المدرسة الجزائرية من أخلاق التربية إلى تنشئة المقــاومة الاجتماعيــة
Plan du site au format XML


Archive: revues des lettres et sciences sociales


N°01 Avril 2004


N°02 Mai 2005


N°03 Novembre 2005


N°04 Juin 2006


N°05 Juin 2007


N°06 Janvier 2008


N°07 Juin 2008


N°08 Mai 2009


N°09 Octobre 2009


N°10 Décembre 2009


N°11 Juin 2010


N°12 Juillet 2010


N°13 Janvier 2011


N°14 Juin 2011


N°15 Juillet 2012


N°16 Décembre 2012


N°17 Septembre 2013


Revue des Lettres et Sciences Sociales


N°18 Juin 2014


N°19 Décembre 2014


N°20 Juin 2015


N°21 Décembre 2015


N°22 Juin 2016


N° 23 Décembre 2016


N° 24 Juin 2017


N° 25 Décembre 2017


N°26 Vol 15- 2018


N°27 Vol 15- 2018


N°28 Vol 15- 2018


N°01 Vol 16- 2019


N°02 Vol 16- 2019


N°03 Vol 16- 2019


N°04 Vol 16- 2019


N°01 VOL 17-2020


N:02 vol 17-2020


N:03 vol 17-2020


N°01 vol 18-2021


N°02 vol 18-2021


N°01 vol 19-2022


N°02 vol 19-2022


N°01 vol 20-2023


N°02 vol 20-2023


A propos

avancée

Archive PDF

N°08 Mai 2009

المدرسة الجزائرية من أخلاق التربية إلى تنشئة المقــاومة الاجتماعيــة


pp : 130 - 141

معاشو جيلاني كوبيبي
  • Auteurs
  • TEXTE INTEGRAL
  • Bibliographie

تمهيـد :

تسعى المدرسة لأن تجعل من الفرد مثابرا بما يتماشى وقدراته العقلية في إطار التنشئة التي تضمن له الإنسجام العام مع الأطر التي ينتمي إليها أو التي يتعامل معها تحضيرا لإندماجه المهني. لكن المعاينة العقلية لتصورات أساتذتنا داخل بعض المؤسسات المبحوثة بينت عكس ذلك عندما وقفت بشكل جدي على أسباب التسرب والرسوب المدرسي المشخصة للتغير الكبير على مستوى القيم التربوية لدى المتمدرسين، ولعلنا نستشف ذلك بسرعة عندما نلاحظ تدافع قوافل المتخرجين في طوابير البحث عن سبل الإدماج مما يعقد المسألة أمام المتكونين التي تتضاءل طموحاتهم نتيجة لكل ذلك ، ومن ثم تبرز بعض المظاهر الإجتماعية الجديدة المعادية لمبتغيات المدرسة كالعنف و الإنحراف المدرسي.

  فهل يمثل كل ذلك إنتقالا من حالة إجتماعية بالمفهوم التربوي للكلمة إلى حالة مؤسساتية جديدة تعكس ثقافة الجيل الجديد في إطار التثاقف ؟ وهل الإصلاحات المتعاقبة هي للحد من هذا الشرخ، أم للبحث عن بدائل قيمية جديدة؟....

الوعي التربوي :

من المؤكد أن الوقوف على مستجدات الساحة التربوية قد يصعب علينا دون المرور بمحطات البناء الإجتماعي الذي يحدد الهوية القانونية للمؤسسات التنشئوية عامة والتربوية على وجه التحديد، خاصة إذا علمنا أن الأسس والقيم التعليمية التعلمية هي ترجمة حقيقية لما يجري في الفضاء الإجتماعي العام للمجتمع.

ولعل مسار المدرسة الجزائرية هو أحد النماذج البحثية التي يصدق عليها تفكير المدبرين لشؤون ومصير الناشئة من أبناء هذا الوطن، ولأنها فعلا كانت نتيجة للمآل التاريخي الذي أصاب الأمة من ويلات الإستعمار و الفراغ الذي تركه مباشرة بعد استئصاله، فإننا نحاول أن نفهم ماهية التربية في جميع أبعادها و ندرك مدى وقيمة الوعي الذي يكتسبه الأفراد جراء تعاطيها. وهل يكفينا أن ننتقي منها صراحة القيم التي خدمتنا بعد الإستقلال فقط باعتبارها أساسا لبناء اللحمة الإجتماعية آنذاك أو لأجل تدعيمها بعدما قامت بدورها أثناء المقاومة و الثورة، متغافلين لما يجري في هذا العالم من تغير مستمر ومتواصل إلى درجة إمتلاكه لعقول أبنائنا و تلكم هي المعضلة التي ما انفكت تفجر كاهل المنظومة التربوية، التي بقيت أول الأمر متمسكة بقوالب ماضوية تجاوزها الزمن بقفزات جبارة ثم استلهمت حضورها بإعداد العدة لبرامج جديدة وإصلاحات كبيرة ساعية لرد الإعتبار لها كدرع واق ومنتج للقيم من أجل غربلة الوافد إلينا وأسر كيانه فينا، ومن تم يكون لها الأهليـة في أنها أصبحت تتماشى مع ما يجري في الحقيقة والواقع بعد امتلاكه وتكييفه وظيفيا مع النسق العام للثوابت الثقافية ومع الديموقراطية الإجتماعية والحريات الفردية، وهذا هو التحدي الكبير الذي يلقى على كاهل المدرسة، فهل تنجح في رسالتها التعليمية بإرساء قوالب المقاومة التربوية التي ستتجلى في مبتغيات مدنية وحضارية ترقى بالأمة والمجتمع إلى مصاف الشعوب و الأمم المتطورة.؟

الخلفية التربوية للمدرسة الجزائرية :

لا يمكننا بأي حال من الأحوال تفكير مفهوم التربية خارج الكيان الإجتماعي أو بعبارة أخرى إدراجه كبديل سلوكي للمجتمع، فقد عرفت الشعوب وكل المجتمعات القديمة النزعة التربوية المتعلقة بها حسب خصوصيتها الثقافية وحسب ماهيتها في عمليتي الحراك والتفاعل الإجتماعي. واعتبارا لأنها ظهرت مع الإنسان وسايرته داخل وسطه وبمعية الكائنات الحية المختلفة التي كان دائم المنافسة معها من أجل البقاء، ولأن هذا الإنسان تفوق في كثير من الحالات على الطبيعة وعلى هذه الكائنات، فإنه وجد لنفسه مكانة متميزة، إذ أصبحت لديه المعارف والمعلومات التي وفرت له كيفيات متنوعة وجديدة كانت بمثابة التعاليم الإلزامية التي صاحبته في الحياة، ومن ثم أصبحت هذه البيئة المدرسة الأولى التي يجب أن يتفاعل معها من أجل أن تعطيه القابلية للتطور ويسهم في تحسينها، فهل في ظل التراكم الثقافي وتبيئة النظم الإجتماعية تربويا استطاعت المدرسة التي كانت حكرا على الفئة البرجوازية أن تكـون في ظل ديموقراطية التعليم وفية لنضال الإنسان وصراعه باسم التربية ؟            

إن كان ذلك يصدق على مسار التربية بصفـة عامـة وينعكس إيجابـا على المدرسـة في المجتمعات الأخرى فإنه وفي إطار الخصوصية الجزائرية يعرف حقيقة مغايرة، لأن المدرسة كانت من أجل إعادة بناء وترسيخ القيم الدينية الأولى التي بقيت متواترة إلى غاية التواجد الإستعماري الحديث للجزائر. وحتى تثبت التربية على قيمها الإنسانية، فإنها تصبو لأن تبلغ جملة من المبتغيات مع المدرسة، بحيث تهدف وفي كل الحالات لأن تجعل من الفرد مثابرا قدر الإمكان تماشيا مع قدراته العقلية والبدنية خاصة وأنها تخصص له فضاءا يضمن له تنشئة تبتغي له الإنسجام العام داخل المجتمع من أجل إدماجه مهنيا كلما كانت هناك فرصة لمتابعة هذه الملآلات، ولأنها تنقل للأجيال الجديدة المعارف المتراكمة، فإنها تسرد عليهم نضالات أجدادهم وقوة مقاومتهم بمختلف الواجهات عبر التاريخ الإجتماعي للوطن. لذلك وفي إطار مقاومتها الإيديولوجية المد الإستعماري، جعلت الجزائريين يحملون في تصورهم معنى الثقافة الدخيلة المزعزعة للكيان الوطني، خاصة وأنها تختلف من حيث الدين و اللغة و التاريخ، و لعل تناقص عدد الأهالي المتمدرسين خوفا من التحول الديني، هو دليل على المجابهة القوية، حتى لا يتهم الجزائري بأنه نصرانيا (أبو القاسم سعد الله 1998-284) خاصة وأن السياسة الإستعمارية الداعية إلى ضم الجزائر إلى صفوفها وصهرها ضمن أقاليمها، كانت تصبو عبر المدرسة إلى جعل لغتها وسيلة و هدفا في نفس الوقت، ولأنها قادت حملة تنصيرية لبلوغ أهدافها، فإن ردود الفعل كانت حتمية في بزوغ نير التعاليم الإسلامية عبر الزوايا، ورغم قبول الأهالي بتعليم أبنائهم في المدرسة المشتركة تحت تأطير البرامج والرعاية الفرنسية، فإن مطية ذلك كانت لأجل أن لا يبقى هؤلاء الأبناء في أمية تامة، وكسلوكات تربوية في قوالب إثنية مركزة على الروح الوطنية عملت الأسر بالإضافة إلى المدارس القرآنية والزوايا التي جبلت على جمل التعاليم الثقافية للأمة والهوية الذاتية في المقام الأول من المقاومة على التصدي والمواجهة، و بعد فهم المغزى العام من كل ذلك، ودون الإطناب في التفاصيل والإسترسال في السرد التاريخي للوقائع نستنتج دلالة الروح التربوية الكامنة في الذات الجزائرية رغم الصعاب التي واجهتها، لأنها و بكل بساطة انعكاسا لما يجب أن يكون، حيث أنها تماشت مع واقع المجتمع الجزائري، فكانت فعلا تربية للمقاومة والتحدي والشموخ والتطور، وهذا ما كانت تحمله فعلا كرسالة للأجيال، لأننا نلمس في أغوار ذلك بذور التواصل والرقي والتحور حسب طبيعة المطالب المجتمعية، لذلك استلزم علينا الإنتقال من تأطيرها لهذه المرحلة بامتياز إلى إشرافها على مرحلة الإستقلال ومسايرتها لمختلف أوجه الصمود والتسامي إلى مصاف الأمم الراقية. فكيف كان حالها خاصة وأن الجزائر تبنت النظام الإشتراكي بعد 1962، الذي كان يصبو لأن يسوي بين الجميع، ولأن غالبية الشعب الجزائري كان أميا نتيجة سياسات التجهيل المتواترة مما استلزم فتح الآفاق التربوية أمام الجميع، رغم ثبوت الرؤية الموضوعية للسياسة التعليمية، نظرا لإنعدام المتخصصين التربويين و رغم عدم وضوح توجه النظام إزاء هذه المسألة، لذلك كان لزاما على الدولة أن تأخذ على عاتقها تعميم التعليم و سن إجباريته على كل الجزائريين بالإعتماد على فئة من المعلمين من داخل الوطن و فئة معتبرة من الأجانب، خاصة منهم الإخوة العرب وبالتوازي مع هذه المعادلة، كان كذلك لزاما على الدولة أن تنتهج سياسة تعليمية تخدم مراحل التنمية والتخطيط الوطني، فكان التحدي على عدة جبهات بنشر التعليم الإبتدائي في كامل التراب الوطني من أجل تقليل نسبة الأمية ولمسايرة التطور الإقتصادي في إطار الصناعات المصنعة التي عرفتها السبعينيات أدخلت البرامج التقنية في إطار محاور الدراسة التي تركزت على توحيد التعليم باللغة العربية وإبقاء اللغة الفرنسية والإنجليزية لغتين أجنبيتين، كما سنت من جهة أخرى قانون إلتحاق التلميذ الراسب و غير القادر على الإنتقال للثانوية إمكانية الدخول إلى عالم التكوين المهني، وبالتالي فإن الجزائر ربطت مجال التعليم بعملية التنمية من أجل ترقية الإنسان ثقافيا و حضاريا، خاصة وأن المخطط الرباعي الأول يبين أن رفع هذا التحدي ناجم عن ما أملاه علينا التاريخ وما تفرضه ضروريات المستقبل (مصطفى زايد1986-182) وكنتيجة لكل ذلك، انشطرت الأهداف التي كان يصبو لها النظام كمجانية التعليم للجميع والتخلص تدريجيا من الأمية عن الأهداف التي كان يصبو لها المجتمع بمختلف شرائحه، ورغم اعتماد النظام الحاكم الكم بدلا من الكيف في تسيير هذه المعطيات، إلا أنه لم يتعمق في فك بعض الحواجز أمام المنظومة التربوية خاصة وأن عددا هائلا من التلاميذ لم يتسنى لهم أول الأمر الإنتقال من السنة الأولى من التعليم المتوسط والإلتحاق بعالم الشغل، ومن ثم فإن الشارع يحتضنهم بكل ما يحمله من مخاطر سواء عليهم أو على المجتمع بصفة عامة، كل هذا في إطار تغير إجتماعي كبير لا يعرف التوقف ويبتغي رؤية تربوية جذرية للمعالجة ولإستيعاب الوضع إذا ما أخذته التربية ومناهجها بعين الإعتبار وبتأزيمه إذا ما تغافلت عنه وأهملته، وهذا فعلا ما جنيناه عن قاعدة تعليمية وتربوية في إطار تخطيط غير ممنهج ألزمنا بعد فوات الأوان إن صح هذا التعبير إعادات النظر المتكررة في إطار ما يسمى بالإصلاحات التربوية لإستدراك الوضع إلا أن الهوة لا زالت قائمة بين ما يصبو له المجتمع و بين ما هو قائم فعلا.

وللوقوف على كل ذلك كان علينا تقصي الوقائع كما هي من مؤسسات التعليم ومن خلال المقررات والبرامج المدرسة ومن خلال ما نعيشه فعلا في الواقع مع هذه الحشود من المتعلمين وهي تعيد تكرير بضاعتها العلمية والتربوية على المجتمع الذي نعيش فيه.

القيم الإجتماعية و نسق التغيرات :

  يحيلنا برنامج التدريس لمادة التربية المدنية بالمدرسة الجزائرية إذا ما أخذناه كعينة للوقوف على القيم   والتغيرات التربوية إلى عدة حيثيات بحثية تشيد أولا إلى قيمته المعرفية وتراثه التكويني الذي يساير إلى حد ما مستويات التنشئة المدنية الصحيحة التي يعيد إنتاجها المجتمع بشكل أو بآخر في قوالب التلقين والتدريب على المواطنة الصحيحة إلى درجة أننا نلمس قوة الجهود الأحادية التي تلعبها هذه المؤسسات على الأقل على المستوى الظاهري في الوقت التي تشير فيه النظريات الحديثة إلى تظافر جهود جميع المؤسسات في إطار التربية الشاملة والمتكاملة التي تراعي ليس فقط هذه المقررات بما أوتيت من مضامين بل كذلك الوضعيات التربوية المختلفة بمثل ما ذهب إليه المختصون التربويون المعاصرون في إطار النظرية التفاعلية ومنهم: بلومر وجورج هربرت ميد وقار فينكل الذين يذهبون إلى التفاعل الثنائي الإلزامي بين المعلم والمتعلم في إطار المرونة التي ترافق هذا التفاعل لأجل أن تتجسد المواقف التربوية في تركيبتها الحقيقية المتمثلة في حسن فهم المعنى من الوحدة التربوية والإجتماعية بصفة عامة و فك كل الرموز الداعية إلى ذلك. لكن ما هو أشمل من ذلك يتعدى الثنائية أو هو موضوع النقد الذي وجه لأنصار هذا الإتجاه من قبل رواد النظرية المعرفية الجديدة في علم الإجتماع التربوي التي ترى إلى ضرورة الإنتياه إلى كل ما يحيط بظروف تقديم الوحدة التربوية سواء تعلق الأمر بالمعلم أو بالمتعلم لأن المعرفة اجتماعية في ماهيتها وطبيعتها، ويؤكد الفرنسي بيار بورديو هذا الموقف من خلال نظريته ذات الإتجاهين والمتمثل أولهما في مفهوم إعادة إنتاج الرأسمال الثقافي وثانيهما في مفهوم الخصائص النفسية المعرفة بالهابيتس (Habitus)  فالثنائية تستلزم في إطار ذلك الوقوف على حقيقة الخصائص النفسية و الإجتماعية لأطرافها كمعادلة.

لذلك قد لا يكفي كل ذلك الزخم المعرفي الذي يراعي الجوانب العاطفية والوجدانية والحسية بصفة عامة أثناء عملية تدريس مادة التربية المدنية، لأنه يستوجب أول الأمر ترسيخ قيم المواطنة كممارسة إجتماعية داخل المدرسة أولا لأجل أن تنتقل ثانيا إلى الشارع والأسرة وتتجلى سلوكا حضاريا يميز المجتمع.

العملية التعليمية و تحديات الواقع :

لعل الإجراء العملي الذي يؤكد ما ذهبنا إليه من شرح هو تصفح المحتويات التي وجدناها موزعة على مجموعة من الوحدات وفي كل وحدة ثلاثة مجالات على الأقل، ففي مقرر السنة الخامسة مثلا نجد تردد مفهوم المواطنة من خلال الوحدة الأولى و يتجسد عمليا في موضوع الإنتماء الوطني والنظام في حياة المواطن وكذا علاقاته مع غيره من خلال بعض المضامين المتمثلة في مسائل هامة كالهوية والعروبة والإسلام والنشيد الوطني. مؤطرة داخل المجتمع وبحماية من القانون الذي يؤسس للنظام والإنضباط في وسط إجتماعي يطبعه الإحترام وصدق الحديث والتعاون وأداء الأمانة والتضامن، أما في الوحدة القائلة بالحقوق والواجبات، ففيها تبيان للحقوق كالحق في الرعاية الصحية والتعليم والمنح العائلية على أن يكون واجب المواطن الصالح هو تأدية مهامه المدنية كعنصر فعال في مجتمعه، ومما يعرف متمدرسينا بواقع حالهم وحال مؤسساتهم الإجتماعية هو ما نلمسه في الوحدة الثالثة التي تتكلم عن الديموقراطية حيث يتعلمون قواعد المناقشة بعيدا عن العنف بحسن الإصغاء و عدم التعصب للرأي العام، ويتعلمون بهذه الوحدة كذلك مفهوم المؤسسات المنتخبة كالبلدية والولاية و المجلس الشعبي الوطني و مجلس الأمة بالإضافة طبعا إلى تعلم أشياء كثيرة و معتبرة عن الحياة الإقتصادية المتعلقة بالدخل العائلي والأجر والمنح لذوي الحقوق والقوانين الحامية للمستهلك، مع تجنب الإسراف والتبذير قدر الإمكان كمبادئ أساسية وجب تعلمها في ظل المحافظة على الطاقة والغذاء من أجل استمرار الحياة. ومن بين المحاور الأخرى و التي تعد أساسية كذلك المحور الثقافي الذي يتعلق بالعلم والرقي بالأمة للخروج من الفقر والتخلف، لذلك هناك تركيز على الإحتفالات بيوم العلم و ما يصاحب ذلك من شرح وتوضيح. أما فيما يتعلق بمظاهر الحياة المدنية فهناك تبيان ومناقشة لسلوكات الناس في الريف والمدينة ولا تختلف محاور ووحدات السنوات الأربع الأولى من حيث المضمون عما ذكرناه تحديدا في السنة الخامسة التي تعتبر قمة العطاء بالنسبة للمتعلم الذي بلغ أعلى مستويات التكوين في هذه المرحلة التعليمية  وتجلت فيه نجاعة الأهداف العامة التي تؤكد عليها المنظومة ورغم كل ذلك فالخلل قائم ويتمثله القائمون على تدريس هذه المواد ليس فقط في طبيعة هذه المضامين المشفرة والتي تصور الواقع في شكل مثالي مقارنة مع ما يجري في الحقيقة بل في ضرورة و إلزامية اقتراح برامج ومقررات في التربية المدنية الحقوقية حتى لا يتحول هذا المعلم إلى مجرد أداة تعليمية بيد جهات أخرى تملك أحقية ووجوب تطبيق السلطة التعليمية. وفي ذلك شرعية استرسال التعليم من فروعه الأساسية و الأصلية و التي هي المجتمع في جميع أبعاده والنظام الحاكم حسب الإيديولوجية القائمة على التكامل، لذلك فهم يتصورون صعوبة الأمر خاصة مع ظهور مؤسسات أخرى دخلت مؤسسة التعليم في منافسة غير مخططة لجلب الطفل والتأثير فيه (Lakhdar . B. 2000.49)  ومنها التلفزيون بإبهاره و لتحويل قدراته الإدراكية والعقلية وهم يرون أن إمكانية تدريس هذه المادة لا يجب أن يتعدى الساعة أسبوعيا بمعدل حصتين لكل مستوى ويتحدد وقت الحصة بـ 30 دقيقة كما هو مقرر، لأن زيادة الوقت الذي يشتكون منه بصفة عامة في مواد أخرى هو بمثابة العقوبة التي ترهق كاهل المعلم كثيرا وتجعله غير قادر على تأدية رسالته على أحسن ما يرام خاصة وأن هناك اضطراب على مستوى الوسائل و تحضيرها على أن أهميتها كبيرة جدا على مستوى التحصيل المعرفي السريع (Thelot Claude 1993.35)ورغم أن البرنامج يبقى حسب رأيهم منسجما مع طبيعة المجتمع الجزائري المعاصر وثقافته، خاصة وأن الجزائر تبنت بجميع مؤسساتها التغيير فأصبحت المناهج الجديدة انعكاسا حقيقيا لخطاب المواطنة والمجتمع المدني، إذ نسجل بعض البرامج الداعية إلى مجتمع السلم والمدنية المتحضرة بممارسة حقيقية للديموقراطية بمختلف قواعدها الإيديولوجية التي ينطوي تحتها التعليم الذي من خلال آلياته وآليات تطبيق أحقية المجتمع المدني المركزة على الحقوق والواجبات والتزام نظام الجماعة بالطاعة والولاء نحس بتطابق المدرس مع الواقع المعاش، وهذا ما تمارسه المناهج والبرامج التربوية والتجديدية التي تنشئ الطفل على السلوك السياسي والمدني البسيط تمهيدا للحياة المستقبلية (Nadji Abdennasser 2000.98)رغم أننا نعتبر أن الخطة التعليمية ضبطت بمعايير صحيحة وفقا لمسار التغير الإجتماعي إلا أننا نلمس أن النسق الإجمالي لكل هاته الخطة تنتابه عقبة من عقبات السير الحسن، خاصة وأننا نلمس من جهة أخرى قوة الزحف الثقافي الذي يلقي بثقله على تلاميذنا إذ يتعدى حجمه حجم الثقافة المدنية التي يتلقاها في المدرسة والتي تعتبر في بعض الحالات عاجزة عن تجسيد بعض السلوكيات الأساسية خاصة وأن نسبة 53.33% من المعلمين يجمعون على التركيز على التعلم من الكتاب فقط وتحاشي الوضعيات التي تحتاج إلى الملاحظة المباشرة ومن هنا فمحتويات الكتاب يجب تكييفها مع هذه الملاحظات والسلوكات الحقيقية بمطابقتها مع واقع التلميذ حتى لا يقع في متناقضات معرفية تؤثر في ممارساته وتصوراته ( Boudon Raymond 2001.95)  وترى أغلبية المعلمين المستجوبين والمقدرة ب 59% أن هذه المادة بالذات أساسية جدا لأنها تعمل على تشكيل الطفل وفق قيم العصر، لأن الأهداف المسطرة والوظيفية منها خاصة تتجلى في إستراتيجية الإصلاحات الجارية على المستوى المحلي والإقليمي و الدولي سعيا منها إلى عولمة المعرفة (El Wattan 03/01/2000 .p 45)   التي وجدت في وسائل الإعلام والإتصال ملاذا واضحا لها لذلك فالوسائل الداعية إلى تشخيص الفعل التربوي هي أكثر من ضرورية لأن انعدامها يؤدي إلى خلخلة في التكوين وفي المجال المقصود من الدراسة، لذلك فإن الصورة المصاحبة للدرس تكون من خلال السيميائية والدور اللتين تعملان على تجسيد توجهات الخطاب (Chiland .1989.131)، ولأنها سندا بيداغوجيا ملما بماهية الفعل يكون التفكير في تحضيرها وتجهيزها بمثابة التوجه الصحيح لتحضير الدرس، من ثم بلوغ الأهداف العامة والمبتغيات التي تتكامل من خلال علاقة برامج المادة المدرسة بتوجهات الإصلاح في حد ذاته خاصة وأنه يتبلور نحو التحولات الإجتماعية سواء كانت سياسية أو ثقافية أو إقتصادية بالتركيز على مجتمع المعرفة والمعلومات خاصة إذا كان الفرد هو محور وجوهر هذه العمليات على الرغم مما يواجهه من تحديات تخترق تواجده في إقليمه المحلي المحدد.

مناهج التربية و التغير الإجتماعي بين التلاقي و النفور :

إن السلوكات والمواقف التي ننظرها في أطفال اليوم، و التي تختلف اختلافا جذريا عن تلك التي كان الجيل السابق يعرفها، والتي تنطوي من حيث الإستجابة تحت راية عميقة جدا في تاريخ الإنسانية من حيث البعد الثقافي لكل مرحلة منها، ومن حيث تغيراتها المتواترة.. فالإنسان كيفما كان انتماءه للجيل الأول أو للجيل الآخر، فإنه يميل إلى تقديس طفولته وتمجيدها عندما يكون في حالة استعراض لذكرياته لأنها أجمل مراحل الحياة، لكن الكبار من الجيل الأول لأنهم يرون ما يعيشه أبناءهم ويحنون لما عاشوه هم، فإنهم يختارون مرحلتهم عن المراحل الأخرى، متناسين أن أبناءهم ولدوا لزمان غير زمانهم، ولهذا الزمن خصوصياته ومميزاته. هكذا هي المناهج التربوية عندما تسطر لا يجب أن ينظر إليها بنفس النظرة التي تتوارثها الأجيال، بل عليها أن تنطلق من واقع حال المجتمع وتغيراته وبأن تعير التربية لكل ذلك الإهتمام الكافي، وأن تنطلق المناهج من حدود الوعي لذات المجتمع ولذات هؤلاء الأطفال، لذلك يجب أن تكون من أجلهم ولعصرهم وليس لعصرنا، فالتربية ليست سلوكا عفويا بسيطا نمارسه لإعداد أطفالنا وبقدر ما هي عملية معقدة، فإنها تتصف بدرجة عليا من الدقة والخطورة. لذلك على المناهج أن تكون مزودة بقدر كبير من الثقافة التربوية من أجل ممارسة صحيحة و قوية للفعل التربوي، ففي حالة المدرسة الجزائرية وكل ما فعلته نجد أن النتائج تعبر عن الثغرات الكبيرة التي انتابتها، رغم أن البرامج تعتبر من حيث المضمون مزودة بأهم ما يجب أن يتعلمه الطفل وبمواضيع توجد في حياته اليومية، إلا أن المنتقدين يشككون في قيمة هذه الإصلاحات المتعاقبة مدعين عدم تطابقها مع ما يجب أن يكون، تارة بحجة عدم توفير الإمكانيات اللازمة أو عدم استخدامها استخداما صحيحا، و تارة أخرى بحجة عدم الإهتمام بمن يديرون هذه المسألة، المهم أن البون أصبح كبيرا بين حقيقة التربية في ماهيتها وأخلاقياتها وبين واقع حال المجتمع وما يقوم به أعضاء الجيل الجديد الذي انغمس وبكل بساطة في قوالب ثقافية جديدة ذات طابع عالمي، فالوعي بذلك موجود والأزمة قائمة، وأول الأمور التي يجب أن نعيرها الإهتمام الكبير أو أن نقتنع عند فهمنا لها، هي أن عصر أطفالنا يختلف عن العصر الذي عاش فيه أسلافنا من حيث القيم و المفاهيم والتصورات، فالطرائق البيداغوجية التقليدية لم تعد صالحة و ناجحة، لذلك وجب الإعتماد على ما يتماشى وطبيعة العصر وروح الحياة المتغيرة والمتجددة دون نسيان ما قد تسببه المثيرات الجديدة من راديو و تلفزيون وصحف و مجلات، فالمشكلة المطروحة بين يدي ذوي الإختصاص هي أن يبحث هؤلاء عن مناهج جديدة و طرق قادرة على احتواء هذه التغيرات، ومن ثم تمكين الأطفال من التكيف مع طبيعة العصر المتغير، فالتغيرات تحدث في الظروف وفي الناس قبل أن تنعكس على النظام التربوي. وما يفعله التلفزيون مثلا نستدل منه على عدم وجود وساطة للتربية في كل ذلك فكيف يحتوي النظام التربوي إذن هذه المستجدات من أجل أن ينسج منها منهاجا تعليميا تربويا يتحكم في كل هذه المسائل. أو بعبارة أخرى كيف نحقق الإنسجام بين الغايات والوسائل ؟ هذا ما قد يتحقق مع نجاعة المناهج التربوية، وهذا أيضا ما قد يدفع بالنظام العام للمجتمع إلى محاولة ايجاد السبل اللازمة لبناء منهاج مقبول ومتغير حسب تغيرات النظام العام الذي يوجد بالمجتمع.

خاتمـــة:

يتفق الجميع على أن التربية هي من أجل أن يتكيف الأطفال مع وسطهم الإجتماعي، وأن تصبح لهم القدرة على اكتساب الهوية الإجتماعية في جميع ميادين الحياة آنيا و مستقبلا. لكن الشيء الذي يتعلمونه ونلقنهم إياه هو الثقافة السائدة في المجتمع الذي نعيش فيه، على أن نراعي في ذلك حسن إختيار الوسائل والطرائق الضرورية المؤدية للغرض.

فإن تمكنا من نقل الثقافة من حيث الأداء على حساب الجانب الآخر المتعلق بالوسائل                 والطرائق، فإننا نكون قد صنعنا مشكلة بين ما تهدف له التربية وبين ما يجري في الواقع. فالخلل إذن يكمن حسب نظرة مبحوثينا ليس في البرامج التي تحوي مواضيع متماشية مع الواقع بقدر ما تصيغه التصورات الخاطئة لهذا التلميذ ككفاءة موقوتة وكطاقة تنتظر التفجير دون إعارة أدنى اهتمام للتفاوت والفروقات الفردية، وإذا حسم الأمر بشكل نسبي، فإن المربون يرون من جهة أخرى أن الإهتمام بهم وبمستوياتهم الإجتماعية يؤهلهم إلى مستوى الأداء الجيد، ومن ثم الإنعكاس الإيجابي لسلوكيات تربوية صريحة و صحيحة.

وهذا ما جعل المدرسة الجزائرية تنجح في فترة زمنية معينة لأنها تقيدت بالموضوع الذي يجب أن نتابعه وبالكيفية والصيغة المؤدية إلى ذلك، فجمعت بين الأهداف والمبتغيات مستندة في ذلك إلى جملة من الوسائل فكان لها ذلك.

و لأن الأمر اليوم أصبح معكوسا تماما، فإنه يمكننا أن نقول بأنها تحولت من حالة تنشئتها لأخلاق التربية إلى حالة أخرى من التنشئة المتعلقة بالمقاومة الإجتماعية.      


المراجـــع :

1- أبو القاسم سعد الله، تاريخ الجزائر الثقافي 1830–1954 الجزء الثالث، الطبعة الاولى 1998 دار الغرب الإسلامي– بيروت لبنان

2-  مصطفى زايد، التنمية الإجتماعية و نظام التعليم الرسمي في الجزائر (1962-1980) الطبعة الأولى 1986– ديوان المطبوعات الجامعية الجزائر

3-  Lakhdar Baghdad, Questionnement en Pédagogie la pratique de l’évaluation formative, ed Thala 2000

4- Nadji Abdnnasser, Assurer la qualité du système  éducatif Année 2000

5-  Bondon. Raymond, Bulle Nathalie Charkaoui, Ecole et société  les paradoxes de la démocratie, ed PUF 2001

6- L’école Algérienne en attente de reforme, El Wattan 03/01/2000 n° 2756 . P4/5

7- Chiland, l’enfant, la famille, l’école, ed PUF 1989

@pour_citer_ce_document

معاشو جيلاني كوبيبي, «المدرسة الجزائرية من أخلاق التربية إلى تنشئة المقــاومة الاجتماعيــة»

[En ligne] ,[#G_TITLE:#langue] ,[#G_TITLE:#langue]
Papier : pp : 130 - 141,
Date Publication Sur Papier : 2009-05-05,
Date Pulication Electronique : 2012-05-03,
mis a jour le : 14/01/2019,
URL : https://revues.univ-setif2.dz:443/revue/index.php?id=376.