تفسير الصحافة الشيوعية وصحافة الحركة الوطنية لدور المجاعة ضمن أسباب انتفاضة 08 ماي 1945
Plan du site au format XML


Archive: revues des lettres et sciences sociales


N°01 Avril 2004


N°02 Mai 2005


N°03 Novembre 2005


N°04 Juin 2006


N°05 Juin 2007


N°06 Janvier 2008


N°07 Juin 2008


N°08 Mai 2009


N°09 Octobre 2009


N°10 Décembre 2009


N°11 Juin 2010


N°12 Juillet 2010


N°13 Janvier 2011


N°14 Juin 2011


N°15 Juillet 2012


N°16 Décembre 2012


N°17 Septembre 2013


Revue des Lettres et Sciences Sociales


N°18 Juin 2014


N°19 Décembre 2014


N°20 Juin 2015


N°21 Décembre 2015


N°22 Juin 2016


N° 23 Décembre 2016


N° 24 Juin 2017


N° 25 Décembre 2017


N°26 Vol 15- 2018


N°27 Vol 15- 2018


N°28 Vol 15- 2018


N°01 Vol 16- 2019


N°02 Vol 16- 2019


N°03 Vol 16- 2019


N°04 Vol 16- 2019


N°01 VOL 17-2020


N:02 vol 17-2020


N:03 vol 17-2020


N°01 vol 18-2021


N°02 vol 18-2021


N°01 vol 19-2022


N°02 vol 19-2022


N°01 vol 20-2023


N°02 vol 20-2023


N°01 vol 21-2024


A propos

avancée

Archive PDF

N°21 Décembre 2015

تفسير الصحافة الشيوعية وصحافة الحركة الوطنية لدور المجاعة ضمن أسباب انتفاضة 08 ماي 1945


عبد السلام عكاش
  • resume:Ar
  • resume
  • Abstract
  • Auteurs
  • TEXTE INTEGRAL
  • Bibliographie

عاش الجزائريون خلال الحرب العالمية الثانية ظروفاً صعبة، ارتبط بعضها بنقص الغذاء نتيجة تعاقب سنوات الجفاف وتتالي موجات الجراد، وارتبط البعض الآخر بظروف الحرب وعواقب سياسة الإدارة الاستعمارية. وقد أثارت مسألة الجوع ونقص الطعام اهتمام الصحف الشيوعية والوطنية (على قلتها، وسلطة الرقابة عليها)، بحيث تحدَّثت عن غياب التموين الغذائي وسوء توزيعه، محمِّلة النظام الاستعماري مسؤولية المجاعة التي حلَّت بالعديد من مناطق الجزائر. وأثر وقوع انتفاضة ماي 1945 قامت الصحف الشيوعية بالربط بين ما أسمته "بتجويع الشعب الجزائري وإثارة ثورة طعام" رافعة شعار: "لا وجود لثورة عربية، وإنما هي مؤامرة فاشية". ذلك الطرح رفضته الصحف الوطنية التي رغم تناول أعمدتها لمسألة المجاعة، إلاَّ أنَّها في تفسير الأحداث لم تربطها بمسألة نقص الغذاء، وإنَّـما اعتبرتها مؤامرة استعمارية للتخلص من الحركة الوطنية، لذلك طالبت بمعاقبة مرتكبي المجازر في حق الجزائريين.

الكلمات المفاتيح: مجاعة 1945، انتفاضة ماي 1945، الصحافة الشيوعية في الجزائر، الصحافة الوطنية الجزائرية.

Durant la seconde guerre mondiale l’Algérie a traversé une situation rude, marquée par un manque de vivres, due à la succession des années de disette, et le passage de vagues d’acridiens, cette situation était aussi le fait du manque de ravitaillement, et sa mauvaise distribution par l’autorité coloniale. La presse communiste et la presse nationaliste ont longuement décrit la famine qui a sévit l’Algérie en 1944-1945. Suite aux évènements sanglants du mai 1945 la presse communiste a colportéle slogan : «il n’y a pas de révolte arabe, mais un complot fasciste », en conséquence ellea accusé l’autorité coloniale d’avoir provoqué une révolte de faim. Cette thèse a été réfutée par la presse nationaliste, qui a considéré l’insurrection du mai 1945 comme étant un complot colonialiste, et un soulèvement manqué.    

Mots clés :famine de 1945, massacres du mai 1945, presse communiste en Algérie, presse nationaliste 

During the Second World War Algeria experienced very difficult circumstances generated, essentially, by the lack of food due to many years of dryness and waves of locust as well as the drawbacks of the disastrous colonialist food supplies administration. In this regard, the issue of famine drew the attention of both communist and nationalist newspapers despite their few numbers and the fact that they were under a rigorous control. Communist press stressed the lack of food during 1944 and 1945 and held accountable the colonialist authority for the hunger revolution. On the opposite side, this thesis was denied by the nationalist press, which considered the insurrection of the 8th of May 1945 as a colonialist plot and a revolution that went to failure.

Keywords:The famine of 1945, the genocide of May 1945, communist press, nationalist pressz

Quelques mots à propos de :  عبد السلام عكاش

أستاذ مساعد أ، جامعة باجي مختار عنابة.

مقدمة

من المواضيع التاريخية التي لا تزال بحاجة إلى كثير من الدارسة والتعمق والتحليل أحداث ماي 1945، بحيث لا تزال تثير الكثير من اللغط والجدل، في كل مناسبة ذكراها أو من دون مناسبة، وإلى اليوم لم يحدث إجماع بين المؤرخين والدارسين حول حقيقتها، فالاستعماريون يسمونا بـ"الاضطرابات(troubles)أو الشغب (émeute) الدموي للقطاع القسنطيني (Constantinois)"، وهناك من يقتصر عندنا على تسميتها بـ"مظاهرات 8ماي 1945"، لإعطائها طابعاً سلمياً، بينما يسميها البعض بـ"انتفاضة ماي 1945"، ويعتبرها البعض الآخر بمثابة حركة ثورية (mouvement insurrectionnel)وثورة فاشلة (révolution manquée)، أو انطلاقة لحركة ثورية غير مضبوطة (fausse manœuvre)، وهناك من يفضل تسميتها بالمذابح (massacres) أو "المجازر" (génocides) وذلك بهدف تجريم النظام الاستعماري. هذا الاختلاف والتباين لا يرتبط فقد بمسألة تحديد مفاهيم المصطلحات، وإنَّما يدل أيضاً على تعقد تلك الأحداث وعدم اتضاح حقيقتها الجلية، وذلك رغم تعدد الدراسات المخصصة لها والتي وإن اختلفت حول هذه النقاط، فإنها تجمع على اعتبار ما حدث في ماي 1945ما هو إلاَّ إنذار لما وقع بعدها في 1نوفمبر 1954.

من بين جوانب الاختلاف حول تفسير تلك الأحداث، مسألة تحديد أسبابها ودراسة الظروف التي أحاطت بها، والتي كانت بمثابة النار التي توقدت منها، بحيث نجد أن الكثير من الدارسين والمهتمين قاموا بالربط بين قيام الانتفاضة ومشكلة نقص الغذاء، التي عرفتها الجزائر خلال النصف الأول من أربعينات القرن الماضي وبشكل أخص سنة 1945، فيما لخص البعض ما حدث بأنَّه "ثورة طعامrévolte de faim". لكن إلى أي مدى يمكن التسليم بأن المجاعة ونقص الغذاء هو السبب الحقيقي للانتفاضة؟ أم أنَّ الأحداث قامت لأسباب أخرى ترتبط بنضج الوعي الوطني لدى الجماهير الشعبية؟ أم أنها من مؤامرة استعمارية استهدفت إيقاف مسيرة الحركة الوطنية وتقدم الشعب الجزائري نحو تحرره؟

 

أولاً: مجاعة 1945وربطها بانتفاضة ماي 1945من طرف الصحف الشيوعية

بالنظر للأوضاع الصعبة التي عاشها الشعب الجزائري خلال الحرب العالمية الثانية خصوصاً سنة 1944-1945، فقد توقع البعض حدوث اضطرابات خطيرة، وكان الحزب الشيوعي الجزائري من أبرز المهتمين بهذه المسألة، لذلك دقت صحافته -وخاصة "الحرية (Liberté) والجزائر الجمهورية (Alger Républicain)" -ناقوسالخطر حول حالة المجاعة التي عاشها الجزائريون قبل الانتفاضة، محمِّلة النظام الاستعماري مسؤولية الأوضاع التي آلَ إليها الشعب الجزائري والمزالق التي يمكن أن تنجر عن ذلك.

1.    وصف الصحافة الشيوعية لمشاهد البؤس ومظاهر المجاعة قبل الانتفاضة

تقريباً لم يخل عدداً من أعداد أسبوعية "الحرية" (لسان حال الحزب الشيوعي الجزائري) في نهاية 1944وبداية 1945من ركن أو عمود حول نقص التموين بالغذاء (ravitaillement)، وانتشار المجاعة في شمال الجزائر وجنوبها، مدنها وأريافها، وقدَّمت الصحيفة العديد من الأمثلة حول معاناة الجزائريين من الجوع والبرد اللَّذَين كثيراً ما يؤديان إلى المرض والموت؛ "فمن بين 8ملايين ونصف من سكان الجزائر، يوجد أكثر من 7ملايين مسلمين، ويمكن أن نؤكد أن 6ملايين يعيشون في ظروف جد مأساوية، لم يتمكنوا من الخروج منها خلال السنوات الأخيرة"1. وحذرَّت برقية لفرع الحزب الشيوعي في تبسة من ازدياد نسبة الوفيات كما يلي: "نلفت الانتباه حول نسب الوفيات المخيفة لدى السكان المسلمين في الأرياف بسبب الجوع والبرد، الملايين من المتسولين بدون مأوى، بدون لباس، يجب توقع الأخطر مع بداية البرد. قمنا بإنذار الحكومة العامة وعامل قسنطينة. نطلب التدخل الفوري الحاسم وبشكل استعجالي"2.

مع بداية شتاء 1945القارص بدأ الموت يحصد الأرواح بتأثير الجوع والبرد، وعنونت "الحرية" "في بلد الصوف، الفلاحون يموتون بالبرد، الأطفال يتجولون عراة في الشوارع" وذكرت: في كل يوم نقرأ إعلانات غير مكترثة باكتشاف جثث متجمدة في الشوارع، رأيت في الأسبوع الماضي امرأة تغطي رضيعها بجريدة في هذا الشتاء البارد، إلى أين تذهب أصواف إنتاج 800000من خرفاننا سنوياً ؟! سألنا أحد الصناع قال انَّه قبل الحرب كان يتم تصدير 120000قنطاراً سنوياً من الأصواف.3 وفي عدد آخر عنونت: "المجاعة، البرد، الموت، في المدن والأرياف" ففي كل يوم نقرأ إعلان صغير يخبر بأن بؤساء وجدوا في الطريق فقدوا الحياة "لموت طبيعي"، هذا الأمر يخفي مأساة حقيقية ويغطِّي بحجاب عدم اكتراث الإدارة التي اهتماماتها تتوجه في اتجاه معاكس للمصالح العامة للسكان، في قسنطينة، القبائل، التل والصحراء يموت الناس جوعاً، قرى بكاملها متجمدة، لا يوجد فحم ولا خشب، في الدواوير الرجال يسيرون أحياناً 30كم باحثين عن التزود بغذاء خيالي، يسقطون في الطريق في الثلوج ولا يعودون إطلاقا إلى منازلهم، كوارث الجوع والبرد عظيمة، حينما تذوب الثلوج في جبالنا سيظهر حجم الكارثة. فمنذ بداية السنة شهدت الجزائر موجة برد لم يسبق لها مثيل، في تيزي وزو السكان معزولون منذ 17يوم، في ميشلي (عين الحمام) 8قرى بكاملها معزولة بفعل تراكم الثلوج، عائلات سقطت عليها أكواخها دون أن يأتي أحد لنجدتها، الإدارة أنذرت بأن الناس يموتون جوعاً. في مدينة الجزائر يوجد أطفال تخلى عنهم ذووهم، دون أن يأتي أحد لنجدتهم.4

استمرت الصحيفة تروي حلقات مسلسل المجاعة، ففي 10جانفي1945ذكرت أنه بفعل الكارثة التي حلَّت بقطيع الغنم في الهضاب العليا، الآلاف والآلاف من الرحل يوجدون بدون دخل في مناطق تسودها المجاعة، وأوردت قصة موت 7أشخاص في المشرية بالبرد والجوع، فالبؤس الذي لم يعرف له مثيل في المشرية جعل الرحل يموتون كالحشرات، فقط في صبيحة الأحد 30ديسمبر 1944،7أشخاص ماتوا بسبب الجوع. فمجموعة منهم دفعهم البرد والجوع لينصبوا خيامهم حول قرية المشرية، وأخذوا يجوبون الشوارع باحثين عن قطعة خبز. سكان بلدية مسكيانة لم يحصلوا على تموين بالغذاء منذ أكثر من ثلاثة أشهر، في الأسبوع الأول من ديسمبر مات هناك 4أشخاص بالجوع والبرد.5

وتحت عنوان "في عين البيضاء المجاعة جعلت الفلاحين يبيعون هكتاراً من الأرض مقابل شيء من القمح"، ذكرت "الحرية" أنَّه في بداية أفريل1945كانت تلك الناحية تضم 200000ساكن معظمهم يعيشون على زراعة الحبوب وتربية المواشي، وتشير الإحصاءات إلى الأرقام التالية: 80℅ من السكان باعوا أكواخهم وأمتعتهم لشراء الغذاء، 90℅ لا يملكون حيواناً أليفاً، 80℅ لا يملكون حتى معزة أو نعجة، 90℅ لا يملكون حتى دجاجة، السكان لا يحصلون على حصصهم من التموين، فكل عائلة عليها تقديم كيلوغرامين من الصوف للحصول على حصة تموين6. بينما في البلدية المختلطة براز(Braz) الفلاحون الفقراء بفعل سوء الحصاد لم يجدوا خبزاً يأكلونه،وهم ليس بمقدورهم اقتناء القمح من السوق السوداء بـ ـ5000فرنك والشعير بـ3000فرنك، فالسعيد منهم من يجد جذوراً يقتات عليها، وحتى الجذور أخذت تتجه نحو الندرة. الوضع أصبح شديد الخطورة في دواوير: بوراشد، بني غوتمرين، عناب، جليدة، خربة، أوغوني.7بلدية "عمي موسى" يبلغ عدد سكانها 20000ساكن، منذ بداية السنة لا يقتاتون سوى على الجذور والنباتات، مما تسبب في العديد من الأمراض. في سنة 194422دوار فقط حصلوا على جزء من تموينهم بحصة 5كغ من الشعير شهرياً، وفي شهر أفريل1945انخفضت الحصة إلى 2كغ للفرد.

وحسب "الجزائر الجمهورية" فإن العمال الفلاحين كانوا يأكلون الجذور التي تعفها الأبقار، يلبسون ثياباً رثة، يتجولون مع أسرهم في الطرقات بحثاً عن السراب8. بينما وصف لنا الكاتب ألبير كامي بإسهاب الأوضاع الصعبة التي عايشها في منطقة القبائل، وذلك خلال التحقيق الذي أجراه بالمنطقة والذي نشر في صفحات "الجزائر الجمهورية"9  تحت عنوان البؤس في القبائل (Misère de Kabylie)، ومن بين تلك المشاهد العديدة التي يرويها لنا: "في صبيحة أحد الأيام رأيت في تيزي وزو أطفالاً يتعاركون مع الكلاب على القمامة، وأجابني أحد السكان كل صباح يحدث مثل هذا... مرة في الشهر رئيس دائرة تيزي وزو يقدِّم حساءً لـ50قبائلي، وساهمت الأخوات البيض في الأعمال الخيرية بدون جدوى10ويستأنف روايته بعض فصول ما شاهده في الحصن الوطني (Fort Nationalلأربعاء ناث ايراثن) ويقدِّم لنا هذا الحوار الذي جرى خلال عملية توزيع الحبوب: سألت طفلاً يحمل على ظهره كيس صغير من الشعير قُدَّم له: لِكَم من الأيام أعطي لكم هذا؟ - لخمسة عشر يوم. كم هو عدد أفراد عائلتكم؟ - خمسة أفراد. هذا ما ستأكلونه فقط؟ -نعم. ليس لديكم تين مجفف؟ -لا. هل تضعون الزيت داخل الخبز؟ - لا، بل نضع الماء. ثم انصرف بنظرة غاضبة11. وحسب الاستطلاع الذي أجراه، فإن المجاعة عمت كل البلاد بشكل خطير، يقول: خلال جولتي لمعرفة المعاناة ومجاعة السكان، اكتشفت أن خمسة أفراد ماتوا في منطقة أبو بعدما استهلكوا جذوراً سامة، وأربع عجائز جئن من دواوير بعيدة لميشلي (Micheletعين الحمام) للحصول على الشعير، وقد متن في الثلوج خلال طريق العودة، لقد عرفت أن الكمية الموزعة من الحبوب لا تكفي للسكان، ولكن لم أعرف أن ذلك يوصلهم إلى درجة الموت، في قرية لفلاي بسيدي عيش هناك عائلات تبقى لمدة يومين أو ثلاث أيام دون أن تأكل شيئاً12.

2.  تحميل الصحافة الشيوعية النظام الاستعماري مسؤولية المجاعة ونقص التموين

حذّر الشيوعيون من خطورة الأوضاع في الجزائر، وذلك قبل وبعد انتفاضة ماي 1945(نهاية 1944بداية 1945) ومن إمكانية تطورها بشكل خطير، كما حمّلوا السلطات الاستعمارية مسؤولية ذلك الوضع، فالبلاد تعرضت للنهب سنوات الحرب وفي ظل حكم فيشي (Vichy) ومن طرف لجان الهدنة، ساعدها في ذلك الملاك الكبار.13وكمثال على ذلك سكان الجلفة الذين يعيشون المأساة، يومياً يموت العشرات من الأشخاص، وهم يطالبون بتدخل حاسم للسلطات المعنية لاتخاذ الإجراءات المستعجلة حيال تلك الأوضاع الشنيعة.14إن المجاعة حسب الشيوعيين منظمة بشكل مقصود، ففي بلدية الأوراس مثلاً طلب المتصرف الإداري -في برقية موجهة للحاكم العام- إرسال الحبوب وبشكل استعجالي لتلبية الطلبات، إلا أن القمح حسب "الحرية" بدل أن يوزع على السكان المسلمين قدِّم غذاء للخنازير.15

   وعنونت "الحرية" "أطفال يموتون جوعاً في عمالة قسنطينة، يجب ضمان توزيع الحبوب وبشكل استعجالي ومعاقبة المسئولين"، وقامت بنشر برقية وصلتها من قالمة مفادها أن التذمر يسود بلدية عين القصر؛ فمنذ شهر ديسمبر 1944لم يتم توزيع الحبوب، أطفال ماتوا جوعاً. وأوردت الصحيفة بعض أسمائهم، وحسبها فإن العديد من العائلات المعوزة توجد في حالة محزنة. إثر البرد والمجاعة تقدمت عائلات إلى المتصرف الإداري لإدراجها ضمن قائمة المستفيدين من توزيع "الحساء الشعبي"، أو منحها الحبوب المخزنة في المخازن، لكن ذلك كان بدون جدوى، مما أدى إلى ارتفاع عدد وفياتها، بالرغم من أن تلك العائلات لم تعرف الأمراض، مما يؤكد أن وفياتها كانت بسبب الجوع والبرد، لذلك نحتج ضد عدم تحرك السلطات العمومية.16

وفي ظرف ندرة المواد الغذائية الأساسية كان النظام القائم في الجزائر يخدم مصلحة المعمرين، بحيث لم تسجل حالات نقص الغذاء لدى تلك الفئة، فلم يكن ممكناً بالمنطق الاستعماري أن يسمح للجزائريين الاستفادة من بطاقات التموين لشراء منتجات تم الاحتفاظ بها للأوربيين أو لسكان المدن فقط. وبذلك لم يكن التمييز العنصري فقط يشمل المشروبات الكحولية ولحوم الخنزير (لاعتبارات دينية)، بل امتد إلى المواد الغذائية المقننة كالحبوب، الحليب، الزيت والسكر، ونددت الصحف الشيوعية بالأساليب العنصرية في توزيع التموين، فسكان عين الصفراء احتجوا ضد الباشاغا وإدارته، ففي شهر جانفي لم يحصلوا سوى على 3كغ من الشعير، وحسب "الحرية" يحصل الأوربيون على 400غرام من القهوة، 1،2ل من الزيت و275غ من الصابون، بينما يحصل المسلمون على 80غ قهوة  و50غ من الشاي، يقومون بإعادة بيعها للأوربيين مقابل شيء من القمح أو الشعير17.  وقد لاحظ ألبير كامي في منطقة القبائل كيف أن الأوربيين يوزع عليهم 300غ من القمح يومياً، وفي المقابل كان الجزائريون لا يحصلون في أحسن الأحوال إلاّ على 100غ18، مع أنهم كانوا المتضرر الأول من المجاعة. انتقد ألبير كامي شكل الإدارة الاستعمارية التي تحكم الجزائريين، وبالخصوص بقاء الاعتماد على نظام القياد (caïdat)، بحيث أساء هؤلاء القياد وكبار الكولون والإداريون استخدام السلطة الممنوحة لهم، خصوصاً خلال ظروف الأزمة الغذائية، وعنون أحد مقالاته في صحيفته كومبا (16ماي 1945) "الجزائر بحاجة إلى سفن من العدالة"، في إشارة منه إلى أن المشكلة الحقيقية لا تكمن فقط في استيراد وجلب سفن الحبوب من الخارج، ولكن في إقامة نظام يكفل العدالة والكرامة البشرية، وطالب بإزالة مظاهر الظلم، ووصف الجزائريين بكونهم رجالاً يتألمون جوعاً يطالبون بالعدالة، فالمجاعة ترتبط بغياب العدالة"، لذلك حسب رأيه يجب اتخاذ إجراءات استعجاليه تبدأ بالجانب الاقتصادي19.

اتهمت الصحف الشيوعية القياد الذين أسندت لهم مهمة توزيع التموين وبذور الزرع، بأنهم كانوا يستغلون ذلك لابتزاز الجزائريين، وكان إلغاء بطاقات التموين للعائلات أمراً معتاداً، وكان القياد يطلبون دفع الرشوة حسب عدد أفراد العائلة؛ ويسرقون التموين ويزودون به السوق السوداء، وفي ناحية باتنة كان القايد "زوي" يقوم بالتوزيع بالمحسوبية، واحتكر تموين 173شخصاً فلم يسلم لهم الحبوب منذ أوت   1944 (8 أشهر)، وكان هؤلاء الأشخاص مرغمين على استهلاك البذور المخزنة للزرع.20وفي دوار تاجمونت (باتنة) لم يتم توزيع الحبوب، واستفاد من بذور الزرع أصدقاء القايد "عبدي الصغير"، واستفاد حتى الذين ليست لهم أراضي.21وفي ناحية تلمسان مئات العائلات لم تتلق سوى 20كغ من الحبوب منذ 16شهر، ووجَّهت مندوبية الحزب الشيوعي برقيات إلى الحاكم العام وعامل وهران ورئيس دائرة تلمسان جاء فيها: "السكان القرويون يحتجون، ويطالبون بتوزيع فوري للغذاء، المتصرف الإداري وعد بالقيام بالعملية، في صباح 1فيفري وصل القايد وصرح أن الأشخاص الذين ليست لهم بطاقات تموين لن يحصلوا على الحبوب، وهو يعرف أن البطاقات أخذت إلى تلمسان من قبل مندوبية، للتدليل للعامل على عدم الحصول على التموين منذ أكتوبر 1943.22

ونتيجة انخفاض العرض في السوق التهبت أسعار المواد الغذائية بشكل كبير، وفي هذا الصدد قامت صحيفة "الديمقراطية" (Démocratie) بإجراء تحقيق حول وضع السوق السوداء في الجزائر خلال صيف 1944، حيث قدَّمت أرقاماً حول بعض أسعار المواد الأساسية، منها أنَّ سعر السميد يتراوح ما بين 50إلى 75ف كغ، العجائن ما بين 150إلى 175ف كغ، الزيت من 150إلى 200ف ل، الصابون ما بين 250إلى 300ف كغ، السمك ما بين 200إلى 250ف كغ.23فيما بين 1939إلى 1945انتقل سعر الخبز من 3,3ف. كغ، إلى 8,55ف. كغ، وتزايد سعر اللحوم من 15,3ف. كغ إلى 98ف.كغ، والزيت من 6ف. للتر إلى 63ف. للتر خلال نفس الفترة24. وانتقد "عمار أوزقان"(الأمين العام للحزب الشيوعي) إجراءات تخفيض حصص المخابز، رغم وجود مخازن كبيرة لدى الإقطاعيين والملاك الكبار الذين يبيعونها في السوق السوداء ما بين 6000إلى 10000فرنك للقنطار.25كما تحدث عن تخريب 100000قنطار من الحبوب في سطيف،26ودعا إلى سجن مخربي عملية التموين، المسؤولين على تعرض 1600قنطار من الحبوب في ميناء الجزائر للفساد.27

3. ربط الحزب الشيوعي بين المجاعة والانتفاضة

تحدثت الصحف الشيوعية عن وجود مؤامرة فاشية للمائة إقطاعي، آزرهم في ذلك موظفون سامون فيشيون (نسبة لمدينة فيشيVichyجنوب فرنسا، مقر حكومة المارشال بيتان العميلة لألمانيا خلال الحرب العالمية الثانية)، هدفها إثارة اضطرابات لممارسة قمع وحشي ضد السكان ولجعل الجزائر قاعدة للفاشية، لذلك فلا وجود لثورة عربية بل هي مؤامرة فاشية28. في بعض المناطق لم يتم توزيع الحصص الشحيحة من التموين لمدة ستة أشهر، أضيف إلى ذلك سوء توزيعه في القرى والأرياف، وبسبب نقص التموين انتشرت السوق السوداء29. وحول حالة السوق السوداء وانفلات الأمور من كل أشكال الرقابة كتبت صحيفة "الأخوة" (Fraternité): في الجزائر كل شيء يسير بشكل خاطئ، ذلك أن السوق السوداء لم تحارب بشكل جِدِّي، مع أنَّها لم تشهد ازدهاراً في السابق بالشكل الذي توجد عليه اليوم، التموين منظم بشكل سيء، في كل مكان تنتشر سياسة "دعه يفعل"(غياب الرقابة)، وروح التخريب (sabotage) تهيمن على حساب روح النظام، الطابور الخامس أصبح خطراً محدقاً، الأوامر المعطاة من قبل نظام فيشي لا تزال مطبقة.30

في 25أكتوبر1944عنونت صحيفة الإنسانية (humanité، ناطقة باسم "الحزب الشيوعي الفرنسي PCF): "الفاشيين أقوياء في شمال إفريقيا، وحذَّرت من وجود عناصر تدفع السكان المسلمين للثورة"31... وذكَّرت الصحيفة ذاتها بتحذيرات الشيوعيين المسبقة قائلة: "منذ مدة طويلة كشفنا فكرة وجود مؤامرة فاشية، نددت بها الأحزاب الديمقراطية (الشيوعية)، من المستفيد من الجريمة؟ الأحداث كانت متوقعة من قبل الشيوعيين، فمنذ أكثر من عام وضّحنا المسئولين الحقيقيين"32. وخلال ندوة جمعت الأحزاب الشيوعية الثلاثة؛ الجزائري، المغربي والتونسي، تحت رئاسة إتيان فاجون (Etienne Fajon)، عضو المكتب السياسي للحزب الشيوعي الفرنسي ونائب برلماني وذلك بتاريخ 27فيفري 1945، ندد المجتمعون بحالة المجاعة المنظمة في أرياف الجزائر، في محاولة لإثارة ثورة طعام يمكن أن تخدم ألمانيا الهتلرية، وتحول دون تحقيق توحد سكان شمال إفريقيا مع الشعب الفرنسي، ومن أجل تبرير قمع وحشي والحيلولة دون تحقيق التطورات الديمقراطية. في هذه الظروف فإن المجتمعون يرون أن الحل السريع يكمن في توفير التموين الغذائي، والاستجابة للمطالب المشروعة للسكان33.  وحسب صحيفة "الحرّية" فإنّ مندوبين عن الحزب الشيوعي الجزائري، استقبلوا من طرف كازان (Gazagneالأمين العام للحكومة العامة) أسبوعين قبل 8ماي، حيث أكدوا له خطورة حالة التموين في الجزائر، وأنّ البؤس السائد ينذر بقيام اضطرابات خطيرة إن لم تتخذ الإجراءات السريعة اللازمة، واعترف كازان أنه في القبائل لا يحصل الفرد سوى على 4كغ من حصة التموين (7,5كغ)34.

وبعد وقوع الانتفاضة بيَّنت الأطراف الشيوعية كيف أن انطباعاتها كانت صحيحة، وخلال مداخلة البرلماني إتيان فاجون أمام الجمعية الاستشارية في 24جويلية1945ذكّر أن المؤامرة تم التخطيط لها منذ وقت طويل، وأنَّه بعد عودته من الجزائر (فيفري 1945) وباسم الشيوعيين ندد أمام الجمعية في 27مارس 1945بتحضيرات الطابور النازي الخامس بالجزائر35. وذكرت "الحرية" أن هناك مجموعة من الفاشيين في الإدارة الاستعمارية من كبار الكولون أثاروا ثورة طعام، وأن حزب الشعب الجزائري استغل بؤس السكان ليثيرهم ضد السلطة الفرنسية؛ فيوم الثامن ماي كان اليوم المضبوط للمؤامرة الفاشية للقطاع القسنطيني. الرجال النساء، الشيوخ، والأطفال الذين كان إخوانهم وأبناؤهم وآباؤهم لم يغادروا بعد المعارك (في الجبهة بأوروبا) تم قتلهم بوحشية، وخلالها تعرَّف الجزائريون على أساليب الجستابو (Gestapoالشرطة السرية للنظام النازي)، والذين نجوا من الموت تعرّضوا للتعذيب في السجون36. وعنونت "الحرية": "السكان المجوعين تم دفعهم إلى العنف من قبل محرضين معروفين لدى الإدارة37. وقدّمت الصحيفة الاشتراكية "الشعبي" (Le populaire) أرقاماً عن تناقص إنتاج الحبوب من 20مليون قنطار إلى 5مليون قنطار سنة 1945، واستنتجت كيف أن ظاهرة تناقض الإنتاج الزراعي استغلها حزب الشعب الجزائري وحزب أحباب البيان ليحققوا التوافق بينهم للطرد الكامل لفرنسا من شمال إفريقيا38.

انتقدت "الإنسانية" "تكسييه"(Tixierوزير الداخلية) الذي حسبها اتهَّم حزب الشعب الجزائري وحزب أحباب البيان، وتجاهل منظمي المجاعة الفاشيين والفيشيين الفرنسيين، والذين هم مسلحون بشكل كاف،وحسبها فإنّ الطابور الخامس النازي دس عناصر محرضة في الموكب(المسيرة)، لذلك حسب "العربي بوهالي" يجب أيضا معاقبة الفاشيين مجوعي الشعب بشكل مثالي، وتقديم الغذاء للذين يقتاتون على الجذور والنخالة39. وتصورت الصحف الشيوعية أن الحل للخروج من حمام دم 8ماي 1945، لا يكمن في القمع الوحشي، بل في توفير الغذاء واللباس حيث يجد الفرد كلَّ ما يحتاجه، وفي 15ماي 1945عنونت صحيفة الإنسانية في أعلى صفحتها الأولى: "قدّموا الخبز وليس القنابل jetez du pain pas des bombes". أعطوا الغذاء للجياع أوقفوا الفيشيين، أوقفوا حزمة كبار الملاك مجوعي الشعب، الذين يمثلون مصدر الاضطرابات، يجوعون جماهير السكان المسلمين، يحرمونهم من كل قماش إلى درجة أن النساء لا يخرجن من بيوتهن لأنهن لا لباس لهن. في مثل هذه الظروف لابد للأوضاع أن تتفجر40. أما صحيفة الأخوة فتساءلت بعد الأحداث مباشرة: هل ستجد الجزائر التوازن والأمن على الأنفس؟ كم هو عدد الأبرياء الذين سيسقطون عن طريق الخطأ؟ هذه الحركات من العنف لا تزال محدودة. ولكن يمكن أن تتابع وتتطور بشكل متسارع في حالة ما إذا ظلت الظروف السياسية والاجتماعية على حالها، وما لم تتغير الأجواء النفسية. اللجوء للقوة لن يغير شيئاً.41

4. تقييم الموقف الشيوعي

 المتأمل في الموقف الشيوعي من الأحداث ومسؤوليتها يجد أنه ركز على المسألة الاجتماعية وقضية المجاعة، التي حسبه استغلها "المتطرفون الوطنيون" من حزب الشعب المنحل وحزب البيان ليثيروا حرباً أهلية، هدفها إثارة التفرقة بين السكان القاطنين في الجزائر (المعمرين والجزائريين)، وهذا الموقف رغم ما يحمله من حقيقة حول مجاعة 1945، إلاَّ أنَّه تشوبه العديد من الخلفيات الإيديولوجية. ومع مرور الوقت حاول الحزب الشيوعي تصحيح موقفه السلبي من أحداث الانتفاضة ومن الحركة الوطنية، وأصبح يركِّز أكثر على اتهام الإدارة الاستعمارية وكبار المعمرين بالمؤامرة والقتل العشوائي. في نهاية سنة 1945تأسف عمار أوزقان عن وجود الآلاف من المسلمين في السجون، مع أنّه لا ينبغي البحث عن المسئولين عن المؤامرة في أوساط المسلمين، ولكن قبل كل شيء يجب البحث عنهم في أوساط المتعاونين الفيشيين الذين كانوا يمولون رومل، فهم لم ينشغلوا، مثل: أبو، بورجو، فرحات بلقاسم، بيرك ولستراد كاربونيل (Lestrad Carbonel) الذين لا يزالون أحرارًا، والقتّال أشياري الذي لا يزال رئيساً لدائرة قالمة. بذلك دعت الصحف الشيوعية لمعاقبة الذين اقترفوا مجازر 8ماي ضدّ الجزائريين، وأدانت أعوان الإدارة الذين أشرفوا على تلك المجازر، بحيث قامت صحيفة "الحرية" بنشر صورتين معبرتين عن مجازر أشياري (Achiary) وعنونت:"في هذه المحرقة أحرق أشياري ضحاياه، نحن ندينه ونتهمه42.

يتلخص موقف الحرب الشيوعي في الشعار الذي رفعه؛ "مؤامرة فاشية لا ثورة عربية"، بحيث مزج بين الطروحات الرسمية المتهمة لحزب الشعب بالفاشية، والمعتبرة للأحداث أنها من عمل أقلية محرضة وأنّ فكرة الاستقلال أجنبية على الجزائريين، وفكرة كون الاستعماريين الفاشيين قاموا بتجويع الجزائريين لاستفزازهم حتى يثوروا، لكي يفرض على الجزائر نظاماً قمعياً ديكتاتوريًا. ولكن إلى أيّ مدى يمكن تصديق الأطروحات الشيوعية في اعتبار انتفاضة 8ماي ثورة طعام؟

من خلال أطروحة ثورة الطعام سعت الأطراف اليسارية لتقزيم الانتفاضة وتجريدها من طابعها الوطني، أي أنّ الفكرة الوطنية تبنّتها أقلية من المحرضين من الوطنيين. أما من يسميهم الشيوعيون سكان شمال إفريقيا فلم يكونوا ضدّ فرنسا، ولم يصلوا إلى درجة المطالبة بالاستقلال. ولكن هذا الموقف يعتبر يحمل خلفيات إيديولوجية حزبية، أكثر من كونه يستند لوقائع الأحداث، ذلك أنّه رغم الانتشار الواسع للمجاعة والنقص الفادح للأغذية، إلاّ أنّ التقارير العسكرية وتحقيق الجنرال توبير (Tubert) ومراسلي مختلف الصحف (الاستعمارية وغيرها)، أكّدوا وجود مخازن كبيرة من الدقيق، الحبوب، الزيوت والألبسة لدى القبائل الثائرة، وحتى خلال الانتفاضة لم يحدث سطو على مخازن الغذاء في مزارع المعمرين، وحسب صحيفة "العالم" (Le monde) فإنّه خلال الأيام الدموية لا الأكياس المملوءة بالقمح، ولا مخازن المواد الغذائية تمت سرقتها43، وفي 1948كتب "بينازيت"(Benazet): "المتظاهرون لم يرفعوا اللافتات ضد التمويل. مخازن الغذاء المملوءة بالحبوب والمتروكة دون حماية، لم يتم المساس بها44، ونفس الأمر أكّده أوجين فالي (Eugène Vallet) في كتابه تحت عنوان: الحقيقة حول مأساة 8ماي 1945، الذي أصدره في نهاية الأربعينيات من القرن الماضي.

مثلما أنَّ متظاهري 8ماي لم يرفعوا لافتات تطالب بالخبز، مثلما فعل عمال بتروغراد خلال مسيرتهم التي مثـّلت بداية الثورة البلشفية سنة1917، بل اللافتات التي حملها المتظاهرون تعبّر عن الطابع الوطني للمظاهرات، بحيث لأول مرّة رفعت الأعلام الوطنية في مختلف أنحاء الجزائر من قبل جماهير المتظاهرين، ولافتات تطالب بسقوط الامبريالية والاستعمار، وتمجِّد حياة الجزائر حرة مستقلة، وتطالب بتحرير مصالي والمعتقلين السياسيين، وهذا ما يعبِّر عن الطابع  السياسي الذي اتخذته الأحداث، ذلك أن الجماهير كانت متشبّعة بالحماس الوطني. والحقيقة أنَّ الاستعمار كان يبحث عن استعادته لهيبته، ويتحين الفرصة المناسبة للقيام بضربته القاضية ضد الحركة الوطنية المتنامية، والطامحة لوضع أحس لجزائر ما بعد الحرب العالمية الثانية. لذلك نستنتج أنّه لم يمثل لا نقص الطعام ولا الحركة الوطنية العامل المباشر لتفجير الاضطرابات. ولكن النظام الاستعماري هو الذي كان مستعداً ومتحيناً للفرص حتى يضرب ضربته ليستعيد هيبته، في وقت كانت الجماهير تتّقد حماسًا وتأمل في مستقل مشرق، وعهد جديد بنهاية الحرب العالمية.

ثانياً: دور المجاعة ضمن أسباب انتفاضة ماي 1945حسب منظور صحافة الحركة الوطنية

1. أسباب ومظاهر المجاعة في صحافة الحركة الوطنية

رغم تعدد تفسيرات أسباب انتفاضة ماي 1945ومدى علاقتها بحالة المجاعة والبؤس التي سبقتها وأسباب هذه الأخيرة، إلا أنه في أعين الجزائريين والحركة الوطنية فإن النظام الاستعماري يعد المسئول الأساسي للمأساة الجزائرية، وفي هذا الصدد قدَّم البيان الجزائري لفيفري1943الخلاصة التالية: "اقتصادياً النظام الاستعماري عجز عن حل المشاكل التي كان سبباً في وجودها، ذلك أن الجزائر في حالة ما إذا وجدت النيات الحسنة وتوفرت الإمكانيات، باستطاعتها أن تطعم على الأقل 20مليون ساكناً، تضمن لهم الحياة الرغيدة والأمن الاجتماعي، ولكنها في ظل النظام الاستعماري لم يعد بمقدورها توفير الغذاء ولا التعليم ولا اللباس ولا السكن ولا المعالجة الصحية لنصف سكانها حالياً، هياكلها الحالية تكفي فقط لضمان العيش الرغيد لفئة تمثل ثـُمُن السكان (المعمرين)"45.

اعتبرت الحركة الوطنية الاستعمار هو مصدر كل آلام الجزائريين، فخلال تلك الفترة كانت الجزائر تعرف مشكلة ديمغرافية تهيمن على باقي المشاكل، فالجزائريون يلدون الكثير من الأطفال، وعلى السلطات العمومية أن تهتم بهم، لكن هذه الأخيرة تخلق مناصب شغل مخصصة للأوربيين الذين تتضاعف امتيازاتهم، بينما في كل إحصاء(كل 5سنوات) يتزايد عدد الجزائريين بـ600ألف نسمة، وهذا ما يمثل العامل الفاصل الذي سيفرض نفسه في المستقبل، فهذا الشعب لا يمكن إزالته أو كبحه أو تجويعه.46فارتفاع الولادات يعبِّر بشكل من أشكال عن مقاومة الجزائري وتشبثه بالبقاء رغم التوزيع غير العادل للثروات والنفوذ السياسي. وحسب الأستاذ أحمد بومنجل (عضو في حزب أحباب البيان والحرية) فإن ثروة الأوربي تفوق بـ ـ150℅ ثروة الجزائري، وأجور الجزائريين أقل بست مرات عن أجور الأوربيين، وذلك ما جعل أقل من مليون أوربي في الجزائر يستحوذ على 67℅ من ثروات البلاد، و33℅ الباقية لـ 7مليون جزائري.47

وكان الجزائريون يجدون أنفسهم في حالة استلاب، فهم يدركون أنهم الملاك الشرعيون للأرض التي يعيشون فيها، ولكنهم يجدون أنفسهم غرباء في بلادهم، وإذا كانت قلة من العائلات تملك أراض تضمن لها البقاء، فإن مليون ونصف ليست لهم أرض، ونصف مليون يشتغل كعمال زراعيين لدى المعمرين، وهناك فرق شاسع بين إنتاج المعمرين والجزائريين، ففي سنة 1945حصد المعمرون ما قيمته 2115000ق من مساحة 693000هكتار، في حين حصد الجزائريون 1457000ق من مساحة 1487000هكتار48. ونتيجة الطرق التقليدية المستخدمة فإن المردودية الفلاحية للمساحات المزروعة من قبل الجزائريين أقل بكثير من نظيرتها لدى الأوربيين، وقدّمت المساواة جدول إحصائي يمثل مردود إنتاج الحبوب الذي يظهر تراجع مردود إنتاج الفلاح الجزائري من 6ق/ه للقمح و10ق/ه بالنسبة للشعير سنة 1941إلى 1ق/ه لكلا المحصولين سنة 1945. لكن التراجع لم يسجل بنفس الحدة بالنسبة للفلاح المعمر: الذي تقلص مردود إنتاجه من القمح من 14ق/ه إلى 10ق/ه خلال نفس الفترة49. وذلك ما يظهر أنّ مردود ما ينتجه الجزائري يمثل عشر ما ينتجه المعمر.

وقد أدركت "المساواة" -الصحيفة الوطنية الوحيدة التي كانت تصدر قبل انتفاضة ماي 1945ـــ تأثير ظروف الحرب على الجزائر وكتبت: "بلادنا دفعت وتدفع ضريبة الحرب الثقيلة على الصعيد الاقتصادي، فبعد فترة طويلة من تقنين الغذاء المتولد عن الحرب، ازدادت الخطورة بتنظيم اقتصادي اجتماعي استعماري غير متوازن، وتلاحق الجفاف على الجزائر، منذ أشهر دواوير كاملة لا تجد الحبوب ولا الألبسة ولا المنتجات، لقد جُبنا البلاد في كل الاتجاهات، وتم تسجيل الوضعية نفسها، في كل مكان نجد الشكاوي نفسها، الغليان نفسه، التموين الغذائي ناقص، القليل الذي يصل إلى المراكز يتم توزيعه في مكانه (ولا يصل إلى الدواوير)، نساء المجندين وآباؤهم لاشيء يكسوهم بالكامل، لا يمكن التسامح مع هذه الحالة، فالأكواخ التي أنجبت محارباً أو اثنين أو ثلاثة تسودها المجاعة بشكل خطير."50وفيما ارتفعت أسعار المواد المصنعة، وعجز الجزائريون عن اقتناء الألبسة، فحسب الأستاذ أحمد بومنجل فإن النساء بقين في بيوتهن لمدة عام دون الخروج، لأنهن كنَّ عاريات تقريباً، ولم يستطع الآباء دخول بيوتهم، وصرحوا لمحاميهم أنهم لم يروا بناتهم منذ ستة أشهر51.

في نهاية 1944كتبت "المساواة": أمام غياب الغذاء يلجأ السكان للأسواق السرية للحبوب حتى لا يموتوا جوعاً، لكنهم مذعورون من رجال الدرك وأعوان ديوان القمح، الذين يهملون المساس بالسوق السوداء في مصدرها، ويقبضون على الفلاحين الفقراء ويصادرون منهم بعض كيلات القمح التي اشتروها بثلاثة أو أربعة أضعاف سعرها الحقيقي، خلال هذا الشهر (سبتمبر) توجد طوابير كبيرة أمام مقرات المتصرفين الإداريين لأناس محتاجين ينتظرون الشيء الذي يحدث لهم، وهم على أبواب فصل الشتاء.52 وعنونت أحد مقالاتها في خريف 1944: "البلدية المختلطة تريزيل (Trezelسوقر)، بلاد الجوع"، في حين القرية الاستيطانية هناك تعرف الرقي الأكبر، والكل يعيش هناك حياة جد جيدة، واستدرجت قائلة: هذه السنة المجاعة معلنة في كل أنحاء الجزائر. وحذَّرت من خطورة الوضع مع اقتراب فصل الشتاء، بحيث أصبح ليس من النادر ألاَّ ترى في الطرقات رجال أهالي يتعاركون على الجذور النادرة، من الضروري أن نشرح للحاكم العام أن مشكلة المجاعة لم تجد حلاً إلى حد الساعة، هناك من يستغل هذه الأوضاع وحالة التذمر لدى الجزائريين.53استمرت استغاثات "المساواة" لإيجاد حل لمشكلة المجاعة ففي 13جانفي1945 عنونت في صفحتها الأولى "ضحايا البرد" وكتبت تقول : قائمة الموتى "موتاً طبيعياً" تزداد يوماً بعد يوم، الأحد الماضي أُعلن موت أربعة مسلمين بالبرد والجوع، البؤساء أنفسهم والعراة لا يزالون يملئون الشوارع ببطونهم الخاوية، ففي شارع بابا عزون سقطت امرأة أمام بائع مجوهرات، وقبل أمس امرأة أخرى تدق أبواب المطاعم، لا صاحب المطعم ولا الزبائن رفعوا رؤوسهم حتى لا يفقدوا شهيتهم، منذ 15يوم وجَّهنا نداءً استغاثة قبل حلول الشتاء الكبير، كنَّا ننتظر أن تتخذ السلطات العمومية الاحتياطات الوقائية الواجبة، لكن لم يحدث تغيير في حالة طبيعة الأشياء."54

وفيمقال كان من المفروض أن تنشره صحيفة كومبا في ماي 1945 (منعته الرقابة من الصدور)، ربط "أندري الموهوب عمروش" بين المجاعة والانتفاضة متهماً الإدارة الاستعمارية بالتهاون بقوله: "الأحداث الدموية كانت متوقعة لم تفاجئ أحداً، المؤسف أنّه لم تتخذ الاحتياطات الواجبة، هناك مجاعات مرعبة عمَّت كل القرى الجبلية، مجاعة لم تعرف فرنسا لها مثيل منذ قرون، في الشِّـتاء جمعنا جثث رجال ونساء وأطفال ماتوا من شدة الجوع والبرد، فحصة الفرد الغذائية 7كلغ لا تمثل سوى ثلث الحاجيات الشّهرية ولا تصل كاملة للسكان، بحيث لا يحصل الأهالي إلا على 1/10من حاجياتهم. لذلك فالإدارة مسئولة، لأنها لم تتخذ الإجراءات الضرورية لتغذية المسلمين"55.

لم يتوقف تذمر الجزائريين عند نقص التموين، بل امتد إلى سوء توزيعه من قبل القياد والإدارة الاستعمارية، ومثَّلت الطوابير على مكاتب التوزيع تجمعات للتعبير عن الغضب والسخط من النظام الاستعماري، في الأرياف التضامن بين السكان في تلك المحنة الجماعية اتخذ أبعاداً سياسية، بتلاحم الشعب الجزائري من خلال مقارنة بؤسه برخاء المعمرين.وفي عددها الأخير لـ1945(4ماي) طالبت "المساواة" بحق سكان أولاد جلال في التموين. إلا أن السلطات حسبها تجيب على ذلك بالسجن، فالسكان استدعوا خلال أربع مرات متتالية ليأخذوا تموينهم من الحبوب، وبعض أرباب الأسر تنقلوا لـ200كم، وفي كل مرة يتركون للانتظار، السكان الجائعون الأقوياء في أخذ حقهم من التموين عبَّروا عن رغبتهم في رؤية رئيس البلدية، وأخيراً تم الشروع في عملية التوزيع، لكن الكميات نفذت بسرعة، وأوقف بعض الأشخاص واقتيدوا إلى سجن توقرت. وعلقت الجريدة على ذلك قائلة: من الإجرام تجويع شعب والتصرف في تموينه، يجب اتخاذ عقوبات ضد المعرقلين، مهما كانت درجتهم أو وظيفتهم.56وتحت عنوان "ضد المجوعين وأعمال الطابور الخامس، لأجل إنقاذ الشعب، لأجل وضع حد للحملات المنذرة، عقوبات تفرض نفسها" كتب "المساواة": "تصلنا الكثير من الرسائل التي تحرك المشاعر (عشرون سطر محذوفة)، هناك الآلاف من بني البشر يعانون، شعب بكامله يوجد في حالة مأساة حقيقية، على السلطات العمومية التدخل واتخاذ كل الاحتياطات العلاجات واللازمة".57وفي 8مارس 1945توجهت مندوبية عن حزب أحباب البيان يتقدمها الدكتور سعدان (مستشار عام عن بسكرة في المجلس العمالي لقسنطينة) إلى الحكومة العامة، واستقبلت من طرف الحاكم العام إيف شاطينيو (Yves Chataigneau)، وقدَّمت له عرضاً عن حالة السكان الجزائريين وعن مشكلة التموين خصوصاً التموين بالحبوب.58

أمام ازدياد خطورة الأوضاع وتصاعد حدة الأزمة، وقبل أيام من انتفاضة الثامن ماي وجَّه فرحات عباس -الأمين العام لحزب أحباب البيان والحرية-نداء استغاثة للتضامن والحذر قائلاً: أيها الأغنياء: من واجبكم أن تساعدوا المحتاجين من سكان المدن، في الأرياف؛ الفلاحون ينتظرون بعض إجراءات توزيع الحبوب التي تنقذهم من الموت. أيها المسلمون: أجدادكم كانوا يطبقون ذلك السخاء التقليدي، وفي حالات المحنة يتوحدون ككتلة واحدة، كل الطبقات الاجتماعية لبلادنا تتعاون. أيها الجزائريون من كل الطبقات: يجمعكم نفس الشعور الإنساني، مصلحة مشتركة، الفرصة تمنح لكم في مثل هذه الظروف المأساوية الحالية. ندعوكم لتشكيل كتلة تتحطم فيها كل المزايدات والأكاذيب والاستفزازات والدعوات للقمع.59وحذّرت "المساواة" من خطورة استغلال الظروف المأساوية المتمثلة في وجود الآلاف من الرجال الذين يعانون، وفيما يختار المستفزون هذه الظروف ليضاعفوا من الأعمال التي تثير ردود فعل خطيرة لدى سكان الأرياف"60.

 ويبدو أن السلطات الاستعمارية أدركت خطورة الأوضاع، فقبل الانتفاضة بأشهر عبّر ليستراد كاربونيل والي قسنطينة عن ذلك الهاجس بقوله: "لا أتصور إلى أي مدى يمكن لنا إفشال عمل أعدائنا إذا تركنا المستهلكين وبطونهم خاوية. لا أحد يمكن له أن يقف في وجه رد فعل سكان بؤسهم يجعلهم يشعرون بأنهم لن يخسروا شيئا... التذمر يعم الريفيين المعزولين، نتمنى أن هذه الخشية لن تتحول إلى حالة خطيرة إذا تمت عمليات توزيع الحبوب بشكل منتظم61. ويظهر أن المصالح الاستعمارية تحسبت لحدوث أي طارئ لذلك في عملية استباقية قامت بتسليح المعمرين، وعلق على ذلك بالنسي(Balansi) مدير المصالح الاقتصادية خلال جلسة المندوبيات المالية لـ4ديسمبر 1944قائلاً: إن تسلح المعمرين تحسباً لثورة عربية محتملة يعتبر مفاجأة محزنة"62.

ومن جهة أخرى لا يمكن إخفاء تأثير الدعاية الوطنية لأحباب البيان والحرية وحزب الشعب السري، والتي ترى أن جوهر المشكلة الجزائرية سياسي أكثر منه اقتصادي، وأنَّه بحل المسألة السياسية تحل معها باقي المشاكل، وبالتالي بالنسبة للوطنيين فالمشكلة الجزائرية هي مشكلة نظام استعماري والحل يكون في منح السيادة للشعب. وفي خضم أحداث الحرب العالمية التي عاشها وعايشها الجزائريون بأشكال مختلفة صعَّد حزب الشعب من لهجة خطابه الثوري، فرغم أن الحزب حُلَّ رسمياً عشية الحرب، إلاَّ أنَّه حافظ على تنظيمه وهيكلته في السرية، كما كان يصدر صحف سرية ومنشورات دعائية ذات لهجة ثورية.63وأنكر منشور سري لحزب الشعب صدر بتاريخ 6فيفري 1945كل أشكال السيادة الأجنبية مهما كان نوعها... واعتبر الزعماء: مصالي، الإبراهيمي وعباس أنَّهم لا يمكن لهم القيام بشيء إذا كان الشعب لا يتوفر على الفطنة والشجاعة ليعبِّر عن تضامنه معهم، ووجَّه نداء للشعب الجزائري بقوله: "أيها الإخوة المسلمين، حياة بلادكم في خطر، فقد نظم الاستعمار تخريب البلاد مادياً ومعنوياً... لن نظمن الكرامة التي نتوق إليها إلا في إطار أمَّة جزائرية، مع حكومة حرة قائمة على أساس سيادة الشعب الجزائري".64

وحسب ما جاء في العدد الأول من الصحيفة السرية الجزائر الحرة (باللغة العربية) الذي صدر في سبتمبر 1944فإن الوقت مناسب لمصلحة القضية الوطنية، وحسبه فإن حياة الأمة تكون باستغلال الفرص، لذلك لا يجب تضييع الفرصة الحالية. وقال شعارنا من لا يدافع عن وطنه ولا يبادر بالدفاع عنه سيموت منافقاً مقهوراً.65وعبَّرت "العمل الجزائريAction Algérienne" عن الروح التحررية التي أصبحت تحرك الجزائريين أكثر مما مضى، وحسبها فإن الجزائريون يريدون الحرية مثلما كان عليه الفرنسيون تحت الاحتلال الألماني، الجزائريون يشعرون بوجودهم، يشعرون أنَّهم رجال، شعب، أمَّة، لا يريدون إطلاقاً الاستعباد، يريدون الحرية، لا يريدون أن يعيشوا كخدم مطيع للذين يستغلونهم، ولكن كشعب حر، مفتخر باستقلاله.66وقامت بعقد مقارنة بين المثل التي حملها الجنرال ديغول للشعب الفرنسي وما يتوق إليه الشعب الجزائريّ.67وفي عشية مؤتمر سان فرانسسكو استبشرت في كون المشكلة الاستعمارية ستطرح على طاولة أشغال المؤتمر، ولكن حسبها لا ينبغي انتظار أن المؤتمر سيقرر شيء بشأننا؛ يجب أن نضاعف من الجهود، لأجل حريتنا لا نعول إلاَّ على أنفسنا... فكرة الفيدرالية الفرنسية ما هي إلاَّ استعماراً جديداً وستُحطَّم، لأنها عكس المبادئ المعبَّر عنها في بيان الأطلسي وحق الشعوب في تقرير مصيرها. لنعقد القسم بأن نجعل من هذه السنة عام للكفاح الذي لا ينقطع ضد الامبريالية تحت كل أشكالها لأجل حريتنا واستقلالنا.68

مع اقتراب الحرب العالمية من نهايتها صعَّدت الصحف السرية لحزب الشعب من حدة خطابها التحرري، ففي عددها الأخير لسنة 1944دعت "العمل الجزائري" الشعب الجزائري للتحرك بقولها: انهض أيها الجزائري مصيرك بين يديك، ولا تنتظر نجاتك إلاَّ من عملك بنفسك، نحن شعب له ماضي مجيد، لنا حضارتنا وشرف أجدادنا. تطبيق مبدأ الأطلسي يقوم على حديث النبي (ﷺ): "الجنة تحت ظلال السيوف"، في كل مكان من العالم الرجال يموتون بشكل بطولي لأجل أوطانهم، ولأجل تحطيم الاستعباد، الواجب الوطني يفرض علينا تحطيم السلاسل التي يعمل عدونا المتشدد على الإبقاء عليها.69ويؤكد الأستاذ جون لوي بلانش(Jean Louis Planche)  أنَّ حزب الشعب زاد في إثارة الاضطراب النفسي، فالعدد 12من صحيفة "العمل الجزائري"(السرية) الموزع في القطاع القسنطيني كان حماسي اللهجة، ولا يعدُّ أي شيء أكثر أهمية من حدوث انفجار كبير، وتنبأت الصحيفة بأنه سيأتي يوم تصبح فيه الأمور واضحة إلى حد أن كل العملاء الجهنميين للاستعمار سيصابون بالعمى، ولن يجدوا ملجأ يحتمون به، بل سيبحثون عن المأوى بدون جدوى. فقد انساق حزب الشعب بتأثير الغضب غير مقدِّر للخطر.70

2. طبيعة أحداث ماي 1945حسب الصحف الوطنية هي مؤامرة استعمارية

 لا يمكن من خلال هذا العنصر حصر جملة الأسباب الحقيقية لانتفاضة ماي 1945، ولكن نقوم فقط بعرض كيفية تفسيرها من قبل الصحف الوطنية، والذي خالف وجهة نظر الصحف الاستعمارية والشيوعية، بحيث نجد أنَّ الصحف الوطنية برَّأت الشعب الجزائري والحركة الوطنية من مسؤولية الأحداث الدموية متبنية لفكرة المؤامرة الاستعمارية، وذلك ليس بالمفهوم الشيوعي ولكن بمفهوم وطني، ذلك أنّ الشيوعيين ربطوا المؤامرة بالمجاعة التي خيمت في أرجاء البلاد الجزائرية، باعتبار أنّ سيّاسة التجويع مقصودة من قبل المسؤولين الاستعماريين لإثارة ثورة طعام، أمّا بالنسبة للحركة الوطنية فإن المؤامرة من تنظيم الإدارة الاستعمارية، بهدف ممارسة قمع ضدّ الحركة الوطنية المتنامية والمتحدة في إطار حزب أحباب البيان.

خلال الذكرى الخامسة للأحداث ذكرت صحيفة "الجزائر الحرّة" قائلة: "اغتيالات ماي 1945... هي تجسيد لمخطط وضع لتحطيم التجمع الكبير لحزب أحباب البيان والحرية، الذي مثّل جبهة وطنية حقيقية تحركها عناصر ثورية، بحيث صرح لستراد كاربونيل في 26أفريل1945قائلاً: "عمليات كبيرة ستحدث ضدّ حزب سياسي سيتم حلّه"71. بينما فسّر توفيق المدني ما حدث على أنه جريمة ارتكبت في حق الجزائريين الأبرياء، وعبّر عن ذلك في صحيفة "الإصلاح" (للعقبي)، حيث قال أنَّ السبب الحقيقي للمذبحة هو رغبة المستعمرين في التخلص من أكبر عدد ممكن من المسلمين، وضرب الحركة الوطنية الجزائرية ضربة لا تقوم لها من بعد قائمة، وقد علموا أنّ مظاهرة ستقع بسطيف وببقية البلاد الشرقية احتفالاً بعقد الهدنة، وأنّه خلالها سيرفع العلم الجزائري، فشحنوا ما استطاعوا من جيش ومن طابور، وأعدّوا الطائرات والبارجة، وعزموا على استغلال الفرصة لإعطاء الضربة القاضية72.

وذكرت صحيفة "المساواة" أنّ الاستفزازات قبل الأحداث كانت يومية، وأنّ الأعضاء المسيرين لحزب أحباب البيان كانوا يتعرضون لضغوطات وإهانات كبيرة، وأنكرت أن تكون الأحداث من صنع حزب أحباب البيان، وتساءلت كيف تكون الأحداث من ارتكاب السكان المسلمين الجزائريين ضدّ أنفسهم؟73وبفعل المخاوف التي أثيرت من قبل المستفزين الاستعماريين من أنّ ثورة تلوح في الأفق، قام أعوان الإدارة الاستعمارية قبل الأحداث بتوزيع الأسلحة على المعمرين في المدن والأرياف لمواجهة "الثورة المحتملة"74، وقبل الأحداث أعلن "أبو Abbo" أن اضطرابات خطيرة يمكن أن تفجر في الجزائر، وستحمِل الحكومة لتتراجع عن تطبيق أمرية 7مارس1944. كان متأكد مما يقول، ففي1ماي بدأت تظهر النتائج الأولى للمؤامرة، بمناسبة قيام مظاهرات في بعض المدن الجزائرية التي كانت مسرحاً لاضطرابات لا تبشر بأي خير في المستقبل75. لذلك قامت "المساواة" بنشر نداءات داعية للهدوء، صدرت عن اللجنة المركزية لحزب أحباب البيان وبعضها منع من الصدور، مما ساهم في ازدياد انتشار الخوف في البلاد76. وحتى حزب الشعب الجزائري السري وجّه هو الآخر نداءات للهدوء والحذر من كل الاستفزازات لإفشال المؤامرة الاستعمارية77.

وحول الجو العام قبيل 8ماي جاء في صحيفة "المساواة": "عشية8ماي -يوم انتصار القوى الديمقراطية على الإمبريالية الجرمانية-كان يوماً جديداً ومشرقاً على العالم، ولكنه كان يخفي لبلدنا التعيس سلسلة من ردود فعل الاستعمار، الذي رد بشكل مسلح ضد فرحات عباس والسكان المسلمين الذين كانوا متحدين من أجل كسر الأغلال78. وفي عدد آخر صورت جو الحماس الوطني السائد والأمل في غد أحسن قائلة: "الجزائريون كانوا مجندين بكل حماس، وحَّدوا كل قواهم وراء البيان من أجل كسر الأغلال، فرفعوا لافتات تحمل شعارات: "يحيا انتصار الحلفاء"، "يحيا بيان الأطلسي"، "تحرير غير مشروط لمصالي"، ورفع البعض أعلاماً فرنسية سوفيتية وأمريكية وإنجليزية (الحلفاء)، أضيفت إليها الألوان الجزائرية"79. وبذلك أعطت الصحيفة بعداً وطنياً للمظاهرات برفع الألوان الوطنية، ولافتات فيها شعارات تحررية. وذكرت "صوت الأهالي" -التي كان صاحبها "رابح زناتي" متجنس-أن المظاهرات تنظمت على الطريقة الغربية، فقد كانت مظاهرة سلمية عمومية في الشوارع"80.

تصورت الصحف الوطنية أن ما حدث كان مؤامرة استعمارية استهدفت وقف مسيرة الحركة الوطنية، فالاستعمار الفرنسي حسب صحيفة الوطن ارتاب من الشعب الجزائري الذي أيقظته الحرب الأخيرة فطالب بحقه تحت الشمس، فدُبرت ضده مكيدة 8ماي لأجل أن تعطل سيره نحو التقدم والسيادة، ولإبقائه تحت رحمة القوانين الاستثنائية الجائرة، تحت تصرف أقلية أوربية تتحكم في البلاد والعباد. وقد تم له ما أراد من هذه المكيدة، بفضل المدافع والرشاشات ووسائل التعذيب، وقتل أبناء الجزائر وبناتها بنفس الأسلحة التي كان الجزائريون يصوبونها إلى صدور أعداء فرنسا، وهذه نهاية الاعتراف بجميل الشعب الجزائري الذي مات ليحي الاستعمار الفرنسي، وجاع ليشبع الاستعمار، وشح على نفسه ليوسع على الاستعمار، فليتدبر من يحسن الظن بالاستعمار الفرنسي ولا ينخدع بأقواله المعسولة التي تخفي وراء حلاوتها الغدر والقسوة.81  أمَّا المساواة التي منعت بعد أحداث 08ماي فقد خصصت كامل عددها 35)أول عدد تصدره سنة 1946( للأحداث ولموقف أحباب البيان منها، وعنونت أحد مقالاتها: "كيف تم خنق صوت الجزائر المسلمة لأجل السماح للرجعية الاستعمارية بمواصلة عملها الإجرامي"، وفيه ذكرت أن الرجعية الاستعمارية أنذرت أن اتحاد السكان المسلمين قد استكمل، وأن الديمقراطيين الفرنسيين أصبحوا يؤكدون أكثر فأكثر تفهمهم لمطالبنا المشروعة، لذلك حسبهم يجب تحطيم هذا التحالف القوي والنزيه مهما كلف ذلك، بنشر الشعور بتهديد الكتلة المسلمة وعزمها على القيام بالحرب الأهلية، وتصرف الاستعمار بهذا الشكل أمام الرأي العام المتروبولي لأجل إرغام أوربيو هذه البلاد على الالتفاف حول أنفسهم.82

ركّزت الصحف الوطنية في تناولها للأحداث على رد فعل الاستعمار العنيف ضد المتظاهرين، الشيء الذي حوّل المظاهرة إلى مجزرة وجعل الحماس يتحول إلى حزن، فخاطبت صحيفة "المغرب العربي" الثامن ماي قائلة: "إنَّك لقوم يوم فرح وعرس، وإنك لقوم آخرين يوم قرح ونحس".83بينما حذرت البصائر من الخطأ في تسمية 8ماي؛ "إذا سماه من شاء في أطراف هذا العالم بيوم النصر... فهيهات أن نسميه نحن كذلك، في بلاد لا يزال الاستعمار الذي عجمنا أعواده يعيث في الأرض فساداً"84.  وحسب "المغرب العربي" فإنّ الحقد الاستعماري انفجر في الوقت الذي كان فيه الجزائريون يحضّرون للاحتفال مثل سائر الشعوب الأخرى بالانتصار على البربرية، ذلك الانتصار الذي قدّموا له دماؤهم فتجمع بعض الآلاف في سطيف للتعبير عن ارتباطهم بالحرية، ومثل ذلك مناسبة للمستعمر حتى يستخدم رشاشاته ومدافعه للانقضاض على الجزائريين الذين لم يكن لهم أي دفاع، فالإمبريالية الفرنسية لا تزال تتنفس الروح الصليبية لبيجو وسانت أرنو"85. وشبّهت البصائر الاستعمار في ذلك اليوم بالبركان قائلة: "في هذا اليوم المشؤوم فاض الاستعمار كالبركان، وقذف كل ما في أحشائه من النار والحمم اليحموم، فذبَّح تذبيحاً، وقتَّل تقتيلاً، ووصف "باعزيز بن أعمر" الأحداث بأنها ثورة قومية حمراء دامية، لم تودعها قرارة أنفسنا، تستضيء بنورها.86وردت الصحف الوطنية على وصف الحركة الوطنية بأنها هتلرية، باعتبار مقترفي المجازر هم الهتلريون الحقيقيون، فذكرت "المساواة ": الأحداث طبعاً ليست جزائرية ولا فرنسية، ولا جمهورية ديمقراطية ولا مسيحية ولكن فاشية؛ هتلر مات ولكن الرسالة التي أرادت الامبريالية الفرنسية أن توجهها إلينا "يحيا هتلر".87

 وفيما وعد الشيخ العلامة الإبراهيمي شهداء 8ماي بعدم نسيان ذكراهم، وبأسلوبه الأدبي كتب في الذكرى الثالثة للمجازر قائلاً: "يوم مظلم الجوانب بالظلم مطرز الحواشي بالدماء المطلولة، مقشعر الأرض من بطش الأقوياء مبتهج السماء بأرواح الشهداء،خلعت طبيعتها فلا حياة ولا نور.88وبينت الصحف الوطنية كيف أن القمع كان أعمىً لم يفرق بين الجزائريين، مما أعطى للأحداث بعداً عنصريًا وعرقياً، بحيث رشاشات المليشيات لم تفرق بين لابس المعطف ولا لابس البرنوس، وواضع القبعة على رأسه أو واضع الشاشية. وحول شدّة القمع ذكرت "المساواة" خلال عدة أسابيع اجتاح المرتزقة الأكواخ البسيطة لقرويينا زارعين المجازر والآلام، في سطيف، في البابور، الفلاحون الذين أبناؤهم كانوا لا يزالون يحاربون في ألمانيا سقطوا بالآلاف89. وفي عدد آخر وصفت مشاهد القمع قائلة: "العديد من الدواوير والقرى والأحياء نهبت ودمرت عن آخرها، في ضواحي سطيف وقالمة الشهداء عدّوا بالآلاف رجالاً ونساء، فسقط الشيوخ والأطفال ضحايا أبرياء".90

واستمرت الصحف الوطنية في كل مناسبة في التذكير بمآسي 8ماي، وحول الدوافع الاستعمارية لإثارة المأساة، ذكرت "المساواة" في الذكرى الرابعة للأحداث (06.05. 1949):" مجازر 8ماي تعتبر الأكثر وحشية وهمجية في سلسلة المؤامرات التي أراد الاستعمار من خلالها العيش مستأثراً بالامتيازات، وهو يريد إرغام الشعب الجزائري بكامله ليظل منطوياً على نفسه".

خاتمة

مثّلت ظروف الحرب العالمية والأزمة الاقتصادية الحادة الناتجة عن الجفاف حطباً زاد من اشتعال الحماس الوطني الذي توقدت منه نار انتفاضة 8ماي، وبالتالي نستنتج أن عامل المجاعة لم يمثل السبب الأساسي للانتفاضة (حسب وجهة نظر الشيوعيين)، بل كان عاملاً مكملاً لعوامل ترتبط أساساً بالتطورات والتأثيرات التي أفرزتها الحرب العالمية ولاعدالة النظام الاستعماري ونشاط الحركة الوطنية. ومع أن الشيوعيين تصوروا أن توفير الغذاء "للجياع" سيحل المشكلة، إلا أن المشكلة من منظور الحركة الوطنية أعمق من قضية نقص الطعام، التي يتحمل مسؤوليتها النظام الاستعماري نفسه، فالقضية بالنسبة للوطنيين هي أنَّه حتى وإن وفَّر المستعمر الغذاء مثلما طالب بذلك الشيوعيون، فإن ذلك لن يوقف المد الوطني لأجل استعادة السيادة المغصوبة، وذلك ما يمثل جوهر كل مشاكل الجزائر.

 وبالنظر إلى الطابع السياسي الذي طبع مظاهرة 8ماي والانتفاضة التي تبعتها، فإن الجماهير الشعبية خلالها برهنت عن وصولها لدرجة كبيرة من النضج، ذلك النضج الذي عبّر عن نجاح العمل البسيكولوجي للحركة الوطنية (التوعية السياسية)، وأنه لم يبق سوى تفعيل العمل الوطني وتجنيد الجماهير أكثر. ومن جهته فإن النظام الاستعماري لم يستخلص الدروس من الأحداث، رغم أن الجنرال دوفال -القائل: "ضمنت السلم لعشر سنوات"-قد دعا إلى ضرورة إحداث تغييرات وإصلاحات شاملة خلال تلك العشرية لضمان عدم تجدد الاضطرابات، إلاَّ أنَّه بعد أقل من تلك المهلة انفجرت ثورة أول نوفمبر 1954.


1.  Liberté, journal hebdomadaire,  organe du PCA, rédacteur en chef : Bachi Hadj Ali, 10janvier 1946.

2. Liberté, 06décembre 1944.

3. Liberté, 04Janvier 1945.

4. Liberté, 28Janvier 1945.

5. Liberté, 10Janvier 1945.

6. Liberté, 24mai 1945.

7. Liberté, 22mars 1945.

8. Alger républicain, quotidien communisant, rédacteur en chef : Michel Rozet,  02 mars 1945.

9.عشية الحرب العالمية الثانية نشرت الصحف الاستعمارية الكبرى تحقيقات حول حالة الجزائر، ارتكزت أساساً على إبراز الإمكانيات السياحية، وكان ذلك حال صدى الجزائر (Echo d’Alger) التي نشرت ربورتاجاً حول حالة البؤس في الصحراء والذي ردت أسبابه لقسوة الطبيعة والحرارة الشديدة، بينما نشرت مقالاً لروني جانون (René Janon) يصف جمال مناظر القبائل، لذلك أراد الشاب الصحفي ألبير كاميAlbert Camus(جائزة نوبل للأدب سنة 1957) أن يقدِّم الصورة الحقيقية للقبائل والمتمثلة في البؤس. قامت الجزائر الجمهورية بنشر تحقيق كامي ما بين 5 و15جوان 1939. ولكن كامي لم يتمكن من استكمال تحقيقه بفعل ظروف الحرب العالمية، لذلك دخل الجزائر قبل إعلان نهاية الحرب، وتزامن ذلك مع وقوع انتفاضة ماي 1945 فقام بالربط من جديد بين الانتفاضة وحالة البؤس والمجاعة في مقالات نشرها في صحيفة كومبا(Combat) الباريسية خلال شهري ماي وجوان 1945، وفيها أعطى الأحداث أبعاداً سياسية أكثر منها اقتصادية اجتماعية بحيث عنون إحداها: أحباب البيان والحرية، ومقال آخر بـ "الجزائر بحاجة إلى سفن من العدالة".

10. Albert Camus,1958,  misère de Kabylie, article parus dans Alger républicain, voir : actuelles, chronique algérienne, 20° édition, Gallimard, Paris VII°, P 38.

11. Ibid. P 40.

12.Ibid. P 43.

13. Liberté, 10janvier1946.

14. Liberté, 31Janvier 1945.

15. Liberté, 12avril 1945

16.Liberté, 22février 1945.

17. Liberté, 16février 1945.

18.Albert Camus, op cit P. 47.

19.Ibid.

20.Ibid.

21.Liberté, 19avril 1945

22. Liberté, 03février 1945.

23. Démocratie, hebdomadaire radicale et radical-socialiste, directeur politique Emile Lombardi. 24aout 1944.

24. Redouane AÏNAD TABET, 1987,Le Mouvement du 8mai 1945en Algérie, 2°ed, OPU, Alger. P.30.

25.Ibid.

26.Liberté, 26avril 1945.

27.Liberté, 25janvier, 1945.

28.Humanité, organe hebdomadaire du PCF, rédacteur en chef : Marcel Cachin,  12Mai 1945.

29.Ibid.

30.Fraternité d’Algérie, hebdomadaire du parti socialiste (SFIO) en Algérie, 11janvier 1945.

31. Humanité, 25Octobre 1944.

32.Alger républicain, 19Mai 1945.

33. Humanité,  11Mai 1945.

34. Liberté, 26Avril 1945.

35. Humanité, 11Mai 1945.          

36.Liberté, 12Mai1945.

37. Ibid.

38.  Le populaire, 17Mai 1945.

39.Humanité, 09Novembre 1945.

40. Humanité, 14Mai 1945.

41.Fraternité, 24  janvier 1945.

42. Liberté, 29Décembre 1945.

43.Le Monde, 12Mai 1945.

44.Henry BENAZET, 1947, l’Afrique française en danger, librairie Athènes Fayard, Paris, P54.

45.BoucifMekhaled, 1995, Chronique d'un massacre, 8mai 1945, Sétif, Guelma,Kherrata, édition, SYROS. Paris,P60.

46.Egalité, organe du manifeste algérien, directeur politique : Ferhat Abbas, rédacteur en chef : Azziz Kessous, 22septembre 1944.

47.Egalité, 20Octobre 1944.

48.BoucifMekhaled, P.61.

49.Egalité, 20décembre 1946p2

50.Egalité, 29septembre 1944.

51.Mahfoud Keddache, histoire du nationalisme algérien, tome II, ENAL, Alger, 1993. P 681.

52.Egalité, 29septembre 1944.

53.Egalité, 23septembre 1944.

54.Egalité, 13Janvier 1945.

55.Jean Andrée AMROUCHE, 1954, Un algérien s’adresse aux français,ou l’histoire d’Algérie par les  textes, 1943-1961, AwalArmattan, Paris, P. 147.

56.Egalité, 04Mai 1945.

57.Egalité, 05Avril 1945.

58.Egalité, 23Mars 1945.

59.Egalité, 27Avril 1945

60.Egalité, 27Mars 1945.

61.Boucif  Mekhaled, op. cit, P 63. 

62.Egalité 15décembre 1944.

63.من أبرز الصحف السرية التي أصدرها حزب الشعب خلال الحرب العالمية الثانية:  العمل الجزائري(Action Algérienne)باللغة الفرنسية، وصوت الرجال الأحرار باللغة العربية وهي صحف شهرية، صدر العدد الأول من العمل الجزائري في جانفي 1944، كانت تصدر خلال النصف الأول من كل شهر، ورغم اجتهاد مصالح الشرطة والاستعلام الاستعمارية لإيجاد مطبعة الصحيفة وناشريها، إلاَّ أنَّها لم تفلح في ذلك، وهذا رغم أنَّه في كل شهر تصدر فيه الصحيفة تحصل مصالح الشرطة على نسخة منها.ANOM (Aix En Pce), Algérie, Département d’Alger, 4i/179, action algérienne, journal clandestin.. ترجمت محتويات تلك الصحف والمنشورات الروح التحررية التي هبت على الجزائر بفعل تأثير ظروف الحرب العالمية الثانية، واعترضت بشدة الروح الرجعية التي تحرِّك الإمبرياليين الاستعماريين.كما عبَّرت عن الآمال التي كانت تحملها الجماهير والتي رافقت توجه الأطراف الوطنية الثلاثة نحو التوحد في إطار بيان الشعب الجزائر لفيفري 1943، وحزب أحباب البيان والحرية الذي تأسس بعده(مارس 1944). وحسب تصريح للبرلماني القسنطيني بول كيطولي فإن تلك المنشورات والصحف السرية كانت لها أصداء واسعة في أوساط الجماهير، وأن قادة الحزب كانوا يوجّهون نداءات تحريضية للشباب المسلم، الذي تم تنظيمه في جمعيات الكشافة، التي أصبحت تمثِّل خصماً عنيدًا لكل تأثير فرنسيDépêche  de Constantine, 17juillet 1945

64.Le monde, 8-9juillet 1945.

65.الجزائر الحرة، جريدة سرية تصدرها مجموعة من الشباب الوطني، العدد الأول، سبتمبر 1944.

66.Action Algérienne, N° 02févr.  1944.

67. خاطبته بقولها:"ديغول لا يفهم الجزائريين. فأنت تمثل لشعبك كل مثل بلادك، تمثل الذين فضلوا الحرب على الاستعباد، الحرية على النازية، تمثل الذين يؤمنون بمصير بلادهم، الذين يؤمنون بعظمته، الذين لهم الشعور العظمة والكرامة البشرية، تمثلون الذين تحملوا المصاعب لأجل أن ليكون للأجيال أفضل مستقبل. أنت مشعل الحرية بالنسبة لشعبك ولكل العالم، نحن الجزائريون معجبون بمهمتكم، كفرنسي كبير، ووطني كبير وديمقراطي كبير، ولكن نحن الجزائريون لدينا نفس الأفكار مثلكم، مثلكم نريد أن نكون أحراراً في بلادنا، مثلكم نريد أنه في الجزائر كل المواطنين فقراء كانوا أم أغنياء يكونون متساوين أمام القانون، لا نريد أن نكون شيء آخر سو جزائريين، مثلكم تتصورون أن فرنسا لن تكون سعيدة إذا ما سيرت من قبل أجانب، نعتقد أن جزائر حرة وسعيدة ستكون مسيرة من قبل جزائريين، نريد أيضاً أنه في إطار كرامتنا الإنسانية نريد أن تكون الجزائر أمَّة، لها شخصيتها تصبح دولة، نريد أن يصبح الجزائريون متساوين فيما بينهم، ينتخبون برلماناً بالاقتراع العام، نريد أن نعيش باعتبارنا جزائريين، لا نحب الخونة والتباع، وبسبب ذلك قانون يا ديغول لم يلق الترحيب الشعبي. تمنحون الحقوق لأقلية، والبقية ما ذا بشأنهم؟ الفقراء بدون شهادات، بدون أملاك، هم من يحتاج للحماية الحقيقية. ولكن ما الذي ستصبح عليه حضارتنا؟ أتتصورون أننا نسينا أصولنا؟... لكن الجزائر ستصبح جزائرية بحكومة جزائرية، سنكون رجالاً أحراراً".Action Algérienne, N° 03, mars  1944.

68.Action Algérienne, N° 02févr.  1945.

69.Action Algérienne, N° 10, décembre  1944.

70.جون لويس بلانش، 2007، سطيف1945، بوادر المجزرة، ترجمة عزيزي عبد السلام وآخرون، دار القصبة للنشر، الجزائر، ص 158.

71.Algérie Libre, organe du PPA-MTLD, directeur politique Ahmed Mezrena, 15Mai 1950.

72. أحمد توفيق المدني، 1984، حياة كفاح، الجزء الثاني، الطبعة الثانية، المؤسسة الوطنية للكتاب، الجزائر، ص. 98.

73.Egalité, 01Aout 1947

74.Egalité , 15Aout 1947.

75.Egalité, 08Aout 1947.

76.Egalité, 01Aout 1947.

77.Algérie libre, 15Mai 1950.

78. Egalité, 01Mai 1947.

79. Egalité, 12Septembre 1947.

80.Voix Indigène, journal d’union franco-musulmane, directeur: Rabeh Zenati,  03Mars 1947.

81. الوطن، جريدة نصف شهرية، لسان حال حزب الاتحاد الديمقراطي للبيان الجزائري، المدير السياسي فرحات عباس، 31ماي 1949.

82. Egalité, 16Aout 1946.

83. المغرب العربي،جريدة أسبوعية لحزب الشعب الجزائري-حركة الانتصار للحريات الديمقراطية، المدير المسير: السعيد الزاهري، 05ماي 1949.

84.البصائر، ملك جمعية العلماء المسلمين ولسان حالها، شعارها العروبة والإسلام، صاحب الامتياز ورئيس التحرير: محمد البشير الإبراهيمي، 12ماي 1952.

85. El-maghrib El-Arabi, supplément français, organe du PPA-MTLD, directeur gérant : Saïd Zahiri, 29Avril 1949.

86.البصائر، 12ماي 1945.

87.Egalité, 06Mai 1949.

88.استدرج الشيخ في مقال مطول نشرته البصائر في 31ماي 1948: "فقد فتح الناس أعينهم في يوم واحد على بشائر تدق بالنصر وعلى عشائر من " المنتصرين" تساق للنحر، وفتحوا آذانهم على مدافع التبشير (بالنصر) وأخرى للتدمير، وعلى أخبار تؤذن بأنّ الدماء رقأت في العالم كله، وأخرى تقول إن الدماء أريقت في جزء صغير من العالم، وبأنّ الحرب انتهت مساء أمس ببرلين، وبدأت صباح اليوم بالجزائر. فيما بين خطرة البرق بين الغرب والشرق، أعلنت حرب من طرف واحد وانجلت في بضعة أيام عن ألوف من القتلى العزل الضعفاء، وإحراق قرى وتدمير مساكن واستباحة حرمات ونهب أموال، وما تبع ذلك من تغريم وسجن واعتقال، ذلكم هو يوم 8ماي...؛ يا يوم!....... لك في نفوسنا السّمة التي لا تمحى والذكرى التي تنسى، فكن من أية سنة شئت، فأنت يوم 8ماي وكفى، وكل ما لك علينا من دين أن نحيي ذكراك، وكل ما علينا من واجب أن ندون تاريخك في الطروس لئلا يمسحه النسيان من النفوس.

89.Egalité, 09Mai 1947.

90.Egalité, 30Octobre 1947.

@pour_citer_ce_document

عبد السلام عكاش, «تفسير الصحافة الشيوعية وصحافة الحركة الوطنية لدور المجاعة ضمن أسباب انتفاضة 08 ماي 1945»

[En ligne] ,[#G_TITLE:#langue] ,[#G_TITLE:#langue]
Papier : ,
Date Publication Sur Papier : 2016-10-06,
Date Pulication Electronique : 2016-10-06,
mis a jour le : 17/10/2018,
URL : https://revues.univ-setif2.dz:443/revue/index.php?id=1502.