قراءة النادرة بين وهم المماثلة ومبدأ المغايرة
Plan du site au format XML


Archive: revues des lettres et sciences sociales


N°01 Avril 2004


N°02 Mai 2005


N°03 Novembre 2005


N°04 Juin 2006


N°05 Juin 2007


N°06 Janvier 2008


N°07 Juin 2008


N°08 Mai 2009


N°09 Octobre 2009


N°10 Décembre 2009


N°11 Juin 2010


N°12 Juillet 2010


N°13 Janvier 2011


N°14 Juin 2011


N°15 Juillet 2012


N°16 Décembre 2012


N°17 Septembre 2013


Revue des Lettres et Sciences Sociales


N°18 Juin 2014


N°19 Décembre 2014


N°20 Juin 2015


N°21 Décembre 2015


N°22 Juin 2016


N° 23 Décembre 2016


N° 24 Juin 2017


N° 25 Décembre 2017


N°26 Vol 15- 2018


N°27 Vol 15- 2018


N°28 Vol 15- 2018


N°01 Vol 16- 2019


N°02 Vol 16- 2019


N°03 Vol 16- 2019


N°04 Vol 16- 2019


N°01 VOL 17-2020


N:02 vol 17-2020


N:03 vol 17-2020


N°01 vol 18-2021


N°02 vol 18-2021


N°01 vol 19-2022


N°02 vol 19-2022


N°01 vol 20-2023


N°02 vol 20-2023


A propos

avancée

Archive PDF

N°18 Juin 2014

قراءة النادرة بين وهم المماثلة ومبدأ المغايرة


pp : 163 - 173

محمد عبد البشير مسالتي
  • resume:Ar
  • resume
  • Abstract
  • Auteurs
  • TEXTE INTEGRAL
  • Bibliographie

  تبتغي هذه الدراسة استنطاق جملة القراءات التي تشكّلت حول نوادر الجاحظ ، وتفجّرت حولها منذ ذلك الوقت ، قراءات متباينة، وتفسيرات متعارضة لطبيعتها وقيمتها الجمالية ، والدراسة هي بحث في أنماط التلقي التي دارت حول هذه النوادر ؛ وذلك من أجل الكشف عن الدور الكبير الذي تمارسه القراءة والتلقي في" تصنيع النص" وتحديد قيمته ومعناه ، كما نروم من وراء هذه الدراسة أن نتحقق أنّ القراءات والتلقيات لأي نص/نادرة إنّما هي محكومة بأفقها التاريخي وسياقهـــا الثقافي ، فهي تتحرك وَفق ما يتيحه لها أفقها وسياقها من"ممكنات" ، وفي المقابــل فإنّها ترضخ تحت الإكراهات التي يمارسه عليها هذا الأفق وهذا السياق، وهو ما يجعل من دراسة أنماط التلقي وسيلة جيّدة ليس لاستكشاف نص النادرة فحسب، بل لاكتشاف طبيعة الإكراهات التي يمارسها أفق الانتظار في توجيه القراءات ، وأثر هذه القراءات في تصنيع النص المقروء وتشكيل دلالتـه.

الكلمت المفتاحية: تأويل،  تعدد المعاني،  تغيـّرالأفق،  سرد،   القراءة

  Cette étude aborde  l’ensemble des lectures des œuvres textuelles d’EL DJAHIZ afin de les interpréter. Elle a pour  ambition d’inventorier  des typologies de réception qui ont marquées  les œuvres de cet auteur. Tout cela  est décrit  afin d’en déceler le rôle prépondérant  de la nouvelle lecture et de  la réception dans l’élaboration du sens et de  la sémantique du texte  .Par le biais de cette modeste étude , nous souhaiterions  mettre en évidence le fait que les  lectures et les réceptions émanant de tout texte sont tributaires de leur dimension historique et de leur contexte culturel .  Nous visons aussi à travers cette étude d’éclaircir,  et de mettre en place une méthode fonctionnelle de l’écrit DJAHITIEN


Mots-clés :Interprétation- Polysémie- Changement d`horizon  - Narration  - Lecture

   This study addresses all textual readings of El Djahiz’s works for interpretation purposes. Thiswill generatenewcontroversialreadings anddifferingexplanations regardingtheir natureand theircharacteristics and even theiraesthetic values. This study is nota rudimentarysearch about ELDjahiz’s textsbut hasrather the ambitionto inventoryreceptiontypologiesthat markedthe works ofthis author.Thepurposewas to identify the dominant role of the new readings and receptions in the development of meaning and semantics of the text. We would like to highlight the fact that readings and receptions from any text are dependent on their historical dimension and their cultural context. Emerging readings are in relation with well-defined contexts. Thus the study of the types of receptions is a new orientationthat will help both exploringEL Djahiz’stextual works and the nature of the constraints imposed by dimensional visions in the orientation of these new readings based on the meaning or semantics. We also aim through this study to establish a functional method of the DJAHIZIANwriting


Keywords:  Interpreting- Polysemy-Changing `horizon - Narration – Reading

تـوطئـة

يمثل الوعي بتراثنا النّثري لحظة أخرى من اللحظات التي ما فتئت تقلق تفكيرنا الأدبيّ ، منذ أصبح ما سمي بـ"الأصالة والمعاصرة"هاجسا تصدر عنه جميع الكتابات النّقديّة عن وعي أو لا وعي، فليس الاهتمام بتراث نثريّ متنوع وخصب إلا وجها لإشكال ثقافيّ يتجسّد في موقفنا من التّراث والحداثة ، وموقفنا من قضية التّجديد والإبداع. ولعلّه حان الوقت كي نجعل من الاهتمام بتراثنا النّثري لحظة تأمل فيما ينبغي صنعه من أجل تطوير الحقل النّقديّ من غير الجهة التي سعى إليها معظم نقادنا في السنوات العشرين.إنّ إشكال النّثر العربيّ القديم هو إشكال قراءته؟ وإشكال هذا النّثر هو أيضا أحد أوجه الحضارة: كيف السبيل إلى فهم طبيعتـه؟

 إنّ أيّ قارئ حصر اهتمامه لزمن طويل في قضايـا النّثر العربيّ القديم ليتساءل عن موقع هذا النّثر من الأدب كلما قرأ حديث الدّارسين المحدثين عن انفتاح النّص وتعدد المعاني Polysémie، وقابليّة التّأويل اللامتناهيّ وما إلى ذلك من العبارات والاستعارات التي تضع نصب عينها نصوصا محددة من الإبداع الحديث في مجال السّرد خاصّة ؛ ففي وقت مبكر من عصرنا الحديث بدأت نصوص الجاحظ السّرديّة من جديد تشكّل موضوعا للمناقشة وإبداء الرّأي ؛ كان النّهج في البداية يسير على منوال الأحاديث القديمة التي لا تكاد تخرج عن وضع سرد الجاحظ في موضعي الدّفاع أو الهجوم، ولكن مع تقدّم الزّمن والتّطورات التي حدثت في مناهج الدّراسات الأدبيّة في الثّقافة العربيّة تحوّل سرد الجاحظ إلى موضوع نظر وتأمّل في ضوء تعاقب سلسلة من الأسئلة ، أسهمت في الكشف عن أسراره وتفسير سماته والوقوف على معانيه المتجدّدة.

 لم يتوقّف النّثر الجاحظيّ « عن إثارة الأسئلة المتجددة بتجدّد الآفاق، وعلى الرّغم من تباين استراتيجيّات القراءة  ومناهج التّحليل ومعايير الحكم، فإنّنا نستطيع أن نستخلص من هذا التّواصل التّاريخيّ الطّويل بين القرّاء ونثر الجاحظ جملة من السّمات والمكونات التي شكّلت نسيج بلاغة نثريّة استطاعت أن تنافس بلاغة الشّعر وأن تستأثر بنظر القرّاء الذين أسهموا بشكل من الأشكال في وصفها وضبط حدودها وتقرّي آليّاتها وأصولها»1

ولا شك أنّ تجديد أفق التلقيّ الأدبيّ في العصر الحديث، والتحوّل في النّظر إلى الأدب بمعايير مختلفة، أسهم في الكشف عن أبعاد جديدة في أدب الجاحظ وإبراز مكونات وسمات ظلت محجوبة عن القراءات القديمة؛ فشيوع الأشكال والأنواع السردية والموضوعات المرتبطة بنماذج إنسانية واقعية، وهيمنة الوظيفة التخييلية في الأعمال الأدبية الحديثة، شكَّلا معايير جديدة في تلقي الأدب وتقييمه. وكان من نتائج هذا التحول في معايير أفق انتظار القرّاء العرب المعاصريــن، تحول في الأفق البلاغي لنثر الجاحظ نفسه، الذي انتقل من محور الوظيفة البيانية بمفهومها الأسلوبي الحجاجي إلى محور الوظيفة التخييلية بمفهومها التصويري السردي.

إنّ الفاحص للمدونة الأدبية الجاحظية يلحظ أنّها تثوي رصيدا غنيا من النصوص السردية تكشف أنّ تاريخ الأدب العربي نسيج مركّب من أنواع الخطاب وصيغه ، وأنماطه المختلفة ، وأنّ قيمة الجاحظ لا تكمن في إسهامه في البلاغة النظرية أو في القدرة على البيان والحجاج ، بل تظهر كذلك في قدرته على التصوير السردي للعالم من حوله ، وقد كان له أسلوب متميز في السرد 2

 تعد النادرة جنسا أدبيا سرديا طريفا، يندرج ضمن الأدب الهزلي الساخر، الذي يتميز عن الأدب الجاد، غايته الأساس إمتاع السامع أو القارئ بتسليته، وانتزاع ضحكته، من مقاصده التداولية النقد والتهكّم والسخرية والإصلاح والتهذيب وتعديل السلوك وتقويم الأخلاق.

وعلى الرّغم من قلّة النّصوص النّقديّة في موضوع النّادرة فإنّ ما توافر منها يكشف عن وعي القدماء بوجود جنس أدبيّ يتطلّب التّسميّة ،ويتطلّب التّفكير في صياغة معاييره وضبط حدوده البلاغيّة ؛  ورد في كتاب أبي حيّان التّوحيديّ «البصائر والذّخائر» أنّ «ملح النادرة في لحنها، وحرارتها في حسن مقطعها، وحلاوتها في قصر متنها، فإن صادف هذا من الرّواية لساناً ذليقاً، ووجهاً طليقاً، وحركة حلوة، مع توخّي وقتها، وإصابة موضعها، وقدر الحاجة إليها فقد قضي الوطر، وأدركت البغية»3.  هذا النّصّ، يدفع المتأمّل إلى التّساؤل عن سرّ الاقتران بين النّادرة واللّحن، والإجابة يقدّمها الجاحظ في النّصّ الآتي بقوله: «وإذا كان موضع الحديث على أنّه مضحك ومله وداخل في باب المزاح والطيب، فاستعملت فيه الإعراب، انقلب عن جهته، وإن كان في لفظه سخف وأبدلت السّخافة بالجزالة صار الحديث الّذي وضع على أن يسرّ النّفوس يكربها ويأخذها بأكظامها»4.

    ينبغي التأكيد في هذا السياق أنّ الجاحظ اعتنى عناية خاصة بالنوادر بوصفها نوعا أدبيا قائم الذات،قصده الإضحاك والإعجاب يحكيها المتكلمون ويتناقلها الناس، ولشدة ارتباط وظيفتها ببنيتها وهيئة الكلام فيها وجب على حاكيها وناقلها احترام خصائص اللغة لدى الطبقــة التي ينقل عنها ويشمل ذلك صورة الكلام ومخارجه وعاداتهم في أدائه ، ذلك أنّ المقاصد « قد تتم بالخصائص السلبية كالسخف والعجمة وهذا يعني أنّ الوظيفة ليست دائما رهينة مكانة النص في الفصاحة والبيان بل إنّ فصاحتها وبلاغتها في خروجها عن المألوف منها»5

يقول الجاحظ :« إنّ الإعراب يفسد نوادر المولدين ، كما أنّ اللّحن يفسد كلام الأعراب؛ لأنّ سامع ذلك الكلام إنّما أعجبته تلك الصورة وذلك المخرج، وتلك اللغة وتلك العادة، فإذا دخلت على هذا الأمر – الذي إنما أضحك بسخفه وبعض كلام العجمية التي فيه – حروف الإعراب والتحقيق والتثقيل وحولته إلى ألفاظ الأعراب الفصحاء، وأهل المروءة والنجابة، انقلب المعنى مع انقلاب نظمه، وتبدلت صورته »6.

 تعمد النّادرة كما يفهم من النصوص السابقة إلى إقحام اللّهجات الحيّة والعجمة، والمزج بين الجدّ والهزل، والازدواجيّة اللّغويّة والمزج بين الفصحى والعاميّة، ومناسبة الكلام للمقام. فهل يعني هذا أنّ ملاحتها تقترن باللّحن؟ وأنّ الانزياح عن قواعد اللّغة في الإعراب، والعدول عن الصّيغ الصّحيحة يضيفان إلى النّادرة قيمة جماليّة تعدمها في حال الالتزام بالإعراب وتحامي اللّحن؟

    إنّ ملحة النّادرة تكمن في ارتباطها بصاحبها، وعلى الكاتب أن يراعي المستويات اللّغويّة والاجتماعيّة لشخصيّاتها، فلكلّ طائفة لغتها الّتي تتميّز بها، إذ إنّ لغة الأعراب تختلف عن لغة المولّدين، ولغة العلماء تختلف عن لغة العوامّ.

    إنّ انكباب النّقد القديم على أجناس أدبيّة معيّنة كالشّعر والتّرسل حال دون الاهتمام الواسع بأجناس السّرد، ومنها النّادرة الّتي ستحتفي بها الدّراسات الحديثة.

 إنّ المقاربة المؤسسة على مبدأ التّماثل بين الأدب القديم والأدب الحديث -سواء بالنّظر إليه بوصفه أدباً ناشئاً في طور النّموّ، أم باعتبار ما ينبغي أن يكون عليه- تجعل من الأدب القديم يسقط ضحيّة نموذجيّة الأدب الحديث، تارة عندما يجد فيه الباحث ما كان يجب أن يلقاه، وتارة عندما لا يجد فيه ما كان يبتغيه. في الحال الأولى-القراءة التي تنظر إلى الأدب القديم بما هو أدب ناشئ في طور النمو- يتمّ إلغاء خصوصيّة الأنواع القديمة ومغايرتها لمصلحة أدب يتعالى على الزّمان والمكان ولمصلحة قيم كونيّة تبتلع الخصوصيّة الجماليّة التّاريخيّة لآداب الأمم والحضارات، وفي الحال الثّانيّة-القراءة التي تنظر إلى الأدب باعتبار ما ينبغي أن يكون عليه- يتم إلغاء هذه الأنواع واستبعادها كليّةً لمصلحـة أنـواع أفرزتهـا ثقافات حديثة وآداب جديدة. إنّ القراءة القائمة على المماثلة هي قراءة «منحازة إلى النّموذج الجماليّ الأدبيّ الحديث، تستخدمه أحياناً معياراً تعيد في ضوئه صياغة أنواع أدبيّة قديمة، وتستخدمه أحياناً معياراً لمحاكمة هذه الأنواع واستبعادها»7. أمّا القراءة القائمة على مبدأ المغايرة بين الأدب الحديث والأدب القديم، فهي قراءة «تؤمن بالخصوصيّة الجماليّة للأنواع السّرديّة القديمة واستقلالها عن التّصوّرات الجماليّة الحديثة»8؛ بمعنى أنّها تبحث في هذه الأنواع عن الأسئلة الّتي أثيرت في الزّمن الّذي تشكّلت فيه، وعن طبيعة الإجابات المقدّمة.

يتأكد التذكير في البدء أنّ الأشكال الجمالية التي رسّختها أنواع القص الحديثة في وعي القراء وذوقهم الفني، شكلّت أفقا بلاغيا انطلق منه بعض هؤلاء في حوارهم مع نصوص الجاحظ النثرية؛ هذا الحوار الذي تفتق عن بلاغة مغايرة للبلاغة التي رفعت من شأن الجاحظ وحلقت بـــه في الآفاق9.

    إنّ القراءة الّتي تجعل الأدب الحديث معياراً لأدبيّة الأدب القديم أنتجت فيما يقول الباحث عبد الواحد التهامي العلمي « نمطين من المواقف النّقديّة بصدد الأنواع السّرديّة القديمة. يتمثّل الموقف الأوّل في إدانة السّرد القديم بحجّة ابتعاده عن معايير الأدب الحديث أو كسره لمبدأ المماثلة الضّروريّ. ويتمثّل الموقف الثّانيّ في تقريظ السّرد القديم بحجّة استيعابه لجملة من معايير الأدب الحديث أو تجسيده بمبدأ المماثلة. وفي الحالتين معاً (أي موقف الإدانة وموقف التّقريظ)تتبنى القراءتان مبدأ المماثلة، أي البحث عن نظير تراثيّ للأنواع الحديثة».10

1-علي عبيد ومأزق المماثلة*

     في مقاربة بعنوان «في تحليل النص السردي القديم النادرة أنموذجا»11صدرت في 2012 يرى الباحث علي عبيد أنّ نادرة«مادار بين رمضان وشيخ أهوازي» تستوعب جلّ خصائص جنس الخبر التي ضبطها الدارسون المحدثون«فقد كانت بنيته الحدثية بنية بسيطة وشخصيتاه علامتين موظفتين لأداء أدوار محدد،ومقاطعه محتكمة إلى علاقة سببية »12

 تصدر قراءة علي عبيد إذن عن معايير فن القصة القصيرة الحديثة في تفسيره للسمات الفنية التي تشكلت منها نوادر البخلاء؛ إذ لا يكتفي الباحث باستثمار خبرته الجمالية القصصية الحديثة في تحليله للنوادر، بل يتخذ من القص الحديث معيارا يقيس به بلاغة النوادر ويحدّد به قيمتها الجمالية.

لقد فحص الباحث نادرة «مادار بين رمضان وشيخ أهوازي» باعتبارها تتوافر على عناصر القصّة كالشّخصيّات والحوار، والأحداث، والمكان، والزّمان، والتّصوير النّفسيّ  للشّخصيّات ، والحبكة Intrigue؛ لذلك فقد حلل هذه النادرة في ضوء المنهج السردي الحديث، مستعينا بنظريات متنوعة ؛ نحو نظرية جيرار جنيت (Gerard Genette) في تحليل الخطاب القصصي ، و نظرياتتزفتان تودوروفT.Todorov، كما استفاد من منجزات فلادميربروب ، ومن بعض نظرية قريماس.

    والحال هذه فقد عكف الباحث على تقسيم مقاربته إلى مستويات ثلاثة ؛ تناول في أولها النّص من حيث هو حكاية (Histoire) فتدبّر فيه الأعمال والفواعل ، وفي ثانيها اهتم به خطابا قصصيا (Discour narratif)، فخاض في الزمن ، وصيغ التمثيل ، والصوت السّردي ، ونظر في المستوى الثّالث في الدلالـة.

        ومن اللاّفت للنّظر أنّ الباحث يرى أنّ خطاب الجاحظ السردي «اتّسم باقتصاد أساليبه، وأما ترتيب أحداثه فكان تعاقبيا»13كما استخلص أنّ خطاب الجاحظ فيه تناوب بين السرد والحوار، علاوة على رؤية مصاحبة أضفت عليه مزيدا من الحيوية والإيهام بالواقع ولئن بدا في ظاهره كلاما متواترا مداره على الاتّباع فإنّه في باطنه تخييل وابتداع 14

وقــد أنهـى البـاحث مقاربته بخاتمة تثوي بين طياتها معياريّة واضحة  ، يقـول«هكذا نتبين أنّ نص الجاحظ هذا وإن اندرج في نطاق الخبر الأدبيّ الذي راج في القرن الثالث للهجرة وألمّ بخصائصه الفنيّة فإنه انطوى أيضا على جنس محدث آخر هو النادرة نستشفه فيه من سمات لعلّ أبرزها التنصيص على مقام التندر وقاعدتي الاسم واللغة ومراعاة قانون المشاكلة والتوسل بالايجاز والإضحاك فضلا عن التّهكم و الّسخرية. ولعلّ في هذا التعالق/التنازع ما بين الخبر والنادرة ما يعزز القول بعلاقات التفاعل بين الأجناس (Les rapports de genericite)في النصوص الأدبية ولا سيما القديمة منها»15.

إنّ قراءة الباحث كما وقفنا عليه كشفت عن تصور يقيم تطابقاً بين القصّة القصيرة الحديثة وبين نوادر الجاحظ على الرّغم من الاختلاف الشّاسع بين هذين الجنسين؛ وهذا التّماثل بين الجنسين  -الّذي انطلق منه الباحث-  كان مسؤولاً عن إسقاطه لمعايير القصّة الحديثة والقصّة القصيرة على قصص الجاحظ، وقد صرفه هذا التّماثل عن التماس وجوه الاختلاف بين الجنسين أو عن أيّ فحص للسّمات المميّزة للقصص القديم.ومنثم لم تراع قراءة الباحث علي عبيد الفروق البلاغية النوعية بين القص القديم وآليات القراءة الحديثة، ولم تقم التفاعل المطلوب بين الأفق البلاغي للسرد الجاحظي/ القديم والأفق البلاغي السردي الحديث.

ومن هذا المنطلق نلاحظ أنّ قراءة علي عبيد للقصص القديم صدرت عن معيار «الجنس القصصيّ الحديث» أي فنّ القصّة القصيرة؛ وإذا كان من حقّه، بل وهو شيء منطقيّ، أن يقرأ النّصّ السّرديّ القديم في ضوء الخبرة القصصيّة الحديثة، وفي ضوء الوعي القصصيّ الحديث، وأسئلة النّقد القصصيّ الماثلة في سياقه المعاصر، فإنّه ليس من حقّه أن يغيّب الأفق الجماليّ القديم وأسئلته الجماليّة؛ فدمج الأفق الحديث في الأفق القديم لا يعني إلغاء أحد الطّرفين لمصلحة الآخر.

        إنّ كثيرا من قرّاء الجاحظ وفق معيار المماثلة وقع أسير الإبهام، والغموض، والتطبيق الحرفي للمقولات السردية**دون الأخذ بالحسبان اختلاف الأسيقة الثقافية للنصوص الأدبية. وتعضيدا لهذه الرؤية يذهب عبد الله إبراهيم إلى أن  كثيرا «من المفاهيم الجديدة أقحمت في غير سياقاتها، وفي حالات كثيرة وقع تعسّف ظاهر في تطبيق نماذج تحليلية اشتقت من نصوص أجنبية بالفرنسية أو الإنجليزية على نصوص عربية من دون الانتباه إلى مخاطر التعميم. واستعيرت طرائق جاهزة عُدّت أنظمة تحليلية ثابتة وكلية لا تتغير بتغير النصوص وسياقاتها الثقافية. ومن الطبيعي أن يرتسم في الأفق تكلّف لا يخفى؛ إذ تنطع للنقد أفراد أرادوا إبراز قدرتهم على عرض مفاهيم السردية، وليس توظيفها في تحليل نقدي جديد. وكل هذا جعل تلك الجهود تحوم حول النصوص، ولا تتجرأ على ملامستها. ويمكن تفسير كثير من تلك العثرات على أنها نتاج الانبهار بالجديد، وادعاء الاقتران به، وتبنّي مقولاته، دون استيعابه، وهضمه، ودون تمثل النظام الفكري الحامل له»16.

وفي ضوء علاقة بعض قرّاء الجاحظ – وفق ما سميناه القراءة بالمماثلة- الشائكة بالسردية، انصرف الاهتمام إلى المفاهيم والنماذج التحليلية، وندر أن جرى اهتمام معمق باستكشاف مستويات النصوص الأدبية الجاحظية ، فالأكثر وضوحا كان استخدام النصوص لإثبات صدق فرضيات السردية، وليس توظيف معطياتها لاستكشاف خصائص تلك النصوص، إذ قلبت الأدوار، وأصبحت النصوص دليلا على أهمية النظرية وشمولها، وانتهى الأمر إلى أن أصبحت المقولات السّردية شبه مقدّسة لدى عدد كبير من ممارسي النقد. وكل نص لا يستجيب للإطار النظري الافتراضي يعد ناقصا وغير مكتمل، ولا يرقى إلى مستوى التحليل، وينبغي إهماله، أو نفيه من قارة السرد، ولهذا شُغل بعض النقاد بتركيب نموذج تحليلي من خلال عرض النماذج التحليلية التي أفرزتها آداب أخرى، فجاءت النصوص العربية على خلفية بعيدة لتضفي شرعية على إمكانات النموذج التحليلي المستعار وكفاءته، وبدل أن تستخدم المقولات دليلا للتعرف إلى النص، جرى العكس، إذ جيء بالنصوص لتثبت مصداقية الإطار النظري للسردية.

 إنّ علاقة مقلوبة بين السردية والنصوص الأدبية الجاحظية ستفضي لا محالة إلى قلب كل الأهداف التي تتوخاها العملية النقدية، فليس النقد والقول لعبد الله إبراهيم «ممارسة يقصد بها تلفيق نموذج تحليلي من نماذج أنتجتها سياقات ثقافية أخرى، إنما اشتقاق نموذج من سياق ثقافي بعينه دون إهمال العناصر المشتركة بين الآداب الإنسانية الأخرى، ثمّ الاستعانة به أداة للتحليل، والاستكشاف، والتأويل، وليس تمزيق النصوص لتأكيد كفاءة ذلك النموذج الافتراضي. تلك العلاقة المقلوبة بين السردية والنصوص قادت إلى هوس في التصنيف الذي لا ينتج معرفة نقدية، ولا يتمكن من إضاءة النصوص، ناهيك عن التصميم المسبق لفرض النموذج على نصوص لا يفترض فيها أن تستجيب له إلا بعد تخريبها»17.

2- محمد مشبال والوعي بالمغايرة

     يبدو أنّ مرحلة الانبهار بالأدب الغربيّ وتبخيس الموروث الأدبي القديم، قد انقضت بحكم بروز تصوّرات نقديّة تؤمن بأنّ الأدبيّة مفهوم سوسيو-اريخيّ18يحدّدها الوعي الجماليّ المهيمن في فترة تاريخيّة معيّنة. على هذا النّحو لم تعد الأدبيّة أو مجموع المعايير المحددة للأدب، مفهوماً لا زمنيّاً أو مطلقاً. وفي ضوء ممارسة هذا التّصوّر حظيت نصوص الجاحظ السّردية بنظرة جديدة أعادت اكتشافه وتحديد هويّته.

 تؤمن القراءة القائمة علىمبدأ المغايرة بين الأدب الحديث والأدب القديم كما مرّ بنا بالخصوصيّة الجماليّة للأنواع السّرديّة القديمة واستقلالها عن التّصوّرات الجماليّة الحديثة ؛ بمعنى أنّها تبحث في هذه الأنواع عن الأسئلة الّتي أثيرت في الزّمن الّذي تشكّلت فيه، وعن طبيعة الإجابات المقدّمة.

وفي هذا النّمط من القراءة يؤمن الباحث بمبدأ الاختلاف والهويّة وديموقراطية وسائل التّعبير الإنسانيّ؛ بمعنى أن قراء الجاحظ ضمن هذا النمط من الفحص سعوا إلى صياغة أسئلة لا تنطلق من إحساس بتفوق الآداب الحديثة ؛ أي إنهم انطلقوا من ضرورة اكتشاف أدب الجاحظ في ذاته بصرف النظر عن تطابقه مع الأدب الحديث.

ومن هؤلاء القرّاء نذكر الباحث محمد مشبال الذي تعد مقارباته لنوادر وأخبار الجاحظ من أطرف القراءات الحديثة الّتي جسدت أفق المغايرة في أثناء فحصها للموروث السردي الجاحظي.

أفصحت مقاربة محمّد مشبال المعنونة بـ «بلاغة النّادرة»19عن طموح إلى الإسهام في تجنيس النّادرة الّتي يراها الباحث نوعاً سرديّاً ينطوي على سمات ومكوّنات. فالنّادرة -حسب المؤلّف-جنس أدبيّ مخصوص ينزع منزع الطّرافة والفكاهة والضّحك20 ويقصد الباحث بالمكوّنات، العناصر الضّروريّة الّتي يقوم عليها جنس النّادرة وهي: الطّرافة، وصورة اللّغة، والعبارة الختاميّة. وتعدّ الطّرافة مكوّناً بلاغيّاً في جنس النّادرة، حيث تعمل مختلف الوسائل السّرديّة على تشكيله؛ فلا وجود لجنس النّادرة من دون هذا المكوّن.

وتعني «صورة اللّغة» اقتران الكلام بصاحبه ومستواه الاجتماعيّ. حيث تعمد النّادرة إلى التّنوّع الأسلوبيّ، عندما تدخل في تكوينها البلاغيّ لغات المتكلّمين. وتنتهي كلّ نادرة من نوادر الجاحظ بـ«عبارة ختاميّة» تعمل على إثارة الضّحك والموقف المتوتر، وتنبني العبارات الختاميّة على المفاجأة والتّلاعب بالألفاظ والمهارة في التّعبير عن الموقف.

 بيد أنّ هذه المكوّنات الّتي تحدّد جنس النّادرة لا بدّ لها من سمات تسندها، إذ لا يقوم بالعناصر الضّروريّة فقط، ولكن أيضاً بالعناصر الثّانويّة الّتي تحضر وتغيب، وهو ما يسمّيه المؤلّف بالسّمات كـ«الحجّة الطّريفة» وهي حجّة تتناقض مع مقتضيات المقام. و«الحيلة» وهي تتجسّد في مواقف وأفعال طريفة، و«التّعجيب» الّذي يقوم على جملة من المظاهر، ويستدلّ المؤلّف ببعض النّوادر الّتي تصوّر أعاجيب بخلاء الجاحظ، نادرة أبي عبد الرّحمن المعجب بأكل الرّؤوس، ونادرة ليلى النّاعطيّة الّتي ترقّع قميصاً لها وتلبسه، حتّى صارت لا تلبس إلاّ الرّقع...، ثمّ نادرة المغيرة بن عبد الله.

 ويؤكّد المؤلّف أنّ هذه السّمات الثّلاث (الاحتجاج والحيلة والتّعجيب) لا ينفصل بعضها عن بعض، ويقف الباحث على سمة أخرى من سمات الهزل في أدب الجاحظ عامّة ونوادره خاصّة، وهي ما أسماه بـ«التّضمين التّهكّميّ».

و«التّضمين التّهكّميّ» سمة أسلوبيّة يتضافر مقوّمان بلاغيّان في تكوينها، يتمثّل المقوّم الأوّل في «التّضمين» والثّاني في «التّهكّم».

وتعدّ «المقابلة» سمة أخرى في النّادرة، وهي تتجلّى في بعض النّوادر في التّقابل بين فخامة الأسلوب وبين تفاهة الموضوع وضآلة قيمته، وتقابلا يتمثّل في تجاور محاسن الشّيء ومساوئه، وتقابل السّلامة، والتّقابل بين موقفين أو مشهدين تصويريّين.

      يرى الباحث أنّ الجاحظ صارع فكرة عجز اللّغة عن تمثيل الأشياء وأخذ يعتصر ما تختزنه اللّغة من طاقة تصويريّة كفيلة بمضاهاة الرّؤية العيانيّة؛ فالجاحظ كان بارعاً في التّصوير اللّغويّ القائم على تشغيل جميع مظاهر الطّاقة اللّغويّة الّتي يتطلّبها موضوع مخصوص كتصوير الأكول الشّره.21

هذه خلاصة تصور الباحث الّذي يبدو أنّه يوسّع البلاغة لتعانق رحابة الأعمال الأدبيّة بشتّى أشكالها وأنواعها وأنماطها. هذا الطّموح العلميّ إلى تأصيل البلاغة الّذي عبّر عنه في كتاباته الأخرى، هو ما كانت ترومه الاجتهادات البلاغيّة العربيّة الحديثة مع أمين الخولي الّذي لا يفتأ يستلهمه الباحث في أكثر من مناسبة.

 يتبيّن ممّا سبق أنّ النّادرة نوع سرديّ هزليّ يندرج ضمن جنس الخبر، وقد يستقلّ بذاته؛ وتشير قراءات أخرى إلى أنّ ما وصف بالنّادرة عند أصحاب هذه القراءات يصنّف في إطار الخبر كما نجد ذلك عند شكري عيّاد ومحمّد القاضي*. فلا فرق عندهما بين جنسي الخبر والنّادرة؛ إلاّ أنّ فرج بن رمضان يجعل نصوص الجاحظ السّرديّة الهزليّة على الرّغم من انتمائها إلى مجال الأخبار، تتميّز بمكوّنات تضفي عليها صفة الاستقلاليّة عن جنس الخبر إذ إنّها تعدّ «جنساً قائماً بذاته صالحاً للدّراسة على حدة»22.   لقد حدّد الباحث ثلاثة روابط على الأقلّ تشدّ كتاب البخلاء إلى المدوّنة الخبريّة: رابطة التّسميّة، ورابطة السّند، ورابطة القصصيّة.

رابطة التّسميّة: لا يميّز الجاحظ بين مصطلحي: النّادرة والخبر؛ فهما في نظره مفهومان متقاربان من حيث المعنى وخصوصاً حين تردان عنده في صيغة الجمع «النّوادر»، «الأخبار».

رابطة السّند: لقد لاحظ الباحث أنّ السّند «شائع» في كتاب البخلاء؛ إذ إنّ الجاحظ يسلك فيه طرقاً مختلفة. فقد يحيل السّند إلى أشخاص وأعلام مشهورين ومعروفين بأسمائهم، وقد يحيل إلى راوٍ غير معروف أو أنّ الجاحظ تعمّد التّستّر عليه، وقد يلجأ الجاحظ إلى «التّصرف في فنون الإسناد»23.

رابطة القصصيّة : يرى الباحث أن «القصصيّة» صفة ثابتة في الخبر متغيّرة في النّادرة بحيث تصبح مقوّماً ثانويّاً فيها24.

ويرى أنّ النّادرة والخبر يشتركان في مكوّنين هما: قصر الحجم وبساطة التّركيب، كما أنّهما معاً يعتمدان على السّند والقصصيّة مكوّنين نوعيّين، بيد أنّ النّادرة قد تستغني عن السّند. أمّا ما يميّز النّادرة عن الخبر فهو «الهزليّة» الّتي يفتقر إليها الخبر وتتوافر في النّادرة.

يرى الباحث أنّ النّادرة لا تكون نوعاً أدبيّاً إلاّ بحضور مكوّنين أساسيّين هما: القصصيّة والهزليّة؛ وأمّا الاقتصار على الهزليّة فإنّه غير كافٍ لإقامة النّادرة: «إذا كانت نادريّة النّادرة تكمن في هزليّتها وقدرتها على إثارة ضّحك المتقبّل، فإنّها إذا ما اقتصرت على شرط الهزليّة فقدت أهمّ مقوّماتها إذا أضيفت إلى أجناس أخرى من قبيل: الأحاديث والأخلاط والأشتات والمتلفّظات الشّبيهة بها من قبل هزليّتها لا أكثر»25.

      وعلى هذا الأساس لا يقبل فرج بن رمضان تصنيف مجموعة من نصوص البخلاء الهزليّة في إطار النّادرة لأنّ «النّادريّة» أو «الهزليّة» تتحقّقان في البخلاء فعليّاً من دون اللّجوء إلى القصصيّة. أمّا محمّد الخبو فإنّه ينظر إلى النّادرة باعتبارها نمطاً خطابيّاً وليس نوعاً أدبيّاً، إذ يرى أنّها تشمل كل النّصوص الهزليّة في كتاب «البخلاء» كالقصص، والأقوال المطوّلة في شكل رسالة أو ردّ أو وصيّة، والأقوال المتبادلة من نوع ما جرى بين أبي عثمان والحزامي ومن نوع ما دار بين الجاحظ ومحمّد ابن أبي المؤمل. ومن هذا المنطلق، يظهر -في نظر الباحث-أنّ كل نصوص كتاب «البخلاء» تندرج ضمن النّوادر لتوفّرها على عنصر الهزليّة. وبهذا انتهى الباحث فرج بن رمضان إلى أنّ كتاب البخلاء مصنف أدبي يضم أجناسا خطابية مختلفة الملحة الخاطفة، النادرة المكتملة ، النادرة التي تتضمن رسالة ، الرسالة المستقلة مقاطع و صفية تصور نمادج هامشية ، فقرات في الحديث عن صنوف الأطعمة ، كما أشار فرج بن رمضان إلى أن التدخل بين مواد أدبية متنوعة يشكل سمة في تكوين بلاغة الرسالة الأدبية عند الجاحظ .

لقد لامست هذه القراءات مكوّنات النّادرة والخبر على الرّغم ممّا نجد فيها من أفكار متعارضة، بحيث كانت واعية بما يتميّز به هذا الجنس الأدبيّ القديم (وإن كان غالبا ما يعرض على المتلقّي شكلا من أشكال القصص يختلف تماماً عن أشكال القصّة الحديثة).

 وقد رصد إبراهيم بن صالح وهند بن صالح الشويخ مكوّنات النّادرة وسماتها في «البناء القصصيّ» الّذي يشتمل على نواة أو نواتين سرديّتين، وفي «الرّواية» الّتي تقوم على السّند والمتن، وفي «بناء الشّخصيّة» الّتي تقوم على التّصوير الفكاهيّ والإحالة على الواقع، وفي«القصديّة»الّتي تتمثّل في الإضحاك والنّقد لأجل الإصلاح26.

إنّ جعل النّادرة مساوية للخبر يحصرها في النّصوص السّرديّة. فالنّادرة في أصلها خبر هزليّ، تتحدّد بالهزل الّذي يتجسّد في السّرد. والجدير بالذّكر أن الباحثَيْنِ اعتمدا في دراستهما لنصوص كتاب «البخلاء» على النّصوص الهزليّة؛ فالنّادرة في جوهرها لا تستوعب إلاّ النّصوص الهزليّة.

وقد سعيا إلى اقتراح تصنيف «أكثر تأليفا وأقل تفصيلا»27يقوم على ثلاثة أصناف كبرى28:

نادرة الاقتصاد في النفقة، وتقوم على نواة سردية واحدة تتمثل في استخدام الشيء بطريقة غريبة لأجل التوفير.

نادرة الضيافة، وتقوم على نواتين سرديتين؛ الدعوة إلى الضيافة وإبطالها بحيلة أو حجة، حيث ينجح البخيل في انتحال صفة الكرم.

نادرة البخيل المريض، وتقوم أيضا على نواتين سرديتين؛ الاستيلاء على ممتلكات البخيل وفرض الضيافة، ثم التعبير عن الفشل في منع الإساءة إلى حد المرض.

والحق أنّ هذا التصنيف المقترح، لا يخلو هو أيضا من النقص نفسه الذي لاحظه صاحباه في تصنيف توفيق بكار؛ ففي كتاب "البخلاء" نوادر كثيرة ذات أهمية سردية وأدبية لا يشملها هذا التصنيف؛ أشير هنا إلى نادرة محفوظ النقاش ونادرة علي الأسواري ونادرة أبي مازن وغيرها من النوادر.

          ولقد قدم الباحثان تحديدا للنادرة لم يخلُ من مشكلات، على الرغم من أنّه لامس أبرز سمات بلاغتها المخصوصة. فالنادرة في تصورهما:« تعني الخبر الطريف أو القصة المستملحة التي تثير في السامع أو القارئ عجبا أو دهشة أو ابتسامة أو ضحكا، وغايتها التسلية والاستمتاع بما يحكى أو النقد والسخرية والوعظ والإصــلاح. »29

           إنّ وصف النادرة بالخبر يلحقها حسب مشبال بحقل السرد، ويمكن الخبر أن يحتوي عدة أنواع سردية؛ هكذا تكون النادرة في الأصل خبرا هزليا، تتحدد هويتها الجنسية بالهزل المجسد سردا. غير أن الباحثين عندما يسندان إلى النادرة سمتي التعجيب والدهشة، فإنهما يثيران الغموض حول مفهوم النادرة باعتبارها جنسا أدبيا هزليا، ذلك أن سمة التعجيب تحيل إلى حقل بلاغي مغاير لبلاغة الضحك. فهل تستوعب النادرة نصوصا غير هزلية؛ نصوصا توصف بالغرابة والتعجيب؟!30

إنّ نصوص كتاب "البخلاء" التي اعتمدها الباحثان في دراستهما، نصوص هزلية لا يوجد بينها نص يخرج عن النمط الهزلي إلى النمط العجيب أو الغريب المفارق للواقع الطبيعي، الذي لم يكن الجاحظ يقبله في حكيه، يقول في كتابه "البخلاء": «الإفراط لا غاية له. وإنما نحكي ما كان في الناس، وما يجوز أن يكون فيهم مثله»،31وهذا يعني أنّ النادرة تقوم _في جوهرها_ على النمط الهزلي. ولعل هذا هو موقف الباحثين، حتى وإن أفصح تحديدهما للنادرة عما يخالفه.

وإجمالا فقد قامت قراءة الباحثين على مطابقة التصوير بالوصف في جانبيه الحسي والنفسي، مما سيمكن التحليل الدقيق من الوقوف على جملة من السمات التي تجسّدت بها صورة البخلاء والأكلة، مما أفضى بهما إلى الاقتراب من بلاغة الصور النثرية بصرف النظر عن وعيهما النظري بالخصوصية النوعية للتصوير النثري. لنتأمل هذه القراءة في إحدى نوادر الجاحظ:« إنّ حشد أفعال مثل جحظت-سكر-سدر-انبهر-تربّد-عصب، وإيرادها متلاحقة هي التي تخلق في نفس القارئ نوعا من التوتّر والتحفّز إلى معرفة ما سيقع للبخيل الرّغيب وهو في حالة تشنج مرضية، لقد ظل الجاحظ يكثّف من القرائن اللّغوية ويضخّم من مدلولاتها حتّى يهتدي إلى العنصر الذي يجعل من هذه الصورة صورة قوية ذات نفوذ، وهذا العنصر هو عنصر الخوف»32

إنّ التوتّر والتّحفيز والتكثيف والتضخيم والخوف تشكّل جميعها سمات صورة البخيل أو بلاغة التصوير النثري في هذه النادرة ، على نحو ما تشكلهما سمة النقل الواقعي الدقيق العاري عن المجاز33.

وهكذا نصل إلى أنّ النّادرة الجاحظية كما وقفت عليه معظم الدراسات تراوح بين شكلين مختلفين: نوادر موجزة تركّز على حدث واحد، أو شخصية محوريّة واحدة، ولا تولي للبنية الزمكانية اهتماما، وتنحو نحو الإيجاز في القصّ، بدل التفصيل والإسهاب. ونوادر قصصية ممتدّة تتّسم بالامتداد السردي والخطابي، وتعتمد على مجموعة من الأحداث المتسلسلة والمترابطة، ولا تكتفي بحدث واحد، كما تعتمد عنصر الإثارة والتشويق، وتتمحور حول شخصية رئيسة وشخصيات ثانوية، وتقوم على الوصف والتصوير الدقيق للشخصية المحورية، بالتركيز على ما هو خارجي (ملامح الشخصية وحركاتها وسكناتها...)، وما هو داخلي مرتبط بانفعالاتها، وبخوالجها النفسية الدفينة.

وإجمالا، فقد وقفنا على القراءات المختلفة التي عملت على النظر في نوادر الجاحظ، بحيث اختلفت رؤية ومنهجا وتصنيفا وتجنيسا، وهذا طبيعي نظرا لاختلاف المنطلقات والمرجعيات التي انطلق منها كلّ باحث من جهة، وهو ما أفضى إلى تباين واختلاف النتائج وطبيعة المعايير المعتمدة من لدن الدارسين في تصنيفهم وتجنيسهم؛ كاعتماد معيار الموضوع أو المضمون، أو اعتماد معيار الصيغة، أو معيار الأسلوب أو معيار الأنساق بمفهومه البنيوي، أو غيره.

إنّ الذي نحرص على تأكيده من خلال ما تقدم بيانه هو تأكيد المبدأ النّظريّ القائل « إنّ التّحوّلات الّتي يخضع لها وعي القرّاء وحاجاتهم وتصوّراتهم ورُؤَاهم، تؤثّر في بنية النّصّ المقروء وفي دلالاته ووظائفه وقيمه؛ فالأجناس السّرديّة القديمــة ؛ لم تكفّ عن التّحقّقّ في وعي قرّائها وفي تمثّلاتهــم المختلفة لها.»34.. والحال هذه فقد لاحظنا أنّ نصوص الجاحظ (النّـادرة ، الخبـر...)اكتسبت دلالاتٍ وقيماً مختلفةً عبر تاريخ تّلقّيها؛ فقد خضعت في البداية إلى ضرب من المقارنة غير المتكافئة مع فنون السّرد الحديث، ممّا عرّضها للإدانة والتّحقير، وفي أحيان أخرى كان القرّاء يستظلّون بخبرتهم القصصيّة الحديثة بحثاً عن نظائرَ جاحظية /تراثيّة في ضرب من الدّفاع عن الذّات والإعلاء من قيمتها ممّا جعل الفن السردي الجاحظي يتحوّل إلى نسخٍ أوّلية غير ناضجة لفنون السّرد الحديث. ثمّ تشكّل بعد ذلك وعي مغاير صدر عن رؤية استكشافيّة لا تدافع ولا تهاجم؛ إنّه الوعي الّذي تسلّح به مجموعة من القرّاء الّذين أسهموا في فهم تراث الجاحظ السّرديّ والكشف عن هوّيته وخصوصيّته بغض النّظر عن علاقته بأجناس السّرد الحديث. وإجمالا فقد تبين لنا أنّ السّرد الجاحظي ظلّ مرتهناً إلى تحوّلات سياقات القراءة وتبدّلات وعي القرّاء.

الهوامش

1محمد مشبال، البلاغة والسرد ، جدل التصوير والحجاج في أخبار الجاحظ، منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية جامعة عبد الملك السعدي، تطوان-المغرب،2010،ص 101.

2محمد مشبال: السرد العربي القديم والغرابة المتعقلة ،محلة الراوي،العدد25، سبتمبر2012، ص59.

3التّوحيديّ أبو حيّان ، البصائر والذّخائر، تحقيق  إبراهيم الكيلاني ، مكتبـــة أطلس ومكبعة الإنشاء، 19640111.

4الجاحظ،الحيوان، تحقيق عبد السلام محمد هارون، مطبعة مصطفى البابي الحلبي، القاهرة، ط02. ج 3/ ص 39.

5حمادي صمود، التفكير البلاغي عند العرب،أسسه وتطوره إلى القرن السادس، مشروع قراءة، دار الكتاب الجديدة المتحدة،ط03، 2010،ص192

6الجاحظ،الحيوان،1/282. ولا يقف الأمر عند هذا الحد ذلك أن عدم احترام القصد والغفلة عن علاقة صورة الكلام بوظيفته قد يتجاوز الإخلال بها عند الجاحظ إلى خلق حالة في السامع معاكسة لما كنا نروم منه يقول «وإذا كان موضع الحديث على أنه مضحك وملهٍ، وداخل في باب المزاح والطيب،فاستعملت فيه الإعراب، انقلب عن وجهته، وإن كان في لفظه سخف وأبدلت السخافةبالجزالة، صار الحديث الذي وضع على أن يسر النفوس يكربها، ويأخذ بأكظامها » المصدر نفسه،3/39.

7  عبد الواحد التهامي العلمي ، قراءة السرد العربي القديم بين وهم المماثلة ومبدأ المغايرة ، مجلّة عالم الفكر، العدد 1يوليو-سبتمبر 2012، المجلّد 41، ص75بمعنى أن هذا النمط من القراءة ، يتّصف بالمعياريّة والهيمنة والإقصاء؛ فكثير من الأنواع السّرديّة القديمة لم تحظ بالتّقدير بسبب ما كانت تقوم عليه من مكوّنات تتعارض مع التّوجّه الجماليّ لمفهوم الأدب الحديث..بمعنى إن مثل هذه القراءات لا تراعي الفروق البلاغية النوعية بين القص القديم وفنون القصة الحديثة، ولا تقيم التفاعل المطلوب بين الأفق البلاغي السردي القديم والأفق البلاغي السردي الحديث

8  المرجع نفسه ص ن. ، وفي هذا النّمط من القراءة يؤمن الباحث بمبدأ الاختلاف والهويّة وديموقراطية وسائل التّعبير الإنسانيّ.؛ بمعنى أن أصحاب هذا النمط من القرّاءة سعوا إلى صياغة أسئلة لا تنطلق من إحساس بتفوق الآداب الحديثة ؛ أي إنهم انطلقوا من ضرورة اكتشاف أدب الجاحظ في ذاته بصرف النظر عن تطابقه مع الأدب الحديث.

9  محمد مشبال ، التصوير والحجاج نحو فهم تا ريخي لبلاغة نثر الجاحظ ،ص175، مجلّة عالم الفكر، العدد 02أكتوبر  -  ديسمبر، 2011، المجلّد 40

10عبد الواحد التهامي العلمي ، قراءة السرد العربي القديم بين وهم المماثلة ومبدأ المغايرة، ص76.

*اقتصرنا على هذه القراءة مع أنَّ هناك قراءات أخرى لها علاقة بهذا المحور. منها مثلا قراءة محمّد المبارك، فنّ القصص في كتاب البخلاء للجاحظ، دراسة ونصوص مختارة، دار الفكر، ط 2، 1974.وقراءة سيد حامد النساج، رحلة التّراث العربيّ، دار المعارف بمصر، ط 1، 1984وقراءة ضياء الصديقي، فنّيّة القصّة في كتاب البخلاء للجاحظ، مجلّة عالم الفكر، المجلّد 20، العدد 4، سنة 1990هذه الأخيره تعد أوضح القراءات الحديثة الّتي تمادت في استخدام معيار المماثلة. لقد كانت المقارنات غير المتكافئة بين السرد الجاحظي /القديم والنثر الحديث خطة معمولا بها صراحة أو ضمنا في الدراسات الحديثة ذات أفق المماثلة، وكان النّثر الجاحظي كثيرا ما يقع ضحية هذه الخطة التي لا تبحث فيه عن خصائصه الذاتية بقدر ما تفرض عليه خصائص نموذج جمالي غريب عنه.  

11علي عبيد، في تحليل النص السردي القديم النادرة أنموذجا ، محلة الراوي،العدد25، سبتمبر2012.

12المرجع نفسه،ص53.

13  المرجع نفسه،ص ن

14،:المرجع نفسه، ص ن.

15  المرجع نقسه، ص53.

*السردية  Narratology، جهزت التطورات التي عرفتها نظرية الأدب في القرن العشرين)السردية(بكثير من الركائز الأساسية التي أصبحت من أركانها الأساسية. موضوعها استنباط القواعد الداخلية للأشكال السردية، ثم وصف مكوناتها الأساسية من تراكيب، وأساليب ودلالات. ومعلوم أن مصطلح السردية  مرتبط بمصطلح أقدم وأشمل، هو الشعرية Poetics(. والعلاقة بين)السردية(و)الشعرية(صحيحة في التصور العام لنظرية الأدب، إذ ما لبثت أن انفصلت الأنواع الأدبية بعضها عن بعض، واستقام لكل منها خصائصه الأدبية المميزة، فانبثقت حاجة منهجية ومعرفية لتوسيع مفهوم نظرية الأدب لتتمكن من شمول الأنواع الجديدة. من أقطاب السردية، (فلاديمير بروب) V.propp،غريماس،Greimasوبريمون، وتودروف، وجنيت و قد جرى تثبيت مفهوم السرد، وتنظيم حدود)السردية(في كتاب)خطاب السرد(لـ جنيت في عام 1972. ،:عبد الله إبراهيم : الدراسات السردية العربية واقع وآفاق ، مجلة الراوي ، المملكة العربية السعودية ، جدة ، العدد21، سبتمبر2009،ص27،28

16عبد الله إبراهيم ، الدراسات السردية العربية واقع وآفاق ، ص30

17المرجع نفسه، ص31

18هانس روبرت ياوس: نحو جماليّة للتّلقّي، تاريخ الأدب تحدّ لنظرية الأدب، ترجمة محمّد مساعدي، جامعة سيدي محمّد بن عبد الله، ص 49.

19محمّد مشبال، بلاغة النّادرة،أفريقيا الشرق، الدار البيضاء-المغرب، 2006و قد كرس  الباحث هذه القراءة لدراسة الحكي عند الجاحظ ، أو «الأديب البارع» كما ينعته، ولا تخلو هذه القراءة من أهمية مادامت قد حاولت «الإنصات» إلى نصوص الجاحظ ، مثلما حاولت الاستناد إلى خلفية ترمي- على حد تعبير صاحبها- إلى «الوعي بخصوصية التفكير الجمالي الأدبي العربي الموروث» ص07. ويتوسل صاحب «بلاغة النادرة» بـ«أدوات تحليلية» نجد في طليعتها «الصورة» و «السمة». وهما مفهومان بارزان في مقاربة محمد مشبال، وفي هذا المنظور يبحث في «بلاغة النادرة» في خطاب الجاحظ المتعدد الأبعاد والأنواع ، ويتصور أن النادرة هي الإطار الموحد أو التسمية الأكثر شيوعا والأقوى تمثيلا لهوية حكايات الجاحظ بتنويعاتها وتسمياتها التي أطلقها الجاحظ نفسه على حكيه. ص11. ، وفي ضوء الكتاب يستخلص مشبال أن بلاغة النادرة تفيد فناء السرد (بدلا من هيكل الشعر) ، والعري (بدلا من البديع)، والفكاهة والسخرية والملاحظة. بيد أنّ الملاحظة التي قد تفرض نفسها هنا هي أن الجاحظ لم يكن يفكر بـ «الصور» و«السمات» فحسب ، وإنّما كان يفكر في التاريخ أيضا أو أن التاريخ كان يسند هذه الصور والسمات، فحكي الجاحظ كان محكوما بـ«نسق ثقافي» أو «رؤية ثقافية عميقة»

20  المرجع نفسه ، ص 71.

21  المرجع نفسه ص ن

*محمّد القاضي، الخبر في الأدب العربيّ .

22  فرج بن رمضان، الأدب العربيّ القديم ونظرية الأجناس، دار محمّد علي الحامي، صفاقس، تونس، ط1، 2001، ص 94.

23  المرجع نفسه، ص 97.

24  المرجع نفسه، ص 98.

25  المرجع نفسه، ص 122.

26   إبراهيم بن صالح وهند بن صالح الشويخ، النّادرة في بخلاء الجاحظ، صفاقس، تونس، دار محمّد علي الحامي، 2004، ص 146.

27   المرجع نفسه ص ن.

28   المرجع نفسه، ص.61

29   المرجع نفسه، ص48

30     محمد مشبال ، التصوير والحجاج نحو فهم تا ريخي لبلاغة نثر الجاحظ ، ص183.

31   الجاحظ ،البخلاء، تحقيق طه الحاجري، دار المعارف، القاهرة، ط07،1971.، ص.132

32  إبراهيم بن صالح وهند بن صالح شويخ، النادرة في بخلاء الجاحظ، ، ص.115.

33   المرجع نفسه، ص.117.

34  عبد الواحد التهامي العلمي ، قراءة السرد العربي القديم بين وهم المماثلة ومبدأ المغايرة ، ص93.

@pour_citer_ce_document

محمد عبد البشير مسالتي, «قراءة النادرة بين وهم المماثلة ومبدأ المغايرة »

[En ligne] ,[#G_TITLE:#langue] ,[#G_TITLE:#langue]
Papier : pp : 163 - 173,
Date Publication Sur Papier : 2014-06-01,
Date Pulication Electronique : 2014-06-25,
mis a jour le : 03/10/2018,
URL : https://revues.univ-setif2.dz:443/revue/index.php?id=1187.