صحافة المواطن والصحافة التقليدية: بين التنافس والتكامل
Plan du site au format XML


Archive: revues des lettres et sciences sociales


N°01 Avril 2004


N°02 Mai 2005


N°03 Novembre 2005


N°04 Juin 2006


N°05 Juin 2007


N°06 Janvier 2008


N°07 Juin 2008


N°08 Mai 2009


N°09 Octobre 2009


N°10 Décembre 2009


N°11 Juin 2010


N°12 Juillet 2010


N°13 Janvier 2011


N°14 Juin 2011


N°15 Juillet 2012


N°16 Décembre 2012


N°17 Septembre 2013


Revue des Lettres et Sciences Sociales


N°18 Juin 2014


N°19 Décembre 2014


N°20 Juin 2015


N°21 Décembre 2015


N°22 Juin 2016


N° 23 Décembre 2016


N° 24 Juin 2017


N° 25 Décembre 2017


N°26 Vol 15- 2018


N°27 Vol 15- 2018


N°28 Vol 15- 2018


N°01 Vol 16- 2019


N°02 Vol 16- 2019


N°03 Vol 16- 2019


N°04 Vol 16- 2019


N°01 VOL 17-2020


N:02 vol 17-2020


N:03 vol 17-2020


N°01 vol 18-2021


N°02 vol 18-2021


N°01 vol 19-2022


N°02 vol 19-2022


N°01 vol 20-2023


N°02 vol 20-2023


N°01 vol 21-2024


A propos

avancée

Archive PDF

N°20 Juin 2015

صحافة المواطن والصحافة التقليدية: بين التنافس والتكامل


pp: 211 - 230

صبرينة برارمة
  • resume:Ar
  • resume
  • Abstract
  • Auteurs
  • TEXTE INTEGRAL
  • Bibliographie

كان التحوّل الأبرز الذي حصل خلال العقد الأخير على مستوى الإعلام بروز ظاهرة "صحافة المواطن" كشكلٍ جديد للممارسات الصحفية غير المهنية، ونتاج حتمي للثورة المعلوماتية. وقد اعتبرها المقرر الخاص المعني بحماية الحق في حرية التعبير جزءاً من الصحافة، على الرغم من تضارب المواقف الفقهية والتشريعية حول حقيقتها الصحفية بين مؤيد ومعارض، من حيث المصطلح في حد ذاته وفيما يخص دورها في المجتمع الديمقراطي، فقد كان للديمقراطية في الدول الغربية دور في ظهور صحافة المواطن كحركةٍ إصلاحية لأزمة الثقة التي تعيشها الصحافة المحترفة، سواء على مستوى العملية التواصلية أم فكرة الفضاء العمومي؛مما أدى إلى حتمية تدخل المُشرِّع لحماية هذه الصحافة من خلال طرح النقائص وإيجاد البدائل.

الكلمات المفاتيح: صحافة المواطن، صحافة، الإعلام البديل، حرية التعبير، حرية الإعلام

L'émergence du phénomène du "journalisme citoyen", telle une nouvelle forme de pratiques journalistiques non professionnelles et un produit inévitable de la révolution de l'information, est le changement le plus important qui s’est produit au cours de la dernière décennie sur le plan médiatique. Il en fait même partie intégrante du journalisme aux yeux du rapporteur spécial sur la protection du droit à la liberté d’expression, en dépit des positions jurisprudentielles et législatives divergentes sur son identité journalistique, entre partisans et opposants, en ce qui concerne le terme en lui-même, mais aussi sur son rôle (journalisme citoyen) dans la société démocratique, la démocratie ayant joué un rôle dans les pays occidentaux dans l'émergence du journalisme citoyen en tant que mouvement de réforme, face à la crise de confiance que vit le journalisme professionnel, tant sur le plan du processus de communication que sur l'idée de l'espace public, ayant conduit à la nécessité de protéger ce type de journalisme, en pointant du doigt les lacunes et en trouvant des alternatives.

Mots clés : Journalisme Citoyen, Journalisme, Médias Alternatifs, Liberté d'expression, Liberté des médias.

The most important change, that happened in the last decade, at the level of press, was the emergence of « citizen journalism”, as a new form of non-professional journalistic practice. The special rapporteur, in charge of the protection of the freedom of speech, considered this form  part of the press, despite the doctrinal and legislative debate over its journalistic identity. The conflicting debate was over the term itself, citizen journalism, and its role in a democratic society, which was the reason behind the emergence of this form as a reform movement of the confidence crisis witnessed by the professional press. The interference of the legislator through showing the flaws and providing alternatives becomes primordial and necessary to protect this form of press.

Keywords: citizen journalism, journalism, alternative media, freedom of expression, media freedom.

Quelques mots à propos de :  صبرينة برارمة

أستاذ مساعد أ بكلية الحقوق والعلوم السياسية، جامعة سطيف

مقدمة

كان التحول الأبرز الذي حصل خلال العقد الأخير على مستوى الإعلام هو بروز ظاهرة "صحافة المواطن" كشكلٍ جديد من أشكال الممارسات الصحفية غير المهنية، ونتاج حتمي للثورة المعلوماتية والتكنولوجية الجديدة. وتبرز حداثة هذه الظاهرة من خلال التطرق المتأخر لـ "صحافة المواطن " من قبل المقرر الخاص المعني بحماية وتعزيز حرية الرأي والتعبير -الذي سيصطلح عليه بالمقرر الخاص-، الذي كان لأول مرة سنة 2010.1رغم تطرقه لحرية الصحافة في مختلف تقاريره منذ البدايات الأولى لهذا المنصب. 2لهذا كان لزاماً على المشرّع أن يأخذ بالحسبان عند سنه القوانين ظاهرة صحافة المواطن، من خلال الاعتماد على العناصر التوجيهية التي أشار إليها المقرر الخاص في تقريره .

وتكمن أهمية هذه الورقة البحثية في تحديد مختلف عناصر ونتائج العملية الاتصالية الرقمية التي تتخذ صورة "صحافة المواطن" مقارنة بالصحافة التقليدية، ومحاولة وضع اليد على أهم النقائص التي يتضمنها التشريع الجزائري المتعلق بالإعلام عموماً وبالصحافة بشكل خاص مقارنة بما تضمنه تقرير المقرر الخاص المعني بحماية وتعزيز حرية الرأي والتعبير. خصوصاً مع قلة البحوث المتعلقة بصحافة المواطن اعتماداً على المقترب القانوني .

وهو ما يطرح الإشكالية التالية: هل كان لظاهرة "صحافة المواطن" تأثير على الصحافة التقليدية ودورها في المجتمع الديمقراطي؟ وما مدى تأثير ذلك على التشريعات المتعلقة بحرية الصحافة أي ما هي النقاط التي يجب على المشرّع أخذها بعين الاعتبار عند سنه القوانين المتعلقة بحرية الإعلام والصحافة؟

سنتوخى الإجابة على هذه الإشكالية من خلال اتباع المنهج التحليلي للعناصر الثلاثة التي ركز عليها المقرر الخاص في تقريره رقم A/65/284الصادر سنة 2010، والمتمثلة في الإطار المفاهيمي لصحافة المواطن مقارنةً بمفهوم الصحافة، ثم الدور الذي تلعبه هذه الصحافة في المجتمع الديمقراطي، وأخيراً الحماية المقررة لهذه الصحافة كنتاج حتمي لهذه العلاقة بين صحافة المواطن والصحافة التقليدية. وذلك من خلال عنصرين، يتضمن العنصر الأول مفهوم صحافة المواطن ؛ ثم نتطرق إلى الحماية المقررة لصحافة المواطن في العنصر الآخر.

أولا: ارتباط مفهوم "صحافة المواطن" بالصحافة التقليدية

حدث اختلاف كبير بين الباحثين حول إعطاء مفهوم دقيق وشامل لصحافة المواطن، لهذا سنعتمد في ضبط هذه المفاهيم على تقرير المقرّر الخاص المعنيّ بتعزيز وحماية حرية الرأي والتعبير رقمA/65/284، حتى يتسنّى للمشرّع تدارك الفراغ التشريعي. ويتدعم تحديد المفهوم من خلال الرجوع إلى نشأة صحافة المواطن وأسبابها. لذا سنتطرق أولاً إلى تعريف صحافة المواطن، وإلى نشأة هذه الصحافة ثانيا.

1/ الصحافة منطلق لتعريف صحافة المواطن

انطلق المقرّر الخاص المعنيّ بحماية وتعزيز حرية الرأي والتعبير من تعريف الصحفيين للوصول إلى تعريف صحافة المواطن. فهل يتطابق تعريف صحافة المواطن مع تعريف الصحافة؟ وما هو موقف المُشرِّع الجزائري من ذلك؟

أ/ تعريف صحافة المواطن اصطلاحاً

يُعتَبر الصحفيون، حسب المقرّر الخاص، أفراداً يكرّسون جهودهم بطرق منتظمة للتحقيق في المعلومات وتحليلها ونشرها عن طريق وسائط الإعلام المكتوبة ووسائط البث (التلفزيون أم الإذاعة) ووسائط الإعلام الإلكترونية. ويلمّح المقرّر الخاص ذاته، عندما يشير إلى الصحفيين في هذا التقرير من باب أوسع إلى سائر الإعلاميين والأفراد المرتبطين بوسائط الإعلام لأنهم يشكلون جزءاً من الصحافة.3

ويُشِير المقرّر الخاص إلى عدم وجود تعريف موّحد لصحافة المواطن بحدّ ذاتها؛ لكن نفهم حسبه أنه يقصد بصحافة المواطن عادةً التقارير الإخبارية المستقلّة التي يقدّمها في كثير من الأحيان هواة من مسرح الحدث، والتي تنشر عالمياً من خلال وسائل الإعلام الحديثة، عن طريق شبكة الأنترنت في الأغلب الأعمّ، مثلاً عن طريق مواقع تبادل الصور أو أشرطة الفيديو والمدونات الصغيرة ومنتديات الانترنت ولوحات الإعلانات والشبكات الاجتماعية وملفات البث الرقمي ... فلا يعد "المواطن الصحفي" صحفياً محترفاً مدرباً.4

جاء تعريف المقرّر الخاص متماشياً مع المفاهيم التي قدّمها مختلف منظّري هذه الظاهرة الإعلامية، رغم اختلاف المصطلحات المستعملة5مثل : تشاركية، صحافة الشارع، الصحافة مفتوحة المصادر، "الإعلام البديل"؛ حيث استعملت "كليمينسيا رودريغز Clemencia Rodriguez" مصطلح "إعلام المواطن" سنة 2001. 6وكان "دان جيلمور Dan Gillmor"7صاحب مصطلح "الصحافة الشعبية" والذي طرحه ضمن كتابه "نحن وسائل الإعلام : الصحافة الشعبية من الشعب وإلى الشعب" سنة 2004. 8واصطلح عليها "هاكيت وكارول Hacket and Caroll" سنة 2006بـ"الإعلام الديمقراطي". في حين استعمل "دومان وويليس Shayne Dowman and Chris Willis" سنة 2003مصطلح "الصحافة التشاركية"، حيث عرّفاها على أنها «فعلٌ لمواطن أو مجموعة من المواطنين يلعبون دوراً حيوياً في عملية تجميع وتغطية وتحليل ونشر الأخبار والمعلومات. والغرض من هذه المشاركة هو تقديم معلومات مستقلة معتمدة صحيحة  متنوعة ومناسبة، تتطلبها روح الديمقراطية.»9

ويتبين لنا أن التسميات تعددت بتعدد أهداف صحافة المواطن، لكن ما هو مؤكد ارتكازها كلها على خاصية قدرة كل مستخدم لشبكة الانترنت من أن يصبح منتجاً للمحتوى وتوزيعه على الصعيد العالمي متجاوزاً الحدود السياسية للدول.

ب/ موقف المشرّع الجزائري

 حصر المشرّع الجزائري وسائل الإعلام الإلكترونية في الصحافة الالكترونية وخدمة السمعي البصري عبر الانترنت (واب-تلفزيون، واب-إذاعة). فقد جاء في المادة 67من قانون الإعلام الجزائري  «يقصد بالصحافة الإلكترونية، في مفهوم هذا القانون العضوي، كل خدمة اتصال مكتوب عبر الانترنت موجّهة للجمهور أو فئة منه، وينشر بصفة مهنية من قبل شخص طبيعي أو معنوي يخضع للقانون الجزائري، ويتحكم في محتواها الافتتاحي.»10

وجاء المشرّع الجزائري على تعريف الصحفي في نص المادتين 73و74من القانون العضوي رقم 12-05المتعلق بالإعلام. ونصت المادة76من القانون العضوي نفسه على أن:

« تثبت صفة الصحفي المحترف بموجب بطاقة وطنية للصحفي المحترف، تصدرها لجنة تحدد تشكيلتها وتنظيمها وسيرها عن طريق التنظيم.»

نلاحظ من خلال تحليل مختلف النصوص السابقة ربط المُشّرع الجزائري مفهوم الصحافة بالصحافة المهنية فقط حتى ولو أخذت شكل الصحافة الالكترونية، مستبعداً فكرة إسباغ مصطلح "صحافة" أو "صحفي" على الهواة الذين يقومون بعملية إنتاج الأخبار والمحتويات وترويجها عبر شبكة الانترنت. وقد تماشى موقف بعض الباحثين مع توجه المُشرّع الجزائري في إخراج "صحافة المواطن" من مفهوم الصحافة، حيث اعتبر Ruellanمصطلح "غير صحفي" الكلمة المفتاحية التي تفسّر هذه الظاهرة بشكل أفضل من مصطلح "صحفي". في حين فضل Mondouxاستعمال مصطلح "مواطن- مراسل".11

وجاءت فكرة ربط المُشرّع الجزائري للصحافة بالصحافة المهنية فقط وإخضاع الصحفيين لتنظيم خاص معاكسا لما تضمنه تقرير المقرر الخاص، الذي أكّد على ضرورة عدم إخضاع الصحفيين لشروط من قبيل العضوية الإلزامية في النقابات المهنية أو الحصول على شهادة جامعية من أجل ممارسة الصحافة.12وقد اعتمدت لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة على هذا التأكيد كتعريف عملي لمهنة الصحفي، معتبرة كل نظام لمنح التراخيص أو التسجيل الإلزامي للصحفيين غير شرعي بموجب القانون الدولي.

الذي ينص على أن« الصحافة تتقاسمها طائفة واسعة من الجهات الفاعلة  بما فيها المراسلون والمحللون المحترفون والمتفرغون فضلا عن أصحاب المدونات الالكترونية13وغيرهم ممن يشاركون في أشكال النشر الذاتي المطبوع أو على شبكة الانترنت أو في مواضع أخرى، وتتعارض النظم الحكومية العامة لتسجيل الصحفيين أو الترخيص لهم مع الفقرة 3من المادة 19من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية.» 14

وانطلاقاً من ذلك يمكن أن نستنتج عدم شرعية أن تقدم الدولة تعريفاً للصحفي؛ إذ قد يؤدي هذا التعريف إلى استبعاد بعض الأشخاص الذين لا يعتبرون صحفيين بالمفهوم التقليدي. بل الأكثر من ذلك، يرى المقرر الخاص أن صياغة تعريف دقيق للصحفيين باعتبارهم فئة محمية وإيجاد تحديد أوضح لهوية الصحفيين، قد يستلزم اعتماد الصحفيين على النحو الواجب حصولهم على اعتراف من إحدى السلطات العمومية، مما يزيد من تدخلات الدولة من جهة، كما قد يعرض الصحفيين إلى المزيد من الخطر حيث يُستَهدف العديد منهم تحديداً لأنهم صحفيون.15

لهذا أخذت الصحافة صوراً جديدة فرضها التطور التكنولوجي، نرى أن يأخذها المُشرّع بعين الاعتبار عند سن القوانين؛ رغم عدم الإشارة إليها من قبل المقرر الخاص في تقريره رقم A/65/284.

- صور صحافة المواطن

سمحت الانترنت بظهور صحافة المواطن في أشكال جد متنوعة:

-                       تبرر بعض المواقع مبادرتها بانتقاد وسائل الإعلام التقليدية وتقترح إعلاماً بديلاً، مثل Agora Vox.

-                       تم إنشاء أخرى بواسطة هياكل إعلامية رئيسية (Wat TVمن طرف القناة الفرنسية TF1)

-                       ترى مواقع أخرى نفسها على أنها مجرد فضاءات للإعلان، تطبق الحد الأدنى من التنظيم على المضامين المقترحة من طرف مستعملي الانترنت(News public)

-                       يتم تأطير مواقع أخرى بشكل إسهامات قوية في أعمال المحترفين (Ohmynews) أو إدماجها في نشاط جماعي يديره صحفيون (Assignement Zero).16

2/ نشأة صحافة المواطن والديمقراطية الرقمية

تبين من خلال تتبّع المسار التاريخي للصحافة بصفة عامّة وصحافة المواطن بصفة خاصة العلاقة الوثيقة بينهما وبين الديمقراطية، وهذه العلاقة الأخيرة أشار إليها المقرر الخاص في تقريره. فقد أثبتت مختلف الأحداث ارتباط عمليات التغيير في مختلف المجالات بفكرة الديمقراطية كمنطلق. وكان لظهور الصحافة عموماً وصحافة المواطن بشكل خاص هذا الارتباط. فقد سار المجتمع والصحافة معاً وأثر كل واحد في الآخر؛ أي أن ظهور المجتمعات الغربية الديمقراطية كان بالتوازي مع الصحافة. إذ يتطلب المجتمع الحديث الديمقراطي تشكيل "رأي عام" يستلزم الاعتراف بالدور المركزي للمعلومة بصفتها إحدى قيمه الأساسية.17لكن كان للدور السلبي للإعلام التقليدي في المجتمع الديمقراطي وظهور الثورة المعلوماتية دور في إعطاء بعد جديد لعناصر المجتمع الديمقراطي من خلال "صحافة المواطن". وهذا ما سأتطرق إليه من خلال ثلاثة عناصر ؛ يتضمن العنصر الأول إلقاء نظرة سريعة على التطور التاريخي لصحافة المواطن. ثم أعرج في العنصر الثاني على أثر الدور السلبي للإعلام التقليدي في نشأة صحافة المواطن. ويتناول العنصر الثالث ارتباط فكرة "صحافة المواطن" بالثورة التكنولوجية تأكيداً على بعدها الديمقراطي .

أ/ نشأة صحافة المواطن

هناك اختلاف حول نشأة صحافة المواطن، حيث لا توجد إجابات متفق عليها بين جميع الباحثين والممارسين لهذه الصحافة. فيعيد بعض الباحثين رسم الأصول الأوروبية والأمريكية لصحافة المواطن إلى القرنين 17و18مثل تجارب كتاب المطبقات Pamphletلدورهم المبكر في تأكيد حرية النشر كمواطنين. إذ نستنتج من إفادة "لي" Lee(1917) أن أول ظهور لصحافة المواطن كان في الو.م.أ من خلال جريدة "بابليك أوكرنسز" وذلك في26سبتمبر 1690؛ حيث كانت تطبع هذه الجريدة على 3صفحات متوسطة الحجم فيما تترك الصفحة الرابعة فارغة قصد تمكين القراء من إضافة أخبارهم الخاصة عليها قبل تمريرها إلى قارئ آخر. لكن توقفت هذه الجريدة عن الصدور بعد عددها الأول.18لكن أرى أنه يعاب على هذا الشكل الأولي أو البدائي لصحافة المواطن تقاسمها مع عدد محدود من الأشخاص وغالباً ما تكون مكلّفة.

في حين تبعاً للويكيبيديا تم إطلاق أول مبادرة في الصحافة المدنية عام 1988بعد الانتخابات الرئاسية الأمريكية، أين انشغل الإعلام التقليدي بنقل كلام المرشحين وجولاتهم الانتخابية فحسب، متجاهلاً اهتمامات المواطنين ومشاكلهم. فبدأت مبادرة الصحافة المدنية في ولاية جورجيا من خلال صحيفة Ledger Enquirerاعتماداً على مسح أجرته الصحيفة على الهاتف مع المواطنين ومقابلات معهم ومع مسؤولين محليين لمناقشة أهم التحديات التي تواجه الولاية.19لكن تأكدت ظاهرة صحافة المواطن بقوة في القرن 21، مع ظهور Web 2.0، أين ساهم هذا الجيل الثاني من الانترنت في ظهور أشكال جديدة للاتصال كشبكات التواصل الاجتماعي والمدونات ... ساهمت في ظهور صحافة المواطن بقوة من خلال سرعة نقل وتبادل المعلومات على نطاق واسع من قبل شهود عيان مباشرين عاشوا وسجلوا لحظات كارثية أو أزمات مر بها العَالَم أو مرت بها بعض المجتمعات تحديداً، مثل الاعتداءات على مدينة نيويورك في 11سبتمبر 2001، أعاصير "تسونامي" في جنوب شرق آسيا في ديسمبر 2004...20حيث قال "جيلمور" سنة 2004:

«إن الحقبة الجديدة للصحافة لوحظت جلياً بعد أحداث 11سبتمبر 2001على الرغم من أنها لم تخترع في ذلك اليوم البشع بالذات.»

وربط "آلانAllan " (2009) نشأة صحافة المواطن بموجة تسونامي التي ضربت جنوب آسيا في ديسمبر 2004، حيث أصبحت آنذاك صحافة المواطن ميزة بارزة في المشهد الصحافي كتوجه ملحوظ للتقارير الشخصية بصيغة ضمير المتكلم، من خلال الفيديوهات المسجلة بواسطة كاميرات التسجيل والصور الملتقطة بواسطة الهواتف وآلات التصوير التي تم نشرها على الانترنت عبر المدونات وصفحات الويب الشخصية لمواطنين عاديين شاهدوا الحدث. إضافةً إلى أحداث أخرى لعبت فيها صحافة المواطن دوراً كبيراً مثل تفجيرات لندن، وإعصار كاترينا بأمريكا، والفتيلة التي أشعلت ثورة إسقاط النظام في تونس، والفتيلة التي أسقطت النظام في مصر... 21

لذا أستصوب تأخر تطرّق المقرّر الخاص المعنيّ بتعزيز وحماية حرية الرأي والتعبير إلى ظاهرة "صحافة المواطن" في تقاريره إلى غاية 2010بما يتماشى وتبلور الفكرة في الأذهان.

ب/ الدور السلبي للإعلام التقليدي في المجتمع الديمقراطي والتحدي المتعلق بفكرة التواصل

نالت قدرة المواطنين والمجموعات التي يشكلونها في التعبير عن أنفسهم والتبادل فيما بينهم حول القضايا العمومية أهمية أساسية  منذ ظهور الديمقراطية في البلدان الغربية. فمن الأشياء الأساسية في أي مجتمع ديمقراطي تمتع المواطن بإمكانية التعبير عن نفسه عن طريق وسائل الإعلام.22 وفي، طور الأكاديمي Jurgen Habermasخلال النصف الثاني من ثمانينيات القرن الماضي نظرية الفضاء العمومي، التي عرفت أزمة في وقت لاحق مع ظهور الثورة المعلوماتية وأثرت على دور الصحافة.23

-       الصحافة في خدمة الديمقراطية

يستلزم المجتمع الديمقراطي الاعتراف بالدور المركزي للمعلومة بصفتها إحدى قيمه الأساسية، ويتطلب ذلك أن تصل المعلومة إلى المواطن بما يمكّنه من الاختيار والمشاركة في النقاش العمومي. وأدت الأهمية الممنوحة إلى فكرة التواصل وإلى نقل المعلومة في المجتمع إلى ظهور حرية التعبير كقيمة أساسية أدت بدورها إلى ظهور صحافة حرة ومستقلة كان دورها التقليدي في المجتمع "ممارسة دور الوسيط بين الأحداث والظواهر والمشاكل التي تجري داخل المجتمع. أي كانت الصحافة في خدمة الديمقراطية. وهذا24وهذا ما يفسّر ما جاء في تقرير المقرّر الخاص:

«... يضطلع الصحفيون من خلال ممارسة حقهم في حرية التعبير، أو جمع المعلومات وتحليلها ونشرها، وضمان حق الجمهور في الحصول على المعلومات، بدور رئيسي في إطار الضوابط والموازين في المجتمع، ويساهمون بالتالي في تطوير الديمقراطية وتعزيزها.»25

فقد أشار المقرر الخاص في تقريره إلى حقيقة مكرّسة سابقاً تقوم على فكرة اعتبار الصحافة إحدى دعامات أي مجتمع ديمقراطي.26وبما أن "الشفافية" تعد طية من طيات الديمقراطية -يقصد بها أن تمارس الدولة السلطة على مرأى ومسمع من كل المواطنين- أكد المقرّر الخاص على أن يضطلع الصحفيون بدور رقابي أساسي في ضمان الشفافية والمساءلة عن طريق إطلاع الجمهور على ما يجري على الساحتين الداخلية والدولية.27وهذا ما تضمنته أحكام المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان مؤكّدة على ارتباط الحق في حرية المعلومة بحق المواطن في المعرفة، وهو ما يُشكل شرطاً ضرورياً يسمح لهذا المواطن باتخاذ القرارات بعد معرفة تامة بالمعطيات. وتؤدي إمكانية الفرد في التعبير عن أفكاره وآرائه إلى إثراء الحوار العام. وتساهم بهذه الطريقة في تطوير وتنمية الديمقراطية في المجتمع، وأكدت على الدور الذي يجب أن تلعبه الصحافة في مجتمع ديمقراطي في قرارات مشهورة مثل Lingensضد النمسا وSundaytimes nº1ضد المملكة المتحدة، مستعملة صفة "كلب حراسة الديمقراطية".28

-        الصحافة التقليدية وأزمة ثقة الجمهور

تطرق المقرّر الخاص إلى الأزمة التي تمر بها وسائل الإعلام التقليدية في تقارير سابقة للتقرير رقم A/65/284،29عبر عنها العديد من الباحثين والملاحظين بـ "أزمة ثقة الجمهور". تسبب في هذه الأزمة التغيير السوسيوسياسي والاقتصادي، حيث أصبح المواطن مجرّد مستهلك للمعلومة وطرح احتكار "الفضاء العمومي" مشكلا بالنسبة للحكم الذاتي للمجتمعات، حسب Habermas، عن طريق الهيمنة من خلال التحكم في وسائل الإنتاج (السلطة الاقتصادية) مع التحكم في معدات نشر الآراء والأفكار، فأصبح الإنسان مجرّد مستهلك عوض أن يكون مشاركاً في الفضاء العمومي؛ فقد كانت تمارس غلبةً جد قوية تمنع كل نقاش يمكن أن يهدد مصالح عدد قليل من الأفراد والمقاولات التي تسيطر على هذه الصناعات. أي يكون الفضاء العمومي جامداً متصلباً مرتبطاً بمصالح الأفراد أو المجموعات المهيمنة في المجتمع. وفي هذا الإطار طور الإيطالي Antonio Gramsciنظرية الهيمنة وفسر ظاهرة فشل "الفضاء العمومي" بقوله :«أصبحت الهيمنة الاسمنت الذي يرسخ النسيج الاجتماعي باستبعاد وتقويض المناهضين".30

وهكذا عَمِلت وسائل الإعلام شيئاً فشيئاً على زرع رؤيتها للحقيقة -التي فرضتها عليها الطبقة المهيمنة- في المجتمع وأصبح المواطنون يقبلونها كما لو أنها صدرت منهم، مجسدة الوظيفة العمودية لوسائل الإعلام التقليدية.31

ج/ صحافة المواطن: بعد جديد لفكرة التواصل فرضته الثورة المعلوماتية

 تطرّق المقرّر الخاص بصحافة المواطن في وقت لاحق إلى التكنولوجيات الجديدة في تقارير سابقة، معتمداً في ذلك ترتيبا ممنهجاً يفسر الدور الذي لعبته هذه التكنولوجيات في ظهور "صحافة المواطن" بتوفير الشبكة العنكبوتية لمساحات تعبير وتواصل لا حدود لها، لكن تمييع عملية التواصل في المقابل تعد ذات مخاطر كبيرة، أي أنّ هذه الوسيلة التعبيرية تجسد الأفضل والأسوأ على حد سواء.

-       الدور الإيجابي لصحافة المواطن

قامت فكرة "صحافة المواطن" بعد أن وسع الإعلام التقليدي الفجوة بين المواطن والحكومة من جهة وبين المواطن والمؤسسات الإعلامية من جهة أخرى، مما أدى إلى انخفاض مشاركة المواطنين في الحياة السياسية والاجتماعية وأضعف من حس المواطنة الفعالة، فجاءت صحافة المواطن كحركة إعلامية إصلاحية.32وهو ما توصل إليه Habermasبعد ثلاثين سنة من تطويره لنظرية "الفضاء العمومي"، حيث كانت له فرصة إكمال وصقل فكرته، من خلال مجلة Quadermi، أين اعترف بأنه يمكن للمواطنين أن يقاوموا الهيمنة بإنشاء فضاءات عمومية بديلة غير محتكرة ؛ فتوسع اليوم الفضاء العمومي ليشمل مجموع الأماكن الفيزيائية والافتراضية التي تسمح بمناقشة الأفكار والآراء.33وتقوم صحافة المواطن بهذا الدور البديل ؛ إذ لا تقتصر ممارسة الصحافة على نقل الأحداث والمشاكل فقط، بل يجب مشاركة المواطنين في التغطية الإعلامية للحياة السياسية والاجتماعية واعتبارهم مشاركين فاعلين في نقل الأحداث ومناقشتها أكثر من مجرد متلقّين سلبيين لما تعرضه لهم وسائل الإعلام من وقائع ورسائل أبطالها الإعلاميون والسياسيون والخبراء. 34لهذا تشكّل صحافة المواطن، حسب Hermes، مفهوماً أوسع من "المواطنة" إنها عبارة عن ممارسات مواطنية جديدة. وقد ذهبDavid Cohn 35إلى أنّ الصحفيين المواطنين هم حرفيون يعملون في طبن غير مشكل من الأحداث السابقة على التصور يقومون بمزجه وخبزه وطهوه في أفران الخطاب العام.36

وهذا ما أكده المقرّر الخاص، حيث عرض ثلاثة نماذج للدور الإيجابي لصحافة المواطن في تحقيق المجتمع الديمقراطي:

«من خلال نهج تشاركي يشارك المواطنون الصحفيون في إثراء التنوّع في وجهات النظر والآراء، بما في ذلك المعلومات عن مجتمعاتهم المحلية والفئات التي تحتاج إلى عناية خاصة ... ويؤدون دوراً رقابياً حاسماً في البلدان التي تنعدم فيها حرية الصحافة. والأهم من ذلك كله يمكن أن يقدّموا عرضاً مباشراً لرؤية مطّلع على بواطن الأمور للنزاع أو الكارثة حيثما لا يسمح للصحفيين المحترفين بالوصول إلى الأماكن التي تندلع فيها أعمال عدائية أو حيثما يتعين عليهم السفر أياماً للوصول إلى مكان الكارثة أو منطقتها.»37

فالنماذج الثلاثة للعملية الاتصالية المرتبطة بتحقيق الديمقراطية من خلال صحافة المواطن هي:

* الدور التشاركي في عملية الاتصال :تلعب صحافة المواطن هذا الدور التشاركي من خلال نقل وتلقي المعلومة بشكل متبادل وتشاركي ؛ وقد ساهمت في إضفاء الخاصية التشاركية هذه على صحافة المواطن ظهور أشكال جديدة من الاتصال، حيث اعترفت "كليمنسون رودريغز" بتغيير ثقافي عالمي في المشهد الإعلامي أصبح من خلاله مستخدمو وسائل الإعلام منتجين لوسائل الإعلام بالابتعاد عن المفهوم التقليدي والأصلي لوسائل الإعلام الذي يقوم على اتصال يتم إرساله من مكان واحد ويتم تلقيه في أماكن عديدة من قبل جمهور واسع؛ في حين يشجع "إعلام المواطن" عملية إعلامية في كلا الاتجاهين، مما يعكس الديمقراطية التشاركية وولوج أفضل لوسائل الإعلام من خلال الشبكات والبث من مواطن إلى مواطن. 38وقد أتى المقرر الخاص على ذكر هذه الخاصية فيما يتعلق بالتكنولوجيات الحديثة ... حيث أصبح من الممكن مع ظهور web2.0تحقيق البعد التشاركي؛ حين انفتحت الممارسة الصحفية على أصناف جديدة من الأفراد لا يكتفون بأن يكونوا مجرد مستهلكين للمعلومة لكن مشاركين في إنتاجها ونشرها على أساس ممارسة وظيفة أفقية لوسائل الإعلام بعدما كانت عمودية. أي تحقق حلم ديمقراطية تفاعلية أساسها المواطن من خلال شبكة الانترنت يطلق عليها الديمقراطية الافتراضية أو الرقمية.39

دور رقابي بمضمون جديد: يُساهم في تحقيق المجتمع الديمقراطي من خلال ضمان الشفافية والمساءلة في إدارة الشؤون العامة وغيرها من مسائل الاهتمام العام عن طريق إعلام الجمهور بما يجري. أي تساعد صحافة المواطن على تغيير الأشياء، هذا التغيير الذي يكون بداية باسم الديمقراطية. فقد تم إيجاد نوع من الصحافة لا تقدم الأخبار والمعلومات للناس فحسب، لكن تساعدهم على القيام بعملهم كمواطنين، صحافة تحث الناس على المرور إلى الفعل، صحافة لا تعتبر الناس مجرد متلقيين سلبيين، لكن مشاركين. ولا يعني هذا التخلي عن دورها كـ "كلب حراسة" -يمكن التشكيك فيه ضمن ظهور القوى المهيمنة-، لكن تضيف إليها مسؤوليات أخرى. ومساعدة الجمهور على إيجاد الشعور بأنه يمكنه عمل شيء من أجل تغيير الوضعية وفي العمق تحفيز الديمقراطية. أي أصبحت الصحافة تلعب دور "المرشد guide" (دور الذئبخصوصا في الدول التي تنعدم فيها حرية الصحافة.40حيث تمتاز صحافة المواطن بمجموعة من المواقف التصحيحية لدور الصحافة التقليدية إذ عملت صحافة المواطن على إنقاذ الاتصال والإعلام من آليات التوظيف والاحتكار حتى يتمكّن الجميع من تحديد مستقبلهم الفردي والجماعي بكل حرية وشفافية بعيداً عن الضغوط والتلاعب . فتُعبِّر صحافة المواطن عن تلبية واجب.41ويبرز هذا التأثير للإعلام الجديد على الأحداث التي بدأت سنة 2011في الوطن العربي ووسمت بالربيع العربي، حيث دفع التدفق الحر للمعلومات الذي تمكنه التكنولوجيا الحديثة الحكومات إلى اتخاذ إجراءات لعلها لم تكن ستتخذها لولا ذلك؛ فمثلا كان لأفلام الفيديو التي تصور وحشية رجال الشرطة في مصر، والتي عرضها المدون وائل عباس على موقعه الالكتروني "مصر ديجيتال"، والملتقطة بالهاتف الخلوي، سببا في الحكم على ضابطي الشرطة بـ 3سنوات سجنا في نوفمبر 2007لتعذيبهم سائق سيارة شحن صغيرة في القاهرة.42

سهولة الوصول إلى المعلومة: يمكن لصحافة المواطن أن تقدّم عرضاً مباشراً لرؤية مطلع على بواطن الأمور للنزاع أو الكارثة في الأماكن التي تندلع فيها أعمال عدائية ولم يُسمَح للصحفيين المحترفين الوصول إليها، أو حيثما يتعين عليهم السفر أياماً للوصول إلى مكان الكارثة، أو لا تتوفر لدى الصحف التقليدية الموارد اللازمة من الموظفين لتغطيتها.43

كما تساعد صحافة المواطن على نشر الأخبار ووجهات النظر الخاصة بالأهالي المحليين والتي لا تعتبرها منافذ الصحف الكبرى أخباراً. كما أبرز الأمين العام للأمم المتحدة في تقريره إلى مجلس الأمن عن حماية المدنيين في النزاعات المسلحة، الدور الهام لوسائط الإعلام والمعلومات في سياق العمليات الإنسانية، إذ يتيح الإلمام بالأحداث البعيدة إجراء تقييمات مستنيرة ويساعد الوكالات الإنسانية على التوصل إلى نوع الاستجابة الملائم قبل دخولها منطقة النزاع.44

وما يدعم الوظائف الثلاث لـ "صحافة المواطن" هو أنها لا تتطلب أبداً تأسيس شركة إعلامية تُعدُّ أمراً مكلّفاً ويستغرق وقتاً طويلاً. كما لا يخضع أصحاب المدونات الإلكترونية إلى إجراءات التحرير، لذا غالباً ما يعتبر صاحب المدونة الإلكترونية بمثابة "حصان أبيض" في مأمن من الضغوط سواء الاقتصادية منها أم السياسية، كما يعتبر على وجه التحديد مستقلاً؛ كما لا يحتاج "إعلام المواطن" إلى معدات مكلفة فبإمكان "الصحفي المواطن" النزول إلى الميدان واقتناص الخبر بمجموعة من الآلات الاتصالية الالكترونية الصغيرة (كاميرا رقمية، آلة تصوير رقمية، حاسوب محمول، مسجل صوتي صغير، هاتف جوال عالي الجودة ...)، فقد أصبحت هذه التكنولوجيا رائجة في كل مكان حتى في الدول الفقيرة مما يتيح تدفقاً أكثر حرية للمعلومات بل يُشجّع أيضاً المواطنين الذين كانوا يشعرون في السابق بالعجز عن إحداث تغييرات في مجتمعاتهم.45 لهذا اعتبر Rosenصحافة المواطن صحافة عامةً تهدف إلى رؤية الناس كمواطنين أكثر من مجرد مشاهدين، قراء  مستمعين.46

-                       انتقاد صحافة المواطن

أشار المقرّر الخاص إلى أنه وجّهت أحياناً انتقادات إلى صحافة المواطن بأنها غير جديرة بالثقة وأنها تفتقر إلى الموضوعية.47حيث يشعر الصحفيون التقليديون بالقلق من صحافة لا تتحقّق من صحة الأنباء، بسبب كون المواطن الصحفي "هاوياً" تعوزه الواقعية كما قد يدفعه التعصب والمنطق والمصالح المحدّدة بمكانته التي يحتلّها في قلب السلطة وعلى هامشها. وقد توصلت دراسة أجراها مشروع بيو حول الانترنت والحياة الأمريكية (Pew Internet and American Life Project ) إلى أنه يمضي أحياناً 56% فقط من المدونين بعض الوقت الإضافي في التحقق من صحة المعلومات قبل عرضها على مواقعهم.48

ويتعرض الإعلام الجديد أيضاً للانتقاد بسبب ممارسته التدوين من دون ذكر الأسماء. فقد أظهرت الدراسة نفسها التي أجرتها مؤسسة "بيو" أن نسبة 55% من المدونين ينشرون مدوناتهم على الانترنت تحت أسماء مستعارة. وما يبعث على القلق بهذا الشأن هو أنه قد يزداد احتمال نشر أصحاب المدونات لإشاعات كاذبة، قد تكون لها أخطار كبيرة خصوصاً على استقرار مجتمعات ديمقراطية، لأنه من الصعب تعقّب الخطأ إن كان من غير الممكن الربط بين الخبر المنشور على المدونة والاسم الحقيقي لشخص ما.49 كما أن هناك قلق لدى البعض من أن يكون الفرق بين الديمقراطية الرقمية والديمقراطية الغوغائية سوى بضعة أحرف. فإذا كان من المثير للإعجاب تمكن الناس من تنحية رئيس فاسد عن الحكم بتأثير من صحافة المواطن ؛ فما الذي سيمنع الناس من استعمال هذه التكنولوجيا نفسها لإسقاط حكومة منتخبة ديمقراطياً تنفذ سياسات لا تلقى تأييداً شعبياً على المدى القصير لكنها قد تعود بالفائدة على البلد على المدى الطويل.

وقد تعطي صحافة المواطن صوتاً للجماعات المتطرّفة والعنصرية ... ومن الممكن أيضاً استعمال صحافة المواطن من أجل تحقيق أغراض شائنة أخرى، مثلما حدث في تيمور الشرقية، حيث تمكن اللصوص الغزاة الذين يقومون بعمليات النهب من استعمال رسائل نصية لتنظيم عمليات شغب بغية الإفلات من قوات حفظ السلام.50

لكن الفقه الليبرالي المتعلّق بالإعلام يقوم على فكرة عدم وجود معيار للوصول إلى الحقيقة، لذا يجب ترك أي شخص يمكن أن يساعد في الوصول إلى الحقيقة أن يتكلم، وستنتهي في الأخير المعلومة الجيدة بطرد المعلومة السيئة.51أرى أنه مبدأ براق يؤسس لفكر استعماري من خلال ازدواجية المعايير التي تحققها بشكل تلقائي الفجوة الرقمية وعدم التكافؤ في التكنولوجيات بين الجنوب والشمال، حيث يعزز طرح الفكر الليبرالي الغربي وفرضه من خلال استعمال التكنولوجيا العابرة للحدود دون وجود معارضة قوية من جانب بلدان الضفة المقابلة.

ثانيا: حماية الصحفيين: مراكز مختلفة تتطلب تدابير وقوانين مختلفة

إن السبيل الوحيد لضمان الحصول على معلومات شاملة ومتعدّدة المصادر، حسب المقرّر الخاص، هو السماح للإعلاميين بالعمل تحت غطاء من الحماية والأمان. ويرى المقرّر الخاص أن بوسّع الصحفيون المساهمة في تعزيز حمايتهم من خلال التمسك طوعاً بأرفع معايير الأخلاقيات والأهلية المهنية وضمان موثوقيتهم في نظر الجمهور. إضافة إلى التزام الدول بتوفير الحماية للصحفيين. لذا سنتطرق أولاً إلى مختلف صور التهديدات والمضايقات التي يتعرض لها الصحفي، ثم نتعرض لاحقاً إلى أسانيد الحماية.

1/ صحافة المواطن أكثر عرضة للخطر من الصحافة التقليدية

يشير المقرّر الخاصّ إلى أنه كان عدد الصحفيين الذين قُتِلوا في غير حالات النزاع أكبر من عدد الذين زهقت أرواحهم أثناء النزاعات المسلّحة. ويرجع ذلك في معظم الأحيان إلى قيامهم بإعداد تقارير صحفية عن جرائم ترتكبها عصابات منظّمة أو عن الاتجار بالمخدّرات أو عن المسائل البيئية أو انتهاكات حقوق الإنسان والفساد، أو بسبب توجيه نقد للحكومة أو لأشخاص ذوي نفوذ.52وإذا كان لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يحل المواطنون الصحفيون محل الصحفيين المحترفين، فقد اعترف المقرّر الخاص بتنامي ظاهرة التهديدات والاعتداءات والاعتقالات والاحتجاز التعسفي والمراقبة والملاحقة القضائية التي يتعرّض لها المواطنون الصحفيون، كما تشمل أفعال المضايقة والترهيب في كثير من الأحيان استدعاءات الشرطة المتكرّرة وغير المدعومة بأسباب وجيهة، واستهداف أفراد أسرهم وحملات التشهير لتشويه سمعتهم وحظر سفرهم ... 53وبما أنّ المواطنين الصحفيين بطبيعتهم أشدُ انعزالاً، فإنهم يتعرّضون أكثر من الصحفيين المحترفين للاعتداءات. ومع ذلك يحظى المواطنون الصحفيون بحماية أقل من نظرائهم في وسائط الإعلام التقليدية لاسيما أنهم لا يحظون بدعم من منظمات وشبكات إعلامية. ويشير المقرر الخاص إلى أن الدول تستخدم في كثير من الأحيان تشريعات محلية تقييدية للتحقيق مع المواطنين الصحفيين وتوقيفهم والحكم عليهم؛ وتشمل هذه القوانين قوانين الصحافة وأحكام قانون العقوبات وقوانين الطوارئ أو قوانين الأمن القومي وقوانين ومراسيم ناشئة خاصة بالأنترنت،54سيتم توضيحها على التوالي:

أ/ قوانين العقوبات وقوانين الصحافة

تتضمن غالباً قوانين العقوبات وقوانين الصحافة على الصعيد الوطني أحكاماً مُبهمةً تُجرِّم انتقاد الحكومة أو كتابة تقارير عن مواضيع حساسة سياسياً أو اجتماعياً، ولا تُستخَدم لمعاقبة الصحفيين المحترفين فحسب، بل المواطنين الصحفيين أيضا.55ومن أمثلة ما نص عليه المشرّع الجزائري في المجال العقابي بما يُشكِّل تقييداً للحريات العامة (خصوصا حرية الصحافة) حفاظا على النظام العام تجريم الأفعال المشكّلة إهانة لرئيس الجمهورية، وإهانة الرسول والأنبياء، والادعاء الكاذب، والتعدي ضد البرلمان، وإفشاء معلومات سرية. والجنايات والجنح ضد أمن الدولة وجرائم الاعتداءات على شرف الأشخاص وعلى حياتهم الخاصة وإفشاء الأسرار .. إضافة إلى إخضاع المشرّع الجزائري القضايا المتعلقة بحرية المؤسسات الإعلامية السمعية والبصرية ووكالة الأنباء والصحافة المكتوبة للمساءلة القانونية ضمن قانون الإعلام إلى جانب قانون العقوبات.56علماً أن القانون العضوي تضمن إلغاءاً لعقوبة حبس الصحفيين التي كان منصوصاً عليها في القانون رقم 90-07المؤرخ في 3أفريل 1990المتعلق بالإعلام.

ب/ قوانين الطوارئ

تستخدم قوانين الطوارئ في كثير من الأحيان لتبرير القيود المفروضة على قيام المواطنين الصحفيين بالتعبير عن وجهات نظر أو نشر معلومات عن طريق شبكة الانترنت. وغالباً ما يكون ذلك التبرير على أساس حماية مصالح وطنية لا يجري تحديدها بوضوح أم الحفاظ على النظام العام.57ومن أمثلة هذه القوانين القانون الذي أقرّته إدارة الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش الابن لمكافحة الإرهاب في أكتوبر 2001ويسمح هذا القانون بمراقبة الاتصالات عبر شبكة الانترنت بدعوى تعقّب الإرهابيين والمشتبه فيهم. وسارت دول ديمقراطية أخرى على النهج نفسه كألمانيا وفرنسا وكندا واستراليا.... 58

ج/ القوانين الخاصة بالأنترنت

جرى اعتماد قوانين تنظّم التعبير عن الرأي عبر الانترنت قد تستخدم لتقييد التعبير السلمي عن الرأي والأفكار. فمثلاً في 17ماي 2010في ختام بعثة المقرّر الخاص إلى جمهورية كوريا لتقصّي الحقائق، أصدر بياناً صحفياً أعرب فيه عن قلقه بشأن التشريع الخاص بالأنترنت ولاسيما القانون الإطاري الخاص بالاتصالات السلكية واللاسلكية والقانون الخاصّ بتعزيز استخدام شبكة المعلومات والاتّصالات وحماية المعلومات. حيث أشار إلى أنه قد جرى استخدام القانون الأوّل كأساس لاعتقال مدوّن بسبب نشره مقالات على شبكة الإنترنت تضمّنت نقداً للسياسة الاقتصادية للحكومة في سياق الأزمة المالية؛ في حين استخدم القانون الآخر لحذف إعلانات وضعت على الانترنت وإصدار حكم أو غرامة على أفراد بدؤوا حملات مقاطعة على الانترنت موجّهة إلى المستهلكين.59وقد كانت أولى محاولات الرقابة على الانترنت في الو.م.أ. بإقرار القانون الفدرالي للياقة الاتصالات في فبراير1996. 60في حين تعتبر تونس الدولة العربية الوحيدة التي لديها أكثر تشريعات الانترنت تفصيلا في المنطقة العربية، حيث قامت ببسط قانون الصحافة لديها لكي ينسحب على الأنترنت. 61وإذا كان أخطر ما يُهدّد الحرية هو فرض القيود على ممارستها، فإن الحريات المطلقة من جهة أخرى تعني الفوضى وتعرّض السلام الاجتماعي للخطر. ولا يتصور أن توجد حريات في ظل مجتمع يفتقر إلى النظام العام، لذا يجب ألا تغفل صيانة المجتمع والمحافظة على نظامه العام حتى تتحقق المصلحة العامة باعتبار أن ذلك يمثل أهم ضمانة للحرية.

2/ المعايير المهنية عامل يوفّر الحماية للصحافة

يرى المقرّر الخاصّ أن بوسّع الصحفيون المساهمة في تعزيز حمايتهم من خلال التمسّك طوعاً بأرفع معايير الأخلاقيات والأهلية المهنية وضمان موثوقيتهم في نظر الجمهور. وترتبط موثوقية الصحافة بالتزامها بالحقيقة وتوخي النزاهة والإنصاف والموضوعية. وفي هذا الإطار رحّب المقرّر الخاصّ بالمعايير العديدة التي يضعها ويعتمدها الصحفيون -وهو شيء يميّز الصحافة عن بقيّة المهن الأخرى-، بما في ذلك إعلان المبادئ المتعلّقة بسلوك الصحفيين والمبادرات التي يضطلع بها الاتحاد الدولي للصحفيين بغية تشجيع الصحفيين على الانضمام طوعاً إلى هذا الإعلان كمعيار عالمي للسلوك المهني.62لكن هل يُمكِن أن يتحقق ذلك في إطار صحافة المواطن، خصوصاً  لا تعتمد على المهنية والتنظيم؟

تشير الوقائع إلى أنه يمكن أن يحدث هذا الانضباط في صورة واحدة لصحافة المواطن تتلاشى معها بقية الصور الأخرى، وهي "صحافة المواطن" المنظمة في تجمعات أم تكتلات، مثل صحافة المواطن في إطار مجموعة "ياهو" حيث قال "جيري يانغ" أحد مؤسسي "ياهو" ومديرُها التنفيذي، في البيان الذي أدلى به في جلسة الاستماع الثي عقدها مجلس النواب الأمريكي :

«لقد ألزمت هذه المجموعة المتباينة نفسها علناً باستحداث مجموعة من المبادئ العالمية وقواعد العمل الخاصة بحرية التعبير والخصوصية الشخصية لإرشاد وتوجيه سلوك الشركات لدى مواجهتها قوانين وأنظمة وسياسات تتعارض مع الحقوق الإنسانية».

كما حدد موقع "أوماي نيوز" قواعد أخلاقية، يتوقع من مراسليه الالتزام بها :

-              يجب أن يعمل المواطن المراسل الصحفي بروح أن جميع المواطنين مراسلين. وأن يعرف عن نفسه بوضوح كمواطن مراسل صحفي خلال قيامه بتغطية الأحداث الإخبارية.

-              لا ينشر المواطن المراسل الصحفي معلومات كاذبة ولا يكتب مقالات تستند إلى افتراضات أو تكهنات لا ترتكز إلى أي أساس .

-              لا يستعمل المواطن المراسل لغة بذيئة أو مبتذلة أو مهينة.

-              لا يُلحِق المواطن المراسل الصحفي الضرر بسمعة الآخرين من خلال كتابة مواضيع تنتهك الخصوصية الشخصية.

-              يستعمل المواطن المراسل الصحفي أساليب مشروعة لجمع المعلومات ويبلّغ مصادره بوضوح أنه ينوي تغطية الحدث.

-              لا يستعمل المواطن المراسل الصحفي مركزه لتحقيق مكاسب غير منصفة.

-              لا يضخّم المواطن المراسل الصحفي أو يشوّه الحقائق لمصلحته أو لمصلحة أيّ منظّمة ينتمي إليها.

-              يتعتذر المواطن المراسل الصحفيّ تماماً وبسرعة عن أيّ تغطية خاطئة أو غير ملائمة من أي ناحية أخرى . 63

لكن تبقى هذه القواعد مجرّد محاولات لتنظيم هذا النوع من الصحافة الجديدة بقصد تقليص مخاطره قدر الإمكان، لأنها تفتقد لصفة العالمية من جهة، كما أنها تفتقد لصفة الإلزامية .

3/ التزامات الدول: قوانين لا تواكب التطورات

 يذكر المقرّر الخاص الدول بالتزاماتها باحترام المواطنين الصحفيين وحمايتهم وإعمال حقهم في السعي للحصول على المعلومات والأفكار بجميع أنواعها وتلقيها ونقلها دون خوف على أمنهم. ويستند المقرّر الخاصّ في ذلك إلى القانون الإنساني الدولي وأحكام القانون الدولي لحقوق الإنسان.

أ/ الحماية بموجب القانون الإنساني الدولي

يوفّر القانون الإنساني الدولي الحماية للصحفيين وغيرهم من الإعلاميين في أوقات النزاع المسلح. ومع أنه لا توجد إلا إشارتان صريحتان إلى موظفي وسائط الإعلام في القانون الإنساني الدولي (المادة 79من البروتوكول الإضافي الأول لاتفاقيات جنيف والمتعلق بحماية ضحايا المنازعات المسلحة الدولية، بشأن الصحفيين الذين يباشرون مهاماًمهنية خطرة في مناطق النزاع المسلح؛ والمادة 4أ 4من اتفاقية جنيف المتعلّقة بمعاملة أسرى الحرب (اتفاقية جنيف الثالثة)، بشأن مراسلي الحرب)، فإنه تسري على الصحفيين جميع الأحكام المتعلّقة بحماية المدنيين في اتفاقيات جنيف الأربع وبروتوكولاتها الإضافية. حيث يكون الصحفيون شأنهم شأن المدنيين محميّين من الاعتداءات المباشرة ما لم يشاركوا مباشرة في الأعمال العدائية ولفترة اشتراكهم فقط، وضمن شروط محددة.64وهنا لابد من الإشارة إلى وجود نوعين من الصحفيين أثناء النزاع المسلح الدولي:

يتمتع المراسلون العسكريون أو ممثّلو وسائط الإعلام المعتمدون لدى القوّات المسلّحة والمرافقون لها من دون أن يكونوا من أفرادها، بجميع أوجه الحماية الواردة في اتفاقية جنيف الثالثة على النحو المستكمل بالبروتوكول الإضافي الأول (أسير حرب). وهذا ما لا يمكن أن ينطبق على صحافة المواطن.

يتمتع الصحفيون الآخرون الذين يقعون في يد طرف من أطراف النزاع المسلّح الدولي كحدّ أدنى بالحماية المكفولة بموجب المادة 75من البروتوكول الإضافي الأول. وإذا كان الصحفيون يحملون جنسية مختلفة يتمتعون بالحماية المكفولة بموجب اتفاقية جنيف المتعلّقة بحماية المدنيين وقت الحرب (اتفاقية جنيف الرابعة). في حين لا يوجد تمييز بين العسكريين والصحفيين الآخرين في حالة النزاع المسلح غير الدولي، أين تنبع الحماية المكفولة لجميع الصحفيين من نص المادة 3المشتركة بين اتفاقية جنيف والبروتوكول الإضافي الملحق باتفاقية جنيف المبرمة في 12أوت 1949والمتعلّق بحماية ضحايا النزاعات المسلحة غير الدولية (البروتوكول الثاني).65

لكن من بين العوامل التي تصعّب كفالة السلامة والحماية للصحفيين في حالات النزاع أنه لا تشارك في العديد من النزاعات دول ذات جيوش نظامية، بل جهات من غير الدول تهزأ بالقانون الإنساني الدولي والقانون الدولي لحقوق الإنسان. ورغم الطابع المتغير للنزاعات المسلحة في عالم اليوم، يؤكد المقرر الخاص على أن ثمة ضمانات كافية لحماية الصحفيين في إطار المعايير القانونية القائمة.66لكن قد يعاب على هذه الأحكام القانونية تضمنها صبغة تمييزية مُقنَّعة لصالح حماية الصحافة الاحترافية من خلال معاملة صحافة المواطن على قدم المساواة مع الصحافة الاحترافية. في حين كان الأولى إعطاء حماية خاصة أو مركز خاص بـ "صحافة المواطن" نظراً للفروق الواضحة بين الاثنين، إذ يتمتع الصحفي المحترف بالتكوين والتدريب الذي يكفل له المقدرة على تفادي المخاطر، في حين يعدّ المواطن الصحفي هاوياً غير مدرب.

وحتى في حالات السلم تفتقر قواعد القانون الدولي إلى معايير الحماية الكافية التي لا تسمح بالمساس بهذه الحرية، سواء من حيث المضمون أم من حيث الوسائل والآليات؛ خصوصاً إذا اعتمدت الدول الغربية في مواجهتها ازدواجية المعايير، بتقييدها في مواجهة من يهدد مصالحها، خصوصاً دول الجنوب -من خلال إطلاق هذه الحرية كوسيلة استعمارية معتمدة في ذلك على تفوقها التكنولوجي. هذا التطور التكنولوجي الذي يدعم في ظاهره حرية الصحافة وحرية التعبير بالنسبة إلى الدول الغربية وفي باطنه يقيد هذه الحرية في مواجهة دول الجنوب.

وفي محاولة لمواجهة هذا القصور، اتخذت العديد من منظمات المجتمع المدني -كتدبير أولي واستباقي- مبادرات لمعالجة مسألة حماية الصحفيين في النزاعات المسلحة. فعلى سبيل المثال لا الحصر، ساهمت كل من لجنة حماية الصحفيين، والاتحاد الدولي للصحفيين، والمعهد الدولي للسلامة في مجال الأخبار، وحملة شعار الصحافة، ومراسلون بلا حدود في توعية المجتمع الدولي فيما يخص الاعتداءات على الصحفيين والمخاوف على سلامتهم. وتشمل مساهمة هؤلاء مجموعة من الإجراءات، من توفير التدريب للصحفيين إلى تقديم التقارير المنتظمة عن الاعتداءات على الصحفيين وقتلهم. كما وضعت هذه المنظمات مجموعة من الكتيبات والمدوّنات والمبادئ التوجيهية ومعلومات السلامة للصحفيين وغيرهم من الإعلاميين.67

ب/ الحماية بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان

لا تسري الأحكام الواردة في القانون الإنساني الدولي على حالات الاضطرابات الداخلية المصحوبة بأعمال عنف تقل عن المستوى الذي يتسم به النزاع المسلح؛ لذا يوفر القانون الدولي لحقوق الإنسان الحماية للصحفيين بما فيهم "الصحفيون المواطنون". حيث تلتزم الدول باحترام الحق في حرية الرأي والتعبير لجميع الأفراد المنصوص عليه في المادة 19من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والمادة 19من العهد الدولي المتعلق بالحقوق المدنية والسياسية. ويشكل هذا الالتزام بضمان الحق واجبا إيجابيا بالقيام بما يلي:

·  حماية الأفراد من الأفعال التي ترتكبها جهات من غير الدول، وعلى وجه التحديد يقع على عاتق الدول التزام باتخاذ التدابير المناسبة أو بذل العناية الواجبة لمنع أي ضرر تحدثه كيانات أو أفراد بصفتهم الشخصية. يقع على الدول الالتزام بالتحقيق فيما يتعرض له الصحفيون من تهديدات وأعمال عنف بسرعة وشمولية وفعالية بواسطة هيئات مستقلة ونزيهة. يجب على الدول كفالة مثول المسئولين عن تلك الأعمال أمام العدالة بهدف منع الإفلات من العقاب وكفالة الجبر للأفراد الذين انتهكت حقوقهم (تعويض مناسب، رد الحق، رد الاعتبار، تدابير الترضية).68

فقد شدّد قرار مجلس الأمن بشأن حماية الصحفيين في النزاعات المسلحة (القرار رقم 1738(2006) والقرار 12/16في أكتوبر 2009) على مسؤولية الدول وواجبها في أنْ تُنهي الإفلات من العقاب وتحاكم المسئولين عن ارتكابهم للانتهاكات الجسيمة. هذا الإطار قضت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان في قرار  Gongadzéضد أوكرانيا، بإدانة على خلفية وفاة صحفي. ضحية تهديد كان قد حقّق حول فساد الموظّف وشجب هذه الاختلاسات في مقالاته، وقام بالشكوى أمام السلطات التي بقيت دون ردة فعل حوالي أكثر من شهر إلى أن وجد ذلك الصحفي مقطوع الرأس.

وقد أسست المحكمة إدانتها على المادة 10من الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان، والمادة 2 من الاتفاقية ذاتها التي تحمي الحق في الحياة الخاصة، مقوية هكذا الواجبات الإيجابية الواقعة على عاتق الدول. واستند القضاة في هذه المناسبة إلى الأحكام التي تم تبنيها من قبل الجمعية البرلمانية للمجلس الأوروبي في توصيته 1239. وفي سنة 2000، أعطت قضية zgür GündemÕضد تركيا الفرصة للمحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان في أن تفصل حول "الضرورة" بالنسبة للدول في أن تحمي فعلياً حياة الصحفي حتى المعارض والحامل لآراء الأقلية. بشكل أساسي، قضت بالطريقة ذاتها أن: «لا تتوقف الممارسة الحقيقية والفعلية لهذه الحرية (التعبير) فقط على واجب الدولة في الامتناع عن أي تدخل، لكن يمكن أن تتطلب تدابير إيجابية للحماية حتى فيما يخص علاقات الأفراد فيما بينهم.»69

·  إعمال الحق أو تيسير التمتع به. ويقتضي ذلك كفالة التشريعات ذات الصلة لما يقع على الدول من التزامات دولية في مجال حقوق الإنسان وكفالة التنفيذ الفعال لتلك التشريعات. وفي هذا الإطار صدّقت غالبية الدول الأعضاء في الأمم المتحدة (166دولة) على العهد الدولي المتعلّق بالحقوق المدنية والسياسية.70

4/ تقييم الأسانيد القانونية لحماية حرية الصحافة: من هيمنة داخلية إلى هيمنة عالمية

ارتكز المقرر الخاص في أسانيده لفرض الحماية على حرية الصحافة، حسب وجهة نظري- على فكرتي العالمية والخصوصية، وهما خاصيتان تم تداولهما على المستوى الفكري في الستينيات من القرن الماضي، حيث دعا بعض المفكرين إلى تغيير الأدوات النظرية المختلفة وتوحيدها لتصبح عالمية، وبذلك تصبح صالحة لكي يتم التعامل بها من قبل جميع بني البشر.

لكن ونظراً للمقومات والمبادئ الثقافية والحضارية التي تميز المجتمعات البشرية والإنسانية عبر العالم كان من الطبيعي أن يعمل كل مجتمع على الحفاظ على قيمه ومبادئه ولا يقبل بالتنازل عنها والذوبان داخل قيم مجتمع آخر. لذا كان هناك في الفترة نفسها مفكرون منتمون إلى حضارات مختلفة، ومنهم العرب والمسلمين، رفضوا هذا التصور الذي يمس بخصوصية مجتمعاتهم انطلاقاً من القيم والثقافة والحضارة التي يتميز بها كل مجتمع؛ وكان أغلبهم يرى بأن هذا الفكر يدخل في إطار مفهوم الاستعمار الجديد الذي يرمي إلى السيطرة على الشعوب الأخرى واستغلالهم بوسائل مختلفة منها طمس الهوية والشخصية القومية والثقافية والعقائدية التي تركب هذه الحضارات، بطريقة قانونية. بخلاف أنصار الاتجاه القائل بأن للقواعد الحديثة لحقوق الإنسان الطبيعة العالمية، انطلاقاً من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، على أساس أنها عامة وشاملة ويستفيد منها كل أفراد المجتمع الدولي، لأن مصدرها يعبر عن الإرادة المشتركة لكل الشعوب، مستندين في ذلك إلى حجج تتلخص في الآتي:

-                       لم ترفض أي دولة في العالم الإعلان العالمي لحقوق الإنسان؛

-                       أشرفت منظمة الأمم المتحدة على العديد من الاتفاقيات الدولية التي جاءت بعد الإعلان العالمي، لذا تتوفر في الوثائق الخاصة بحقوق الإنسان صفة العالمية بحكم أنها صادرة عن منظمة الأمم المتحدة التي تضم في عضويتها جميع ممثلي الحضارات الموجودة في العالم بمكوناتها الروحية والثقافية والأخلاقية وبمذاهبها المختلفة.

-                       تبرز عالمية حقوق الإنسان من خلال مضامين كل الدساتير الوطنية والمواثيق الإقليمية والدولية التي استلهمت موادها الخاصة بالحقوق والحريات العامة من الإعلان العالمي، بما فيها المتعلقة بحرية الصحافة.

لكن الاتجاه الآخر يدفع باتجاه فكرة الخصوصية أو النسبية الثقافية لحقوق الإنسان، وحججهم في ذلك :

-                       لا يوجد أنموذج واحد عالمي لحقوق الإنسان يصلح للتطبيق في كل مكان وزمان، لأن خصوصية المجتمعات المختلفة والمتنوعة تفرض شروطاً تجعل من عالمية هذه الحقوق فكرة غير قابلة للتطبيق.

-                       لكل ثقافة فهمها الخاص لحقوق الإنسان وبشكل مغاير لِمَا هو شائع في الثقافات الأخرى.71

-                       حمل الإعلان العالمي لسنة 1948بذور الفكر الدستوري التحرري الغربي، أي جاء متأثراً بالثقافة الغربية ولم يحمل في بنوده ثقافة الشرق، رغم أن بعض الدول التي تحمل ثقافات إسلامية وبوذية وهندية وكنفوشيوسية كانت أعضاء في منظمة الأمم المتحدة سنة 1948، لكن كان ممثلوها متأثرين بالثقافة الغربية. وهكذا عبر الإعلان العالمي عن المثل التي كانت تحرك الو.م.أ. أثناء الحرب العالمية الثانية وبعدها.

فلم يكن الإعلان الذي يوصف بأنه عالمي حدثاً عالمياً كما لم يكن موضوع الإعلان عالمياً؛ إذ يسمي الغرب الأحداث التاريخية التي عرفها بأنها عالمية لأنه كان ولا يزال يرى أنه هو العالم ولا يوجد شيء قبله ولا بعده متبنياً نزعة الإقصاء إقصاء الآخر والتركيز على الذات الغربية باعتبارها الحاضر والفاعل الوحيد وما عداها يقع عليه الفعل (المفعول به)، لأن العالم في نظر الغرب هو الغرب. فإذا لم تبن العالمية على التعددية والتنوع والإرادة الحرة لم تكن إلا شكلاً من أشكال الهيمنة السياسية.

وقد72إذ أكد الاتحاد الأوروبي سنة 2011، سواء بالأقوال أم الأفعال، بأن حقوق الإنسان هي مركز تصرفه عبر العالم، وفق المفهوم الغربي. ومن أجل فرض هذه المفاهيم الغربية طور الاتحاد الأوروبي حواراته السياسية المكرسة لحقوق الإنسان مع عدد متزايد من الشركاء من بينهم 79بلداً إفريقياً، في إطار السياسة الأوروبية المتعلقة بالجوار،73والذي  يتضمن تقييماً منتظماً عن التقدم المتعلق باحترام حقوق الإنسان والمبادئ الديمقراطية، بما فيها حرية الصحافة. وقد قدم الاتحاد الأوروبي، باسم الجهاز الأوروبي من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان، مساعدات مالية من أجل دعم حرية وسائل الإعلام لعدد كبير من المنظمات الدولية والمحلية للمجتمع المدني التي تجهد نفسها لتعزيز حرية وسائل الإعلام (فهناك 30مشروعاً جار على الأقل خلال 2011). منصبين بذلك أنفسهم أوصياء على العالم.74خصوصاً وأن العالم الغربي يرى نفسه محور العالم وأنه مصدر التمدن الذي تم ربطه بقيم المجتمع الغربي، منكراً بذلك كل من يخالفه. إذ يعلمنا التاريخ أن الغرب الذي يرفع شعارات الحرية وحقوق الإنسان هو السباق إلى إنكارها ... خصوصاً من خلال انتهاج سياسة الكيل بمكيالين والاستغلال الرأسمالي والهيمنة الاقتصادية والسياسية ... والانتقائية في التعامل مع الدول في مجال حقوق الإنسان الذي أصبح من سمات الدول الكبرى والمنظمات الدولية التي تخضع لسيطرتها ونفوذها مثل منظمة الأمم المتحدة. فهناك أنظمة قمعية تتلقى المساعدة من قبل الغرب الذي يدعمها ويحافظ عليها ولا يرغب أن يرى نُظُماً ديمقراطية تحل محلها لأن من شأن ذلك أن يقوّض المصالح المادية للدول الكبرى فقد يؤدي التفتح السياسي والتحول الديمقراطي خاصة في الدول العربية والإسلامية إلى التفاف الشعوب حول قيمها والعودة إلى ذاتيتها الثقافية والحضارية في المقابل.

 ونتيجة التكنولوجيات الحديثة، تعمد الدول الكبرى إلى الضغط على مختلف دول العالم عن طريق تأليب الرأي العام الداخلي والعالمي، من خلال كشف انتهاكات حقوق الإنسان، مستعملةً مختلف عناصر المجتمع المدني والمنظمات الوطنية والدولية سواء كانت حكومية أم غير حكومية، وقد تمتد إلى تقديم إعانات مالية، بل إلى التدخل الإنساني. وقد ساهمت وسائل الإعلام في إنشاء شبكات دولية تعمل في مجال حقوق الإنسان يكون لها دور فعال في رصد انتهاكات حقوق الإنسان وتقديم تقارير بذلك، مما يربك الأنظمة. ومن أجل التقليل من هذه الآثار السلبية نقدم المقترحات الآتية:

-                       من مصلحة الأنظمة الوطنية احترام الخصوصيات الثقافية والدينية الموجودة داخل الدولة، لأن ذلك يُعدُّ عاملاً مساعداً يؤدي إلى تقوية وحدتها وسيادتها. يعني ترقية المجتمع المدني ومؤسساته وأدوات عمله والسماح له بالمشاركة السياسية الفعالة. لأن إهمال هذه الخصوصيات قد يؤدي إلى اتساع الهوة بين الدول وشعوبها في العالم النامي مما يؤدي إلى زيادة أعباء السيطرة السياسية المفروضة التي يجب أن تفرضها على شعوبها، ويتطلب هذا الأمر الزيادة في الدعم الخارجي لهذه الدول حتى تحافظ على بقائها. فإذا فقدت هذه الدول السيطرة على شعوبها ستفقد القدرة على الحفاظ على مصالح الدول الكبرى، مما ينذر بالعصيان المدني والثورة الشعبية، ولا يخدم هذا مصالح الدول الكبرى، خصوصاً وأن الدول الكبرى لا تكترث بوضعية حقوق الإنسان في أي مكان في العالم إلا إذا كان ذلك من شأنه توسيع مصالحها الاقتصادية ... أو كان ذريعة لتحقيق أهداف استراتيجية في مكان ما في العالم ولو كان المقصود دولة أخرى.

-                       محاولة التقليل من التأثيرات السلبية للغزو الثقافي الغربي من خلال استغلال وسائل التعبير للتعليم والتوعية بدل انتهاج سياسة الانغلاق، بما يسمح بطرح الفكر والفكر المناقض وتوضيح الصحيح منها؛ وإتاحة سبل التعبير أمام شتى وجهات النظر.

-                       فتح المجال أمام الإعلام الخاص بمختلف صوره مع استقلالية وسائل الإعلام العمومية عن جميع الأحزاب السياسية كما تكون على مسافة من الحكومة. مع وضع قوانين دقيقة وآليات ومؤسسات مستقلة ونزيهة تراقب محتويات المعلومات العابرة للحدود عن طريق الوسائل التكنولوجية الحديثة كالأنترنت.

-                       الحد من سيطرة الأغلبية، بأن تكون دولة المؤسسات الديمقراطية مبنية على تعددية وجهات النظر خصوصاً من خلال الديمقراطية التشاركية .

خاتمة

إذا كان المقرّر الأممي الخاص المعني بتعزيز وحماية الحق في حرية الرأي والتعبير قد أكد على فكرة الترابط بين الصحافة التقليدية (ما عبر عنها بالصحافة) و"صحافة المواطن"، واعتبر هذه الأخيرة جزءاً من الأولى، سواء من خلال البعد المفاهيمي لهذه الظاهرة الإعلامية أم من خلال دورها في المجتمع الديمقراطي وحتى من خلال الأسانيد القانونية والمعايير الدولية المعتمدة في حماية حرية الصحافة؛ فقد أكد الفقه، تأييدا للواقع، على حقيقية الاختلاف بين المصطلحين وبين وظيفة كل واحدة منهما. فمن جهة، تعتبر الصحافة مهنية محترفة، في حين تفتقر صحافة المواطن إلى خاصية المهنية والاحترافية. وإذا كان للصحافة علاقة توأمة مع الديمقراطية، فقد أدت أزمة الثقة التي تعانيها الصحافة التقليدية إلى الإضرار بهذه العلاقة وكانت نتيجته ظهور صحافة المواطن كحركة إصلاحية للإعلام التقليدي في الدول الغربية الديمقراطية -باعتبار الديمقراطية بداية كل تغيير- تسببت فيه الثورة المعلوماتية والتكنولوجيا الحديثة، التي أعطت بعداً جديداً لحرية التعبير والعملية التواصلية في إطار المجتمع الديمقراطي من خلال استحداث "الديمقراطية الرقمية". ثم انتقلت هذه الظاهرة الإعلامية الجديدة لاحقاً إلى بقية دول العالم بكل ما كان لها من آثار سلبية وإيجابية تتوقف على الفاعلين ومركزهم الاجتماعي والاقتصادي والسياسي والثقافي.

استلزم الوضع القائم إيجاد معايير وتدابير جديدة لحماية حرية الصحافة بمختلف صورها، خصوصاً وأن الأسانيد القانونية في تعزيز وحماية حرية الصحافة ترتكز على مفاهيم قديمة وأساليب ووسائل تقليدية تفتقر إلى الإلمام والمقدرة على حماية صحافة المواطن من حيث المضامين والوسائل والآليات. بل الأكثر من ذلك قد تستند الدول الغربية إلى مبرر عالمية هذه النصوص والمعايير الدولية لتكريس معاملة مزدوجة المعايير، بإطلاق هذه الحرية كوسيلة استعمارية، لتجاوزها الحدود الجغرافية، وفي المقابل تقييدها إذا كانت تهدد مصالحها نتيجة تفوقها التكنولوجي.

لهذا كان لزاماً على المُشرّع اتخاذ مجموعة من الاعتبارات عند سنه للقوانين، منها:

-                       إما إدراج هذا النوع الجديد من الصحافة المواطنية ضمن التشريعات والقوانين المنظمة للصحافة أو إغفال إدراج تعريف دقيق للصحفي والصحافة، حتى تستغرق هذه الأخيرة "صحافة المواطن". لأنه لا يمكن للمُشرّع تجاهل هذا التطور الحادث الذي فرضه الواقع على مستوى الإعلام.

-                       إعطاء مجال للتعبير من خلال صحافة المواطن مع تنظيم مختلف عناصرها (منتجين، متلقين، تكنولوجيات الاتصال المتوفرة والمحتمل توفرها مستقبلاً، ...)؛

-                       الاستفادة من تجارب الدول السباقة في تنظيم صحافة المواطن، سواء بشكل صريح أو بشكل ضمني من خلال القوانين المنظمة لتكنولوجيات الاتصال الحديثة؛

-                       احترام الخصوصية الثقافية للمجتمعات المحلية أثناء سن القوانين المنظمة لصحافة المواطن دون إهمال مزاوجتها بإيجابيات القوانين الدولية؛

-                       عدم تجاوز المشرع والسلطات التنفيذية الحدود المعقولة في تقييد صحافة المواطن بما يشكل قمعاً ومصادرةً لحرية الرأي والتعبير، لأن القمع قد يتحول إلى سكين يطعن جسم المجتمع في الظهر من خلال الخضوع لضغط صحافة مواطن أجنبية ذات أغراض استعمارية.


 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

1.الأمم المتحدة، الجمعية العامة، تعزيز وحماية الحق في حرية الرأي والتعبير، الدورة 65، A/65/284، 11أوت 2010، متوفر على الموقع

http://daccess-ods.un.org/TMP/9655696.15364075.html(2005/03/07)

2.أنظر مثلا :

المجلس الاقتصاديوالاجتماعي، لجنة حقوق الإنسان، الدورة 57،E/CN.4/2001/64،13فيفري 2001،  متوفر على الموقع

http://daccess-ods.un.org/TMP/34511.1545175314.html(2015/03/07)

الأمم المتحدة، الجمعية العامة، مجلس حقوق الإنسان، الدورة العادية 4،A/HRC/4/27،2جانفي 2007، تقرير المقرر الخاص المعني بتعزيز وحماية الحق في حرية الرأي والتعبير السيد أمبيي ليغابو، متوفر على الموقع

http://daccess-ods.un.org/TMP/5251492.2618866.html(2015/03/07)

الأمم المتحدة، الجمعية العامة، مجلس حقوق الإنسان، الدورة 7،A/HRC/7/14،28فيفري 2008، متوفر على الموقع

http://daccess-ods.un.org/TMP/2942476.27258301.html(2015/03/07)

3.A/65/284، مرجع سابق، ص. 7, 8؛ حول مفهوم الصحافة أنظر أيضا أحمد سعيفان، 2004، قاموس المصطلحات السياسية والدستورية والدولية، مكتبة لبنان ناشرون، بيروت، لبنان، ص. 223.

4.A/65/284، المرجع نفسه، ص. 23.

5.أنظر :

Nadine Jurrat , Citizen Journalism and The Internet , Open Society Media Program , April 2011, , http://www.google.dz/url?sa=t&rct=j&q=&esrc=s&source=web&cd=3&cad=rja&uact=8&ved=0CDQQFjAC&url=http%3A%2F%2Fwww.opensocietyfoundations.org%2Fsites%2Fdefault%2Ffiles%2Fmapping-digital-media-citizen-journalism-and-internet-20110712.pdf&ei=u0ihVcGUJqfXygPb9aKYCg&usg=AFQjCNEwQ0GqBIqnhIHJ5WKputuj9o96hg,( 12/07/2015)

6."كليمينسيا رودريغز " تعرف بدورها في الترويج للإعلام البديل، مخترعة مصطلح " إعلام المواطن les Medias citoyensسنة 2001في كتابها fissures dans le Mediascape. هي حاليا أستاذة بجامعة "أوكلاهوما" في الو. م.أ.

Wikipedia, Clemencia Rodriguez, (23/04/2015), http://en.wikipedia.org/wiki/Clemencia_Rodriguez

7."دان جيلمور" صحفي عبر الانترنت، متخصص في التكنولوجيا . هو كاتب عمود سابق في Mercury News. في جانفي 2005ترك هذه الجريدة ليطلق موقع يتعلق بالصحافة عبر الانترنت . هو محرر «Nous le media » .

Wikipedia , Dan Gillmor  , http://fr.wikipedia.org/wiki/Dan_Gillmor( 23/04/2015)

8.برتراند بكيري ولاري كليمان، صحافة المواطن .. الديمقراطية الجوالة:دراسات، ص.2، متوفر على الموقع

http://fr.slideshare.net/noureddine01/2-16779092(2015/04/02)

9.زكرياء الرميدي، صحافة المواطن: جرد المفهوم وأشكال الممارسة، المدرسة العليا للصحافة والاتصال، الدار البيضاء، متوفر على الموقع

http://fr.slideshare.net/moorishi/ss-17728715(2015/04/02); Nadine Jurrat, Citizen Journalism and The Internet, Op.cit.

10.القانون العضوي رقم 12-05المؤرخ في 12يناير 2012يتعلق بالإعلام .

11.أنظر :

Patrice Begin, Journalisme et société : pratiques et discours du journalisme citoyen, Mémoire , université du Québec, , Janvier 2014, pp.24, 25, www.archipel.uqam.ca/6182/1/M13290.pdf(01/04/2015)

12.A/65/284، مرجع سابق، ص. 8.

13.يقصد بصاحب المدونةالالكترونية مستخدم الانترنت الذي يمتلك مدونة إلكترونية، سواء كان مجهول أم محدد الهوية.وتمثل المدونة الالكترونية موقعا على شبكة الانترنت معروضا في شكل يشبه إلى حد ما الرسائل الإخبارية.ولا يكون في معظم الأحيان أصحاب المدونات الالكترونية صحفيين محترفين.

14.منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة، حفظ النظام واحترام حريةالتعبير: دليل تعليمي، اليونسكو 2014، ص. 30، متوفر على الموقع

unesdoc.unesco.org/images/0022/002279/227977a.pdf

15.A/65/284، مرجع سابق، ص. 19.                       

16.أنظر :

Marsouin, Penser le ¨ journalisme citoyen ¨, cahier de recherche, université de Rennes 1, marsouin.org/IMG/pdf/Ruellan_13-2007.pdf , (2015/04/01)

17.أنظر :

Patrice Begin, Op.cit. p.3.

18.زكرياء الرميدي، مرجع سابق؛

Nadine Jurrat , Op.cit.

19.ويكيبيديا، صحافة المواطن، متوفر على الموقع

http://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%B5%D8%AD%D8%A7%D9%81%D8%A9_%D9%85%D9%88%D8%A7%D8%B7%D9%86(2015/04/20)

20.علي بن شوبل القرني، صحافة المواطن، مجلة علاقات، متوفر على الموقع

http://www.elakat.com/articles/view/22(2015/07/13)

21.زكرياء الرميدي، مرجع سابق؛ وسيم طيب، صحافة المواطن،، متوفر على الموقع

http://fr.slideshare.net/waseemtayeb/ss-17098179(2015/04/02(

22.أنظر :

Marc Foisy, les liens entre les medias citoyens et les mouvements sociaux au sein de la sphère publique alternative, mémoire présente pour l’obtention du grade de Maitre és art, université LAVAL, Québec, 2008, p.10, , www.theses.ulaval.ca/2008/25798/25798.pdf(2015/04023)

23.كان عنوان الكتاب المشهور لـ Jurgen Habermasحول موضوع الفضاء العمومي ¨ L’espace public،Archeologie de la publicité comme dimention constituve de la société bourgeoise ¨. ربط Habermas– مفكر وفيلسوف ألماني-نظرية الفضاء العمومي بظهور البورجوازية في انجلترا وفرنسا؛ حيث قرعت أجراس نهاية اهتمام الأسياد والأرستقراطيين فقط بشؤون الدولة،وبدأ البورجوازيون يهتمون بذلك وكانت المقاهي والحانات أماكن للتلاقي والنقاش. وسمح هذا المنهج للمجتمع بأن يحكم ذاته، شيء كان مستحيلا في عقود سابقة .

Marc Foisy, Ibid., p. 11.

24.أنظر :

Patrice Begin, Op.cit. p.6.

25.A/65/284،مرجع سابق، ص.7؛E/CN.4/2006/55، ص. 13، متوفر على الموقع

http://daccess-ods.un.org/TMP/653580.278158188.html(2015/03/07)

26.A/65/284،المرجع نفسه، ص.7؛E/CN.4/2006/55،ص. 13،المرجع نفسه.

27.A/65/284، المرجع نفسه، ص.8؛

Patrice Begin, Op.cit., p.7.

28.أنظر:

C.E.D.H., ,Affaire Sunday Times C.Royaume- Uni , arrêt du 26Novembre.1991 ; C. E.D.H ,lingens C. Autriche, arrêt du 8Juillet 1986; Mustapha Afroukh,la hiérarchie des droits et libertés dans la jurisprudence de la cour européenne des droits de l'homme,Bruylant,Bruxelles,2001,p.227.

29.A/HRC/4/27، ص.10، 11، متوفر على الموقع

http://daccess-ods.un.org/TMP/5251492.2618866.html(2015/03/07)

30.أنظر :

Patrice Begin, Op.cit. p.14 ; Marc Foisy, Op.cit.,p.14 .

31.أنظر :

Patrice Begin , Ibid.,p.14 ; Marc Foisy, Ibid.,p.14 ; Citizen Journalism : The Begining , cor.europa.eu/en/events/europcom/Documents/Simelio.pdf ( 11/07/2015)

32.ويكيبيديا، صحافة المواطن، مرجع سابق .

33.أنظر:

Marc Foisy, Op.cit., p.12.

34.أنظر :

Bernard Beignier et autres, traite de droit, de la presse et des medias, Litec, paris, 2009, p. 1125.

35.أنظر:

Citizen Journalism: The Begining, Op.cit.

36.أنظر:

Nadine Jurrat, Op.cit.

37.A/65/284، مرجع سابق، ص.23.

38.محمد حسن العامري وعبد السلام محمد السعدي، 2010،الإعلام والديمقراطية في الوطن العربي، ط.1، العربي للنشر والتوزيع، القاهرة، مصر،، ص. 28-30؛

Wikipedia, Clemencia Rodriguez, Op.cit.

39.وسيم طيب، صحافة المواطن،، متوفر على الموقع

http://fr.slideshare.net/waseemtayeb/ss-17098179(2015/04/02) ; Patrice Begin, Op.cit., p.15 ; Bernard Beignier et autres, Op.cit., p. 1201.

40.وسيم طيب، المرجع نفسه؛ A/65/284، مرجع سابق، ص.23.

41.وسيم طيب،المرجع نفسه؛ A/65/284،المرجع نفسه، ص.23.

42.باتريك باتلر، تكنولوجيا جديدة، أصوات جديدة، مجلة صحافة المواطن ..الديمقراطية الجوالة : دراسات (برتراند بكيري ولاري كليمان)، مرجع سابق، ص. 8.

43.A/65/284، مرجع سابق، ص.23.

44.باتريك باتلر، مرجع سابق، ص. 51؛ A/65/284، المرجع نفسه، ص. 15.

45.باتريك باتلر، المرجع نفسه، ص. 9؛

46.وسيم طيب، مرجع سابق .

47.أنظر :

Citizen Journalism: The Begining, Op.cit.

48.A/65/284، مرجع سابق، ص. 23.

49.باتريك باتلر، مرجع سابق، ص.44،45؛

Benjamin Ferron, Les medias alternatifs : entre luttes de definition et luttes de (dé-) legitimation,8colloque Bresile-France, universite Stendhal, les 29et 30septembre 2006,

50.باتريك باتلر، المرجع نفسه، ص. 45.

51.باتريك باتلر، مرجع سابق، ص. 18.

52.أنظر :

Jean François Tetu, Du « public journalism » au« journalisme citoyen », questions de communication, 2008, 13, pp. 71-88, http://questionsdecommunication.revues.org/1681#article-1681(2015/04/01)

53.A/65/284، مرجع سابق، ص10،15،28.

54.A/65/284، المرجع نفسه، ص.9،23.

55.A/65/284، المرجع نفسه، ص.26.

56.A/65/284، المرجع نفسه، ص.26.

57.أنظر: المواد 63،65،66،67،69،75،77،87مكرر 5،87مكرر 10،95،96،97/2،100،144-147،160و160مكرر 3...من الأمر رقم 66-155المؤرخ في 8يونيو 1966الذي يتضمن قانون العقوبات المعدل والمتمم بالقانون رقم 06-23المؤرخ في 20ديسمبر 2006(ج.ر. رقم 84)والقانون رقم04-15المؤرخ في 10نوفمبر 2004(ج.ر.رقم71).

58.A/65/284، مرجع سابق،ص.27.

59.شريف درويش اللبان،2008، شبكة الأنترنت بين حرية التعبير وآليات الرقابة، دار الكتاب الحديث،القاهرة،ص. 54،138-142.

60.A/65/284، المرجع نفسه،ص.27.

61.شريف درويش اللبان، المرجع نفسه، ص. 109.

62.شريف درويش اللبان، المرجع نفسه، ص. 164-170.

63.A/65/284، المرجع نفسه،ص.8.

64.باتريك باتلر، مرجع سابق، ص. 36،37،40.

65.A/65/284، مرجع سابق، ص .16،17.

66.A/65/284، المرجع نفسه،ص.19.

67.A/65/284، المرجع نفسه،ص.16.

68.A/65/284، المرجع نفسه،ص.22.

69.A/65/284، المرجع نفسه،ص.13،14.

70.أنظر:

Bernard Beignier et autres, Op.cit., p.141 ;Mustapha Afroukh,Op.cit.,p.232.

71.أنظر:

United Nations Treaty Collection ,http://treaties.un.org/Pages/ViewsDetails.aspx?1IC=TRETy&mtdsg_no=  IV-4&chapter=4&lang=en 

72.مسعود شعنان، "حقوق الإنسان بين عالمية القيم وخصوصية الثقافاتوعلاقة ذلكبالعولمة"، مجلة المفكر، كلية الحقوق والعلوم السياسية، جامعة محمد خيضر،بسكرة، العدد 8، ص. 229– 235.

73.مسعود شعنان، المرجع نفسه، ص. 237-242.

74.تم اقتراح السياسة الأوروبية للجوار (PEV) في 2004، أين اقترح الاتحاد الأوروبي على جيرانه علاقة متميزة تقوم على الارتباط بالقيم المشتركة.

75.أنظر:

U.E., Droits de l’homme et démocratie dans le monde : Rapport sur l’action de l’U.E.en 2011, pp.10, 11,76.

@pour_citer_ce_document

صبرينة برارمة, «صحافة المواطن والصحافة التقليدية: بين التنافس والتكامل »

[En ligne] ,[#G_TITLE:#langue] ,[#G_TITLE:#langue]
Papier : pp: 211 - 230,
Date Publication Sur Papier : 2016-01-15,
Date Pulication Electronique : 2016-01-12,
mis a jour le : 04/10/2018,
URL : https://revues.univ-setif2.dz:443/revue/index.php?id=1353.