العلاقات السياسية والتجارية بين المملكة النوميدية وجزيرة ديلوس خلال القرن الثاني...
Plan du site au format XML


Archive: revues des lettres et sciences sociales


N°01 Avril 2004


N°02 Mai 2005


N°03 Novembre 2005


N°04 Juin 2006


N°05 Juin 2007


N°06 Janvier 2008


N°07 Juin 2008


N°08 Mai 2009


N°09 Octobre 2009


N°10 Décembre 2009


N°11 Juin 2010


N°12 Juillet 2010


N°13 Janvier 2011


N°14 Juin 2011


N°15 Juillet 2012


N°16 Décembre 2012


N°17 Septembre 2013


Revue des Lettres et Sciences Sociales


N°18 Juin 2014


N°19 Décembre 2014


N°20 Juin 2015


N°21 Décembre 2015


N°22 Juin 2016


N° 23 Décembre 2016


N° 24 Juin 2017


N° 25 Décembre 2017


N°26 Vol 15- 2018


N°27 Vol 15- 2018


N°28 Vol 15- 2018


N°01 Vol 16- 2019


N°02 Vol 16- 2019


N°03 Vol 16- 2019


N°04 Vol 16- 2019


N°01 VOL 17-2020


N:02 vol 17-2020


N:03 vol 17-2020


N°01 vol 18-2021


N°02 vol 18-2021


N°01 vol 19-2022


N°02 vol 19-2022


N°01 vol 20-2023


N°02 vol 20-2023


A propos

avancée

Archive PDF

N° 24 Juin 2017

العلاقات السياسية والتجارية بين المملكة النوميدية وجزيرة ديلوس خلال القرن الثاني...


عبد الحق مسعي
  • resume:Ar
  • resume
  • Abstract
  • Auteurs
  • TEXTE INTEGRAL
  • Bibliographie

مثلت فترة حكم ماسينيسا وأبنائه انفتاحا لنوميديا على العالم الإغريقي، وكانت جزيرة ديلوس من أكثر المناطق التي قدمت لنا شواهد مادية على هذا الانفتاح ووجود لحركة تجارية بين نوميديا والعالم الإغريقي، وتمثلت هذه الشواهد في إهداءات وتماثيل أقامتها الجزيرة على شرف الملوك النوميد، مقابل هدايا وإعانات من المملكة النوميدية لشعب ديلوس أو لنيقوميد ملك بيثينيا، وعند العودة لهذه المصادر المادية نلاحظ أن العديد من الباحثين قد تسرع في إطلاق أحكام وتكهنات حول طبيعة هذه العلاقات وطريقة ربطها، لذا لا بد من أن نكون حذرين في استقرائها وتقديم التكهنات حولها، ومحاولة فهم أبعادها السياسية والحضارية، وما الإضافة التي بإمكانها تقديمها حول مكانة المملكة النوميدية في الحوض المتوسطي.

الكلمات المفتاحية: نوميديا، ماسينيسا، غولوسا، ديلوس، نيقوميد

Les règnes de Massinissa et de ses fils sont marquées par une ouverture de la Numidie sur le monde grec, comme en témoignent les vestiges trouvés sur l’ile de Délos qui mettent en évidence l'existence d’un mouvement d’échanges commerciaux. L’ile en question a livré des inscriptions et des statues érigées en l'honneur des rois numides, en retour de dons et du soutien du royaume numide au peuple de Délos et à Nicomède roi de Bithynie. Ces témoins, ayant fait l’objet de différentes analyses et hypothèses concernant la nature des relations entre les rois numides et les grecs, doivent être réexaminés avec prudence afin de comprendre leur dimension politique et culturelles ainsi que leur contribution à la connaissance de la place du royaume numide dans le bassin méditerranéen.

Mots-clefs: Numidie, Massinissa, Gulussa, Délos, Nicomède

The reigns of Massinissa and his sons were marked by the opening of Numidia to the Greek world, as evidenced by the remains found on the island of Delos which show the existence of a movement of trade between them. The island has delivered inscriptions and statues erected in honor of the Numid kings in return for donations and support of the Numidian kingdom to the people of Delos and to Nicomedes king of Bithynia. These witnesses, who have been the subject of various analyzes  and hypotheses concerning the nature of the relations between the Numidian kings and the Greeks, must be carefully re-examined in order to understand their political and cultural dimension and their contribution to the knowledge of the place of the Numidian Kingdom in the Mediterranean basin.

Keywords : Numidia, Massinissa, Gulussa, Delos, Nicomedes

مقدمة

لعبت قرطاج ومستوطناتها دور الوسيط التجاري ما بين الشمال الإفريقي القديم وباقي أنحاء حوض المتوسط، لكن بعد تراجع الهيمنة القرطاجية وازدهار الممالك المحلية، ربطت المملكة النوميدية علاقات تجارية مباشرة مع العالم الخارجي، وتشير مجموعة هامة من النقائش التي اكتشفت سواء ببلاد الإغريق أو بشمال افريقيا إلى استيطان العنصر الإغريقي في نوميديا، وكذا علاقات تجارية ودبلوماسية بين العالم الإغريقي والمملكة النوميدية، والتي يدل عليها التردد الكبير للبحارة والتجار الإغريق بالموانئ النوميدية.

ويعتبر ماسينيسا أول ملك نوميدي ينفتح على سواحل وجزر العالم الإغريقي، فكانت صادرات ممكلته من القمح تمثل أهم السلع المصدرة التي جعلته معروفا لدى مختلف المدن الإغريقية، مثل رودس وديلوس([1]). وكان من بين العوامل التي ساعدت على إقامة هذه المبادلات التجارية بين العالم الإغريقي ونوميديا، هو وجود جالية إغريقية هامة بالمملكة النوميدية، والتي نجد الكثير من الإشارات حول وجود العناصر الإغريقية في محيط الملوك النوميديين، أهمها بلا شك ما يرويه لنا سترابون عن وجود جالية من الإغريق في سيرتا([2])، وإن كان يسكت عن طبيعة مهن هؤلاء الإغريق المستقرين، لكن بلا شك كان من بينهم تجار([3]). وقد قدمت لنا تنقيبات معبد الحفرة بقسنطينة مجموعة من النقائش الإغريقية تعتبر دليل مادي على وجود مثل هذا الاستقرار خلال القرن الثاني قبل الميلاد([4]). وعلى العموم من المؤكد أن الإغريق قد ربطوا علاقات تجارية نشطة مع المملكة النوميدية طيلة فترة القرن الثاني والنصف الأول من القرن الأول ق.م([5])، ويبدو أن الصادرات النوميدية نحو بلاد الإغريق لم تنحصر في القمح فحسب، حيث نجد إشارات لسلع أخرى صدرتها نوميديا مثل العاج وخشب الثويا([6]).

أما بخصوص الأدلة التي تشير لوجود العلاقات التجارية بين المملكة النوميدية والعالم الإغريقي خلال القرن الثاني قبل الميلاد، فمن الممكن اعتبار وجود الأمفورات الرودية في المدن النوميدية دليل على وجود تجار إغريق بهذه المدن، وقد قدم لنا Berthierدراسة لأمفورات مكتشفة في سيرتا يعددها ب16أمفورة رودية مكتشفة بمناطق مختلفة حول العاصمة النوميدية([7]) وأرخها بعهدي ماسينيسا وميكيبسا، كانت تحمل بلا شك سلعا مختلفة من بلاد الإغريق، تمثلت على الأرجح في الخمر المستخدم بكثرة في الطقوس الجنائزية([8])، خاصة إن علمنا أن معظمها اكتشف بالمقابر وفي داخل الضريح الملكي بالخروب([9])، وهي إشارة لاحتمال وجود فئة من التجار الروديون أو الإغريق في المملكة النوميدية([10]). كما يشير غزال أيضا إلى نقيشة إغريقية من نفس الفترة عثر عليها في المدينة البحرية هيبوريجيوس تشير إلى تجار إغريق مستقرين بها([11])، وعموما تؤكد هذه الآثار المادية أن المنتجات الإغريقية تغلغلت بإفريقيا إلى درجة هامة أثرت بها على الحياة اليومية للسكان المحليين([12]).

   وإن كانت المملكة النوميدية قد قدمت بعض الدلائل حول وجود علاقات نوميدية إغريقية، فإن بلاد الإغريق هي الأخرى قد قدمت لنا شواهد مادية لهذه العلاقات، ولعل أهم هذه المصادر قد اكتشف في جزيرة ديلوس. الأخيرة قدمت لنا مجموعة من النقائش التي ذكرت الملوك النوميد كماسينيسا وغولوسا، تدل على علاقات تقارب مهمة بين الجزيرة ونوميديا.

غير أن هذه المصادر النقائشية تقودنا لطرح مجموعة من التساؤلات الهامة : فهل كانت هذه المبادلات التجارية منتظمة أم أنها انحصرت في أمثلة معزولة؟ لكون المصادر لا تؤكد ولا تنفي وجود مثل هذه التجارة المنتظمة بين نوميديا والعالم الإغريقي عموما وديلوس خصوصا([13])، هذه الجزيرة التي يبدو أنها قد احتلت مكانة هامة لدى السلالة الملكية النوميدية طيلة القرن الثاني، وأيضا ما كان دور هذه العلاقات الاقتصادية في ربط العلاقات السياسية بين ديلوس والملوك النوميد؟

أولا: القمح النوميدي في ديلوس

ظهرت نوميديا بعد عام 200ق.م كمصدر هام للقمح بفضل اهتمام ملوكها بتطوير الزراعة، وامتلاكها لوفرة وفائض هام من هذا المنتوج، وقد صدّرت نوميديا كميات هامة من القمح للجيوش الرومانية في مقدونيا واليونان. غير أنه بعد سنة 189ق.م قلت حاجة الرومان للقمح النوميدي بعد نهاية حربهم على مقدونيا([14])، في وقت امتلكت فيه نوميديا وفرة أكبر من إنتاج القمح مما جعل الملك النوميدي ماسينيسا يتجه لتصديره لزبائن آخرين غير الرومان، ومثلت جزيرة ديلوس في هذه المرحلة على ما يبدو سوقا جديدا استقبلت القمح النوميدي.

حصلت جزيرة ديلوس على كميات من القمح من الملك النوميدي ماسينيسا في حوالي عام 180ق.م([15])، لكن دون أية إشارة واضحة إنا كانت هي من طلبت هذه البضاعة، أو أنها كانت مبادرة من الملك ماسينيسا، كما لم تشر أي من المصادر للصفة التي قدمت بها هذه البضاعة، إن كانت هبة أو دفع مقابلها.

كل ما نعرفه عن هذه البضاعة النوميدية هي ما سجل في حسابات الدفع ضمن ما يعرف بالجمعية الديلية، وهي نقيشة من مئات الأسطر اكتشفت بمعبد أبولون بديلوس، حيث ذكر فيها بهذا الخصوص في الأسطر من 100إلى 104([16]) عمليات إيداع، قدمت على أربع دفعات كمبالغ مالية ثمنا لبيع "الحبوب المستلمة من ماسينيسا"([17]).

وحسب هذه السجلات دائما فقد بلغ حجم هذه البضاعة 2796,5مديمن Médimnes([18])، أي في حدود 14500هكتولتر على اعتبار أن حجم المديمن الواحد من القمح نجده في حدود 52لتر من القمح([19])، وقد بيعت هذه البضاعة النوميدية على مرحلتين، حيث تقرر بيع النصف الأول منه للشعب، وإيداع النصف الثاني بخزينة المدينة ليباع لاحقا على ثلاث دفعات بلا شك في بداية عام 179ق.م([20])، وتم إيداع المال المتأتى من عملية البيع المذكورة بواسطة لجنتين مختلفتين من المحافظين وفق الجدول التالي([21]) :

رقم السطر

قيمة المال المودع

  المكلفين بعملية الإيداع

100

4454 دراخم

  السفير الرودي

  Amnos

  Phanos

  Phillacos

102

2530 دراخم

  Hermon fils de Solon

  Sémos fils de cosmiadés

  Solon fils de Métonymes

103

375 دراخم

 نفس اللجنة السابقة

104

2560 دراخم

 نفس اللجنة السابقة

 

لنجد أن مجموع مداخيل القمح النوميدي لصالح خزينة المدينة قد بلغ عشرة آلاف دراخم تقريبا (9919دراخم)، ويثير هذا الجدول عددا من الملاحظات. 

الملاحظة الأولى حول ما ورد في هذه السجلات، أنها لم تذكر كلمة هبة بل اكتفت بعبارة الحبوب المستلمة من ماسينيسا، وعلى أساس أن المديمن الواحد قد بيع بثمن يتراوح ما بين ثلاث دراخمات (بعملية البيع الأولى) وأربع دراخمات (بباقي عمليات البيع)([22])،  ولكون السعر العادي في السوق للمديمن الواحد من القمح كان يبلغ حوالي عشرة دراخمات([23])، فهل يمكن تفسير هذه الأثمان الرخيصة التي بيعت بها لكون البضاعة هبة مجانية كما يذهب له العديد من الباحثين([24]).

أما الملاحظة الثانية فتتمثل في كون السجلات قد ذكرت في عملية البيع الأولى أسماء المحافظين الديليين الثلاثة الملكفين بعملية البيع والإيداع، في حين أغفلت ذكر اسم السفير الرودي، و الذي يعتبر تجاهل ذكر اسمه أمرا غريبا بالنظر إلى دوره المفترض في الحصول على هذه البضاعة، وكونه ممثل لقوة بحرية كبرى تتمثل في  رودس.

ويمكن الإشارة لملاحظة ثالثة حول كون عملية بيع وإيداع الأموال قد كلفت بها لجنتان مختلفتان، تمثلت اللجنة الأولى في ثلاثة محافظين رئيسيين للمدينة رفقة السفير الرودي، أما اللجنة الثانية فتشكلت من أعضاء مختلفين عن الأولى، والتي من الممكن أن تكون لجنة خاصة عينها الشعب لبيع ما تبقى من قمح ماسينيسا([25]).

بالعودة إلى الملاحظة الأولى والرأي القائل بمجانية البضاعة النوميدية المصدرة، نجد أن أكثر ما يدعم الرأي القائل بمجانيتها هو الأثمان الزهيدة التي بيعت بها، وأيضا لكون كميتها ليست بالحجم الهام، مقارنة على الأقل بما كانت تصدره نوميديا للجيوش الرومانية في مقدونيا واليونان، والتي وصلت على سبيل المثال عام 170ق.م إلى حوالي سبعين ألف قنطار من القمح([26]). لكن هل يمكن اعتبار الأثمان الرخيصة وحجم البضاعة الصغير نسبيا دليلين كافيين للقول بمجانيتها؟

أما عن الملاحظة الثانية المتعلقة بذكر السفير الرودي كأحد الأشخاص المكلفين بعملية بيع القمح النوميدي، هذا يجعلنا نتساءل عن تلك الوساطة الرودية التي افترضها بعض الباحثين([27])، والتي لعبت حسبهم دورا في نقل الهبة من نوميديا إلى ديلوس، غير أننا لا نعلم الكثير عن وجود مثل هذه الوساطة إلا عبر ذكر شخصية رودية كسفير ومساهمته في عملية إيداع المال بعد عملية البيع الأولى. كما لن يكون من المنطقي مساهمة مدينة عظمى مثل رودس([28]) في مثل هذه العملية المتواضعة لواقع الحمولة الصغيرة نسبيا من القمح، والتي يمكن لسفينة واحدة نقلها من نوميديا إلى ديلوس([29])، فهل كانت اجتهادا من تاجر رودي فقط؟

وحول اسم الشخصية الرودية المساهمة في عملية البيع، ربط بعض من الباحثين هذا الرودي وهبة القمح عموما، بنقيشتين تتمثلان في إهداءين للملك ماسينيسا بجزيرة ديلوس، احتوى الإهداء الأول على اسم أحد المحافظين الديليين الذين قاموا بعملية الإيداع سالفة الذكر وهو المدعو "هرمون (Hermon) ابن صولون"، في حين كان الإهداء الثاني من طرف شخصية رودية تدعى "خارميلوس" (Charmylos)، وورد في نص الإهداءين :

[β]ασιλέα Μασαννά̣ [σαν]

βασιλέως Γαία

Ἕρμων Σόλωνος

τὸν αὑτοῦ φίλον

             Ἀπόλλωνι.

Πολιάνθης ἐπόει.    

الشكل 1

Inscriptions Grecques  (IG) : XI,41115

 

- الإهداء الأول :

"[تمثال] الملك ماسينيسا، ابن الملك غايا، [مكرس من طرف] هرمون Hermonابن صولون Solon، صديقه، من إنجاز بوليانتيس Polianthés"([30])

βασιλέα Μασαννάσαν βασιλέως Γαία

  Χαρμύλος Νικάρχου Ῥόδιος

           θεοῖς.

الشكل 2

Inscriptions Grecques (IG) : XI,41116

 

- الإهداء الثاني :

 "بقرار من الشعب جسد [تمثال] ماسينيسا، ابن الملك غايا، [مكرس من طرف] خارميلوس Charmylosابن نيكارخوس Nicarchos، من رودس، للآلهة"([31])، والذي يبدو أنه مثل قاعدة لتمثال أهداه خارميلوس للملك النوميدي.

وعلى أساس أن يكون الإهداءين يمثلان عربون شكر للملك ماسينيسا مقابل هبته، فقد أرخا بفترة قصيرة من وصول الهبة (179ق.م)([32])، وذلك اعتمادا على احتواء الإهداء الأول على اسم أحد المحافظين الديليين الذي كلفوا بعملية بيع القمح النوميدي، في حين ربط الإهداء الثاني بشخصية السفير الرودي المجهولة واعتبر أنه هو نفسه خارميلوس([33]).

غير أن هذا الرأي يبقى مجرد تخمين، حيث لا نعلم تأريخ الإهداءين بالضبط، وحتى فكرة ربطهما بهبة القمح النوميدي اعتمدت على كون الإهداء الأول كان من طرف هرمون، أحد أعضاء اللجنة الثانية المكلفة بعملية البيع. وبالعودة لقراءة هذا الإهداء الأول نلاحظ أن هرمون وصف الملك ماسينيسا بصديقه، مما يرجح أنه زار نوميديا ليربط علاقة الصداقة معه، وإن كان هذا صحيحا فنتساءل عن مدى جدوى الاستعانة بوساطة من رودي، ولو أن Gautierافترض أن هذه الصداقة قد ربطت بعد قدوم الهبة([34]). أما الإهداء الثاني الذي ربط خارميلوس بالهبة أيضا، فقد اعتمد هذا الرأي فقط على كون صاحب الإهداء من رودس، والتكهن بكونه هو نفس الشخصية الرودية المذكورة في عملية البيع الأولى، لكن لا دليل يدعم هذا الرأي، والذي نراه إصرارا غير مؤسس من طرف الباحثين فقط لإثبات أن رودس لعبت دور الوساطة في البلاط النوميدي من أجل إيصال هذه الهبة إلى ديلوس، واستخدمت في ذلك سفنا رودية لعدم امتلاك نوميديا لسفن بحرية تقطع هذه المسافات الطويلة([35]).

ورغم صعوبة تقديم تفسير لهذه الملاحظات، فإنه لا بد من العودة إلى جوانب أخرى لنرى مدى إمكانية ربطها بعملية القمح النوميدي، وعلى رأسها إشكالية التاج الذهبي الذي أهدته ديلوس للملك ماسينيسا.

ثانيا : تاج ديلوس الذهبي المهدى لماسينيسا

ظهر ذكر هذا التاج في النقائش المالية للجزيرة([36])، فقد ورد فيها ذكر لعملية جرد لمبالغ مالية في سنة 180ق.م، تمثل مبالغ اقترضها الصندوق العمومي للمدينة من معبد أبولون قصد صناعة أربعة تيجان ذهبية وإهدائها لشخصيات معروفة، تمثلت في كل من فيليب الخامس ملك مقدونيا، وماسينيسا ملك نوميديا، ويومينس الثاني ملك برغاما، ولشعب جزيرة رودس([37])، وتم تسديد هذا القرض حسب هذه النقائش سنة من بعد (179ق.م).

وعليه صنعت ديلوس عام 180ق.م تاجا ذهبيا لتهديه للملك ماسينيسا([38])، وعلى أساس أن هبة القمح قد وصلت في نفس الفترة تقريبا، يضعنا هذا أمام إشكالية أي من العمليتين سابقة على الأخرى، وإن كانت معظم الكتابات تحاول أن تركز على فكرة أن إهداء التاج كان نتيجة لتقديم ماسينيسا لهبة القمح.

فيقدم Gautierعند دراسته لهذه المسألة ترتيبا زمنيا للأحداث مثيرا للاهتمام، فيشير إلى وجود سفير نوميدي (لا نعلم عنه شيئ) قد زار ديلوس عام 180ق.م لتأكيد نوايا الملك الحسنة وقاد على الأغلب عملية تقديم هدايا وتكريمات لصالح معبد أبولون، تمثلت في هبة من القمح (وهي التي بيعت في العملية الأولى)، مما جعل الديليين يصوتون لإهداء تاج ذهبي للملك ماسينيسا وأعطوه لشخصية رودية (السفير المذكور في النقيشة) ليأخذه إلى نوميديا ثم عاد قبل نهاية السنة (180) محملا بهبة قمح أخرى ليسلمها لمجلس المدينة والتي بيعت في المراحل اللاحقة([39]).

غير أن هذه الفرضية صعبة التصديق لكون السفير الرودي ظهر في عملية البيع الأولى وليس الثانية، وكذلك القرض الذي أخذته المدينة من المعبد من أجل التاج الذهبي، لم تكن بحاجة له لو صدقت النظرية لكون عملية البيع قبل إهداء التاج إن وجدت ستسمح بتوفير المال الكافي لصناعة التاج دون طلب القرض([40]).

ودوما ضمن الرأي القائل بأن إهداء التاج كان عربون شكر  للملك ماسينيسا على هبة القمح التي منحها للجزيرة، يرى آخرون أن الديليين قد طالبوا عبر تصويت بإهداء تاج ذهبي للملك النوميدي بعد سماعهم بالإعلان عن قدوم هبة القمح، واقترضوا المال من أجل صناعته([41]). لكننا نتساءل كيف يمكن أن يصل الإعلان ويتم عمل التاج وتصل الحمولة في نفس الفترة القصيرة، وكذلك كمية هذه الهبة لا تستحق ضجة كبرى ليتم تسبيق الإعلان عنها، هذا مع الإشارة إلى أن الاقتراض لصناعة التاج كان ضمن قرض يشمل مجموعة من الإهداءات لأربعة تيجان ذهبية في نفس الفترة([42]). مما يجعلنا نشك أن إهداء التاج كان نتيجة لقدوم الهبة، والرأي الراجح سيكون عكس ذلك، أي أن هبة القمح قد وصلت بعد إهداء التاج، ففي هذه الحالة عربون الشكر لم يكن من طرف ديلوس إلى ماسينيسا، بل كان من ماسينيسا لديلوس على إهداءه التاج.

لكن كيف سيكون ترتيب الأحداث إن قبلنا بهذا الطرح، هنا لا بد لنا أن نعود لشخصية هرمون ابن صولون التي نرى أنها لم تأخذ ما تستحق من التعمق في الدراسات السابقة، وبداية نحاول أن نعيد ذكر ما نعرفه عنه :

- هو صاحب الإهداء الذي يصف الملك ماسينيسا صراحة أنه صديقه مما يدل على زيارته المملكة، فالعبارة المستخدمة تدل على معرفة شخصية ولقاء مباشر  وإلا لكان استخدم عبارة صديق الملك (العبارة المستخدمة لملوك يعرفون فقط عبر سفاراتهم([43]))، أي أن شرط الوساطة يتوفر فيه بقوة (رغم الادعاء أن صداقته ربطت بعد الهبة، لكن لا دليل على ذلك).

- وكذلك نجده على رأس اللجنة الخاصة لبيع القمح النوميدي رفقة شخصيتين (صولون وسيموس)،  ويرى البعض أنهما من أقاربه (ربما صولون هو نفسه والده([44]))، هذه اللجنة المذكورة قامت بعمليات البيع الثلاث لعام 179ق.م، والتي مثلما سبق ذكره ليست لجنة دائمة ولا رسمية بل فقط خاصة ببيع القمح النوميدي، مما يجعلنا نؤيد فكرة وجود دور لهرمون في الحصول على البضاعة النوميدية.

- كذلك عملية إهداء تاج لملك أجنبي لا تكون إلا عبر  تصويت من شعب ديلوس بعد أن تقدم دعوة أو اقتراح لذلك من طرف شخصية ديلية([45])، وهو شرط يتوفر على هرمون (الشخصية الديلية المرموقة بلا شك)، وليس لسفير أجنبي أن يدعو لمثل هذه الخطوة، بل نحتمل حتى أن هرمون قد دافع عن الفكرة وعمل على الحصول على القرض لصناعة التاج، ولكونه أحد المكلفين بعملية البيع فيكون قد حرص على إعادة القرض المأخوذ من المعبد عبر المال الذي بيع به القمح النوميدي.

هل يمكن القول استنادا لما سبق، أن هرمون ابن صولون، الشخصية الديلية، هو من كان العامل الرئيسي في إهداء التاج للملك ماسنيسا، والذي كانت تربطه معه علاقة الصداقة قبل هذا التاريخ (180ق.م)، ويكون هو نفسه من حرص على نقله على الأرجح في سفينة رودية رفقة السفير الرودي إلى نوميديا، وهناك سلم للملك ماسينيسا هذا التاج الذهبي كعربون صداقة من شعب ديلوس لملك لنوميديا، وكان رد ماسينيسا كريما، حيث منحهم هبة القمح التي ملأت سفينتهم ليعودوا بها إلى ديلوس، ويصلوا قبل نهاية عام 180ق.م.

هذا التسلسل الزمني للأحداث يجعلنا أمام واقع أن ديلوس هي من قامت بالخطوة الأولى للتقرب من الملك النوميدي وليس العكس من ذلك، وإن صح هذا الرأي فلا بد من إعادة بناء تصور جديد للعلاقات النوميدية الإغريقية، والتي كانت في مختلف الدراسات السابقة تعتبر خطوات وثمار مجهودات من الملوك النوميد لربط مثل هذه العلاقات. في حين أنه من الممكن أن يكون العالم الإغريقي هو من سعى وجهد إلى ربط علاقات مع الملوك النوميد، لما كانت تمثله هذه المملكة الجديدة من ثراء اقتصادي، بمنتجات مختلفة كانت تمثل الحاجيات الرئيسية للعالم الإغريقي (القمح، الخشب، العاج...)، وأيضا كسوق مقتوحة لتصريف المنتجات الإغريقية المصنعة (خاصة مع هيمنة روما على معظم الأسواق القديمة التي كانت اليونان تصرف منتجاتها بها مثل جنوب إيطاليا وصقلية).

ثالثا : نقيشة غولوسا في ديلوس

 

ΓΟΛΟΣΣΑΝ

     ΤΟΤΣΕ////

     ΦΟΙΝΙΞΙ//

ΤΟΤΣΕΑYΤΟ

 KAIOMONO

 

الشكل 3

 Inscriptions de Délos : ID, 1578

 

اكتشف في جزيرة ديلوس إهداء آخر كان أكثر إثارة للجدل، ويتمثل في بقايا نقيشة كانت على الأغلب تمثل قاعدة تمثال، ذكر فيها اسم "غولوسا" أحد أبناء الملك ماسينيسا ([46])، حيث نجد بها خانتين غير مكتملتين، تحوي الخانة الأولى على اسم واحد هو غولوسا (دون صفة ملك أو أمير)، والثانية على عبارات غير مكتملة في أربع أسطر يمثل السطر الثاني منها اسم Phoinix([47]).

ويبدو أن هذا اللوح ينقصه جزء أيمن بالتأكيد، وربما جزء آخر على اليسار، وأصبحت الأجزاء الناقصة مجالا للتكهن من أجل إعطاء قراءة للنقيشة، وأدى ذلك لاختلافات جوهرية حول صاحب الإهداء، وتأريخه، وعلى هذا نذكر هنا ثلاثة آراء حول هذا الجدل، مع ذكر تناقضها أو نقائص قراءاتها :

- الرأي الأول لهيكس Hicks([48])حيث يكمل العبارات على اليمين ليقدم ترجمة بسيطة ومباشرة للنقيشة : "الشعب يكرس للآلهة [تمثال] الملك غولوسا..." ومنه فالأمر يتعلق حسبه بتمثال أو نصب تبجيلي أقامه شعب ديلوس لغولوسا، واعتقادا منه أن التكريم كان بطلب من غولوسا حتى يبجل نفسه في نفس المكان الذي بجل فيه والده، في جزيرة ديلوس مثلما سبقت الإشارة له. وحسب هيكس دوما لا بد أن يكون ذلك عشية احتلال قرطاجة (146ق.م) حيث كان حاضرا إلى جانب الرومان، ويوافقه آخرون بهذه الفكرة مستندين إلى ترجيح وجود علاقات مباشرة بين غولوسا والجزيرة([49]).

لكن هذه القراءة لا تفسر لنا لماذا ذكر هو فقط كملك رغم أنه كان شريكا في الحكم إلى جانب أخويه ميكيبسا ومستنبعل، ولا الهدف من ذكر الاسم الإغريقي (Phoinix) في هذا الإهداء الملكي.

- أما بازلي Baslez([50])فترجح أن هذه القاعدة تمثل الجزء الأوسط لثلاث ألواح تحمل إهداءا واحدا، موجها حسبها للملك ماسينيسا من طرف أبنائه، ويمكن التعرف على الابن الأول وهو غولوسا أما الثاني فتحتمل أن يكون أحد إخوته، إما ميساغاناس Misagénès، أو مستنبعل باحتمال أقل. كما احتوت النقيشة على اسم إغريقي Phoinixالذي حسبها دوما يحتمل أن يكون شخصية إغريقية كلفت من طرف الأمراء النوميد بإقامة تمثال للملك ماسينيسا في ديلوس، ولتعطي هذه الفكرة بعدا منطقيا، ذهبت للقول بأن هذا الإغريقي كان شريك مع الأمراء النوميد، ومستقرا في البلاط النوميدي وترجح حتى كونه أحد معلمي الأمراء بشكل خاص، قدم حسبها بكل تأكيد من أثينا([51]).

ويوافق هذا الرأي مجموعة لا بأس بها من الباحثين([52])، الذين يعتمدون في نظريتهم على  مجموعة من الإشارات في النصوص القديمة حول وجود عناصر إغريقية في محيط الملوك النوميديين، وخاصة فترة حكم ماسينيسا وخليفته ميكيبسا، وبإمكاننا هنا أن نشير إلى بعضها، مثل زيارة الملك القوريني بطليموس الثامن إيفرجير الثاني Ptolémée VIII Evergére IIللعاصمة سيرتا والتي كانت ما بين 160-155ق.م([53])، فقد أشار بطليموس في مذكراته عن إقامته في سيرتا أن موسيقيين إغريق وجدوا في بلاط الملك النوميدي واللذين يبدو أنه استقدمهم أساسا لإحياء حفلاته وولائمه([54]). كما يخبرنا تيتليف أن مستنبعل ابن ماسينيسا قد تمتع بثقافة إغريقية([55])، وهي إشارة تدل على استفادته من وجود معلمين إغريق يعيشون في القصر الملكي مكلفين بتعليم الأمراء وأبناء العائلة الحاكمة. ومن جهة أخرى فإن ديودور يشير أن ميكيبسا كان يعيش رفقة إغريق مثقفين استدعاهم إلى جانبه، وهو نفسه كان يتعاطى دراسات مختلفة وخصوصا الفلسفة([56]).

لكن القراءة التي اعتمدت عليها بازلي بكون هذا الإهداء أقيم من طرف أبناء الملك ماسينيسا ضعيفة، ومحاولتها التكهن باسم أحد الأخوين لغولوسا، لم تستند فيه سوى على زيارة مفترضة لأحدهم للجزيرة، فميساغاناس قد شارك بالفعل في الحملة الرومانية على مقدونيا([57])، لكن هذا لا يمثل أي دعم لإضافة اسمه بالإهداء المذكور إلى جانب غولوسا، وحتى مستنبعل الذي يحتمل أنه قد زار بلاد اليونان وشارك في الألعاب الأثينية حيث سجل اسمه كمنتصر([58])، فلا دليل على زيارته لجزيرة ديلوس. 

- في حين نجد رأيا آخرلـ Durrbachالذي يعتبر هذه النقيشة جزءا من نقيشة نيقوميدالشهيرة (سنتحدث عنها لاحقا) كإهداء لغولوسا ووالده ماسينيسا من طرف الملك البيثيني([59]). ويذهب كل من Hatzfeldو Rousselلأكثر من ذلك بافتراض أن نيقوميد قد نصب أربعة تماثيل موجهة لماسينيسا وأبنائه وربما لأشخاص آخرين تلقى منهم المعونة، ومن بينهم كان تمثال غولوسا الذي تمثل نقيشتنا قاعدته([60])، وقد أيده في هذا مجموعة من الباحثين([61]).

لكن هذه القراءة لا تقدم أي تفسير للخانة اليمنى للإهداء، حيث كتب المؤلفان Hatzfeldو Rousselصراحة : "...كما أنه لا يمكن تفسير النقش على يمين لوحة ليدز، وفونيكس قد يكون اسم أو لفظ ديني..."([62])، وعلى هذا نجد ضم هذه النقيشة لإهداء نيقوميد فقط لاحتوائه على اسم أحد أبناء ماسينيسا أمرٌ ضعيف الحجة.

وعموما إن حاولنا تقديم زاوية جديدة لتحليل هذا الإهداء، ربما علينا العودة لشخص غولوسا نفسه، فنحن نعلم أن الأمير النوميدي كان هو المفضل عند والده الملك ماسينيسا كجنرال وسفير نوميدي، فقد ذكر بالعديد من المرات كسفير للملك لدى روما (أعوام 172-171،152ق.م)([63])، ويبدو أن تاريخ إقامة هذا الإهداء على شرفه كانت قبل وفاة والده (لكونه ذكر وحده دون إخوته ودون صفة الملك). في هذه الفترة وكما سبق ذكره  كان لنوميديا علاقات حسنة مع ديلوس، وعدة أصدقاء ديليين، فهل من الممكن أنه زار جزيرة ديلوس في رحلة من رحلاته كسفير لوالده، وخلال وجوده بالجزيرة أقام معلما ملكيا حمل اسمه، لكن لا نعلم إن كان مهدى للملك والأمراء النوميد أو خاص به فقط.

وعموما يثبت لنا هذا الإهداء أن غولوسا قد حصل على تمثال تشريفي له بديلوس يؤكد علاقة مباشرة بينه وبين الجزيرة.

 

رابعا: نقيشة نيقوميد ملك بيثينيا

[βασιλεύ]ς Νικομήδης Έπι[φ]ανής

[βασιλέως] Προυσι'ου

β[ασιλέα Μασα]ννάσ[α]ν βασιλέως Γαία

οιαν ? ττατ[ρικην έσχ]ηκότα προς αυτόν α['ί]ρεσιν

καί εΰνοιαν.

الشكل 4

Inscriptions de Délos : ID, 1577

 

رغم الاحتلال الروماني لجزيرة ديلوس إلا أنها واصلت تقديم شواهد على صلاتها مع نوميديا، مما يدل على مكانة خاصة احتلتها هذه الجزيرة لدى العائلة الملكية النوميدية، حيث اكتشف بها نقيشة أخرى على لوح رخامي أبيض([64])، لكن صاحبها ليس من ديلوس، بل كان نيقوميد Nicomèdeملك بيثينيا، فقد قام الأخير بإهداء للملك ماسينيسا يصفه فيه بعبارات المودة والعطف الأبوي([65]).

وورد في نص النقيشة : "الملك نيقيوميد Nicomède Épiphaneابن الملك بروسياس Prusiasيكرس [تمثال] الملك ماساناسا Masannassaابن الملك غايا Gaiaالذي أظهر له حسنه ولطف أسلافه"([66]).

بالعودة إلى أحداث بيثينيا خلال هذه الفترة قام نيقوميد ابن الملك بروسياس الثاني بالثورة على والده بالتحالف مع أتال الثاني Attale IIملك برغاما وعدو بروسياس، ونجح في اغتياله ليصبح ملك بيثينيا حوالي عام 149ق.م([67]). وبالعودة للإهداء المذكور يبدو أن الباحثين اختلفوا في تحديد تاريخه بالضبط، وإن كان من المؤكد أنه أقيم بعد تقلد نيقوميد عرش بيثينيا بعد قتل والده عام 149ق.م، لكن هل كان هذا قبل وفاة ماسينيسا([68])، بمعنى يرجح أن يكون في نهاية عام 149أو بداية عام 148ق.م، أو أنه أقيم بعد وفاة ماسنيسا بفترة([69]).

لكن لماذا اهتم نيقوميد بتكريس تمثال للملك ماسينيسا فترة قصيرة بعد إعتلائه العرش، هل هذا راجع لاستفادته من مساعدة نوميدية في ثورته على والده، هذا رأي مقبول منطقيا، لكننا نجد أنفسنا أمام إشكالية تتمثل في طريقة ربط العلاقات النوميدية مع نيقوميد. لا بد هنا من العودة إلى وجود وسيط ممثلا على الأغلب في الدولة الرومانية، هذه الأخيرة التي تذهب الأبحاث أنها من كانت وراء تمرد نيقوميد على والده([70])،  ومما يرجح ذلك اعترافها السريع به ملكا مباشرة بعد اغتياله لوالده، ليصبح نيقوميد صديقا وحليفا للشعب الروماني بعدها، مما يشير إلى دور روماني في ثورة الابن على أبيه، لكن ليس بطريقة مباشرة بل باستخدام أصدقاء وحلفاء لها لتحقيق مرادها، ومن بينهم ملك برغاما وربما ملك نوميديا.

عن تاريخ ربط لمثل هذه العلاقة بين نيقوميد وماسينيسا نعلم أن الأول قد أبعده والده ليقيم في روما عدة سنوات في خمسينات القرن الثاني ق.م([71])، في حين نجد ماسينيسا قد أرسل عدة سفراء من أبنائه إلى روما، منهم ماسغابا عام 168ق.م وغولوسا أعوام 172-171، 152ق.م([72]). فهل من الممكن أن تكون واحدة من هذه الزيارات قد عرفت لقاء بين نيقوميد (الذي بدأ يخطط للتمرد على والده تحت مظلة مجلس الشيوخ الروماني) والأمراء النوميد، غولوسا سفير الملك ماسينيسا على الأغلب.

وما يدعم  به بعض الباحثين هذا الرأي القائل بوجود مثل هذه العلاقة المباشرة بين نيقوميد وغولوسا([73])، هو ترجيحهم كون إهداء غولوسا الذي سبق ذكره جزءا من إهداء نيقوميد([74]). لكن هذا الرأي يبقى مجرد تكهن دون سند تاريخي في النصوص، ومن الممكن أن مثل هذه العلاقة المباشرة بين الطرفين لن تكن أصلا، وأن مجلس الشيوخ الروماني هو من حرض ماسينيسا لمؤازرة نيقوميد([75]).

وعموما فإن أغلب الافتراضات تؤكد مساندة ماسينيسا للأمير البيثيني، لكن كيف كانت طبيعة هذه المساعدة، هل كانت تقتصر على أموال ومؤن؟ أم أرسلت مساعدات عسكرية إلى بيثينيا لمساعدته على الثورة؟ الأمر يبدو غامضا ومن الصعب افتراض أي تصور حول طبيعة هذه المساعدة، ونجد أيضا أمرا مثيرا للانتباه وهو لماذا كرم نيقوميد الملك النوميدي في جزيرة ديلوس (المحتلة من طرف الرومان خلال هذه الفترة) ولم يكرمه مثلا في مملكته (بيثينيا)، هل بالإمكان تفسيره بمكانة خاصة احتلتها جزيرة ديلوس بالبلاط النوميدي، ذلك يبقى احتمالا ورادا.

خاتمة

في الحقيقة إن النصوص والشواهد حول العلاقات الاقتصادية والسياسية بالنسبة للملوك النوميد، خارج إطار العلاقات مع الدولة الرومانية نادرة وقليلة، وتعتمد دراستها وتحليلها على مجموعة من الافتراضات والتكهنات.

لكن من المؤكد أن الملوك النوميد ربطوا علاقات مباشرة مع الشرق الإغريقي، مثل ديلوس ورودس ومثلت هذه العلاقات التجارية عاملا هاما في انتشار المؤثرات الهلينية بنوميديا، وساهم استقرار الإغريق بالبلاط النوميدي في ربط هذه العلاقات مثل حالة هرمون من ديلوس الذي نرجح أن له دورا في إهداء التاج الذهبي للملك ماسينيسا عام 180ق.م وكذا الهبة التي أرسلها النوميد لجزيرة ديلوس. وإن كنا قد حاولنا افتراض تقرب ديلوس من الملك النوميدي، ضمن سعيها لربط علاقات مع نوميديا، من اجل تنشيط المبادلات التجارية بين الطرفين.

ونعتبر تكريم ماسينيسا وربما عدد من أبنائه بنصب وإهداءات لهم بالجزيرة اعترافا ديليا بمكانة المملكة النوميدية وأيضا ملوكها، مما يجعلنا نرجح وجود سفراء بين الطرفين ساعدا على تبادل الهدايا وتوطيد العلاقات، وحتى الملك نيقوميد اعترف بفضل كبير لماسينيسا عليه، بعبارات تؤكد مكانة محترمة للملك ماسينيسا بالعالم الإغريقي. وهذا يعتبر نجاحا سياسيا للخيار الحضاري الذي قام به الملوك النوميديين منذ ماسينيسا بهدف ربط علاقات دبلوماسية مع الحكام الهلينيين بالمتوسط، ليكلل هذا النجاح بتبوأ نوميديا لمكانة مرموقة في الحوض المتوسطي خلال القرن الثاني قبل الميلاد كإحدى القوى الفاعلة فيه اقتصاديا وسياسيا، في وقت كانت أجزاء هامة من هذا الحوض تفقد استقلالها وبريقها تحت الاحتلال الروماني.

وإن كانت جزيرة ديلوس هي أكثر مناطق العالم الإغريقي التي قدمت لنا شواهد حول العلاقات النوميدية الإغريقية خلالا هذه الفترة، إلا أن هذا لا يعني أن مثل هذه العلاقات لم تكن موجودة مع دول إغريقية أخرى، بل نجد آثار لها في رودس، وفي أثينا وغيرها. وربما ستقدم لنا اكتشافات أثرية جديدة شواهد تدعم هذا الملف الذي لا يزال مفتوحا وبحاجة لدراسات أعمق، بعيدا عن دونية المملكة النوميدية مع الملكيات الهلينستية الشرقية التي لطالما نجدها ضمن آراء ودراسات المدرسة الكولونيالية.

([1])  Gsell (Stéphane), Histoireancienne de l’Afrique du nord (HAAN), Tome III, Librairie Hachette, Paris, 1918, P 307

([1]) يروي سترابون: "بعد تريتون نجد أراضي المازيليين، المجاورة لأرض القرطاجيين، وتكون كيرتا بداخل الأراضي، وهي مقر قصر ماسينيسا وخلفائه، وهي مدينة محصنة بنيت بشكل جميل من جميع الأوجه، خصوصا بفضل ميكيبسا، الذي جلب الإغريق وأسكنهم فيها، وجعلها كبيرة إلى درجة أن بإمكانها إرسال عشرة آلاف فارس وضعفهم من المشاة..."

Strabon, Géographie, texte établi et traduit par G. Aujac, Les Belles Lettres, Paris, 1969

([1]) وإن حاول Bertrandyجعل هؤلاء الإغريق المستقرين من المرتزقة غالبا، لكن دون أن يقدم دليلا يدعم هذا الطرح:

Bertrandy (François), « la communauté gréco-latine de Cirta (Constantine), capitale du royaume de Numidie pendent le IIe siècle et la première moitié du Ier siècle avant J-C », Latomus 44, 1985, P 493

([1]) كان عدد النقائش الإغريقية المكتشفة بالحفرة هو 17نقيشة، تمثل إهداءات نذرية أو نصب جنائزية، أرخت ما بين نهاية حكم ماسينيسا وحكم ميكيبسا مع إمكانية أن تتجاوزه إلى عهد خلفائه. أنظر:

Berthier (André) et Charlier (René), Le sanctuaire Punique d’El-Hofra à Constantine, 2volumes, Éditions Arts et métiers graphiques, Paris, 1955, PP 167-176et Planches XXVIII-XXIX

([1])تجدر الإشارة هنا إلى إهداء جزيرة رودس لتمثال تكريمي للملك هيمبصال الثاني والذي نجد دراسة مهمة له لدى :

Kontorini (Vassa N.), « Le roi Hiempsal II de Numidie et Rhodes », Antiquité classique 44, 1975, PP 89-98

([1])  Gsell, HAAN, T III, P 307

([1]) Berthier (André), La Numidie, Rome et le Magreb, Picard, Paris, 1981, PP 165-166

([1]) Aoulad Tahar (Mohamed), « L'hellénisme dans le royaume numide au IIe siècle av. J.-C », Antiquités africaines, 40-41, 2004, P34

([1]) Gsell, HAAN, T VI, P 258

([1]) Berthier (André), « Découverte à Constantine de deux sépultures contenant des amphores grecques », Revue Africaine, tome 87, 1943, PP 23-32

([1]) Gsell, HAAN, T VI, P 81

([1])  Berthier (André), « Découverte à Constantine… », Op.cit. P 32

([1]) ترى كولتلوني أن الفخار الإغريقي المكتشف في سيرتا لا يشير إلى تجارة منتظمة مع العالم الإغريقي لكن فقط يشير إلى وجود علاقات سياسية وثقافية كانت بين النخبة النوميدية والمدن الإغريقية. أنظر :

Coltelloni-Trannoy (Michèle), « Les communauté Grecques dans les cités africaines : le cas de Carthage, Cirta, Thuburnica », Revue des études Grecques, Tome 124, Paris,2011, P 558

([1])  Casson (Lionel), « The Grain Trade of the hellenistic world », dans Tapha (traductions and proceedings of the American Philogical Association), Vol 85, 1954, P175

([1])  Vial (Claude),  « Délos indépendante, chapitre II, L’assemblée du peuple », BCH (Bulletin de correspondance hellénique),10, Paris, 1985, P 138

([1])  Homolle (Théophile), « Comptes des Hiéropes du temple d'Apollon Délien », BCH (Bulletin de correspondance hellénique), 6, 1882, PP 14-15.

([1]) Gautier (Philippe),« sur le don de grain numide a Délos : un pseudo-Rhodien dans les comptes des hiéropes », dans Knoepfler D.(éd), Comptes et inventaires dans la cité grecque. Actes du colloque international d’épigraphie, tenu à Neuchâtel du 23au 26septembre 1986en l’honneur de J.Tréheux, Genève, 1988, P 61

([1]) يحتمل غوتييه أن الملك النوميدي قد أرسل كمية أكبر من هذا الرقم، على الأرجح ثلاثة آلاف مديمن، لكن البضاعة تعرضت لبعض الخسائر قبل أن تصل أو بعد وصولها إلى ديلوس لتنخفض إلى هذا الرقم :  Gautier, op. Cit. P 61

([1]) وعلى أساس أن الثقل النوعي لواحد هكتولتر من القمح هو حوالي 81كغ، فالكمية المصدرة تكون في حدود 11600قنطار  :

Camps (Gabriel), Aux origines de la Bérberie :  Massinissa ou les débuts de l’histoire, Imprimerie officielle, Alger, 1961,  PP 199-200

([1])  Casson, op. Cit.  P176et  Glotz (Gustave), « L'histoire de Délos d'après les prix d'une denrée », Revue des Études Grecques, 29, fascicule, 133-134, Juillet-septembre 1916, P 30, note 1

وإن كان Glotzيرى أن البضاعة قد وصلت على دفعتين خلال عام 179ق.م لذا بيعت على مرتين، ويسانده في ذلك Gautier (Ph), op. Cit.P 68

([1])  Homolle , op. Cit. P 84, Tableau B

([1])  Durrbach (Félix), Choix d’inscriptions de Délos, avec traduction et commentaire,  Ed Leroux, Paris, 1921, P 92

([1])  Casson, op. Cit.P 177, note n°58

([1]) نجد كلا من : Vial, op. Cit.P 139و Gautier, op. Cit.P 61و Casson, op. Cit.P 177و Durrbach, op. Cit. P 92يجمعون على أنها هبة مجانية بلا شك.

([1]) من الممكن أن هذه اللجنة لم تكن موجودة عند وصول القمح النوميدي، لذا كلف المحافظين الرسميين بعملية البيع الأولى، أنظر :

Vial (Claude),  « Délos indépendante, Chapitre V. Les magistrats : Fonctions et compétences », BCH (Bulletin de correspondance hellénique),10, Paris, 1985, PP 238-239

([1])  Camps, op. Cit. P 200

([1])  Gautier, op. Cit.P 64  et  Casson, op. Cit.P 176

([1])  حسب رأي كاسون كانت السفن القرطاجية أو الرومانية هي التي تحتكر نقل الحمولات النوميدية لتصديرها، وعملت رودس على الدخول ضمن هذه العملية لتقوم بمفاوضات نقلت من خلالها حمولة هبة ديلوس المذكورة مع حمولات أخرى، ويذهب لأكثر من ذلك بأن المفاوضات جعلت من جزيرة ديلوس مركزا لتجميع وتوزيع الحبوب النوميدية في بلاد الإغريق، وهي نفس المكانة التي كانت تلعبها في توزيع الحبوب الصقلية، وهذا يحدث طبعا بمشاركة ومراقبة من طرف رودس المكلفة بالنقل من خلال أساطيلها، أنظر:   (Casson, op. Cit.PP 176-177) لكن تبقى هذه مجرد نظرية تخص كاسون لأننا لا نكاد نجد ذكرا لحمولات أخرى نقلها الروديون إلى ديلوس، وحتى الحمولة الوحيدة المذكورة في النصوص القديمة عن كمية من الحبوب نقلت للجيوش الرومانية في مقدونيا عام 170ق.م لا تذكر من نقلها ولا مركز تجميعها، لذا لا نجد أية شهادة تؤكد فكرته عن تمركز الحبوب النوميدية في شرق المتوسط.

([1])  Casson, op. Cit.P 176

([1])  Durrbach, op. Cit. Inscription n°68, P 91    et    Gustave (Fougères),  « Fouilles de Délos (avril-août 1886) : Dédicaces grecques et latines »,  BCH (Bulletin de correspondance hellénique), 11, 1887, P 255

([1])  ibid.Inscription n°69, P 92

([1])  ibid.P 92  et  Gautier, op. Cit. P 62

([1])  Durrbach, op. Cit. P 92

([1])  Gautier, op. Cit. P 62

([1])  وهذا رأي مخالف لبعض النصوص القديمة، التي تشير إلى امتلاك الملك ماسينيسا لأسطول بحري، حيث يروي شيشرون رواية حول قائد الأسطول البحري لماسينسا : "...يروى أنه فيما مضى، أسطول للملك ماسينيسا رسى في هذا المكان (مالطا)، وقام قائده بسرقة أنياب عاجية من المعبد، وكانت ذات حجم هائل ولا مثيل لها، فحملها إلى افريقيا لإهدائها لماسينيسا، في البداية سر بها الملك كثيرا، لكن بعدما علم من مصدرها سارع بإرسال سفينة ذات خمس صفوف من المجاذيف لإعادة المسروقات لمكانها..." أنظر : Gsell, HAAN, P 151-152

Decret (François) et Fantar (Mhamed Hocine), L’Afrique du nord dans l’antiquité L’Afrique du nord dans l’antiquité, des origines au Ve siècle, Payot, Paris, 1981, PP 112-113

هذه الرواية تشير صراحة لامتلاك نوميديا لسفن ذات خمسة صفوف من المجاذيف، التي بإمكانها الإبحار لمسافات طويلة بما في ذلك الرحلة بين اليونان نوميديا.

([1]) هي مجموعة من النقائش والتي جمعها ودرسها :

Vial (Claude), Baslez (Marie-Françoise), « La diplomatie de Délos dans le premier tiers de IIe siècle », BCH (Bulletin de correspondance hellénique), 111, 1987, PP 281-312

و أظهرتالدراسة وجود 32تشريفا قدمته الجزيرة لملوك وأمراء وشخصيات هامة في الفترة ما بين 195-170ق.م، وتمثلت هذه التشريفات عموما في تيجان ذهبية وتماثيل، مع ذكر الكلفة المالية لكل عمل إهداء.

([1])ورد في هذه النقائش أن قيمة القرض لإنجاز أربعة تيجان ذهبية قد بلغ أربعة آلاف دراخم، وقد أرسلت هذه التيجان الأربعة إلى كل من فيليب الخامس ملك مقدونيا، وماسينيسا ملك نوميديا، ويومينس الثاني ملك برغاما، وإلى رودس،  وحسب Glotz، فقد كان تاج فيليب هو الأغلى ثمنا من بينها (بحوالي 2000درخم)، أما تاج ماسينيسا فقد كلف حسبه ألف درخم، في حين لم يكلف تاجي يومينس ورودس إلا 500درخم لكل منهما.

Glotz (Gustave), op. Cit. P 300

([1])  Vial et Baslez, op. Cit. P 282

([1])يرى غوتييهأن وجود إهداء التاج وأخذه لنوميديا كهدية لماسينيسا يجعل من الصعب تخيل إرسال سفارتين أو بعثتين من ديلوس إلى نوميديا في نفس السنة(180)، واحدة لإحضار الحبوب والثانية لنقل التاج هو ما يعتمده غوتييه في طرحه بوجود سفارة نوميدية هي التي قدمت في مرحلة أولى محلملة ببضاعة القمح الأولى.  Gautier (Ph), op. Cit.P 68، لكن لا توجد أية أدلة تدعم وجود مثل هذه البعثة النوميدية.

([1]) مثلما سبق ذكره أن عملية البيع الأولى قد حصلت 4454درخم، فهذا يجعل هناك توفر لسيولة قصد عمل التاج دون الاقتراض.

([1])  Vial et Baslez, op. Cit. P 291, note n° 50

([1])  Glotz (Gustave), op. Cit. P 300

([1])  Vial et Baslez, op. Cit.  P 301

([1])  Vial,« Chapitre V… », op. Cit. P 239

([1])  Vial et Baslez, op. Cit. PP 282-283

 

([1])  اكتشفت ونشرت لأول مرة عام 1843ونقلت إلى بريطانيا حيث تتواجد اليوم بمتحف ليدز.

([1])  Hicks (Edward Lee), « The Collection of Ancient Marbles at Leeds », The Journal of Hellenic Studies, Vol. 11,1890, P 258

([1])  Hicks, op. Cit. P 259

([1])  Aoulad Tahar, op. Cit. P37

([1])  Baslez (Marie-Françoise), « Un monument de la famille royale de Numidie à Délos », REG (Revue des études grecques),  94, 1981,PP 162-163

([1])  Ibid. P 165

([1])  Coltelloni-Trannoy, op. Cit. P 558

([1]) Dessange (Jehan), « Aspect de l’hellénisme dans l’Afrique du nord antique, dans La Méditerranée d’une rive à l’autre : culture classique et cultures périphériques »,  Cahiers de la Villa « Kérylos », 18, Paris, 2007, P172

([1])  يروي أثيني : "...الملك بطليموس، يحدثنا عن ماسينيسا ملك ليبيا، في الكتاب الثامن من مذكراته يقول ما يلي : يقدمون الطعام كالرومان على المائدة وفي صحون فضية تحمل الفواكه، المائدة تتبع العادات الإيطالية، والسلال كلها مصنوعة من خيوط فضية منسوجة، والموسيقى إغريقية..."

Athénée, Les Deipnosophistes, Livre VI, 229D, Traduction en français par A.-M. Desrousseaux, Les Belles Lettres, Paris 1956

([1]) يروي تيتليف : "...كان له (ماسينيسا) ثلاثة أبناء : ميكيبسا ابنه الأكبر، غولوسا ومستنبعل، الذي كان ذو ثقافة حتى في الآداب الإغريقية..."

Tite-Live, Periochae, 50, Traduction en français par M. Nisard, T II , Firmin Didot, Paris 1864

([1]) يروي ديودور : "ميكيبسا ابن ماسينيسا ملك النوميد، كان له عدة أبناء، لكن أدهربعل كان أعزهم إليه، وهو البكر، إضافة لهيمبصال وميكيبسا، الذي كان أكثر ملوك ليبيا كرما، فاستقدم إلى بلاطه عددا كبيرا من الإغريق المتعلمين، وعاش في كنفهم، وتحصل منهم على تعليم جيد خاصة في مجال الفلسفة، وأمضى فترة حكمه في دراسة الفلسفة" Diodore, XXXV, 35, Traduction en français par F. Hoefer, Hachete, Paris 1965

([1])  نعلم عن قيادة ميساغاناس لفرقة عسكرية نوميدية عام 171ق.م شاركت إلى جانب الجيش الروماني في حرب مقدونيا إلى غاية 168ق.م، ويرجح أصحاب هذه النظرية أنه عند عودته أخذ المسار المعهود للأسطول الروماني مرورا عبر ديلوس التي يرجح أنه وقف بها.(Gsell, HAAN, T III, PP 309-310)

([1])  سجل اسم مستنبعل ضمن قائمة المتوجين في الألعاب الأثينية ، واقترحت Baslez, op. Cit.P 162مشاركته الشخصية بهذه الألعاب وأرختها بحدود 170-169ق.م، لكن الشكوك كبيرة حول مشاركته الشخصية بهذه الألعاب (Gsell, HAAN, T VI, P 91  et   Dessanges, op. Cit.P 173) وحتى تأريخها كان في حدود 158ق.م (Aoulad Tahar ,op. Cit.P36)، أما عن فكرة تفضيلها ميساغاناس على مستنبعل فذلك فقط لكون اعتقادها أن الاسم الأخ الأول ذكر قبل غولوسا، مما يعني أنه الأخ الأكبر سنا، ونحن نعلم أن مستنبعل أصغر من غولوسا (Gsell, HAAN, T III, P364)

([1])  Durrbach, op. Cit. P159

([1])  Hatzfeld (Jean)et Roussel (Pierre), «  Fouilles de Délos, exécutées aux frais de M. le Duc de Loubat. Inscriptions », Bulletin de correspondence hellénique(BCH), Volume 33, 1909, P 487

([1])  Launey (Marcel), « Base d’un fils de Massinissa à Délos », BCH (Bulletin de correspondance hellénique), 59, n°1, 1935, PP 391-394 

حيث يدرس الباحث هنا جزء من نقيشة أخرى مكتشفة في ميناء ديلوس تظهر عليها بداية ثلاثة أسطر، لا تحمل أية إشارة لصاحب الإهداء أو لمن هو موجه، لكن يعتمد الباحث هنا على مقارنة بينها وبين نقوش نقيشة نيقوميد (من حيث الفراغات بين الأسطر، وحجم الأسطر...) ليؤكد أنها تنتمي إلى نفس المعلم الموجه لعدة حكام نوميد، لكنه يعترف بعدم وجود أية إشارة لمن هي موجهة، وإن كان يفترض أنها ستكون لأحد الملوك النوميد الثلاث الذين خلفوا ماسينيسا.

هذه القراءة ليس لها ما يدعمها سوى تشابه في شكل وأبعاد النقيشة مع نقيشة نيقوميد، لذا لا يمكن الأخذ بهذا الرأي ونسبها لأحد الأمراء النوميد.

([1])  Hatzfeld et Roussel, op. Cit. P 487, note n°3

([1])  Gsell, HAAN, T III, P 332-333

([1])  Hatzfeld et Roussel, op. Cit. PP 484-489.

([1])  Gsell, HAAN, T III, P 307

([1])  Aoulad Tahar, op. Cit. P35

([1])  Edouard Will, Histoire politique du monde hellénistique {323-30av. J. C).Tome I : De la mort d'Alexandre aux avènements d'Antiochos III et de Philippe V, Seuil, coll. « Points Histoire», Paris 2003, PP 381ss

([1])  Hatzfeld et Roussel, op. Cit. P 486

([1])  Coltelloni-Trannoy,op. Cit.P 558   et  Launey, op. Cit. PP 393-394

فعلى أساس عدم معرفة التاريخ بالتحديد لنهاية ثورة نيقوميد ومقتل والده بروسياس ، يرجح أنه قد أقام المعلم بعدما وصله خبر وفاة ماسينيسا، ليأمر بإقامة سلسلة التماثيل له ولأبنائه مبرزا أنه وجد فيه الأب الحنون له.

([1])Edouard Will, op. Cit. P 381

([1]) يروي بوليب أن نيقوميد كان مقيما بروما كسفير لوالده عند قدوم سفارة أثينية حوالي عام 156ق.م :

Polybe, XXXII, 16-17, Traduction française : Bouchot (F), Paris, 1847

([1])من الممكن أن التقاء نيقوميد والأمراء النوميد المفترض كان تحت رعاية عائلة آل سيبيون، الذي كانت من عادتهم استقبال الأمراء النوميد بمنزلهم في روما، وهم أيضا كانوا أصدقاء ومقربين لنيقوميد، أنظر :  Hatzfeld et Roussel, op. Cit. P 487

([1])  Durrbach, op. Cit.P 159

([1])  Ipid. P 487

@pour_citer_ce_document

عبد الحق مسعي, «العلاقات السياسية والتجارية بين المملكة النوميدية وجزيرة ديلوس خلال القرن الثاني... »

[En ligne] ,[#G_TITLE:#langue] ,[#G_TITLE:#langue]
Papier : ,
Date Publication Sur Papier : 2017-06-21,
Date Pulication Electronique : 2017-06-21,
mis a jour le : 14/10/2018,
URL : https://revues.univ-setif2.dz:443/revue/index.php?id=2166.