الرعاية الوالدية للموهوبين – بين النظرية والتطبيق –
Plan du site au format XML


Archive: revues des lettres et sciences sociales


N°01 Avril 2004


N°02 Mai 2005


N°03 Novembre 2005


N°04 Juin 2006


N°05 Juin 2007


N°06 Janvier 2008


N°07 Juin 2008


N°08 Mai 2009


N°09 Octobre 2009


N°10 Décembre 2009


N°11 Juin 2010


N°12 Juillet 2010


N°13 Janvier 2011


N°14 Juin 2011


N°15 Juillet 2012


N°16 Décembre 2012


N°17 Septembre 2013


Revue des Lettres et Sciences Sociales


N°18 Juin 2014


N°19 Décembre 2014


N°20 Juin 2015


N°21 Décembre 2015


N°22 Juin 2016


N° 23 Décembre 2016


N° 24 Juin 2017


N° 25 Décembre 2017


N°26 Vol 15- 2018


N°27 Vol 15- 2018


N°28 Vol 15- 2018


N°01 Vol 16- 2019


N°02 Vol 16- 2019


N°03 Vol 16- 2019


N°04 Vol 16- 2019


N°01 VOL 17-2020


N:02 vol 17-2020


N:03 vol 17-2020


N°01 vol 18-2021


N°02 vol 18-2021


N°01 vol 19-2022


N°02 vol 19-2022


N°01 vol 20-2023


N°02 vol 20-2023


A propos

avancée

Archive PDF

N° 24 Juin 2017

الرعاية الوالدية للموهوبين – بين النظرية والتطبيق –


عبدالباقي عجيلات
  • resume:Ar
  • resume
  • Abstract
  • Auteurs
  • TEXTE INTEGRAL
  • Bibliographie

تعتبر الرعاية الوالدية للطفل الموهوب إحدى أهم العوامل الجوهرية التي تساهم - إلى حد بعيد - في تشكيل شخصيته وتنميتها، لاسيما وأنها تمثل جملة من الخدمات التي يقدمها الوالدان للموهوب في نواحي مختلفة: النفسية والعقلية والجسمية والاجتماعية، وسعيهما لتلبية حاجاته الأساسية للنمو الطبيعي كحاجته للأكل، والشرب، والملبس، والمأوى ... إلخ، ومساعدته على تحقيق التوافق النفسي والاجتماعي مع الوسط الذي ينتمي إليه من خلال تطبيعه على عاداته، وتقاليده، وقِيَمِه، ومعاييره ومُثُله ... إلخ ، وكذا تهيئة الظروف الملائمة لتنمية قدراته وتطويرها بالشكل الصحيح، وهذا ما نحاول الوقوف عليه من خلال تقديمنا لهذه الورقة.

الكلمات المفتاحية:

الأسرة، الرعاية الوالدية، الطفل الموهوب

La bienveillance parentale vis à vis de l'enfant talentueux est considérée comme l’un des facteurs fondamentaux qui contribuent à la formation et au développement de son caractère (sa personnalité) et en particulier ils représentent un ensemble de service fournis par les parents sur cet enfant talentueux dans les différents domaines : psychique , Mentale , physique et social et leurs quête pour répondre aux besoins de base  de la croissance naturelle comme le fait de manger , de boire , de s'habiller et de s’abriter ,...etc

Tout ceci afin de l’aider à assurer sa compatibilité psychique au milieu auquel il appartient à travers la normalisation des coutumes et des traditions , les valeurs et les normes et ainsi de créer les conditions favorables pour le développement de ces capacités de forme juste et correcte, et ainsi créer les conditions favorables pour le développement de ses capacités d’une manière homogène et précise.

C’est ce que nous voulons éclaircir à travers cet article

Mots clés :Famille- Bienveillance parental- L’enfant talentueux

Parental care for the gifted childis one ofthe most importantfactors that contributetoa large extent in shaping his/her personality development, also it represents a set of services that parents provide for the gifted child in different; psychological, mental, physical andsocial aspects, seeking to meet thebasic needsof natural growthlike hisfeeding , drinking, clothing,and shelter...etc,andhelp him achievepsychological and socialcompatibility withthe environment  in which he belongs, and this happens through making him accustomed  to  his customs, traditions, values, standardsand ideals...etc., as well as paving the way for suitable conditions to develop his abilities in a proper manner , the thing which  we’re  trying to cover in the present study .

Keywords:family, Parental care, gifted, child

Quelques mots à propos de :  عبدالباقي عجيلات

أستاذ محاضر -ب-، قسم علم الاجتماع ، جامعة محمد لمين دباغين سطيف2

مقدمة:

لقد شهد القرن العشرين اهتماما متزايدا في مجال الاهتمام بالموهبة والموهوبين ورعايتهم إلى الحد الذي أصبح يمثل هذا الموضوع قضية مركزية لدى جميع الأمم لاسيما بعد ما قدمه الرواد الأوائل في مجال علم النفس وعلوم التربية من إسهامات علمية قيّمة في هذا الشأن، والتي غيرت نظرة الشعوب لهذه الشريحة الاجتماعية من نظرة احتقار وازدراء ووسمها بالجنون والشذوذ الفكري ونبذها وتهميشها، إلى نظرة إجلال وتقدير لها ولقدراتها الفائقة،حيث أدركت أن تقدم أي مجتمع من المجتمعات الإنسانية يرتكز إلى حد كبير على مدى اهتمامه بهذا المورد البشري الهام والحفاظ عليه من الضياع، واستثمار طاقاته بعقلانية مثلما فعل المجتمع الأمريكي والياباني وغيرها من المجتمعات التي تُقَدِّس الموهبة والموهوب، والتي بلغت أعلى درجات النمو والتقدم في مختلف مجالات الحياة.

كما أصبح مفهوم الموهبة أكثر شموليةبعدما كان محصورا في الذكاء العالي أو التحصيل العلمي المرتفع،ليشمل بذلك مجالات متعددة تقدرها الجماعة كمجال القدرات العقلية، الأدبية، الفنية ...إلخ.

وقد عملت كثير من المؤسسات الاجتماعية - على اختلافها- جاهدة على تقديم عناية خاصة بالموهوبين ومساعدتهم على تنمية وتطوير إمكانياتهم، ولعل أول مؤسسة اجتماعية تتولى هذه المهمة هي الأسرة التي تعتبر الجماعة الإنسانية الأولى التي يتعامل ويتفاعل معها الموهوبون منذ خروجهم للحياة، وتقع على عاتقها مسؤولية رعايتهم، خصوصا في مرحلة الطفولةالتي تعد من أهم المراحل العمرية التي يمر بها الموهوبون في حياتهم كلها، وذلك لكونها مرحلة تتشكل فيها شخصيتهم، وتكتسب مقومات وجودها الاجتماعي من لغة وعادات وتقاليد وقيم ومعايير ... إلخ، وتخرج فيها الموهبة من دائرة الكمون إلى الأداء العالي في مجال بعينه كلما تهيأت لها الظروف المناسبة لذلك، وعليه فنحن نسعى من خلال تناولنا لهذا الموضوع إلى محاولة الإجابة عن التساؤلات التالية:

- من هم الأطفال الموهوبون؟ وما هي حاجاتهم الأساسية للنمو السليم وتنمية قدراتهم الخاصة في محيطهمالأسري؟

- فيم تتمثل أهميةالرعاية الوالدية للموهوبين؟ وما مجالاتها؟

- ما هي أهم أساليب الرعاية الوالدية للموهوبين؟

- ما هي أسس الرعاية الوالدية للموهوبين ؟ وما هي أبرز المعوقات التي تواجهها؟

أولا- تحديد المفاهيم:

أ- مفهوم الطفل:

يعرف الطفل بأنه "الثمرة المرجوة من السعادة الزوجية، وهو أول عنصر في بناء المجتمع لأنه رجل الغد وأب المستقبل، فهو إذن منحة كريمة يجب أن يتقبلها المجتمع وديعة بين يديه يتعهده بالرعاية ويمهد له سبل النمو والصحة والعلم والتربية الصالحة والرفاهية الاجتماعية"1.

كما يعرف بأنه "ذلك الصغير منذ ولادته حتى يتم له النضج النفسي والاجتماعي، ويصبح مدركا لما يدور حوله، ويفرق بين الخطأ والصواب فاهمًا لأسس العلاقات الاجتماعية، وتتكامل له عناصر الرشد2

ويقصد بالأطفال "جميع الأفراد الذين تتراوح أعمارهم ما بين 04 إلى 12 سنة تقريبا"3.

في حين ورد ما يخالف هذا الرأي في القاموس الأمني الذي أقر أن الطفل "يعتبر طفلا من كانت سنه دون السبع سنوات، ولا يخضع للملاحقة الجزائية، ولكن تطبق في حقه تدابير الحماية والرعاية"4.

كما استخدم لفظ طفل للدلالة على "كل إنسان لم يتجاوز الثامنة عشرة من العمر، حيث هو كل فرد لم تبلغ قدراته العقلية والمعرفية والإدراكية والحركية مرحلة النضج، ولذلك يعد الطفل من بين الأفراد الذين هم بحاجة إلى وجود الآخرين في حياتهم"5.

من خلال ما سبق يتضح لنا أن الطفل هو لفظ يطلق على كل فرد ذكرا أم أنثى لم يتجاوز سن البلوغ هذا الأخير الذي يتحدد ببروز بعض الملامح الفيزيولوجية عليه كظهور العانة والقذف بالنسبة للذكر والعادة الشهرية بالنسبة للأنثى، وهذا ما أقره المختصون في مجال علم النفس وعلم الاجتماع وفي الغالب لا يتعدى الخامسة عشر من عمره، في حين يختلف تحديد سنه من المنظور القانوني من بلد لآخر بناء على ما تنص عليه المنظومة القانونية المعتمدة فيه.

ب- مفهوم الموهبة:

تعتبر الموهبة " قدرات كامنة توجد لدى الأطفال تساعدهم على اللعب والعمل، وإيجاد لكل مواقف الحياة بأشكال متميزة ومتغيرة" 6.

في حين يحصرها الباحث Korenفي "القدرة الإبداعية خاصة في المجال الإنتاجي، وهي مزيج العديد من الخصائص مثل: المهارات والدوافع والإبداع، وهي تحقيق أعلى نتيجة في المتوسط لمجال الأنشطة البشرية، ويتعلق ذلك بشيء جديد ومبتكر في تلك الأنشطة التي يقوم بها الموهوب" 7.

ولكن "إذا أمعنا كثيرا في مفهوم الموهبة فهي لا تشمل فقط الإمكانيات في المجال الأكاديمي، حيث يمكن أن تشمل مجالات أخرى مثل: الموهوبين في الفن والموسيقى والمسرح والكتابة والرياضة وغيرها من المجالات الأخرى التي تظهر فيها الموهبة، ولكن ما يهم في هذا المستوى أن الموهبة تشمل الكفاءة المعرفية والفكرية في كل المجالات السابقة الذكر، لأنها تعبر عن الإمكانات والقدرات الفعلية للفرد في التميز في تلك الميادين" 8.

"والموهبة لها أبعاد متعددة لا تستطيع اختبارات الذكاء أو الابتكار أو التحصيل وحدها التعرف عليها، بل ينبغي استخدام وسائل أخرى كاختبارات القدرات الخاصة وتقديرات المدرسين، فعملية قياس وتشخيص الموهبة عملية معقدة تنطوي على كثير من الإجراءات التي تتطلب استخدام أكثر من أداة من أدوات قياس الموهبة وتشخيصها، ويعود السبب في ذلك إلى تعدد مكونات أو أبعاد تعريف الموهبة والتي تتضمن القدرة العقلية والإبداعية والتحصيل الأكاديمي والقدرات الخاصة وتقديرات المدرسين" 9.

ونخلص مما سبق إلى أن الموهبة قدرة كامنة تظهر في شكل أداء متميز لدى الموهوب كلما توفرت له المثيرات اللازمة لظهورها سواء كانت في وسطه الأسري أو المدرسي أو المجتمعي، وذلك في مجال أو أكثر كمجال القدرة العقلية،  الإبداعية، الفنية ...إلخ.

ﺟ- مفهوم الطفل الموهوب:

وقد ورد تعريف الطفل الموهوب في معجم علم النفس والتربية بأنه كل "طفل يفوق عمره العقلي العمر الزمني إذا قورن بأمثاله من الأطفال، كما يعرف بأنه طفل تفوق قدرته على التعلم قدرة أقرانه"10.

كما عرف هيوارد واولانسكي عام 1980الأطفال الموهوبين وفقا لما جاء في القانون الفيدرالي الأمريكي 1978"بأنهم نوعية خاصة من الأطفال في مختلف الأعمار، يملكون قدرة فائقة على الأداء العالي في مختلف المجالات، مثل المجال العقلي، المجال الابتكاري، المجال الإبداعي، مجال التحصيل المدرسي، المجال القيادي الاجتماعي والمجال الفني، مما يجعلهم يحتاجون إلى خدمات خاصة تتلاءم مع موهبتهم ونبوغهم، تختلف عن تلك التي تقدم للأطفال العاديين في مداركهم العامة" 11.

"ويستخدم مصطلح موهوب لوصف الفرد الذي يظهر مستوى أداء متميز في مجال ما من المجالات التي تحتاج إلى قدرات خاصة سواء كان مجالا علميا أو فنيا أو رياضيا أو أدبيا، ويتميز هذا الفرد بمستوى من الذكاء والابتكار والتحصيل الدراسي" 12، "فهؤلاء الموهوبين لديهم قابلية خاصة لاكتساب كم كبير من المعلومات بسرعة، وحل المشكلات بطرق غير تقليدية، والتذكر، والتوصل إلى الاستنتاجات الصحيحة والناضجة، كذلك فهم يستجيبون بسرعة، ويتميزون بشدة الانتباه واليقظة، ويمتلكون ذخيرة لفظية حاشدة، ويتعلمون القراءة مبكرا وبيسر، ويتميزون بحب الاستطلاع"13.

ويعرف الموهوبون بأنهم " المتميزون الذين يتمتعون بذكاء عالي ومستوى أداء مرتفع في مجالات مختلفة إضافة إلى مستوى مرتفع في التحصيل الدراسي"14، غير أن هذا التعريف فيه شيء من المبالغة، فالطفل قد يكون موهوبا في مجال أو أكثر لا في المجالات جميعها، كما قد يكون الطفل موهوبا في مجال بعينه لكن تحصيله الدراسي منخفض وبالتالي فالتحصيل العالي ليس شرطا أساسيا للدلالة على الموهبة دائما، بل مجال من مجالاتها.

ويعرف الموهوب أيضا بأنه "هو من لديه خاصية تؤهله للتفوق في مجالات معينة: علمية أم أدبية أم فنية ... وتجعله قادرا على الإبداع والابتكار، والذين تم اختيارهم وفق الأسس العلمية الخاصة والمحددة باختيار الطلبة الموهوبين"15.

"كذلك فقد اقترح تاننبومTannenbaum   ضرورة توافر خمسة عوامل يمكن أن تساهم في تحديد الموهوبين ونجاحهم، وهي: القدرة العقلية العامة، والقدرة الخاصة وتعرف بأنها التفوق الذي يؤدي إلى أداء الإرادة والرغبة للقيام بتضحيات من أجل الإنجاز، والعوامل البيئة مثل البيئة الأسرية والمدرسية والمجتمعية التي تشجع وتحفز الفرد على زيادة إمكاناته، وأخيرا عوامل الصدفية وهي تلك الظروف الحياتية غير المتنبأ بها، والتي تعبر عن الفرص للأداء المتفوق"16.

ويتضح من هذا التعريف أن الموهوب هو شخص غير عادي نظرا لما يتوفر لديه من استعدادات وقدرات عالية ومتميزة مقارنة بمن هم في مثل سنه، وخاصة في أحد المجالات التالية: التفوق العقلي، الإبداع والابتكار، التحصيل العلمي والمهارات والقدرات الخاصة... إلخ،، ويتم الكشف عن الموهوبين باعتماد أساليب تشخيص ذاتية كتقديرات الوالدين والمعلمين والخبراء والأقران ... إلخ، وأخرى موضوعية كاختبارات الذكاء، واختبارات التفكير الابداعي، والاستعداد الأكاديمي ... إلخ، والتي صممت من طرف علماء نفسانيين وتربويين خصيصا لهذا الغرض.

ثانيا- الحاجات الأساسية للموهوبين في محيطهم الأسري:

هناك العديد من الحاجات الضرورية  التي - يعتقد الباحث أن تلبيتها- يعد شرطا أساسيا لتنمية الطاقات الكامنة لدى الطفل الموهوب يمكن توضيح أهمها في النقاط التالية:

أ- الحاجة إلى الأمن:

فإذا كانت الأسرة هي البيئة الاجتماعية الأولى للطفل الموهوب التي تحيطه بالرعاية والاهتمام وتوفير متطلباته الضرورية كالمأكل والملبس .. إلخ، فهي -أيضا- تعمل جاهدة للحفاظ على سلامته النفسية من كل المخاوف التي تهدد أمنه واستقراره وتؤثر سلبا على شخصيته، سواء كانت هذه المخاوف داخلية في إطار علاقته بأفراد أسرته، أو خارجية في إطار علاقاته بأفراد المجتمع.

وحلي بالأسرة أن تتبع في معاملتها للطفل الموهوب أساليب تربوية سليمة كالحوار، القصة، الموعظة...إلخ التي تترك أثرا طيبا في نفسيته واتجاهاته ومواقفه وسلوكاته، وأن تبتعد كل البعد عن استخدام الأساليب التي تقوم على القسر والإكراه والقسوة، وإشباع حاجته للأمن الذي يمثل أهم المطالب الحيوية بالنسبة للطفل الموهوب.

ب-الحاجة إلى الحب والحنان:

والذي يتلقاه من طرف أفراد أسرته لاسيما الوالدين اللذين يعتبران بمثابة الدعامتين الأساسيتين في حياته عبر مختلف المراحل العمرية التي يمر بها منذ مرحلة الطفولة المبكرة فالمتوسطة..إلخ، ويتأثر الطفل الموهوب بمقدار الحب والحنان والعطف الذي يتلقاه في أسرته، وينعكس ذلك على شخصيته مستقبلا، كما ويؤثر على قدراته ومواهبه أيضا، فإشباع الموهوب لهذه الحاجة يجعله أكثر توافقا مع نفسه ومحيطه الخارجي، ويدفعه لإظهار قدراته المتميزة خصوصا إذا لقي الدعم والتشجيع الكافيين لذلك، خلافا للأطفال المهمشين والمهملين من طرف آبائهم وأمهاتهم نتيجة انشغالهم المستمر بالعمل وتأمين متطلبات الأسرة أو لضعف مستوى الوعي لديهم بهذه الشريحة الاجتماعية واحتياجاتها التي تختلف عن احتياجات الأفراد العاديين في المجتمع.

ﺟ- الحاجة إلى اللعب:

"ويعد اللعب وسطا تربويا يسهم في نمو الشخصية والصحة النفسية للأطفال، كما أنه تسلية، وتعلم الكثير من المفاهيم العلمية والرياضية واللغوية والاجتماعية والدينية، وهو حاجة من حاجات الطفل الأساسية، ومظهر من مظاهر سلوكه، كما أنه استعداد فطري لديه، وضرورة من ضرورات حياته"17.

ويعد اللعب بالنسبة للطفل الموهوب إحدى العوامل المهمة التي تمكنه من تنمية مختلف جوانب الشخصية لديه النفسية والاجتماعية والعقلية...إلخ، وهذا ما دللت عليه كثير من الدراسات العلمية في مجال علم النفس وعلوم التربية، وفي مقدمتها دراسة ترمانTermanالطولية والتي كشفت وجود "عدة فروق بين لعب الأطفال الموهوبين ولعب أقرانهم في السن، فقد كانت ميول الأطفال الموهوبين للعب-كما هو متوقع- مشتملة على أوجه نشاط عقلية أكبر كثيرا إذا ما قورنت بالأنشطة البدنية، وبالتالي كان ميلهم أقل إلى الألعاب الصاخبة، وكان تفضيلهم أكثر قليلا للأنشطة الهادئة،وكان لعبهم أكثر شبها بلعب الأطفال الأكبر منهم سنا، كما يفضلون أن يكون أقرانهم في اللعب أكبر منهم قليلا، وأظهروا تفضيلا أقل وضوحا بالقياس إلى أقرانهم الأقل موهبة عند اختيار شريكهم في اللعب، وكذلك كانوا أقل تفضيلا لألعاب التنافس، وكان الأطفال الموهوبون يقضون شطرا أكبر من الوقت في اللعب مع غيرهم من الأطفال، ولكنهم كانوا يلعبون منفردين أكثر قليلا مما يفعل أطفال اﻟﻤﺠموعة الضابطة، كما كان من الشائع بين الأطفال الموهوبينفيما بين سن الثانية والخامسة أن يختاروا رفاقا متخيلين للعب معهم"18.

د- الحاجة إلىالإنتماء:

فالشعور بالانتماء يعد أحد المطالب الجوهرية للطفل الموهوب الذي يظهر جليا في عضويته داخل الأسرة، ويكتسب من خلالها كل مقومات وجوده الاجتماعي،لاسيما وأنها اللبنة الأولى في المجتمع، والمرآة العاكسة لثقافته، فهو بانتمائه إليها يتمثل لنظم وعقيدة وعادات وتقاليد ذلك المجتمع، ويتقيد بها في سلوكاته اليومية، لأنها أضحت بالنسبة إليه تمثل مرجعية تتحدد بموجبها علاقاته مع الآخرين، وهذا بدوره ما يسهل عليه الاندماج ولعبه مختلف الأدوار الاجتماعية المنوطة به.

ﻫ- الحاجة إلىالحرية والاستقلالية:

فالموهوب في حاجة ماسة لمن يتفهمه ويدرك متطلباته الأساسية للنمو في الوسط الأسري الذي ينتمي إليه، وخصوصا والديه بحكم قربهما الكبير منه، فهو لا يستطيع أن يظهر قدراته المتميزة أو أن يعبر عن مشاعره وأفكاره إذا لم تتح له الفرصة المواتية لذلك، لاسيما وأنه يتميز بالخيال الجامح والمشاعر الفياضة، فشعوره بالحرية والاستقلالية يمكنه من تأكيد ذاته ووجوده الاجتماعي، كما أن تعرضه لأي قمع والدي لأفكاره أو مشاعره قد يترتب عنه إصابته بعقد نفسية إلى جانب تراجع مستوى الأداء لديه.  

و-الحاجة إلى التقدير الاجتماعي:

 ويتمثل التقدير الاجتماعي الذي يعد أحد الحاجات الأساسية للموهوب في الاعتراف الصريح من طرف أفراد أسرته والوالدين تحديدا بقدراته المتميزة في مجال علمي أو فني أو أدبي ...إلخ، واحترام أفكاره ومشاعره، ومساعدته على تحقيق طموحاته المستقبلية، إلى جانب سعيهما إلى توفير متطلباته وتهيئة البيت بالمثيرات التي تكفل نمو قدراته وتطويرها كالكتب والمجلات ..إلخ.

 ولعله "من الضروري مكافأة الطفل عندما يعبر عن فكرة جديدة، أو مواجهة موقف بأسلوب إبداعي، وتسجيل هذه الأفكار في مذكراتهم اليومية، فإن ذلك يساهم في تنمية الإبداع لديه، وذلك لأن تشجيع الطفل على الفكرة الصغيرة يقود إلى إيجاد الأفكار الكبيرة المبدعة، كما أن على الآباء أن يقدروا أفكار أطفالهم وأن يناقشوهم فيها، ويعدلونها معهم باحترام، مع محاولة ترجمتها إلى أفعال، حتى يستطيع الطفل أن يتبين بنفسه ويكتشف صلاحية فكرته أو عدم صلاحيتها، وهذا العمل من قبل الآباء يشجع الطفل على الاستمرار في التفكير والتعبير عن أفكاره بحرية تامة"19.

ز- الحاجة إلى التحصيل والنجاح:

يعتبر التحصيل الدراسي أحد المجالات المهمة للموهبة التي يُظهر فيها الموهوب تفوقه عن زملائه في الصف الدراسي وتميزه عنهم بقدراته العالية على التحصيل العلمي والمعرفي سواء في مادة تعليمية بعينها أو في عدة مواد، ويكون هذا التفوق تأكيدا لذاته ووسيلة لتحقيق طموحاته المستقبلية، ويعمل الموهوب من أجل ذلك الجد في الدراسة، والبحث والاستقصاء للحقائق من خلال المطالعة وتطوير المدارك والمكتسبات الذاتية.

ثالثا- أهمية الرعاية الوالدية للأبناء الموهوبين:

تحظى الرعاية الوالدية– حسب رأي علماء النفس والاجتماع– بأهمية كبيرة في حياة الأبناء الموهوبين بشكل خاص، إذ تعد عامل التأثير الأول فيهم وفي مواهبهم وقدراتهم الخلاقة، كما أن الوليد البشري لا يكتسب مقومات وجوده الاجتماعي إلا من خلالها، فهي التي تمكنه من الشعور بذاته وبقدراته، كما تساهم في تعليمه للغة مجتمعه وتطبيعه على عاداته وتقاليده، حتى يتسنى له الاندماج فيه والتفاعل مع أفراده خصوصا وأنه لا يستطيع العيش بمنأى عنهم.

"وتعتبر مرحلة الطفولة أهم مرحلة في حياة الإنسان، ففيها بداية التشكيل والتكوين وعليها سيكون الإنسان بعد ذلك سويا أو مريضا، فجميع الأمراض النفسية -تقريبا- تنشأ نتيجة سوء فهم طبيعة هذه المرحلة ومتطلباتها، فالغضب والخوف والانطواء والتبول اللاإرادي والشجار والكذب والسرقة وغير ذلك من الأمراض تنشأ في بداية هذه المرحلة إن أسيء إلى الطفل فيها ولم يعامل المعاملة التربوية السليمة"20، وعليه فحلي بالوالدين إدراك أهميتها وسبل تطبيقها بالشكل المطلوب، حيث يتقاسمان هذه المهمة إلا أن الأم تكون أكثر قربا منه والتصاقا به من أبيه، وذلك لأنها تتعهده بالرعاية لفترة طويلة بدءا من حملها به إلى وضعها له وإرضاعه فرعاية شؤونه وهو صغير، بل ويستمر دورها ليطال مختلف مراحل نموه المختلفة.

ولكن هذا لايعني أن مهمة تربية الطفل الموهوب ورعايته – خصوصا في مراحله العمرية الأولى – مهمة مقصورة على الأم فحسب دونما أي مشاركة تذكر من جانب الأب، فمشاركة الأب في رعاية الأبناء العاديين والموهوبين على وجه التحديد أمر ضروري يعمل على توثيق صلته بهم، فهو يشاركهم ألعابهم أو يعمل على اصطحابهم في رحلاته وغيرها من الأمور، ويسعى بذلك إلى تحقيق أهداف التربية السليمة والرعاية المتكاملة، وتنمية ما لديهم من إمكانيات ذهنية ووحدانية، فالأب ركن أساسي في حياة الطفل الموهوب لا يمكن إنكاره أو تغاضيه، فالطفل الموهوب يأخذ عن أبيه الكثير من الصفات، ويسعى إلى تقليده، فوجود الأب يضفي على حياته الشعور بالأمن والطمأنينة والثقة بالنفس.

ويساهم الأمن العاطفي الذي تكفله الرعاية الوالدية للأبناء الموهوبين على وجه الخصوص في ضمانهالهم حالة من الاستقرار العاطفي والوجداني والابتعاد بهم عن مشاعر الإحباط والحسرة والخوف ..إلخ، خصوصا إذا أدركنا أن الرعاية في معناها تشمل كل الخدمات النفسية والاجتماعية والتعليمية ... التي يكفلها الوالدان للأبناء من أجل تحقيق النمو المتكامل لهم، وان أي تقصير من الوالدين أو أحدهما في القيام بدوره في رعايتهم من شأنه أن يترك بعض الآثار الجانبية على شخصياتهم وعلى اتجاهاتهم وميولاتهم في المستقبل، لاسيما وأن الوالدين"هما المسؤولان عن تربيتهم على الخلق السوي، وذلك بإبعادهم عن الرفقة السيئة، وعزلهم عن برامج الإعلام المنحرفة، وغيرها من المؤثرات التي تغير وتفسد أخلاقهم"21.

لقد كشفت الدراسات العلمية الحديثة تأثير الجو العاطفي السائد داخل الأسرة بشكل كبير في شخصية الأبناء وبينت أنه كلما اتسمت العلاقات الأسرية بالطابع الإيجابي وقامت "على أسس من الود والإخاء والحرية والصراحة، مع الاستمرار والدوام، وهي صفات لا نراها بوضوح في أي علاقات اجتماعية أخـرى، والطفل في هذا الجـو العائلي يتعلم كيف يعيش، وفيه ينمو، وتتكون شخصيته وعاداته واتجاهاته وميوله"22كلما ساهم ذلك في استقرار شخصية الأبناء واتزانهم الانفعالي وأصبحوا أكثر قابلية للتكيف الاجتماعي، وشغل الأدوار الاجتماعية التي تناسبهم، في حين يكون التأثير عكسيا كلما اتسمت العلاقات الأسرية بالتفكك أو الاضطراب وغياب الانسجام والتفاهم بينهم تحت أي ظرف كحالة التسلط المفروضة على الأبناء من طرف الوالدين أو أحدهما أو لعدم توافقهما الزواجي أو نتيجة حالة الفقر التي بدورها تفرز العديد من الضغوط عليهما خصوصا الأب باعتباره المعيل الأول للأسرة، مما يترتب عنه تفكك في هذه الروابط الوجدانية والاجتماعية نتيجة كثرة المشاكل والخصومات، وهو ما يترتب عنه الشعور بالعجز والانهزام، والإحباط.

ولا تتوقف الرعاية الوالدية للأبناء الموهوبين داخل نطاق الأسرة فحسب بل يمتد إلى المدرسة من خلال المتابعة الفعلية لمسارهم الدراسي وتشجيعهم على التفوق أكثر وإبراز قدراتهم العقلية والمعرفية والإنجاز العالي ولعل من مظاهر التقبل الوالدي لمواهب أبنائهم السعي إلى تفهم احتياجاتهم واهتماماتهم ومساعدتهم على التعبير على مكنوناتهم الداخلية والإفصاح عن آرائهم ومشاعرهم واتجاهاتهم بحرية وعدم تقييد هذه الحرية أو كبتها لأن في ذلك كبت لمواهبهم وعرقلة لقدراتهم على النمو والتطور

كما تتعدى الرعاية إلى تهيئة الظروف الملائمة لهذا الغرض كتوفير بعض الإمكانيات البسيطة التي تستثيرهم وتحفزهم على إبراز قدراتهم وتفجير طاقاتهم الكامنة.

رابعا- مجالات الرعاية الوالدية للأبناء الموهوبين:

من أبرز محالات الرعاية التي يكفلها الوالدان لابنهما الموهوب نذكر:

أ- الرعاية الاجتماعية:

تتمثل هذه الوظيفة في عملية التنشئة الاجتماعية للأبناء الموهوبين، وتطبيعهم على ثقافة المجتمع الذي ينتمون إليه بتلقينهم قيمه، وعاداته، وتقاليده واتجاهاته، ومعاييره السلوكية، وإكسابه جملة من المهارات التي من شأنها أن تحقق له درجة كافية من الاتصال والتفاعل مع الآخرين، وذلك عبر مختلف المراحل العمرية لديهم، فإذا كانت الأسابيع الأولى من حياة الجنين فترة حاسمة في تكوينه الجسمي، وأن أي اضطراب يحدث على مستوى نموه يؤدي إلى خروجه للحياة مسخًا، فإن السنوات الأولى من حياة الطفل الموهوب تعد فترة حاسمة أيضا، في تكوين شخصيته المستقبلية، ذلك أن تلك المكتسبات التي يحققها الطفل الموهوب داخل أسرته في هذه الفترة بالذات تتحدد في إطارها معالم شخصيته، مما يصعب تغييرها أو استئصالها في مراحل لاحقة.

ب- الرعاية النفسية:

ويتأثر الأطفال الموهوبون بالجو النفسي السائد في أسرهم، وطبيعة العلاقات الأسرية القائمة بين أفرادها بحيث أنهم يكتسبون اتجاهاتهم من مواقف الكبار، وهو ما ينعكس بدوره على بناء شخصياتهم، وحتى يتحقق النضج الانفعالي والنفسي للأبناء الموهوبين، لا بد للأسرة أن توفر لهم مظاهر الحب والعطف، وتحيطهم بالرعاية والاهتمام، وأن يسود جوها الأمن والاستقرار ذلك أن الصراعات أو المشاحنات الحاصلة بين أفراد الأسرة تؤثر سلبا على شخصية الطفل وعلى توافقه النفسي والاجتماعي مستقبلا نتيجة مخاوفه المستمرة التي عاشها في طفولته.

ﺟ- الرعاية الدينية:

تعتبر الأسرة وحدة دينية، يكتسب الطفل الموهوب من خلالها جملة من السمات الأخلاقية، والقيم الدينية، ويمثل الدين الدعامة الأساسية التي تقوم عليها الحياة الأسرية، فعن طريقه اكتسبت الأسرة وحدتها واستقرارها وقداستها، " والدين هو مجموعة متماسكة من العقائد والعبادات المتصلة بالعالم المقدس، والتي تنظم سلوك الإنسان اتجاه هذا المجتمع، ويمكن اعتبار أن الدين يمد المجتمع بنموذج ثقافي منظم يساعد الأفراد على مواجهة العديد من مشكلات الحياة الفردية والاجتماعية"23" فالطفل لا يصل إلى العقيدة الدينية بالاستدلال المنطقي، أو بفحص الوقائع التي ترد إليه عن طريق حواسه، وإنما يصل إليها عن طريق ما يكتسبه من أفكار وأحكام ومشاعر عن طريق والديه وأسرته"24   فهو لا يقوى على إدراك المفاهيم الدينية إلا عند تحقيقه لمرحلة متقدمة من النضج العقلي، فإذا كان امتثاله للمعايير الأخلاقية في مراحل نموه الأولى تجسيدا لإرادة الأسرة وسلطتها المفروضة عليه، فإنه سرعان ما يلبث أن يكون امتثاله لهذه المعايير نابعا من وازع ديني، فالخير الأسمى في نظره هو الالتزام بالتعاليم الدينية من أوامر ونواهي.

وفشل الأسرة في تنشئة أبنائها الموهوبين على قيم خلقية ودينية صحيحة يقرها المجتمع يؤدي في غالب الأحيان إلى انحراف الأبناء وخروجهم عن قواعده جرّاء انعدام  الوازع الديني بها، ويرتبط إدراك الأبناء للخير والشر والفضيلة والرذيلة والثواب والعقاب إلى حد كبير بأساليب التنشئة الأسرية، مع أن دين الطفل هو ميراث جماعته الدينية إلا أن الطرف المباشر في التوريث يكون عائلته.

د- الرعاية العلمية والتربوية:

تتمثل الرعاية الوالدية للموهوب في هذا المقام في سعيهما لتهيئة كل العوامل التي من شأنها أن تنمي مدركات الموهوب، وتستثير تفكيره بشكل فعال كتوفير كتب الأطفال بمكتبة المنزل كالقصص، كتب الألعاب والهوايات، كتب التجارب العلمية المبسّطة، الكتب الإلكترونية، المجلات، القواميس...إلخ.  

كما ينبغي على الوالدين على وجه الخصوص أن يتبعا أساليب تربوية سليمة كالحوار والموعظة والإرشاد ... إلخ حسب مقتضى الحال، لأن اعتماد أسلوب الشدة والقسوة أو الإهمال أو التذبذب من شأنه أن يولد شخصية سلبية في المجتمع، هذا إلى جانب ضرورة الاطلاع على مختلف الدراسات العلمية التربوية ذات الصلة برعاية الأبناء ومحاولة الاستفادة منها في أرض الواقع من خلال أخذ النتائج أو التوصيات التي خلصت إليه هذه الدراسات العلمية بعين الاعتبار، ذلك أن أي تقصير من الوالدين سيحول دون خروج مواهب الطفل من دائرة الكمون إلى العيان في شكل أداءات مختلفة.

ﻫ-الرعاية الصحية:

تتمثلمظاهرالرعاية الصحيةالتي تقدمها الأسرة للموهوبفي حرصها على نموه بشكل طبيعي، وضمان سلامته بدنه من الأمراض، وذلك من خلال تغذيته الجيدة والمتكاملة التي تمد جسمه بالطاقة الكافية التي يحتاج إليها للقيام بنشاطه في أحسن الظروف، ومساعدته على ممارسة هواياته الرياضية من خلال إشراكه في مختلف النوادي الرياضية حتى تساهم في إشباع احتياجاته الجسمية والعقلية، لأن العقل السليم في الجسم السليم، ولا يمكن للعقل البشري أن يبدع إن كان صاحبه ضعيف البدن خائر القوى .

خامسا- أساليب الرعاية الوالدية للأبناء الموهوبين:

لقد ركزنا في هذا المقام على أهم الأساليب الوالدية في رعاية الموهوبين نذكر من بينها ما يلي:

أ- أسلوب القدوة:

يعتبر الوالدان بالنسبة للطفل الموهوب أنموذجا يقتدي به في حياته اليومية والاجتماعية، خصوصا إذا تطابقت أقوالهما مع أفعالهما، إذ يكون لهذا الأسلوب بالغ التأثير على شخصيته واتجاهاته وميولاته .. إلخ، مما يجعل من العلاقة التي تحكمه بهما علاقة جد وثيقة، وذلك لأنها قائمة على الثقة المتبادلة بين الطرفين. "فالقدوة تقدم الأفكار والمعاني والقيم بلغة عميقة وتحول المثل إلى واقع مما يمهد للمقتدي الطريق لتمثل تلك القيم والمعاني وتحويلها بدوره إلى سلوك عملي، فالإنسان مهما كان استعداده للخير عظيما، ومهما كانت فطرته نقية سليمة فإنه لا يستجيب للمبادئ والتوجيهات والأفكار والمثل ما لم يرى غيره يمارسها"25.

وهذا ما يجعله أكثر الأساليب فعالية وأهمية نظرا لارتباطه بتقديم نموذج للسلوك الإنساني والانتقال بالأفكار من دائرة الأقوال (التعبير الشفوي) إلى دائرة التطبيق العملي، وهو بذلك تجعل منظومة القيم والمبادئ  ... إلخ الخاصة بالوالدين أو أحدهما مشخصة ومعروضة عيانيا في شكل واقع أمام مرأى الطفل فيقوم بتشربها وبتمثلها في سلوكه عن طريق التقليد والمحاكاة لاسيما وأن من يقتدي به هو والده أو والدته أو كلاهما.

ب- أسلوب الموعظة والنصح:

" ينصرف الوعظ في معناه إلى النصح وبيان الحق والمصلحة والتذكير، ويستهدف الوعظ خاصة من خلال النصح والتذكير إيقاظ العقل والمشاعر والوجدان لتأخذ بالمبادرة نحو الاندفاع للأعمال الصالحة والسعي إلى طاعة الله بالأعمال الطيبة والامتثال لأوامره والإعراض عما ينهى عنه"26.

وهناك شروط لابد وأن تتوفر للوالدين حتى يتمكنا من تحقيق هدفهما من اعتماد هذا الأسلوب يمكننا أن نذكر أهمها:

- على الوالدين اختيار الموقف المناسب لوعظ الطفل حتى يكون له بالغ الأثر على نفسه (زمنيا ومكانيا).

- الصدق في القول فلا معنى لهذا الأسلوب إذا قام على النفاق والكذب.

- الوضوح والاقتصاد في الموعظة فلابد وأن يكون الكلام واضحا ومختصرا حتى يسهل على الأبناء إدراك مغزاه والامتثال له.

- أن يكون القائم على وعظ الطفل قدوة له.

- لابد على القائم على وعظ الطفل سواء كان أبا أو أما أو كلاهما أن يأخذ بعين الإعتبار العمر الزمني للطفل وحالته النفسية والعقلية والاجتماعية.

ولعله من "دواعي استخدام هذا الأسلوب أنه في بعض الحالات أو أكثرها يتحرك الصغير بسلوك ذاتي لا يتوافق مع آداب الكبار أو معاني التوجيه الخاصة بتصحيح السلوك إما لأنه لا يفهم حقيقة القيم أو الفضائل السلوكية التي يوجه نحوها أو لأنه لا يجد فيها إشباعا لحاجاته التي يحس بها ومن ثم يتدخل المربون ويستخدمون أسلوب الوعظ لإقناع الطفل بهذه الفضائل والقيم وذلك بعرض أمثلة وعبر تكشف له وجه الحق الذي لا يعرفه"27.

ﺠ- أسلوب القصة:

ويعد هذا الأسلوب مهما للغاية في رعاية الطفل الموهوب لما يمكن أن يؤديه من خلال مضامين القصة من غرس للقيم والمثل والسلوكات الإيجابية والاتجاهات السليمة "والقصص عموما تحفز التخيل الإبداعي والتركيببي لدى الطفل خصوصا وأنه ينسج الأحداث عن طريق الحذف والإضافة والربط والتركيب لينشئ صورة معينة بذهنه لما روي له، فباستغلال هذا العنصر الهام (الخيال الجامح) يمكن السيطرة على بعض المفاهيم التي يريد المربي ضبطها لديه كأن يصور له مفهوم أخلاقي في خضم نسيج قصصي مفعم بالخيال والتشويق والجاذبية"28.

ويمكن أن نوضح بعض الجوانب التي تعكس أهمية هذا الأسلوب في رعاية الأبناء في النقاط التالية:

- قد تساعد القصة الأطفال والشباب على الامتثال للقواعد المجتمعية من خلال تطابق مضامينها مع تلك التي يقرها المجتمع.

- "يظهر أسلوب القصة شخصية البطل الذي تتطلبه مرامي القصة وأغراضها، فإذا كان هدف القصة الحكمة، ظهر البطل على نحو حكيم، يبعث في نفوس القراء والسامعين محاكاة هذا البطل والتأسي بأخلاقه، والتمسك بقيمه ومبادئه، أما إذا كان الهدف من القصة مقاومة الانحراف، جاءت الشخصيات المنحرفة على الحق باهتة تحث القارئ أو السامع على ازدراء هذه الشخصيات، واحتقار سلوكاتها، ولاسيما عندما يعيش النهايات السيئة والمظلمة للشخصيات الجانحة على سبيل الحق، والمنحرفة عن مسالك الرشاد والهدى"29

-القصةتساعد الفرد على التكيف مع المواقف الجديدة، فعند سماعه لأحداثها فإنه يعيش أحداثها ويتفاعل معها لاسيما وأنه يتصورها في مخيلته، فهو يتعلم منها كيف يتعامل مع مختلف المواقف الاجتماعية من خلال ما اكتسبه منها من معرفة وقيم واتجاهات ومهارات التعامل مع الآخرين ...إلخ.

- يساهم هذا الأسلوب في الترفيه على النفس والخروج عما هو مألوف لدى الفرد.

- تعد مصدرا وفيرا للمعلومات لدى الفرد خصوصا إذا كان محتواها ذو بعد تاريخي أو تربوي ... إلخ.

- "تعتمد القصة في تأثيرها على الطفل على عناصر ثلاثة هي: ميول الطفل، المشاركة الوجدانية، والخيال الجامح، فالطفل يمتاز بميله الكبير إلى الأسلوب القصصي،  وأحيانا يصعب إقناعه بأمور معينة دون تدخل القصة كوسيط بين المربي .. كما أن السلوك توجهه الدوافع التي تؤدي بالفرد إلى النشاط وبذل الجهد، وبحكم الميل الفطري للطفل إلى القصص تؤثر في دوافعه التي توجه سلوكه وبالتالي على التكوين العام للشخصية"30.

- يجب أن تكون القصة ملائمة للمرحلة العمرية للمتلقي، كما ينبغي ألا تكون معقدة وكثيرة الأحداث مما يتعذر عليه فهمها وإدراك مغزاها.

- أن تكون مختصرة وقائمة على عنصر التشويق حتى لا يتسرب إلى نفسه الملل والسأم، ويتمكن الطفل من تدبر معانيها والامتثال لما ترمي إليه.

د- أسلوب التقبل:

ويتمثل هذا الأسلوب في إظهار الوالدين كل مظاهر الحب والعطف وفي مختلف المواقف، والاهتمام به، "والاستعداد لرعايته واحتضانه في الأسرة والتهيؤ للاستجابة لحاجاته وإعطائه مكانة اجتماعية في وسط الأسرة بشكل يشعر الطفل بذاته وأنه محبوب من قبل والديه"31، ومساعدته على تحقيق رغباته وإشباع حاجاته الأساسية، كجاجته للحب والأمن والعطف... إلخ، ويكون تأثير هذا الأسلوب بالغ الأثر في المراحل الأولى من حياته.

في حين "يرى عبدالمجيد منصور وزكريا الشربيني أن نبذ الأبناء وعدم التعاطف معهم ونقدهم وعدم تشجيعهم يمكن أن يؤدي إلى تأثيرات خطيرة في بناء شخصية الأبناء يتمثل في:

- الإنعزالية والشعور بالوحدة والإغتراب.

- محاولة جذب انتباه الآخرين.

- السلبية والشعور بالضعف.

- الشعور العدائي تجاه الوالدين والآخرين.

- افتقاد القدرة على المبادأة وتكوين علاقات عاطفية مع الآخرين"32.

إلا أن هذا الأسلوب في المعاملة غالبا ما يفقد الفرد الشعور بالأمن والطمأنينة وبالتالي عدم توافقه نفسيا واجتماعيا مع الوسط الذي ينتمي إليه كما وينعكس كل هذا على سلوكه فيما بعد الذي سيتسم بالعدوانية مع الآخرين والأنانية، والشعور بالنقص وكره السلطة الوالدية...إلخ.

ﻫ- أسلوب الحوار:

ويقوم هذا الأسلوب على طرفين أو أكثر من خلال تفاعل لفظي هدفي قائم على السؤال والجواب كما يقوم على إعمال العقل سواء من حيث تحضير الأسئلة من طرف الوالدين ومدى تناسبها والعمل العقلي للطفل أو من طرف الطفل وذلك في سعيه إلى البحث عن إجابات عن الأسئلة التي يطرحها عليه والداه أو أحدهما دونما أن تكون معطيات تم تلقينها من قبل.

فإذا تم للوالدين عرض الموضوع عرضا حيويا مفعما بالأخذ والعطاء بينهما وبين الأبناء حال ذلك دون حدوث الملل ويزيد من اهتمامهم واكتراثهم للأمر لاسيما إذا قام هذا الأسلوب على الحجة المقنعة والقرائن القوية هذا ما يستحوذ فكر المتلقي/ الأبناء ويجذبهم أكثر للحوار البناء فعقلانية الحوار تبتعد بالأبناء عن كل ما هو خيالي أو مستحيل التحقق، إلى ما هو واقعي وملموس، كما أنه يعد أيضا موجها لشعورهم وانفعالاتهم فالحجة أو القرينة لا يتوقف أثرها على تحويل رأي الأبناء أو تصحيحه أو بلورته وإنما له بعد آخر هو البعد النفسي والانفعالي.

سادسا- أسس الرعاية الوالدية للأبناء الموهوبين:

وحتى يتم إمداد المجتمع بالأفراد الفاعلين، كان لزاما على الوالدين أن يراعيا بعض الأسس التي يتم رعاية الأبناء الموهوبين وإعدادهم في إطارها، ويمكن إيجازها فيما يلي:

أ- المساواة في معاملة الأبناء:

يعد الحرص على تحقيق المساواة في معاملة الأبناء شرطا أساسيا لتربيتهم ورعايتهم بالشكل الصحيح حتى وإن كان فيهم من هو بحاجة ماسة لرعاية خاصة كالموهوب مثلا، لذلك فإن أي مفاضلة بينهم تبعا للجنس، أو الشكل أو الترتيب الميلادي له تأثيرات سلبية غاية في الخطورة، "ونلاحظ أن بعض الأسر تركز وتهتم بأحد أبنائها وتتساهل معه، وتكيل له المديح والثناء دون إخوته الآخرين، بينما يلاقي الأطفال الآخرون في الأسرة معاملة تختلف عن معاملته، هذا ما يخلق الغيرة والعداء بين الإخوة، ومن الأمثلة على ذلك، اهتمام الوالدين بالطفل الأول، أو الطفل الأخير، أو الطفل المريض (أي إعاقة)، أو الطفل الوحيد ذكرا أو أنثى، لذا ينبغي على الأسرة الانتباه لذلك، ولتكن المعاملة فيها عادلة، والمساواة قدر الإمكان"33، وينتج عن عدم المساواة بين الأبناء في المعاملة نشوء شخصية أنانية، تستأثر لنفسها كل شيء دون مشاركة الآخرين، حتى ولو كان ذلك على حساب الغير، فتحقيقها لحاجاتها يكون دونما الأخذ في الاعتبار حقوق الآخرين وحاجاتهم،وينجم عن هذه المفاضلة بين الأبناء إلى ظهور بعض السلوكات المنحرفة لديهم كالتمرد على الوالدين مثلا، ويصبح جو الأسر مشحونا بالصراعات بين أفرادها، ويتسبب في ظهور الضغائن والحسد والكراهية....الخ، كما"تؤدي عدالة المعاملة اتجاه الطفل، وعدم التفريق بينه وبين أشقائه إلى خلق مشاعر طيبة من الحب والتعاون، تشيع بين الفرد وأشقائه، وتنقل إلى غيره من أبناء المجتمع، فيشب متعاونا، محبا لغيره، يحمل مشاعر طيبة تجاه الآخرين، ويخلو قلبه من الأحقاد والكره والبغضاء"34.

 ب- إشعار الطفل بأنه مرغوب ومحبوب:

"لا شك أن الأسرة التي يجد فيها الطفل إشباعا ورعاية لشؤونه، تعطي الطفل إحساسا بالطمأنينة في العالم الذي يحيط به، بحيث يراها مكانا آمنا، يعيش فيه، وليس مكانا باردا لا يهتم به، وهنا يأتي دور الآباء في رعاية أبنائهم في هذه المرحلة من العمر، وعليهم أن يحققوا الطمأنينة لأبنائهم، فالطفل في حاجة إلى الشعور بقيمته، وحاجته إلى الحماية والإشباع والرضا، ويقع على الأسرة عبء إحساس الأطفال بوجودهم الاجتماعي"35، فشعور الطفل سواء كان عاديا أو موهوبا بالتقبل من طرف أفراد أسرته يعد ضرورة تفرضها متطلبات النمو السليم، فإشباع الأسرة لهذه الحاجات لدى الطفل يقوي الروابط الوجدانية بينه وبين أفراد أسرته، فهو في حاجة إلى أن يكون محبوبا بينهم، ومقبولا، دونما الالتفات إلى جنسه أو شكله أو لونه، أو غيرها من الأمور، حيث أنه يكوّن صورته عن نفسه انطلاقا من نظرة الآخرين إليه، وخصوصا المقربين منهم كالوالدين على سبيل المثال.

وتفهم الوالدين لحاجاته وإدراكهما لقوانين نموه، ومعاملته المعاملة المثلى... من شأنه أن يكفل له النمو السليم، فعدم شعوره بالتقبل وخاصة من جانب الأم، يؤدي غالبا إلى ظهور جملة متنوعة من الحالات الانفعالية السلبية لديه، تقود أحيانا إلى إصابته بحالات نفسية متعددة، بدءا من شعوره بالعجز والضعف، وانتهاء بشعوره بالحقد والكراهية اتجاه الآخرين.

ﺟ- تعويده الاعتماد على النفس: 

تعكف الأسرة على رعاية الطفل الموهوب وإعداده لمواجهة الواقع الاجتماعي بكل ما يحمله من تحديات، وذلك من خلال تعليمه مبدأ الاعتماد على النفس في المواقف المختلفة، وإدراك معنى المسؤولية، وضرورة تحملها يمنحه فرصة لإثبات وجوده والبرهنة على مقدرته في تجاوز الصعوبات والمخاطر، وهو ما يزيد ثقته بنفسه، وحلي بالوالدين عدم السخرية من أفعاله أو تثبيط همته، أو التشكيك في قدراته أو إحراجه عند إظهار الفشل فهو يكون في أوج اندفاعه، فافتقاره للخبرة في الحياة والتي يكتسبها من خلال تجاربه اليومية، وتجاهل الآباء لهذه الحقيقة يقتل فيه الرغبة في إثبات الذات ويسبب له الشعور بالنقص والدونية ويجعله أكثر سلبية واتكالية على الغير

د- توفير الاستقرار الأسري:

"يأخذ نمو الطفل مساره من خلال التفاعل القائم بينه وبين أفراد أسرته في إطار ثقافة معينة متميزة عن غيرها بما تتضمنه من لغة وقيم ومعايير سلوكية بحيث يتوفر له اكتساب خبرات اجتماعية تحقق له الأمان والاطمئنان وسط جماعة اجتماعية يشعر بتماثله معها، وعلى هذا الأساس فإن الثقة المتكاملة السائدة في الوسط المحيط بالطفل في مراحل تنشئته الأولى وخُلُوِّها من التناقضات لها أكثر الأثر في نمو الطفل وتكامل شخصيته"36، لذلك تعمل الأسرة على تهيئة جو ملائم لرعاية الطفل الموهوب بحيث يسوده الود والعطف والاحترام والطمأنينة مما يؤثر على نموه وتكيفه الاجتماعي، فطبيعة العلاقات الاجتماعية داخل النسق الأسري سواء كانت بين الآباء، أو الأبناء والآباء كلها تؤثر على شخصية الطفل الموهوب، إذ أن البيئة الأسرية التي تعرف استقرارًا في حياتها تنتج عنها شخصية سوية مستقرة، على خلاف الأسرة التي تتخللها الصراعات والخصومات والاضطرابات والتي تتمخض عنها بروز شخصية غير سوية، وغير متكيفة اجتماعيًا، وقد تؤدي بها هذه البيئة المضطربة إلى الانحراف.

ﻫ- خضوع الرعاية الأسرية لقواعد النمو:

تعتبر مرحلة الطفولة مرحلة حاسمة في حياة الموهوب فهي المرحلة التي تتشكل فيها معالم شخصيته من خلال تشربه للقيم والمعايير والمثل..إلخ، ويكون ذلك بالتدرج من السهل إلى الصعب تبعا لكل مرحلة عمرية يمر بها الطفل في حياته، لذا ينبغي على الوالدين مراعاة ومسايرة النمو الطبيعي للطفل الموهوب والعادي على السواء أثناء تلقينه قيم المجتمع ومعاييره الخلقية، وعاداته وتقاليده، فلكل مرحلة عمرية طبيعتها وخصائصها، وينبغي أن ينفرد أثناءها الآباء بالأسلوب التربوي المناسب، الذي يتفق وكل مرحلة يمر بها الفرد في حياته، فلا يجوز أن يكلف الطفل الموهوب بما لا طاقة له عليه أو بما لا يتماشى وقدراته وإمكانياته، وكذا نموه الطبيعي، ويجب أن تدرك الأسرة مطالب الطفولة وأن تسعى إلى تحقيقها، وتعد تلبيتها ضرورة مُلحَّة تفرضها الحاجة إلى النمو السليم والمتّزن.

و- مراعاة التكامل في رعاية الطفل:

"يقع على الأسرة واجب تحقيق مبدأ التكامل في تربية الطفل الموهوب، وهذا يعني أن تنمية أي جانب من جوانب شخصية الموهوب في محيط الأسرة يجب ألا ينفصل عن تنمية وتربية أي جانب آخر من جوانب شخصيته، فقيام الأسرة بمهمة التربية العقلية للطفل يجب ألا تنفصل عن التربية الجسمية، النفسية، الاجتماعية والجمالية...الخ فالعقل السليم لا يتحقق إلا في الجسم السليم، ومع النفس الآمنة المستقرة المتكيفة مع داخلها، ومع محيطها الخارجي، ومجمل ذلك القول أن شخصية الفرد بصفة عامة، هي كل متكامل تتأثر عناصره ببعضها البعض، وبالتالي فإن تربيتها أو رعايتها يجب أن تتم بشكل كلي وشامل ومترابط ومتكامل"37 فالرعاية المتكاملة هي تلك التي تعنى بها الأسرة في إعداد أبنائها بتنمية كل جوانب شخصيتهم بشكل متكامل دونما الاقتصار على جانب دون الآخر، وقد اعتبرها المُرَبٌّون وسيلة لتحقيق الشخصية المتكاملة والمتوازنة باعتبار الفرد كل متكامل، له أبعاده وجوانبه المحـددة، وتسعى بذلك الرعاية الوالدية إلى تنميتها بحيث لا يمكن أن يطغى فيها جانب على آخــر.

ز- الاعتدال في الرعاية:

وذلك باعتماد الأسرة على أسلوب معتدل في رعاية الأبناء فإفراطها في إظهار الحب والعطف المبالغ فيهما للطفل الموهوب على وجه الخصوص، أو التمادي في استخدام القسوة والشدة والتسلط في التربية من شأنه أن يؤثر على نمو شخصيته، فالإفراط في استخدام القسوة ينجم عنه كراهية الطفل لنفسه وللآخرين، ويترجم ذلك في سلوك العنف والعدوان، أو العزلة والانطواء، ويؤدي ذلك الضرب إلى عرقلة قدرات الطفل العقلية والجسمية والوجدانية، وقد يؤدي أيضا إلى العزلة والانطواء، أو الإصابة بحالات مرضية خطيرة كحالة الاكتئاب وهي من أخطر الأمراض النفسية، وعليه "فإن الضرب ليس الوسيلة الناجعة في التربية، بل إنه وسيلة رديئة بجميع المقاييس، وأن الخليق بالآباء والأمهات أن يتخلصوا من استخدام الضرب في التربية والتعليم، وأن يبحثوا عن الوسائل الناجعة التي لا تترك بعد استخدامها نتائج نفسية دفينة قد لا تظهر في سلوك من استخدم الضرب في توجيههم إلا بعد أن يشبوا عن الطوق"38

ويؤكد ابن خلدون على استخدام أسلوب معتدل في معاملة الأبناء، وذلك لأن التعسف في تربيتهم يضيق على النفس البشرية ويؤثر على نشاطها بشكل سلبي، ويكسبها عادة سيئة ويبعدها عن معاني الفضيلة والخلق الرفيع، كما أن الإفراط في تدليل الطفل يشعره بأفضليته على غيره وعلو شأنه أمامهم، مما يؤدي إلى ازدياد مطالبه، وتوقعه من الوالدين تلبيتها، غير أنه باندماجه في المجتمع، وتفاعله المستمر مع أفراده من مختلف الشرائح الاجتماعية فلن يجد من يلبي هذه المطالب والحاجات فيصطدم بالواقع، لذلك فإن الاعتدال في معاملة الأبناء وتربيتهم على أسس صحيحة، يمكنهم من تحقيق ذواتهم واندماجهم الاجتماعي.

سابعا- معوقات الرعاية الوالدية للأبناء الموهوبين:

من أبرز المعوقات التي تعيق نمو الموهبة وتطورها نذكر ما يلي:

- جهل الوالدين أو أحدهما أو تدنى مستواهما الثقافي والتعليمي الذي يحدد موقفهما من ابنهما الموهوب مما يؤثر ذلك بشكل كبير جدا على شخصيته بالدرجة الأولى وعلى طموحاته وقد يتسبب ذلك في دحض موهبته.

- فرض القيود على الموهوب من طرف الوالدين أو أحدهما بعد إدراكهما لقدراته المتميزة وإلزامه بتحقيق طموحاتهما التي عجزا في يوم من الأيام عن تحقيقها، وعدم تفهمهما لحاجاته وميولاته واتجاهاته الفكرية أو تجاهل خصوصياته وطموحاته كذات مستقلة، خصوصا وأنه "يسعى دائما عن طريق الاستطلاع والاكتشاف والبحث وراء المعرفة الجديدة حتى يعرف البيئة المحيطة به، وحتى ينجح في الإحاطة بالعالم من حوله، وهذه الحاجة أساسية في توسيع مدارك الطفل، فهو يحاول اكتشاف معارف جديدة حتى يعرف البيئة التي يعيش فيها، ولهذا فهو يحتاج إلى تشجيع الأسرة التي ينتمي إليها"39.

- الظروف السيئة التي قد تعيشها أسرة الموهوب كحالة الفقر أو التفكك أو انحراف بعض أفرادها أو إصابة أحد الوالدين بمرض مزمن ... إلخ كل هذه الأمور تؤثر بلا شك سلبا على الموهوب وعلى حجم ونوع الرعاية التي سيحظى بها في أسرته،وتزداد حدة هذا الوضع كلما كان حجم الأسر التي ينتمون إليها كبيرا، فتعجز بذلك هذه الأسر عن تلبيتها لعدم وجود توازن فعلي بين الدخل والنفقات، كما قد "يتأثر نمط التنشئة الاجتماعية بحجم الأسرة إيجابا أو سلبا وفقا لعدد أفرادها، وخاصة في أساليب ممارستها، حيث أن تناقص حجم الأسرة يعتبر عاملا من عوامل زيادة الرعاية المبذولة"40.

 - حدة الصراعات والخصومات بين أفراد الأسرة وبشكل مستمر يؤثر سلبا على الموهوب وعلى قدراته الإبداعية "يسبب كثير من الإحباطات النفسية والمشكلات السلوكية، والشعور بالعجز والانهزام، ويؤثر حرمانه من الرعاية الوالدية على شخصيته بشكل كبير، لأن فقدانها يمثل لديه خبرة أليمة، وهزة عاطفية سلبية، قد تستمر آثارها معه حتى كبره، لاسيما وأن الوالدين" هما المسؤولان عن تربيته على الخلق السوي، وذلك بإبعاده عن الرفقة السيئة، وعزله عن برامج الإعلام المنحرفة، وغيرها من المؤثرات التي تغير وتفسد أخلاقهم"41.

خاتمة:

فعلاً، لقد أضحت رعاية الموهوبين مطلبا حيويا لأي مجتمع يسعى إلى التقدم والازدهار، خصوصا بعدما كشفت الكثير من الدراسات العلمية الرائدة أهمية هذه الشريحة الاجتماعية، وأكدت على ضرورة رعايتها والاهتمام بها لبلوغ هذا الهدف، والحقيقة أن عملية رعايتها لا تنطلق من فراغ بل من فضاء مؤسساتي يقره المجتمع، ولا يخرج عن نظمه وقواعده وأعرافه، وتشترك في الإشراف على هذه العملية عدة مؤسسات اجتماعية لها تأثيرها الواضح على مسار تقدمه الاجتماعي والثقافي والاقتصادي ... إلخ كالأسرة، المدرسة، الجمعيات...إلخ

وتعد الأسرة عامل التأثير الأول في شخصية الموهوبين، خصوصا وأنهميتميزون عن غيرهم من الأبناء العاديين بجملة من الاحتياجات الأساسية لنموهم وتطور قدراتهم الإبداعية، كحاجتهم إلى الأمن والحب والحنان، اللعب، الانتماء، الحرية والاستقلالية، التقدير الاجتماعي، التحصيل والنجاح، ويعد الوالدان تحديدا هما المسؤولان عن تلبيتها، وتلبية هذه المتطلبات يعكس لنا بجلاء أهمية الرعاية الوالدية للموهوبين، وتنمية وتطوير قدراتهم المتميزة.

وتكون الرعاية الوالدية للموهوبين أكثر فاعلية إذا تمت هذه الرعاية بشكل متكامل وشملت جميع جوانب شخصيتهم الاجتماعية منها والنفسية، والدينية، والعلمية والتربوية، والصحية،واعتمد فيها الوالدان أساليب سليمة كالحوار، الموعظة والنصح والقدوة الحسنة..إلخ، وذلك نظرا لنجاعتها وتأثيرها الإيجابي في نسق شخصيتهم،وكانت قائمة على تفهم الوالدين لتطلعات أبنائهم الموهوبين وطموحاتهم الشخصية، وإدراكهما لأهميتهم الحقيقية في المجتمع، والتزامهما بقواعد الرعاية الصحيحة التي ينادي بها المربون والمختصون في هذا الإطار أمثال تيرمان و هولينجورث وجلجار ورينزلي ... إلخ، حيث كشفت دراساتهم عن الأهمية البالغة للوسط الأسري وتأثيره الكبير في نمو وتطور الموهبة لديهم، وأهمية الوالدين في حياة الفرد لاسيما في المراحل المبكرة لها، ودورهما في توجيه سلوكه وفق ما يقره المجتمع، وحرصهما الدائم على تكوين اتجاهات إيجابية لديه عن ذاته وقدراته وإمكانية تطويرها على نحو أفضل ، ولكن حتى وإن تخللت الوسط الأسري الذي ينتمي إليه الموهوب بعض النقائص إلا أن هذا لا ينفي دور الإرادة لديه في تحقيق مستويات أعلى من الأداء، فكثير من الموهوبين في العالم عاشوا في طفولتهم ظروفا صعبة إلا أنهم تمكنوا من إثبات وجودهم وإبراز قدراتهم مثل أينشتاين والعقاد وطه حسين ... وغيرهم.

التوصيات:

بناء على ما سبق نحاول اقتراح بعض التوصيات التي يمكن أن تفيد الآباء في رعايتهم لأبنائهم الموهوبين بالشكل الصحيح  نوردها في النقاط التالية:

- ينبغي على الوالدين  تنمية معارفهم وتطويرها بشكل مستمر، لاسيما ما تعلق منها بالموهبة والموهوبين وخصائصهم، وحاجاتهم للنمو ولتطوير قدراتهم الأدائية، وذلك لا يتأتى إلا من خلال الاطلاع على مختلف الدراسات العلمية والتربوية التي تولي اهتماما خاصا بالطفل عموما والموهوب خصوصا.

- سعي الوالدين اعتماد أساليب تربوية أكثر ملاءمة تتوافق مع احتياجاته، خصوصا وأن الموهوب متميز عن غيره برهافة حسه.

- ضرورة سعي الوالدين إلى تقديم الدعم المعنوي للموهوب وتشجيعه على تقديم أفضل ما لديه، والسماح له بالانضمام إلى النوادي الثقافية والرياضية التي تتناسب مع موهبته من أجل تنميتها وتطويرها.

- العمل على تهيئة الظروف الملائمة في محيطه الأسري كتحقيق الجو النفسي الصحي المشبع بالحب والتفاهم والتعاون والحوار، وتوفير الكتب والمجلات غيرها من الأمور التي تكفل له نمو موهبته بشكل طبيعي.

- تعاون الوالدين مع الخبراء في التربية الخاصة والأخصائيين النفسانيين والاجتماعيين ومحاولة الاستفادة من آرائهم وتوجيهاتهم في هذا المجال.

1- مصطفى الخشاب،1985، دراسات في علم الاجتماع العائلي، دار النهضة العربية للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، ص150.

2- طه أبو الخير ومنير العصرة، 1961، انحراف الأحداث، منشأة المعارف، الإسكندرية، ص 22.

3- كريم بلقاسمي، مسرح الطفل في الجزائر دراسة في القيم والتفاعل، رسالة ماجستير، تخصص علوم الإعلام والاتصال، جامعة الجزائر، السنة الجامعية 2002-2003، ص11.

4- أكاديمية نايف العربية للعلوم الأمنية، 1997، القاموس الأمني إنجليزي-عربي، الرياض، ص45

 5- عبيدي سناء، العوامل الأسرية التي تجعل الطفل في خطر تصورات الأخصائي النفسي في ولاية قسنطينة ، رسالة ماجستير، تخصص علم النفس العيادي، جامعة منتوري قسنطينة، السنة الجامعية 2009-2010، ص18.

6- أسماء عبدالجبار سلمان، "دراسة مقارنة بين موهبة الأطفال الفاقدين أحد الوالدين وغير الفاقدين"، مجلة الفتح، العدد السادس والأربعون، نيسان 2011، ص25.

7- Despina Sivevska, "Instigation and development of gifted in school" , ScienceDirect, Available online at www. Sciencedirect.com , Procedia Social and Behavioral Sciences 2 (2010),p333

8- Rosadah Abd.Majid, Aliza Alias,"Consequences of Risk Factors in the Development of Gifted Children", ScienceDirect, Available online at www. Sciencedirect.com, Procedia Social and Behavioral Sciences 7(C). (2010(,p64

9- طلعت محمد أبو عوف،2008، الأسرة والأبناء الموهوبون، ط1، دار العلم والإيمان للنشر والتوزيع، القاهرة، ص 95.

10- فؤاد أبو حطب وآخرون، مرجع سابق، ص26.

11- ماجدة السيد عبيد، 2000،تربية الموهوبين والمتفوقين، ط1، دار صفاء للنشر والتوزيع، الأردن، ص20.

12- طلعت محمد أبو عوف، مرجع سابق، ص ص 88-89.

13- جمال الخطيب، 2005، استخدامات التكنولوجيا في التربية الخاصة، ط1، دار وائل للنشر والتوزيع، الأردن، ص159.

14-لينا بنت عبدالرحمن أحمد برهمين أبو نواس، برامج إدارات ومؤسسات رعاية الموهوبين في المملكة العربية السعودية، رسالة ماجستير، تخصص الإدارة التربوية والتخطيط، جامعة أم القرى، السنة الجامعية 2006-2007، ص 20.

15- فؤاد علي العاجز و زكي رمزي مرتجى، "واقع الطلبة الموهوبين والمتفوقين بمحافظة غزة وسبل تحسينه"، مجلة الجامعة الإسلامية للدراسات التربوية والنفسية، المجلد العشرين، العدد الأول، يناير 2012، ص 337.

16-  مصطفى نوري القمش وخليل عبدالرحمن المعايطة،2010،  سيكولوجية الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة، ط3، دار المسيرة للنشر والتوزيع والطباعة، الأردن، ص270

17- معتصم شنطاوي ومعتصم خطاطبة ومعين الشعلان، "دراسة تحليلية لسلوك اللعب عند الأطفال"، مجلة أبحاث اليرموك سلسلة العلوم الإنسانية والاجتماعية، المجلد 25، العدد04، 2009، ض 844.

18- سوزانا ميلر،1987، سيكولوجية اللعب، ترجمة حسن عيسى، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب،الكويت،ص ص 222-223.

19- سلوى بنت أحمد عبد الله العطاس، إسهامات الأسرة في تربية الإبداع لدى أطفالها من منظور التربية الإسلامية، رسالة ماجستير ، تخصص التربية الإسلامية والمقارنة،جامعة أم القرى، السنة الجامعية 2006-2007،  ص135   

20- محمد سعيد مرسي، 1998، فن تربية الأولاد في الإسلام، الجزء الأول، ط1، دار الطباعة والنشر الإسلامية، القاهرة ، ص13.

21- خالد أحمد الشنتوت، دور البيت في تربية الطفل المسلم، ط4، المطبعة العربية،الجزائر، ص17.

22- جابر نصر الدين،علاقة الرفض الأبوي بالتكيف النفسي الاجتماعي للمراهق، رسالة ماجستير،تخصص علم النفس الاجتماعي، جامعة الجزائر، السنة الجامعية1991-1992، ص 145.

32- مصطفى عوفي،"خروج المرأة إلى ميدان العمل وأثره على التماسك الأسري" ،مجلة العلوم الإنسانية منشورات جامعة قسنطينة، العدد19، جوان 2003 ص 133.

24-  محمد جابر محمود رمضان، 2005 ،مجالات تربية الأبناء في الأسرة والمدرسة، ط1، عالم الكتب، القاهرة، ص31.

25- مراد زعيمي، 2006، مؤسسات التنشئة الاجتماعية، منشورات جامعة باجي مختار، عنابة، ص 13.

26- محمد جابر محمود رمضان، مرجع سابق، ص110

27- محمد جابر محمود رمضان، مرجع سابق، ص111.

28- مراد زعيمي، مرجع سابق، ص ص 34-35.

29- محمد جابر محمود رمضان، مرجع سابق ، ص 105.

30- مراد زعيمي، مرجع سابق، ، ص35.

31- ميهوبي إسماعيل، تواصل عملية التنشئة الإجتماعية للتلاميذ بين الأسرة والمدرسة في الوسط الريفي، رسالة ماجستير،تخصص علم الإجتماع التربوي الثقافي، جامعة الجزائر،2007-2008،ص92.

32- بداوي مسعودة، أساليب المعاملة الوالدية و مشكلات الأبناء المراهقين (دراسة ميدانية في الجزائر العاصمة ) ،أطروحة الدكتوراه ، تخصص علم النفس التربوي، جامعة الجزائر،2008-2009،ص ص81-82

33- يوسف عبد الوهاب أبو حميدان،2010، العلاج السلوكي لمشاكل الأسرة والمجتمع، ط1،دار الكتاب الجامعي،الإمارات العربية المتحدة، ص20.

34-محمد شفيق، 1997، الإنسان والمجتمع ، المكتب الجامعي الحديث، الإسكندرية، ص29.

35- سهير كامل أحمد،1999، أساليب تربية الأبناء بين النظرية والتطبيق، مركز الإسكندرية للكتاب، الإسكندرية، ص13.

36- سهير كامل أحمد، مرجع سابق، ص12.

37- محمد جابر محمود رمضان، مرجع سلبق، ص39.

38- يوسف ميخائيل أسعد، 1999،أثر الضرب في البيت والمدرسة، دار غريب للطباعة والنشر والتوزيع، القاهرة، ص 13-14.

39- صليحة غنام، عمالة الأطفال وعلاقتها بظروف الأسرة دراسة ميدانية بمدينة باتنة، رسالة ماجستير، تخصص علم الاجتماع العائلي، جامعة الحاج لخضر – باتنة، السنة الجامعية  2009-2010،ص 71

40- موهوب رحمة، تأثیر الدین والتنشئة الاجتماعیة في قیم الزواج بین عائلات المرابطین والعوام دراسة میدانیة لعائلات المرابطین بزمورة- ولایة برج بوعریریج، رسالة ماجستیر، تخصص علم الاجتماع الدیني، جامعة الجزائر، السنة الجامعية2011-2012، ص66.

41- جابر نصر الدين: مرجع سابق، ص 145.

@pour_citer_ce_document

عبدالباقي عجيلات, «»

[En ligne] ,[#G_TITLE:#langue] ,[#G_TITLE:#langue]
Papier : ,
Date Publication Sur Papier : 2011-09-20,
Date Pulication Electronique : 2017-07-02,
mis a jour le : 12/06/2018,
URL : https://revues.univ-setif2.dz:443/revue/index.php?id=2319.