الإنسان الخليفة ومهمّة الإعمار رؤية قرآنيّة للحضارة الإنسانيّة المثلى
Plan du site au format XML


Archive: revues des lettres et sciences sociales


N°01 Avril 2004


N°02 Mai 2005


N°03 Novembre 2005


N°04 Juin 2006


N°05 Juin 2007


N°06 Janvier 2008


N°07 Juin 2008


N°08 Mai 2009


N°09 Octobre 2009


N°10 Décembre 2009


N°11 Juin 2010


N°12 Juillet 2010


N°13 Janvier 2011


N°14 Juin 2011


N°15 Juillet 2012


N°16 Décembre 2012


N°17 Septembre 2013


Revue des Lettres et Sciences Sociales


N°18 Juin 2014


N°19 Décembre 2014


N°20 Juin 2015


N°21 Décembre 2015


N°22 Juin 2016


N° 23 Décembre 2016


N° 24 Juin 2017


N° 25 Décembre 2017


N°26 Vol 15- 2018


N°27 Vol 15- 2018


N°28 Vol 15- 2018


N°01 Vol 16- 2019


N°02 Vol 16- 2019


N°03 Vol 16- 2019


N°04 Vol 16- 2019


N°01 VOL 17-2020


N:02 vol 17-2020


N:03 vol 17-2020


N°01 vol 18-2021


N°02 vol 18-2021


N°01 vol 19-2022


N°02 vol 19-2022


N°01 vol 20-2023


N°02 vol 20-2023


N°01 vol 21-2024


A propos

avancée

Archive PDF

N°20 Juin 2015

الإنسان الخليفة ومهمّة الإعمار رؤية قرآنيّة للحضارة الإنسانيّة المثلى


pp: 74- 88

عبد العزيز لعيادي
  • resume:Ar
  • resume
  • Abstract
  • Auteurs
  • TEXTE INTEGRAL
  • Bibliographie

في ظلّ إرهاصات السّقوط الحضاريّ الذي تعيشه الحضارة الغربيّة؛ والذي تُوحي به تداعيات الأزمة الماليّة في العشريّة الأولى من القرن الواحد والعشرين، وضرورة التّدخل العسكريّ الذي يفرضه منطق الهيمنة وواقع التفلّت الأمني.. تتّجه اهتمامات المفكّرين المعاصرين نحو وضع تصوّر حول الحضارة الخليفة التي ستخلف الحضارة الغربية بعد حين.

 ولعلّ تشوّف العالم إلى حضارة إنسانيّة مثلى تُنسيه ما جلبته له الحضارة الغربيّة من التّعاسة والشّقاء؛ يُحتّم علينا – نحن المهتمّين بالدّراسات القرآنيّة – أن نوضّح الرّؤية القرآنيّة للبناء الحضاريّ الأمثل الذي يكفل للإنسانية الحياة الطيّبة الكريمة القائمة على أسس التّسامح والتّعايش والحوار.

الكلمات المفاتيح:استخلاف، حضارة، عمارة، تمكين، إنسانية، تزكية، عبادة.

La crise économique reflète la chute de la civilisation occidentale à l’aube du 21éme siècle. Cette dernière a contribué à la renaissance de l’idéologie coloniale qui menace la paix dans le monde.

Les critiques contemporains voient à travers la déchéance de ce monde, les prémisses de la naissance d’une nouvelle civilisation qui succédera à l’occident.

Le monde rêve de créer une civilisation humaine idéale, pour l’aider à effacer le désespoir et la peine engendrés par l’occident.

Ceci nous pousse à mettre en lumière la vision coranique sur la constitution de la civilisation idéale qui permettra à l’homme de vivre enfin sereinement dans l’amour, le pardon et le respect de l’autre.

Mots clés :Civilisation، Succession، Peuplement، Affermissement، Humanité، Purification، Culte.

With the expectations of the Western Civilization’s decline،indicated by the economic crisis’s impact during the 1stdecade of the 21stCentury،the military intervention imposed by the hegemony notion and the fact of security disorder. The concern of the contemporary thinkers is about drawing a conception of the civilization that will succeed the Western Civilization after. It’s our duty as a researchers in the field of Koranic studies،to clarify the Koranic vision of the best civilizational structure that will ensure a descent life based on tolerance،coexistence and dialogue; in order to satisfy the world’s yearning for a humanitarian civilization that will wipe off the misery and the wretchedness left by the Western Civilization.

Key words:Civilization، Succession، Peopling، Strengthening، Humanity، Purification، Worship.


Quelques mots à propos de :  عبد العزيز لعيادي

أستاذ محاضر ب بقسم اللغة والأدب العربي، كلية الآداب واللغات، جامعة محمد لمين دباغين سطيف 2.

مقدمة

لقد احتفى القرآن الكريم أيّما احتفاء بالإنسان وحفل به كما لم يحفل بأحد غيره. فهو يبدأ قبل كل شيء بتعريف الإنسان على ذاته، ترى ذلك واضحاً فيه سواء من حيث أسبقية التّرتيب أم النّزول.

فأنت ترى أوّل آية قرآنية من حيث النّزول؛ أوّل ما بدأت فاتّجهت إلى الإنسان تعرّفه على ذاته، وتشرح له صدره ومصدره، وهي قوله تعالى: "ٱقۡرَأۡ بِٱسۡمِ رَبِّكَ ٱلَّذِي خَلَقَ ١  خَلَقَ ٱلۡإِنسَٰنَ مِنۡ عَلَقٍ ٢"ـ  [العلق: 1-2]

ثمّ إذا نظرت إلى أوائل الآيات القرآنيّة من حيث التّرتيب المكانيّ، وجدت كيف هي الأخرى بدأت بالحديث عن الإنسان، فقسّمته إلى مؤمن وجاحد ومنافق، ثمّ خاطبت هؤلاء الأقسام جميعاً فعرّفتهم على هوياّتهم، وأنبأتهم بقصة نشأتهم فوق هذه الأرض، وكيفيّة خلق الله تعالى لأبيهم آدم عليه الصّلاة والسّلام، والمنزلة الكريمة التي أنزله الله إياّها من بين سائر مخلوقاته، والتّكريم الذي خصّه به حتّى دون ملائكته.

وهكذا بدأ القرآن -قبل كلّ شيء- وحسب أسبقية كلّ من التّرتيب الكتابيّ والنّزول الزمانيّ، بتعريف الإنسان على ذاته وتبصيره بأصله وخصائصه، ومدى أهمّيته وخطورته في هذا الكون الذي يعيش فيه... وذلك لأنّه أهمّ عناصر هذا الكون والخليقة كلّها وأخطرها، والمحور الذي تدور عليه حركة معظم الموجودات المتماوجة من حوله، ولأنّه هو الذي سيُكلفّ بتسييرها وتسخيرها ضمن "غائية كونية" مرسومة لهذا الإنسان سلفا باعتباره "الخليفة"...

فما حقيقة مهمّة الخلافة التي كُلّف بها الإنسان؟ وما هي أهمّ ركائزها وشروط نجاحها؟ وما علاقتها بالعبادة والعمارة؟ وكيف بصّر القرآن الكريم بني الإنسان برسالتهم وبحقائق هذه التّكليفات كونياّ وغيبياّ؟

تأتي هذه الدراسة للإجابة عن هذه الأسئلة، وما يتعلّق بها في خطّة قوامها الخطوات الآتية:

أوّلا/ الخلافة وحقيقتها في القرآن الكريم.

ثانيا/ ركائز الخلافة.

 ثالثا/ وسائل العمارة في القرآن الكريم.

أوّلا/ الخلافة وحقيقتها في القرآن الكريم

شاءت الحكمة الإلهيّة والإرادة الرّبانيّة أن يخلق الله خلقاً جديداً على غير مثال سابق هو الإنسان، وشاءت حكمته أيضا أن تُناط بهذا المخلوق الجديد مهمّة لم تُوكل إلى أحد غيره، إنّها مهمّة الخلافة، خلافة الله على أرضه.

فكيف تمّ ذلك؟ وما قيمة هذا المخلوق الجديد وسط الخليقة؟ وما حقيقة هذه المهمّة التي كُلّف بها؟ هذا ما يتمّ بيانه في العناصر الآتية:

1/ المؤتمر الكونيّ العظيم

لقد خلق الله سبحانه الإنسان خلقاً جديداً، لم يسبق له مثال، ولم يسبق أن شاهدت أو عرفت الخليقة آنذاك مخلوقاً مثله. وشاءت حكمته أن يُعقد مؤتمرا كونياّ عظيما تحضره وتشهده جميع الكائنات والمخلوقات الموجودة آنذاك. وأكرمها على الله تعالى إلى تلك اللّحظة "الملائكة"؛ ليعرض فيه هذا المخلوق الجديد، وليُطلع الخليقة كلّها على حكمته في هذا الخلق الجديد وإرادته منه. يخبرنا القرآن بذلك فيقول مصوّراً المشهد وراسماً لنا أدقّ تفاصيل ذلك المؤتمر الكونيّ العظيم: "وَإِذۡ قَالَ رَبُّكَ لِلۡمَلَٰٓئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٞ فِي ٱلۡأَرۡضِ خَلِيفَةٗۖ قَالُوٓاْ أَتَجۡعَلُ فِيهَا مَن يُفۡسِدُ فِيهَا وَيَسۡفِكُ ٱلدِّمَآءَ وَنَحۡنُ نُسَبِّحُ بِحَمۡدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَۖ قَالَ إِنِّيٓ أَعۡلَمُ مَا لَا تَعۡلَمُونَ ٣٠" [البقرة: 30]ـ

لقد بدأ عرض هذا المخلوق الجديد على الخليقة، واكتفى القرآن بذكر الملائكة دون الإشارة لباقي الحضور من الخلق وذلك اكتفاءً -والله أعلم- بذكر أكرم الخلق إلى تلكم اللّحظة على الله تعالى قبل عرض الإنسان؛ وهم الملائكة. ودليل ذلك أنّ إبليس كان من جملة الحاضرين، ونحن نعلم أنّه حتماً لم يكن من الملائكة كما هو مذهب جمهور المفسّرين1، وأوّل ما بدأ العرض؛ يُعلن الله عزّ وجلّ على رؤوس هؤلاء الأشهاد حكمته وإرادته في هذا المخلوق الجديد الذي يجهلون عنه كلّ شيء، يقول تعالى:"وَإِذۡ قَالَ رَبُّكَ لِلۡمَلَٰٓئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٞ فِي ٱلۡأَرۡضِ خَلِيفَةٗۖ قَالُوٓاْ أَتَجۡعَلُ فِيهَا مَن يُفۡسِدُ فِيهَا وَيَسۡفِكُ ٱلدِّمَآءَ وَنَحۡنُ نُسَبِّحُ بِحَمۡدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَۖ قَالَ إِنِّيٓ أَعۡلَمُ مَا لَا تَعۡلَمُونَ ٣٠" [البقرة: 30].

من الوهلة الأولى يُعلن الله عزّ وجلّ قراره الكونيّ بشأن هذا الخلق الجديد؛ وأنّه أناط به مهمّة خلافته في الأرض، والتي تعني أنّ هذا الإنسان هو الكائن المستخلَف في الأرض تشريفاً له وتعظيماً لقدرِه، ليضطلع بتنفيذ إرادة الله، وتحقيق مشيئة الحقّ والعدل والهداية والإصلاح على سطح هذا الكوكب. لقد جاء بيان الاستخلاف هذا بالإعلام الإلهيّ المباشر والموجّه إلى الملائكة ومن خلفهم ممّن شهد هذا المؤتمر الكونيّ، ليفتح هذا البيان مجال الحوار -مع الملائكة أساساً- حول أسباب إسناد دور الخلافة لهذا الخلق الجديد؛ حوارٌ أساسه استفهامٌ من الملائكة حول جدوى إسناد هذه المهمّة الجسمية لهذا المخلوق. يقصُّ علينا القرآن ذلك فيقول: "وَإِذۡ قَالَ رَبُّكَ لِلۡمَلَٰٓئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٞ فِي ٱلۡأَرۡضِ خَلِيفَةٗۖ قَالُوٓاْ أَتَجۡعَلُ فِيهَا مَن يُفۡسِدُ فِيهَا وَيَسۡفِكُ ٱلدِّمَآءَ وَنَحۡنُ نُسَبِّحُ بِحَمۡدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَۖ قَالَ إِنِّيٓ أَعۡلَمُ مَا لَا تَعۡلَمُونَ ٣٠"ـ [البقرة: 30]

لم يكن ذكر القرآن لتساؤل الملائكة عن سرّ إسناد مهمّة الخلافة لهذا الخلق الجديد من قبيل السّرد القصصيّ والإخبار التاّريخيّ، وإنّما يحمل دلالة مهمّة وأساسيّة بشأن رسالة هذا الإنسان في هذه الأرض ودوره السّياديّ فيها.

لقد مرّ معظم المفسّرين على هذه الآيات دون البحث والتّعمّق في دلالة تساؤل هؤلاء الملائكة والإجابة الإلهيّة عليه. لقد كان استفهام الملائكة قائماً على نتيجة متوقّعة لديهم؛ وهي الإفساد في الأرض وسفك الدّماء، وهذا يعني أنّ لدى الملائكة معرفة مسبقة عن الإنسان والإفساد في الأرض. ومن هنا جاء استغرابهم من كفاءة مخلوقٍ مستعدٍّ للإفساد وسفك الدّماء؛ ثمّ يصلح لأن يكون خليفة في الأرض: "وَإِذۡ قَالَ رَبُّكَ لِلۡمَلَٰٓئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٞ فِي ٱلۡأَرۡضِ خَلِيفَةٗۖ قَالُوٓاْ أَتَجۡعَلُ فِيهَا مَن يُفۡسِدُ فِيهَا وَيَسۡفِكُ ٱلدِّمَآءَ وَنَحۡنُ نُسَبِّحُ بِحَمۡدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَۖ قَالَ إِنِّيٓ أَعۡلَمُ مَا لَا تَعۡلَمُونَ ٣٠" ـ  [البقرة: 30]. من أين تَأتّىلهؤلاء الملائكة معرفة هذا عن الإنسان؟

إنّه لا يمكن فهم مثل هذا السّبق المعرفيّ إلاّ في ضوء أحد احتمالاتٍ ثلاثة: إماّ أن يكون قد سبق للملائكة علمٌ بوجود كائن سابق كانت هذه صفته، أو أنّ علماً إلاهيّا كان لدى الملائكة بأنّ الأرض سيكون فيها الفساد وسفك الدّماء2، وإماّ أنّ لفظ "خليفة" أوحى بمدلوله ومقتضاه للملائكة بأنّ هذا المخلوق قائمٌ مقام من استخلفه وهو الله تعالى، يُجري أحكامه ومقاصده في هذه الأرض. يعني؟ أنّه سيمتّعه ببعض صفاته -دون إشراكه في خصائصه وكمالاته- ومنها الإرادة والاختيار.

وإن كان بعض المفسّرين رجّح الاحتمالين الأوّلين أو أحدهما3، فإنّي أرجّح الاحتمال الثّالث والأخير، ذلك أنّه بالإمكان أن يُستنتج من جعل الله لهذا الإنسان خليفةً له على هذه الأرض، ومسؤولاً على التّصرّف فيها بأمره وتحت وصايته، أن يجعله الكائن الحرّ المختار؛ إذ لا معنى لمسؤوليةٍ دون اختيار وحرّية. فأصبح حينئذ بإمكان هذا الخليفة بمقتضى حرّيته واختياره، أن يُصلِح في الأرض وأن يُفسِد فيها أيضا، وبإرادته واختياره يحدّد ما يحقّقه من هذه الإمكانات، وأكّد ذلك ربّنا بقوله: "إِنَّا هَدَيۡنَٰهُ ٱلسَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرٗا وَإِمَّا كَفُورًا ٣". [الإنسان:  3] . وأكبر الظّنّ أنّ هذه الحقيقة هي التي أثارت في نفوس الملائكة المخاوف من مصير هذه الخلافة، وإمكانية انحرافها عن الطّريق السّويّ الذي يُفهم من "الخلافة عن الله تعالى" إلى طريق الفساد وسفك الدّماء. لأنّ صلاح البشرية لماّ كان مرتبطاً بإرادة هذا الإنسان الخليفة، ولم يكن مضموناً بقانون قاهر، كما هي الحال في كلّ مجالات الطبيعة، فمن المتوقّع أن تجد إمكانية الإفساد والشّر مجالا لها في الممارسة البشريّة على أشكالها المختلفة... وكأنّ الملائكة هالهم أن توجد لأوّل مرّة طاقة محايدة يتعادل فيها الخير والشّر، ولا تُضبط وفقاً للقوانين الطّبيعيّة والكونيّة الصاّرمة التي تُسيّر الكون بالحكمة والتّدبير. وفضّلوا على ذلك الكائن الذي يولد ناجزاً مصمَّماً لا فراغ في سلوكه، تتحكّم فيه باستمرار قوانين الكون، كما تتحكّم في الظواهر الطبيعية.

ومن هنا قدّم الملائكة أنفسهم بديلاً عن الخليفة الجديد قال تعالى على لسانهم: "وَإِذۡ قَالَ رَبُّكَ لِلۡمَلَٰٓئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٞ فِي ٱلۡأَرۡضِ خَلِيفَةٗۖ قَالُوٓاْ أَتَجۡعَلُ فِيهَا مَن يُفۡسِدُ فِيهَا وَيَسۡفِكُ ٱلدِّمَآءَ وَنَحۡنُ نُسَبِّحُ بِحَمۡدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَۖ قَالَ إِنِّيٓ أَعۡلَمُ مَا لَا تَعۡلَمُونَ ٣٠". [البقرة: 30]. إنّها مخلوقاتٌ مصمّمة وفق قانون إلاهيّ لا يقبل التّبديل، فهي لا تملك إلاّ أن تُصلح وفق أوامر ربّها دون أن تحيد عنها قيد أنمله: "يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ قُوٓاْ أَنفُسَكُمۡ وَأَهۡلِيكُمۡ نَارٗا وَقُودُهَا ٱلنَّاسُ وَٱلۡحِجَارَةُ عَلَيۡهَا مَلَٰٓئِكَةٌ غِلَاظٞ شِدَادٞ لَّا يَعۡصُونَ ٱللَّهَ مَآ أَمَرَهُمۡ وَيَفۡعَلُونَ مَا يُؤۡمَرُونَ ٦"ـ  [التّحريم: 6]،"لَا يَسۡبِقُونَهُۥ بِٱلۡقَوۡلِ وَهُم بِأَمۡرِهِۦ يَعۡمَلُونَ ٢٧"ـ[الأنبياء: 27].

   ومن ثمّ رأى الملائكة -لا اعتراضاً على حكم الله تعالى أو حسداً لهذا الخلق الجديد- وإنّما استعلاماً واستكشافاً عن الحكمة في ذلك ـ أنّهم يصلحون للقيام بأعباء هذه المهمّة بما يتّفق وما تقتضيه الخلافة عن الله تعالى من الإصلاح في الأرض. فجاء البيان الإلاهيّ لسرّ تأهّل هذا الإنسان لهذه المهمّة الجسيمة دون غيره من المخلوقات؛ بما في ذلك الملائكة أنفسهم بإجراء اختبار عملي يُعرّض له الطرفان (الإنسان والملائكة) يتحدّد بعده الأقدر على تحمّل تبعات هذه المسؤولية.

2السرّ في أهلّية الإنسان للخلافة

قال تعالى:"وَإِذۡ قَالَ رَبُّكَ لِلۡمَلَٰٓئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٞ فِي ٱلۡأَرۡضِ خَلِيفَةٗۖ قَالُوٓاْ أَتَجۡعَلُ فِيهَا مَن يُفۡسِدُ فِيهَا وَيَسۡفِكُ ٱلدِّمَآءَ وَنَحۡنُ نُسَبِّحُ بِحَمۡدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَۖ قَالَ إِنِّيٓ أَعۡلَمُ مَا لَا تَعۡلَمُونَ ٣٠" [البقرة: 30]لقد فات الملائكة أنّ هذا الإنسان الكائن الحرّ الذي جعله الله تعالى خليفة في الأرض، لا تعني غربته إهمال الله تعالى له، بل هو تغيير لشكل الرعاية، فبدلاً عن الرعاية من خلال قانون طبيعي لا يتخلّف كما تُراعى حركات الكواكب ومسيرة الأشياء والموجودات، يتولّى الله سبحانه تربية هذا الخليفة وتعليمه "..وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاءَ كَلَّهَا.."وذلك لكي يصنع هذا الإنسان قدره ومصيره وينمّي وجوده على ضوء هدي الوحي الممدود. ومن هنا علّم الله تعالى آدم الأسماء كلّها – أياّ كان تفسير هذه الأسماء ـ وأثبت للملائكة باختبار عملي أجرى فيه مقارنة بينه وبينهم: "وَعَلَّمَ ءَادَمَ ٱلۡأَسۡمَآءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمۡ عَلَى ٱلۡمَلَٰٓئِكَةِ فَقَالَ أَنۢبِ‍ُٔونِي بِأَسۡمَآءِ هَٰٓؤُلَآءِ إِن كُنتُمۡ صَٰدِقِينَ ٣١قَالُواْ سُبۡحَٰنَكَ لَا عِلۡمَ لَنَآ إِلَّا مَا عَلَّمۡتَنَآۖ إِنَّكَ أَنتَ ٱلۡعَلِيمُ ٱلۡحَكِيمُ ٣٢قَالَ يَٰٓـَٔادَمُ أَنۢبِئۡهُم بِأَسۡمَآئِهِمۡۖ فَلَمَّآ أَنۢبَأَهُم بِأَسۡمَآئِهِمۡ قَالَ أَلَمۡ أَقُل لَّكُمۡ إِنِّيٓ أَعۡلَمُ غَيۡبَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَأَعۡلَمُ مَا تُبۡدُونَ وَمَا كُنتُمۡ تَكۡتُمُونَ ٣٣". [البقرة الاية: 31-33].

أنّ هذا الكائن ـ الإنسان ـ الحرّ الذي اجتباه للخلافة قابل للتعلّم وللتعليم والتّنمية الرّبّانية، وأنّ هذه القابلية تتجلّى كمظهر من مظاهر تميّز هذا الإنسان وتفرُّده في هذا الكون عن الملائكة وغيرهم في جانبين اثنين هما:

الأوّل: قابليّة هذا الإنسان للتّعلّم:وقد أكّد ذلك القرآن الكريم في مواضع عدّة منها قوله تعالى:"..وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا.." ـالبقرة 30ـ، وقوله تعالى:"ٱلَّذِي عَلَّمَ بِٱلۡقَلَمِ ٤ عَلَّمَ ٱلۡإِنسَٰنَ مَا لَمۡ يَعۡلَمۡ٥ "ـ [العلق: 4-5]، وأنّ هذا العلم قابل للنّماء والزّيادة دون حدّ، وقد بيّنها قوله تعالى:"فَتَعَٰلَى ٱللَّهُ ٱلۡمَلِكُ ٱلۡحَقُّۗ وَلَا تَعۡجَلۡ بِٱلۡقُرۡءَانِ مِن قَبۡلِ أَن يُقۡضَىٰٓ إِلَيۡكَ وَحۡيُهُۥۖ وَقُل رَّبِّ زِدۡنِي عِلۡمٗا ١١٤" ـ [طه: 114]، ويرفع عنها الحدود ويطلقها من كلّ قيد قوله تعالى:"وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا"ـ [البقرة: 30]، ويستفزّها ويشحذها قوله تعالى:"وَيَسۡ‍َٔلُونَكَ عَنِ ٱلرُّوحِۖ قُلِ ٱلرُّوحُ مِنۡ أَمۡرِ رَبِّي وَمَآ أُوتِيتُم مِّنَ ٱلۡعِلۡمِ إِلَّا قَلِيلٗا ٨٥"ـ  [الإسراء: 85]. ومن خلال هذه الكلمات القرآنية (علّم، وما أوتيتم.) يتبيّن أنّ العلم بتعليم الله تعالى، وأن الإنسان لا يستطيع أن يُدرك بعقله كلّ شيء، ولا هو يُحيط به وحده بالمعرفة من جميع جوانبها، ومن ثمّ غدا في أمسّ الحاجة إلى الوحي (تعليم الله له) حتى تتّسع آفاق علمه.

والآخر: قابلية التّعليم والتّعبير عن علمه: قد كشف عنها قوله تعالى: "خَلَقَ ٱلۡإِنسَٰنَ ٣  عَلَّمَهُ ٱلۡبَيَانَ ٤"ـ [الرحمن: 3،4]ـ وقوله تعالى: "قَالَ يَٰٓـَٔادَمُ أَنۢبِئۡهُم بِأَسۡمَآئِهِمۡۖ فَلَمَّآ أَنۢبَأَهُم بِأَسۡمَآئِهِمۡ قَالَ أَلَمۡ أَقُل لَّكُمۡ إِنِّيٓ أَعۡلَمُ غَيۡبَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَأَعۡلَمُ مَا تُبۡدُونَ وَمَا كُنتُمۡ تَكۡتُمُونَ ٣٣"ـ [البقرة: 33]

لقد ظنّ الملائكة الكرام أنّ مؤهّل استحقاق الخلافة وجوهرها يكمن في الإكثار من الذكر وملازمة التسبيح، فهم من هذه الناحية أجدر من الإنسان –"قَالُواْ سُبۡحَٰنَكَ لَا عِلۡمَ لَنَآ إِلَّا مَا عَلَّمۡتَنَآۖ إِنَّكَ أَنتَ ٱلۡعَلِيمُ ٱلۡحَكِيمُ ٣٢"ـ  [البقرة: 32]، فجاءتهم إجابة الله تعالى حاسمة: أنّه زوّد هذا الإنسان بقدرة فاق بها الملائكة وغيرهم تمثّلت في قابليّته للتّعلّم والتّعليم، فحاز بذلك زمام العلم الواسع الآفاق والمتجدّد العطاء.

فسلّم الملائكة وأذعنوا مستخدمين نفس أسلوب التّعبير، مكرّرين لكلمة العلم ومشتقّاته، إشارة إلى ذلك الفضل الذي حبا الله به الإنسان: "قَالُواْ سُبۡحَٰنَكَ لَا عِلۡمَ لَنَآ إِلَّا مَا عَلَّمۡتَنَآۖ إِنَّكَ أَنتَ ٱلۡعَلِيمُ ٱلۡحَكِيمُ ٣٢". [البقرة: 32]، وفي هذه اللّحظة يأتي ذلك القرار الرّبّانيّ برفع هذا الإنسان فوق مستوى كلّ المخلوقات ليكون شهيدا على الخلق مختصًّا بأعلى مكرمات الله تعالى.

3– قيمة الإنسان ومعاني الأمانة والشهادة والتكريم الإلهي

هيّأ ربّنا عزّ وجلّ هذا الإنسان لحمل أعباء الخلافة، ومكّنه منها حينما زوّده بكل متطلّباتها ومستلزماتها، فغدا بذلك هذا الإنسان مسؤولا على أعظم أمانة استؤمنت عليها الخليقة فأعلنت عجزها وعدم تأهّلها لحملها، ورضي الإنسان بحملها جَهولاً بقدْر عِظَم هذه الأمانة، ظَلوماً لنفسه لعلمه بضعفها، يقول تعالى: "إِنَّا عَرَضۡنَا ٱلۡأَمَانَةَ عَلَى ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَٱلۡجِبَالِ فَأَبَيۡنَ أَن يَحۡمِلۡنَهَا وَأَشۡفَقۡنَ مِنۡهَا وَحَمَلَهَا ٱلۡإِنسَٰنُۖ إِنَّهُۥ كَانَ ظَلُومٗا جَهُولٗا ٧٢"ـ  [الأحزاب: 72]ــ ولكن ما إن انبرى هذا الإنسان للتّحقّق بمقام الخلافة، والقيام بأعباء هذه الأمانة، استحقّ من ربّه مقام الشّهادة على الخلق، قال تعالى: "وَكَذَٰلِكَ جَعَلۡنَٰكُمۡ أُمَّةٗ وَسَطٗا لِّتَكُونُواْ شُهَدَآءَ عَلَى ٱلنَّاسِ وَيَكُونَ ٱلرَّسُولُ عَلَيۡكُمۡ شَهِيدٗاۗ وَمَا جَعَلۡنَا ٱلۡقِبۡلَةَ ٱلَّتِي كُنتَ عَلَيۡهَآ إِلَّا لِنَعۡلَمَ مَن يَتَّبِعُ ٱلرَّسُولَ مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَىٰ عَقِبَيۡهِۚ وَإِن كَانَتۡ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى ٱلَّذِينَ هَدَى ٱللَّهُۗ وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَٰنَكُمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ بِٱلنَّاسِ لَرَءُوفٞ رَّحِيمٞ ١٤٣"ـ  [البقرة: 143]. وإنّما الوسطيّة هنا تعني خيرة النّاس وأجودهم في عرف الله تعالى، وما تحمله من إشارات التّحقّق بمعاني الخلافة الحقّة عن الله تعالى.

وبتأهّل هذا الإنسان لمقام الخلافة، وإعلانه استعداده التّام للوفاء بالالتزامات التي تُمليها عليه هذه الأمانة، استحقّ من ربّه عزّ وجلّ الرّفعة إلى مقام الشّهادة على الخلق، وفي هذه اللّحظة بالذّات؛ لحظة ظهور عجز الخليقة كلّها وإقرارها به، وثبوت تفوّق الإنسان عليها بإعلانه قبول العرض من ربّه عزّ وجلّ، وعزمه على تولّي المهمّة وحمل الأمانة، في ظلّ مشهد مهيب خيّم على أجواء ذلكم المؤتمر الكونيّ العظيم بحضرة ربّ العالمين، يعلن ربّ العزّة استحقاق هذا الإنسان لوسام التّشريف والتّكريم بأمر الملائكة ومن دونهم بالسّجود لهذا الخلق الفريد: "وَإِذۡ قُلۡنَا لِلۡمَلَٰٓئِكَةِ ٱسۡجُدُواْ لِأٓدَمَ فَسَجَدُوٓاْ إِلَّآ إِبۡلِيسَ أَبَىٰ وَٱسۡتَكۡبَرَ وَكَانَ مِنَ ٱلۡكَٰفِرِينَ ٣٤"ـ  [البقرة: 34]

لقد استحقّ الإنسان هذا التّكريم الخاصّ من ربّه تعالى، وهو أهلٌ له؛ ألم يخصّه ربّه عزّ وجلّ بخِلقة متميّزة وفريدة؟، ألم يودع فيه الله تعالى من أسراره ما لم يودع في غيره من الخلق؟ . يقول تعالى: "وَلَقَدۡ خَلَقۡنَا ٱلۡإِنسَٰنَ مِن صَلۡصَٰلٖ مِّنۡ حَمَإٖ مَّسۡنُونٖ ٢٦وَٱلۡجَآنَّ خَلَقۡنَٰهُ مِن قَبۡلُ مِن نَّارِ ٱلسَّمُومِ ٢٧وَإِذۡ قَالَ رَبُّكَ لِلۡمَلَٰٓئِكَةِ إِنِّي خَٰلِقُۢ بَشَرٗا مِّن صَلۡصَٰلٖ مِّنۡ حَمَإٖ مَّسۡنُونٖ ٢٨فَإِذَا سَوَّيۡتُهُۥ وَنَفَخۡتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُواْ لَهُۥ سَٰجِدِينَ ٢٩فَسَجَدَ ٱلۡمَلَٰٓئِكَةُ كُلُّهُمۡ أَجۡمَعُونَ ٣٠  إِلَّآ إِبۡلِيسَ أَبَىٰٓ أَن يَكُونَ مَعَ ٱلسَّٰجِدِينَ ٣١"ـ [الحجر: 26-31]ـ وقال أيضا: "لَقَدۡ خَلَقۡنَا ٱلۡإِنسَٰنَ فِيٓ أَحۡسَنِ تَقۡوِيمٖ ٤" [التين: 4]. فهل بقي لدى الإنسان اليوم شكّ في أنّه أحسن المخلوقات وأكثرها تميّزا وأكرمها عند الله تعالى على الإطلاق؟!

الرسم البياني رقم 1: الخلافة والشهادة

المصدر: من إعداد شخصي

يتّضح من هذا الرسم البياني أنّ:

- الإنسان لا يتحقّق بمقام الخلافة في الأرض؛ ومن ثمّة الشّهادة على الخلق إلاّ باتّباعه الوحي، وبناء سَنَنِ علومه وإبداعاته وفق هديه وإرشاده.

- التّحقّق بمقام "الخليفة" هو مناط التّكريم الإلهيّ الذي يصحب الإنسان مدى حياته.

ثانيا: ركائز الخلافة في القرآن الكريم

إنّ الحديث عن أهمّ ركائز الخلافة أسسها وأركانها، يحتّم علينا الوقوف مرة أخرى مع مشاهد ذلكم المؤتمر الكوني العظيم والذي حدّدته آيات سورة البقرة: "وَإِذۡ قَالَ رَبُّكَ لِلۡمَلَٰٓئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٞ فِي ٱلۡأَرۡضِ خَلِيفَةٗۖ قَالُوٓاْ أَتَجۡعَلُ فِيهَا مَن يُفۡسِدُ فِيهَا وَيَسۡفِكُ ٱلدِّمَآءَ وَنَحۡنُ نُسَبِّحُ بِحَمۡدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَۖ قَالَ إِنِّيٓ أَعۡلَمُ مَا لَا تَعۡلَمُونَ ٣٠وَعَلَّمَ ءَادَمَ ٱلۡأَسۡمَآءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمۡ عَلَى ٱلۡمَلَٰٓئِكَةِ فَقَالَ أَنۢبِ‍ُٔونِي بِأَسۡمَآءِ هَٰٓؤُلَآءِ إِن كُنتُمۡ صَٰدِقِينَ ٣١قَالُواْ سُبۡحَٰنَكَ لَا عِلۡمَ لَنَآ إِلَّا مَا عَلَّمۡتَنَآۖ إِنَّكَ أَنتَ ٱلۡعَلِيمُ ٱلۡحَكِيمُ ٣٢" الآيات30-31-32.

لنتفيّأ ظلال ذلك الحوار الهادئ بين الله وملائكته ولنستوحي منه أيضاً تلك الركائز الأساسية التي تقوم عليها مهمّة الخلافة التي أوكلت لهذا الإنسان.

لقد جاء في ثنايا ذلك الحوار قول الملائكة: "وَإِذۡ قَالَ رَبُّكَ لِلۡمَلَٰٓئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٞ فِي ٱلۡأَرۡضِ خَلِيفَةٗۖ قَالُوٓاْ أَتَجۡعَلُ فِيهَا مَن يُفۡسِدُ فِيهَا وَيَسۡفِكُ ٱلدِّمَآءَ وَنَحۡنُ نُسَبِّحُ بِحَمۡدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَۖ قَالَ إِنِّيٓ أَعۡلَمُ مَا لَا تَعۡلَمُونَ" [البقرة: 30]ـ فجاء الفهم الملائكيّ لحقيقة الاستخلاف موحياً بأسسه، ومحدّداً لركائزه التي يتقوّم بها، والتي تتّضح في ركيزتين اثنتين، هما:

الأولى / العبادة: بدلالة قول الملائكة لسنا في حاجة إلى خليفة في الأرض مادام التّسبيح والتّقديس قائمين، وأحقّية المسبّحين والمقدّسين بالخلافة دون غيرهم، وإنّما تتجلّى حقيقة التّسبيح والتّقديس لله تعالى في العبوديّة الصّادقة له، والتي جعلها الله سبحانه وتعالى رسالة الإنسان في الأرض، قال تعالى: "وَمَا خَلَقۡتُ ٱلۡجِنَّ وَٱلۡإِنسَ إِلَّا لِيَعۡبُدُونِ ٥٦"[الذاريات: 56]ـ فالإذعان التاّم والخضوع الكامل لله تعالى بإعلان الولاء المطلق له وحده، هو من أهمّ مقاصد التّسبيح والتّقديس لله تعالى.

الأخرى/ العمارة: بدلالة اعتراض الملائكة على إيجاد الإنسان الذي لا يحترم الحياة ولا يُصلِح في الأرض، وتصريحهم بعدم صلاحيّته للخلافة في الأرض مادام يُفسِد فيها ويسفك الدماء، لأنّ الفساد عمل معاكس لمنطق الوجود الذي أَلِفته الملائكة واعتادت على تقبّله. فكانت العمارة ضرورة من ضرورات مهمّة الاستخلاف في الأرض وركيزة من أهمّ ركائزها باعتبارها العمل على هذه الأرض بمنطق الإصلاح والتّسخير بقصد الانتفاع، وقد جعلها الله تعالى المرادة ضرورة من الاستخلاف كضرورة التّعلّق بالمنشئ والانتماء إلى الأصل، قال تعالى: "وَإِلَىٰ ثَمُودَ أَخَاهُمۡ صَٰلِحٗاۚ قَالَ يَٰقَوۡمِ ٱعۡبُدُواْ ٱللَّهَ مَا لَكُم مِّنۡ إِلَٰهٍ غَيۡرُهُۥۖ هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ ٱلۡأَرۡضِ وَٱسۡتَعۡمَرَكُمۡ فِيهَا فَٱسۡتَغۡفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوٓاْ إِلَيۡهِۚ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٞ مُّجِيبٞ ٦١" [هود: 61]ـ

ولكنّ السّؤال المطروح: لِمَ العبادة والعمارة هما ركيزتا مهمّة الاستخلاف؟ وما سرّ العلاقة بين هاتين؟

إنّ العبادة في الحقيقة أرادها الله تعالى جوهراً لهويّة هذا الإنسان، وتعبيراً عن قيمته في الملكوت المشهود والغيبي. فكانت ضابطاً قيمياّ وأخلاقياً تُرصد به تصرّفات هذا الإنسان، وتُقوّم به أعماله من لدن بارئه عزّ وجلّ، تزكيّة لنفسه وتأهيلاً لها لحمل الأمانة.

وأمّا العمارة فهي مظهرٌ من مظاهر الفعل الإنسانيّ في الكون المشهود الذي منه منشؤه، وتعبيرٌ صادق عن الإمكانات والاستعدادات والمؤهّلات التي منّ الله بها عليه، ورفعه بها فوق مستوى أصل منشئه، فكانت تعبيراً عن أثر مهمّة الاستخلاف التي أُنيطت بهذا الإنسان.

وحتّى يتّضح لنا سرّ العلاقة بين العبادة والعمارة، وضرورة التّرابط بينهما، ليكوّنا الأساس الذي تقوم عليه مهمّة الاستخلاف، لا بدّ من العودة إلى القرآن الكريم لقراءة سرّ هذه العلاقة وضرورة ذلك التّرابط.

إنّ النّاظر في القرآن الكريم يتبادر إلى ذهنه للوهلة الأولى أنّ القرآن كتاب عبادة ودين، أنزله الله تعالى لينظّم علاقة الإنسان بربه، فألزمه شعائر ونسكاً، وحمّله ضرورة الاستقامة على وفق أوامر ونواهٍ؛ توحي كلّها بأنّ القرآن الكريم هدفه وغايته هذا الإنسان من حيث هو فرد فحسب، لا من حيث هو جماعة تجمعها ضرورة الحياة على أرض واحدة.

والحقيقة فإنّ القرآن لم يكن كتاب دين وعبادة، إلاّ من حيث إنّه يُحمّل الناّس جميعاً مسؤولية الاستخلاف في الأرض بعمارتها مادّياّ وإعلان الولاء الكامل فيها لله تعالى وحده.

وبيان ذلك: أنّ محور الدّين الذي ألزم الله به عباده، بما فيه من نسك وعبادات، إنمّا هو تزكية النّفس البشريّة، وتطهيرها ممّا قد يعلق بها –عادة- من الأدران والأوضار، ألا ترى إلى قوله تعالى: "قَدۡ أَفۡلَحَ مَن تَزَكَّىٰ ١٤"ـ  [الأعلى: 14]، وقوله خطاباً لموسى عليه السّلام وقد أرسله إلى فرعون: "فَقُلۡ هَل لَّكَ إِلَىٰٓ أَن تَزَكَّىٰ ١٨وَأَهۡدِيَكَ إِلَىٰ رَبِّكَ فَتَخۡشَىٰ ١٩". [النازعات: 18، 19]، وقوله عزّ وجلّ: "وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٞ وِزۡرَ أُخۡرَىٰۚ وَإِن تَدۡعُ مُثۡقَلَةٌ إِلَىٰ حِمۡلِهَا لَا يُحۡمَلۡ مِنۡهُ شَيۡءٞ وَلَوۡ كَانَ ذَا قُرۡبَىٰٓۗ إِنَّمَا تُنذِرُ ٱلَّذِينَ يَخۡشَوۡنَ رَبَّهُم بِٱلۡغَيۡبِ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلَوٰةَۚ وَمَن تَزَكَّىٰ فَإِنَّمَا يَتَزَكَّىٰ لِنَفۡسِهِۦۚ وَإِلَى ٱللَّهِ ٱلۡمَصِيرُ ١٨"ـ [فاطر: 18]ـ

وليست تزكية النّفس بدورها إلاّ الشّرط الأساس لتحمّل الإنسان مسؤوليّات الخلافة بصدق وجدّ. فبمقدار ما تتزكّى النّفس وتصفو من رعوناتها وكدور أهوائها؛ يُخلص صاحبها في تحمّل ما يجب أن يتحمّله في سبيل بني جنسه من المهامّ والواجبات المختلفة. وبمقدار ما تنطوي تلك النّفس على شوائبها ورعوناتها، يغدو صاحبها مجرّد أداةٍ للإفساد في الأرض ولإهلاك الحرث والنّسل ابتغاء مصالحه وأهوائه الشّخصيّة، مهما تحلّى ظاهره بالصّفات الحميدة والأخلاق الفاضلة.

فالوظيفة التي يحمّلها القرآن للإنسان في الحقيقة إنمّا هي خلافة الله في الأرض4،وعمارتها بالمعنى الشّامل؛ أي إقامة مجتمع إنسانيّ سليم وتشييد حضارة إنسانيّة شاملة. وينصّ القرآن الكريم في أكثر من موطن على هذه الوظيفة التي حمّلها الإنسان. فهو يقول: "وَإِذۡ قَالَ رَبُّكَ لِلۡمَلَٰٓئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٞ فِي ٱلۡأَرۡضِ خَلِيفَةٗۖ قَالُوٓاْ أَتَجۡعَلُ فِيهَا مَن يُفۡسِدُ فِيهَا وَيَسۡفِكُ ٱلدِّمَآءَ وَنَحۡنُ نُسَبِّحُ بِحَمۡدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَۖ قَالَ إِنِّيٓ أَعۡلَمُ مَا لَا تَعۡلَمُونَ ٣٠"ـ [البقرة: 30]، ويقول:" ۞وَإِلَىٰ ثَمُودَ أَخَاهُمۡ صَٰلِحٗاۚ قَالَ يَٰقَوۡمِ ٱعۡبُدُواْ ٱللَّهَ مَا لَكُم مِّنۡ إِلَٰهٍ غَيۡرُهُۥۖ هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ ٱلۡأَرۡضِ وَٱسۡتَعۡمَرَكُمۡ فِيهَا فَٱسۡتَغۡفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوٓاْ إِلَيۡهِۚ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٞ مُّجِيبٞ ٦١"ـ [هود: 61]، ويقول أيضا: "وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى ٱلَّذِينَ ٱسۡتُضۡعِفُواْ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَنَجۡعَلَهُمۡ أَئِمَّةٗ وَنَجۡعَلَهُمُ ٱلۡوَٰرِثِينَ ٥"[القصص: 5]، ويقول: "وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مِنكُمۡ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ لَيَسۡتَخۡلِفَنَّهُمۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ كَمَا ٱسۡتَخۡلَفَ ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمۡ دِينَهُمُ ٱلَّذِي ٱرۡتَضَىٰ لَهُمۡ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّنۢ بَعۡدِ خَوۡفِهِمۡ أَمۡنٗاۚ يَعۡبُدُونَنِي لَا يُشۡرِكُونَ بِي شَيۡ‍ٔٗاۚ وَمَن كَفَرَ بَعۡدَ ذَٰلِكَ فَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡفَٰسِقُونَ ٥٥"ـ [النور:55]ـ

فهذه الآيات ـومثلها في القرآن كثير، تنطوي على تعريفٍ صريح بالمهمّة الأساسيّة التي كُلّف بها الإنسان في حياته الدّنيويّة هذه أن ينهض بها؛ ألا وهي تحقيق جماعة إنسانيّة فاعلة، في سبيل النّهوض بعمارة هذا الكوكب الأرضي العمارة الكلّيّة الشّاملة، لكلّ ما تتّسع له كلمة "العمارة" من المعاني المادّية والعلميّة والاقتصاديّة. ومن هنا شرّف الله تعالى الإنسان الذي قَبِل النّهوض بهذه المهمّة على الوجه الذي رسمه الله تعالى له بلقب "الخليفة"، وأعطاه صفة "الإمامة"، وخلع عليه خلعة التّكريم.

ولكن كان نهوض الإنسان بهذه المهمّة متوقّفاً على تسامي نفسه فوق ذاتها وعلى تخلّصها من عكر الآفات الأخلاقيّة وسموم الكبر والأنانيّة، رسم الله تعالى لهذا المخلوق سبيل رياضة نفسيّة، ودورات تربويّة تتكفل بتزكيّة نفسه من تلك الشّوائب كلّها، وتهيّئه للنّهوض بواجبه المقدّس على أحسن وجه. وإنمّا تمثّلت تلك السّبل التّربويّة والرّياضيّة بما قد ألزمه الله تعالى به من المبادئ الاعتقاديّة، وسلّكه فيه من أنواع النّسك والعبادات التّهذيبيّة والفضائل الأخلاقيّة.

وهكذا يتبيّن لنا أنّ مدار الإسلام ـ وهو دين الله المطلق لهذه الخليقة الإنسانيّة منذ نشأتهاـ على النّهوض بمهمّة الاستخلاف ووظيفة عمارة الأرض على خير وجه. وإنمّا شرع الله تعالى فيه ما شرع من تفاصيل الأحكام السّلوكيّة أو الالتزامات الاعتقاديّة، تيسيراً للنّهوض بهذا الواجب على النّحو الذي أمر به الله عزّ وجلّ5.

ومن ثمّ فالقرآن كما هو كتاب عبادة فهو كتاب عمارة أيضاً، جاء لصنع الإنسان وبنائه بالشّكل الذي يمكّنه من عمارة الأرض إعماراً صحيحاً، حتّى يتأهّل للقيام بمهمّة "الخلافة" عن الله تعالى، ومن ثمّ يتبوّأ مقام الشّهادة على الخلق.

ثالثا/ وسائل العمارة في القرآن الكريم

يُعدُّ إعمار الكون ضرورة من ضرورات الحياة الإنسانيّة، فلا بدّ للإنسان من أن يكتشف ويخترع من أجل تذليل العقبات التي تعترض طريقه، وتحول بينه وبين تحقيق ما يطمح إليه من سبل العيش الآمن والحياة الكريمة. يقول محمد الطاهر بن عاشور (ت 1393ه) عند تفسير قوله تعالى:  "وَتَرَى ٱلۡجِبَالَ تَحۡسَبُهَا جَامِدَةٗ وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ ٱلسَّحَابِۚ صُنۡعَ ٱللَّهِ ٱلَّذِيٓ أَتۡقَنَ كُلَّ شَيۡءٍۚ إِنَّهُۥ خَبِيرُۢ بِمَا تَفۡعَلُونَ ٨٨"ـ [النمل: 88]،قال: "وهذا استدعاء لأهل العلم والحكمة لتتوجّه أنظارهم إلى ما في الكون من دقائق الحكمة، وبديع الصنعة. وهذا من العلم الذي أودع في القرآن ليكون معجزة من الجانب العلميّ يدركها أهل العلم كما كان معجزة للبلغاء من جانبه النّظمي"6

وذكر الآلوسي أنّ معنى قوله سبحانه: "وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا" أي: جعلكم عمّارها وسكّانها فالاستفعال بمعنى الإفعال، يقال: أعمرته الأرض واستعمرته إذا جعلته عامرها وفوّضت إليه عمارتها. وذكر معنى آخر، وهو أنّه أمركم بعمارة ما تحتاجون إليه من بناء مساكن، وحفر أنهار، وغرس أشجار، وغير ذلك، فالسّين للطلب. واستدلّ بالآية على أنّ عمارة الأرض واجبة لهذا الطلب7،فلا تستقيم حياة الإنسان بدونها. وتقسيم العلماء الإعمار إلى واجب ومندوب ومكروه. دليلٌ على أنّ عمليّة الإعمار البصير، أو البناء المحكم لا يمكن أن تتمّ إلاّ بضوابط الشّرع وهداياته.

"فعمارة الأرض بمعناها الشّامل تشمل إقامة مجتمع إنسانيّ سليم، وإشادة حضارة إنسانيّة شاملة، ليكون الإنسان بذلك مظهراً لعدالة الله تعالى وحكمه في الأرض... إنّ مهمّته تحقيق جامعة إنسانيّة فعّالة في سبيل النّهوض بعمارة هذا الكوكب الأرضيّ، العمارة الكلّيّة الشّاملة لكلّ ما تتّسع له كلمة "العمارة" من المعاني المادّيّة والعلميّة والاقتصاديّة." 8فهي غاية وجود الإنسان وهدفه الأعظم، ولا سبيل له إلى حياة كريمة إلاّ بالقيام بعمليّة الإعمار في مختلف المجالات، لتظهر كمالات الإنسان واستعداداته اللّامحدودة في الحياة.

ولضرورة وظيفة العمارة هدى القرآن الكريم الإنسان إلى جملة من الوسائل الفاعلة في عمليّة الإعمار نبرز بعض مظاهرها:

1/الحكم بالعدل والحقّ:خاطب الله عزّ وجلّ نبيّه داود عليه السّلام

بقوله: "يَٰدَاوُۥدُ إِنَّا جَعَلۡنَٰكَ خَلِيفَةٗ فِي ٱلۡأَرۡضِ فَٱحۡكُم بَيۡنَ ٱلنَّاسِ بِٱلۡحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ ٱلۡهَوَىٰ فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِۚ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ لَهُمۡ عَذَابٞ شَدِيدُۢ بِمَا نَسُواْ يَوۡمَ ٱلۡحِسَابِ ٢٦" [ص: 26]ـ

فالقرآن بخطابه هذا ربط ربطاً موضوعيّاً عميقاً بين خلافة الإنسان في الأرض وبين قيام الحكم والسّياسة على أساس مبادئ الحقّ والعدل، فجعل الحكم بالحقّ هدفاً من أهداف الخلافة الإنسانيّة في الأرض وجانباً من جوانب تحقّقها، لأنّ الحكم في نظر القرآن هو إحقاقٌ لمبادئ الحقّ والعدل، وتطبيقٌ لإرادة الخير في هذه المبادئ والأهداف.

والإنسان حينما يمارس مسؤوليّة الحكم والسّياسة هذه، ويتصدّى لمهمّة التّوجيه والقيادة؛ إنّما يريد أن يحقّق إرادة الله العادلة الخيّرة على هذه الأرض، فيكون هو النّائب والوكيل والمستخلف لتنفيذ هذه المهمّة، وفق هذه المبادئ وعلى هدي هذا المنهج.

قال تعالى: "وَأَنزَلۡنَآ إِلَيۡكَ ٱلۡكِتَٰبَ بِٱلۡحَقِّ مُصَدِّقٗا لِّمَا بَيۡنَ يَدَيۡهِ مِنَ ٱلۡكِتَٰبِ وَمُهَيۡمِنًا عَلَيۡهِۖ فَٱحۡكُم بَيۡنَهُم بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُۖ وَلَا تَتَّبِعۡ أَهۡوَآءَهُمۡ عَمَّا جَآءَكَ مِنَ ٱلۡحَقِّۚ لِكُلّٖ جَعَلۡنَا مِنكُمۡ شِرۡعَةٗ وَمِنۡهَاجٗاۚ وَلَوۡ شَآءَ ٱللَّهُ لَجَعَلَكُمۡ أُمَّةٗ وَٰحِدَةٗ وَلَٰكِن لِّيَبۡلُوَكُمۡ فِي مَآ ءَاتَىٰكُمۡۖ فَٱسۡتَبِقُواْ ٱلۡخَيۡرَٰتِۚ إِلَى ٱللَّهِ مَرۡجِعُكُمۡ جَمِيعٗا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمۡ فِيهِ تَخۡتَلِفُونَ ٤٨وَأَنِ ٱحۡكُم بَيۡنَهُم بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ وَلَا تَتَّبِعۡ أَهۡوَآءَهُمۡ وَٱحۡذَرۡهُمۡ أَن يَفۡتِنُوكَ عَنۢ بَعۡضِ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ إِلَيۡكَۖ فَإِن تَوَلَّوۡاْ فَٱعۡلَمۡ أَنَّمَا يُرِيدُ ٱللَّهُ أَن يُصِيبَهُم بِبَعۡضِ ذُنُوبِهِمۡۗ وَإِنَّ كَثِيرٗا مِّنَ ٱلنَّاسِ لَفَٰسِقُونَ ٤٩أَفَحُكۡمَ ٱلۡجَٰهِلِيَّةِ يَبۡغُونَۚ وَمَنۡ أَحۡسَنُ مِنَ ٱللَّهِ حُكۡمٗا لِّقَوۡمٖ يُوقِنُونَ ٥٠" [المائدة: 48-50] ففي هذه الآيات نقرأ تكرار كلمة (الحكم)، وتأكيد القرآن على ضرورة الالتزام بمبادئ الحقّ، والعمل بمنهج القرآن في مجالات الحكم والسّياسة والتّوجيه الإنسانيّ العامّ.

وإذا عدنا إلى الآية السّابقة التي حكت لنا الخطاب الإلهيّ الموجّه إلى داود عليه السّلام، والتي ربطت بين الخلافة والحكم، إذا عدنا إليها، وربطنا بينها وبين هذه الآيات التي تخاطب رسول البشريّة محمّداً صلّى الله عليه وسلّم، وتطالبه بتطبيق المنهج الإلهيّ في الحكم والسّياسة، ونستنتج منها ما يعزّز فكرة الرّبط بين خلافة الإنسان في الأرض وبين الحكم والعمل بمنهج العدل الإلهيّ، لنصل إلى اكتشاف الضّرورة الحتميّة بين خلافة الإنسان في الأرض وبين حملها لمعاني الحقّ العدل، وإظهار آثار العدل الإلهيّ في ربوعها بين البشر عن طريق الحكم والسّياسة، لتُرى مظاهر الخلافة الإنسانيّة واضحةً جليّةً، بعيدة عن الظّلم وتزييف إرادة الحقّ، وليُرى الإنسان وفيّاً مخلصاً لمبادئ الاستخلاف وأهداف الخلافة.

2/ المعاملة بالحسنى مع الخلق:قال تعالى: "وَهُوَ ٱلَّذِي جَعَلَكُمۡ خَلَٰٓئِفَ ٱلۡأَرۡضِ وَرَفَعَ بَعۡضَكُمۡ فَوۡقَ بَعۡضٖ دَرَجَٰتٖ لِّيَبۡلُوَكُمۡ فِي مَآ ءَاتَىٰكُمۡۗ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ ٱلۡعِقَابِ وَإِنَّهُۥ لَغَفُورٞ رَّحِيمُۢ ١٦٥ " [الأنعام: 165]

نكتشف من هذه الآية الكريمة العلاقة القائمة بين الخلافة، التي هي اختيار الله تعالى للإنسان من جهة، وبين الخلافة ونظام التّعامل البشريّ من جهة أخرى، فالنّصّ يوحي بمفهوم عقائديّ وسلوكيّ بالغ الأهميّة، ويُشّع بفكر توجيهيّ رائع الدّلالة، فهو يُوحِي لنا بأنّ الله القويّ القادر هو الذي جعلكم خلائف في الأرض، وجعلكم درجات متفاوتة في القوّة والقدرة والملكات لتصنعوا تجربتكم، وتؤدّوا اختباركم فتكشفوا عن مدى قدرتكم على الاضطلاع بدور الخلافة والتّمثيل لإرادة الله تعالى في الأرض، ولتعّبروا عن طريقة استعمالكم وتوظيفكم لما أُوتيتم من هذه القدرات والقوى والإمكانيّات، ليُعرف مدى تمثيلكم لدور الخلافة في هذا المجال وتحقيقه، فالقويّ القادر الذي استخلفكم يتعامل معكم بالعدل والإحسان وبالرّحمة واللّطف، وعلى أساس هذا الميثاق كنتم خلائف في الأرض، وعلى أساسه استُخلفتم وخُوّلتم في هذه الحياة، وأنتم تمرّون بتجربة امتحان واختبار أمام الخالق الذي استخلفكم. فهل سيتعامل هذا الإنسان المُستخلَف على هدي هذه الطّريقة وبوحي منها؟ وهل سيتطابق مع أسلوب التّعامل الذي يعامله به خالقه العظيم؟ وهل سيتذكّر عظمة الخالق وقدرته؟ وهل سيُدرك أنّ القدرة والقوّة ليست داعية للظّلم والعبث والفساد، وإنّما هي وسيلة للبناء والإصلاح والتّقديس؟

وبإعادة قراءتنا وتأمّلنا في الآية الكريمة نستنتج أنّ الآية تكشف لنا عن رسالتين جوهريّتين هما:

أ- إنّ من أهداف الاستخلاف هو الاختبار والكشف عن كيفيّة تعامل الإنسان مع أخيه الإنسان لترتيب الجزاء.

ب- إنّ من ضرورات الاستخلاف أن يتعامل الإنسان مع أخيه الإنسان بالطريقة التي يُحبُّ أن يتعامل معه خالقه.
وما أروع تطابق هذا المفهوم مع القول الإيمانيّ المأثور: "إذا دعتك قدرتك إلى ظُلمِ أحد من النّاس فتذكّر قدرة الله عليك"9

3/ الكشف عن السّنن الإلهيّة:السّنن الإلهية هي قوانين الله الفاعلة في الحياة والكون والإنسان، وهي نوعان من السنّن: سنن كونيّة تسير وفق نظام محكم لا يتخلّف، ولا يملك الإنسان شيئاً إزاء تغييرها، وليس له إلاّ أن يكيّف حياته ويضبط حركته معها، ويستفيد منها بكلّ ما لديه من وسع وجهد وطاقة، كما في قوله تعالى: "أَلَمۡنَجۡعَلِ ٱلۡأَرۡضَ مِهَٰدٗا ٦وَٱلۡجِبَالَ أَوۡتَادٗا ٧ وَخَلَقۡنَٰكُمۡ أَزۡوَٰجٗا ٨ وَجَعَلۡنَا نَوۡمَكُمۡ سُبَاتٗا ٩ وَجَعَلۡنَا ٱلَّيۡلَ لِبَاسٗا ١٠ وَجَعَلۡنَا ٱلنَّهَارَ مَعَاشٗا ١١ وَبَنَيۡنَا فَوۡقَكُمۡ سَبۡعٗا شِدَادٗا ١٢ وَجَعَلۡنَا سِرَاجٗا وَهَّاجٗا ١٣ وَأَنزَلۡنَا مِنَ ٱلۡمُعۡصِرَٰتِ مَآءٗ ثَجَّاجٗا ١٤لِّنُخۡرِجَ بِهِۦ حَبّٗا وَنَبَاتٗا ١٥وَجَنَّٰتٍ أَلۡفَافًا ١٦ إِنَّ يَوۡمَ ٱلۡفَصۡلِ كَانَ مِيقَٰتٗا ١٧"[النّبأ: 6-17]بل يستطيع أن يكيّف حياته في ضوء هذه السنن المنتظمة التي لا تتبدّل ولا تتغيّر، ويعرف منها النظام والانتظام.

إنّ البحث في أساليب الاستفادة من الطاقة المنبعثة من السّراج الوهاّج، وتسخيرها لما ينفع الإنسان، مظهر إعمار حقيقيّ للكون. وبما أنّ الإنسان لا يستطيع إيقاف المعصرات عن ضخّها للماء لإخراج النّبات من الأرض، فإنّ عليه أن يجمع الماء في سدود ومخازن كبرى؛ ليستفيد منها في تحويل الصّحراء إلى جنّات ألفاف، فالماء عصب النّهضة والعمران. وتفعيل الاستفادة من النّهار الذي هو وقت المعاش، لتوظيف كلّ دقيقة فيه في استثمار الأرض وزراعتها ليكثّر الإنتاج، وليلبّي حاجات الناّس في تحقيق الأمن الغذائيّ بدل أن يظلّ رهينة الأسعار العالميّة في المواد الغذائيّة التي لا يدفع إليها إلاّ الطمع وخُلُق الجشع، وليُعالج ظاهرة الفقر.. هو مظهر من مظاهر الإعمار. إنّ الوقوف على حقيقة هذه السّنن ودراستها ينعكس إيجابيّاً على إعمار الكون واستثمار ثرواته الطّبيعيّة المختزنة.

هذه القوانين هي بمنزلة قرارات ربّانية، تستهدف توثيق صلة الإنسان بالله تعالى حتّى حينما يريد أن يستفيد من القوانين الموضوعة للكون، وإشعار الإنسان بأنّ الاستعانة بالنّظام الكامل لمختلف السّاحات الكونيّة، والاستفادة من مختلف القوانين والسّنن التي تتحكّم في هذه السّاحات، ليس ذلك انعزالا عن الله تعالى؛ لأنّ الله يظهر قدرته من خلال هذه السّنن، ولأنّ هذه السّنن والقوانين هي إرادة الله، وهي ممثّلة لحكمة الله وتدبيره في الكون10.

لقد بثّ الله تعالى في الطّبيعة عناصر كثيرة، يُعدّ اكتشافها فرضاً على الإنسان، وتُعدّ دراسة هذه العناصر ومعرفة خصائصها من الضّرورياّت بالنّسبة إلى الحياة الإنسانيّة، وكلّها خاضعة لقوانين ثابتة منضبطة؛ فذرّتان من الهيدروجين وذرّة من الأوكسجين تُشكّل جُزيء ماء، ولا يملك الإنسان شيئاً إزاء هذا الاندماج بين الذراّت المختلفة. "ومثل هذه القوانين تقدّم خدمة كبيرة للإنسان في حياته الاعتيادية، وتلعب دوراً عظيماً في توجيه الإنسان، ومن هنا تتجلّى حكمة الله سبحانه وتعالى في صياغة نظام الكون على مستوى القوانين، وعلى مستوى الرّوابط المطّردة والسّنن الثاّبتة؛ لأنّ صياغة الكون ضمن روابط مطّردة وعلاقات ثابتة هو الذي يجعل الإنسان يتعرّف على موضع قدميه، وعلى الوسائل التي يجب أن يسلكها في سبيل تكييف بيئته وحياته والوصول إلى إشباع حاجاته"11.

"إنّ آيات عديدة تضع الجماعة البشريّة المؤمنة في قلب العالم والطّبيعة، وتدفعها إلى أن تبذل جهدها من أجل التّنقيب عن السّنن والنّواميس في أعماق التّربة، وفي صميم العلاقات المادّيّة بين الجزيئات والذّرات، إنّنا بإزاء حركة حضاريّة شاملة تربط بين مسألة الإيمان ومسألة الإبداع والكشف، بين التّلقّي عن الله تعالى والتّوغّل قُدُما في مسالك الطّبيعة ومنحنياتها وغوامضها، بين تحقيق مستوى روحيّ عال للإنسان على الأرض وبين تسخير طاقات العالم لتحقيق الدّرجة نفسها من التّقدّم على المستوى المادّيّ."12.

إنّنا نجد في كثير من الآيات"ترغيبا في علوم الكائنات، وإرشاداً إلى البحث فيها لمعرفة سنن الله وحِكَمِهِ فيها، وآياته الكثيرة فيها الدّالة على علمه وحكمته ومشيئته وقدرته وفضله ورحمته، ولأجل الاستفادة منها على أكمل الوجوه التي ترتقي بها الأمّة في معاشها وسيادتها، وتشكر فضل الله عليها... لقد أرشد القرآن الكريم إلى جميع العلوم النّباتيّة والحيوانيّة والإنسانيّة -من جسديّة ونفسيّة- والفلكيّة والجوّية والحسابيّة" 13.

أمّا السّنن الإلهيّة الأخرى المرتبطة بحياة الإنسان فهي السّنن الاجتماعية التي يملك الإنسان إزاءها كلّ شيء إيجاباً أو سلباً، وكثيرٌ منها يدور حول الإيمان قرباً منه أو بعداً، تصديقاً له أو تكذيباً، استجابة له أو تحدّياً. يقول سبحانه: "ذَٰلِكَ بِأَنَّ ٱللَّهَ لَمۡ يَكُ مُغَيِّرٗا نِّعۡمَةً أَنۡعَمَهَا عَلَىٰ قَوۡمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمۡ وَأَنَّ ٱللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٞ ٥٣" [الأنفال: 53]، فالإنسان نفسه هو منطلق التّغيير وفق هذه السّنن والقوانين، كما قال سبحانه: " لَهُۥ مُعَقِّبَٰتٞ مِّنۢ بَيۡنِ يَدَيۡهِ وَمِنۡ خَلۡفِهِۦ يَحۡفَظُونَهُۥ مِنۡ أَمۡرِ ٱللَّهِۗ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوۡمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمۡۗ وَإِذَآ أَرَادَ ٱللَّهُ بِقَوۡمٖ سُوٓءٗا فَلَا مَرَدَّ لَهُۥۚ وَمَا لَهُم مِّندُونِهِۦ مِن وَالٍ ١١" [الرعد: 11] هذه السّنن لها أثر كبير في عمليّة إعمار الكون، فقد دعا الوحي -مثلا- إلى السّير في الأرض للاعتبار فيما آلت إليه أحوال الأمم السّابقة التي كفرت بآيات الله وكذّبت رسله، يقول تعالى: "أَوَلَمۡ يَسِيرُواْ فِي ٱلۡأَرۡضِ فَيَنظُرُواْ كَيۡفَ كَانَ عَٰقِبَةُ ٱلَّذِينَ كَانُواْ مِن قَبۡلِهِمۡۚ كَانُواْ هُمۡ أَشَدَّ مِنۡهُمۡ قُوَّةٗ وَءَاثَارٗا فِي ٱلۡأَرۡضِ فَأَخَذَهُمُ ٱللَّهُ بِذُنُوبِهِمۡ وَمَا كَانَ لَهُم مِّنَ ٱللَّهِ مِن وَاقٖ ٢١" [غافر: 21]ـ. فقوّتهم الماديّة، وآثارهم التي شيّدوها أصبحت خبراً بعد عين، فالحفاظ على منجزات الأمّة -أيّ أمّة - لا يتمّ إلا بتصديق ما جاءت به الرّسل، وأيّ عمارة للكون تستند إلى التّكذيب والتّحدّي لرسالات الله تعالى فإنّ تلك العمارة معرّضة للانهيار والزّوال.

إنّ الأخذ بأسباب القوّة الماديّة من ضرورات الإعمار، فإعداد كلّ مظاهر القوّة العسكريّة والسّياسيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة، إضافة إلى قوّة الإيمان وما له من مظهر يتجلّى في العبادة والأخلاق والسّلوك ..كلّ أولئك يُكسِب المجتمع قوّة وتماسكاً وتكافلاً، فسنّة الإعداد تبعث على عمارة الكون، يقول سبحانه: "وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا ٱسۡتَطَعۡتُم مِّن قُوَّةٖ وَمِن رِّبَاطِ ٱلۡخَيۡلِ تُرۡهِبُونَ بِهِۦ عَدُوَّ ٱللَّهِ وَعَدُوَّكُمۡ وَءَاخَرِينَ مِن دُونِهِمۡ لَا تَعۡلَمُونَهُمُ ٱللَّهُ يَعۡلَمُهُمۡۚ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيۡءٖ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ يُوَفَّ إِلَيۡكُمۡ وَأَنتُمۡ لَا تُظۡلَمُونَ ٦٠" [الأنفال: 60]؛ وتتطلّب معرفة صهر الحديد لصناعة السّلاح، كما في قوله تعالى: "لَقَدۡ أَرۡسَلۡنَا رُسُلَنَا بِٱلۡبَيِّنَٰتِ وَأَنزَلۡنَا مَعَهُمُ ٱلۡكِتَٰبَ وَٱلۡمِيزَانَ لِيَقُومَ ٱلنَّاسُ بِٱلۡقِسۡطِۖ وَأَنزَلۡنَا ٱلۡحَدِيدَ فِيهِ بَأۡسٞ شَدِيدٞ وَمَنَٰفِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعۡلَمَ ٱللَّهُ مَن يَنصُرُهُۥ وَرُسُلَهُۥ بِٱلۡغَيۡبِۚ إِنَّ ٱللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٞ ٢" [الحديد: 25]ـ. وتحتاج إلى معرفة قوانين الكيمياء لتشكيله، وتحتاج إلى توظيف قوانين الفيزياء والرّياضيات لاستخدامه وقذف حممه على الأعداء وضربهم تحقيقاً لتوازن القوى والرّعب. إنّه لما تقاعس المسلمون عن سنّة الإعداد للأخذ بكلّ أسباب القوّة، أصبحوا عالةً على الأمم في الدّفاع عن أنفسهم.

إنّ القرآن حين دعا إلى إعمار الكون نهى في الوقت نفسه أن يكون هذا الإعمار وسيلة عبث وصدّ وإعراض عن منهج الله تعالى، وفي قوله تعالىَ: " أَتَبۡنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ ءَايَةٗ تَعۡبَثُونَ ١٢٨  وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمۡ تَخۡلُدُونَ ١٢٩وَإِذَا بَطَشۡتُم بَطَشۡتُمۡ جَبَّارِينَ ١٣٠"  [الشعراء: 128- 130]ــ ما يدلّل على فشل الإعمار المادّي الذي لا يحقّق غايات الحياة ومقاصدها، فقد كذّب هؤلاء رسولهم فهلك كلّ إعمارهم: " فَكَذَّبُوهُ فَأَهۡلَكۡنَٰهُمۡۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَةٗۖ وَمَا كَانَ أَكۡثَرُهُم مُّؤۡمِنِينَ ١٣٩" [الشعراء: 139]ـ. إنّنا نشهد اليوم آثار الفراعنة والفرس والرّومان، فما الذي أهلك حضارتهم؟ إنّها سنّة الله التي لا تتخلّف، يقول الله تعالى:

"أَوَ لَمۡ يَسِيرُواْ فِي ٱلۡأَرۡضِ فَيَنظُرُواْ كَيۡفَ كَانَ عَٰقِبَةُ ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡۚ كَانُوٓاْ أَشَدَّ مِنۡهُمۡ قُوَّةٗ وَأَثَارُواْ ٱلۡأَرۡضَ وَعَمَرُوهَآ أَكۡثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا وَجَآءَتۡهُمۡ رُسُلُهُم بِٱلۡبَيِّنَٰتِۖ فَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيَظۡلِمَهُمۡ وَلَٰكِن كَانُوٓاْ أَنفُسَهُمۡ يَظۡلِمُونَ ٩"[الروم: 9]

إنّه لماّ طغى إنسان هذه الحضارات في الأرض واستكبر، وعلا وتجبّر، وظلم وتكبّر، وظنّ أن لن يقدر عليه أحد، وتحدّى سنن الله تعالى، تحقّقت فيه تلك السّنن العادلة التي لا تحابي أحداً، وقضت بهلاك هذه الحضارات، وما كان منها قائماً فمصيره إلى هلاك وزوال، فإعمار الأرض إن لم يقم على هداية الوحي وسننه فهو إلى زوال، لأنّ أيّ حضارة لا تُقيم بنيانها على تلك الأسس فكأنّما تبني حضارة يكابد إنسانها بؤس العيش، وخواء الرّوح، وضلال الهدف والغاية، وسوء المنقلب والمصير، فهي لذلك حضارة الإفلاس على الرّغم ممّا وصلت إليه من منجزات ماديّة وتقنيّة.

إنّ "المنهج القرآني منهج فريد في إعادة إنشاء النّفوس، وتركيبها وفق نسق الفطرة الخالصة؛ حيث تجدها متّسقة مع الكون الذي تعيش فيه، متماشية مع السّنن التي تحكم هذا الكون في يسر وبساطة، بلا تكلّف... ومن ثم تستشعر في أعماقها السّلام والطّمأنينة الكبرى؛ لأنّها تعيش في كون لا تصطدم مع قوانينه وسننه، ولا تعاديه ولا يعاديها، متى اهتدت إلى مواضع اتّصالها به، وعرفت أنّ ناموسها هو ناموسه. وهذا التّناسق بين النّفس والكون، وذلك السّلام الأكبر بين القلب البشريّ والوجود الأكبر، ينبع منه السّلام بين الجماعة، والسّلام بين البشر، وتفيض منه الطّمأنينة والاستقرار14.

وهذه هي الثّمرة العظمى لإعمار الكون، فالإنسان يكتشف نفسه، ويعرف مكانته بقدر ما يكتشف من سنن كونيّة واجتماعيّة انتظمت هذا الوجود بأسره، وتلك السّنن تهيّئ له مجالاً واسعاً في التّعامل الآمن مع هذا الوجود ومعرفة أسراره وسننه من أجل إعمار آمن وراشد للكون.

4/ الاستثمار الفاعل للسّنن التّسخيريّة:يتّصل هذا المظهر بالمظهر السّابق، لكن لأهمّيته جعلناه مستقلّا، فالسّنن التّسخيريّة واقعة ضمن السّنن الإلهيّة ذات الصّلة بالكون. إنّ تسخير ما في الكون هو أحد مهامّ الإنسان في الحياة، ويعني البحث في وجوه الانتفاع ممّا ذلّله الله تعالى للإنسان في الكون وتطويعه وتوظيفه بالعمل الدّؤوب الهادف، فإنّ العمل ركنٌ من أركان الشّخصية المؤمنة، وبدونه تسقط دعامة مهمّة من دعائم هذه الشّخصية، وينعكس سلباً على الإيمان من حيث مصداقيته في أرض الواقع. وممّا يستند إليه العمل ويتوافر فيه تلك الدّواعي الإنسانية من صلة رحم، وإغاثة ملهوف، وإطعام جائع، وسدّ حاجة فقير ... فضلا عن الدواعي الاقتصاديّة بطلب الرّزق وكسب العيش. فالموجّه الحقيقيّ للعمل والمرشد له هو الدّين الذي عَدَّ الدّواعي الإنسانيّة مطلباً أساسيّاً، ومقصداً ضروريّاً للعمل الصّالح. وبهذا العمل المنهجيّ الهادف تستطيع الأمّة أن تستثمر كنوز الأرض وأسرارها؛ لتحقّق أهدافها، وتؤدّي واجباتها.

لقد كان تسخير الكون للإنسان لأجل وجوده، وقد بُني الكون بالقدرة الإلهية على قوانين كميّة وكيفيّة تُناسب تماماً الكيان الإنسانيّ في وجوده ابتداء، فكأنّما هو صنع لاستقبال الإنسان، فتسخير الشّمس والقمر إشارة إلى إعداد الكون كمّيا؛ ليناسب وجود الإنسان، وتسخير اللّيل والنّهار إشارةٌ إلى إعداده كيفيّا لذلك. كذلك سخّره لاستمرار الحياة الإنسانية؛ فقوانين الكون مذلّلة لاستقبال الوجود الإنسانيّ ولحياته وسيرورتها، ولتحقيق غايتها15.

لقد سخّر الله تعالى للإنسان كثيراً من المظاهر الكونيّة، فقد سخّر له الشّمس والقمر، واللّيل والنّهار، والفلك والأنهار والبحار، كما في قوله تعالى: "ٱللَّهُ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ وَأَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءٗ فَأَخۡرَجَ بِهِۦ مِنَ ٱلثَّمَرَٰتِ رِزۡقٗا لَّكُمۡۖ وَسَخَّرَ لَكُمُ ٱلۡفُلۡكَ لِتَجۡرِيَ فِي ٱلۡبَحۡرِ بِأَمۡرِهِۦۖ وَسَخَّرَ لَكُمُ ٱلۡأَنۡهَٰرَ ٣٢وَسَخَّرَ لَكُمُ ٱلشَّمۡسَ وَٱلۡقَمَرَ دَآئِبَيۡنِۖ وَسَخَّرَ لَكُمُ ٱلَّيۡلَ وَٱلنَّهَارَ ٣٣" [إبراهيم: 32-33]ـ. وقوله تعالى: "وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلۡأَرۡضِ جَمِيعٗا مِّنۡهُۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَٰتٖ لِّقَوۡمٖ يَتَفَكَّرُونَ ١٣" [الجاثية: 13]ـ. وسخّر الإبل على بدانتها مقارنة بحجم الإنسان كما في قوله تعالى: "لَن يَنَالَ ٱللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَآؤُهَا وَلَٰكِن يَنَالُهُ ٱلتَّقۡوَىٰ مِنكُمۡۚ كَذَٰلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمۡ لِتُكَبِّرُواْ ٱللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَىٰكُمۡۗ وَبَشِّرِ ٱلۡمُحۡسِنِينَ ٣٧" [الحج: 37]

من هذه الآيات يلحظ المتدبّر أنّ كلّ ما في عالم الشّهادة مسخّر للإنسان، ليس هناك شيء محظور يحرم على الإنسان اكتشافه أو التّفكير فيه، أو تذليله لمصلحته، أو البحث فيه ودراسته. لقد وضع القرآن الإنسان أمام حوافز أو تحدّيات كثيرة ليكتشف ما أودع الله تعالى فيه من طاقات كامنة، ولتظهر محورّيته في عالم الكون.

إنّ تسخير كلّ تلك المظاهر الكونية والمخلوقات لا يتوقّف عند حدود الانتفاع المادّيّ فحسب، بل يلمح برهان الدين إبراهيم بن عمر البقاعي غرضاً آخر له، فيقول: "كلّ ذلك –التّسخير- ليصرف الله تعالى خوف الخلق ورجاءهم عن الأفلاك والنّجوم المسخّرة إلى المسخّر القاهر فوق عباده"16.

فالتّسخير يقود إلى مبدإ التّوحيد الأعظم الذي هو ثمرة هذا الإعمار الواعي للكون، ولأنّه نعمة تذكّر بالمنعم سبحانه وأنّه واحد أحد.

إنّ استثمار ما سخّره الله تعالى يعدّ من فروض الإعمار، وهو تكليف يُسأل عنه الإنسان يوم القيامة، ففي الحديث: "يؤتى بالعبد يوم القيامة،فيقول الله له: ألم أجعل لك سمعا وبصرا ومالا وولدا،وسخّرت لك الأنعام والحرث، وتركتك ترأس وتربع،أفكنت تظنّ أنّك ملاقي يومك هذا؟ فيقول: لا،فيقول له: اليوم أنساك كما نسيتني"17، يعني: ألم أجعلك رئيسا مطاعا، ففي الحديث إشارة إلى أنّ التّقصير في الانتفاع ممّا سخّر الله تعالى صفة من يكذّب بلقاء الله يوم القيامة ولا يهتدي إلى وحدانيّته.

إنّ كلّ هذه المسخّرات ينبغي أن تكون عوناً للإنسان في أداء مهامّه على الأرض، لا أن تكون عبئاً له تبعات ثقيلة عليه. وبعبارة أخرى، ينبغي أن يكون التّسخير باباً عظيماً من أبواب الشّكر والثّناء والحمد لله ربّ العالمين، والتّصدّيق بما جاء به الوحي من هداية وإرشاد. بناء على هذا، فقد يقول قائل: إنّ أبناء الثّقافات الأخرى قد أحسنوا استثمار ما في الكون، واستطاعوا أن يقطعوا أشواطاً بعيده في اكتشاف أسراره، وتذليل سبل العيش الرّغيد للإنسان، والتّفنّن في توفير وسائل الرّاحة وسبل السّعادة؟ والجواب: هذا صحيح، ولقد استطاعوا أن يحقّقوا ما لم يخطر على بال القرون الأولى، وسوف يتوقّع منهم أن يقطعوا أشواطاً أخرى في استثمار ما في الكون؛ برّه وبحره وجوّه. كلّ هذا حقّ لا مراء فيه، وقد تفوّقوا على المسلمين بفارق هائل، وما ذلك إلّا للأزمات العديدة التي يعيشها العقل المسلم المعاصر، لكن -مع ذلك كلّه- لا يمكن أن تكون قراءة هذه الأمّم لكتاب الكون قراءة صحيحة؛ لأنّها -بكلّ وضوح- قراءة منقطعة عن أهم مصادر المعرفة وهو كتاب الوحي، بعيدة عن هدايته، فهي قراءة عوراء للكون، وهي قراءة سطحيّة لظاهر الحياة الدّنيا، بإعراضهم هم عن الآخرة. وهذا يؤدّي إلى مفاسد كثيرة على صعيد الأخلاق والقيم والسّلوك، فلن يورث هذا الاستثمار حياة عادلة للنّاس، بل تسود حياة هؤلاء شريعة الغاب، فيزداد الفقير فقراً، والغنيّ ثراءً، ويأكل القويّ الضّعيف، وتلتهم الأقلّيّة المتنفّذة حقوق الأكثريّة الكادحة الغافلة.

ولقد تحوّلت هذه القراءة -في ظلّ انعدام توجيه الوحي - إلى تدميرٍ لموارد الطبيعة، واستنزاف بشع لخيراتها، واعتداء صارخ عليها، واغتصاب بشع لحقوق الأجيال القادمة، وما لها من حقّ في هذه الموارد، ليُشبِع إنسان هذه الثقافة نهمه وجشعه وطمعه، ويحرم الأجيال القادمة من الحياة الآمنة. خذ مثلاً: دخول المواد الكيميائية عنصراً أساسيّاً في صناعة المواد الغذائيّة، وما جرّ إليه ذلك من انتشار أمراض عديدة كالسّرطان. إنّ الإنسان الجشع يرغب بانتاج زراعيّ هائل بأقلّ كلفة، وأقلّ جهد، وأفحش ثمن، ولو كان ذلك على حساب حياة النّاس !! إنّه يرغب بإنتاج زراعيّ في المختبرات ؟!. إنّ الوحي يقرّر أنّ حفظ النّفس واحد من مقاصد الإسلام الكبرى؛ لذلك لا يمكن التّعامل مع الكون بهدف الإضرار؛ لأنّه "لا ضرر ولا ضرار"6.

الرسم البياني رقم 2: ركائز البناء الحضاري

 

              المصدر: من إعداد شخصي

يتّضح من الرسم البياني رقم 2أنّ:

-                       الحضارة الإنسانيّة المثلى لا تتحقّق واقعا إلاّ بالتّمكين الإلهيّ للإنسان الخليفة.

التّمكين (بمعنى التّميّز والهيمنة) لا يُكتب إلاّ لمن استثمر آليات ركائز الخلافة (العبادة والعمارة) في نفسه والواقع من حوله. 

خاتمة

الخلافة صيرورة إنسانية لا تتوقف، تنهل من قاموس التغيير كـ "العمل"، و"البحث" و"الكشف" و"الاختراع"، وغيرها من أخواتها الكثيرات التي جافيناها برهة من الزمن فجافانا التّقدم، لما أشهرنا كلمات قاتلة مثل"ليس في الإمكان أبدع مما كان" أو "لم يترك الأوّل للأخر شيئا". فوقفنا، بل تراجعنا لأنّه "لا ثبات" فإمّا حركة إلى الأمام وإمّا إلى الوراء، وشهد الزّمان رحلتين متضادّتين في الاتّجاه، واحدة متسارعة إلى الأمام على وقع القاطرة البخاريّة، فالطّائرة، فالصّاروخ… بينما تهوي الأخرى إلى مجاهيل من التّعطيل والتّخلّف، لولا بقيّة من الذين لم تصبهم تلك الشّعارات بـ "العشى"، فراحوا يحاولون كبح جماح "رحلة التّراجع" والتّقليص من أضرارها، لينجحوا بعد لأي في تغيير وجهتها، وتنطلق عملية البناء. عمليّة لم تستلهم إلى الآن على الوجه الأمثل معنى الخلافة في الأرض، فحُرِموا القوّة على "الاندفاع التّاريخيّ".

إنّ ظاهرة التّحضّر الإنسانيّ لا تقوم إلاّ في ظلّ ذلكم التّفاعل الإيجابيّ بين الإنسان والكون والحياة، هذا التّفاعل الذي لا يمكن أن يحدث إلاّ بمحفّزات روحيّة ونفسيّة تستحثّ فيه تلك الاستعدادات الفطريّة؛ لتستنهض فيه النّزوع نحو التّميّز الإنساني والتّطلّع إلى الهيمنة الكونيّة.

ولا شكّ أنّ القيم والمبادئ الإنسانيّة العليا التي رسمها القرآن وبصّر بها هذا الإنسان، هي وحدها التي ينبغي أن تكون المحفّزات إلى إبداع تلك النّهضة الإنسانيّة الحضاريّة الشاّملة؛ فهي التي تصنع الإنسان الخليفة الذي يصلح ولا يفسد.

إنّ العبادة والعمارة هما -في الحقيقة– جماع تلك المحفّزات والقيم العليا التي نبّه إليها القرآن، وبصرّ الإنسان بضرورة الانفعال بها والانسجام معها، قال تعالى: "وَمَا خَلَقۡتُ ٱلۡجِنَّ وَٱلۡإِنسَ إِلَّا لِيَعۡبُدُونِ ٥٦" [الذاريات: 56]ـ وقال أيضا: "وَإِلَىٰ ثَمُودَ أَخَاهُمۡ صَٰلِحٗاۚ قَالَ يَٰقَوۡمِ ٱعۡبُدُواْ ٱللَّهَ مَا لَكُم مِّنۡ إِلَٰهٍ غَيۡرُهُۥۖ هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ ٱلۡأَرۡضِ وَٱسۡتَعۡمَرَكُمۡ فِيهَا فَٱسۡتَغۡفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوٓاْ إِلَيۡهِۚ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٞ مُّجِيبٞ ٦١" [هود: 61]، وبها يتحقّق التّمكين الذي يمهّد لبناء الحضارة الإنسانيّة المثلى؛ وقد وعد الله تعالى بذلك في قوله: "وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مِنكُمۡ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ لَيَسۡتَخۡلِفَنَّهُمۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ كَمَا ٱسۡتَخۡلَفَ ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمۡ دِينَهُمُ ٱلَّذِي ٱرۡتَضَىٰ لَهُمۡ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّنۢ بَعۡدِ خَوۡفِهِمۡ أَمۡنٗاۚ يَعۡبُدُونَنِي لَا يُشۡرِكُونَ بِي شَيۡ‍ٔٗاۚ وَمَن كَفَرَ بَعۡدَ ذَٰلِكَ فَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡفَٰسِقُونَ ٥٥" [النور: 55]ـ


الهوامش

1.الطبري محمد بن جرير،1405هـ، جامع البيان عن تأويل آي القرآن، ج1، دار الفكر، بيروت، 215،216.  والقرطبي محمد بن أحمد، دت، الجامع لأحكام القرآن، تح: أحمد عبد الحليم البردوني، ج 1، ط 2، دار الشعب، القاهرة، ص 281.

2.                        ابن الجوزي جمال الدين أبو الفرج، 1404هـ، زاد المسير في علم التفسير،ج 1، ط3، المكتب الإسلامي، بيروت، ص 61.  وتفسير الطبري، ج 1/215،216.

3.تفسير الطبري، ج 1/ 215، 216. تفسير القرطبي، ج 1/62،62.

4.النجار عبد المجيد عمر، 1999م، الشهود الحضاري للأمة الإسلامية فقه التحضر الإسلامي، ط 1، دار الغرب الإسلامي، بيروت، ص 49.

5.البوطي محمد سعيد رمضان، 2005، منهج الخلافة الإنسانية في القرآن، ط7، دار الفكر، دمشق، ص 24.

6.ابن عاشور محمد الطاهر، دت، التحرير والتنوير، ج 20، دار سحنون للنشر والتوزيع، تونس، ص 48، 49.

7.الآلوسي شهاب الدين محمود بن عبد الله، دت، روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني، ج12، دار إحياء التراث العربي، بيروت، ص 88.

8.البوطي محمد سعيد رمضان، مرجع سابق، ص: 26-27.

9.الأثر ينسب إلى عمر بن عبد العزيز الخليفة الأموي، كتب به نصيحة إلى بعض ولاته. انظر: شمس الدين محمد بن أحمد الذهبي (748ه)،1424ه/2003، سير أعلام النبلاء، اعتنى به: محمد بن عيادي بن عبد الحليم، ج 4، ط 1، مكتبة الصفا، القاهرة، ص 408.

10.                      الصدر محمد باقر، 1981، المدرسة القرآنية، دار التعارف، بيروت، ص77،78.

11.                       المرجع نفسه،  ص103، 104.

12.                      خليل عماد الدين، 1991، حول تشكيل العقل المسلم، المعهد العالمي للفكر الإسلامي، الولايات المتحدة، ص77، 78.

13.                      محمد رشيد رضا، بلا تاريخ، تفسير القرآن الحكيم الشهير بتفسير المنار، ج8، دار الفكر، بيروت، ص291.

14.                      قطب سيد، 1977، في ظلال القرآن، ج5، دار الشروق، بيروت، ص 265.

15.                      النجار عبد المجيد عمر،(1995)،الإنسان والكون في العقيدة الإسلامية، "مجلة المسلم المعاصر"، مؤسسة المسلم المعاصر، العدد 77، أكتوبر 1995، ص:24، 26

16.                      البقاعي برهان الدين إبراهيم بن عمر، 1995، نظم الدرر في تناسب الآيات والسور، ج3، دار الكتب العلمية، بيروت، ص 352.

17.                      الترمذي محمد بن عيسى، دت، السنن، تح أحمد شاكر، ج4، دار إحياء التراث العربي، بيروت، ص618، (الحديث رقم 2428، وقال: هذا حديث صحيح غريب).

18.                      حديث حسن رواه ابن ماجة والدارقطني عن أبي سعيد الخدري، ورواه مالك في الموطإ عن عمرو بن يحيى. انظر تخريجه في: ابن رجب الحنبلي (795ه)، 1418ه/1997م، جامع العلوم والحكم في شرح خمسين حديثا من جوامع الكلم، اعتنى به: حسن أحمد إسبر، ط1، دار ابن حزم، بيروت، ص 369.



 

@pour_citer_ce_document

عبد العزيز لعيادي, «الإنسان الخليفة ومهمّة الإعمار رؤية قرآنيّة للحضارة الإنسانيّة المثلى »

[En ligne] ,[#G_TITLE:#langue] ,[#G_TITLE:#langue]
Papier : pp: 74- 88,
Date Publication Sur Papier : 2016-01-15,
Date Pulication Electronique : 2016-01-11,
mis a jour le : 03/10/2018,
URL : https://revues.univ-setif2.dz:443/revue/index.php?id=1338.