سيرة الرّاحلة حبيبة مسيكة ومراوحتها بين الفنون: إشراقةٌ، فتوهّجٌ، فسكونThe late Habiba Msika’s biography and her swinging between arts: shining, glow then stillnessBiographie de la défunte Habiba Msika et son oscillation entre les arts: éclat, incandescence puis silence
Plan du site au format XML


Archive: revues des lettres et sciences sociales


N°01 Avril 2004


N°02 Mai 2005


N°03 Novembre 2005


N°04 Juin 2006


N°05 Juin 2007


N°06 Janvier 2008


N°07 Juin 2008


N°08 Mai 2009


N°09 Octobre 2009


N°10 Décembre 2009


N°11 Juin 2010


N°12 Juillet 2010


N°13 Janvier 2011


N°14 Juin 2011


N°15 Juillet 2012


N°16 Décembre 2012


N°17 Septembre 2013


Revue des Lettres et Sciences Sociales


N°18 Juin 2014


N°19 Décembre 2014


N°20 Juin 2015


N°21 Décembre 2015


N°22 Juin 2016


N° 23 Décembre 2016


N° 24 Juin 2017


N° 25 Décembre 2017


N°26 Vol 15- 2018


N°27 Vol 15- 2018


N°28 Vol 15- 2018


N°01 Vol 16- 2019


N°02 Vol 16- 2019


N°03 Vol 16- 2019


N°04 Vol 16- 2019


N°01 VOL 17-2020


N:02 vol 17-2020


N:03 vol 17-2020


N°01 vol 18-2021


N°02 vol 18-2021


N°01 vol 19-2022


N°02 vol 19-2022


N°01 vol 20-2023


N°02 vol 20-2023


N°01 vol 21-2024


N°02 vol 21-2024


A propos

avancée

Archive PDF

N°02 vol 21-2024

سيرة الرّاحلة حبيبة مسيكة ومراوحتها بين الفنون: إشراقةٌ، فتوهّجٌ، فسكون
Biographie de la défunte Habiba Msika et son oscillation entre les arts: éclat, incandescence puis silence
The late Habiba Msika’s biography and her swinging between arts: shining, glow then stillness
127-141
تاريخ الاستلام 2023-09-21 تاريخ القبول 09-10-2024

فاتن ريدان / إيمان الصّامت
  • resume:Ar
  • resume
  • Abstract
  • Auteurs
  • TEXTE INTEGRAL
  • Bibliographie
لطالما أثارت أفلام السّير الذّاتيّة عن الشّخصيّات التّاريخيّة والثقافية والعلمية المجسّدة بها، اهتمام الجمهور لمعرفة المزيد عن الشخصيات الواقعية التي تدور أحداث الأشرطة حولها. وإذا اكتسى شريط روائيّ بيوغرافيّ بطابع تاريخيّ متجلّ عبر وقائع تاريخيّة صحيحة قام المخرج بتجسيدها عبره، فانّه بذلك يصبح مؤهّلا أن يكون مرجعا للباحثين، شأنه شأن الكتب والمقالات العلمية.
وفي هدا الاطار يندرج بحثنا المتناول لمسيرة الفنانة التونسية الراحلة حبيبة مسيكة، والتي تحدّت المخرجة سلمى بكّار الشّحّ في المراجع التّاريخيّة المتناولة لحياتها، لتجعل شريطها «رقصة النّار» الجامع بين الصنفين البيوغرافي والبيبلوم، بمثابة عرض لحياة هذه الفنّانة ومحفّز لفضول المشاهدين المكتشفين لها من خلال الشريط، او المسترجعين لذكرياتهم الخوالي، للقيام بمزيد من البحث والتمحيص او ربما تحفيز على اثراء المكتبة البحثية بمراجع حول مسيرتها وفترتها التاريخية، مع التّأكيد على ثراء مسيرة هذه الفنانة رغم عدم تجاوز حياتها الفنّيّة لعقدين من الزّمن. معلومات حول المقال
 
الكلمات المفتاحية:شريط سينمائي روائي بيوغرافي,سيرة ذاتية,حبيبة مسيكة,رقصة النار,سلمى بكار
Les films biographiques sur les personnages historiques, culturels et scientifiques, qu’ils valorisent, ont toujours intrigué le public qui souhaite enrichir son savoir autour desdits personnages. Et si un film biographique de fiction dispose d’une dimension réelle, manifestée par des faits historiques que le réalisateur ait mis en scène, il devient alors éligible à être classé comme une référence pour les chercheurs, de pair avec les livres et les articles scientifiques qui touchent le même sujet. Et c’est dans ce contexte que notre recherche se projette sur le parcours de la défunte artiste tunisienne Habiba Msika, que la réalisatrice Salma Baccar a défié la rareté des références historiques traitant sa vie, faisant ainsi de son film «  La Danse du feu », une combinaison des genres biographique et péplum, voire un enrichissement des références historiques portant sur cette artiste tunisienne pluridisciplinaire tout en stimulant la curiosité des spectateurs pour investiguer plus profondément, tout en soulignant la richesse de la carrière de cette artiste malgré le fait que sa vie artistique n’a pas excédé deux décennies.      
Mots clés:Long métrage fictif biographique,Habiba Messika,Danse du feu,Salma Baccar
Biographical films that are made as a tribute to historical, cultural, and scientific figures, have always aroused the interest of the public to learn more about the real-life personalities around whom the events of the motion pictures revolve. And if a biographical narrative movie has a historical character, manifested through authentic historical facts that the director embodied through it, then it becomes qualified to be a reference for researchers, along with scientific books and articles. In this context, our research dealing with the career of the defunct Tunisian artist Habiba Msika, who challenged the director Salma Bakkar the lack of the historical references dealing with her life, to make her tape “Dance of Fire”, which combines the two genres, biographical and peplum, as a presentation of the life of this artist and a catalyst for the curiosity of viewers who discover her through the film, or those recalling their past memories, to carry out further research and scrutiny, or perhaps an incentive to enrich the research library with references about her career and historical period, while emphasizing the richness of this artist’s vocation despite her artistic life has not exceeded two decades.
Keywords:Life story motion picture,biography,Habiba Msika,The Dance of Fire,Salma Baccar

Quelques mots à propos de :  فاتن ريدان

Pr. Faten Ridene    المعهد العالي للدّراسات التّطبيقيّة في الإنسانيات بالكاف جامعة جندوبة، الجمهوريّة التّونسيّة  Faten.ridene@iseahkef.u-jendouba.tn

Quelques mots à propos de :  إيمان الصّامت

Pr. Imen Samet    المعهد العالي للموسيقى والمسرح بالكاف جامعة جندوبة-الجمهوريّة التّونسيّة  Imen.samet@istmkef.u-jendouba.tn
إشكاليّة البحث
نسعى من خلال هذا البحث إلى التّعمّق في مسيرة الرّاحلة حبيبة مسيكة المتربّعة  على عرش الفنّ وقلوب المعجبين، بالمرور عبر محطّات تألّقها وإشراقتها، ونهايتها المأساويّة: إشراقة فتوهّجُ فسكونٌ تمّ توثيقهم عبر شريط رقصة النّار للمخرجة سلمى بكّار، لنتجاوز هذه الرّؤية الفنّيةّ بتحقيقٍ أكاديميّ تحليليّ لهذه الشّخصيّة الرّمزيّة، هدفنا منه التمحيص في محتوى الشريط الرّوائيّ البيبليوغرافيّ، وما يمكن أن يحمله من تطابقات واختلافات مع حقيقة الفنانة الراحلة، وذلك بالعودة الى بعض المراجع الصحفية المتواقتة مع فترة حياة الفنانة الراحلة، والتي تطرّقنا اليها في مقالنا عبر اللّجوء الى البحث في الأرشيف الوطنيّ، بالإضافة إلى مراجع معاصرة تناولت حياتها من زوايا محدودة، وذلك سعيا منا لإثراء هذا النقص المرجعي ببحث بيوغرافي تأريخي وفنّي.
فرضيّة البحث
في هذا البحث ارتأينا أن نسلّط الضّوء على مسيرة الفنّانة حبيبة مسيكة (1903-1930) والمتمثلة في مزيج من أنواع الآداء من غناء ورقص وتمثيل على الركح المسرحي: الخاصيّة التي تجعلها منفردة بالمقارنة مع باقي فنانات عصرها، رغم الدّور الفعّال الذي لعبته مسيرة هذه الفنّانة في التاريخ الفني لتونس في الثلاثينات. هذا وسنسخّر جزءًا من البحث لندرس تأثير اختيار الفنانة حبيبة مسيكة كشخصيّة أساسيّة لشريط روائي بيبليوغرافي للمخرجة التونسية سلمى بكار (Baccar, 1995) والدور الذي يمكن أن يلعبه هذا الفيلم في التعريف بهذه الفنانة للأجيال اللاحقة، وهي إشكالية لم يسبق التطرّق اليها في بحوث الموسيقولوجيا أو السينما أو المسرح.
 
أهمّيّة البحث
تكمن اهمية هذا البحث في كونه يسلط الضوء على مسألة غاية في الاهمية، نرى أنها لم تحظ بالاهتمام المناسب من قبل الباحثين، سواء في مجال السينما والسمعي البصري أوفي مجال الموسيقولوجيا، استنادا للرابط الوثيق الذي صنعته المخرجة التونسية سلمى بكار، بشريطها، بين المجاليْن.
منهجيّة البحث
اتبعنا في بحثنا منهجين رئيسيين: 
-المنهج التاريخي عبر العودة الى الأرشيف الوطني للاطلاع على الصحف التي استوقتَ صدورها حياة الفنانة الراحلة، لقراءة وتحليل خاصّية فترة العقد الثاني من القرن العشرين، وما تميزت به من أحداث تاريخيّة على الصّعيديْن التونسيّ والدّوليّ، للإلمام بمسيرة الفنانة تزامنا مع الفترة التي اشتهرت بها، وكيف تناولت الصحافة حادثة موتها، هذا طبعا بالإضافة لبعض المراجع الحديثة القليلة التي لامست مسيرة الفنانة الراحلة حبيبة مسيكة من قريب أو بعيد، مع الإيتاء على تجارب معاصرة من أعمال فنّيّة لامست حياة هذه الفنانة.
-المنهج التحليلي بقراءة الشريط السينمائيّ «رقصة النار» والوقوف عند أهمّ محطّات الفنّانة الرّاحلة حبيبة مسيكة من خلال أحداث الشّريط، طبعا مع التدقيق في مدى تطابق جلّ ما تمّ عرضه خلال الشريط مع حيثيّات مراحل حياة حبيبة مسيكة وموتها.
مقدّمة
داخل مكامن تاريخ المدن التّونسيّة، تلبّي منطقة تستور فضول كلّ متعطّش لخفايا قصص وحكايا تاريخ المنطقة، سواء أكانوا سيّاحا أجانب أو داخليّين، أو باحثين في ميادين التاريخ والتراث والأنثروبولوجيا والاثنولوجيا والجغرافيا وعلم الاجتماع ... لما تحويه أزقّتها وشوارعها وبناءاتها من أسرار ودلالات روحيّة وتاريخيّة لا تزال تعانق تطوّرات الحياة اليوميّة لمتساكني المنطقة عبر عديد الرّموز المشفّرة بطابع أندلسيّ يعبق عطره عبر روح المعمار وموسيقى المالوف. وبين هذه القصور تتجلّى الدّار التي بناها اليهودي الياهو ميموني عاشق حبيبة مسيكة، كَاسِرًا بتكاليف بنائها قاعدة بخله التي طالما كان يُعْرَفُ بها. «ومن الطرائف أن طلبت حبيبة مسيكة من عاشقها أن يبني لها ماجل في بيتها بتستور وأن يغلّفه بالرخام ويملأه بمياه زغوان لكي تشرب منه، وعندما سئل عن المدّة التي يستغرقها جلب المياه من زغوان علم أنها تستغرق حوالي 20 سنة عن طريق الحنايا» (الدريدي، 2019). لقد أغدق الياهو ميموني على الجمال المعماري للقصر، عبر تلبيته لشروط حبيبة مسيكة التعجيزية كاختيار أفخم أنواع الرخام والسيراميك، أو فرش الأوراق النقدية على كل درجة من درجات المنزل لينال رضا نابغة التّمثيل، كروانة تونس، نجمة تأليف الأغاني، الغوّاصة في الشّخصيّات التي تتقمّصها، العاطفيّة الثّائرة، وردة اللّهب ... وعديد الألقاب الأخرى: إنّها حبيبة مسيكة ابنة تستور «التي طبعت في تاريخ تونس عقديْنِ من الفنّ المتشابك بين مسرح وغناء، لتضيءَ تاريخ تونس في الثّلث الأوّل من القرن العشرين، وتتوفّى في شمعتها السّابعة والثّلاثين، مَحْرُوقَةً وحَارِقَةْ لِقُلُوبِ معجبيها ومحبّيها و»عَسْكَرِ لَيْلِهَا». لطالما عشقها الكثيرون وأطرب صوتُها آذان مستمعيها، واشرأبت الأعناق لتتأمّل جمالها على المنصّة ورشاقة جسمها المترنّمة مع الأنغام التي تؤدّيها معشوقة الجماهير حبيبة مسيكة.
 
 
 
 
 
 
 
 
شكل(01): المعلّقة الرّخاميّة للقصر الذي بناه الياهو ميموني لمحبوبته مارغاريت (حبيبة)مسيكة
يقول المؤرّخ وعالم الآثار محمد حسين فنطر، في مقاله الموسوم بعنوان أصول اليهوديّة في تونس: كيف لنا أن نتغافل عن رومانسيّات وألحان الشّيخ العفريت أو راؤول جورنو؟ أو كيف لنا أن نجهل نعومة وحساسيّة حبيبة مسيكة، والتي تحتفظ مدينة تستور وكافة أرجاء تونس بذكرياتها المفعمة بالحنين. (Fantar, 2016). لقد تميزت الفنانة حبيبة مسيكة بشعبية وحب جماهيري استند بدرجة أولى على جمالها ورشاقتها وصوتها العذب «إذ أنها جمعت بين جمال الخلقة وجمال الصوت وبراعة الأداء والروح الشرقية» (الحمروني، 2007): نظارة وبهاء تجاوزت بهما ما تعوّده الجمهور لدى الفنّانات الغربيّات عبر طبعها لبصمة فنانة متحرّرة وجريئة وسط مجتمع عالق في محظورات الدين، ومحدودية وجود مشاركات نسائية، فحتى المجتمع اليهودي التقليدي كان يحظر على المرأة الغناء أمام جمهور من الرجال، لذلك اعتبرت أن فنها هو الطريقة الأمثل للتعبير عن رغبتها الهائلة في الثورة على الحياة المحدودة التي لا يسمح لها بخوضها إلا مرة واحدة.
حبيبة مسيكة المتحرّرة:  بين حب الحياة وحياة الحب
حبيبة مسيكة « ذات مؤهلات جمالية تغري القلوب المكبلة بالمحرمات والتقاليد» (الحمروني، 2007)، إلا أنها تمردت على هذه القيود سواء الخاصة بالمجتمع اليهودي التقليدي أو بالمجتمع الاسلامي العربي، فتميزت بجرأة وقوة وبلاغة جعلتها تكتسب قاعدة جماهيرية هامة، خاصة وأن حياة الفن بالنسبة للفنان لا تكون إلا في وجود الحرية لأنه نتاج لها وللقدرة على التعبير والإبداع من خلالها، وهذا ما جعلها ترفض أن تكون ملكا لشخص واحد أو لعشق واحد، بل خيرت أن تكون ملكا لجمهورها الذي أحبها بصدق عبر نظرة جمالية موجهة لشكلها ونظرة فنية موجهة لفنها، لتصبح حبيبة مسيكة موضوع مشاركة وجدانية لدى الجمهور وخاصة المعجبين بها ممن أطلقوا على أنفسهم اسم مجموعة عسكر الليل» وهي مجموعة ترافق الفنان ومتكونة من كتّاب وملحّنين وصحفيين وهم الذين أثروا الحياة الثقافية بكتاباتهم ونقاشاتهم» (بن مراد، 2016) ، وقد تكفلوا بحماية حبية مسيكة من معجبيها، لكونها اشتهرت بتنوع قصص الحب والغرام التي كانت تحيط بها سواء من طرف المعجبين العاديين أو المهووسين بحبها، لتتعايش مع عدة تمظهرات للحب شملت بدرجة أولى حبها لفنها وللحياة ولنفسها، إضافة إلى حب الجمهور لها كأيقونة فنية في تلك الفترة.
فلسفة الحب هنا «هي جزء عضوي من فلسفة الثقافة، فمعنى الحب لا ينكشف إلّا في سياق الثقافة، لأن الحب يعكس التقاليد الوطنية والتاريخية، ولهذا يبرز دائما باعتباره قيمة ثقافية» (شستاكوف، 2010) ، فحبيبة مسيكة انتسبت في ذات الآن إلى المجتمع اليهودي في عاداته التحررية وفي ثقافته الغربية، وإلى المجتمع العربي الاسلامي الذي تربت فيه وغنت بلغته وتوجهت إلى جمهوره ليجد التونسيون في أغانيها نشوتهم وتوازنهم النفسي والاجتماعي، فكانت تشاركهم موضوع الأغنية وقصص الحب بالإشارات والحركات وتقمص الأدوار والرقصات لتؤثر أكثر على كيفية التلقي وطرق تفاعلها مع الجمهور، إذ لطالما تميز حضورها الركحي أثناء الغناء «بروعة الرقص وإيحاء الإشارة وإثارة الحركة» (الحمروني، 2007) .
ورغم أن معايير الحكم على الجمال تتباين من مجتمع الى اخر حسب الذوق والمزاج السائد للجمهور إلا أن حبيبة مسيكة تمكنت من الجمع بين مرجعيتها الغربية اليهودية وروحها الشرقية: مزيج سحريّ أسرت به جمهور الشرق الذي كان ينظر إلى الفن على أنه ظمأ إلى العشق والجمال، كما حصدت أيضا اعجابا جماهيريا من الكثير من المشاهير العرب والغرب عبر تميّزها «بعلاقاتها الشخصية بأعيان السلطة والأثرياء» (الحمروني، 2007). هذا الحب الذي سيطرت به على جمهورها أصبح نوعا من الاستلاب الذهني الذي يأسر قلوب الجمهور المهووس بها، بالإضافة إلى شخصيات مرموقة افتتنوا بها وأعجبوا بجمالها وكيانها الفنيّ الفريد، وهم كُثُرٌ:
 «من الأمير فؤاد إلى الحبيب بورقيبة ... مرورًا بـ بابلوبيكاسو. حظيت حبيبة بمباركة محمد القبانجي، سيد المقام العراقي، الذي أدى معها أصلي وأصلك بغدادي، ونالت إعجاب إسكندر شلفون الذي اعتبرها المفتتنة الوحيدة في شمال إفريقيا، كما نسب إليها الباحث مصطفى شلبي دورا محوريا في تاريخ الغناء في تونس، وسيّدها مرحلة الصحوة الموسيقية بجانب الشيخ أحمد الوافي.» (الحزقي، 2021).
لقد تهافت حولها المعجبون بعد أن منحتها مرآة النجومية لذة الغرور والتميز ومهدت لها للانطلاق نحو شهرة أوسع مما خطتها لها الحياة وكبل حدودها الموت. وقد جعلت حبيبة مسيكة متابعيها ينظرون إليها وإلى فنها «كنوع من العشق، كطريق الى المعرفة الايروسية، كعروج الى الحقيقة، إلى قيم الوجود الانساني» (شستاكوف، 2010) التي جمعت بين الاعجاب والنفور، القبول والرفض، ورغم دورها الريادي في تاريخ الأغنية التونسية إلا أنه هناك بعض المراجع التاريخية التي صورت حبيبة مسيكة في صورة الغانية. فانقسم المثقفون في فترة العشرينات بين من أعجب بشكلها وغنائها وبين من ندد بميوعتها وخلاعتها، حيث كتبت عنها بعض القصائد اللاذعة الذي رفضت انتسابها للفن التونسي ونقدت أسلوبها في الغناء، مثل عبد الرحمان الكافي الذي قال عنها: “تضحك عليكم فاجرة فرناقة، عملتوا ليها صيت وهي صعلوكة ، عملتوا صاية، لوحدة شرموطة ما لهاش غاية.” (الكافي، 1924). وقد انتابت حبيبة مسيكة نزعة غرور جراء كثرة معجبيها جعلتها تستغل حبهم لإشباع رغباتها وعظمتها، وجعلت الأثرياء يتهافتون عليها. ولعلّ أبرز ما يميز قصص الحب في حياة حبيبة مسيكة هي تجربة العشق المحفوف بالتملّك التي أوصلتها الى الموت ووضعت نهاية لحياتها ولمسيرتها الفنية، فالثري اليهودي الأصل إلياهو ميموني قد أحب حبيبة مسيكة إلى درجة الجنون، عشق خسر معه كل ما يملك بداية بالمال والمكتسبات وصولا إلى الحياة، فرغم بخله وشحه في صرف الأموال حتى على والديه، كان يبذر أمواله لنيل رضاء هذه المغنية الحسناء. وبعد عدة مماطلات منها، نكست وعودها ورفضت الزواج منه، ومع انتشار شائعات حول قصص عشق عاشتها مع منذر المحرزي الذي كانت تعرفه منذ سنوات الطفولة، وأخرى حول عزمها الزواج بحبيبها الفرنسي راوول مارل؛ ثارت مشاعر إلياهو وانفجرت في وجه حبيبة في شكل لهيب حارق أودى بحياتها، حيث أشعل فيها النار وهي نائمة في فراشها ومات هو بعد أيام متأثرا بحروقه. «تلك هي قصة الحب إذا مازج الفن، وتلك هي حبيبة مسيكة مثال المطربة والممثلة التي أخلصت للفن وضحت لأجله بحياتها وأحبت جمهورها فأحبها وخلدها نجمة للفن في تونس الثلاثينات باسم أميرة الطرب وصوت الملائكة» (الحمروني، 2007) .
يُمثّلُ الحب والعشق جزءًا من تأمل الإنسان لوجوده، وجزءًا من مساره الحياتي الذي يحدد نتائج اختياراته؛ كما نستطيع وصف الحبِّ بـ: «حالة قصوى من حالات الشرط البشري، وشكل من أشكال ممارسة الإنسان لذاته ولبقائه» (حرب، 1990). وقد مثّل مسار حبيبة مسيكة الفني والحياتي، جزءا من اختياراتها التي جعلتها تعشق فنها وترتفع به إلى مستوى الروح الإنسانية: إذ رغم أنها عاطفية بدرجة كبيرة في فنها ومعاملاتها، فقد التجأت الى عقلها لا إلى مشاعرها وأحاسيسها، على اعتبار أن العقل هوما سيمنحها جوهر البقاء والارتقاء فنيا، لتبني اختياراتها وفق إرادتها هي ، كما تُريد هي لا كما يُراد لها أن تكون، وهو ما جعل هذه الإرادة تقودها إلى الفناء والموت، لتنتهيَ مسيرتها ويبقى حبها وفنها خالدَيْنِ بين الأجيال. فالحب قادر على تجاوز الموت، «لأن الانسان بفضل الحب يتابع حياته في الناس الآخرين، في الأجيال الأخرى، مبتعدا بذلك عن مأساوية موته الفردي» (شستاكوف، 2010).
الفن الرابع كوتد من أوتاد ثبوت مسيرتها
لم يكن اختيار حبيبة مسيكة للمسرح أبدا اعتباطيّا، إذ أقرّت بولعها بالفنّ الرّابع منذ نعومة أظافرها. وكإجابةٍ منها على سؤال خالتها الفنّانة ليلى صافيناز حول المهنة التي تحلم بها، صرّحت حبيبة مسيكة بحلمها أن تصير ‹تراجيديّة› tragédienne (Bessis, 2017)، لتحقّقه في ظرف بضع سنوات وتصير «أعظم ممثّلة تونسيّة في عصرها»
(Bessis, 2017) كما أقرّ معظم معاصريها.
ويمثّل الفنّ الرّابع وتدًا من أوتادِ ثُبُوتِ الفنَّانةِ الرَّاحِلة ‹حبيبة مسيكة› على الساحة الفنّيّة، إذْ قَامَتْ بِصُعُودِ دَرَجَاتِ سُلَّمِ النّجَاحِ الْمَسْرَحِيِّ بالتَّوَازِي مَعَ اِرْتِكَازِ فَنِّ المَسْرَحِ عَلَى أُسُسِ بَاقِي الفنونِ في تُونِسَ فِي مَطْلَعِ الْقَرْنِ التَّاسِعِ عَشَرَ، فبآدائها المُتْقَنِ لمُختَلَفِ الأَدْوَارِ التي أُوكِلَتْ لَهَا، ما انفكّتْ حبيبة مسيكة -الممثّلة - على القيام بتشخيصٍ عميقٍ ومنسجم الى درجة خلق ديناميكيّة في تقبّل الجمهور لتجسيدها.
وقد عُرِفَتْ حبيبة مسيكة على الصّعيد المسرحيّ بخصوصيّة انفردت بها، اذ رغم فرنكوفونيّة تكوينها، وعدم تلقُّنِهَا للّغة العربيّة في مسيرتها الدّراسيّة، أَبَتْ إلَّا أنْ تتعمَّقَ في تَقَمُّصِ الشّخصيّاتِ التي أوكِلَتْ لَهَا في النّصوص المسرحيّة المؤلَّفَةِ بالعربيَّةِ الفُصْحَى، وذلك عن طريق كتابةِ الجُمَلِ العربيّةِ التي كانت ستقوم بتأدِيَتِهَا، بِالْأَحْرُفِ اللّاتِينيّةِ (الدراجي، 2006)، فتُتْقِنُ آدَاءَهَا على الرُّكْحِ الى درجَةِ اعتقادِ بلْ ايمان الجمهور المتلقِّي بفصاحتها.
تميزت حبيبة مسيكة أيضا بثراء تجربتها في المسرح حيث أظهرت مقدرة فائقة على فهم الدور وحفظه واستيعاب واتباع الملاحظات التي تسند إليها، و»أول من اكتشفها في هذا الميدان هو المرحوم محمد بورقيبة الذي يعتبر أستاذها الأول في المسرح وقد كان المدير الفني لفرقة الشهامة الأدبية التي تأسست في 22/12/1910 فظهرت لأول مرة على الركح حوالي سنة 1911 مع هذه الفرقة» (الحمروني، 2007)، كما كونت فرقة مسرحيّة خاصة قدّمت من خلالها بعض التجارب من المسرح العالمي، فشاركت في العديد من الأعمال المسرحية مثل «عواطف البنين» واليتيمتين» وقامت بأداء العديد من الأدوار التمثيلية في مجموعة هامة من المسرحيات العالمية مثل دور نابوليون في مسرحية «فرخ النسر» ودور جوليا في «صلاح الدين الأيوبي» ودور يوسف في مسرحية «بيع يوسف من طرف إخوته» مع فرقة علي بن كاملة وقامت أيضا بدور الراقصة في مسرحيّة «الراقصة المتسوّلة» مع فرقة «المستقبل التمثيلي»، كما أبدت تأثرها الكبير بمسرحيات شكسبير، فقدّمت دور روميوفي «روميووجولييت» ودور دزدمونة في «عطيل» ودور أنميليا في «هملت» وشاركت في عرض «تاجر البندقية»، إضافة إلى عدة أدوار أخرى مثل دور لوكراس في مسرحية «لوكراس بورجيا» وليلى في «مجنون ليلى» مع «الهلال», وجوليات في «شهداء الغرام» مع فرقة «التمثيل العربي» ، كذلك شاركت مسيكة «في مسرحيّة «الوطن» التي تُرجمت الى العربيّة وبسببها اقتحم البوليس الفرنسي المسرح واعتقل الممثّلين الذين قضوا ليلتهم في دار الكوميسار» (بن مراد، 2016).
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
شكل (02) : رائدة في المسرح عبر أدوار رجاليّة
وما يُشهد لها به على مستوى مشاركاتها المسرحية هو قيامها ببعض الأدوار الرجالية التي لاقت العديد من الانتقادات، فهناك الكثير ممن استحسن أداءها وغناءها على الركح وتقمصها الذي وصل إلى درجة لم يعرف فيها الجمهور أن التي قامت بدور روميوفي مسرحية «روميووجولييت»، هي امرأة وهي حبيبة مسيكة ذاتها، رفقة الفنانة الليبيّة رشيدة لطفي التي أدت دور جولييت. وعلى إثر أحد المشاهد التي يقوم فيها روميو بتقبيل جولييت، هاج الجمهور واستشاط غضبا لوقاحة العرض وجرأة الممثل في مجتمع يعتبر محافظا، فاعتُبر اتقانها للدور مساهما كبيرا في هذه المغالطة. إلا أنها في المقابل لاقت العديد من الانتقادات التي رفضت فكرة تقمصها الرجالي ولم تر فيه أي إضافة ، فانتشرت «كفضيحة على صفحات الجرائد التونسية التي لم تعط إلى هذه المبادرة حكما فنيا، إذ جاء في جريدة لسان الشعب: «لا نعرف ماذا أضافت حبيبة مسيكة إلى دور روميو أو رادامس وقد قام به ممثلون كثيرون في تونس» (بشة، 2007) كما تم انتقادها لأدائها دور النبي يوسف «حيث شن حسين الجزيري حملة عليها وعلى مسرح علي بن كاملة لأسباب اجتماعية واخلاقية تجاوزت الفن إلى ديانتها وسيرتها» (الحمروني، 2007). ورغم تعدد الأدوار المسرحية التي قامت بها حبيبة مسيكة إلا أنه لا يمكن الحديث بعمق عن تجربة حبيبة التمثيلية لاعتبارها مجرد موهبة أكثر من كونها احترافا، فعملها كممثلة هنا يبقى مجرد إبداع شرطي محدود بظرفية المسرحية أو التقنية الأدائية والتلقينية التي تعمل من خلالها، ووصفُنا لتجربتها هنا يبقى مجرد تأمل ذهني مجرد أو تقرير انطباعي عن تجربة غرام وموهبة خاصة عايشتها في مسارها الفني والمهني. 
الموسيقى والغناء في مسيرة «حبيبة الكلّ»
يكشف التاريخ عن فرط عشق حبيبة مسيكة للموسيقى وولعها بها، «فالموسيقى هي أكثر الفنون شفافية وتحررا من المادة وأقربها الى المشاعر الانسانية» (فيبر، 2013)، فجاء ولعها مفعما بالتفاؤل والأمل، هو أشبه بسيمفونية كبيرة تتصاعد نغماتها تدريجيا في لحن متدفق جياش كما يتضمن اكتشافات مشرفة لخيال الفن والابداع والثقافة في تداخل بين المسرح والموسيقى، التي أدركت بأنهما مفاتيح أساسية من أجل بناء شخصية فنية متكاملة، خاصة وأن ميراثها العائلي والثقافي الذي جمع بين الشرقي والغربي، ساعدها في هيكلة شخصيتها الفنية حيث حظيت حبيبة بعائلة موسيقية تمثلت في «خالها خيلو الصغير، أحد أهم عازفي الكمان والمزود في بدايات القرن، وخالتها المغنية ليلى سفاز التي أدارت محل كافيشانطة» (الحزقي، 2021).
وقد طورت حبيبة مسيكة أداءها في المسرح من خلال الغناء كما طورت عروضها الموسيقية من خلال المسرح فقد حاولت عبر الجمع بين الموهبتين أن تكتسب فرادة خاصة في الأداء والغناء، حيث ساهمت في إرساء ملامح «تجديد في نظام أجواق الطرب لا يمكن بحال إغفاله... محدثة نوعا من المزاوجة بين برامج المطربين وبرامج المطربات بعدما كانت تأتي في آخر الحفل مصحوبة بالرقص الخليع تماشيا مع كلمات الأغاني» (الحمروني، 2007).  وقد أدخلت حبيبة مسيكة على عروضها العديد من التراتيب الفنية التي لم يكن يعرفها الوسط الفني ولا الجمهور التونسي في تلك الفترة:
 «فإلى جانب التأثيرات المشرقية التي حصلت لحبيبة مسيكة من طرف حسن بنان الذي لقنها أغاني سلامة حجازي وسليمان القرداحي، كان لها تأثير أوروبي من خلال ما شاهدته أثناء تسجيلات قامت بها في برلين صحبة خميس الترنان سنة 1928 والحفلات التي أقامتها بالمدينة الفرنسية نيس وبإيطاليا سنة 1929» (بشة، 2007) . 
كما كانت تفرض على فرقتها المصاحبة ارتداء ملابس تقليدية خاصة تتناسب مع نوعية العرض، تونسيا كان أو شرقيا، وهوما يبرز «التزامها الواضح بعادات فنية في طريقة تقديمها لعروضها الموسيقية، مع توظيفها للفرجة والإثارة وصولا الى الهالة الفنية التي تصنعها لنفسها، لأكثر دليل على أنها عاشت علاقة تثاقفية مع الآخر» (بشة، 2007) ومع فنها. ومن جهة أخرى، استفادت حبيبة مسيكة كثيرا من الموسيقى لتلوين آداءها المسرحي وإثرائه غنائيا وموسيقيا لتسهم في إغناء الساحة الموسيقية والمسرحية بالمسرحيات الغنائية التي تكون فيها المساحة الدرامية أكبر من الغناء وذلك من خلال مشاركاتها الفعالة في المسرح الغنائي حيث «تعتبر حبيبة مسيكة من الأولين في تونس من اقتحم هذا الميدان كمحاولات غنائية» (بشة، 2007)، وذلك عن طريق جمعها بين جمالية الأداء وخبرة الفنانة الممثلة وبين حرفية الغناء التعبيري المسرحي، بحيث اكتسبت من تجاربها السابقة، مهارة التخلص والانتقال من الأداء التمثيلي إلى الأداء الغنائي.
التثاقف الفني بين المسرح والموسيقى
سعت حبيبة مسيكة للوصول إلى اللحظة الإشعاعية الممتلئة التي حصدت فيها شهرة ورونقا وإعجابا لا يضاهى، تحقق فيه وجودها الأسمى في الغناء والعزف والرقص والتمثيل لتشكل نموذجا للفن الاستعراضي من منطلق أن «كل الفنون هي تعبير عن الحياة» (الجويني، 1983)، فغمرت نسقها الحياتي والفني بتفاصيلَ هائلة من التراث الفني والبشري ، حيث جمعت فنيا بين التمثيل والعزف والغناء، وثقافيا وإنسانيا بين التقاليد العربية والانتماء اليهودي، لتستعرض كل فروع المعرفة المشتركة بين مختلف هذه الثقافات والاختصاصات بحيث يمكن القول بأن حبيبة مسيكة كونت شخصية فنية فريدة من نوعها محبوبة إلى درجة أن أغانيها ونصوصها كانت تكتب لها خصيصا بأحرف لاتينية أثرت على تعاملها مع اللغة واللهجة العربية لأن اليهود ينطقون العربية بلهجة خاصة، إذ كانت «لهم لهجة مخصوصة يقلبون فيها السين شينًا والهاء ألفًا والألف هاءً وغير ذلك، ويغمغمون الكلام، ويقطفون منها أحرفًا حتى لا تكاد تُفهم.» (الرزقي، 1967) لتضفي على هذه اللكنة المدللة معانيَ جديدة إلى الحد الذي يمكن معه القول بأنها أوجدت في طريقة نطقها للغة العربية قاموسا ثقافيا خاصا بها لاستنطاق الموسيقى، فقد «اعتمدت حبيبة على إدماج النون في بعض الكلمات وبدء الغناء من النصف الثاني من الصدر وفق الأسلوب الطرابلسي، وهومن خصوصيات الغناء البدوي المشترك بين القبائل التونسية والطرابلسية المتقاربة في الموقع الجغرافي، ويقوّي نبرة الإيقاع في الكلمات الرخوة ذات الإشباع، علاوة على إدماج آهات لاستكمال الإيقاع. حافظت حبيبة على اللكنة اليهودية اللعوبة في أدائها (القرفي، 2015) لتصبغ على موسيقاها وأغانيها طابعا مدللا لعوبا يتناسب مع خصوصية عروضها الليلية ومعاني أغانيها الغزلية والغرامية (+تحليل أغنية على سرير النوم دلعني ...)، فأطربت وأثرت وتفاعلت وأحبت فنها وجمهورها دون حدود أوقيود، هذا الإطراب أصبح بمثابة «اللذة السلبية ... وهوالطرب الذي إن نتج عن تأثير الموسيقى فإنه يبعث في الإنسان انفعالا قد يكون مهدئا لأعصاب المستمع, فينسى متاعبه اليومية, وقد يكون عنيفا يبعد الإنسان عن مشاكل الواقع ويبعد اهتمامه عن الأمور الجدية في حياته» (اللحام، 1996). ورغم ارتباط مفهوم الطرب بحالات الانتشاء والتفاعل الحسي والوجداني، إلا أن رأي المختصين في الموسيقى قد أكدوا على أن حبيبة مسيكة « بقيت محدودة في أدائها الصوتي الذي كان يشكو الكثير من الاضطرابات الواضحة، خاصة في مسكها للطبقة الصوتية» (الحمايدي، شرف الدين، خلوج، و العرف، 2001) .
استحضار حبيبة مسيكة بين الرّواية والمسرح
في الأدب
 
 
 
 
 
 
 
شكل  (03): رواية حمام الذهب لمحمد عيسى المؤدب
إن فرادة وثراء شخصية حبيبة مسيكة الفنية وحتى الانسانية جعلها تشكل مادة فنية للاقتباس، حيث استحضرها الروائي التونسي محمد عيسى المؤدب في روايته «حمام الذهب» كنموذج روائي تطرق فيه إلى الأقليات اليهودية وإلى طرق ادماجهم داخل المجتمع التونسي رغم الاختلافات الدينية والسياسية، فهذه الرواية تنبش في التاريخ المتأصل في الذاكرة الشفوية لمدينة تونس لتبحث في سؤال الهوية والتطرف والانتماء إلى أرض واحدة ووطن واحد رغم اختلاف الأعراق والديانات، ليصبح « العمل الأدبي الإبداعي في مقاصده الأساسية المتطرّقة إلى الإنساني في أبعاده الكونية، قادرا على أن يتحرّر من الإديولوجي» (التوايتي، 2022). وقد شكل حضور حبيبة مسيكة في هذه الرواية جزاء من هذا الاستحضار الواقعي الذي يواجه من خلاله الصراعات العقائدية والايديولوجية ومدى قدرة هذه الصراعات على خلق التوازنات السياسية والاجتماعية داخل المجتمع، فعيسى المؤدب يحارب «ثقافة الإقصاء والكراهية والنظم الاجتماعية التي تغذيها ليتخلّص أن الإرهاب هو صراع ثقافي عقائدي بالأساس من أولى استراتجياته إلغاء المُختلف واعتبار الآخر هو الجحيم» (التوايتي، 2022). 
تجمع رواية حمام الذهب بين لغز البحث عن التراث والمخطوطات في أرض بني عليها حمام، فاجتمعت فيها حكايات وشخصيات واقعية وأساطير خرافية تداخلت فيما بينها مع أحداث الواقع، فتحدّث عن عبق الماضي وعطر روائح المدينة العربي عندما تستمتع بها على أنغام الشيخ العفريت وحبيبة مسيكة، واستحضر حارة اليهود والحلفاوين وباب سويقة وسوق الذهب. وفي مراوحة بين الواقع والخيال استحضر تاريخا مسكوتا عنه يعالج قصة الأقليات اليهودية في تونس مستعيرا حضور حبيبة مسيكة كنموذج للشخصية اليهودية التي فرضت وجودها واندماجها وسط مجتمع اسلامي، فسرد جزءا من تاريخ قصتها بين ثنايا الحوار، وسجل حضورها كشخصية فنية كان لأغانيها الأثر الواضح حسيا وعاطفيا على الشخصيات الرئيسية التي اعتبرت أن «حبيبة مسيكة فنانة مجنونة تهيج السهران وتسكره بدون نبيذ» (المؤدب، 2019)، كما جاء في حوارات هيلين مع سعد أحد أبطال الرواية: «أحب صوتها المقتحم والجريء، يجعلني لا أغادر الحلم» (المؤدب، 2019). من جانب آخر نلاحظ استعارة اسم حبيبة الشخصية المحبوبة من طرف الجميع، لتشكل دورا رئيسيا في الجزء الخيالي من الرواية الذي يتوازى مع الواقع ويتقاطع معه، ليصبح لحبيبة الفنانة وحبيبة الانسانة صيرورة وجودية تراوح بين الواقعي والخيالي.  
في المسرح
سجل الركح أيضا حضور شخصية حبيبة مسيكة في المسرحية الغنائية «عسكر الليل»، لما كان لهذه الشخصية الفنية من تأثير وحضور هام مع مجموعة عسكر الليل بين نهاية العشرينات وبداية الثلاثينات، وهم يعتبرون من المعجبين المواظبين لها ولفنها «وكان أتباع حبيبة يعرفون بعسكر الليل وهومن الدائبين على مرافقتها بقيادة أحمد الطرابلسي من حفل إلى حفل إعجابا وتنشيطا» (الحمروني، 2007). 
ومسرحية «عسكر الليل» هي كوميديا غنائية أنجزت سنة 2019 وهي من تأليف وتصور الصحفي سفيان بن فرحات، إخراج مراد الغرسلي، كوريغرافيا وموسيقى سوار بن الشيخ، وقد جمع هذا العمل بين المسرح والغناء والرقص ، لأحداث درامية وتاريخية وثقافية يتداخل فيها الواقع بالخيال، ضمن جلسات فنية تستحضر ثلة من المثقفين التونسيين في فثرة الثلاثينات مثل عبد الرزاق كارباكا وعبد العزيز العروي وعلي الدّوعاجي والهادي العبيدي ومحمود بورقيبة ومصطفى خريّف وجلال الدين النقاش وجمال الدين بوسنينة، وهم يعتبرون رفاق حبيبة مسيكة في السهرات الفنية والطربية والتي جسدت دورها وغنت بصوتها الفنانة «سماح الأندلسي». 
يعود بنا هذا العمل إلى حقبة زمنية عاشتها تونس زمن الاستعمار والتي رغم قساوتها الاجتماعية والاقتصادية أفرزت حركات فنية وثقافية متميزة وظهرت فيها حركات فكرية مستنيرة وبرز فيها الأدباء والشعراء والموسيقيون، وهي «فترة هددتها النازية والأزمة والاقتصادية والاستعمار، وبشرتها الوجودية والحركات الوطنية، وكان الفن ضد التهديد ومع التبشير» (الحمروني، 2007)، ليستحضر المسرح مثل هذه الفترات ويوظفها مطية للتعبير دون خوف، وانتصار لفكرة الحرية عبر مؤانسات موسيقية تستعرض لنا بدايات ظهور الأغنية التونسية الحديثة ودورها في تثمين التراث الغنائي وتقديمه في العديد من الأغاني التي لا تزال حاضرة في الذاكرة الشعبية. وتجتمع مجموعة “عسكر الليل” للحديث عن المستجدات السياسية والثقافية وللغناء والعزف والهزل، لتحضر معهم على الركح حبيبة مسيكة بثوبها الذهبي وبجمالها الأخاذ وصوتها العذب آسرة حضورها ومعجبيها، كذلك سجل العمل حضور كل من فتحية خيري وشافية رشدي وحسيبة رشدي، لتراوح المسرحية بين الطرب الغنائي والسير الحياتية المختصرة لفنانات تونسيات لهن بصمة خاصة في التاريخ الثقافي التونسي، فبالإضافة إلى المقاربة الفنية والثقافية التي يقدمها هذا العرض، هو يطرح أيضا حضور المرأة التونسية واشتهارها وتميزها فنيا وينتصر لمشاركتها الفعالة في المشهد الثقافي والفني ودورها في ارساء ثقافة عريقة تساهم في التطور الفكري والحضاري، رغم صعوبة الأوضاع السياسية والاجتماعية في تلك الفترة.
 
 
 
 
 
 
 
شكل(04): صور من العرض المسرحي الغنائي عسكر الليل
رقصة النّار: بَحْثٌ، كتابَةٌ وَإخراجٌ، فَمَرْجِعٌ وإِعَادَةُ عيش تاريخ
أفلام السيرة الذاتية: مرجع تاريخيّ أو محفّز على البحث في حقيقة التاريخ؟
لو فحصنا الجوانب المختلفة للأشرطة السينمائية من صنف السيرة الذاتية أو البيبلوم، أي التي تعرض حقبة تاريخيّة معيّنة عاشت خلالها الشخصيّة المجسّدة، دون السّهو عن بصمة المؤلّف ورؤيته الفنّيّة عبرها، لوجدنا عديد العناصر التي تؤهّلها لتكون مرجعا للبحث والتّمحيص في مجالات التاريخ وعلم الاجتماع والتّراث والاثنوغرافيا وغيرها... بل وقد تكون، شأنها شأن بعض النّظريّات التّاريخيّة الصّادرة في الكتب، هدفا للبحث والتدقيق للإدلاء بشكّ أو يقين في محتواها. 
وتمثّل كلّ من الهندسة المعماريّة الموظّفة سواء في اختيار أماكن التّصوير من مواقع أثريّة، أو قصور أو حصون أو غيرها، بالإضافة إلى انتقاء الأزياء والشّخصيّات التّاريخيّة المجسّدة في قصّة الشّريط وخاصّيّات الحياة اليوميّة من أحداث سياسيّة، أو حربيّة، أو ممارسات ثقافيّة تطبع بعض الحقب، وغيرها من عناصر البناء السّرديّ الموظّفة، هيكلا محكم التركيب، منمّقا بأسلوب صوتيّ وبصريّ وجماليّات إضاءة وغوص تام من الممثّلين في الشّخصيّات التّاريخيّة المجسّدة، تسمح للمشاهد باكتساب فهم أوسع لمختلف السّياقات التّاريخيّة المجسّدة، بل وقد تُدغدِغُ في تفكيره نزعة حبّ اطّلاعٍ تجعله محفّزا للقيام ببحث اثر الشّريط، عن إجابات لعديد التّساؤلات التي راودته خلال مشاهدة الشّريط.
 وفي هذا السّياق نستطيع تصنيف فنّ الإخراج السّينمائيّ بمثابة ترجيع rewind ◄◄ للحِقَبِ التّاريخيّة المجسّدة، تجعل المشاهد، في ظلام قاعة العرض، يغوص في أحداثه إلى أن يحسّ أنّه بصدد إعادة عيشها على أرض الواقع، وهو ما يجلب إصراره على التّأكّد إثر العرض من المعلومات الموظّفة  خلال مشاهدته الشّريط. 
 
 
 
 
 
 
 
شكل (05): الإخراج كإعادة عيش تاريخ
- أهليّة تصنيف لفلم بيوغرافي بين مراجع البحث-
شريط رقصة النّار: بين الخيال والتاريخ 
رغم تمثيل حياة الرّاحلة مارغاريت حبيبة مسيكة لجُزْءٍ مُعْتَبَرٍ من كرونولوجيا الفنّ في تونس لقرابة عقدين من بداية القرن العشرين، بمسيرة فنّيّة خارجة عن المألوف، لم تَحْضَ هذه الفنّانة باهتمام المؤرّخين، لمَا وجدوه في جُرْأَتِهَا وتحرُّرِهَا من خَدْشٍ في قَدَاسَةِ مُؤَلّفاتهم. لقد طبّق كلّ من صالح المهدي والصّادق الرّزقي والبارون ديرلونجي رقابَةً ذاتيّة على كتاباتِهِمْ رغم تزامُنِ الفتَراتِ الفنّيّة التّاريخيّة التي يعرِضُونَهَا في مؤلّفاتِهِم مع فترة الإشعاع الفنّيّ لحبيبة مسيكة، لترتئي المخرجة سلمى بكار أن تلبّي واجب تسليط الضّوء على حياة هذه الفنانة عبر شريط سينمائيّ بيوغرافي، شبّهه النّاقد عبد الكريم قابوس بـ»لوحةٍ فسيفسائيّةٍ لحياةِ فنّانةٍ إلتهمتها نيران الغيرةِ» (Gabous, 1998) فتُعِيدَ تَرْكِيبَ مُكَعَّبَاتِهَا وتُمكّنَ أكبر عدد من الجمهور المعاصر من إعادة عيش فترة إشعاعها الفنّي، سعيا منها لجعل شريطها البيوغرافي الروائي الوثائقي، بمثابة مرجِعٍ يُعَالِجُ النّقصَ الفَادِحَ في المصادِرِ التّاريخيّة التي تتناول حياة حبيبة مسيكة، بالإضافة إلى تحفيز الجمهور، بجميع فئاته الثّقافيّة والعمريّة، على عدم الاكتفاء بالاستماع إلى أغانيها، والسّعي نحو معرفة خبايا مسيرتها الفنّيّة والإنسانيّة. وقد استوجبت محدوديّة المراجع التي توثّق حياة حبيبة مسيكة، من المخرجة سلمى بكار، فترة ناهزت ستّة سنوات من البحث  (Gabous, 1998) في الأرشيف الوطني كجريدة «لا ديباش تونيزيان» La dépêche Tunisienne  في المكتبة الوطنيّة لتتناول وتوثّق  وتحلم، وكأنّ الشّخصيّة سكنتها، قبل أن تنطلق في صياغة السّيناريو وتصوير الشّريط. وقد أكدت المخرجة سلمى بكار أن «من بين الصعوبات التي اعترضتها عند البحث عن تفاصيل من حياة حبيبة مسيكة هو أنه «لم يُكتب الكثير عن هذه الفنّانة عندما كانت على قيد الحياة بل كُتب عنها بعد مماتها» (بن مراد، 2016) ليصبح موتها في حد ذاته، وطريقة هذا الموت، حدثا مساهما في الشهرة التي وصلتها رغم الانتقادات التي لاقتها خلال حياتها. وقد حاولت سلمى بكار استثمار هذه السيرة الحياتية والنهاية المأساوية كمادة للاقتباس الفني والتوظيف السينمائي لدور المرأة في المجال الثقافي فتجاوزت السينما «في مخيال هذه الجندية، هدفها كوسيلة تعبير، لتصبح وسيلة كفاح ونضال تبرز عبرها قيمة المرأة والطابع القيادي الذي تكتسبه» (ريدان، 2021).
 
 
 
 
 
 
شكل (06): اعتماد تقنية التّراكب في التّوليف للمراوحة بين احتراق حبيبة مسيكة وصفحات الجرائد التي غطّت الخبر.
لقد نال جيل التسعينات من جمهور السينما وعشاق حبيبة مسيكة، بجميع فئاتهم العمريّة، فرصة التعرّف على هذه الفنّانة، كما دغدغت المخرجة أحاسيسهم واثارت فضولهم للبحث عن مسيرتها. ويعدّ «رقصة النّار» أوّل شريط روائي وثائقي docufiction بيبليوغرافي للمخرجة التونسية سلمى بكار، صوّرته بتقنية الشّريط الفضّيّ من فئة 35 مم، في عصر لم تتواجد فيه بعد التقنيات الرّقميّة، ورغم ذلك فقد تميّز بتوليف ذي طابع تجديديّ في ذلك العصر، يتجلّى عبر إعتماد المولّف monteur الطّاهر الرّياحي لتقنية التّراكب la surimpression التي يقوم بها في مرحلة مابعد الإنتاج la postproduction وذلك عبر وضع طبقات متراكبة من الأشرطة الفضّيّة، تجسّد تارة نارا ملتهبة بالتوازي مع احتضار حبيبة مسيكة، وطورا بعض الصفحات من جرائد النّهضة، la dépêche tunisienne،  الصادرة في  اليوم الموالي لوفاة حبيبة مسيكة أي بتاريخ الثاني والعشرين من فيفري سنة 1930 .
وبالإضافة لكيانه روائيا وتوثيقيا وبيوغرافيًّا، جعلت المخرجة سلمى بكار من شريطها ‹رقصة النّار› مبحثا عن الحرّيّة والتّسامح بين الأديان (Baccar, 2017)، فقد أعجب بمسيكة في مسيرتها الفنّيّة، جمهور ميزته الاختلاط والمزج في الفئات العمريّة والثّقافات والمستويات الاجتماعيّة والأديان ... فقد سكنت قلوب مسلمين ومسيحيين ويهود في ذات الآن، وأحيت حفلات خاصّة لعديد الطّبقات الاجتماعيّة وفي عديد المناطق بين مدنٍ وأحوازٍ، لترضي معجبيها وتحيي حفلات عائليّة  من زفاف، أو نجاح، أو ختان، أو مسامرات، أو غيرها من المناسبات، تشرئبّ خلالها الأعناق لتتابع عروضها الصوتيّة والجسديّة لما يضفيه رقصها ولباسها وقيافتها من سحر على إطلالتها...وقد يتخطّى الإعجاب أشواطا ليصبح متابعوها في درجة حرّاسها، أو كما تسمّيهم حبيبة مسيكة عسكر ليْلِهَا. ولم تأب سلمى بكّار إلّا أن تفتتح شريطها بهم وهم يجوبون أسقُف المنازل إلى حين الوصول إلى سقف البيت الذي تحيي فيه سهرتها الفنيّة في إطار مناسبة عائليّة.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
شكل (07): عسكر ليل حبيبة مسيكة في افتتاحية الشريط. كما يراود مزيج الاحتفال والفرحة الدّائمة مخيّلة كلّ عاشق لحبيبة مسيكة، إذ يجد في صوتها وجمالها واطلالتها على الرّكح بلسما للألم السّياسيّ الذي يعيشه التونسيّون تحت الاستعمار الفرنسيّ، «منفتحين على جميع التأثيرات، ساعين نحو التمدّنِ عبر حياة ثقافيّة وفنّيّة  (Bessis, 2017). 
ورغم تصريح المخرجة برؤيتها الفنّيّة التي قد تغيّر بعض المعطيات، عن نظيراتها التاريخيّة، باتّباع النّسق السّرديّ للشّريط، كمشهد ارتداء حبيبة مسيكة لعلم تونس، والذي صرّحت المخرجة أنّه لا يمتّ للواقع بصلة وأنّه من محض خيالها ورؤيتها الفنّيّة. فإنّنا نُعارٍضُ النّاقِدَ الهادي خليل، الذي صنّف هذا المشهد بالكليشيه (خليل، 2008)، لِنُصَنِّفَهُ كَبِطَاقَةِ هويَّةٍ للفنّ التّونسيّ الذي تركت حبيبة مسيكة فيه أبهى بصمة وأبت المخرجة سلمى بكّار إلّا أن تُثَمِّنَهَا عبر هذا الاختيار الجماليّ الهوويّ.
 
 
 
 
 
 
 
شكل (08): تجسيد لوطنيّة حبيبة مسيكة عبر مخيال سلمى بكّار
التوهّج، فالسّكون، في مشهد رقصة النّار
إثر استعراضها في شريط البيبلوم الوثائقي الرّوائي لأبرز محطّات حياة حبيبة مسيكة ، مرّت المخرجة من توهج هذه الأخيرة الفني، إلى فنائها في لهيب نيران العشق التي أودت بحياتها، ضمن مقاربة فنية جمعت بين الحدث الواقعي الوثائقي وبين الرؤية الدرامية. وقد استعارت المخرجة سلمى بكار عنوان هذا الفيلم من عرض فني راقص سبق وأن قدمته حبيبة مسيكة وهو يحمل نفس العنوان «رقصة النار»، وأضافت سلمى قائلة «انّ لهذه الرقصة رمزية فائقة في علاقة بالبحث عن الحرية في المطلق» (بن مراد، 2016)، فالرقص في هذه السيرة الحياتية لحبيبة مسيكة هو بمثابة دائرة كونية يعبر من خلالها الفن من الفرجة إلى التماهي مع الحركة والجسد، ليخرج الجسد عن نفسه ويندفع نحو الآخر فالرقص ليس « أبدا تحرّر الاندفاع الجسدي، والطاقة المتوحّشة للجسد، بل هو خلافا لذلك توحّش الجسد للتمرّد على الاندفاع الغريزي» (باديو، 2020).
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
شكل (09): مشهد رقصة النار من الشريط
إن مقاربة الفيلم مع مشهد دوران حبيبة مسيكة حول نفسها في عرضها الموسيقي رقصة النار هو استعارة للذات التي تطوق للتحليق كسحابة عبر جسد يقف على أطرافه بكل خفة، فالجسد الراقص «هو بالضبط في حالة تدفّق خارج الأرض، خارج نفسه ... ففي الرقص، يُنظر إلى الأرض دوما بوصفها تملك تَهْوِية ثابتة، فالرقص يقتضي هبوب الهواء، وتنفّس الأرض». (باديو، 2020)، هذا النفس وهذه الروح الملتهبة هي ما حاولت سلمى بكار تقديمه، لتطرح ثنائية التشبث بالحياة، والرغبة في الانسلاخ منها للخلود فنيا، عبر علاقة عمودية بين المرأة والرجل، الحياة والموت، الأرض والسماء، حيث أن يرتبط اختيار الرقص هنا من العنوان إلى المضمون بهذه «العلاقة بين العموديّة verticalité الجاذبيّة attraction ، عمودية وجاذبية عابرة للجسد الراقص، سانحة له بإظهار مفارقة ممكنة، بين  أن يتبادل الأرض والهواء موقعهما، وأن يمرّ الواحد عبر الآخر» (باديو، 2020)، فتضيع تناظمية الجسد وسط الرقص ويصبح فكرة وموضوعا أكثر من كونه مجرد شخص. وهذا ما حاولت سلمى بكار الوصول إليه عبر «رقصة النار» لتشعل لهيب الفرجة والإثارة عبر جسد فراشة لامس برقصته الأرض والسماء، فسلمى بكار أنجزت لنا عبر هذه الرقصة المشتعلة «فيلما حول الفن والحبّ والحياة، وأرادت نقل صورة جميلة لحبيبة مسيكة، هذه الفنانة التي أحبت تونس والفن والحياة الى أن احترقت أجنحتها» (بن مراد، 2016)، فالنار هنا هي لهيب الإشعاع والمجد الذي حصدته من فنها ومعجبيها، هي الشعلة الدائرية التي رقصت حولها حبيبة مسيكة على الركح، وهي نفسها نار الحب ونار الغيرة ونار الاحتراق التي أنهت حياتها ومسيرها الفنية. 
خاتمة
قد يختلف الاهتمام بتكريم فنّان أو عالم أو شخصيّة سياسيّة متوفّية منذ عقود أو قرون من الزّمن، وذلك بناءً على اختلاف العوامل المميّزة لمسيرته ودوره الثّقافيّ والتّاريخيّ في مجال اختصاصه، لارتباط قصّة الشّريط وجوبا بجوهر حياة الشخص المكرّم وتأثيره على المجتمع. وهذا ما يسمح للجمهور، بل قد يحثّه، على إعادة النّظر لاكتشاف إرث الأفراد الذين ماتوا، وما ميّز مسارهم من إنجازات وخاصّة مدى ارتباطها بالعناصر التّاريخيّة والاجتماعية وحتى الشّخصيّة المميّزة لحياة أبطال الأشرطة البيوغرافية الذين غالبا ما تتجاوز انجازاتهم العلمية أو الفنّيّة الزّمن، وتستمرّ في كسب اهتمام واعجاب النّاس عبر الأجيال. 
وقد تتجلّى درجة نجاح ازدواجيّة في شريط بيبليوغرافيّ يكرّم شخصيّة تاريخيّة مهما كان مجال اختصاصها، لنجد أجيالا معاصرة افتُتِنَتْ بها خلال اكتشافها لها في الشّريط، مع تأكيد قدماء مولعيها من معاصريها الذين سنحت لهم فرصة مشاهدته، لمشاعرهم الفياضة التي توقظها مشاهدة الشريط إثر سنين من السّبات في رفوف قلوبهم.
وتنطبق كلّ هذه الميزات على شريط رقصة النّار للمخرجة سلمى بكّار، الذي توقظ عبره مشاعر جمهور اشتاق لسهرات حبيبة مسيكة الفنّيّة وتكامل آدائها بين الغناء والتقمّص  الاستعراضيّ والمسرحيّ، تواقة لتسليط الضّوء على مسيرة الفنّانة التي قلّت المراجع البيبليوغرافية والتاريخية والموسيقية التي تناولتها، ليكون شريطها في ذات الآن، عملا فنّيّا ينال اعجاب المشاهدين في شتّى الأصقاع  وعديد التتويجات كنيْله سنة 1996 لجائزتيْ المهرجان الدّولي للفلم الفرنكفوني في نامور ببلجيكا ومهرجان نظرات افريقيا بمونريال-كندا (CNCI, 2017)، ووسيلة تحفيز لفضول المشاهدين للعودة إلى ماضي هذي الفنانة والبحث حول مسيرتها وما نالته من اشراقة فتوهّج فسكون خلال مراوحتها بين عديد الفنون التي أتقنتها وتركت بها بصمتها رغم قصر مسيرتها الفنيّة التي لم تتجاوز مدّتها العقدين من الزّمن.
لقد نالت حبيبة مسيكة ، الفنّانة التونسيّة اليهوديّة المتعدّدة التخصّصات، شهرة جماهيريّة كبيرة أرسلت شرارتها خلال مطلع القرن العشرين واندلعت نارا ملتهبة بلغت أوجها خلال حفلاتها الاستعراضيّة الجامعة بين التقمّص والكوريغرافيا والغناء، لتنطفئ اثر حريق أضرمه فيها خطيبها الياهو ميموني تعبيرا منه على احتراق قلبه بالغيرة من معجبيها ومحبيها وعسكرها وتعلّقهم بها: سيرة ذاتيّة تكسو سيرورتها منحنيات منشار حادّة، جعلتها المخرجة سلمى بكار بمثابة خريطة سرديّة لأحداث شريط بيوغرافيّ روائيّ، ألبسته حلّة محفّز لفضول المشاهد للعودة في التّاريخ والنّبش في محطّات حياة حبيبة مسيكة الفنّيّة ومأساة موتها، ولم لا التّحفيز على اثراء المراجع التاريخية والاثنيّة والاجتماعيّة من لدن  الكتّاب والباحثين كمؤلّفتيْ هذا المقال.
Abdulrahmen Kafi. (10 04, 1924). Malzoumet Juliette [the dialect poem of Juliette](arabic). Jahjouh Journal cited in the article «ya lella kadrek aajib -thawrat habiba msika-written by Heykel Hazgui for the electronic journal Maarif on August 27th, 2021.
Ahmed Hamrouni. (2007). Habiba Msika Hayatun wa Fann (arabic) Habiba Msika: Life and art. Tunis: Alam al Kitab.
Aḥmed Ḥamrouni. (2007). Ḥabiba Msika: a life and an Art [Ḥabiba Msika: Ḥayaton wa Fann]. Tunis: ‘alam al kitab.
Ali Harb. (1990). Al Hub Wal Fanaa: Taammulat fil maraa wal ichq wal wujud (arabic). Beyrouth: Dar Al Manahil littibaa wannachr wattawzii.
Allali, J.-P. (2003). Juifs de Tunisie (éd. Editions Soline). Courbevoie, France: EDITIONS SOLINE. Consulté le 03 07, 2020
Baccar, S. (Réalisateur). (1995). La Danse du Feu (Habiba M’sika)*رقصة النار (حبيبة مسيكة) [Film]. Tunisie: Appolo Distribution. Consulté le 12 10, 2017
Baccar, S. (2017, Aout 5). Le patrimoine dans les films de salma baccar. (F. Ridene, Intervieweur) Tunis.
Bessis, S. (2017). Les Valeureuses Cinq Tunisiennes dans l’histoire. Tunis: Elyzad. Consulté le 04 15, 2023
Chiraz Ben Mrad. (08 03, 2016). Al Mukhrija Salma Baccar Takchif Khabaya film Habiba Msika (arabic). تم الاسترداد من Al jumhuriya Newspaper: https://www.jomhouria.com/art49408_%D8%A8%D8%B9%D8%AF
CNCI. (2017). Guide des flms tunisiens. Tunis: CNCI.
Cohen-Tannoudji, D. (2007). Entre Orient et Occident - Juifs et Musulmans en Tunisie. Paris, France: L’éclat. Consulté le 03 07, 2020
Darraji, N. (2006). Halfaouine Qalaatu Nidhal: Al Hayat Al Jamiiyatiya belhalfaouine wa Bab Souika -Al juze AL Awal (arabic). Tunis. Consulté le 03 10, 2020
Fantar, M. H. (2016, 01 08). Aux origines du judaïsme en Tunisie. Consulté le 02 25, 2020, sur Harissa.tn: https://harissa.com/news/article/aux-origines-du-juda%C3%AFsme-en-tunisie-par-mhamed-hassine-fantar
Fanṭar, M. H. (2016, 01 08). Aux origines du judaïsme en Tunisie. Consulté le 02 25, 2020, sur Harissa.tn: https://harissa.com/news/article/aux-origines-du-juda%C3%AFsme-en-tunisie-par-mhamed-hassine-fantar
Fiachislav Chastakov. (2010). Al Iros wathaqafa-Falsafat Al Hub wal Fan Al Ourobbi (arabic-translated from russian) (المجلد 1). (Nizar Essoud_Ayoun، المترجمون) Dar Al mada Lithaqafa Wannachr.
Gabous, A. (1998). Silence, elles tournent: les femmes et le cinéma en Tunisie. Tunis, Tunisie: Céres Editions. Consulté le 08 09, 2020
Hamdi Al Hmaidi، Moncef Charfeddine، Bubaqer Khalouj، و Ahmed Hadhik Al Urf. (2001). Qarn mina Al mAsrah Attunissi (arabic) [A centuary of the Tunisian Theater]. Tunis: Ministry of Culture, Addar Al Arabiya lil Kitab.
Heikel Hazgui. (27 08, 2021). ya lella kadrek aajib -thawrat habiba msika(arabic). تم الاسترداد من Maazef (electronic journal): https://ma3azef.com/%D8%AB%D9%88%D8%B1%D8%A7%D8%AA-%D8%AD%D8%A8%D9%8A%D8%A8%D8%A9-%D9%85%D8%B3%D9%8A%D9%83%D8%A9/
Marwa Dridi. (18 03, 2019). Ilyaho Memouni and Habiba Msika : a love story that ended by fire and parents’ curse [Ilyahoo Memouni wa Habiba Msika: Kissatou Hobin anhatha alsinatou annari walaanatou al walidayn]. تم الاسترداد من Haqaeq online: https://www.hakaekonline.com/ar/article/101868/%25D8%25A7%25D9%2584%25D9%258A%25D8%25A7%25D9%2587%25D9%2588-%25D9%2585%25D9%258A%25D9%2585%25D9%2588%25D9%2586%25D9%258A-%25D9%2588%25D8%25AD%25D8%25A8%25D9%258A%25D8%25A8%25D8%25A9-%25D9%2585%25D8%25B3%25D9
Max Weber. (2013). Al Usus Al Aqlaniya wassocilogia lelmusiqa (arabic translation of the original book) (المجلد 1). )Hassan Saqr، المترجمون(Beyruth: Center of studies of Arab Union.
Muhammed El Garfi. (2015). Nadharat fi Musiqa wal Ghinaa wal Furja -Tunis fil Qarn al Ichrin (arabic). Tunis: Matbaat fann Attibaa.
Mustapha Saoui Jouini. (1983). Afaq mina Al Ibdaa wattalaqqi fil adab wal fan (arabic). Al Maaref.
Sadok Rezgui. (1967). Al Aghani Attunisiya (arabic) [Tunisian Songs]. Addar Attunissiya linnachr.
Said Muhammed Allahham. (1996). Attaabir bil Musiqa (arabic) [Expression with music]. Cairo: Al Silsila Al Musiqiya- Manchurat dar Maktabat Al Hayat - Muassassat Al Khalil Attijariya.
Samir Becha. (2007). Attathaquf wal muthaqafa fittajarib al ghinaiya arrukhiya fi Tunis(1856-1998) Dirassa Tahliliya Musiqiya wamachhadiya. Phd defense of technics of art، Higher Institute of Fine Arts of Tunis.
Zinelaabidine, M. (2006). Les arts tunisiens dans les savoirs universels: approches musicologiques (éd. Université de Tunis). Tunis, Tunisie: Signes. Consulté le 03 07, 2020
أحمد الحمروني. (2007). حبيبة مسيكة حياة وفن. زغوان، تونس: الكتاب. تاريخ الاسترداد 20 06, 2017
أحمد الحمروني. (2007). حبيبة مسيكة حياة وفن . تونس: عالم الكتاب.
آلان باديو. (02 10, 2020). موجز إستيتيقا مغايرة (inesthétique): الرقص بوصفه مجازا للفكر ترجمة، عبد الوهاب البراهمي . تم الاسترداد من مجلة أنفاس من أجل الثقافة والانسان:
https://anfasse.org/%D8%AA%D8%B1%D8%AC%D9%85%D8%A9-%D9%88-%D8%B3%D9%8A%D8%A7%D8%B3%D8%A9/39--%D9%81%D8%B6%D8%A7%D8%A1-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%B1%D8%AC%D9%85%D8%A9/10273-%D9%85%D9%88%D8%AC%D8%B2-%D8%A5%D8%B3%D8%AA%D9%8A%D8%AA%D9%8A%D9%82%D8%A7-%D9%85%D8%BA%D
الصادق الرزقي. (1967 ). الأغاني التونسية. الدار التونسية للنشر.
الهادي خليل. (2008). من مدوّنة السّينما التّونسيّة: رؤى و تحاليل (ترجمة المؤلّف). تونس: SIMPACT.
حمدي الحمايدي، المنصف شرف الدين، بوبكر خلوج، و أحمد حاذق العرف. (2001). أحمد الحاذق العرف، بوبكر خلوج، قرن من المسرح التونسي. تونس: وزارة الثقافة، الدار العربية للكتاب.
سعيد محمد اللحام. (1996). التعبير بالموسيقى. القاهرة: السلسلة الموسيقية، منشورات دار مكتبة الحياة مؤسَسة الخليل التجاريَة.
سلمى بكّار. (31 جانفي, 2020). قصة حياة حبيبة مسيكة في شريط . (فاتن ريدان، المحاور)
سمير بشة. (2007). التثاقف والمثاقفة في التجارب الغنائية الركحية في تونس (1856-1998) دراسة تحليلية موسيقية ومشهدية. أطروحة دكتوراه في علوم وتقنيات الفنون، المعهد العالي للفنون الجميلة بتونس.
سمير بشة. (25 5, 2015). ما الموسيقولوجيا؟ (المركز التونسي للنشر الموسيقولوجي، المحرر) المركز التونسي للنشر الموسيقولوجي، 1-22. تاريخ الاسترداد 11 03, 2020، من http://ctupm.com/?p=371&lang=ar
شيراز بن مراد. (08 03, 2016). المخرجة سلمى بكار تكشف خفايا فيلم حبيبة مسيكة. تم الاسترداد من جريدة جمهورية: 
https://www.jomhouria.com/art49408_%D8%A8%D8%B9%D8%AF
عبد الرحمان الكافي. (10 04, 1924). ملزومة جوليات . جريدة جحجوح (من مقال يا لِلّا قدرك عجيب - ثورات حبيبة مسيكة لهيكل الحزقي مجلة معازف الالكتروني 27 اوت 2021).
علي حرب. (1990). الحب والفناء تأملات في المرأة والعشق والوجود. بيروت: دار المناهل للطباعة والنشر والتوزيع.
فاتن ريدان. (2021). سلمى بكار أيقونة المرأة العربية ومرآة التلاقي بين الفن والسياسة. تأليف عائشة واضح، جودة حياة المرأة العربية: المكتسبات والتحديات (الصفحات 41-55). ألمانيا : إصدارات المركز الديموقراطي العربي للدراسات الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية.
فياتشيسلاف شستاكوف. (2010). الايروس والثقافة فلسفة الحب والفن الأوروبي (المجلد 1). (نزار عيون السود، المحرر) دار المدى للثقافة والنشر.
ماكس فيبر. (2013). الأسس العقلانية والسوسيولوجية للموسيقى (المجلد 1). (حسن صقر، المترجمون) بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية.
محمد القرفي. (2015). نظرات في الموسيقى والغناء والفرجة تونس في القرن العشرين. تونس: مطبعة فنّ الطباعة.
محمّد سفينة. (18 11, 2016). المسرح التونسي : مائة عام من الفن و الفرجة. الحياة الثّقافيّة، 23(275)، 52-55. تاريخ الاسترداد 22 03, 2020، من
 https://www.facebook.com/392162387634847/photos/a.392165137634572/696182097232873/?type=3&theater
محمد عيسى المؤدب. (2019). حمام الذهب (المجلد 1). مسعى للنشر والتوزيع.
مروى الدريدي. (18 03, 2019). الياهو ميموني وحبيبة مسيكة.. قصة حب أنهتها ألسنة النار ولعنة الوالدين . تم الاسترداد من حقائق أونلاين :
https://www.hakaekonline.com/ar/article/101868/%25D8%25A7%25D9%2584%25D9%258A%25D8%25A7%25D9%2587%25D9%2588-%25D9%2585%25D9%258A%25D9%2585%25D9%2588%25D9%2586%25D9%258A-%25D9%2588%25D8%25AD%25D8%25A8%25D9%258A%25D8%25A8%25D8%25A9-%25D9%2585%25D8%25B3%25D9
مصطفى الصاوي الجويني. (1983). أفاق من الابداع والتلقي في الادب والفن. دار المعارف.
مصطفى نصر. (2016). عصر الفن الذهبي...حكايات لا تعرفها. الجيزة، مصر: وكالة الصحافة العربية (ناشرون). تاريخ الاسترداد 10 03, 2020
نعيمة الحمامي التوايتي. (10 05, 2022). قراءة في رواية حمام الذّهب للأديب التونسي محمد عيسى المؤدب. تم الاسترداد من موقع نخيل عراقي: https://iraqpalm.com/ar/a3241
نور الدين الدراجي. (2006). الحلفاوين قلعة النضال: الحياة الجمعياتية بالحلفاوين وباب سويقة-الجزء الاول. تونس. تاريخ الاسترداد 10 03, 2020
هيكل الحزقي. (27 08, 2021). يا للا قدرك عجيب - ثورات حبيبة مسيكة. تم الاسترداد من المجلة الالكترونية معازف:
 https://ma3azef.com/%D8%AB%D9%88%D8%B1%D8%A7%D8%AA-%D8%AD%D8%A8%D9%8A%D8%A8%D8%A9-%D9%85%D8%B3%D9%8A%D9%83%D8%A9/

@pour_citer_ce_document

فاتن ريدان / إيمان الصّامت, «سيرة الرّاحلة حبيبة مسيكة ومراوحتها بين الفنون: إشراقةٌ، فتوهّجٌ، فسكون»

[En ligne] ,[#G_TITLE:#langue] ,[#G_TITLE:#langue]
Papier : 127-141,
Date Publication Sur Papier : 2024-12-23,
Date Pulication Electronique : 2024-12-23,
mis a jour le : 23/12/2024,
URL : https://revues.univ-setif2.dz:443/revue/index.php?id=10226.