاهب الإسلاميّة المختلفة ضدّ أيّة محاولة لتأسيس قراءة علميّة للنصوص القرآنيّة.
  • تشكّل الأنثربولوجيا –في منظور أركون- باعتبارها منهجًا إناسيًّا علميًّا-  وجهًا آخر لـ" الأنسنة" من حيث هي نزعة إنسانيّة جسّدت كما يعتقد أركون- المحطّة المضيئة والفريدة التي عرف فيها الفكر الإسلامي ازدهارًا علميًّا وحضاريًّا في كافّة المستويات، لكن سرعان ما انحرف عن مسارها وفقد الطريق نحو تلك المحطّة الحضاريّة الحافلة.
  •  إنّ قصور منهجيات الخطاب الاستشراقي في قراءاته العلميّة والنقديّة للنصوص المؤسّسة للتراث الإسلامي لا سيّما القرآن، وحفاظه على مقوّماته ومكتسباته المعرفيّة والمنهجيّة لفترة طويلة دون تطويرها أفضى – في نظر أركون-إلى اللجوء إلى خيار علمي ومنهجي بديل في النظر إلى النص القرآني ألا وهو "المنهج الأنثربولوجي" الذي يعدّ إعلانًا عن بداية مرحلة جديدة في التعاطي مع الظاهرة القرآنيّة.

- لا تتحقّق ممارسة القراءة الأنثربولوجية للظاهرة القرآنيّة عند محمّد أركون، دون الالتزام بمبدأ الطرح الإشكالي لمفهوم القرآن والوحي، وإزاحة نزعة التعالي والتقديس والفوقيّة الملازمة للنصّ القرآني كمرحلة أولى، ثمّ التسليم بِرُكْنَيْ: "التداخليّة والتسوية النصوصيّة".

-  يأمل أركون من خلال توظيف المنهجيّة الأنثربولوجيّة في مقاربة الظاهرة القرآنيّة إلى تقويض التوتّرات والصدامات اللاهوتيّة الحاصلة بين الأديان التوحيديّة الثلاث، ولم لا تأسيس علم مقارنة وحوار الأديان في العالم.

- من خلال الاعتصام بالمنهج الأنثربولوجي في قراءة الظاهرة القرآنيّة يتمكّن الفكر الإسلامي – حسب أركون- من استعادة نزعته الإنسيّة التي فقدها في مسارات طويلة منه، فالأنثروبولوجيا هي السبيل الوحيد للفكر الإسلامي من أجل التصالح مع تلك المحطّات والأمجاد المضيئة من جديد.

-  إنّ أركون - وعلى الرغم من تبحّر ه في علوم الإنسان وفي مقدّمتها الأنثروبولوجيا إلّا أنّه لم ينبّه إلى صعوبة ممارسة المنهج الأنثربولوجيّ كمنهج له بيئته وخصوصياته وآلياته المتعدّدة والمتشعّبة على نص قرآني له خصوصياته أيضًا كنص يختلف تمامًا على النصوص البشريّة والدينيّة الأخرى.

توصيات البحث

في الأخير لا يمكننا ادعاء الإحاطة الشاملة بالموضوع فلا تزال جوانب عدّة منه، ومجالات مختلفة، ومناخات شاسعة، تحتاج إلى بحث وتأمّل وتعمّق بقدرٍ حاجة المشروع النقدي لأركون بكافّة منهجياته وآلياته إلى إعادة قراءته، واستمراريّة استنطاقه، ومحاولة اكتشاف خفاياه وأبعاده وحدوده.

  1. الميثولوجيا: هي الأسطورة أو العلم الذي يختصّ بالأساطير أو القصص الأسطورية سواء التي تتعلّق بالشعوب القديمة أو التراثات الدينيّة.
  2.  الإسلاميات التطبيقيّة: هي مفهوم يقابل مفهوم "الإسلاميات الكلاسيكيّة" صاغه محمّد أركون بالإستناد إلى مفهوم" الأنثروبولوجيا التطبيقيّة"الذي هو عنوان لكتاب صدر عام 1971لعالم الإجتماع الفرنسي روجر باستيد ROGER BASTIDEوهي كما يعرّفها أركون   عبارة عن" منهجيّة متعدّدة الإختصاصات والعلوم وهي وحدها القادرة على تقديم مفتاح الفهم لحركة المجتمع والفاعلين الاجتماعيين داخله " أنظر محمّد أركون، الفكر الأصولي واستحالة التأصيل، نحو تاريخ آخر للفكر الإسلامي، ترجمة: هاشم صالح، ط1، دار الساقي، بيروت، لبنان، 1999،  ص: 298.

- مفهوم الخطاب من المفاهيم الواسعة الدلالات سواء في المعاجم القديمة أو الحديث، العربية أو الغربيّة، وتختلف تعريفاته بحسب التخصّصات والمجالات العلميّة؛ حيث يأتي الخطاب في المعاجم الحديثة بمعنى الحديث أو القول، ومن هذه التعريفات:

  1. 1/ الخطاب هو إيصال المعنى إلى السامع عن طريق الكلام، أنظر: الخولي محمّد علي، معجم علم اللغة النظري، مكتبة ناشرون، بيروت، لبنان، (د.ط.ت)، ص: 103.

2/ والخطاب في الثقافة الغربية الحديثة عرف- كغيره من المصطلحات- شيئا من الضبابية والانفلات الإصطلاحي؛ فهو لا يزال محور الجدل بين الباحثين في إيجاد صيغة تعريفيّة له لتعدّد حقوله المعرفيّة واتجاهاته البحثيّة في الفكر المعاصر، فقد جاءت جلّ الخطابات خاضعة للمعارف التي تستخدمها فيها: (كالخطاب الأدبي، والخطاب الإعلامي، والخطاب السياسي، والخطاب الديني، والخطاب القرآني... وغيرها من الخطابات المعتمدة، أنظر: رزايقيّة محمود، الخطاب القرآني، قراءة في المشروع الفكري، لحمّد أركون، مجلّة دراسات إنسانية واجتماعيّة وهران، عدد9/ جانفي2019، ص: 05.

  1.  وهي مسألة أشار إليها الكثير من المثقّفين قبل أركون أمثال طهطاوي، خير الدين التونسي، زكي نجيب محمود.
  2. محمّد أركون نحو تاريخ مقارن للأديان التوحيديّة، ترجمة وتقديم، ط1، هاشم صالح، دار الساقي، بيروت، لبنان، ط1، 2011، ص: 198.
  3.  الخطاب القرآني: هو  أحد المصطلحات التي يوظّفها أركون ويفضّل استعمالها على غرار " الظاهرة القرآنيّة" و"الحدث القرآني"  بدل القرآن و"النصّ القرآني" عندما يتحدّث أو يصف المرحلة الأولى للتلفظ به من فم الرسول عليه الصلاة والسلام ويقصد بها مجموعة العبارات الشفهيّة والتي كان يتلفظ بها الرسول – صلى الله عليه وسلّم- زمن النزول، في ضوء حيثيات لفت خطابه، ولم تنقل إلينا بحذافيرها" أنظر: محمد أركون، الفكر الإسلامي نقد واجتهاد، ص: 89، و97،  ويتميّز الخطاب القرآني عن الخطابات الأخرى  - في نظر محمّد أركون- بأنّه خطاب ذو بنية انقلابيّة ثوريّة ، وخطاب ذو بنية متجانسة، خطاب ذو بنية شاعريّة، خطاب ذو بنية أسطوريّة ، خطاب ذو بنية صراعيّة، خطاب ذو بنية سرديّة، أنظر: محمّد كنفودي، القراءات الجديدة للقرآن الكريم، ص: 116، 118، 120، 121، 122، 123.
  4. الإثنولوجيا(Ethnology): فرع من فروع الأنثربولوجيا يعنى بالدراسة التاريخيّة والمقارنة للثقافات أو الشعوب، تمثّل السلالة وحدة الدراسة الأساسيّة فيها.. ويستخدم مصطلح الإثنولوجيا بدلًا من الأنثربولوجيا في عديد من الدول الأوروبيّة، وخاصّة دول شرق أوروبا؛ حيث يعتقد أنّه لا يمكن أن يكون علم عام لدراسة الإنسان دون الدراسة التاريخيّة المقارنة للشعوب أنظر: شارلوت سيمور سميث، موسوعة علم الإنسان المفاهيم والمصطلحات الأنثروبولوجيّة، ترجمة: مجموعة من أساتذة علم الاجتماع، ط2، مركز الإنماء القومي، القاهرة، 2009، ص:69.
  5. الأركيولوجيا: مصطلح وظّفه الفرنسي ميشال فوكو وقد بيّن مقصوده من هذا المصطلح بقوله:" لقد استعملت هذا اللفظ للدلالة على وصف الوثيقة، ولم أقصد به مطلقًا اكتشاف بداية ما أو الكشف عن عضام رميمة، أنظر ميشال فوكو، "مفهوم الأركيولوجياL’Archeologie du savoire"، ترجمة: الطاهر وعزيز، مجلة " المناظرة"، الرباط، المغرب، العدد5،السنة الثانية، ماي 1991، ص: 128.
  6. الفيلولوجيا: Philologie)(لفظ يتألف من كلمتين من أصل إغريقي هما:Philos))وتعني:  المحبّ، و(logie) وتعني: اللغة والكلام، وبالتالي فأنّ أصحاب إذا أطلقوه لا ينصرف إلاّ على دراسة اللغتين الإغريقيّة واللاتينيّة من حيث قواعدهما، وتاريخ أدبهما، ونقد نصوصهما.. أنظر: صبحي الصالح، دراسات في فقه اللغة، دار العلم للملايين، بيروت، لبنان، ط2، 2009، ص:20، أمّا من الناحية الإصطلاحيّة: فقد عرّفه تمّام حسن بأنّه" دراسة النصوص القديمة من حيث القاعدة ومعاني المفردات وما يتّصل بذلك من شروح ونقد واستشارات تاريخيّة وجغرافيّة، أنظر: تمّام حسن، الأصول، عالم الكتب، القاهرة، ط2000، ص: 235.
  7. الفينومينولوجيا( phénoménologie) هو أن تساعد الشيء على الظهور وتمكينه من الإفصاح عن نفسه بغية إدراكه، وكأنّ "الفينومين" هو الشيء المنسحب والمتخفي، لهذا كان المنهج الفينومينولوجي يستجيب لمطلب إظهار المستتر في كنهه، أي إظهار المنسحب أو المنسي أو المقنّع، أنظر: لالاند أندري، موسوعة لالاند الفلسفيّة، ترجمة: خليل أحمد خليل، ط2، منشورات عويدات، بيروت، باريس، 2001، ص: 970،و الفينومينولوجيا  تعني: "هي منهج نقد المعرفة، وهي نظريّة عامّة في الماهية التي يدخل فيها علم ماهيّة المعرفة"، أنظر: إدموند هوسرل، فكرة الفيمينولوجيا، ترجمة: فتحي إنقزو، ط1، المنظّمة العربيّة للترجمة،2007، ص: 32.
  8. يعرّف هاشم صالح مصطلح «الأشكلة» بقوله: «problematisation» تعني: جعل الشيْ إشكاليًّا بعد أن كان بديهيًّا أو تحصيل حاصل؛ فالوحي مثلًا من لا يعرف الوحي؟ كلّنا نتوهّم أنّنا نعرف ما هو، ولكنّنا في الواقع حفظنا قصّته التقليديّن عن ظهر القلب، منذ أن كنّا أطفالًا، ثمّ يجيْ أركون لكي يؤشكله أي لكي يجعله إشكاليًّا، ويقدّم عنه صورة جديدة تمامًا، وهنا مصطلح آخر يجب التنبّه إليه وهو الزحزحة«deplacement» فأركون يزحزح المفهوم عن موقعه التقليدي الراسخ، ثمّ يفكّكه ثانيًا، لكي يتجاوز معناه التقليدي الراسخ ثالثًا، أنظر: تعليق هاشم صالح، كتاب" القرآن من التفسير الموروث إلى تحليل الخطاب الديني، ص: 28.
  9. التناص ترجمة للمصطلح الفرنسي«Intertextualité» ظهر هذا المصطلح بصفة جليّة مع التحليلات التحويليّة عند كريستيفا في النصّ الروائي حيث يعتبر التناص عند كريستيفا أحد مميّزات النصّ الأساسيّة، والتي تحيل إلى نصوص أخرى سابقة عنها، أو معاصرة لها، أنظر: سعيد علواش، معجم المصطلحات الأدبيّة المعاصرة عرض ونقد وترجمة، ط1، دار الكتاب اللبناني، بيروت، لبنان 1985، ص: 215.
  10. اللامفكّر فيه والمستحيل التفكير فيه هي مصطلحات خاصّة بالمتن الأركوني؛ ويقصد بها المشاكل التي استبعدها الفكر الإسلامي والتابوهات (المحرّمات) التي أقامها، والحدود التي خطّطها، والآفاق التي توقّف التطلّع إليها أو منع من التطلّع إليها كلّ ذلك باسم " الحقيقة الوحيدة المطلقة" أنظر: محمّد أركون الفكر الإسلامي قراءة علميّة، ص:253.

 

قائمة المراجع

  • أحمد فاضل السعدي، القراءة الأركونيّة للقرآن دراسة نقديّة، ط1، مركز الحضارة لتنمية الفكر الإسلامي، بيروت، لبنان، 2012.
  • إدموند هوسرل، فكرة الفيمينولوجيا، ترجمة: فتحي إنقزو، ط1، المنظّمة العربيّة للترجمة، بيروت، لبنان،2007.
  • تمّام حسن، الأصول،د.ط، عالم الكتب، القاهرة، 2000.
  • حسين فهيم، قصّة الأنثربولوجيا فصول في تاريخ علم الإنسان، سلسلة عالم المعرفة، عدد98، 1986.
  • رزايقيّة محمود، الخطاب القرآني، قراءة في المشروع الفكري، لحمّد أركون، مجلّة دراسات إنسانية واجتماعيّة وهران، عدد9/ جانفي2019.
  • رضوان جودت سعيد، سؤال التجديد في لخطاب الإسلامي المعاصر، ط1، دار المدار الإسلامي، بيروت، لبنان، 2004
  • رمزي بن حليمة، أركون ناقدًا للإستشراق، بحث منشور، مجلّة الكلمة،بيروت، لبنان، العدد97، 2017.
  • سعيد عبيدي، الأنسنة وفكّ الارتباط بالمقدّس في فكر محمّد أركون، بحث منشور، مؤسّسة مؤمنون بلا حدود، ماي 2017.
  • سعيد علواش، معجم المصطلحات الأدبيّة المعاصرة-عرض ونقد وترجمة-، دار الكتاب اللبناني، بيروت، لبنان، ط1، 1985.
  • شارلوت سيمور سميث، موسوعة علم الإنسان المفاهيم والمصطلحات الأنثروبولوجيّة، ترجمة: مجموعة من أساتذة علمالاجتماع، ط2، مركز الإنماء القومي، القاهرة، 2009.
  • صبحي الصالح، دراسات في فقه اللغة، ط2، دار العلم للملايين، بيروت، لبنان، 2009.
  • الطاوس أغضابنة، الخطاب الديني عند محمّد أركون من خلال مشروعه الفكري، رسالة دكتوراه، كليّة العلوم الإنسانيّة والاجتماعيّة، جامعة منتوري، قسنطينة، 2010/2011، غير منشورة.
  • عبد الجبار الرفاعي، الدين وأسئلة الحداثة (حوار مع محمّد أركون، مصطفى مليكان، عبد المجيد الشرفي وحسن حنفي)، ط1، مركز دراسات فلسفة الدين، بغداد، 2015.
  • فارح مسرحي، الحداثة في فكر محمّد أركون مقاربة أوّليّة، ط1، الدار العربيّة للعلوم، بيروت، لبنان، منشورات دار الاختلاف، الجزائر، 2006.
  • فاطمة العلمي، إشكالية المنهج في قراءة التراث الإسلامي عند مفكّري العرب المعاصرين، ط1، دار الكتب العلميّة، بيروت، لبنان، 2018.
  • لالاند أندري، موسوعة لالاند الفلسفيّة، ترجمة: خليل أحمد خليل، ط2، منشورات عويدات، بيروت، باريس، 2001.
  • ليندة صيّاد، إعادة قراءة النصّ القرآني وفق مقاربات محمّد أركون، بحث منشور، مؤمنون بلا حدود، د.ت ن.
  • محمّد إدريس، الإسلام وسلطة الفاعلين الاجتماعيين، قراءة في بعض أسس مشروع إعادة بناء العقل الإسلامي وحدوده، بحث محكّم منشور، مؤمنون بلا حدود،5يوليو/2018.
  • محمّد أركون الفكر الإسلامي قراءة علميّة، ترجمة، هاشم صالح، ط2، مركز الإنماء القومي، بيروت، لبنان، 1996.
  • محمّد أركون نحو تاريخ مقارن للأديان التوحيديّة، ترجمة وتقديم، ط1، هاشم صالح، دار الساقي، 2011.
  • محمّد أركون، الإسلام أوروبا والغرب رهانات المعنى وإرادات الهيمنة، ترجمة: هاشم صالح، ط2، دار الساقي، بيروت، لبنان، 2001.
  • محمّد أركون، العلمنة والدين، الإسلام والمسيحيّة الغرب، ترجمة: هاشم صالح، ط3، دار الساقي، بيروت، لبنان، 1996.
  • محمّد أركون، الفكر الإسلامي نقد واجتهاد، ترجمة: هاشم صالح، ط4، دار الساقي، بيروت، لبنان، 2007.
  • محمّد أركون، الفكر الأصولي واستحالة التأصيل، نحو تاريخ آخر للفكر الإسلامي، ترجمة: هاشم صالح، ط1، دار الساقي، بيروت، لبنان، 1999
  • محمّد أركون، القرآن من التفسير الموروث إلى تحليل الخطاب الديني، ترجمة هاشم صالح، ط1، دار الطليعة، بيروت، لبنان، 2001.
  • محمّد أركون، تاريخيّة الفكر العربي والإسلامي، ترجمة هاشم صالح، ط2، مركز الإنماء القومي، بيروت، لبنان، 1996.
  • محمّد أركون، تحرير الوعي الإسلامي نحو الخروج من السياجات الدوغمائيّة المغلقة، ترجمة: هاشم صالح، دار الطليعة، بيروت، لبنان، ط1، 2011.
  • محمّد أركون، جوزيف مايلا، من منهاتن إلى بغدادما وراء الخير والشر، ترجمة: عقيل الشيخ حسين، ط1، دار الساقي، بيروت، لبنان، 2008.
  • محمّد أركون، قراءات في القرآن، ترجمة هاشم صالح، ط1، دار الساقي، بيروت، لبنان، 2017.
  • محمّد أركون، قضايا في نقد العقل الديني- كيف نفهم الإسلام اليوم- ترجمة: هاشم صالح، ط3، دار الطليعة، بيروت، لبنان، 2004.
  • محمّد أركون، قضايا في نقد العقل الديني، ترجمة: هاشم صالح، دار الطليعة، بيروت، لبنان، د.ط، د.ت.
  • محمّد أركون، من فيصل التفرقة إلى فصل المقال، أين هو الفكر الإسلامي المعاصر، ترجمة: هاشم صالح، ط2، دار الساقي، بيروت، لبنان، 1995.
  • محمّد أركون، نزعة الأنسنة في الفكر العربي، جيل مسكويه والتوحيدي، ترجمة: هاشم صالح، ط1، دار الساقي، بيروت، لبنان، 1997.
  • محمّد الأندلسي، نحو قراءة جديدة للنص الديني" النص القرآني نموذجًا"، أعمال ندوة فكريّة منشورة في كتاب، بعنوان: "قراءات في مشروع أركون الفكري"، تقديم: عبد الإله بلقزيز، ط1، جامعة الحسن الثاني، الدار البيضاء، المغرب، 2011، بيروت.
  • محمّد رحمون، بعض ملامح التحليل الأنثربولوجي في إسلامولوجيا محمّد أركون، بحث منشور، مؤمنون بلا حدود، ديسمبر، https://www.mominoun.com
  • محمّد كنفودي، القراءة الجديدة للقرآن الحكيم قراءة محمّد أركون نقد وعرض وإكمال، د.ط، إفريقيا الشرق، المغرب، 2015.
  • مختار الفجاري، نقد العقل الإسلامي عند محمّد أركون، ط1، دار الطليعة، بيروت، لبنان، 2005.
  • مصطفي كيحل، الأنسنة والتأويل في فكر محمّد أركون، ط1، منشورات الإختلاف، الجزائر، دار الأمان، الرباط، 2011.
  • ميشال فوكو، "مفهوم الأركيولوجيا L’Archeologie du savoire"، ترجمة: الطاهر وعزيز، مجلة " المناظرة"، الرباط، المغرب، العدد 5، السنة الثانية، ماي 1991.
  • نائلة أبي نادر، التراث والمنهج بين أركون والجابري، ط1، الشبكة العربيّة للأبحاث والنشر، بيروت، لبنان، 2008.

نائلة أبي نادر، القرآن بين اللفظ والمعنى في نصّ محمّد أركون، بحث منشور، مجلّة: "قضايا إسلاميّة معاصرة"، مركز دراسات فلسفة الدين، بغداد، 2013، العدد 53/54، 2013.

@pour_citer_ce_document

سارة عبدو, «المقاربة الأنثربولوجية للظاهرة القرآنية في الفكر الحداثي لمحمد أركون بحث في المقومات والمقاصد»

[En ligne] ,[#G_TITLE:#langue] ,[#G_TITLE:#langue]
Papier : ص ص 24-40,
Date Publication Sur Papier : 2022-04-27,
Date Pulication Electronique : 2022-04-27,
mis a jour le : 29/04/2022,
URL : https://revues.univ-setif2.dz:443/revue/index.php?id=8491.