آلية التّقابل المصطلحي ودورها في تيسير الدّرس الصّوتي عند تمّام حسّان
Plan du site au format XML


Archive: revues des lettres et sciences sociales


N°01 Avril 2004


N°02 Mai 2005


N°03 Novembre 2005


N°04 Juin 2006


N°05 Juin 2007


N°06 Janvier 2008


N°07 Juin 2008


N°08 Mai 2009


N°09 Octobre 2009


N°10 Décembre 2009


N°11 Juin 2010


N°12 Juillet 2010


N°13 Janvier 2011


N°14 Juin 2011


N°15 Juillet 2012


N°16 Décembre 2012


N°17 Septembre 2013


Revue des Lettres et Sciences Sociales


N°18 Juin 2014


N°19 Décembre 2014


N°20 Juin 2015


N°21 Décembre 2015


N°22 Juin 2016


N° 23 Décembre 2016


N° 24 Juin 2017


N° 25 Décembre 2017


N°26 Vol 15- 2018


N°27 Vol 15- 2018


N°28 Vol 15- 2018


N°01 Vol 16- 2019


N°02 Vol 16- 2019


N°03 Vol 16- 2019


N°04 Vol 16- 2019


N°01 VOL 17-2020


N:02 vol 17-2020


N:03 vol 17-2020


N°01 vol 18-2021


N°02 vol 18-2021


N°01 vol 19-2022


N°02 vol 19-2022


N°01 vol 20-2023


N°02 vol 20-2023


A propos

avancée

Archive PDF

N° 23 Décembre 2016

آلية التّقابل المصطلحي ودورها في تيسير الدّرس الصّوتي عند تمّام حسّان


أسمهان مصرع
  • resume:Ar
  • resume
  • Abstract
  • Auteurs
  • TEXTE INTEGRAL
  • Bibliographie

في هذه الورقة البحثية تظهر آلية التّقابل المصطلحي جليّة في النّظام الصّوتي بوصفه أحد أنظمة اللّغة العربية، وتتجلّى عند تمّام حسّانفي طائفة من المتقابلات على سبيل التّخالف أو التّضاد، نحو:

الفونيتيك والفونولوجيا، الصّوت والحرف، الصّحاح والعلل، الشّدة والرّخاوة، الجهر والهمس، الإطباق والتّغوير، التّفخيم والتّرقيق... ولهذه الأخيرة دور مهم في تيسير الدّرس الصّوتي؛ لأنّ ماهية أيَّ عنصر تُعرف بذكر ما يخالف هذا الأخير، وكذا لأنّ الأشياء تُعرف بأضدادها.

الكلمات المفاتيح: آلية، التّقابلالمصطلحي، التّيسير، الفونتيك، الفونولوجيا، الصّوت، الحرف

 

Notre recherche s'intéresse au mécanisme de la terminologie contrastive, celle-ci  est apparente dans le système de la langue arabe en général, et le système phonétique en particulier. Tammâm Hassân manifeste un ensemble d'équivalences opposées, tels : phonétique et phonologie, phonème et morphème, consonnes et voyelles, rigidité et mollesse, déclamation et chuchotement, dislocation et extraction, amplification et aiguisement. Ce dernier joue un rôle important dans la simplification du cours de phonologie, car l'essence de tout élément se connait par son opposé, par ailleurs, on connait les choses par leurs contraires.

Mots clés : Mécanisme, Terminologie Contrastive, Simplification, Phonétique, Phonologie, Phonème, Morphème.

Our research paper focuses on the mechanism of contrastive terminology is clearly shown in the system of the Arabic language in general, and in the phonetic system in particular. Tammâm Hassân demonstrates a set of opposed equivalencies like phonetics and phonology, phoneme and morpheme, consonant and vowel, rigidity and softness, declamation (loudness) and whisper, disruption and extraction, amplification and attenuation. The latter plays an important role in simplifying the course of phonology, because the essence of every element is determined by its opposite, furthermore, we determine things by their opposites.

Key words:Mechanism, Contrastive Terminology, Simplification, Phonetics, Phonology, Phoneme, Morpheme

.

Quelques mots à propos de :  أسمهان مصرع

أستاذ مساعد أ، كلية الآداب واللغات، جامعة محمد لمين دباغين سطيف2

انطلاقا من التّقابل المصطلحي بين: المعيارية و الوصفية تجدر الإشارة إلى أنّ تمام حسّان قد أبحر في المناهج اللّغوية الحديثة، وتمكّن من فهم إجراءاتها ولم يكتف بتناولها نظريا؛ إذ طبّق المنهج الوصفي بآلياته المتعدّدة على اللّغة العربية الفصحى. ويظهر ذلك جليا في مؤلّفاته الّتي   "تعدّ حتّى الآن هي الأساس الوحيد لدراسة اللّغة دراسة علمية جادّة "1.

إنّ التّقابل المصطلحي يكون بين مصطلحين أو أكثر ممّا يساعد على التّمييز بين معاني هذه المتقابلات. ويرى تمّام حسّان أنّ "كلّ نظام من أنظمة اللّغة العربية [والنّظام الصّوتي واحد من هذه الأنظمة ينبني ] على طائفة من المقابلات أي أنواع التّخالف"2أو التّضاد؛ فمن أمثلة التّخالف: التّقابل بين اللّغة والكلام، وبين الفونتيك والفونولوجيا، وبين الصّوت والحرف، ومن أمثلة التّضاد: التّقابل بين الصّحاح والعلل، وبين الشّدة والرّخاوة، وبين الجهر والهمس، وبين الإطباق والتّغوير، وبين التّفخيم والتّرقيق،و فيما يأتي تفصيل ذلك :

أوّلا - التّقابل المصطلحي بين اللّغة و الكلام:

   يمهّد تمام حسّان حديثه عن الأصوات بالتّمييز بين اللّغة و الكلام؛ فيرى أنّ اللّغة هي النّظام المجرّد في ذهن الجماعة اللّغوية المعيّنة، وتدرس عن طريق مناهج متعدّدة: الدّلالة، والأسلوب، والمعجم، والنّحو والصّرف، والتّشكيل الصّوتي. في حين يرى أنّ الكلام هو النّشاط الّذي يقوم به المتكلّم في الموقف المعيّن طبقا لصورة صوتية ذهنية، ويُدرس عن طريق منهج الأصوات3.

و يفرّق تمام حسّان بين طابع عمل المتكلّم و بين طابع عمل اللّغوي؛ فيرى أنّ اللّغة بالنّسبة للمتكلّم معايير تُراعى، و بالنّسبة للباحث ظواهر تُلاحظ. وهي بالنّسبة للمتكلّم ميدان حركة، وبالنّسبة للباحث موضوع دراسة. وهي بالنّسبة للمتكلّم وسيلة حياة في المجتمع، وبالنّسبة للباحث وسيلة كشف عن عرف المجتمع. والمتكلّم يشغل نفسه بواسطتها والباحث يشغل نفسه بها. ويُحْسِنُ المتكلّم إذا أحسن القياس على معاييرها،  ويُحْسِنُ الباحث إذا أحسن وصف نماذجها.

و ينظر تمام حسّان إلى اللّغة و الكلام من زاوية جديدة - هي طبيعة كلّ منهما وتكوينه - فيرى أنّ: الكلام عمل واللّغة حدود هذا العمل. والكلام سلوك واللّغة معايير هذا السّلوك. والكلام نشاط واللّغة قواعد هذا النّشاط. والكلام حركة واللّغة نظام هذا الحركة. والكلام يُحَسُّ بالسّمع نطقا وبالبصر كتابة، واللّغة تفهم بالتّأمّل في الكلام. والكلام قد يحدث أن يكون عملا فرديا، ولكن اللّغة لا تكون إلاّ اجتماعية4. ويشير إلى أنّ "الكلام في النّهاية هو التّطبيق العملي لشروط اللّغة؛ أي وضع الجهاز اللّغوي السّاكن في ظروف عمل وحركة"5.

   و ممّا سبق ذكره يتّضح أنّ الكلام يُدرس في حقل علم الأصوات أي الفونيتيك، أمّا اللّغة فتُدرس في حقول متعدّدة منها ما يرتبط بالصّرف والنّحو، ومنها ما يرتبط بالدّلالة والمعجم، وكلّ ذلك يصبّ في منهج التّشكيل الصّوتي أي الفونولوجيا.

ثانيا- التّقابل المصطلحي بين الفونيتيك و الفونولوجيا:

على الباحث أن يحترم درجات سلّم البحث في نظام اللّغة، بتسبيق دراسة الصّوت عن سائر أنظمة الدّراسة اللّغوية؛ إذ يرى تمام حسّان أنّ " للبحث في نظام اللّغة درجات منتظمة في رتبة محفوظة لا يمكن تجاهلها، لأنّ كلّ درجة منها تبدأ من حيث انتهت سابقتها، غير أنّ أولى هذه الدّرجات ( وهي درس الأصوات اللّغوية ) لا يسبقها إلاّ إدراك المسموع من الكلام بلغة ما"6.  

وهذه سيرة الأقدمين من علمائنا الأجلاّء؛ فقد تفطّنوا إلى أنّ اللّغة العربية لا يمكن أن يُفهم نحوها و صرفها فهما صحيحا إلاّ بعد دراسة أصواتها. فسيبويه كان على وعي تامّ بأنّ دراسة الأصوات مُقدِّمة لا بدّ منها لدراسة اللّغة، وأنّ النّظام الصّوتي ضروري لمن أراد دراسة النّظام الصّرفي وغيره7.  

و دراسة الصّوت تقوم على محورين متقابلين؛ أحدهما يربط الأصوات بالكلام ويسمّى: علم الأصوات، والآخر يربط الحروف باللّغة ويسمّى: علم التّشكيل الصّوتي. ولتوضيح ذلك يشير تمام حسّان إلى قول تروبتسكوي:" إنّ علم دراسة أصوات الكلام هو علم الأصوات، وعلم دراسة أصوات اللّغة هو علم التّشكيل الصّوتي"8.

و قد تحدّث تمّام حسّان عن محوري دراسة الصّوت سابقي الذّكر في كتابه:مناهج البحث في اللّغة 9فنعت الأوّل بمنهج الأصوات  - الفوناتيك، وسمّى الثاني بمنهج التّشكيل الصّوتي - الفونولوجيا. و في كتابه: اللّغة العربية معناها و مبناها10خصّص الفصل الثّاني للمحور الأوّل، وسمّاه: الأصوات؛ ويقصد به ما تشير إليه النّظرية اللّغوية الحديثة بمصطلح: Phonetics؛ أي الدراسة الصّوتية الّتي تقوم على الملاحظة والتّسجيل والوصف للجوانب الفسيولوجية والنّطقية والسّمعية والآثار المصاحبة لها دون النّظر إلى وظائف الأصوات داخل اللّغة11. وخصّص الفصل الثّالث للمحور الثّاني و سمّاه: النّظام الصّوتــي أو علم الصّوتيات؛ ويقصد بهما ما تشيــر إليه النّظرية اللّغويــة الحديثــة بالمصطلح الإنجليــزي: Phonology؛ أي دراسة الأصوات من حيث هي نظــــــام داخل لغة معيّنة، وهذه الأصوات لها وظائف مميّزة12.  

و يرى تمّام حسّان أنّ الفرق بين علم الأصوات وعلم الصّوتيات ينعكس على من يشتغل بهما؛ فعالم الأصوات ملاحظ ومُسجّل، وعالم الصّوتيات مفسّر ومنظّم ومقعّد13.  

ثالثا- التّقابل المصطلحي بين الصّوت والحرف:

 لقد جرت العادة في اللّغة العربية، على أنّ اصطلاحالحرفيُطلق على مفهوم واسع؛ فيشمل الحرف بمفهومه الأبجدي التّقسيمي، ويشمل الحرف بمعناه الرّمزي الكتابي. والحديث عن الحرف بمفهومه الأبجدي التّقسيمي، يُحيل إلى الحديث عن تقسيم عربي أبجدي فكري لحروف لا تُنطق لأنّها أقسام لا أصوات14،وهذه الأقسام تُعرف في الدّراسات اللّغوية الحديثة باصطلاح الفونيمات أو الحروف. وأمّا الحديث عن الحرف بكونه الخط الرّمزي الكتابي، فيرى تمّام حسّان أنّ الحروف ليست هي تلك الصّورة الكتابية الّتي تخطّها، فهذه رموز كتابية إلى الحروف. و ليست الحروف هي ما تنطقه بلسانك أثناء الكلام، فهذه أصوات. ولكن الحروف هي أقسام يشمل كلّ منها عددا من هذه الأصوات15.

أمّا الصّوت فهو" عملية [ نطقية ] حركية يقوم بها الجهاز النّطقي، وتصحبها آثار سمعية تأتي من تحريك الهواء فيما بين مصدر إرسال الصّوت وهو الجهاز النّطقي، ومركز استقباله وهو الأذن"16.  

و إذا كانت الأصوات تدخل في نطاق حاسّة السّمع والبصر وفي العمليات الحركية فإنّ الحروف تدخل في نطاق الفهم، فكلّ حرف منها هو عنوان مجموعة من الأصوات يجمعها نَسَبٌ معيّن، فهو فكرة عقلية. وإذا كان الصّوت ممّا يوجده المتكلّم فإنّ الحرف ممّا يوجده الباحث. و لكلّ حرف رمز في الكتابة التّشكيلية. وعدد الأصوات في كلّ اللّغات تقريبا أكثر من عدد الحروف17.

رابعا- التّقابل المصطلحي بين الصّحاح والعلل:

يُفرّق تمّام حسّان بين: الصّحاح Consonants، والعلل vowels.و يرى أنّ الباحثين لم يستقرّوا على تعريف لهما يقبله الجميع. و يُسلّط الضّوء على الأسس الّتي بنى عليها العلماء التّفريق بين الصّحيح والعليل متناولا إياها بالشّرح النّقد، متدرّجا في استقراء الأسس الآتية:

الأساس الأوّل:ويضمّ الجانب الفسيولوجي.  

الأساس الثّاني:ويضمّ  الجانب الصّوتي.

الأساس الثّالث:ويضمّ الجانبين الفسيولوجي و الصّوتي معا.

الأساس الرّابع:ويصمّ التّطريز اللّغوي؛ الوظيفة و التّوزيع18.

و يُشير تمّام حسّان إلى أنّ التّداخل كبير حدّ الخلط بين علم الأصوات وعلم التّشكيل الصّوتي في التّفريق بين الصّحاح والعلل، انطلاقا من الأسس سابقة الذّكر، فأمّا العلم الأوّل فيشمل الأساسين الأوّل والثّاني متفرّقين أو مجتمعين. وأمّا العلم الثّاني فيتناول الصّحاح والعلل من ناحية الأساس الأخير أي التّطريز اللّغوي الّذي يضمّ الوظيفة والتّوزيع.

و بعد تحليل تمّام حسّان للأسس السّابقة نقضها بعد أن نقدها جملة؛ وفيما يأتي تفصيل ذلك:

رأى أنّ الأساس الأوّل القائم على المدخل الفسيولوجي قاصر على التّفريق بين الصّحاح والعلل؛ على أنّ الأولى - الأصوات الصّحيحة - يحدث معها تضييق في مجرى الهواء أو إقفال تام له، و أنّ خاصية الثّانية - أصوات العلّة - غياب أيّ تضييق أو سدّ في مجرى الهواء. ويؤكّد على أنّ هذا التّفريق سطحي مصطنع لأنّه يعتمد على مادة من خارج اللّغة، بعد قطع الصّلة بين هذه المادّة وبين بيئتها الأصلية الّتي هي علم الفسيولوجيا، لأنّ الصّحاح والعلل في علم التّشكيل الصّوتي حروف لا أصوات؛ أي أنّها ليست حركات تشرّحها الفسيولوجيا، ولهذا - كما يرى تمام حسّان- ليس من الدّقة أن نقول حرف العلّة لا يوجد في نطقه تضييق ولا سدّ في  مجرى نطقه، لأنّ الحروف لا تُنطق، وإنّما تُنطق الأصوات. وهو تفريق قاصر لأنّه لا يكفي الحاجات العملية للبحث؛ وأكثر من ذلك أنّ هذا  المدخل الفسيولوجي استخدم لحلّ مسألة لم يُعيّن مستوى بحثها، أهو الأصوات، أم التّشكيل الصّوتي، أم هما معا19.  

وكذلك الحال بالنّسبة للأساس الثّاني الّذي ينطلق من أنّ التّفريق بين الصّحاح والعلل مبني على اعتبارات صوتية؛ كالعلوّ النّسبي أو قوّة الاستماع، وطريقة النّطق وحال المخرج. وبهذا يؤكّد تمّام حسّان قصور المدخل الفسيولوجي سواء أكان بمفرده أم مُضافا للأساس الصّوتي، ويبرّر ذلك -كما سبقت الإشارة إليه - بكون الحروف وحدات فكرية تقسيمية، لا جرس لها ولا وضوح سمعي لها لأنّها غير منطوقة.

و أمّا الأساس الأخير الّذي يرتكز على الوظيفة الّتي تؤدّيها الصّحاح والعلل، فينطلق تمّام حسّان ممّا ذهب إليه بعض الباحثين أمثال: فندريس، من أنّ الوظيفة قد تختلف في الصّحاح والعلل، إلاّ أنّه لا يوجد في الطّبيعة الفعلية للأصوات حدّ فاصل يفرّق بينهما. وبالتّالي لا يُمكن الفصل بين ما هو أصواتي، وما هو تشكيلي من الصّحاح و العلل20.  

و انطلاقا من أنّ: "في اللّغة العربية أصوات كثيرة مقسّمة إلى أقسام، أي حروف، أقل في العدد؛ و كلّ من الحروف و الأصوات ينقسم إلى قسمين رئيسيين هما الصّحاح والعلل"21، وعليه فكلّ واحد منهما - أي الصّحاح و العلل- يعدّ عملة بوجهين؛ الوجه الأوّل: يمثّل الأصوات،  والوجه الثّاني: يُمثّل الحروف. وتحوي اللّغة العربية من الحروف الصّحيحة ثمانية و عشرين قسما، يدخل تحت كلّ قسم منها واحد أو أكثر من الأصوات؛" فأمّا الحروف العربية الصّحيحة فهي: ء ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ض ط ظ ع غ ف ق ك ل م ن هـ و ي" 22وأمّا الأصوات فعددها يزيد عن ذلك.

   تهدف دراسة أعضاء النّطق إلى الكشف عن المخارج الصّوتية وصفات الأصوات اللّغوية، و يتجلّى ذلك في "غرض علم الأصوات اللّغوية من دراسة الصّوت، أن يُبيّن ما في نطقه من حركات عضوية، وما فيه من ظواهر صوتية. فأمّا الحركات العضوية فتُدرس عادة تحت اسم المخارج،...وأمّا الظّواهر الصّوتية المصاحبة لهذه الحركات فيُطلق عليها اسم الصّفات"23.

   يُشير تمّام حسّان إلى أنّ المخارج والصّفات الّتي تستخدمها اللّغة العربية الفصحى، يُمكن حصرها في التّمييز بين أصواتها. وهذا الاستخدام للتمييز إنّما يعدّ من منهج التّشكيل الصّوتي لا من منهج الأصوات، ولكن من ذا الّذي يستطيع أن يكتفي من العملة النّقدية بأحد وجهيها عن كليهما؛ فالأصوات والتّشكيل الصّوتي وصف ثم تقعيد للموصوف. والمعروف أنّ كلّ شيء يُمكن أن يحدّ إيجابا وسلبا، والحدّ الإيجابي ذكر الماهية، والسّلبي ذكر النّقيض، وهذا ما يدخل في القيم الخلافية الّتي تعدّ ضرورية في فهم أيّ شيء؛ فالقيم الخلافية هامة جدّا في دراسة الأصوات والتّشكيل الصّوتي، بل لها من الأهمية ما يساوي أهمّية القيم الوفاقية24. وعليه فإنّ دراسة المخارج والصّفات، سيكون من باب الجمع بين وجهي العملة النّقدية.

يُفرّق تمّام حسّان بين الأصوات والحروف فيقول: " ليست الحروف هي ما تنطقه بلسانك أثناء الكلام، فهذه هي الأصوات، ولكن الحروف هي أقسام يشتمل كلّ منها على عدد من هذه الأصوات"25.  

و من هذا المنطلق يرى أنّ تقسيمات الحروف لا تبنى على اعتبارات فيسيولوجية عضوية أو طبيعية صوتية كالأصوات؛ لأنّ الحروف الصّحاح وحروف العلّة لا تنطق، وإنّما الأصوات الصّحاح وأصوات العلّة  هي الّتي تنطق.

و يمكن أن تنسب المخارج والصّفات للحروف كما تنسب للأصوات، ولكن دون القصد من هذه النسبة لأي معنى عضوي فسيولوجي في المخارج، ولا طبيعي صوتي في الصفات؛ وإنّما يستعمل اصطلاحا المخرج والصّفة بالنّسبة للحروف استعمالا تشكيليا محضا غير أصواتي، على نقيض مخارج الأصوات و صفاتها26. وعليه سيتمّ الجمع بين مخارج الأصوات و مخارج الحروف وكذا بين صفات الأصوات وصفات الحروف، مع محاولة عدم الخلط بين المفاهيم. وفيما سيأتي تسليط للضّوء على ما أورده تمّام حسّان في موضوعي المخارج والصّفات الصّوتية:

1- مخارج الأصوات و الحروف:

1ـ 1ـ تعريف المخرج:

يرى تمّام حسّان أن الإنسان قادر على تحريك الأعضاء المتحرّكة في جهازه النّطقي و تقريبها من أجزائه الأخرى فيُحدث تضييقا في مجرى الهواء، كما يمكنه إلصاق الأجزاء المتحرّكة بالأجزاء الأخرى الثّابتة فيُقفل مجرى الهواء إقفالا تاما، وبهذا التّضييق و ذلك الإقفال أو عدمهما يستطيع المرء أن يُحدث الكثير من الأصوات، ومكان التّضييق أو الإقفال هو المخرج27و جمعه المخارج Articulations28. وبما قلّ ودلّ يعرّفه فيقول: " المخرج مكان النّطق "29.

1ـ 1ـ أ ـ مخارج الأصوات و مخارج الحروف عند تمّام حسّان:

ولأنّ تمّام حسّان يُحدّد مكان النّطق - أي المخرج - بالتضييق أو الإقفال التّام النّاتجين عن تلاحم الأعضاء المتحرّكة بالأعضاء الثّابتة في الجهاز النّطقي تمّ تحديد المخارج الصّوتية على ضوء ذلك في الجدول الآتي30:


 

مخارج  الأصوات

أقسام مخارج الحروف

العضو المتحرّك

العضو الثّابت

1ـ شفوي                     Bi-labial

ب ، و ، [م]*

الشّفة السّفلى

الشّفة العليا

2ـ شفوي أسناني        Labio-dental

ف

الشّفة السّفلى

الأسنان العليا

3ـ أسناني                         Dental

ظ ،ذ ، ث

 طرف اللّسان

الأسنان العليا

4ـ أسناني لثوي       Denti-alveolar

ض، د ، ط ، ت

  ز، ص ، س

طرف اللّسان

مقدّمة اللّسان

 الأسنان العليا

 اللّثّة

5ـ لثوي                       Alveolar   

ل ، ر، ن

طرف اللّسان

 اللّثة

6ـ غاري                             Platal

ش ، ج ، ي

مقدّمة اللّسان

الغار و هو الحنك الصّلب

7ـ طبقي                           Velar   

ك ، غ ، خ

مؤخّر اللّسان

 الطّبق و هو الحنك اللّين

8ـ لهوي                          Uvalar

ق

مؤخّر اللّسان   باللّهاة

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

9ـ حلقي                   Pharyngal  

ع ، ح

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 تضييق الجدار الخلفي للحلق

10ـ حنجري                  Glottal

ء ، هـ

إقفال أو تضييق في الأوتار الصّوتية

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

تجدر الإشارة إلى الإجابة عن السّؤال الّذي طرحه تمّام حسّان في كتابه: اللّغة العربية معناها ومبناها، وهو: كيف كان موقف النّحاة العرب من دراسة الأصوات العربية؟

   انطلق تمام حسّان للإجابة عن هذا التّساؤل من عرض رؤية سيبويه كبيرأئمّة النّحاة، ومنهجه في دراسة الأصوات، و جعل ذلك ركيزة أساسية لطرحه الجديد؛ مظهرا منهج سيبويه في قوله:" ويظهر أنّ سيبويه كان على وعي تام بأنّ دراسة الأصوات مقدّمة لابدّ منها لدراسة اللّغة، وأنّ النّظام الصّوتي ضروري لمن أراد دراسة النّظام الصّرفي بل لعلّه كان يرى في النّظام الصّوتي جزءا لاحقا، أو من دراسة الصّرف نفسها حتّى إنّه حين وضع الدّراسات الصّوتية تحت عنوان (باب الإدغام) قد كشف عن وجهة نظره من جهة و قيّد دراسة الأصوات، وضيّق مجالها من جهة أخرى. وتأتي دعوى تضييق سيبويه لمجال دراسة الأصوات من أنّ الإدغام ليس جزءا من النّظام الصّوتي، وإنّما هو ظاهرة سياقية...ولكنّ سيبويه مهّد لدراسة الإدغام بدراسة الأصوات... فتناول هذه الأصوات بالوصف من حيث المخرج وطريقة النّطق والجهر والهمس والتّفخيم والتّرقيق ناظرا إلى الصّوت في حالة عزلة عن السّياق"31.  

و من خلال ما سبق يتّضح أنّ تمام حسّان أراد أن يُبيّن عدم استقلالية الدّراسات الصّوتية عند سيبويه، الّذي جعل النّظام الصّوتي جزءا من دراسة الصّرف، وهذه الشّمولية هي الّتي أوخذ عليها القدماء في منهجهم لدراسة اللّغة.

   و يشير تمام حسّان إلى أنّ سيبويه و معاصريه قد اتّجهوا عند النّظر في استنباط الحروف من الأصوات اتّجاها عكس البحث الحديث، الّذي ينطلق في دراسة الصّوتيات من الأصوات إلى الحروف؛ فبعد ملاحظة الأصوات و وصفها  تبوّب في مجموعات، وتسمّى كلّ مجموعة منها حرفا. في حين أنّ سيبويه و معاصريه قد ارتضوا لتحليل الأصوات العربية بالنّظام الصّوتي المشهور الّذي ينطلق من أنّ لكلّ حرف رمز كتابي يدلّ عليه دون النّظر إلى ما تندرج تحته من أصوات، فجعلوا الأصوات العربية الّتي تحت كلّ حرف من هذا النّظام لا تعدوا أن تكون صفة لهذا الحرف كأن تكون إدغاما له أو إقلابا أو إخفاء32.  

   يرى سيبويه أنّ أصول حروف العربية تسعة و عشرون حرفا، و لها رموز متّفق عليها نحو: الهمزة ورمزها (ء)، الألف و رمزها (ا)... وصولا إلى الحرف التّاسع والعشرين وهو الهاء ورمزه (هـ)، ويُضيف إلى ذلكستّة فروع أصلها من التّسعة والعشرين وهي كثيرة الورود في الكلام؛ إذ يُؤخذ بها وتُستحسن في قراءة القرآن  والأشعار، وهي: النون الخفيفة، والهمزة الّتي بين بين، والألف الّتي تُمال إمالة شديدة، والسّين الّتي كالجيم والصّاد الّتي تكون كالزّاي، وألف التّفخيم.    

و أضاف إلى ما سبق ثمانية حروف مستهجنة في قراءة القرآن والشّعر، ولا تكثر في لغة من تُرتَضى عربيته و هي: الكاف الّتي بين الجيم والكاف، والجيم  الّتي كالكاف،  والجيم الّتي كالشين**، والضاد الضّعيفة، والصّاد التي كالسين، والطّاء التي كالتاء، والظاء التي كالثاء، والباء التي كالفاء33.  

يرى تمام حسّان أنّ سيبويه - رغم تفريقه بين أصول الحروف و فروعها- إلاّ أنّه لا يُفرّق بين اصطلاحي الحرف والصّوت كما فرّق علم اللّغة الحديث بين   PhenemeوSoundو Allophone  فالحرف لديه يشمل كلّ ذلك34.  

إنّ استعمال سيبويه لمصطلح الحروف بدلا من الأصوات، لا يعني أنّه لم يكن يُفرّق بين اصطلاحي الحرف و الصّوت - كما ذهب إليه تمّام حسّان - إذ أنّ ما ذكره سيبويه من فرق بين الحروف الأصول و الفروع، يدلّ على معرفة تامّة بما يعنيه كلّ من الحرف والصّوت35.

وتنبُّه سيبويه إلى الفرق الكامن بين الحروف الأصلية والفرعية يُنمّ عن إدراكه الفرق بين الفونيم والألوفون إذ أنّ " الحروف الّتي سمّها سيبويه الحروف الفروعهي الّتي تُسمّى في الدّرس الصّوتي الحديث بالصّورة الصّوتية  أو الألوفون"36.

 

 

1ـ 1ـ ب- مخارج الحروف عند سيبويه:

   ذهب تمّام حسّان إلى أنّ سيبويه أحصى المخارج الّتي تخرج منها الأصوات  العربية، فعدّها خمسة عشر مخرجا. و يورد جدولا لأصوات العربية كما كان يراه سيبويه37:

مخارج الحروف عند سيبويه

الأصوات العربية

1ـ ما بين الشّفتين

ب ـ م ـ و

2ـ باطن الشّفه السّفلى و أطراف الأسنان

ف

3ـ طرف اللّسان و أطراف الثّنايا

ظ ـ ذ ـ ث

4ـ طرف اللّسان و فويق الثّنايا

ر***ـ ص ـ س

5ـ طرف اللّسان و أصول الثّنايا

ط ـ د ـ ت

6ـ ما بين طرف اللّسان و فويق الثّنايا

ن

7ـ ما بين اللّسان و فويق الثّنايا أدخل في ظهر اللّسان

؟ ****

8ـ حافة اللّسان إلى الطّرف و ما فوقهما

ل

9ـ أوّل حافة اللّسان و ما يليه من الأضراس

ض ـ ش

10ـ وسط اللّسان و وسط الحنك الأعلى

ج ـ ي

11ـ مؤخّر اللّسان و ما يليه من الحنك الأعلى

ك

12ـ أقصى اللّسان و ما يليه من الحنك الأعلى

ق

13ـ أدنى الحلق

غ ـ خ

14ـ وسط الحلق

ع ـ ح

15ـ أقصى الحلق

ء ـ هـ

 

           من خلال الجدول السّابق يؤكّد تمّام حسّان أنّ مخارج الأصوات عند سيبويه خمسة عشر مخرجا، في حين يذهب أغلب الدّارسين       -كالفايز صدار- إلى أنّ المخارج عند سيبويه ستّة عشر38. وسيبويه نفسه يقول:" ولحروف العربية ستة عشر مُخرجا: فللحلق منها ثلاثة. فأقصاها مُخرجا: الهمزة، والهاء، والألف. ومن أوسط الحلق مُخرج: العين، والحاء. وأدناه مُخرجا من الفم: الغين، والخاء. ومن أقصى اللّسان وما فوقه من الحنك الأعلى مُخرج القاف. ومن أسفلَ من موضع القاف من اللّسان قليلا، وممّا يليه من الحنك [الأعلى]، مُخرج: الكاف. ومن وسط اللّسان بينه وبين وسط الحنك الأعلى، مُخرج: الضّاد. ومن حافة اللّسان من أدناها إلى منتهى طرف اللّسان، ما بينها وبين ما يليها من الحنك الأعلى، وما فويق الضّاحك والنّاب والرّباعية و الثّنية، مخرج: اللاّم. ومن حافة اللّسان من أدناها إلى منتهى طرف اللّسان، ما بينها وبين ما يليها من الحنك الأعلى، وما فويق الثّنايا، مُخرج: النّون. ومن مُخرج النّون غير أنّه أدخل في ظهر اللّسان قليلا، لانحرافه إلى اللاّم، مُخرج: الرّاء. وممّا بين طرف اللّسان وأصول الثّنايا، مُخرج: الطّاء، والدّال والتّاء. وممّا بين طرف اللّسان وفُويق الثّنايا، مُخرج: الزّاي، والسّين، والصّاد. وممّا بين طرف اللّسان وأطراف الثّنايا، مُخرج: الظّاء، والذّال, والثّاء. ومن باطن الشّفة السّفلى وأطراف الثّنايا العليا، مُخرج الفاء. وممّا بين الشّفتين، مُخرج الباء، والميم، والواو. ومن الخياشيم، مُخرج: النّون الخفيفة"38.

إنّ نظرة تأمّلية فاحصة إلى مخارج الأصوات عند سيبويه - كأنموذج قديم-  ومخارج الأصوات عند تمام حسّان - كأنموذج حديث- تبيّن ما يأتي:

الاختلاف في عدد المخارج الصّوتية عند سيبويه، ولتفسير ذلك، وُضع احتمال اختلاف الطّبعات لكتاب سيبويه، علما أنّ تمّام حسّان لم يشر إلى الكتاب لا في متنه ولا في هامشه، فهو لا يُشير غالبا إلى مصادر بحثه، و إن أشار فلا يعبأ بمعلومات الطبع. وبموازنة بسيطة بين طبعة بولاق الأولى والطّبعة الخامسة لكتاب سيبويه والّتي حقّقها عبد السّلام هارون، لوحظ على الأخيرة منهماسقوط عبارة: "ومن حافة اللّسان من أدناها إلى منتهى طرف اللّسان، ما بينها وبين ما يليها من الحنك الأعلى، وما فويق الضّاحك والنّاب والرّباعية والثّنية، مخرج: اللّام"39.

و لكن، وبعد تأمّل لوحظ أنّ مُخرج اللاّم لم يسقط ممّا سمّاه تمّام حسّان بجدول الأصوات العربية كما يراه سيبويه، و إنّما حدث خلط بين مخرج الرّاء ومخرج الزّاي، ففي كتاب: اللّغة العربية معناها و مبناها طبعة دار الثّقافة40نُسب الرّاء إلى مخرج طرف اللّسان وفويق الثّنايا، في حين أنّ هذا مخرج الزّاي إلى جانب الصّاد والسّين. ولم يُنسب إلى مخرج: ما بين طرف اللّسان وفويق الثّنايا أدخل في ظهر اللّسان أيّ صوت، وهو - من المفروض- مخرج صوت الرّاء الّذي وُضع خطأ مكان الزّاي.

و للتّأكّد أكثر تمّت العودة إلى كتاب: اللّغة العربية معناها و مبناها طبعة عالم الكتبفلوحظ أنّ الخطأ نفسه مع فارق بسيط؛ وهو أنّ الرّاء نُسب إلى مخرجين: مرّة عن خطأ - كما سبق ذكره- إذ وُضع مكان الزّاي في مخرج طرف اللّسان وفويق الثّنايا، ومرّة عن صواب: إذ وُضع في مخرجه وهو ما بين طرف اللّسان وفويق الثّنايا أدخل في ظهر اللّسان، ويمكن عدّ ذلك من قبيل الخطأ المطبعي بسقوط نقطة الزّاي لتُصبح راء41.

و في الأخير تمّ التّوصل إلى المخرج الّذي سقط، وهو مخرج الخياشيم؛ الّذي تخرج منه النّون الخفيفة بمصطلح سيبويه، أمّا تمام حسّان فيرى أنّ الأصح هو النون الخفية، لأنّ النوّن الخفيفة تُقابل النّون الثّقيلة في التّوكيد في علم النّحو، أمّا النون الخفية فهي نون الإخفاء قبل حروف الفم وهي: التّاء، الثّاء، الجيم، الدّال، الذّال، الزّاي، السّين، الشّين، الصّاد، الضّاد، الطّاء، الظّاء، الفاء، القاف، والكاف42

و النّون الخفيّة هي النّون السّاكنة المتبوعة بحروف الإخفاء ممّا يؤدي إلى ضياع الكثير من خصائصها الصّوتية، واكتسابها من خصائص الحرف الّذي يليها على خلاف النّون المتحرّكة واضحة الصّوت43.  

يذهب تمّام حسّان إلى أنّ النّحاة العرب قد أخلطوا خلطا كبيرا في تحديد بعض المخارج44، فسيبويه مثلا يُسمّي النّون مرّة خيشومية لأنّها تُنطق في تجويف الفم، ويخرج الهواء من الخيشوم- وهي النون الخفيةالّتي أسقطت من الجدول السّابق- ومرّة ثانية يقول إنّها من بين طرف اللّسان وما فويق الثّنايا - وهي النّون الأصلية الّتي أثبتت في الجدول- فتمّام حسّان أثبت الأصل و أسقط الفرع.

تجدر الإشارة أيضا إلى أنّ تمّام حسّان قد جعل - فيما عنونه بجدول الأصوات العربية كما يراه سيبويه- مخرج الشّين من أوّل حافة اللّسان و ما يليه من الأضراس، إلى جانب الضّاد في حين أنّ مخرج الشّين إلى جانب الجيم و الياء من وسط اللّسان بينه وبين وسط الحنك الأعلى.

من منطلق تعريف تمّام حسان للمخرج على أنّه مكان النّطق من زاوية، ومن زاوية أخرى تبنّيه لفكرة الإجمال أكثر من فكرة التّفصيل في المخارج الصّوتية، يُطرح التّساؤل الآتي:

هل يُمكن لصوتين أو أكثر الاجتماع في مكان نطق واحد؟

للإجابة عن هذا السّؤال، تجدر الإشارة إلى الفرق الكامن بين المخرج الصّوتي والحيّز الصّوتي؛ فالخليل بن أحمد الفراهيدي فرّق بينهما؛ فرأى أنّ المخرج هو النّقطة الدّقيقة الّتي يخرج منها الصّوت، في حين أنّ الحيّز الصّوتي هو المنطقة الّتي يُنسب إليها أكثر من صوت. في حين أنّ الحيّز الصّوتي هو المنطقة الّتي يُنسب إليها أكثر من صوت، وهذه الأصوات بعضها أرفع من بعض45.

من هنا يمكن القول إنّ الحيّز الصّوتي أشمل وأعمّ من المخرج الصّوتي؛ فالحيّز يضمّ مخرجين أو أكثر، شريطة التّقارب بين هذه المخارج. و عليه فلكلّ صوت نقطة مخرج دقيقة و محدّدة له و له فقط، لا يشترك فيها معه أيّ صوت آخر. ولكن، قد يجتمع مخرج هذا الصّوت مع غيره من المخارج المتقاربة معه في منطقة محدّدة تُسمّى الحيّز الصّوتي.

و من هنا تجدر الإشارة إلى أنّ جدول أصوات العربية كما كان يراه سيبويه، يحوي ستّة مخارج صوتية وما دون ذلك، فهي أحياز صوتية تضمّ أكثر من صوت.  والمخارج عنده هي:

مخرج الفاء: باطن الشّفة السّفلى و أطراف الأسنان.

مخرج النّون: ما بين طرف اللّسان و فويق الثّنايا.

مخرج اللاّم: حافة اللّسان إلى الطّرف و ما فوقهما.

مخرج الكاف: مؤخّر اللّسان و ما يليه من الحنك الأعلى.

مخرج القاف: أقصى اللّسان و ما يليه من الحنك الأعلى.

مخرج الرّاء: ما بين طرف اللّسان و فويق الثّنايا أدخل في ظهر اللّسان.

كذلك الحال بالنّسبة إلى ما ذهب إليه تمّام حسّان؛ فالمخارج الصّوتية عنده اثنان فقط، وهما:

مخرج الفاء: شفوي أسناني. مخرج القاف: لهوي. وما دون ذلك، فهي أحياز صوتية بعضها يضمّ صوتين، وبعضها الآخر ثلاثة أصوات. وأمّا الأسناني اللّثوي فيضمّ سبعة أصوات.

   إنّ تمّام حسّان عكس ترتيب مخارج الأصوات العربية - حتّى عند ذكره للمخارج عند سيبويه- فقد سار على نهج معاصريه في بدء الوصف الصّوتي من الشّفتين وصولا إلى الحلق. في حين أنّ سيبويه قد سار على نهج أستاذه الخليل بن أحمد الفراهيدي في ترتيب المخارج الصّوتية من الحلق وصولا إلى الشّفتين و الخياشيم.

و من منطلق أنّ الوصف الصّوتي اليوم يبدأ من الشّفتين إلى الحلق، انطلاقا ممّا يكون أسهل في الرّؤية، وأنّ القدامى جميعا منذ الخليل وسيبويه، قد اتّبعوا ترتيب المخارج الصّوتية من الحلق إلى الشّفتين تماشيا و لا شكّ مع اتّجاه مجرى النَّفَس، إذ يعبر جهاز التّصويت46.  

   انطلاقا ممّا سبق يمكن ترجيح كفّة القدماء على كفّة المحدثين؛ لأنّ ترتيب القدماء لمخارج الأصوات العربية من الحلق إلى الشّفتين أكثر علمية من ترتيب المحدثين، الّذي ينطلق ممّا يكون أسهل في الرّؤية؛ فأساس التّرتيب القديم صوتي، وثيق الصّلة بطريقة إنتاج الصّوت اللّغوي، الّذي يرتبط بدوره بالهواء الزّفيري الخارج من الرّئتين، مارّا بالحلق، وصولا إلى الشّفتين، فأينما يكون التّضييق أو الانحباس يكون المخرج الصّوتي.

إنّ اختلاف عدد المخارج الصّوتية بين النّموذج القديم-الّذي يُمثّله سيبويه- والنّموذج الحديث-الّذي يُمثّله تمّام حسّان- مردّه إلى شدّة التّقارب والتّداخل بين بعض المخارج لغياب الحدود الفاصلة فصلا تامّا بينها47.

فسيبويهنظر إليها نظرة تفصيل، في حين أنّ تمّام حسّان نظر إليها نظرة إجمال؛ فما ذكره سيبويه مفصّلا في مخارج: أقصى الحلق و وسطه وأدناه، ذكره تمّام حسّان مجملا في مخرج واحد: حلقي. وقد جعل سيبويه طرف اللّسان وفويق الثّنايا مخرجا للزّاي والصّاد والسين، وضمّ الطّاء والدّال والتّاء في مخرج طرف اللّسان وأصول الثّنايا، وذهب إلى أنّ الضّاد تخرج من أوّل حافة اللّسان وما يليه من الأضراس. في حين ضمّ تمّام حسّان كلّ هذه الأصوات: الضّاد، والدّال، والطّاء، والتّاء، والزّاي، والصّاد،  والسّين في مخرج واحد سمّاه: أسناني لثوي.

كما فصّل سيبويه في مخارج النّون، واللاّم، والرّاء؛ فجعل مخرج النّون ممّا بين طرف اللّسان وفويق الثّنايا، والرّاء ممّا بين طرف اللّسان وفويق الثّنايا أدخل في ظهر اللّسان، وقال إنّ حافة اللّسان إلى الطّرف وما فوقهما مخرج اللاّم. في حين أنّ تمّام حسّان جمع النّون واللاّم و الرّاء في مخرج واحد سمّاه اللّثوي. وهذا على سبيل التّمثيل لا الحصر، فتمّام حسّان يذكر التَّكرار الوارد في المخارج الصّوتية عند سيبويه إذ يقول: "والملاحظ أنّ طرف اللّسان يرد ذكره في المخارج الخمسة ذوات الأرقام: 3-4-5-6-7، وكذلك ترد معه الثّنايا مع تباين الجزء الّذي يتّصل به طرف اللّسان منها، ولقد ورد ذكر اللّسان في المخرجين 8-9، و ورد ذكر وسط اللّسان في رقم:10، وأقصاه في:12، وذكر الحلق في:13-14-15أي أدناه ووسطه و أقصاه"48.

و لقد "تتابعت الدّراسات الحديثة حول أصوات اللّغة العربية، ولم يخرج معظم مؤلّفيها عمّا أورده تمّام حسّان في ترتيب مخارج الحروف العربية، وربّما زاد بعضهم موضعا أو مخرجا، وربّما أنقص موضعا"49.والملاحظ أيضا في المخارج الصّوتية عند تمّام حسّان، سقوط صوت الميم من المخرج الأوّل، فهو صوت شفوي كالباء و الواو.

إنّ الحكم بأنّ الهمزة هي أوّل الأصوات العربية مخرجا حكم سليم، ولكنّها ليست من أقصى الحلق، وإنّما هي ممّا يلي الحنجرة50. ولكنّ سيبويه لم يُصنّف الحنجرة مخرجا.

في أقصى الحلق وإلى جانب الهمزة و الهاء ذكر سيبويه الألف، وهو صائت عليل للمدّ دائما؛ إذ يُعدّ حركة في كلّ مواضع اللّغة العربية، ومخرجه ليس الحلق، وإنّما هو حركة يتحدّد موضع نطقها بوضع اللّسان وضعا معيّنا في الفم تجاه الحنك الأعلى، حاله حال الواو و الياء المدّيتين، إذ تحدّد بطريق وضع الفم تجاه الحنك، وبدرجة ارتفاع اللّسان أو هبوطه51.

   و الاختلاف الكامن بين معطيات الدّرس الصّوتي القديم– و من أعلامه سيبويه- وبين الدّرس الصّوتي الحديث- ومن أعلامه تمّام حسّان- في نسبة الأصوات إلى المخارج نحو اختلافهم في الضّاد والواو غير المدّية... واختلافهم في ألقاب المخارج، قد يُفسّر بتطوّر الأصوات؛ فإنّ بعضها قد تغيّر نطقها – مثل الضّاد – فليس غريبا أن يعدّها الدّرس الصّوتي القديم من مخرج، و يعدّها الدّرس الصّوتي الحديث من مخرج آخر. كما قد يُفسّر باستعانة المحدثين بأجهزة دراسة الصّوت كالأجهزة الفسيولوجية، مثل: البلاتوغراف والكيموغراف والأجهزة الصّوتية الفيزيائية مثل: السيلوغراف. وكذا الاستفادة من علم التّشريح52.  

و لكن تجدر الإشارة إلى أنّ للمتقدّم قصب السّبق في الإبداع حتّى وإن تعثّر، وللمتأخّر التّبعية له حتّى و إن أجاد وأصاب، فسيبويه وغيره من القدامى نبغوا في دراسة اللّغة عامّة وأصواتها خاصّة رغم إمكاناتهم البسيطة.

2- صفات الأصوات و الحروف:

تُستعمل صفات الأصوات عند الحديث عن الظّواهر الصّوتية المصاحبة للحركات العُضوية. أمّا صفات الحروف فتستعمل عند الحديث عن الأقسام؛ فكلّ قسم يشمل عددا من الأصوات الّتي تتسم بصفة معيّنة.

2-1ـ تعريف صفات الأصوات:

     يسمّيها تمّام حسّان الصّفات التّطريزية والصّفات التّصنيفية Correlations53، وهي إحدى أسس التّطريز اللّغوي؛ فالصّفات التّطريزية و المخارج الصّوتية هما الأساسين اللّذين يقوم عليهما بناء التّطريز اللّغوي في منهج التّشكيل الصّوتي.

 ويُعرّفها تمّام حسّان بأنّها الظّواهر الصّوتية المصاحبة للحركات العضويــــة للجهاز  النّطقي54.  ويرى أنّه يمكن النّظر إليها من زاويا متعدّدة:

أولاها: الطّريقة الّتي يتمّ بها النّطق في مخرج ما.

ثانيها:حدوث ذبذبة في الأوتار الصّوتية و عدمه.

ثالثها:تحرّك مؤخّر اللّسان أو مقدّمه تحرّكا ثانويا أثناء حدوث النّطق في موضع آخر55.

وفيما سيأتي شرح مفصّل لكلّ زاوية بربطها بصفات الأصوات:

2-1-أ- صفات الصّحاح عند تمّام حسّان:

1- التّقابل المصطلحي بين الشّدة و الرّخاوةوما بينهما:

يستعمل تمّام حسّان الشّدة و الرّخاوة كاصطلاح قديم، و يستعمل الانفجار و الاحتكاك كاصطلاح حديث56.

يرى تمّام حسّان أنّ صفتي الشّدة و الرّخاوة و ما بينهما يُمكن الوقوف عليها بالنّظر إليها من الزّاوية الأولى؛ وهي الطّريقة الّتي يتمّ بها النّطق في مخرج ما.

أ‌-صفة الشّدة:

وتكون إذا صادف الهواء الزّفيري الخارج من الرّئتين مجرى مسدودا سدّا تامّا، عند نقطة المخرج في الجهاز النّطقي – من الأوتار الصّوتية إلى الشّفتين- فيُحتجز الصّوت خلف نقطة الانسداد، في حالة ضغط أعلى من ضغط الهواء الخارجي، وإذا انفصل العضوان المتّصلان لسدّ المجرى انفصالا مفاجئا، اندفع الهواء الدّاخلي ذو الضّغط الثّقيل إلى الهواء الخارجي ذي الضّغط الأخف محدثا انفجارا، وهذا الانفجار هو عنصر مهمّ لنطق الأصوات الشّديدة؛ لأنّ نطقها يتكوّن من أكثر من عنصر واحد، ويتّضح ذلك فيما يأتي:

 

(1)                  (1) اتّصال عضوي

      لسدّ المجرى

(2)                  (2) انحباس الهواء خلف

      نقطة تلاقيهما

(3)                  انفصال العضوين

          فجأة و تسريح الهواء

 

 

و الأصوات الشّداد كما يسمّها تمّام حسّان هي: الباء، التّاء، الدّال، الضّاد، الطّاء، القاف، الكاف، والهمزة؛ وهي الّتي ينفصل العضوان اللّذان يسدّان مجرى الهواء فيها انفصالا سريعا ومفاجئا. والسّرعة و المفاجأة بالإضافة إلى الانفجار هي من أهمّ شروط تسمية الصّوت شديدا57

ب‌-                     صفة الرّخاوة:

تكون إذا صادف الهواء الزّفيري الخارج من الرّئتين مجرى ضيّقا لا مسدودا، يسمح للهواء بالمرور محتكّا بنقطة التّضييق بين العضوين. والأصوات الّتي يصحبها هذا النّوع من طريقة النّطق تُسمّى: الأصوات الرّخوة، وهي: الثّاء، الحاء، الخاء، الذّال، السّين، الشّين، الصّاد، الظّاء، العين، الغين، والفاء58.

ت-صفة التّعطيش ( التّركيب من الشّدة و الرّخاوة):

وتكون عند الجمع بين عنصر الشّدة وعنصر الرّخاوة؛ أي يكون الصّوت مركّبا منهما، فتتوفّر فيه شروط الشّدة كالانسداد المطلق والانفجار، ولا تتوفّر فيه أخرى كالسّرعة والمُفاجأة؛ إذ لا يصاحبه انفصال مفاجيء للعضوين المتّصلين لسدّ المخرج، بل يُصاحبه انفصال بطيء. وفي هذا الأخير مرحلة بين الانسداد المطلق والانفتاح المطلق شبيهة كلّ الشّبه بالتّضييق الّذي يكون مع صفة الرّخاوة؛ فهذه المرحلة تأتي بعد انفجار الهواء الزّفيري مباشرة، فتسمح له بالاحتكاك بالعضوين اللّذين في طريق التّباعد البطيء احتكاكا شبيها بما يُصاحب الأصوات الرّخوة59.  

والصّوت العربيّ المركّب بين الشّدة والرّخاوة هو صوت: الجيم، ويتمّ النّطق به بان يرتفع مُقدّم اللّسان في اتّجاه الغار، حتّى يتّصل به محتجزا وراءه الهواء الخارج من الرّئتين. ثمّ بدل أن ينفصل عنه فجأة – كما في نطق الأصوات الشّديدة – يتمّ هذا الانفصال ببطء، فيُعطي للهواء بعد الانفجار فرصة الاحتكاك بالعضوين60.

ث-صفة التّوسّط بين الشّدة و الرّخاوة:

و تكون إذا مرّ الهواء الزّفيري بمجراه دون انحباس أو احتكاك من أيّ نوع؛ فالصّوت هنا لا يكون شديدا و لا رخوا ، وذلك لما يأتي:

- إمّا لخلوّ مجراه في الفم من المعوّقات، كما في صوتي: الواو، والميم.

- إمّا لأنّ مجراه في الفم يتجنّب المرور بنقطة السّد أو التّضييق، كما في صوت: اللاّم.

- إمّا لأنّ التّضييق غير ذي استقرار على حاله، كما في صوت:الرّاء.

- إمّا لأنّ الهواء لا يمرّ بالفم، و إنّما يمرّ بالأنف، كما في صوتي: الميم،  والنّون.

و من هنا يُمكن القول إنّ تمّام حسّان يَعُدُّ الواو، الياء، اللاّم، الرّاء، الميم، والنّون أصواتا متوسّطة؛ لأنّها ليست شديدة و لا رخوة.

ويصف تمّام حسّان الأصوات المتوسّطة بصفة الاستمرار أيضا، وفيما يأتي تفصيل ذلك:

ج‌-                     صفة الاستمرار:

يرى تمّام حسّان أنّ الاستمرار صفة تُعرف بالنّظر إلى الزّاوية الأولى وهي: الطّريقة الّتي يتمّ بها النّطق في مخرج ما61.  

ومن الأصوات المستمرّة عند تمّام حسّان ما يأتي:

ج1- التَّكراري(Rolled):

وهو صوت ينطلق بترك اللّسان مسترخيا في طريق الهواء الخارج من الرّئتين، فيُرفرف اللّسان، ويضرب طرفه في اللّثة ضربات مكرّرة، والصّوت التّكراري في اللّغة العربية هو: الرّاء62.  

ج2- الجانبي (Lateral):

وهو صوت يُنطق برفع طرف اللّسان حتّى يتّصل باللّثة، ورفع الطّبق حتّى يتّصل بالجدار الخلفي للحلق، فيسدّ المجرى الأنفي، وكلّ هذا مصاحَب بذبذبة في الأوتار الصّوتية. والصّوت الجانبي في اللّغة العربية هو: اللاّم. ومعنى الجانبية في نطق هذا الصّوت أنّ إحدى جانبي اللّسان أوكليهما يدع الفرصة للهواء الرّئوي ليمرّ بينه وبين الأضراس، في الوقت الّذي يمتنع فيه مروره على وسط اللّسان لحيلولة طرف اللّسان المتّصل باللّثة دون ذلك63.  

ج3- الأنفي (Nasale):

ففي صوت الميم تتّصل الشّفتان حين النّطق به، و يهبط الطّبق فينفتح المجرى الأنفي،  ويمرّ الهواء منه، في حين تحدث ذبذبة في الأوتار الصّوتية. أمّا صوت النّون فيتمّ النّطق به بجعل طرف اللّسان ضدّ اللّثة مع خفض الطّبق لفتح المجرى الأنفي، وإحداث ذبذبة في الأوتار الصّوتية64.

ج4- نصف علّي (semi-vowel):

صوت الواو يُنطق بضمّ الشّفتين ضمّا دون الإقفال، مع نتوئهما إلى الأمام، ورفع مؤخّر اللّسان، وسدّ المجرى الأنفي، ووجود ذبذبة في الأوتار الصّوتية. أمّا صوت الياء فهو أيضا صوت علّي يُنطق برفع مقدّم اللّسان في اتّجاه الغار، ورفع الطّبق حتّى يسدّ المجرى الأنفي، مع وجود ذبذبة في الأوتار الصّوتية65.  

إنّ ما اصطلح عليه تمّام حسّان نصف علّي لا يختلف عمّا أدركه علماء العربية واصطلحوا عليه نصف حركة؛ إذ يشير ابن جنّي أنّ الواو والياء " لما تحرّكتا قويتا بالحركة فلحقتا بالحروف الصّحيحة"66،  ويُعقّبكمال بشر عن ذلكبقوله: إنّ" هذين الصّوتين يقلّ فيهما الاحتكاك بدرجة تُقرّبهما من الحركات. ومن ثمّ كان الاصطلاح أنصاف الحركات، وهو ما عبّر عنه ابن جنّي بأنّهما ملحقان بالأصوات الصّحاح أي الصّامتة أو مضارعان لهما...إنّهما صوتان صامتان وظيفيا، ولكنّهما يشبهان الحركات نطقا"67.

إنّ الأداء النّطقي لأنصاف الحركات أو أنصاف العلل يؤّكّد أنّ 50% الأولى من الواو أو الياء غير المدّيتين تتّسم نسبيا بالوضوح السّمعي لخلوّ مخرجها من أيّ سدّ أو تضييق في المخرج، على خلاف 50% الثّانية منهما الّتي تقلّ قوّة الإسماع فيها نتيجة تضييق المخرج؛ وعليه فإنّ الجزء الأوّل منها فيه من صفات الحركات أو العلل، وأمّا الجزء الثّاني منها ففيه من صفات الصّامت الصّحاح. وهذا هو سرّ تسميتها بأنصاف الحركات أو العلل، أو أنصاف الصّوامت، والاسم الأوّل منهما أكثر شيوعا.

2- التّقابل المصطلحي بين الجهر و الهمس:

يرىتمّام حسّان أنّ صفتي الجهر والهمس يُمكن الوقوف عليهما بالنّظر إليهما من الزّاوية الثّانية وهي: حدوث ذبذبة في الأوتار الصّوتية وعدمه.

أ‌-صفة الجهر:

و تكون بحدوث ذبذبة في الأوتار الصّوتية تُصاحب نطق الصّوت فيُسمّى: مجهورا. والأصوات المجهورة عند تمّام حسّان هي: الضّاد، الباء، الدّال، الظّاء، الذّال، الزّاي، الغين، العين، الهاء، الجيم، اللاّم، الرّاء، النّون، الواو، والياء68

ب‌-                      صفة الهمس:

وتكون بغياب ذبذبة الأوتار الصّوتية عند  النّطق بالصّوت، فيُسمّى: مهموسا. والأصوات المهموسة عند تمّام حسّان هي: الطّاء، التّاء، الكاف، القاف، الهمزة، الصّاد، الفاء، الثّاء، السّين، الخاء، و الحاء69

ويستحضر تمّام حسّان آليةالتّقابل المصطلحي بين الجهر والهمس فيرى أنّهما صفتان تختلف فيهما الأصوات وتتقابل، حتّى ولو اتّحدت في المخارج، و هنا تتجلّى فكرة القيم الخلافية في تحديد الصّوت تحديدا إيجابيا أو سلبيا؛ فالجانب الإيجابي يتّضح في الاتّحاد في المخرج، والجانب السّلبي يتّضح في الاختلاف والتّقابل في الصّفات. ويسوق تمّام حسّان أمثلة لذلك موضّحة في الجدول الآتي:

 

 

 

جهــــر

همــــس

شــــــدّة

د

ت

رخـــــاوة

ز

س

المعطّــــش

ح

ـــــــ

توسّـــــط

ل

ـــــــ

 

 

ويُعلّق قائلا:" الجهر والهمس ناحيتان تختلف فيهما الأصوات وتتقابل، حتّى لو اتّحدت مخارجها، كما في صوتي الدّال والتّاء، وكما في صوتي الزّين*****والسّين؛ فالصّوت الأوّل من كلّ زوج مجهور والثّاني مهموس، والزّوج الأوّل شديد والثّاني رخو، والزّوجان معا من الأصوات الأسنانية اللّثوية، فبعض معنى (د) أنّها صوت شديد مجهور، وبعض هذا المعنى أيضا أنّها ليست (ت) و لا (ز)، مع اشتراك بينهما وبين القرين الأوّل في الشّدة، وبينها وبين الثّاني في الجهر. فالبعض الثّاني من المعنى، أوسمّه مفهوم المخالفة إن أردت أو الجانب السّلبي إن شئت، هو الّذي ينبني على القيمة الخلافية بين (د)، (ت) من ناحية، و بين (د) و (ز) من ناحية أخرى. ومثل ذلك يُقال في التّفريق بين كلّ صوت وآخر من أصوات اللّغة. ولعلّك قد لاحظت أنّ(ج) و(ل) في هذا الجدول ليس لهما مقابل مهموس"70

3-  التّقابل المصطلحي بين الإطباق و التّغوير:

يرى تمّام حسّان أنّ صفتي الإطباق والتّغوير يُمكن الوقوف  عليهما بالنّظر إليهما من الزّاوية الثّالثة وهي: تحرّك مؤخّر اللّسان أو مقدّمه تحرّكا ثانويا أثناء حدوث النّطق في موضع آخر.

أ‌- صفة الإطباق(Velarization):

قبل الوقوف على ماهية الإطباق – واستنادا إلى القيمة الخلافية- ينبّهتمّام حسّان القاريء محذّرا إياه من الخلط بين اصطلاحين يختلفان أكبر اختلاف، وإن اتّحدا في كثير، ممّا يخلق صلة بينهما، وهما: الطّبقية (Velar Articulation) والإطباق (Velarization)، فمن خلال آلية التّقابل المصطلحي يميّز بينهما فيرى أنّ:

 الطبقية: هي حركة عضوية يبقى اللّسان معها في وضع مُحايد، إذ يكون النّطق في مخرج الطّبق؛ أي ارتفاع مؤخّر اللّسان حتّى يتّصل بالطّبق، فيسدّ المجرى أو يُضيِّقه تضييقا يؤدّي إلى احتكاك الهواء بهما في نقطة التقائهما71." ويحدث هذا عند نطق خ- غ- ق"72.  

وأنّ الإطباق: هو ظاهرة عضلية تصحب النّطق؛ إذ يرتفع مؤخّر اللّسان في اتّجاه الطّبق دون أن يتّصل به، فيجري النّطق في مخرج آخر غير الطّبق غالبا ما يكون طرف اللّسان أحد الأعضاء العاملة فيه. و تنتج عن الإطباق قيمة صوتية تُلوّن الصّوت المنطوق برنين خاص، كما في نطق: الصّاد، والضّاد، والطّاء، والظّاء. وتجدر الإشارة إلى أنّ تمّام حسّان نفسه يقع فيما حذّر القارئ منه إذ يقول: " الاستطالة وهي نتيجة طبيعية لامتداد اللّسان من الأسنان إلى ما يُداني الجدار الخلفي للحلق، و يُسمّى التّحليق...وهو يوجد في الضّاد المصرية الحديثة، وفي كلّ الأصوات الطبقية وهي: الصّاد والضّاد والطّاء والظّاء"73.وهنا يلتبس الأمر؛ فالصّاد والضّاد والطّاء والظّاء أصوات إطباق أي مطبقة وليست أصوات طبقية ودليل ذلك قوله:" الطّبقيات الّتي يتمّ نطقها في الطّبق هي أصوات الخاء والغين  والقاف"74ويقول: " وصوت القاف لهوي، ومن ثمّ كان طبقيا لا مطبقا"75؛ أي يوصف بالطّبقية لا بالإطباق فأصوات الأولى هي: القاف والخاء والغين. وأصوات الثّانية هي: الصّاد والضّاد والطّاء والظّاء. وهذا ما ذهب إليه سيبويه في قوله:" ومنها [أي الحروف] المطبقة والمنفتحة، فأمّا المُطبقة فالصّاد والضّاد والطّاء والظّاء. والمنفتحة: كلّ ما سوى ذلك من الحروف؛ لأنّك لا تُطبق لشيء منهنّ لسانك ترفعه إلى الحنك الأعلى"76

   و يرى تمّام حسّان أنّ الإطباق هو أحد عناصر التّفخيم، و يُشير إلى أنّ النّحاة والقرّاء الأقدمين قد عبّروا عن الطّبقية والإطباق كليهما باصطلاح الاستعلاء، وقصدوا بذلك علوّ مؤخّر اللّسان في اتّجاه الطّبق سواء اتّصل به كما في الطبقية، أم لم يتصل كما في الإطباق77.

ب‌-                     صفة التّغوير(Palatalization):

صفة التّغوير عند تمّام حسّان تُقابل صفة الإطباق ، والتّغوير هو: نطق الصّوت الّذي مخرجه خلف الغار من الغار، أو أقرب ما يكون إليه. ويضرب لذلك أمثلة منها في لهجة العراق صوت الكاف المجاور لحركة الكسرة مغوّر كما في: فيكِ، فهم يقولون: فيتش78. وهنا تجدر الإشارة إلى أنّ تمّام حسّان قد وضع مصطلح الإطباق مقابلا لمصطلح التّغوير، في حين أنّ سيبويه جعل  مصطلحالإطباق مقابلا  لمصطلح الانفتاح79.

4-  التّقابل المصطلحي بين التّفخيم و التّرقيق:

يرىتمّام حسّان أنّ الإطباق هو أحد عنصري التّفخيم، وأنّ التّغوير هو من أسباب التّرقيق، وعليه يُمكن النّظر إلى التّفخيم والتّرقيق كالإطباق والتّغوير من الزّاوية الثّالثة، وهي: تحرّك مؤخّر اللّسان أو مُقدّمه تحرّكا ثانويا أثناءحدوث النّطق في موضع آخر.

أ‌- صفة التّفخيم:

هي ظاهرة أصواتية ناتجة عن حركات عضوية تُغيّر من شكل حُجُرات الرّنين بالقدر الّذي يُعطي الصّوت هذه القيمة الصّوتية المفخّمة. وإذا كان الإطباق هو أحد عنصري التّفخيم، فإنّ عنصره الثّاني هو التّحليق. والتحليق (Pharyngalization): هو قرب مؤخّر اللّسان من الجدار الخلفي للحلق، نتيجة لتراجع اللّسان بصفة عامّة80.

ويرى تمّام حسّان أنّ الاستطالة هي نتيجة طبيعية للتّحليق، وهذا الأخير يوجد في الصّاد والضّاد والطّاء والظّاء81. ويُشير إلى أنّ حروف الإطباق الأربعة سالفة الذّكر، مُفخّمة إلى درجة أكبر من تفخيم الحروف الطّبقية الثّلاثة: الغين، الخاء، والقاف؛ ذلك لأنّ حروف الإطباق يبقى لها تفخيمها في كلّ وضع، ومع كلّ حرف علّة سابق أو لاحق. أمّا الحروف الثّلاثة الطّبقية فإنّها لا تُفخّم في مجاورة الكسرة82.

و ممّا سبق ذكره يتّضح أنّ التّفخيم صفة صوتية دائمة مع حروف الإطباق، وعارضة مع الحروف الطّبقية؛ إذ تُفخّم الغين و الخاء والقاف إذا لم تجاورها الكسرة، ولا تُفخّم إذا جاورتها، وصنّفها تمّام حسّان في خانة الأصوات غير المفخّمة كما يظهر في الجدول.

ب‌-                      صفة التّرقيق:

تُقابل صفةُ التّرقيق صفة َالتّفخيم، و تنطلق في الأساس من "حركة مؤخّر اللّسان في أثناء النّطق؛ إذ إنّ هذه الحركة معناها إعادة تكييف حُجرة الرّنين لدى البلعوم من حيث الشّكل والحجم"83.

و يُشير تمّام حسّان إلى أنّ التّغوير من عوامل التّرقيق، إذ يقول: "أمّا التّغوير فنتيجته قيمة أصواتية مرقّقة ترقيقا عظيما"84تنتج عنها الأصوات المرقّقة غير المفخّمة وهي: الباء، الدّال، التّاء، الكاف، القاف، الهمزة، الذّال، الغين، العين، الهاء، الفاء، الثّاء السّين، الشّين، الخاء، والحاء85.

و يمكن تلخيص أسباب التّفخيم و التّرقيق فيما قاله تمّام حسّان: "و إذا كان السّبب في التّفخيم، وهو ظاهرة صوتية، ما يُلابسه من إطباق (رفع مُؤخّر اللّسان إلى الطّبق)، وتحليق (تقريب اللّسان من الجدار الخلفي للحلق)، وهما حركتان عضويتان؛ فإنّ السّبب في التّرقيق عدم هاتين الحركتين"86مع حضور التّغوير (نطق الصّوت الّذي مخرجه خلف الغار، من الغار أو من قربه).

و يُلخّص تمّام حسّان صفات الأصوات في الجدول الآتي87:

 

 

 

 

صفات الحروف

 

شـديــــــد

رخـــــــو

مركّب

متوسّــــــط

المخارج

مجهور

مهموس

مجهور

مهموس

مجهور

مجهور كلّي

 

مفخّم

غير

مفخّم

مفخّم

غير

مفخّم

مفخّم

غير مفخّم

مفخّم

غير  مفخّم

جانبي

تكراري

أنفي

نصف حرف علّة

شفوي

 

ب

 

 

 

 

 

 

 

 

 

[م]

و

شفوي أسناني

 

 

 

 

 

 

 

ف

 

 

 

 

 

أسناني

 

 

 

 

ظ

ذ

 

ث

 

 

 

 

 

أسناني لثوي

ض

د

ط

ت

 

ز

ص

س

 

 

 

 

 

لثوي

 

 

 

 

 

 

 

 

 

ل

ر

ن

 

غاري

 

 

 

 

 

 

 

ش

ج

 

 

 

ي

طبقي

 

 

 

ك

 

غ

 

خ

 

 

 

 

 

لهوي

 

 

 

ق

 

 

 

 

 

 

 

 

 

حلقي

 

 

 

 

 

ع

 

ح

 

 

 

 

 

حنجري

 

 

 

ء

 

هـ

 

 

 

 

 

 

 

 

جدول صفات الصّحاح عند تمّام حسّان

 

  

 

 

و يُشبّه تمّام حسّان هذه المنظّمة التّشكيلية الحرفية في مجموعها بمربّعات رقعة الشطرنج؛ فالمربّعات في هذه الرّقعة تختلف بحسب الاعتبارات الآتية:

1-                      سواد المربّع و بياضه.

2-                      مكان المربّع في الخط الرأسي.

3-                      مكان المربّع في الخط الأفقي.

4-                      مكان المربّع في الخط المائل.

و يشير تمّام حسّان إلى أنّ هذا الجدول بخطّه الأفقي الّذي يمثّل المخرج والصّفات جميعها، وهذا هو التّطريز الحرفي في اللّغة، إذ لا يُمكن أن يتّحد مربّعات في كلّ هذه الصّفات88، فلو اتّفق حرفان في المخرج و الصّفات لكانا صوتا واحدا.

   لمعرفة الجديد الّذي أتى به تمّام حسّان في صفات الأصوات، تجدر الإشارة إلى القديم لاكتشاف ما جدّ عليه، وذلك من خلال صفات الأصوات عند سيبويه، والّذي قسّمها على النّحو المبيّن في الجدول الآتي89:

 

 

المخارج

الصّفات

شديد

ما

بين الشّدة

والرّخاوة

رخو

لين

هاو

يمتنع النّفس معه

منحرف

أنفي

مكرّر

مجهور

مهموس

مجهور

مهموس

مفخّم

مرقق

مفخّم

مرقق

مفخّم

مرقق

مفخّم

مرقق

1-               ما بين الشّفتين

 

ب

 

 

 

م

 

 

 

 

 

 

و

 

2-               باطن الشّفة السّفلى  وأطراف الأسنان

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

ف

 

 

3-               طرف اللّسان وأطراف الثّنايا

 

 

 

 

 

 

 

 

ظ

ذ

 

ث

 

 

4-               طرف اللّسان وفويق الثّنايا

 

 

 

 

 

 

 

 

 

ز

ص

س

 

 

5-               طرف اللّسان وأصول الثّنايا

ط

د

 

ت

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

6-               ما بين طرف اللّسان وفويق الثّنايا

 

 

 

 

 

ن

 

 

 

 

 

 

 

 

7-               ما بين طرف اللّسان وفويق الثّنايا أدخل في ظهر اللّسان

 

 

 

 

 

 

ر

 

 

 

 

 

 

 

8-               حافة اللّسان إلى الطّرف وما فوقهما

 

 

 

 

ل

 

 

 

 

 

 

 

 

 

9-               أوّل حافة اللّسان وما يليه من الأضراس

 

 

 

 

 

 

 

 

ض

 

 

 

 

 

10- وسط اللّسان ووسط الحنك الأعلى

 

ج

 

 

 

 

 

 

 

 

 

ش

ي

 

11- مؤخّر اللّسان ومل يليه من الحنك الأعلى

 

 

 

ك

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

12- أقصى اللّسان وما يليه من الحنك الأعلى

ق

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

13- أدنى الحلق

 

 

 

 

 

 

 

 

غ

 

خ

 

 

 

14- وسط الحلق

 

 

 

 

 

 

 

ع

 

 

 

ح

 

 

15- أقصى الحلق

 

ء

 

 

 

 

 

 

 

 

 

ه

 

ا

 

 

 

 

   بعد تأمّل صفات الأصوات عند سيبويه و تمّام حسّان تبيّن ما يأتي:

اتّفق تمّام حسّان مع سيبويه في الشّدة والرّخاوة وما بينهما على مستوى الاصطلاح، فرجّح بذلك كفّة المصطلح القديم على كفّة المصطلح الحديث: الانفجار والاحتكاك، إلاّ أنّ نقاط الاختلاف تظهر فيما يأتي:

أقصى سيبويه الألف و الواو والياء، فعدّ الأوّل هاو في الهواء، فإقصاؤه مقبول لأنّه في مقام دراسة الأصوات الصّحيحة. ولكن، إقصاءه لحرفي اللّين: الواو والياء يحيل إلى أنّه لم ينظر إلى صورتهما غير المدّية؛ فهما أنصاف حركات Semi-Vowels. وتمّام حسّان أدرك أنّهما تختلفان عن الألف المقصية المدّية العليلة دائما، فصنّفهما في خانة التّوسّط بين الشّدة والرّخاوة.

عدّ سيبويه الجيم صوتا شديدا في أن تمّام حسّان أدرك أنّه صوت معطّش مركّب من الشّدة والرخاوة. وفي هذا يرى كمال بشر" أنّ علماء العربية في القديم لم يلتفتوا إلى التّطوّر الذي أصابها [أي الجيم] أي صيرورتها وقفة- احتكاكية بعد أن كانت وقفة خالصة"90. ويرى أنّ الجيم صوت "مركّب Affricateو رمزه [dj] وهذه الصّورة من النّطق متطوّرة عن الأصل السّابق، وعليها سار و يسير الثّقات من قرّاء القرآن الكريم"91.

وصف تمّام حسّان صوت العين بالرّخو، في حين أنّ سيبويه يقول:" وأمّا العين فبين الرّخوة و الشّديدة "92. و يرى كمال بشر أنّ "الحكم ببينية صوت العين حكم غير دقيق في النّظر الحديث؛ إذ هو صوت احتكاكي دون شكّ، وإن كان ينماز بأنّه أقلّ الأصوات الاحتكاكية احتكاكا. ولعلّ هذا هو السرّ الّذي قاد سيبويه و غيره إلى هذا الحكم"93. وعليه يمكن القول باحتكاكية العين وترجيح وجهة النّظر الحديثة لاستناد هذه الأخيرة على الأجهزة الصّوتية الدّقيقة لدراسة الصّوت.

يرى تمّام حسّان أنّ العربية الفصحى تعترف بثلاثة حروف علّة يختلف كلّ منها بين الطّول والقصر؛ أي أنّها عنده ثلاثة لكلّ منهما كمّيتان؛ إحداهما قصيرة، والثّانية طويلة أو لين94.

و ذهب تمّام حسّان إلى أنّ الأبجدية العربية لم تُعن بالعلل لا من النّاحية الأصواتية، ولا من النّاحية التّشكيلية، بل جعلت لها رموزا إضافية تابعة لرموز الصّحاح، وتدلّ على الحرف أكثر ممّا تدلّ على الصّوت95، ورموزها هي: الفتحة (ـــــَــــــ)، الضّمة ( ـــــــُـــــــ)، والكسرة (ـــــــِـــــ). ورأى أنّ " الفتحة القصيرة مثلا  ذات أصوات ثلاثة في العربية الفصحى أحدها مفخّم، وثانيها أقلّ تفخيما، وثالثها مرقّق، ومع ذلك لم يُعن واضعوا الرّموز العربية بهذا، بل وضعوا لكلّ أولئك خطّا فوق رمز الحرف الصّحيح قلّما يستعمل في أيّامنا هذه إلاّ في ظروف خاصّة و مواقف معيّنة"96.

إنّ ما اصطلح عليه تمّام حسّان بالعلل، وهي بالمصطلح الصّوتي الصّوائت، تُعاني فعلا قصورا سواء من النّاحية التّشكيلية أومن ناحية الاستعمال الصّوتي، فمن النّاحية الأولى قلّما تُستعمل حتّى في المراحل الأولى من التّعلّم. أمّا من النّاحية الثّانية، وانطلاقا من المثال الّذي ساقه تمّام حسّان فإنّ الفتحة القصيرة الّتي لا يُمكن أن تظهر بمعزل عن الصّامت، قد يغيب رمزها حتّى وإن كان الصّامت حاضرا. أمّا من النّاحية الأصواتية، فالتّلوّن الصّوتي للفتحة العربية بتفخيمها أو ترقيقها أو بينهما، لا يُمثّله من النّاحية التّشكيلية إلاّ رمز واحد هو خط صغير فوق الحرف الصّحيح. ناهيك عن ارتباط هذا الرّمز الوحيد – الّذي كثيرا ما يغيب- بالتّفخيم والتّرقيق وهما ثنائية ضدّية من قبيل الصّفات الصّوتية العامة العارضة الّتي تحضر لسبب، وتغيب لغياب هذا السّبب. ومن هنا قد يلتبس الأمر أصواتيا حتّى و إن كان الرّمز حاضرا تشكيليا، ويتّضح ذلك من خلال الأمثلة الآتية:

 

حركة مفخّمة

حركة مرقّقة

حركة بين بين

أمثلة الفتحة القصيرة

صَبر

سَبر

قَبر

أمثلة الضّمة القصيرة

صُم

دُم

قُم

أمثلة الكسرة القصيرة

صِيام

رِمال

قِيام

 

و الفرق في المعنى لا يرجع إلى التّفخيم في الحركات أو التّرقيق أو الحال الوسطى بينهما، وإنّما يرجع إلى وُجود الصّاد في صَبر، والسّين في سَبر، والقاف في قَبر؛ فالفتحة القصيرة إذن حركة واحدة من النّاحية الوظيفية، وثلاث من النّاحية النّطقية الفعلية، ومثلها الفتحة الطّويلة أي الألف. كذلك الحال بالنّسبة للضّمة والكسرة القصيرتين، فكلّ واحدة منهما تُمثّل حركة واحدة من النّاحية الوظيفية، وثلاث من النّاحية النّطقية الفعلية، ومثلهما الضّمة الطّويلة، أي الواو، والكسرة الطّويلة، أي الياء97. وبهذا يكون مجموع الحركات من النّاحية الأصواتية هو: ثمانية عشر، وليس كما ذهب تمّام حسّان في أنّها ثلاثة لكلّ منها كمّيتان، إحداهما قصيرة ، والثّانية طويلة؛ فلا يُمكن أن نستعيض بالجزء عن الكلّ، خاصّة وأنّ الحركات القصار لا تّعوّض الطّوال؛ فلا الفتحة(ــــــَــــ) تحلّ محلّ الألف (ا)، ولا الضّمة(ــــــُـــــ) تحلّ محلّ الواو (و)، و لا الكسرة(ـــــــِـــ) تحلّ محلّ الياء (ي)، والعكس صحيح.

وفي الأخير يمكن القول إنّ آلية التّقابل المصطلحي تظهر جليّة في أنظمة اللّغة العربية عامّة، والنّظام الصّوتي خاصّة، ومن خلال هذه الورقة البحثية حول: آلية التّقابل المصطلحي ودورها في تيسير الدّرس الصّوتيعندتمّام حسّان ، تتجلّى طائفة من المتقابلات على سبيل التّخالف أو التّضاد، نحو: اللّغة والكلام، الفونيتيك والفونولوجيا، الصّوت والحرف، الصّحاح والعلل، الشّدة والرّخاوة، الجهر والهمس، الإطباق والتّغوير، التّفخيم والتّرقيق... ولهذه الأخيرة دور مهم في تيسير الدّرس الصّوتي؛ لأنّ ماهية أيَّ عنصر تُعرف بذكر ما يخالف هذا الأخير، وكذا لأنّ الأشياء تُعرف بأضدادها، ويظهر ذلك قابل تمام حسّان بين مصطلحي الفونيتيك والفونولوجيا  وفرّق بينهما على أساس التّفريق السوسيري بين الكلام واللّغة كما أنّه قابل بين مصطلحي الصّوت والحرف؛ فرأى أنّ حقل الصّوت هو الفونيتيك وحقل الفونيتيك هو الكلام، وأنّ حقل الحرف هو الفونولوجيا وحقل الفونولوجيا هو اللّغة

1صلاح الدّين صالح حسنين. جهود الدّكتور تمّام حسان الصّوتية. مقال في كتاب تذكاري: تمّام حسان رائدا لغويا. عبد الرّحمن العارف. عالم الكتب. ط1. (2002). ص191.

2تمام حسّان.اللّغة العربية معناها و مبناها. دار الثّقافة. الدّار البيضاء. (2001). ص 9.

3للاستزادة يُنظر: تمام حسّان. مناهج البحث في اللّغة. من ص 38إلى ص 64.

4يُنظر: تمام حسّان. اللّغة بين المعيارية و الوصفية. ص 13.

                      اللّغة العربية معناها و مبناها.ص 32.

5تمّام حسّان. أمن اللّبس ووسائل الوصول إليه في اللّغة العربية. حوليات دار العلوم. مطبعة جامعة القاهرة.1969. ص123.

6تمام حسّان. الفكر اللّغوي الجديد. ص 27.

7يُنظر: تمام حسّان. اللّغة العربية معناها و مبناها. ص 50.

                      اللّغة بين المعيارية و الوصفية. ص 160.

  Trubetskoy. Principe de Phonologie. Parie.1949.P 03.8

  نقلا عن: تمام حسّان. مناهج البحث في اللّغة. ص 139.

9تمام حسّان. المرجع نفسه. ص67  - و ص139.

10يُنظر: تمام حسّان. اللّغة العربية معناها و مبناها. ص 45- وص 65.

11يُنظر: حلمي خليل. العربية و علم اللّغة البنيوي " دراسة في الفكر اللّغوي العربي الحديث" دار المعرفة الجامعية. 1996. ص 227- 228.

12يُنظر: حلمي خليل. المرجع نفسه. ص 228.

13يُنظر: تمام حسّان. اللّغة العربية معناها و مبناها. ص 48.  

14يُنظر: تمام حسّان. مناهج البحث في اللّغة. ص 151– 152.

15يُنظر: تمام حسّان. اللّغة بين المعيارية و الوصفية. ص 119.

16تمام حسّان. اللّغة العربية معناها و مبناها. ص 66.

17يُنظر: تمام حسّان. اللّغة بين المعيارية و الوصفية. ص 119- 129.

18يُنظر: تمام حسّان. مناهج البحث في اللّغة. ص 141.

19يُنظر: تمام حسّان. المرجع نفسه. ص 142- ص147.

20يُنظر: تمام حسّان. المرجع نفسه. ص 148- 149.

21تمام حسّان. المرجع نفسه. ص 152.

22تمام حسّان. المرجع نفسه. ص 152.

23يُنظر: تمام حسّان. اللّغة بين المعيارية و الوصفية. ص 118.

24يُنظر: تمام حسّان. مناهج البحث في اللّغة. ص 110.

25يُنظر: تمام حسّان. اللّغة بين المعيارية و الوصفية. ص 119.

26يُنظر: تمام حسّان. مناهج البحث في اللّغة. ص 153- 154.

27يُنظر: تمام حسّان. مناهج البحث في اللّغة. ص 73.

28يُنظر: تمام حسّان. مناهج البحث في اللّغة. ص 115.

29تمام حسّان. مناهج البحث في اللّغة. ص 110.

30تمام حسّان. مناهج البحث في اللّغة. ص 110- 111.

 سقط الميم من الجدول.*

31تمام حسّان. اللّغة العربية معناها ومبناها. ص 50.

32تمام حسّان. اللّغة العربية معناها ومبناها. ص 50ـ 51.

**يشير محقّق الكتاب عبد السّلام هارون في هامش ص 432إلى أنّ سيبويه عدّ هذين الجيمين جيما واحدة، و هي الجيم الّتي تكون كالشين.

33يُنظر: سيبويه. الكتاب ج4. تح: عبد السّلام محمد هارون. مكتبة الخانجي. القاهرة.(2009). ص 431- 432.

34تمام حسّان. اللّغة العربية معناها ومبناها. ص 57.

35ينظر: مهين حاجي زاده. دراسة آراء سيبويه الصّوتية في ضوء البحث اللّغوي الحديث. مجلّة التّراث الأدبي. السّنة الثانية. العدد الخامس.                 (18/11/1388هـ). ص 64. على الرّابط: www.sid.ir/fa/. محرّك البحث: Ask.

36خديجة إيكر.تنبّه سيبويه إلى الفرق بين الحروف الأصلية أو بين الفونيم والألوفون.منتديات رُواء الأدب.فضاء اللّغة"الأصوات".تاريخ النّشر: (15/01/2012).على السّاعة:01:16.على الرّابط:www.ruowaa.com.محرّك البحث: Ask.والمقال منشور أيضا على صفحة: ملتقى إحياء علوم الدّين.الغرفة الصّوتية.التّعديل الأخير بواسطة:أ.د.خديجة إيكر (يوم:25/01/2012).على السّاعة:14:12.على الرّابط:almolltaqa/com.محرّك البحث:Ask.

37تمام حسّان. اللّغة العربية معناها ومبناها. دار الثّقافة. (2001).ص 59.

 خطأ مطبعي و الصّواب هو: الزّاي.***

سقط الصّوت الّذي يخرج من هذا المخرج وهو: الرّاء.  ****

38الفايز صدار. الدّرس الصّوتي عند سيبويه (عرض، مشكلات، تقييم). على شبكة الألوكة. المجلس العلمي. (شعبان 1430هـ). على السّاعة:09:05. على الرّابط: majles.alukah.net /38007/. محرّك البحث: Ask.

و أحمد القرشي. الخلاف بين سيبويه والخليل في الصّوت والبنية. على الرّابط: https://uqu.edu.sa/majalat/. محرّك البحث: Ask.

39للاستزادة ينظر: سيبويه. الكتاب.ج2. طبعة بولاق. المكتبة الكبرى الأميرية.ط1.القاهرة. (1316)هـ.ص 405.

                      سيبويه. الكتاب.ج4. تح:عبد السّلام محمد هارون.مكتبة الخانجي.ط5. القاهرة. (1430هـ ـ2009).ص433.

40تمام حسّان. اللّغة العربية معناها ومبناها. دار الثّقافة. 2001.ص 59.

41  تمام حسّان. المرجع نفسه. ط5. عالم الكتب. 2006.ص 59.

42  يُنظر: تمام حسّان. المرجع نفسه. ص 53.

43يُنظر: صدّام الفايز. الدّرس الصّوتي عند سيبويه (عرض، مشكلات، تقييم). على الرّابط: majles.alukah.net /38007/. محرّك البحث: Ask.

44 تمام حسّان. مناهج البحث في اللّغة. ص 111.

45للاستزادة ينظر: الخليل بن أحمد الفراهيدي، العين، تح: مهدي المخزومي وإبراهيم السّامرائي،ج1، سلسلة المعاجم والفهارس،ص57- 58.

46مهين حاجي زاده. دراسة آراء سيبويه الصّوتية في ضوء البحث اللّغوي الحديث. مجلّة التّراث الأدبي. السّنة الثانية. العدد الخامس. 18/11/1388هـ. ص 64. على الرّابط: www.sid.ir/fa/. محرّك البحث: Ask.

47كمال بشر. علم الأصوات. دار غريب. (2000). ص 191.

48تمام حسّان. اللّغة العربية معناها ومبناها. ص 58.

49للاستزادة يُنظر: غانم قدوري الحمد. مخارج حروف العربية: عددها و ترتيبها بين الدّرس القديم و الدّرس الحديث(عرض و مناقشة). مجلّة الحكمة. العدد:38.(محرّم1430هـ). ص315-358.على الرّابط: http://vb/tafsir/net/tafsir19744/. محرّك البحث: Ask.

50يُنظر: كمال بشر. علم الأصوات. ص192.

51يُنظر: كمال بشر. علم الأصوات. ص194- 195.

52مهين حاجي زاده. دراسة آراء سيبويه الصّوتية في ضوء البحث اللّغوي الحديث. ص67-68.

53يُنظر: تمام حسّان. مناهج البحث في اللّغة. ص 115.

54تمام حسّان. اللّغة بين المعيارية و الوصفية. ص 118.

55يُنظر: تمام حسّان. مناهج البحث في اللّغة. ص 112.

56يُنظر:مناهج البحث في اللّغة. ص 131.

57يُنظر: تمام حسّان. مناهج البحث في اللّغة. ص 112- 113.

58يُنظر: تمام حسّان. المرجع نفسه. ص 112- 113.

59يُنظر: تمام حسّان. المرجع نفسه. ص 113.

60يُنظر: تمام حسّان. المرجع نفسه. ص 131- 132.  

61يُنظر: تمام حسّان. المرجع نفسه. ص 112.

62يُنظر: تمام حسّان. المرجع نفسه. ص 132.

63يُنظر: تمام حسّان. المرجع نفسه. ص133.

64يُنظر: تمام حسّان. المرجع نفسه. ص 133-134.

65يُنظر: تمام حسّان. المرجع نفسه. ص 135-136.

66ابن جني. سرّ صناعة الإعراب. ج1. ص22-32.

67كمال بشر. علم الأصوات.ص 381.

68يُنظر: تمام حسّان. مناهج البحث في اللّغة. ص 156.

69يُنظر: تمام حسّان. المرجع نفسه. ص 156.

الزّاي.*****

70تمام حسّان. مناهج البحث في اللّغة. ص 114.

71يُنظر: تمام حسّان. المرجع نفسه. ص 115.

72صلاح الدّين صالح حسنين. جهود الدّكتور تمام حسّان الصّوتية. ص196.

73تمام حسّان. مناهج البحث في اللّغة. ص125.

74تمام حسّان. المرجع نفسه. ص121.

75تمام حسّان. المرجع نفسه. ص125.

76سيبويه. الكتاب.ج4. ص 436.

77يُنظر: تمّام حسّان. مناهج البحث في اللّغة. ص116.

78يُنظر: تمّام حسّان. المرجع نفسه. ص116.

79يُنظر:سيبويه. المصدر السّابق. ج4436.

80يُنظر: تمّام حسّان. مناهج البحث في اللّغة. ص116.

81يُنظر: تمّام حسّان. المرجع نفسه. ص120.

82يُنظر: تمّام حسّان. نفسه. ص188.

83تمّام حسّان. اللّغة بين المعيارية و الوصفية. ص118.

84يُنظر: تمّام حسّان. مناهج البحث في اللّغة. ص116.

85يُنظر: تمّام حسّان. مناهج البحث في اللّغة. ص116. ينعت تمّام حسّان هذه الأصوات بغير المفخّمة، وفي نفس الكتاب ص187. واللّغة  بين المعيارية و الوصفية.ص118.يستعمل مصطلح التّرقيق كمقابل للتّفخيم.

تمّام حسّان. مناهج البحث في اللّغة. ص127.86

87  تمّام حسّان. المرجع نفسه. ص116.

88يُنظر: تمّام حسّان. المرجع نفسه. ص157.

89فكرة الجدول مستقاة من كتاب تمّام حسّان. اللّغة العربية معناها و مبناها. ص59. و تمّ الاعتماد على: سيبويه. الكتاب.ج4.تح:         عبد السّلام  محمد هارون. ص433.

90 كمال بشر. علم الأصوات. ص329.

91كمال بشر. المرجع نفسه. ص339.

92سيبويه. الكتاب.ج4.ص 435.

93كمال بشر. علم الأصوات. ص207.

94يُنظر: تمّام حسّان. مناهج البحث في اللّغة. ص116و ص136.

95يُنظر: تمّام حسّان. مناهج البحث في اللّغة. ص15.

96يُنظر: تمّام حسّان. مناهج البحث في اللّغة. ص15.

97كمال بشر. علم الأصوات. ص207.

@pour_citer_ce_document

أسمهان مصرع, «آلية التّقابل المصطلحي ودورها في تيسير الدّرس الصّوتي عند تمّام حسّان »

[En ligne] ,[#G_TITLE:#langue] ,[#G_TITLE:#langue]
Papier : ,
Date Publication Sur Papier : 2017-01-30,
Date Pulication Electronique : 2017-01-30,
mis a jour le : 05/11/2020,
URL : https://revues.univ-setif2.dz:443/revue/index.php?id=2080.