الأنظمة الإعلامية في العالم: من نظريات الصحافة إلى ما بعد النماذج الإعلامية
Plan du site au format XML


Archive: revues des lettres et sciences sociales


N°01 Avril 2004


N°02 Mai 2005


N°03 Novembre 2005


N°04 Juin 2006


N°05 Juin 2007


N°06 Janvier 2008


N°07 Juin 2008


N°08 Mai 2009


N°09 Octobre 2009


N°10 Décembre 2009


N°11 Juin 2010


N°12 Juillet 2010


N°13 Janvier 2011


N°14 Juin 2011


N°15 Juillet 2012


N°16 Décembre 2012


N°17 Septembre 2013


Revue des Lettres et Sciences Sociales


N°18 Juin 2014


N°19 Décembre 2014


N°20 Juin 2015


N°21 Décembre 2015


N°22 Juin 2016


N° 23 Décembre 2016


N° 24 Juin 2017


N° 25 Décembre 2017


N°26 Vol 15- 2018


N°27 Vol 15- 2018


N°28 Vol 15- 2018


N°01 Vol 16- 2019


N°02 Vol 16- 2019


N°03 Vol 16- 2019


N°04 Vol 16- 2019


N°01 VOL 17-2020


N:02 vol 17-2020


N:03 vol 17-2020


N°01 vol 18-2021


N°02 vol 18-2021


N°01 vol 19-2022


N°02 vol 19-2022


N°01 vol 20-2023


N°02 vol 20-2023


N°01 vol 21-2024


A propos

avancée

Archive PDF

N° 25 Décembre 2017

الأنظمة الإعلامية في العالم: من نظريات الصحافة إلى ما بعد النماذج الإعلامية


فضيل دليو
  • resume:Ar
  • resume
  • Abstract
  • Auteurs
  • TEXTE INTEGRAL
  • Bibliographie

إن التغيرات السريعة التي عرفها مجال الإعلام مؤخرا: التغيرات السياسية الإقليمية والدولية، التكتلات الإعلامية الضخمة، تكاثر القنوات الفضائية المتخصصة، عولمة الاتصالات...، جعلت نظريات الصحافة والنماذج المطورة لها لاحقا في مجال علوم الإعلام والاتصال عاجزة نسبيا عن تقديم تفسير وفهم شاملين لما يحدث في أنظمة وسائل الإعلام عبر مختلف مناطق العالم.

وفي هذا الإطار، سيتم عرض النظريات الكلاسيكية الأربع (السلطويةوالسوفيتيةوالليبراليةوالمسؤولية الاجتماعية) مذيلة بنظريتيْ ماك كوايل (التنموية والديمقراطية-التشاركية) والنماذج الثلاثة لـ"هالين ومانشيني" (الليبراليوالديمقراطي التشاركيوالتعددي الاستقطابي) وتطوراتها اللاحقة (الأبوي، الوطني، الزبوني، المركزي الإنساني...)، مع الإشارة في كل محطة إلى بعض المقاربات النقدية لها.

الكلمات المفاتيح:أنظمةوسائل الإعلام، نظريات الصحافة، النماذج الإعلامية

Les récents changements rapides dans le domaine des médias: les changements politiques régionaux et internationaux, les conglomérats de médias de masse, la prolifération des chaînes satellitaires spécialisées, la mondialisation des communications ... ont fait que des théories de la presse et des modèles développés plus tard dans le domaine des sciences de l'information et de la communication soient relativement incapables de fournir une explication plausible et une compréhension complète de ce qui se passe dans les systèmes des médias à travers le monde. Dans ce contexte, les quatre théories classiques de la presse (Autoritaire, Soviétique, Libérale et Responsabilité sociale) seront présentées avec les deux théories de McQuail(de développement et démocratique participative) et les trois modèles de Hallin et Mancini (Liberal, Corporatiste-Démocratique et Pluraliste polarisé) et leurs développements ultérieurs (Paternaliste, Nationaliste, Clienteliste, Humano-centrique…), en référence à certaines approches critiques.

Mots clés: Systèmes des moyens d’information, théories de la presse, modèles des relations médias-politiques

The recent rapid changes in the field of media: regional and international political changes, mass media conglomerates, the proliferation of specialized satellite channels, the globalization of communications ... have made theories of the press and models developed later in the field of information and communication sciences relatively incapable of providing a comprehensive explanation and understanding of what happens in Media Systems around the world.

In this context, the Four Classic Theories of the Press(Authoritarian, Soviet –Communist-, Liberal, &Social Responsibility) will be presented with the two McQuail theories (Development and Democratic-Participant) and the three models of Hallin and Mancini (Liberal, Democratic Corporatist & Polarized Pluralist) and their subsequent developments (Paternalist, Nationalist, Clientelist,Humanocentric… (Nationalist, withreference to somecriticalapproaches.

Keywords: Media Systems, Theories of the press, models of media-politics relations.

Quelques mots à propos de :  فضيل دليو

كلية علوم الإعلام والاتصال جامعة صالح بوبنيدر- قسنطينة3

مقدمة

إن التغيرات السريعة والواسعة التي عرفها مجال الإعلام مؤخرا: التغيرات السياسية في محيط العالم الغربي، التكتلات الإعلامية الضخمة، تكاثر القنوات الفضائية الدولية المتخصصة، عولمة الاتصالات...، جعلت النظريات والنماذج المطورة لاحقا في مجال علوم الإعلام والاتصال عاجزة نسبيا عن تقديم تفسير وفهم شاملين لما يحدث في أنظمة وسائل الإعلام.

وفي هذا الإطار، سيتم تقييم الأفكار المتعلقة بمجال الأنظمة الإعلامية وعلاقتها –الموسومة تقليديا بالتبعية المركزية-بالأنظمة السياسية الوطنية.

إن التراث الفكري في مجال الأنظمة الإعلامية تصدرتها منذ الخمسينيات من القرن الماضي نظريات الصحافة. وهي نظريات معيارية أساسا، لأنها تستهدف التفكير في الكيفية التي ينبغي –أو من المتوقع-أن تعمل بها وسائل الإعلام في علاقتها بالسلطة السياسية.

ففي عام 1956، نشر "سيبرت، بيترسون وشرام" (SIEBERT, PETERSON &SCHRAMM) كتابهم (أربع نظريات للصحافة: Four Theories of the Press)شاع الحديث عنها، هي:

- النظرية السلطوية: الصحافة تقيد حرية وسائل الإعلام لحماية النظام الاجتماعي المعمول به.

- النظرية السوفيتية: تلعب الصحافة دور المحرّض، الدعاية والتوجيه في خدمة الشيوعية.

- النظرية الليبرالية: حرية التعبير والمبادرة.

- نظرية الصحافة المسؤولة (المسؤولية الاجتماعية).

وفي منتصف الثمانينيات من القرن الماضي، أضاف إليها عالم الاجتماع البريطاني "ماك كوايل" (McQUAIL, Denis:1983, 84-98) نظريتين، هما:النظرية التنموية (Development)ونظرية الديمقراطية-التشاركية (Democratic Participant)، والتي هي في الحقيقة شبيهة بالنموذج الديمقراطي الذي تكلم عنه في العشريتين السابقتين كل من "وليامس" و"كرّان" (سنتكلم عنهما لاحقا).

وفي مطلع الألفية الثالثة، حاول تجديد نظريات الصحافة كل من "هالن ومانشيني" (HALLIN& MANCINI: 2004) مقترحيْن ثلاثة نماذج مثالية للعلاقة بين وسائل الإعلام والسياسة في أوروبا الغربية وأمريكا الشمالية (الليبرالي-Liberal-، الديمقراطي التشاركي –DemoraticCorporatist- والتعددي الاستقطابي–PolarizedPluralist-)، مع تأكيد ظرفيتها والدعوة إلى تحديد نماذج أخرى تبعا لمناطق جغرافية غير غربية.مما جعل بعض المهتمين يقدمون محاولات تصنيفية أخرى (NISBET &Moehler : 2005, 14)، (CURRAN et al.: 2009)... لا يتسع المجال لتفصيل الكلام حولها هنا، حيث سنكتفي بعرض تباعا النظريات الكلاسيكية الأربع مذيلة بنظريتيْ ماك كوايل وببعض التصنيفات الموالية لها وخاصة النماذج الثلاثة لـ"هالين ومانشيني" وتطوراتها اللاحقة، مع الإشارة في كل محطة إلى بعض المقاربات النقدية لها:

أولا) نظريات الصحافة

تصدرت نظريات الصحافة مشهد الدراسات التي اهتمت بتحليل ومقارنة الأنظمة الإعلامية في العالم من وجهة نظر غربية، فضلا عن كمية ونوعية الانتقادات التي تلقتها من داخل وخارج الأوساط الأكاديمية الغربية. وفيما يلي عرض موجز لها:

1- النظرية السلطوية

بدأ النقاش يكثر في الخمسينيات من القرن الماضي حول اختلاف أشكال وسائل الإعلام وأهدافها المرتبطة بالأنظمة الاجتماعية والسياسية في دول الشمال التي كانت حينها تعيش أجواء الحرب الباردة بين معسكري الاتحاد السوفييتي وأمريكا. وفي سياق ذلك، أسس "سيبرت وزميلاه" (SIEBERT, PETERSON & SCHRAMM: 1956) لأربع نظريات بناءً على توصيفهم لوجود أربعة أنظمة سياسية، تتراوح أطرافها بين الاستبداد والحرية. ولقد تكفل "سيبرت" بتحرير أولها (النظرية السلطوية: ص ص. 9-37) لاعتبارها أقدمها والمحك الذي تُعرض في مقابِله النظريات الأخرى:

تضع هذه النظرية الصحافة في خدمة الدولة أو الملك أو الأمير، وهي تبرر الرقابة المسبقة ومعاقبة الصحافيين إذا خرجوا عن المعايير التي تحددها السلطات السياسية. ويمكن ملاحظة هذه النظرية في الأنظمة الدكتاتورية، عند تطبيق حالة الطوارئ أو الأحكام العرفية، في حالة الحرب أو في البلدان المحتلة. إن تطبيق هذه النظرية عادة ما يستهدف حماية النظام الاجتماعي القائم ومؤسساته. ومن أبرز أمثلتها التشخيصية: أسبانيا في عهد "فرانكو"، الجزائر أثناء الاحتلال الفرنسي وبعض الفترات بعده... لكن المرجعية التاريخية المؤسسة لها عند أصحاب النظرية تكمن في أوروبا القرون الوسطى، حيث كانت "الحقيقة" بين أيدي نخب سياسية أو أمراء نصبوا أنفسهم كمرشدين لبقية أفراد المجتمع. وبلغت هذه النظرية ذروتها في القرن 16وجزء كبير من القرن 17، عندما كان الحكام يستعملون الصحف للتواصل عموديا مع أفراد الشعب وتلقينهم أفكارهم.

وبالطبع، أدى هذا النموذج السلطوي إلى ظهور ردود فعل معارضة من طرف بعد النخب البورجوازية في أوروبا التي كانت تدعو إلى حرية التعبير وأسست لظهور مفهوم حرية الصحافة المرتبط بالنظرية الليبرالية، والتي سنتكلم عنه لاحقا، رغم كونها وردت في الكتاب في المرتبة الثانية لارتباطها التاريخي بالأولى.

2- النظرية السوفييتية

يمكن لهذه النظرية "الشيوعية" أن تُستوعَب في سابقتها "السلطوية" أو أن تعتبر فرعا منها، لكن من الناحية التاريخية، طبقها أصحابها (وخصوصا محررها: شرام، ص ص. 105-146) على فترة ما بعد الحرب العالمية الأولى، حيث أُنيط بوسائل الإعلام دور الدعاية والتربية الجماعية والتنمية من أجل بناء الشيوعية وتعميم الحقيقة التاريخية للماركسية-اللينينية. ففي عام 1917وضع "لينين" أسس هذا النظرية والتي قوامها طبعا تبعية وسائل الإعلام للحزب الشيوعي. ومن الأنظمة السياسية التي حاولت تطبيقها في السابق دون جدوى: الاتحاد السوفييتي (التي سميت باسمه)، دول أوروبا الشرقية، بعض دول العالم الثالث ذات التوجه الاشتراكي، وحاليا بعض الدول مثل كوبا وكوريا الشمالية.

وتستعمل الصحافة في هذه النظرية كوسيلة للسلطة المركزية، وتكون حسبها وسائل الإعلام ملكا للدولة وغير ربحية ويتحكم في نشاطها وتحديد أهدافها الحزب الشيوعي، باعتباره وكيلا للطبقة العاملة التي يجب أن تحتفظ بالسلطة والقوة من خلال سيطرتها ورقابتها الصارمة على وسائل الإنتاج الفكري وفي مقدمتها وسائل الإعلام.

3- النظرية الليبرالية

يُرجع محررها "سيبرت" (ص ص. 39-71) تاريخ النظرية الليبرالية إلى نهاية القرن 17، أين ظهرت لأول مرة الأفكار السياسية التحررية في انجلترا، وتشكلت في القرن 18–الذي اعتبر مرحلة انتقالية- وازدهرت في القرن 19. وقد رافقت بالطبع تطور الديمقراطيات السياسية التمثيلية والحريات الدينية والتجارة الحرة والسياحة في أوروبا.

تقترح هذه النظرية الجمع بين "حرية التعبير الفردية" و"حرية المبادرة". بدأ تطبيق هذا النموذج في صحافة الرأي قبل أن ينتقل إلى صحافة الخبر، مرافقا تطور الأنظمة السياسية الأوروبية نحو الديمقراطيات الليبرالية.

ويبدو أن هذه النظرية استلهمت أسسها النظرية من أعمال بعض منظري الليبرالية، مثل "جون ميلتون (القرن 17) وطوماس جيفرسون (القرن 18)و"جون ستيورت ميل" (John Stuart Mill: OnLiberty, 1868) حول الحرية. وهي تَعتبر أن حرية الصحافة عنصر ضروري لوجود المجتمعات الحرة، والتي يجب أن تحرر الصحافة من الرقابة المسبقة وتجعلها مسؤولة فقط أمام القانون عن أنشطتها التي قد تخالف حقوق أو حريات أخرى، وأن تسمح بامتلاك الأفراد لوسائل الإعلام وبالحصول على المعلومات. وبالرغم من أن الهدف الرئيس من وجودها هومراقبة الحكومة، التي لا يحق لهاأن تمتلك وسائلالإعلام، فإن من أهدافها العمل على تحقيق أكبر قدر من الربح المادي من خلال الإعلان والترفيه والدعاية.

ولقد تعرضت هذه النظرية للكثير من الانتقادات، بسبب مبالغتها في استغلال الحرية والملكية الخاصة لوسائل الإعلام، فعرّضت الأخلاق العامة للخطر بغية الإثارة والتسويق، وتعدّت على حرية الآخرين وحياتهم الخاصة، كما أعطت الأولوية لتحقيق أهداف مالكي وسائل الإعلام والمعلنين على حساب مصالح المجتمع. كما أدت إلى احتكار متزايد لوسائل الإعلام.

ونتج عن مثل هذه الانتقادات ظهور أفكار جديدة في الساحة الإعلامية الأمريكية خاصة، عقب الحرب العالمية الثانية، شخصتها أساسا نظرية المسؤولية الاجتماعية:

4- نظرية المسؤولية الاجتماعية

يعترف محررها (بيترسون: الفصل الثالث من كتاب "سيبرت" الجماعي) أنه اعتمد في صياغتها على أعمال لجنة حرية الصحافة غير الحكومية (1947) (المسماة باسم رئيسها: هتشينز/ Hutchins) وعلى ممارسات إعلامية واقعية. وقدمها على أساس أنها ردة فعل على الصعوبات التي يواجهها المواطنون الذين يريدون إنشاء وسائل إعلامهم الخاصة نتيجة الاحتكار المتزايد لوسائل الإعلام في المدن الكبيرة ليس من طرف السلطة السياسية كما في الأنظمة الديكتاتورية ولكن من طرف تجمعات اقتصادية كانت تحارب أساسا –عندما كانت متضررة من ذلك- احتكار الحكومة لوسائل الإعلام.

ولقد تم الحديث عن هذه الممارسات الاحتكارية المتزايدة لوسائل الإعلام في مطلع الكتاب بالقول بأنها "تستدعي واجب المسؤولية الاجتماعية وأن تكون كل الأطراف ممثلة في مجتمع تعددي، كما يجب وأن تتاح للجمهور كل الآراء الممكنة حول قضية ما والمعلومات الكافية لاتخاذ قراراته. وفي حالة عدم تحمل وسائل الإعلام الخاصة هذه المسؤوليات، قد يكون من الضروري أن تتكفل بها وكالات إعلامية عمومية".

مع العلم أن هذا النموذج تم تبنيه أساسا في أمريكا الشمالية، كرد فعل على تجاوزات النموذج الليبرالي البدائي ومنتجاته الصحافية "الصفراء" الفاضحة والمثيرة وتهديداته الاحتكارية، وكدعوة إلى ضرورة تحلي وسائل الإعلام ذاتيا بروح المسؤولية والصحافيين بالمهنية الضرورية التي تجعلهم يعطون الأولوية لنشر الأخبار المهمة في الحياة السياسية والاجتماعية ويلتزمون بالمعايير المهنية مثل الصدق والموضوعية والتوازن والدقة... كما استلزم ذلك دعوة وسائل الإعلام إلى تبني قوانين أخلاقية ومهنية توافقية تنص على التزاماتها المجتمعية، على اعتبار أن الحرية الإعلامية حق وواجب ومسؤولية في الوقت نفسه.

أي أن هذه النظرية تستهدف في الوقت نفسه الإعلام والترفيه والحصول على الربح إلى جانب الأهداف الاجتماعية، والتي من بينها تجنب نشر أو عرض ما يساعد على الجريمة أو العنف أو العنصرية، أو التدخل في حياة الأفراد الخاصة؛ مع السماح للقطاعين العام والخاص بامتلاك وسائل الإعلام ولكنها تشجع أكثر هذا الأخير.

5- النظرية التنموية

في عام 1983أضاف "ماك كوايل" (McQUAIL, Denis) في مؤلفه حول نظرية الاتصال الجماهيري نظريتيْن معياريتين، كانت أولهما النظرية التنموية -التي سبقه إليها "هاشتن" (HACHTEN : 1981)- واستلهم منها تقرير "ش. ماكبرايد" (اليونسكو: 1983) بعض أفكاره، على اعتبار أن هذه النظرية تعكس وضعية البلدان النامية التي كانت وسائل إعلام الكثير منها تخضع للهيمنة الأجنبية وللتبعية الاقتصادية. كما كانت هذه الدول تعاني من نقص مزمن في الموارد البشرية والمادية الضرورية لتجنيد نخبها (ومنهم الصحافيين) لمباشرة وتدعيم جهود التنمية.

ولتحقيق هذه التنمية يدعو هذا النموذج مهنيي الإعلام إلى تجنيد أنفسهم مع وخلف نخب السلطة السياسية (الحزب الحاكم أو المهيمن) لدعم المهام المجتمعية الكبرى والتنمية الوطنية. وبالتالي "فإن بعض حريات وسائل الإعلام تصبح خاضعة لمسؤولية الصحافيين في التعاون لإنجاز هذه المهام" (McQUAIL, Denis: 1994, 162)، حيث يصبح للدولة الحق في التدخل في عملهم وممارسة الرقابة والسيطرة وذلك للمحافظة على تنفيذ الأهداف التنموية.كما ترى هذه النظرية أنه يجبأن تعطي وسائل الإعلام الاهتمام في محتواها باللغة والثقافة الوطنيتين، مع إعطاء الأولوية في التغطية الإخبارية والمعلومات إلى الدول النامية الأخرى التي ترتبط بالدولة جغرافيا أو ثقافيا أو سياسيا.

وفي سياق ذلك، اقترح بعض الجامعيين وبعض المؤسسات الأممية على دول الجنوب ربط الاتصال بأهداف التنمية الشاملة، ربطا يتجاوز الاستخدام التقليدي الأحادي والجزئي لوسائل الاتصال (نشر المعلومات بهدف التوعية نشرا مبسطا وفي اتجاه نازل) لفائدة تبني نموذج دمج تنمية وسائل الاتصال الجماهيري خصوصا والاتصال عموما (من خلال المعلمين، المرشدين...) في خطط التنمية الشاملة.

وبالرغم من أهمية النتائج التي توصلت إليها بعض الدراسات الميدانية المدعمة لذلك، فالملاحظ -حسب عزي، عبد الرحمان (1992: 110)- أنها لم تتمكن من إنشاء تصور نظري متكامل بقدر ما أفادت في توفير بعض المعرفة الميدانية المجزأة في عدد من البلدان المتخلفة. كما أنها لاقت بعض الانتقادات مفاد أهمها أنها تنظر لخدمة النخب الحاكمة القائمة على السياسات التنموية أكثر من خدمتها للسياسات نفسها، فمعظم الحكومات "العالم ثالثية" تربط بين وجودها بذاتها وتحقيق هذه السياسات. مما أدى في الواقع إلى رفض النقد وتوسيع مجال الرقابة والقمع على الرغم من النص في قوانين معظم هذه الدول على عدم جواز ذلك إلا استثناءً، وهو ما أدى إلى جعل النظام الإعلامي في هذه  الدول يقترب كثيرا من النظام الإعلامي السلطوي.

ومع ذلك، فقد أدت هذه الجهود التنظيرية –على الأقل- إلى دخول مفهوم الإعلام التنموي في أدبيات النظم الإعلامية المقارنة، إضافة إلى النظم الأربعة التقليدية.

6- نظرية المشاركة الديمقراطية

يرى "ماك كوايل" (McQUAIL: 1983, 163) أن حيثيات هذه النظرية التي تسمى أيضا بـ"التشاركية" أو "المجتمعية"، استوجبتها ظروف وسائل الإعلام في الدول المتقدمة والتي تعاني من جهة، من سَلعنة واحتكار متزايديْن لوسائل الإعلام الخاصة من طرف مؤسسات إعلامية ضخمة ومن جهة أخرى، من مركزية وبيروقراطية ونخبوية المؤسسات العمومية للإذاعة والتلفزيون والتي أنشئت في سياق نموذج المسؤولية الاجتماعية (في أوروبا خاصة من خلال نظام القنوات العمومية مثلا).

وبالإضافة إلى ذلك، فإن هذه النظرية، التي تنسحب أساسا على المجتمعات الليبرالية المتقدمة، تعتمد أيضا على بعض عناصر النظرية التطورية لوسائل الإعلام مثل تلك التي تركز على "قاعدة" المجتمع وعلى قيمة الاتصال الأفقي والتفاعلي وأولويته على الاتصال السلطوي العمودي (من الأعلى إلى الأسفل).

ولذلك فهي تدعو الأقليات والمجتمعات المحلية والجهوية إلى امتلاك وتمويل وتسيير وإنتاج محتويات وسائل الإعلام الموجهة إليها. لأنها ترى بأن وسائل الإعلام صغيرة الحجم والتي تتسم بالتفاعل والمشاركة أفضل من وسائل الإعلام المهنية الضخمة التي يتدفق مضمونها في اتجاه واحد وتسعى عادة لخدمة المؤسسات المركزية ومراكز القرار السياسية والاقتصادي. فهي ترى ضرورة مشاركة المواطنين في المستويات المحلية باعتبارهم شركاء الإعلاميينفي مهمتهم.

ومما ساهم في إحياء مثل هذه الأفكار (الاتصال الأفقي والتساوي التواصلي بين المنتج والمستهلك الإعلاميين، استعمال وسائل الإعلام الجديد...) انتشار الانترنت وتكنولوجيا التواصل الجديدة على حساب وسائل الإعلام والاتصال الجماهيرية التقليدية.

ثانيا) محدودية نظريات الصحافة وبعض التصنيفات البديلة

بداية، يمكن تأكيد ما قلناه سابقا حول نظريات الصحافة الكلاسيكية الأربع، فيما يخص كونها تعتبر معيارية أساسا، لأنها تستهدف –حسب "ماك كوايل"التفكير فيما ينبغي أن تكون عليه وسائل الإعلام في معظم المجتمعات الوطنية رغم تمايزاتها الاجتماعية واختلاف خلفياتها التاريخية، وأنها "عامة" لأن ممارسات المؤسسات الإعلامية تجمع في الواقع وفي الكثير من البلدان بين عدة عناصر سلطوية، ليبرالية ومسؤولة (McQUAIL: 1994, 113).

بل إنها –حسب "ديمرس" (DEMERS : 2014, 71)- تلعب ثلاثة أدوار نموذجية معيارية: يندرج أولها في سياق الحرب الباردة بكلام محرريها بصيغة "نحن في الغرب" عن النموذجين "الليبرالي" و"المسؤولية الاجتماعية" مقابل النموذج الشيوعي، ويتمثل ثانيها في تقديم "المسؤولية الاجتماعية للصحافة" كتحسين طبيعي لليبرالية البدائية للصحافة، وثالثها في اقتراح الواقع الأمريكي كنموذج للحرية. مع تجاهل مثلا، الخصائص المميزة لبرامج الخدمة العامة في أوروبا الغربية. فما بالك بمميزات وسائل إعلام باقي دول العالم غير الغربي.

وفي السياق نفسه، انتقدت الصينية"زهاو" (ZHAO : 2012, 148) المركزية الغربية للنظريات الكلاسيكية الأربع ولكيفية طرحها للنموذج السوفييتي بجذوره الماركسية وتحولاته "اللينينية الستالينية" في الاتحاد السوفييتي مع عدم إعارتها أدنى اهتمام لتحولاته في الصين "الماوية" بمبادئها الكونفوشيوسية العالقة.

كما أكد الـ"سري لانكي""غوناراتن" (GUNARATNE, S.:2005, 56) (CLIFFORD: 2009, 14) الاعتماد الحصري لهذه النظريات على مركزية أوروبية تاريخية، نظرية وتطبيقية رغم ادعائها تقييم الصحافة حول العالم برمته. ولذلك وجب، -حسب رأيه- إدماج الابستمولجية الغربية مع التصوف المشرقي في "نظرية مركزية إنسانية" (HumanocentricTheory) دينامية لوسائل الاتصال وحرية التعبير لتحل محل النظريات المعيارية الإلزامية الثابتة.

وهناك من رأى بأنها لا تقدم أربع نظريات بل نظرية واحدة –بالمعنى القانوني التفسيري/المنطقي وليس بالمعنى العلمي الصارم!1- تتضمن أربعة أمثلة، فهي تحدد النظريات الأربع من داخل واحدة منها: الليبرالية الكلاسيكية والتي تتميز بتقسيم العالم السياسي إلى قسمين: الفرد مقابل المجتمع أو الدولة. فهذه "النظريات" تشير إلى "أشياء" مختلفة تماما من حيث الممارسة التاريخية (NERONE : 1995, 17- 21).

وباختصار، فإن النظريات الكلاسيكية الأربع تصنف كنظريات معيارية غربية إلى حد كبير وتحتاج إلى تحديث ومراجعة.

إن بناء هذه النظريات كان يقوم –حسب ماكويل (McQUAIL: 1994)- على ثلاث أفكار رئيسة، نعرضها مرفقة بالتطورات الطارئة عليها:

* بالنسبة لوسائل الإعلام، ما كان يهم دراسته أساسا هو المحتوى الصحافي/ الإخباري، على حساب محتويات أخرى مثل الأفلام، الإشهار، الترفيه... وهو ما لا ينطبق على الواقع المعيش حاليا وخاصة فيما يُبث من محتويات سمعية بصرية وإلكترونية.

* بالرغم من وجود علاقة تبعية تاريخية بين الصحافة والحياة السياسية، فقد نمت بقوة –نتيجة حرية الصحافة وتطور رغبات الجمهور- المحتويات الإعلامية المتعلقة بالموضوعات الاقتصادية والثقافية والدينية والرياضية... بجانب المحتويات السياسية التقليدية.

* كان من البديهي معالجة الصحافة في مجالها السياسي الوطني الخاص الذي تمارس فيه، مما كان يوحي بارتباطها القوي به. لذلك كانت تناقش الحيثيات الفضائية والقانونية والثقافية لهذا الارتباط، مغفلة التدويل والعولمة اللذين أضعفا "سيادة" الدول الإعلامية تدريجيا منذ مطلع التسعينيات من القرن الماضي.

- بعض التصنيفات البديلة لنظريات الصحافة

أفرزت أدبيات الصحافة والاتصال الجماهيري عدة تصنيفات بديلة لنظريات الصحافة الأربع. وفيما يلي عرض كرونولوجي موجز لأهمها:

- في سياق انتقاد نظريات الصحافة الكلاسيكية، قلل اليساري البريطاني "ويليامس" (WILLIAMS, R. : 1962, 93) من أهمية البعد السياسي –عماد تصنيف النظريات الأربع- مقترحا بديلا تصنيفيا رباعيا أيضا وذي فئات متشابهة لكنه يعتمد على الأشكال التنظيمية أكثر من اعتماده على الأيديولوجيات السياسية: النظام السلطوي (السلطة المطلقة للأقلية الحاكمة)، الأبوي (نظام سلطوي نخبوي مع رقابة قوية وإشاعة قيم تَدّعِي خدمة الجماهير)، التجاري (خاضع لقوى السوق) والديمقراطي. وهو يعتبر أول مقترح أوروبي مهم يصنف أنظمة وسائل الإعلام.

- تلاه في نهاية الستينيات تصنيف ثلاثي فنلندي قوامه الأهداف الأساسية للاتصال الجماهيري: المذهبي/الإيديولوجي (سياسي، ديني...)، التجاري (يغذيه الإشهار والاستهلاك) والإخباري (لتنوير الجماهير ومن دون رقابة أيديولوجية ولا تجارية) (NORDENSTRENG:1997,102).

- وفي عام 1979عرض "ميرل" و"لونشتاين" (MERILL & LOWENSTEIN : 1979, 164) فلسفاتهما الخمس حول أنظمة الصحافة: "سلطوية" مع تدخل حكومي سلبي، "اجتماعية-وسطية" مع تدخل حكومي إيجابي، "ليبرالية" من دون أي تدخل حكومي، "اجتماعية-ليبرالية" مع حد أدنى من التدخل الحكومي، و"اجتماعية-سلطوية".

- أما الأمريكي "هاشتن" (HACHTEN : 1981) (CLIFFORD et al. : 2009, 6)، فقد اقترح مراجعة تصنيف النظريات الكلاسيكية الأربع اختزالا وإثراءً، حيث أبقى على مفهومي الصحافة السلطوية والشيوعية وجمع بين متغيري الليبرالية والمسؤولية الاجتماعية في مفهوم غربي واحد مع إضافة نوعين جديدين: الثوري (ومثاله جريدة الـ"برافدا السوفييتية" في مرحلتها الأولى) والتنموي (في أفريقيا خاصة)، لكنه عدَل عن خماسيته بعد تفكك الاتحاد السوفييتي في إصدارين لاحقين (1992، 2007) ليعتمد تصنيفا رباعي المفاهيم: سلطوي، غربي، ثوري وتنموي.

- وفي عام 1988جعل كل من "سبارك وسبليتشل" (SPARKS and SPLICHAL: 1988, 186) هذا التصنيف ثنائيا (تجاريا/أبويا).

-أما البريطاني "كرّان" (1991CURRAN, James :)، فقد قدم بديلا جزئيا عن النظريات الأربع الأصلية تفرد فيه على الخصوص بنموذج "الديمقراطية الراديكالية" والتي هي شبيهة بالديمقراطية التشاركية لـ"ماك كوايل" أو بما اشتهر لاحقا عند البعض باسم "الديمقراطية الاجتماعية" وعن البعض الآخر باسم الديمقراطية الاشتراكية... وهي تبرز الدور الموازي لوسائل الإعلام في المجال العمومي وتبرر التدخل العمومي في العمليات الاتصالية (الملكية، السوق...) لضمان الاستقلال الحقيقي لوسائل الإعلام وتنوع الآراء (DOBEK-Ostrowska:2010, 2-4).

- يعتبر اقتراح "هالن ومانشيني" (HALLIN &MANCINI: 2004) الخاص بالنماذج المثالية الثلاثة (الليبرالي، الديمقراطي التشاركي والتعددي الاستقطابي) للعلاقة بين أنظمة وسائل الإعلام والأنظمة السياسية أهم محاولة تجديدية لنظريات الصحافة الأربع من خلال القيام بدراسة وصفية امبريقية لواقع أنظمة وسائل الإعلام في الغرب. ونظرا لمحوريته في جل الدراسات التي خصت الأنظمة الإعلامية في العالم، فقد تم تفصيل الحديث عنه في مبحث لاحق مستقل.

- وفي تصنيف أمريكي تلخيصي معاصر قدمه "أوفيرهولزر" و"هـ. جاميسون" (Overholser& Hall Jamieson :2005)  (NORDENSTRENG : 2006) نلاحظ خمسة أنواع/ وظائف إعلامية:

* سوق الأفكار (Marketplace of ideas)

* ترتيب الأولويات(Agenda-setting)

* المراقبة (Watchdog)

* إعلام الجمهور (Public information)

* تعبئة مشاركة المواطنين (Mobilizing citizen participation).

- أما السويسري "بلوم" (BLUM, R . : 2005) (MELLADO, LAGOS : 2013, 5; CLIFFORD & al. : 13) فقد اقترح عام 2005ستة نماذج استلهمها من النماذج الثلاثة لـ"هالن ومانشيني": النموذج "الليبرالي الأطلسي-الهادي"، النموذج "الزبوني" الخاص بدول جنوب أوروبا، نموذج "الخدمة العمومية" الخاص بدول شمال أوروبا، النموذج "الصدامي" الخاص بدول أوروبا الشرقية، النموذج "الوطني" العربي الآسيوي والنموذج "القيادي" الخاص بآسيا وبحر الكاريبي.

- ونعود إلى ماك كوايل، الذي قلص تصنيفه لنظريات الصحافة المعيارية الست سابقة الذكر، فجعلها أربعة نماذج في الطبعة الأخيرة من كتابه (McQUAIL: 2005, 185-186) (CLIFFORD et al. : 2009, 11): الليبرالية-التعددية (أو نموذج السوق)، المسؤولية الاجتماعية (أو نموذج المصلحة العامة)، النموذج المهني (الاحترافي)، ونموذج الإعلام البديل.

ومع ذلك، تبقى النظريات المعيارية الكلاسيكية ذات أهمية تاريخية قابلة للاستغلال حاليا كمحك لتقييم التطورات الراهنة في الساحة الإعلامية.

الشكل (1) يوضح العلاقة بين تصنيف النظريات الأربع للصحافة وبعض التصنيفات اللاحقة

1

الليبرالية

المسؤولية الاجتماعية

الشيوعية السوفيتية

السلطوية

2

الديمقراطية التشاركية

الاتصال التنموي

3

التجارية

الأبوية

السلطوية

الديمقراطية

4

التجارية

الأبوية

5

ليبرالية

ليبرالية-اجتماعية

مركزية-اجتماعية

سلطوية-اجتماعية

سلطوية

6

الليبرالية

الراديكالية الديمقراطية

الشيوعية

الماركسية النقدية لليبرالية

 

1. نظريات الصحافة لـ"سيبرت وزميليه" (1956)؛ 2. النظريتان الإضافيتان لـ"ماك كوايل" (1987)؛ 3. الأشكال التنظيمية لـ"ويليامس" (1968)؛ 4. النظامان الرئيسان عند "سبارك وسبليتشل" (1988)؛ 5.  فلسفات أنظمة الصحافة عند لونشتاين (1979)؛ 6. تصنيف"كرّان" (1991) المتميز بنظام الديمقراطية الراديكالية.

الشكل (2): الأنظمة الإعلامية وما يقابلها من قيم اتصالية عند ماك كوايل (McQUAIL : 1992)

"اعتماد أي منها يؤثر على العملية الاتصالية برمتها"

القيمة الأساسية

الحرية

العدالة/المساواة

التضامن(قاعدة-قمة)

السلطة(قمة-قاعدة)

المحيط الاجتماعي

نظام حرية السوق

نموذج الديمقراطية (الاجتماعية)

ارتباط وسائل الإعلام بجماعات اجتماعية فرعية

نظام شمولي/تسلطي

الهدف

حرية اتصال غير مقيدة

مواساة، وصول عادل إلى وسائل الإعلام، تعبير عادل في وسائل الإعلام عن مختلف مكونات المجتمع

زيادة القواسم المشتركة،  تشارك الآفاق، التزام إرادي

تحكم/امتثال/ مطابقة

آلية التحكم الرئيسة

تحكم خفيف، هيمنة آليات السوق

تحكم ثقيل: تدخل عمومي لضمان العدالة في الوصول وفي استعمال وسائل الاتصال

تحكم ثقيل: ترتيبات الوصول وتمثيل إيجابي للمجموعات المجتمعية الفرعية

تحكم شمولي: نظام تحكم مركزي

الفلسفة الكامنة

سوق إقصائي، حرية سلبية

إدماج، ديمقراطية، حرية إيجابية

اعتراف تعاطف مع منظورات بديلة

إقصاء سياسي، هيمنة، تجانس

المتواصلون

أي أحد لديه الوسائل للقيام بذلك

كل الجماعات الاجتماعية

كل الجماعات الفرعية

الأصوات "الموافقة" فقط

 

مصدرالشكلين بتصرف عن:Dobek-Ostrowska:2010, 2-3.

ثالثا) النماذج الثلاثة لعلاقة وسائل الإعلام بالسياسة في العالم الغربي

في مطلع الألفية الثالثة اقترح "هالن ومانشيني" (HALLIN &MANCINI: 2004) ثلاثة نماذج مثالية للعلاقة بين أنظمة وسائل الإعلام والأنظمة السياسية.

وقد تم تحديد هذه النماذج تبعا لمناطق جغرافية في كل من أمريكا الشمالية وأوروبا. ولذلك يعتبر عملهما محاولة تجديدية لنظريات الصحافة الأربع من خلال القيام بدراسة وصفية امبريقية لواقع أنظمة وسائل الإعلام في الغرب، مكّنتهما من استعمال أربعة أبعاد قياسية لتحديد ثلاثة نماذج إعلامية:

- الأسواق الوطنية لوسائل الإعلام (وخاصة المكتوبة منها)،

- مدى عكس أنظمة وسائل الإعلام للانقسامات السياسية (التوازي السياسي)،

- درجة تطور المهنة الصحافية (الاحترافية)،

- ودرجة وطبيعة تدخل الدولة في نظام وسائل الإعلام.

وتبعا لهذه الأبعاد المعيارية الأربعة حدد الكاتبان ثلاثة نماذج إعلامية في العالم الغربي:

- النموذج المتوسطي أو التعددي الاستقطابي: تندمج فيه وسائل الإعلام في الأحزاب السياسية مع تدخل قوي للدولة، مما يجعل الصحافة، مثلا، نخبوية وموجهة سياسيا وذات نسبة توزيع منخفضة. ومن الدول العاملة به: اليونان، إيطاليا، البرتغال، أسبانيا وفرنسا (في حدود النموذج) ...

- نموذج شمال ووسط أوروبا أو النموذج التشاركي الديمقراطي: يعتمد التعايش بين البعدين التجاري والاجتماعي مع محدودية تدخل الدولة، وهو يسود في وسط وشمال أوروبا والدول الأسكندنافية (النمسا، ألمانيا،بلجيكا، سويسرا، الدنمرك، فنلندا، السويد، هولندا، السويد)، ويتميز بنسبة توزيع عالية للصحف الوطنية والحزبية والتجارية، مع تمثيل معتبر للسياسيين والفاعلين الاجتماعيين في نظام البث العمومي.

- ونموذج شمال الأطلسي أو النموذج الليبرالي: يعتمد على آليات السوق وهو مهيمن في بريطانيا و أيرلندا، وفي أمريكا الشمالية (و. م. أ. وكندا). ويتميز بنسبة توزيع متوسطة للصحف، وبتعددية ومهنية واضحتين في وسائل إعلام التي يغلب عليها الطابع التجاري البعيد عن الرقابة السياسية.

1.3-بعضملامح محدودية النماذج الثلاثة

أشار الكاتبان "هالن ومانشيني" نفسهما في إصدار لاحق (HALLIN & MANCINI : 2012, 278-304)إلى حدود نماذجهما الثلاثة، التي اعتبراها "مثالية"، وإلى تجنب المبالغة في تثمين صلاحيتها ودلالاتها لأنها:

-أولا وقبل كل شيء، تركز على الدولة القومية/ الوطنية، وهذا المستوى من التحليل يسمح بمقاربة خاصة للعلاقات الإعلامية-السياسية ولكنه يغفل ظواهر أخرى ذات أهمية (مثل التطورات العابرة للحدود في الأسواق الإعلامية في أوروبا).

-ويتعلق سبب آخر بكون الحالات الموجزة داخل كل نموذج تختلف اختلافا كبيرا (وخاصة داخل النموذج الليبرالي).ونتيجة لذلك، تتضمن النماذج مجموعة واسعة من الحالات التي قد يُطمس التمييز بينها. وعلاوة على ذلك، فأنظمة وسائل الإعلام داخل الدولة الواحدة من التي شملتها الدراسة قد لا تكون متجانسة (على سبيل المثال، الاختلافات الهيكلية بين نظام المطبوعات ونظام البث في ألمانيا).

- وثمة نقطة أخرى هي ديناميكية نظم وسائل الإعلام، والتي لا يمكن مقاربتها ككيانات ثابتة. وبالتالي، فإن أنظمة وسائل الإعلام ستتطور دائما وستكون هناك دائما تغيرات ناتجة عن عمليات تطورها، بحيث تصبح إعادة النظر في خصائص النماذج المذكورة ضرورية مع مرور الوقت.

- وهناك تحفظ آخر يتمثل في الاستبعاد التام لعامل مؤثر يتمثل في التقنيات الانترنتية ووسائل الإعلام الجديدة التي تعتبر ذات أهمية مركزية لفهم تحولات نظم وسائل الإعلام، فضلا عن أنماط الاتصال بداخلها، بينها وخارجها (JACKUBOWICZ: 2010, 10). بالإضافة إلى ذلك، ينتقد "هاردي" (HARDY: 2008, 20) إهمال جميع أشكال وسائل الإعلام الترفيهية، مؤكدا ما سبقه إليه ماك كوايل (2005) (CLIFFORD: 2009, 11) من تحفظ حول نظريات الصحافة وكل متغيراتها اللاحقة بسبب محدودية تطبيقها على السينما، الصناعة الموسيقية والفيديوية، وحتى الرياضة والتلفزيون.

- وانتقد آخرون تركيز "هالن ومانشيني" على العلاقات الإعلامية-السياسية. لأن هذا المنظور يتجاهل متغيرات مؤثرة في الموضوع، مثل، السياقات الاقتصادية أو الثقافية (JACKUBOWICZ: 2010, 10) أو الدينية. ومن جهتها تحفظت الصينية (ZHAO : 2012,144) حول ترتيب الأبعاد المؤثرة في وسائل الإعلام مشيرة إلى تفضيلها البدء بمناقشة النظام السياسي- الإعلامي بالحديث عن الدولة وليس عن السوق، الموحي بنظرة رأسمالية مركزية (بأهمية ظهور الرأسمالية، تدعيمها وانتشارها في غرب أوروبا وخارجها)، مقابل من يفضل التركيز على الثورات الاجتماعية المناهضة للرأسمالية والأمبريالية وعلى أهمية دور الدول الناتجة عنها، فيبدأ مناقشته ببُعد الدولة، والتي بالمناسبة كان لها دور مهم في نشأة الأنظمة الإعلامية في الغرب أيضا (ZHAO : 2012,150).وخلافا لملاحظة "هالن ومانشيني" حول النفوذ المتزايد للنموذج الليبرالي في جميع أنحاء العالم، فقد أثبتت –حسب رأيها- قيادة الحزب الواحد في الصين أنها فائقة المرونة والتكيف،مستشهدة بما أكده "برادي" (BRADY: 2008, 202) حول كون نظامها السياسي الشيوعي أحادي الحزب أصبح أمرا راسخا بقدر ترسخ الأنظمة السياسية في الدول الغربية. وقد يعود ذلك إلى استعماله تقنيات دعائية جديدة تشمل العقلانية، الإقناع، المدح والنقد البناء، اعتماد المقارنات، تعزيز النقاش ومناشدة العواطف... متجاوزا النمط الدعائي الماوي التبسيطي والحاد والذي أصبح محبطا للآمال (BRADY : 2008, 71).

2.3-بعض محاولات تطبيق وتكييف الإطار التحليلي للنماذج الثلاثة في مجالات جغرافية أخرى

بعد عرض بعض الانتقادات لهذه النماذج، تجدر الإشارة إلى بعض الدراسات التي حاولت تطبيق وتكييف هذا الإطار في مجالات جغرافية أخرى، مثل عمل "دوبك وآخرون" (DOBEK-Ostrowska& al.: 2010)الذي تضمن دراسات حاولت تطبيق إطار "هالن ومانشيني" لنظم وسائل الإعلام في أوروبا الوسطى والشرقية. كما أشرف "هالن ومانشيني" على عمل جماعي يقارن بين أنظمة وسائل الإعلام غير الغربية (HALLIN &MANCINI:2012) وشمل دراسة حالات أنظمة وسائل إعلام عدة دول: جنوب أفريقيا، روسيا، البرازيل، الصين، العالم العربي، بولندا، دول البلطيق... بغية اقتراح بدائل ونماذج إضافية.

وفيما يلي نبذة موجزة عن أنظمة وسائل إعلام في بعض هذه الدول:

- نموذج أنظمة وسائل الإعلام والسياسة في جنوب أفريقيا

يرى "هادلاند" (Adrian Hadland)  (HALLIN &MANCINI: 2012, 96-118) أن النماذج الثلاث غير مناسبة لجنوب أفريقيا بسبب إغفالها لعدة عناصر فاعلة، تتمثل أهمها في اللغة والعرق والإثنيات والدين والمهاجرين، كعناصر محددة للسوق ولدور الدولة، بالإضافة إلى تميزها بوجود نظام شبه ديمقراطي بحزب قوي/مهيمن في ديمقراطية ناشئة، وتدخّل مكثف في وسائل الإعلام، وانعدام صحافة حزبية سياسية، مع زبونية إعلامية، رقابة ذاتية وضغوط بدعوى الإعلام التنموي، واحترافية بطيئة... كما أن التوجه نحو مزيد من الليبرالية يقاوم بشدة.

- نموذج وسائل الإعلام الروسية في سياق ديناميكية مرحلة ما بعد الفترة السوفيتية

ترى "فارتانوفا" (VARTANOVA : 2012, 140-141) أن نظام وسائل الإعلام الروسيمعقد ويتضمن عدة خصائص من نموذج "الاستقطاب التعددي" وبعضها من النموذج الليبرالي... ويمكن وصفه بالنموذج "التجاري الدوْلتي"، حيث تحولت الدولة الروسية، من خلال احتضان نخب السياسة ورجال الأعمال، إلى أهم قوة موجهة لسياسة وسائل الإعلام. مما أدى إلى هيمنة إعلام جهوي/ محلي يخضع لتحالفسياسي اقتصاديغير رسمي ويتميز بالإثارة... وأحيانا بالصراع بين مصالح متعارضة لأعراق وديانات وثقافات متعددة.

بالإضافة إلى التعارض بين خطاب وسائل الإعلام والممارسات اليومية للجماهير الذي أنتج انعدام ثقة المواطنين وخيبة أملهم بصفة متنامية في سياسة وسائل الإعلام، لاحظت الكاتبة (ص.142) وجود قوة هامشية معارضة لتأثير الدولة في وسائل الإعلام –صحافيين استقصائيين ومعارضين، ناشطين على الانترنت وجماهير نشطة- نشطت في تأسيس صحافة حرة، انترنت حرة وقيم أخلاقية في الوسائل الحديثة.

- النظام الإعلامي الصيني في سياق تاريخي عالمي

يلاحظ على النموذج الإعلامي الصيني –بخلاف الروسي- أنه لم ينهار بل تكيّف وصمد... مع استمرار الدور المهيمن للدولة في وسائل الإعلام، وذلك بالسيطرة الاستراتيجية على نظامها وعلى توجههاالأيديولوجي، مقابل التخلي عن احتكار الإنتاج والتوزيع وخاصة في مجالات الترفيه والأعمال التجارية (ZHAO : 2012, 153).

و"علاوة على ذلك، فإن التحكم في تحرير المجال الإعلامي واستغلاله بأشكال معتبرة (الدفع نقدا، الابتزاز، إغراءات مهنية، برامج تدريبية مؤدلجة، منح الاعتماد الصحافي لغير الصحافيين...) جعل الدارسين يصفون في التسعينات تطور وسائل الإعلام في الصين بأنه "تسويق تجاري من دون استقلالية" (CHAN : 1993) أو "احترافية من دون ضمانات" (YU : 1994)" (ZHAO : 2012, 162).

فقد نجد الكثير من الصحافيين متأثرين بالمفاهيم الأنجلوأمريكية والمفاهيم المحلية في آن واحد. وفي هذا السياق، تجمع بعض المواقع الرسمية بين مفاهيم "المصداقية، الموضوعية، الحياد" ومفاهيم "التوجيه، الوعي والأخلاق". فهناك مناطق غموض وتداخل بين التقاليد الصحافية الحزبية الشيوعية وبين النمط التحرري الغربي. ولذلك، فإن "زهاو" (ZHAO :  2012, 168-171) تؤكد أن الأنظمة المالية والأنظمة الإعلامية تعملان بمنطقين مختلفين في الصين، ولا زالتا تتعايشان لحد الآن.

- النظام الإعلامي العربي العابر للحدود

من الشائع قبل مطلع الألفية الثالثة تصنيف هذا النظام ضمن نظرية الإعلام التنموي خاصة،مع تجاوز بعض الخصوصيات المحلية والسياق العالمي. لكن ذلك لم يعد مقنعا وخاصة بعد ظهور النماذجالثلاثةلـ"هالن ومانشيني" (2004). وفي هذا الإطار، يرى (مروان م. ك.) (MARWAN, M. Kraidy : 2012,177-200) أن العالم العربي يُعد بمثابة إحدى مناطق العالم التي قد تعتبر فيها أسبقية الدولة الوطنية كوحدة تحليلية أولية مضللة؛ ملاحظا مع "هالن" بأن "أنظمة وسائل الإعلام لا تتطابق بالضرورة تماما مع حدود الدولة القومية/ الوطنية" (HALLIN:  2009, 101)، والتي نتجت بالطبع عن اتفاقية "سايكس بيكو"  والاحتلال الأوروبي للعالم العربي-الإسلامي.

فوسائل الإعلام العربية المعاصرة تتكون في سوق إقليمية عربية متداخلة بشكل متفاوت، ومركبة فوق النظم الوطنية ومندمجة في سوق وسائل الإعلام العالمية، وذلك، على الرغم من أنها في كثير من النواحي متميزة عن كل منهما (الوطنية والعالمية).

وبالطبع يعتبر هذا النظام متفاوتا داخليا. حيث تختلف أنظمتها السياسية والإعلامية اختلافا كبيرا: فالدول الخليجية أكثر غنى ماليا ومحافظةً اجتماعيا من بلدان الهلال الخصيب (الأردن، لبنان، فلسطين وسوريا) والمغرب العربي (الجزائر، المغرب وتونس). كما تختلف داخل كل منطقة من هذه المناطق الأنظمة السياسية والإعلامية، فالسعودية مثلا تختلف عن الكويتولبنان عن سوريا والجزائر عن تونس... (MARWAN: 2012, 178).

ولقد اختلف الباحثون في تصنيف هذا النظام: ففي عام 1979، صنف "وليام روغ" (William Rugh) الصحافة العربية إلى ثلاثة نماذج: التعبئة/ التعبوية (الجزائر، مصر، سوريا، العراق...)؛ الموالاة (الأردن، السعودية، تونس، فلسطين..)؛ والتنوع (لبنان، الكويت والمغرب). وقد اعتمد في ذلك على متغيرين رئيسين هما خصائص الإعلام (الأربع: الملكية، التنوع، الاتجاه نحو السلطة، والأسلوب واللهجة/ النبرة) والظروف السياسية (الثلاثة: طبيعة المجموعة الحاكمة، وجود نقاش عام/ علني، وجود معارضة سياسية)... وفي سنة 2004، أضاف "روغ" تصنيفا آخر لنموذج الإعلام العربي المكتوب تحت اسم "الانتقالي" والذي نقل إليه مصر، الأردن، تونس والجزائر (WILLIAM A. Rugh :2004, 253).

وفي الأخير، يمكن القول -من منظور نموذج "هالين ومانشيني"-، أن النظام الإعلامي العربي الإقليمي يعتبر نموذجا هجينا من نموذج الاستقطاب التعددي والنموذج الليبرالي، والذي يظهر فيه دور الدولة، التوازي السياسي، السلعنة، المهنية في مظاهر/ أشكال متعددة وتعاريف مختلفة. فالنظام ليبرالي، لأنه يتميز بتسويق متزايد إلى درجة تهدد فيها أحيانا الحسابات التجارية الاعتبارات السياسية والدينية. وهو في الوقت نفسه، شبه ليبرالي (استقطابي تعددي) لأنه يتميز بدور قوي للدولة بل بهيمنتها.

 

 

- النظام الإعلامي في أمريكا الجنوبية

قام الجامعيان "ميادو" و"لاغوس" (MELLADO, LAGOS : 2013, 19-20) بمحاولة دراسية لتحديد العوامل السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتكنولوجية التي تساهم في فهم وتحليل الأنظمة الإعلامية في الديمقراطيات الناشئة، وذلك من خلال تجربةإحدى دول أمريكا الجنوبية (الشيلي) وتحديدا في فترة ما بعد الديكتاتورية (1990-2011). ولقد تم اختيار هذه الفترة التي تلت سقوط نظام أوغوستو بينوشيه العسكري (1973-1990) لتميزها بنموذج اجتماعي انتقالي، أثر في نوع الديمقراطية، في مفاهيم المشاركة السياسية والثقافة السياسية، وبالتالي في ممارسة الصحافة وتطور وسائل الإعلام. وبالطبع، قد يكون لهذا الأثر بعض التشابه مع الديمقراطيات الأخرى الناشئة في أمريكا اللاتينية وفي مناطق أخرى من العالم.

وفي ضوء الانتقادات الموجهة للطابع الأنجلوساكسوني والأورومركزي لتصنيف "هالن ومانشيني" (2004) والتي وسمته بالعجز عن تعميم نماذجه على مجالات خارج العالم الغربي، مثل أمريكا اللاتينية، اقترح الكاتبان تسعة عوامل تستعمل في تحليل الأنظمة الإعلامية في جميع أنحاء العالم (بعضها تم استعماله في المقاربات الغربية وبعضها الآخر جديد). وقد تم تجميع هذه العوامل في ثلاثة أبعاد كبيرة: البعد السياسي (النظام السياسي، البنية السياسية الوطنية، مستوى التوازي السياسي، الثقافة السياسية، حرية التعبير)؛البعد الثقافي (القيم الثقافية في المجتمعات)؛ والبعد الإعلامي (تدخل الدولة في النظام الإعلامي، تطور سوق وسائل الإعلام؛ والاستقلالية المهنية في المجال الصحفي، على المستوى الفردي وكذلك على المستوى البنيوي). وفي كل بعد من هذه الأبعاد، اقترحا استخدام مؤشرات محددة (ديمقراطيات ناشئة، لامركزية، جهوية، إثنية، قيم مهنية...)، يمكن أن تكون مفيدة للتحليل المقارن للأنظمة الإعلامية المختلفة لكونها أكثر شمولا بإدماجها لواقع وسياقات البلدان التي لا تتلاءم مع النموذجالمرجعيالمهيمن للأنظمة الإعلاميةفي الغرب.

خاتمة

تشهد وسائل الإعلام سلسلة من التغييرات التي تؤثر على نظريات الصحافة والنماذج المثالية المطورة لها بغية تشخيص طبيعة الأنظمة الإعلامية في العالم:

- وفرة أكثر من وسائل الإعلام ومن المحتويات.

- تقارب وتشابه أكبر بين وسائل الإعلام.

- تدويل أكبر (معايير عابرة للحدود الوطنية): لقد أصبح من الصعب أكثر فأكثر، بل من غير المجدي، تطبيق إطار معياري على وسيلة إعلام وطنية خارج سياقها الجغرافي والحضاري، بل والعالمي. ولذلك دعا البعض (GUNARATNE, S.:2005, 56) إلى رؤية ذات مركزية إنسانية (HumanocentricTheory) بدلا من المركزية الغربية.

- انتشار متزايد للتكتلات: العمودية (لمراحل وعوامل الإنتاج) والأفقية (بين وسائل الإعلام المختلفة)، الأمر الذي يثير المخاوف من فقدان استقلالية القرار، الإبداع والتنوع الثقافي.

- فقدان الإجماع العام حول الوظيفة العمومية لوسائل الإعلام.

- يعتبر البعد الإلكتروني المعاصر لوسائل الإعلام قمة هذه التغيرات التي ستنمط نظريات مفسرة للأنظمة الإعلامية. وهو ما أشار إليه باحتشام "ماك كوايل" (2005) في تصنيفه الخماسي سابق الذكر باسم "الإعلام البديل".

كما تجدر الإشارة في الأخير إلى أن هذه المنظورات الغربية المُنمْذجة للأنظمة الإعلامية تتجاهل متغيرات مؤثرة في الموضوع، مثل، السياقات الاقتصادية أو الثقافية (JACKUBOWICZ: 2010, 10) أو الدينية. مما جعل بعض الكتاب في الغرب نفسه –بخلاف بعض المغْفلين للمحددات الزماكانية في محيطنا الحضاري لأسباب نفسية استتباعية- يُقرّون بجدوى اعتماد المقاربات غير الغربية في تشخيص ونمذجة الأنظمة الإعلامية بالاعتماد على التقاليد الثقافية والمعتقدات المحلية، مع لومهم أكاديميّ أفريقيا، آسيا وأمريكا اللاتينية على التبعية وعدم الإبداع في هذا المجال بالاعتماد على مثل هذه الخصوصيات الغنية (CLIFFORD& al.: 2009, 13).

فكتاباتهم عادة ما تعكس نظريات الصحافة الأربع أو مُراجعتها شكليا،بدلا من اعتماد بدائل أخلاقية ومعيارية كمنطلقات نظرية للاتصال العمومي، مع العلم أنه من البديهي أن المنظور الإسلامي مثلا، لا يمثل فقط مفاهيم أخلاقيات الإعلام(MOWLANA, H.: 1989) بل نظريات معيارية من نوع متميز أيضا قوامه الترشيد والتوافق والمصلحة العامة بعيدا عن الشخصنة الزعماتية المحلية والتقليد الأعمى "الغيري". والأمر نفسه تقريبا قد ينطبق على بعض الفلسفات الأخلاقية المحلية في أفريقيا الجنوبية التي تركز على الروح الجماعية، وعلى بعض الحركات المعتبرة في آسيا وأمريكا اللاتينية والتي تقاوم النماذج الغربية. بل إننا نجد كلا من "ماسترتون" و"شياوجي" (Masterton: 1996 ; Xiaoge: 2005) يشيران مثلا، إلى وجود أرضية للكلام عن "قيم آسيوية في الصحافة" (CLIFFORD& al.: 2009, 13). وأظن أن معظم هذه البدائل المحتملة تحوم حول إمكانية الجمع بين الحرية والمسؤولية وبدافع روحي قوي (إسلامي، كونفوشيوسي، مسيحي-لاتيني...).

المراجع

- عبد الرحمن عزي: وسائل الاتصال وأثرها في المجتمع العربي المعاصر، منظمة الألسكو، تونس، 1992.

- BRADY, A-M. : Marketing Dictatorship: Propaganda and Thought Work in Contemporary China, Rowman& Littlefield Publishers, Maryland (UK). 2008.

- CLIFFORD G. Christians,Theodore Glasser,Denis McQuail,KaarleNordenstreng,Robert A. White : Normative Theories of the Media: Journalism in Democratic Societies, University of Illinois Press. 2009.

- CURRAN, J.: “Rethinking the media as a public sphere” in P. Dahlgren & C Sparks (eds)- Communication & citizenship (London Routledge) 1991.

- CURRAN, J., Iyengar, S., Lund, A. B., &Salovaara-Moring, I. (2009): Media System, Public Knowledge and Democracy: A Comparative Study. European Journal of Communication, 24(5), 5-26.

- DEMERS, François: Teorías normativas de la prensa y tipos ideales para interpretar los discursos sobre el periodismo, Rev. Comunicación y sociedad N°22(jul-dic 2014), pp. 59-84. Disponible en: www.comunicacionysociedad.cucsh.udg.mx/ sites/default/files/a3_16pdf .

- DOBEK-Ostrowska, Bogusława:Comparative Media Systems: European and Global Perspectives, Budapest/ New York, Central EuropeanUniversityPress, 2010.

- GUNARATNE, Shelton A.:The Dao of the Press: A Humanocentric Theory, Hampton Press. US.2005.

- HALLIN, Daniel C.& MANCINI,Paolo:Comparing Media Systems: Three Models of Media and Politics.Cambridge University Press. USA. 2004.

- HALLIN, Daniel C.& MANCINI,Paolo:Conclusion. In D. C. Hallin& P. Mancini (Eds.), Comparing Media Systems Beyond the Western World (pp. 278–304). Cambridge: Cambridge University Press. USA. 2012.

- MARWAN M. Kraidy: The Raise of Transnational Media Systems: Implications of Pan-Arab Media for Comparative Research. pp.177-200. In HALLIN & Mancini (Eds.), Comparing Media Systems Beyond the Western World. Cambridge: Cambridge University Press. USA. 2012.

- McQUAIL, Denis: Mass Communication Theory. An introduction, London, Sage Pub.,1983, 1984, 1994.. 2005..

- MELLADO, Claudia : Redefining comparative analyses of media systems from the perspective of new democracies, Communication & society, vol.26(4), 1-24/2013. In https://www.unav.es/fcom/communication-society/es/articulo.php?art_id=467.

- MOWLANA, Hamid: Communication and cultural settings: An Islamic perspective. Bulletin of the Institute for Communications Research, Keio University, 33, 1-21. 1989.

- NERONE, John C.: Last Rights: Revisiting Four Theories of the Press. University of Illinois Press, 1995.

- NISBET, E.C. & MOEHLER, D. C. (September, 2005) : Political communication systems in Sub-Saharan Africa: developing integrated models of politics, media, & society. Paper accepted to the Political Communication Division at the 2005annual meeting of the American Political Science Association, Washington, D.C.

- NORDENSTRENG, K. : Beyond the four theories of the press. In J. Servaes& R. Lee (eds.), Media & Politics in Transition: Cultural Identity in the Age of Globalization, Leuven: Acco, 1997, 97-109.

- NORDENSTRENG, K. : Media & Society : In search of models. In Y.N. Zassoursky& O.M. Zdravomyslova (eds.), Glasnost i zhurnalistika 1985-2005[Glasnost and Journalism 1985-2005] Moscow: Gorbachev Foundation & Faculty of Journalism, Moscow State University, 2006, 168-177. www.uta.fi/cmt/en/contact/staff/ kaarlenordenstreng/publications/media...

- SIEBERT, PETERSON & SCHRAMM :Four Theories of the Press, Urbana : University of Illinois Press, 1956.

- SPARKS C. and SPLICHA S.:  « Journalistic education and professional socialisation », 16th conference, International Association for Mass Communication Research, Barcelona, 25July 1988.

- VARTANOVA, Elena: The Russian Media Model in the Context of Post-Soviet Dynamics pp.119-142. In Hallin& Mancini : Comparing Media systems beyond the Western World, Cambridge.Cambridge University Press. USA.2012.       

- WILLIAMS, Raymond : Communications,Hardmondsworth, Penguin Books, Londres, 1962.

- WILLIAMS A. RUGH (2004): Arab Mass Media: Newspapers, Radio, and Television in Arab Politics, London, Greenwood Publishing Group, USA.

- ZHAO, Yuezhi: Communication in China: Political Economy, Power and Conflict (State and Society in East Asia), Lanham, Maryland: Rowman& Littlefield, 2008, 384pp., (paperback). Reviewed by Wanning Sun University of Technology, Sydney  In : International Journal of Communication 2(2008), Book Review 959-9631932-8036/2008BKR0959Copyright © 2008(Wanning Sun, w.sun@exchange.curtin.edu.au).

- ZHAO, Yuezhi: “Understanding China’s Media System in a World Historical Context” pp.143-176. In HALLIN & Mancini (Eds.), Comparing Media Systems Beyond the Western World (pp. 278–304). Cambridge: Cambridge University Press. USA. 2012.

الهوامش

1.الذي يستدعي الدراسة الصارمة واختبار الفرضيات في ظروف محددة... فالنظرية السلطوية مثلا ليست في الحقيقة نظرية بل مجموعة من الممارسات "السلطوية" وكذلك نظرية المسؤولية الاجتماعية لأنها تشير إلى مجموعة من المبادئ المهنية، أما النظرية السوفيتية فقد بنيت لخدمة أجهزة دولة أو حزب...(NERONE : 1995, 19).

@pour_citer_ce_document

فضيل دليو, «الأنظمة الإعلامية في العالم: من نظريات الصحافة إلى ما بعد النماذج الإعلامية »

[En ligne] ,[#G_TITLE:#langue] ,[#G_TITLE:#langue]
Papier : ,
Date Publication Sur Papier : 2017-12-18,
Date Pulication Electronique : 2017-12-18,
mis a jour le : 17/10/2018,
URL : https://revues.univ-setif2.dz:443/revue/index.php?id=2385.