دور الفضائيات الغنائية في تغيير الذوق الفني لدى الشباب
Plan du site au format XML


Archive: revues des lettres et sciences sociales


N°01 Avril 2004


N°02 Mai 2005


N°03 Novembre 2005


N°04 Juin 2006


N°05 Juin 2007


N°06 Janvier 2008


N°07 Juin 2008


N°08 Mai 2009


N°09 Octobre 2009


N°10 Décembre 2009


N°11 Juin 2010


N°12 Juillet 2010


N°13 Janvier 2011


N°14 Juin 2011


N°15 Juillet 2012


N°16 Décembre 2012


N°17 Septembre 2013


Revue des Lettres et Sciences Sociales


N°18 Juin 2014


N°19 Décembre 2014


N°20 Juin 2015


N°21 Décembre 2015


N°22 Juin 2016


N° 23 Décembre 2016


N° 24 Juin 2017


N° 25 Décembre 2017


N°26 Vol 15- 2018


N°27 Vol 15- 2018


N°28 Vol 15- 2018


N°01 Vol 16- 2019


N°02 Vol 16- 2019


N°03 Vol 16- 2019


N°04 Vol 16- 2019


N°01 VOL 17-2020


N:02 vol 17-2020


N:03 vol 17-2020


N°01 vol 18-2021


N°02 vol 18-2021


N°01 vol 19-2022


N°02 vol 19-2022


N°01 vol 20-2023


N°02 vol 20-2023


N°01 vol 21-2024


A propos

avancée

Archive PDF

N°08 Mai 2009

دور الفضائيات الغنائية في تغيير الذوق الفني لدى الشباب


pp : 373 - 383

قصيـر المـهدي
  • Auteurs
  • TEXTE INTEGRAL
  • Bibliographie

من الراي إلى الأغنية الشرقية – طلبة جامعة معسكر نموذجا

- مقدمـة :

ينتظم العالم المعاصر في وتيرة التغير المتسارع الذي طال كل المنظومات، سواء المعرفية منها أو السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية والثقافية، ويتم ذلك كله في إطـار مفهوم العولمة الذي أريد له أن يتخذ شكل التصور العالمي الموحد للكون والحيـاة؛ وهـو نموذج مفروض، معروفة هي الأطراف التي تنتجه وتسعى لجعله ثقافة كونية تستوعب كل المجتمعات؛ ولئن كانت العولمة السياسية والاقتصادية أقل إثارة للتقاطب والصراع، فان العولمة في بعدها الثقافي الاجتماعي تمثل ملحمة الشد والجذب بين قطب إرادة الهيمنة وقطب التأرجح بين الخضوع والمقاومة المحتشمة.

وفي ظل هذه التقاطبية الحادة يمثل الإعلام أكثر وسائل الصراع قوة وتأثيرا، والعالم العربي ـ بما فيه الجزائرـ يقع في صميم هذه المعركة الثقافية العالمية؛ وان فئة الشباب هي البؤرة الأكثر استهدافا من قبل البرامج الإعلامية لتحقيق تغيير قيمي جذري، لما تحمله هذه الفئة الاجتماعية من قابلية التفاعل مع كل ما هو مبهر وعصري؛ وان الدراسـة التي بين أيدينا لهي محاولة ميكروسوسيولوجية لتسليط أضواء البحث العلمي والتحقيق الميداني على كيفية تفاعل هذه الفئة الاجتماعية مع التأثيرات الإعلامية المكثفة، متخذين من طلبة الجامعة نموذجا، ومن القنوات الفضائية والقيم الفنية الغنائية موضوعا.

2- إشكالية الدراسة :

إن المعاينة الأولية للفضاء الغنائي الموسيقي حاليا في الجزائر تنم عن بداية انحسار وتراجع الأغنية الجزائرية بصورة عامة وأغنية الراي بشكل خاص لصالح الغناء الشرقي العصري الذي أصبح يستقطب شريحة واسعة من الشباب متخذين منه موضة فنية وقيمة ثقافية معبأة بمختلف المعاني والرموز؛ وعليه فان إشكالية هذه الدراسة تتمحور حول تساؤل منهجي مؤداه : لماذا يتجه الشباب الجزائري حاليا إلى الاستماع والإقبال على الأغاني الشرقية ؟ وما هي المؤثرات الدافعة إلى تغيير الذوق الفني الموسيقي لدى الشباب من فترة زمنية إلى أخرى ؟ ثم ما العوامل التي أدت إلى رواج الأغنية الشرقية في السوق الفنية الجزائرية خلال العشرية الأخيرة على حساب أغنية الراي التي سادت من قبل ؟

3- فرضية الدراسة :    

من المؤكد أن الساحة الإعلامية العربية قد ازدحمت مؤخرا بكم هائل من القنوات التلفزيونية الفضائية والتي تمثل فيها القنوات الغنائية النصيب الأوفر، ومن المؤكد كذلك أن هذه القنوات تستعمل أحدث التقنيات والوسائل لعرض برامجها ذات البعد الترفيهي التجاري، وعليه فان فقد اعتمدنا لتحقيق هذه الدراسة على فرضية أن : الضغط الإعلامي ممثلا في القنوات الفضائية الغنائية التي تبث بشكل متواصل وترويجي للأغنية الشرقية هو عامل حاسم في توجه الشباب الجزائري للاستماع والتفاعل مع هذا النوع من الغناء، ويأخذ تأثير هـذه القنوات شكل الإكراه الرمزي(العنف الرمزي) مصدره الهيمنة الإعلامية لنموذج ثقافي سائد.

4- معطيات الدراسة :

تهدف هذه الدراسة إلى فهم وتحليل التغير القيمي للمجتمع الجزائري في مجال القيـم الفنية والجمالية والترفيهية (الموسيقى والغناء) وتسعى إلى إبراز دور الإعلام ـ خاصة المرئي منه ـ في تغيير القيم الاجتماعية والثقافية بشكل قد يتعارض أحيانا مع الموروث القيمي المحلي؛ وهي دراسة ميدانية لعينة من طلبة جامعة معسكر كفئة ممثـلة لشــريحة الشباب، حيث يتشكل حجم هذه العينة من مائة (100) طالب وطالبة في تخصصات دراسيـة مختلفة (علم الاجتماع، فلسفة، حقوق)، تتراوح أعمارهم ما بين17 و25 سنة، كما أن عدد الطالبات (80) في العينة اكبر من عدد الطلبة الذكور (20)، لأنها عينة عشوائية و لان العدد الفعلي للطالبات في المجتمع الكلي للبحث (مجموع طلبة الجامعة) اكبر من عدد الطلبة الذكور؛ وقد اعتمدنا لحقيق هذه الدراسة على الملاحظة اليومية المباشرة لمجتمع البحث، كما وظفنا تقنية الاستمارة لجمع المعطيات الميدانية، هذا بالإضافة إلى المحاورات المباشرة مع الطلبة خلال حلقات التدريس خاصة في المقاييس التي تعالج مواضيع ثقافيـة إعلامية.    

تتضمن استمارة البحث ستة عشر (16) سؤالا تعالج مختلف جوانب الدراسة، وهي أسئلة متنوعة(مغلقة ومفتوحة) تتعلق بالسن والجنس وأنواع الغناء وأسماء القنوات الأكثر مشاهدة، بالإضافة إلى أسماء المطربين الأكثر متابعة، مع تعليل ـ في كل مرة ـ أسباب الاختيارات، ثم تختم الأسئلة بطلب إضافة تعليق حول الاستمارة أو إضافة ما يبدو للمبحوث مناسبا للموضوع وتم إغفاله في الأسئلة.

لقد اتبعنا في دراستنا هذه المنهج الوصفي التحليلي بطريقة التحليل الكمي للجداول الإحصائية، والتحليل الكيفي للتصريحات الواردة في الاستمارة؛ كما تبنينا منظور التفاعلية الرمزية الذي نراه مناسبا لموضوع الدراسة؛ فقد عملنا على محاولة تفسير وتحليل شكل التفاعل بين الطلبة باعتبارهم مستقبلين للرسالة الإعلامية، والقنوات الفضائية التي تبث هذه الرسالة، ومن ثم طبيعة الرموز التي ينتجها هؤلاء المبحوثين ويتبادلونها فيما بينهم ـ تأثيرا وتأثرا ـ وكذلك المعاني التي تمثلها لهم الصور والخطابات التي تتضمنها الأغاني المعروضة عبر القنوات الفضائية، وكيف تتشكل رؤيتهم لذواتهم وللعالم عبر ما يستمدونه من مضامين الرسالة الإعلامية للفضائيات الغنائية؛ فالتفاعلية الرمزية "تبدأ بالأفراد وسلوكهم كمدخل لفهم النسق الاجتماعي، من حيث النظر لتوقعات البشر بعضهم تجاه بعض فيما يتعلق بالمعاني والرموز" (العقيل.س.2004 :02)، وإذا كان التفاعل الاجتماعي يقوم على العلاقة المتبادلة بين فردين أو أكثر، وهو عملية اتصال تؤدي إلى التأثيروالتأثر، فان:  "التفاعل الرمزي يقوم على أساس الطبيعة الاجتماعية للذات والطبيعة الرمزية للسلوك البشري" (سعد.ج،1984: 44).                          

إن دراستنا هذه التي تتبنى مفاهيم التفاعلية الرمزية، تنطلق من أساس البحـث في الهوية الثقافية للمبحوثين اعتمادا على محاولة تحليل احد نماذج قيم هذه الهوية ممثلة في قيمة الترفيه والمتعة السماعية، التي يعتبرها علماء الاجتماع والانتروبولوجيا واحدة من العناصر التي تساعد على فهم وتحديد طبيعة ونمط البناء الثقافي السائد، ومسار تطوره وتغير أشكاله وبناه؛ حيث أن : "التفاعل الرمزي حسب مدرسة شيكاغو يتعلق بالهوية والانتماء الاجتماعي والطريقة التي يتعلم بها الناس ثقافتهم ويعيدون إنتاجها .. كما أن ذات الفرد تتشكل من خلال السلوك التداخلي مع الآخرين "(أوزبورن،و،فان لون،2005: 88،89) وإن فهم النسق العام لمجتمعنا يتطلب معرفة تطلعات الأفراد ورؤاهم حيث أن:" المفتاح لفهم المجتمع، يكمن في عقل الفرد وتكيفه مع العالم الخارجي(أوزبورن،و،فان لون،2005: 92 ).

5- التحليـل السوسيولوجي :

أ- من الراي إلى الشرقي لماذا ؟ و كيف ؟

إن الملاحظة المباشرة لميدان السوق الفنية الجزائرية تؤكد مدى اكتساح الأغنية الشرقية ورواجها خاصة في أوساط الشباب؛ وهذا ما سجلناه لدى أفراد عينة الدراسة، حيث أن 60 %منهم يستمعون للاغاني الشرقية، مقابل30%لأغنية الرأي كما يبينه الجدول رقم واحد؛ و يؤكد هذا بداية التحول والتغيير للذوق الفني الموسيقي لدى شريحة من الجزائريين باتجاه موجة غنائية غير منتجة محليا وفق التقاليد الفنية للمجتمع. 


شــرقي

60

%60

راي

30

30%

غــربي

08

08%

أخرى

02

02%


جدول01: الاختيارات الأولى للطلبة في الاستماع

ولقد صرحت نسبة معتبرة من المبحوثين(25%) أنهم غيروا نوع الغناء الذي كانوا يتابعونه من قبل؛ ويرجع معظم أفراد العينة أسباب إقبالهم على هذا النوع الغنائي إلى كونه يتماشى مع روح العصر، ويحمل شحنة عاطفية تشعرهم بالأمل والمتعة و التفاؤل، وأفضل تعبير على ذلك هي التصريحات التي أدلى بها هؤلاء : "أفضل الأغاني الشرقية لأنها تمثل الواقع أكثر من الراي الذي لا جديد فيه .." "أفضل الشرقي لأنه يمثل الواقع عبر كليبات أما الراي فهو غناء شعبي ليس فيه جديد.." ؛ إن هذه التصريحات تنم عن تغيرات على مستوى التصورات لدلالة مفهوم الواقع بين الجيل الذي كان يعتبر أن أغنية الراي هي أفضل تعبير عن واقعه المعاش، والجيل الحالي الذي يرى عكس ذلك توحده الفكرة والتصور تجاه ذلك حيث انه "عندما يظهر شيء جديد على الساحة الاجتماعية، فانه ينتقل بين الأشخاص بقرارات فردية، وتبادلات معلوماتية، ولعبة التأثير والتأثر" Morin.J.M, 1996:110) (؛ وان الحس المشترك لا يسعفنا أبدا لفهم هذا التحول ما لم نتخلى عن أوهام الثقافة الوطنية الصامدة حيث" يدين بورديو البداهات التي تخفي عنا الحقيقة الاجتماعية، لأننا نصاب بالتعمية الناتجة عن محدداتنا الثقافية" (Morin.J.M, 1996:156)

إن اتجاه المبحوثين للتعلق بالغناء الشرقي المعاصر يستبطن كل معاني الحرمان العاطفي والتهميش المتعدد الأبعاد في مجتمع لا تتقاطع فيه تطلعات الأجيال الجديدة مع مشاريع السلطات بكل أنواعها ـ الفعلية منها والرمزية ـ؛ فحيث ضعف الاتصال الاجتماعي، وتخلي الأسرة شيئا فشيئا عن أدوارها التقليدية، و طغيان النظرة المادية البحتة في تحديد الدور والمكانة الاجتماعية؛ تنتعش كل أنواع الاحباطات الإنسانية، ويصبح معها كل ما ينسي هذا الواقع وصوره ملاذ ومفر؛ وقد أكد على هذه الفكرة العديد من الدارسين للوضع الاجتماعي في الجزائر، منهم (بنيامين ستورا) الذي يشير إلى أن النظام السياسي في الجزائر قد أهمل الاعتراف بوجود الفئات الاجتماعية المهمشة (Stora.B, 1995:59).

في التصريحات الموالية لبعض أفراد العينة نسجل التعبير العميق عما تمثله مضامين الأغاني الشرقية لهم بالنسبة للبعد العاطفي الوجداني لديهم، تصرح إحداهن أن "الغناء الشرقي كلماته مفهومة ومعبرة وهو يغني الحرمان العاطفي.."و تضيف أخرى" إن الأغاني الشرقية تعبر عن المشاعر المكبوتة.."وكذلك" أختار الغناء الشرقي عندما تكون حالتي النفسية مضطربة وعندما اسمعها أرتاح.."ويضيف طالب آخر" الغناء الشرقي رومانسي وعاطفي، ونحن في مجتمعنا تنقصنا العاطفة بشكل كبير.." هذا ويمكن التأكيد على أن جل الاختيارات التي كانت حول الأغنية الشرقية، قد عللت أسباب ذلك بالحرمان العاطفي والتعبير عن المكبوتات.

ب- وسائل السماع :

في سؤال يتعلق بالوسائل التي يستعملها المبحوثون لمتابعة أغانيهم المفضلة، اختارت نسبة 98%منهم الأجهزة التكنولوجية الحديثة المستعملة في هذا المجال، كجهاز التلفزيون وجهاز تشغيل الأقراص المضغوطة(VCD,DVD) وجهاز الكمبيوتر والهاتف المحمول والفلاش ديسك (MP3,MP4)، ولكن الملاحظ أن نسبة 80%منهم كان اختيارها الأول هو التلفزيون، حيث يدل ذلك على مدى انتشار هذه الوسيلة الإعلامية، ومدى قدرتها على الاستقطاب والتأثير، فقد أصبح التلفزيون وسيلة لصناعة الذوق والموقف والقيمة الاجتماعية والثقافية "إننا نعيش نوع جديد من المجتمعات تقوم فيه وسائل الإعلام بإعادة صياغة الثقافة " (أوزبرن،و،فان لون،2005:180).

إن الإقبال الكبير لدى المبحوثين على متابعة الفن الغنائي عبر وسيلة مرئية يعني فيما يعنيه أن حاسة السمع لم تعد هي الحاسة الأساسية للتمتع بفن الموسيقى والغناء، كما كان سائدا في القديم فيما يسميه الصوفية بالسماع الروحي أو السماع الصوفي، حيث يمتزج وجدان السامع مع النغمات والكلمات؛ إنما أصبحت حاسة البصر هي الأساس في ذلك، حيث للصورة سلطتها واستبدل مفهوم السامع بمفهوم المشاهد، وهذا ما عبر عنه معظم أفراد العينة في تبرير أسباب اختيارهم لوسائل مرئية للاستماع للغناء، حيث صرح أحدهم أنه مشاهدة الكليبات بدل الاستماع إليها لان فيها صور ومناظر جميلة، وصرحت طالبة "أحب مشاهدة الأغاني على القنوات الفضائية لان فيها الموضة والرقص والحركات الجميلة.." ؛ فالغناء بالنسبة للمبحوثين ليس اللحن والطرب والكلمات المعبرة؛ إنما هو صور وحركات وانفعالات وملابس جميلة، ويمثل ذلك انطباع عام لدى أغلبية الشباب الجزائري، وهذا ما ساعد على رواج الأغاني التجارية ممثلة في الفيديو كليبات ذات المستوى الفني المتدني من حيث عدم تناسق الإيقاع واللحن وسوقية الكلمات؛ بدأ ذلك مع أغنية الراى و يتواصل حاليا مع الغناء الشرقي المعاصر.

ج- بين الإبهار و الانبهار :                               

لقد ظهر على ساحة الإعلام العربي في العشرية الأخيرة المئات من القنوات الفضائية ذات المضامين الإعلامية المختلفة (سياسية- إخبارية- اقتصادية- اجتماعية- دينية- غنائية)، تتنافس فيما بينها لكسب أكبر عدد من المشاهدين، وما زلنا نشهد من حين لآخر ولادة فضائيات جديدة ؛ إلا أن اللافت للنظر هو كثرة القنوات الغنائية التي باتت تطغى على المشهد الإعلامي المرئي منه، فقد أحصينا حوالي أكثر من (85) قناة غنائية على القمر الصناعي نايل سات، وعشرات القنوات على أقمار صناعية أخرى مثل عراب سات والهوت بارد؛ وهذا يدفع بنا الى وضع علامات استفهام كثيرة حول مضمون الرسالة الإعلامية التي تحملها هذه القنوات (الظاهرة) في بعدها الأخلاقي والثقافي والقيمي.

إن الملاحظة المباشرة للواقع الاجتماعي تؤكد أن هذا النوع من الفضائيات يلاقي رواجا كبيرا بين جمهور المشاهدين وخاصة فئة الشباب؛ لما تقدمه من برامج غنائية تخلو من الطابع الطربي كما أنها "تركز على الجوانب الغريزية لدى الجمهور، من خلال تقديم أغنيات ضمن قالب استعراضي يميل استخدام الأضواء الباهرة والعنصر النسائي بكثرة، إضافة إلى حركة الكاميرا التي تستثير المشاهد بمناظر حساسة.." (حسن.س،2007: 02).

لقد بلغت نسبة أفراد العينة الذين يشاهدون القنوات الفضائية الغنائية بانتظـام خمسة و ثمانون في المائة (%85)، وهذا يفسر قوة الإقبال على هذا النمط الإعلامي، ويعطي الانطباع بان قوة الإبهار والترويج التي تعتمدها هذه القنوات كان لها صدى كبير في كسب جمهور الشباب، ولكن القراءة السوسيولوجية المتأنية لهذه المعطيات تمدنا بالتفسيرات التالية:- ضعف الاعلام الوطني المحلي وعجزه عن استقطاب شريحة الشباب - بداية ظهور التغير في مجال القيم الفنية والثقافية بصورة تراجع القيم المحلية المتجذرة لصالح قيم العولمة الثقافية المبنية على مبادئ الاستهلاك والبهرجة وتسطح الفكر - عجز الثقافة الوطنية المحلية عن إنتاج نموذج قيمي وفني يساير متطلبات العصر ويحمي القيم الحضارية الأصيلة للمجتمع.         

نعم

85

85%

لا

15

15%


   جدول02 : هل تشاهد القنوات الفضائية الغنائية باستمرار

يبدو أن هذه الظاهرة تنتشر في كل المجتمعات العربية ؛ ففي دراسة أكاديمية ميدانية أجراها قسم الاعلام بجامعة الكويت تحت عنوان "علاقة شباب الكويت بالقنوات التلفزيونية الفضائية" بينت أن البرامج الموسيقية والغنائية جاءت في مقدمة البرامج التي يفضلها الشباب الكويتي بنسبة 95%من أفراد العينة المدروسة البالغ عددهم 2000مبحوث(الفضلى2009: 1)

إن دراستنا بينت أن طبيعة العلاقة بين الشباب الجزائري ومشاهدة القنوات الفضائية الغنائية  تقوم على أساس الإبهار والانبهار؛ إبهار تمارسه تلك القنوات عبر عرض برامج استعراضية تلعب فيها الصورة والأضواء دورا أساسيا، حيث الإغراء وملامسة المشاعر الحميمة للمشاهد هي الوسيلة والأداة؛ وانبهار لدى المبحوثين يمثله شكل التفاعل مع تلك البرامج التي تعني لهم جملة من الرموز تلامس مشاعرهم، وتنتج لديهم نمط الرؤية الرمزية والعالم، وهذا ما تدل عليه تصريحاتهم حول مبررات اختيارهم لمشاهدة برامج هذه القنوات "لأنها تقدم كل ما هو جديد، تطلعنا على آخر أخبار الفنانين والفنانات.." و"يوجد فيها أغاني جميلة و حساسة وتقدم كليبات رائعة" وكذلك" تقدم أغاني استعراضية جميلة ونشاهد فيها الموضة و كل ما هو جديد..".

إن درجة التفاعل لدى المبحوثين مع الرسالة الإعلامية التي تتضمنها برامج القنوات الفضائية الغنائية، قد تصل أحيانا إلى تبني مثل أعلى نموذجي يمثل رمزا للهندام والسلوك وفن الحياة (le savoir vivre) مجسدا في أحد النجوم الغنائية التي تقدمها تلك القنوات؛ فقد صرح 42%من أفراد العينة أنهم يقلدون مطربهم أو مطربتهم المفضلة في حركاته وسلوكه ولباسه وهو يمثل بالنسبة لهم نموذجا لثقافة العصر.        

                       

نعم

42

42%

لا

58

58%


                    

جدول03: هل تقلد مطربك أو مطربتك المفضل(ة) في شخصيته.

إن إنتاج الرموز ومعرفة الحياة اليومية وأنماط السلوك التي كانت تتم بواسطة المؤسسات الاجتماعية التقليدية وتتناقلها الأجيال تباعا كما عبر عن ذلك غورفيتش.ج بقوله:" إن معرفة الحس السليم هي نوع خاص من المعرفة تنتج عن تأليف معرفة الآخر والنحن وإدراك العالم الخارجي، وبعض المعارف التقنية الأكثر تداولا ويسرا، تتناقل عبر الأجيال؛ فالأجيال الفتية غالبا ما تدعوها الأجيال السابقة مفاخرة بأنها تعلمها كيف تخرج من مصاعب الحياة وكيف تتجنب الخطى الفارغة.."(غورفيتش.ج،1981:36)؛ إن هذه العملية الاجتماعية الثقافية التقليدية بدأت تفقد قوتها وفعاليتها لصالح مؤسسات غير تقليدية يميزها قوة الفعالية والتأثير– مثل الاعلام- مما يؤدي إلى حدوث قطيعة ثقافية بين الأجيال، ويبرز ذلك خاصة في المجتمعات ذات التوظيف العالي للتقنية" ..فشروط الحياة تتبدل بوتيرة خطيرة تفرضها التطورات التقنية المتواصلة؛ وبذلك يصبح من واجب كل جيل أن يصنع معرفته الحسية السليمة الخاصة.." (غورفيتش.ج،1981: 36 ).

من هنا تبرز أهمية وخطورة الخطاب الذي تحمله وسائل الاعلام بمختلف أشكالها، حيث صناعة الرموز والمثل العليا وأنماط السلوك والقيم تأخذ طابعا ثقافيا ممأسسا بمضمون تنافسي و بأبعاد عالمية تتجاوز حدود المجتمعات المحلية.

د- الفراغ و أشياء أخرى :

حول سؤال يتعلق بالقيمة التي يمثلها الغناء والموسيقى بالنسبة لهم، حيث قدمت لهم اختيارات و طلب منهم ترتيبها وهي كالتالي : - الهروب من المشاكل- ملء وقت الفراغ - التعبير عن حالة نفسية عاطفية - مسايرة الموضة - أو إضافة اختيارات أخرى لم تذكر هنا؛ جاءت معظم اختيارات المبحوثين منصبة على ثلاث قضايا يعتبرونها أساسية بالنسبة لهم وهي الاختيارات الثلاثة الأولى.

إن هذه المواقف والاختيارات تعني من الناحية السوسيولوجية درجة التهميش وسوء الفهم الذي تعانيه هذه الفئة من المجتمع، بالإضافة إلى حالة الحرمان العاطفي التي أكدنا عليها في عنصر سابق من هذه الدراسة، وهي نفس الظواهر التي يواجهها الشباب في باقي الأقطار العربية كما تؤكد ذلك العديد من البحوث والدراسات التي أنجزت في هذا المجال "إن جيل الشباب العربي المعاصر جيل غاضب غضبا شاملا، غاضب من الأجيال التي سبقته ومن المجتمع الذي ينتمي إليه وهو غضب موضوعي... وان أزمة الشباب العربي مرتبطة بطبيعة بنية المجتمعات العربية التي ترفض التغيير والحوار الاجتماعي.." (عزت.ح،1985: 219). ففكرة الهروب من المشاكل تعني لدى الشباب وجود أزمة اجتماعية متعددة الجوانب، ليس أقلها التفكك الأسري وضعف الاتصال الاجتماعي واللامبالاة التي تمارسها المؤسسات الاجتماعية والسياسية تجاه هذه الشريحة من المجتمع.                   

إن اعتبار مشاهدة الأغاني عبر القنوات الفضائية وسيلة لملء وقت الفراغ لدى المبحوثين، يعني فيما يعنيه أن ثقافة تمضية الوقت والتحكم فيه تمثل أزمة حقيقية في المجتمع وخاصة لدى فئة الشباب "فأوقات الفراغ إذا لم يخطط لها بشكل صحيح، بحيث يكون عطائها ايجابيا، يضمن سلامة الفرد والمجتمع، فسوف تنتهي إلى مسالك الانحراف التي يدمر فيها الإنسان ذاته ومجتمعه؛ لذلك فالعلاقة قد تكون تلازمية بين أوقات الفراغ وما قد تنتهي إليه من الضياع والانحراف."(السدحان.ع.ب،2007) ؛ وإن الواقع الاجتماعي الملاحظ يوميا ليثبت عجز الثقافة الشبابية الجزائرية عن مسايرة القيم الحضارية العصرية التي تتعامل مع الوقت بقداسة وعقلانية، وخير ما يدل على ذلك ضعف المقروئية والعجز عن اعتماد ممارسة الأنشطة الرياضية كثقافة أساسية في الحياة اليومية، وتعلمنا التجربة في مجال التعليم أن الطالب ليقضي سنوات طوال بين أسوار الجامعة دون أن يقرأ كتابا واحدا، اللهم إلا ما يفرض عليه من قبل الأستاذ لإجراء بحث أو تحضيرا  لامتحان، وحينذاك لا يطالع إلا الفصل الذي يعنيه مباشرة، هذا إذا لم ينقله حرفيا كما هو بطريقة النقل و اللصق.

6- خاتمــة :

لقد بحثنا من خلال هذه الدراسة في ظاهرة إقبال الشباب الجزائري على مشاهـدة القنوات الفضائية الغنائية، وفي أسباب هذه الظاهرة وما ينتج عنها؛ وإننا نسجل هنا بعض الملاحظات السوسيولوجية التي توصلنا إليها عبر طيات هذا البحث : - هناك تغير واضح في القيم الفنية والجمالية (الموسيقى والغناء) لدى شريحة واسعة من المجتمع الجزائري ممثلة في فئة الشباب –  بداية انتشار نمط غنائي جديد ينتج خارج البنية الثقافية الوطنية بقيم تخالف هذه البنية وتنافسها وقد تؤدي إلى ضعف وتراجع الإنتاج الفني المحلي – تواجه فئة الشباب في المجتمع الجزائري أزمات نفسية واجتماعية تدفعه إلى استبطان نماذج ثقافية جاهزة قد تزيد من تعزيز هذه الأزمات وتفاقمها بدل تخفيف حدتها – عجز الثقافة الوطنية في بعـدها القيمي والفني عن مواجهة الآثار الناتجة عن العولمة الثقافية – تمارس القنوات الفضائية الغنائية تأثيرا بالغا على مشاهديها يأخذ شكل العنف الرمـزي، مصدره البث الترويجي المتواصل لبرامجها التي توظف تقنيات البهرجة و الإغراء وسلطة الصورة.

تعد وسائل الإعلام في المجتمعات المتقدمة وسيلة أساسية لإعادة إنتاج النظام الاجتماعي السائد والمحافظة على القيم الحضارية للمجتمع، ولها وظائف مـحددة يمكــن حصرها في ثلاث أساسية وهي : - التخفيف من حدة الصراع الاجتماعي داخل المجتمع والتقليل من أعراض الاغتراب – التقليل من شأن النظم الاجتماعية والاقتصادية البديلة للنظام السائد – التحكم في الوعي القومي الاجتماعي بهدف صيانة القيم المهيمنة في المنظومة الثقافية الاجتماعية (عواطف.ع،1984: 36) ؛ أما وسائل الإعلام في المجتمعات العربية فإنها تعمل في معظمها على تكريس نظام الهيمنة الثقافية العالمية الذي ينتج خارج إطار المنظومة الثقافية العربية ، بل يتصادم مع الكثير من قيمها ومبادئها؛ وقد بينت نتائج دراستنا هذه مدى ما تواجهه الأجيال الحاضرة في مجتمعنا من صراع قيم غير متجانسة، وعجزها بالتالي عن الانفلات من تأثيرات الرسائل والخطابات الإعلامية التي تحمل مضامين رمزية تـؤدي إلى هدم الموروث الثقافي المحلي؛ مما يعبر عن تغير قيمي في المجتمع الجزائري، قد لا تستطيع الثقافة الوطنية استيعابه والتكيف معه إن استمرت في العجز عن صناعة نموذجـها الخاص والمميز، ليكون مرجعية ومثلا أعلى يضبط أشكال التفاعل الاجتماعي والثقافي لدى مختلف الشرائح الاجتماعية بما فيها فئة الشباب، وهكذا يغدو بناء الرموز والأفكار والتصورات وأنماط السلوك منبثقا عن نموذج ثقافي وطني أصيل، يضمن عدم حدوث تغيرات قيمية دراماتيكية قد تكون آثارها وخيمة على البناء الاجتماعي برمته.          

مراجع باللغة العربية :

1- أوزبرن.ر، و، فان لون.ب(2005)- أقدم لك علم الاجتماع – ت.حمدي،ج-القاهرة:الأميرية. 

2- بودون.ر،و،بوريكو.ف(1986)- المعجم النقدي لعلم الاجتماع-ت.سليم،ح- الجزائر:د.م.ج.

3- حجازي.ع(1985)- الشباب العربي و مشكلاته-الكويت:م.و.ث.ف.ا.

4- دينكن.م(1986)- معجم علم الاجتماع-ت.إحسان،م.ح-بيروت:دار الطليعة.

5- الربيع.م(1980)-نظرية القيم في الفكر المعاصر- الجزائر:ش.و.ن.ت.

6- سعد.ج(1984)- علم النفس الاجتماعي – الإسكندرية:دار المعارف.

7- عواطف.ع(1984)- قضايا التبعية الإعلامية و الثقافية في العالم الثالث – الكويت:م.و.ث.ف.ا.

8- غورفيتش.ج(1981)- الأطر الاجتماعية للمعرفة – ت.خليل، أ.خ- بيروت:م.ج.د.ن.ت.

وثائق من الانترنت :

1- السدحان.ع(2007)-الترويج وعوامل الانحراف-19/02/09 www.islamweb.net  

2- العقيل.س (2004) – بعض مؤشرات الحفاظ على الهوية – 10/02/09 www.edu.sa  

3- الفضلى.م (2009) – البرامج الغنائية و الشباب – 19/02/09www.kuna.net.kw

4-حسن.س(2007)–الأغنية الشبابية بين الاستعراض والإثارة-27/01/09 seria-news.c

مراجع باللغة الفرنسية

1-   Benjamin.S (1995)-Histoire de l'Algérie depuis l'indépendance -Paris: La découverte.

2-   Giraud.C (1997)- Histoire de la sociologie - Alger: Dar el afaq.

3-   Mauss.M (1989)- Essai sur le don - Alger: E.N.A.G.

4-   Morin.J.M (1996)- Précis de sociologie - Paris: Nathan.


@pour_citer_ce_document

قصيـر المـهدي, «دور الفضائيات الغنائية في تغيير الذوق الفني لدى الشباب »

[En ligne] ,[#G_TITLE:#langue] ,[#G_TITLE:#langue]
Papier : pp : 373 - 383,
Date Publication Sur Papier : 2009-05-05,
Date Pulication Electronique : 2012-05-03,
mis a jour le : 14/01/2019,
URL : https://revues.univ-setif2.dz:443/revue/index.php?id=374.