نقد هايدغر للميتافيزيقا عند نيتشه.Heidegger’s criticism of Nietzsche’s Metaphysics
Plan du site au format XML


Archive: revues des lettres et sciences sociales


N°01 Avril 2004


N°02 Mai 2005


N°03 Novembre 2005


N°04 Juin 2006


N°05 Juin 2007


N°06 Janvier 2008


N°07 Juin 2008


N°08 Mai 2009


N°09 Octobre 2009


N°10 Décembre 2009


N°11 Juin 2010


N°12 Juillet 2010


N°13 Janvier 2011


N°14 Juin 2011


N°15 Juillet 2012


N°16 Décembre 2012


N°17 Septembre 2013


Revue des Lettres et Sciences Sociales


N°18 Juin 2014


N°19 Décembre 2014


N°20 Juin 2015


N°21 Décembre 2015


N°22 Juin 2016


N° 23 Décembre 2016


N° 24 Juin 2017


N° 25 Décembre 2017


N°26 Vol 15- 2018


N°27 Vol 15- 2018


N°28 Vol 15- 2018


N°01 Vol 16- 2019


N°02 Vol 16- 2019


N°03 Vol 16- 2019


N°04 Vol 16- 2019


N°01 VOL 17-2020


N:02 vol 17-2020


N:03 vol 17-2020


N°01 vol 18-2021


N°02 vol 18-2021


N°01 vol 19-2022


N°02 vol 19-2022


N°01 vol 20-2023


N°02 vol 20-2023


A propos

avancée

Archive PDF

N°28 Vol 15- 2018

نقد هايدغر للميتافيزيقا عند نيتشه.

Heidegger’s criticism of Nietzsche’s Metaphysics
pp 191-203

عبد الغاني عليوة
  • resume:Ar
  • resume
  • Abstract
  • Auteurs
  • TEXTE INTEGRAL
  • Bibliographie

لم تكن فلسفة نيتشه وكتاباته محل اهتمام مفكري عصره، كما لم يكن لفكره صدى حقيقي في حاضر الفكر الغربي آنذاك، لكن بعد موته عاد الاهتمام بنصوصه وتأويل محتوياتها، مما ولد تصورات كثيرة وجديدة في شأن أبعاد هذه الفلسفة النقدية التي طالت التراث الغربي الحضاري والثقافي بكامله. ومن بين أهم المسائل التي شغلت نيتشه وعمل على دحضها فكرة الميتافيزيقا، بداية بنقده لمبدأ الثنائية في الفلسفة الأفلاطونية على نحو؛ المثال / الواقع، المعقول/ المحسوس، علمًا أن نيتشه كان ممجدًا للعالم الأرضي على حساب العالم الآخر. لقد كانت هذه المسألة أرضية خصبة لرائد الفلسفة الوجودية مارتن هايدغر، المشتغل كثيرًا بموضوع الميتافيزيقا، والذي يعد من سلالة نيتشه الفكرية، حيث حاول تأسيس مفهوم  نقدي مغاير لتصور نيتشه نفسه باعتباره آخر الميتافيزيقيين في نظر هايدغر.

الكلمات المفاتيح: الميتافيزيقا، العدمية، الإرادة، الفن، الإنسان، نيتشه، هايدغر.

La philosophie de Nietzsche et ses œuvres n’avaient pas suscité l'intérêt des philosophes de son temps, sa pensée n’avait pas ainsi d’écho dans la pensée occidentale de cette époque. Bien après, son œuvre et l’interprétation de son contenu est devenu le centre d’intérêt de beaucoup de penseurs ; ce qui a fait naître tant de nouvelles conceptions concernant les dimensions de cette philosophie critique, qui a touché la totalité de la tradition civilisationnelle et culturelle de l’Occident. L'une des questions les plus importantes qui préoccupait Nietzsche, en la critiquant, est la métaphysique, à partir du principe de dualité dans la philosophie platonicienne telle que : l’Idée/ la réalité, l’intelligible/ la sensible ; sachant que Nietzsche était un rénovateur du monde d’ici-bas (terrestre) en dépit de l’au-delà (monde céleste). Cette question (ce problème) étant un terrain fertile pour le pionnier de la philosophie existentielle, Martin Heidegger, qui s’est consacré à la métaphysique, en étant l’héritier intellectuel de Nietzsche, car il a essayé de fonder une conception critique différente de celle de Nietzsche, en étant le dernier des métaphysiciens selon Heidegger.

Mots-clés :La Métaphysique, Le Nihilisme, La Volonté, L'art, Humain, Nietzsche, Heidegger

Nietzsche's philosophy and writings were not of interest to the thinkers of his time,  his ideas were not very well echoed among the Western thinkers at the time, but after his death attention to his texts and the interpretation of their content returned, many new perspectives sprung regarding the dimensions of this critical philosophy, which affected the Western culture’s heritage and its civilization. One of the most important questions that troubled Nietzsche was metaphysics, his criticism of metaphysics began at the principle of duality in Platonic philosophy, for example: Ideal/Realistic, Intelligible/Sensible; knowing that Nietzsche was a renovator of the terrestrial world at the expanse of the celestial world. This question offered a fertile ground for Martin Heidegger, the pioneer of Existential Philosophy, who cared very much about the subject of metaphysics, being a successor of Nietzsche’s intellect; he attempted to establish a new design of criticism different from that of Nietzsche,who is considered as the “Last Metaphysician”.

Keywords:Metaphysics, Nihilism, Will, Art, Human, Nietzsche, Heidegger

Quelques mots à propos de :  عبد الغاني عليوة

جامعة محمد لمين دباغين سطيف2philosophe-03@hotmail.com            Detect languageAfrikaansAlbanianAmharicArabicArmenianAzerbaijaniBasqueBelarusianBengaliBosnianBulgarianCatalanCebuanoChichewaChinese (Simplified)Chinese (Traditional)CorsicanCroatianCzechDanishDutchEnglishEsperantoEstonianFilipinoFinnishFrenchFrisianGalicianGeorgianGermanGreekGujaratiHaitian CreoleHausaHawaiianHebrewHindiHmongHungarianIcelandicIgboIndonesianIrishItalianJapaneseJavaneseKannadaKazakhKhmerKoreanKurdishKyrgyzLaoLatinLatvianLithuanianLuxembourgishMacedonianMalagasyMalayMalayalamMalteseMaoriMarathiMongolianMyanmar (Burmese)NepaliNorwegianPashtoPersianPolishPortuguesePunjabiRomanianRussianSamoanScots GaelicSerbianSesothoShonaSindhiSinhalaSlovakSlovenianSomaliSpanishSundaneseSwahiliSwedishTajikTamilTeluguThaiTurkishUkrainianUrduUzbekVietnameseWelshXhosaYiddishYorubaZulu   AfrikaansAlbanianAmharicArabicArmenianAzerbaijaniBasqueBelarusianBengaliBosnianBulgarianCatalanCebuanoChichewaChinese (Simplified)Chinese (Traditional)CorsicanCroatianCzechDanishDutchEnglishEsperantoEstonianFilipinoFinnishFrenchFrisianGalicianGeorgianGermanGreekGujaratiHaitian CreoleHausaHawaiianHebrewHindiHmongHungarianIcelandicIgboIndonesianIrishItalianJapaneseJavaneseKannadaKazakhKhmerKoreanKurdishKyrgyzLaoLatinLatvianLithuanianLuxembourgishMacedonianMalagasyMalayMalayalamMalteseMaoriMarathiMongolianMyanmar (Burmese)NepaliNorwegianPashtoPersianPolishPortuguesePunjabiRomanianRussianSamoanScots GaelicSerbianSesothoShonaSindhiSinhalaSlovakSlovenianSomaliSpanishSundaneseSwahiliSwedishTajikTamilTeluguThaiTurkishUkrainianUrduUzbekVietnameseWelshXhosaYiddishYorubaZulu                   Text-to-speech function is limited to 200 characters    Options : History : Feedback : DonateClose

مقدمة

يعتبر الفيلسوف الألماني مارتن هايدغر M. Heidegger(1889- 1978م)1أحد أهم أقطاب الفلسفة الغربية المعاصرة، وهو أحد روافد النسل النيتشوي، وأهم ما كان يميز تفكيره الفلسفي محاولته إقامة (انطولوجيا فينومينولوجية)، أو علم الوجود القائم على علم الظواهر، متأثرًا بفينومينولوجياايدموندهسرلHusserl Edmund( 1859- 1938م)2، وهو" بذلك يستبعد كل نزعة دينية كما نرى ذلك مع كيركجارد؛ أو معادية للدين والآلوهية كما نلمس ذلك مع نيتشه"3، والواقع أن فلسفة هايدغر لا تنشغل بالدين أو الإله، ربما لهذا كانت توصف بفلسفة إلحادية.

والشيء المدهش في إطار مقاربة العنصر الهايدغري لنيتشه4، هو ذلك العدد الهائل من النصوص التي أفردها فيلسوف من طراز هايدغر، وخلال عشرين سنة تقريبًا، أي بين (1936، 1955م)5. كان نشاط هايدغر في التدريس حافل بالدروس والمحاضرات في هذا الشأن، والتي ألقى عددًا منها على طلابه، ناهيك عن تلك الأبحاث والمذكرات التي طبعت مسيرته طيلة عقدين من الزمن، ومن بين المضامين التي أفردها هايدغر باهتمام أكثر كلمة ميتافيزيقاMétaphysique6حيث أعطاها معنى عامًا، باعتبارها مجموعة من مظاهر الفكر الغربي من غير تمييز، كالفلسفة والفنون والمعارف والتقنيات والأخلاق والنظريات السياسية والتي تشكلت في تيارات فلسفية وسياسية وأخلاقية، كل تلك المذاهب اشتركت جميعها على حد تعبير هايدغر في (نسيان الوجود)، وقد تبلورت كل تلك التيارات في فكر الحداثة في شكل نزعة إنسانية متطرفة سماها (بميتافيزيقا الذاتية)، هذه النزعة في شكلها الحديث قطعت أواصرها بالكينونة، وانصرفت إلى الاهتمام بالكائن (الموجود)، فأضحت الكينونة في طي النسيان، ومنه تصبح حقيقة الكينونة خفية على الميتافيزيقا باستمرار وممتنعة عليها، لأن الميتافيزيقا في جوهرها هي نسيان للكينونة، فكلما بقيت حقيقة الكينونة منسية، أبقى ذلك الأنطولوجيا بدون أساس. والجدير بالتساؤل أليس هذا هو السرّ الكامن وراء هذا الاهتمام الكامل لهايدغر بالفكر النيتشوي؟، ثم ما هي الانطباعات التي تركها نيتشه في فكر هايدغر؟، وماذا يعني كلام هايدغر في أن نيتشه نقد الميتافيزيقا فأسس لميتافيزيقا جديدة؟، ما هي الأسس التي بنى على صرحها انتقادات هايدغر لمفهوم الميتافيزيقا عند نيتشه؟، وما هي الآلية المنهجية في ذلك؟

1-                        فكرة الميتافيزيقا هايدغر ندًا لنيتشه

نقلاً عن كتاب بعنوان(أقدم لك: نيتشه)لصاحبيه؛ لورانس جين وكيتي شين، ثمة إشارة لمقال يُنسبلهايدغر عنونه ب:(كلمة نيتشه) يقول فيه عن نيتشه إنه الناقد العظيم لتراث الميتافيزيقا الغربي الذي يمثله أفلاطون" رغم أن قلب الميتافيزيقا رأسًا على عقب تم على يد نيتشه، بحيث لم يبق شيء للميتافيزيقا إلاّ وتتجلى جانبًا في زاوية الفوضى واللاجوهرية"7، لقد اعتبر نيتشه أن الخطيئة الأساسية الأولى للميتافيزيقا، هي الاعتقاد بتقسيم الوجود إلى؛ وجود حقيقي أصيل ثابت، يكون من اختصاص الفكر، ووجود غير حقيقي وغير أصيل تشوبه الكثرة PluralitéLa، ويطرأ عليه التغيير، وبهذا الشكل ستهتم الميتافيزيقا فقط بما هو فوق المحسوس فتضفي عليه أرفع الصفات من الثبات والأزلية والدوام، ويبدو أن الميتافيزيقا كانت تلخص في رأيه كل ما خلقه ماضي العقل الإنساني من أخطاء، فهي وريثة الدين، بل هي مصاحبة له، إذ تؤدي إلى أن تخلق عالمًا آخر8، ومن هنا ضرورة تجاوز الميتافيزيقا التي أعلت -وهذا من خلال فلسفة أفلاطون- من شأن الفلسفة على حساب التجربة الجمالية، ذلك أن الفن ظل بداية من هذه اللحظة محسوبًا على العالم الحسي الوهمي، في حين تقوم الفلسفة في العالم ما فوق الحسي المعقول والمثالي؛ لم يعد للوجود بالمنظور النيتشوي من معنى غير كونه وجودا استعاريا في الأصل لا ينفك عن إنتاج الحقائق على أساس إرادة القوة، هذا المفهوم الجديد للوجود هو بمثابة نهاية الميتافيزيقا" لو افترضنا أن عالمنا المرئي ليس سوى ظاهر، كما يسلم بذلك فلاسفة ما وراء الطبيعة، فإن الفن سيكون أقرب إلى عالم الحقيقة، لأنه ستكون هناك تماثلات كثيرة بين عالم الظاهر وعالم الرؤية الحُلُمية لدى الفنان، وما تبقى من الاختلاف سيرفع دلالة الفن ذاتها إلى مستوى يتجاوز دلالة الطبيعة، ما دام الفن سيصور ثبات الأشكال ونماذج الطبيعة، والحال أن هذه المسلمات خاطئة"9. لقد شغلت فلسفة نيتشه مارتن هايدغر على أكثر من صعيد، والدافع الرئيس الذي دعاه إلى اهتمامه بنيتشه، هو أن هذا الفيلسوف يحتل قمة هرم الميتافيزيقا الغربية، مجسدًا لحظة اكتمالها، فليس هو آخر الفلاسفة لكنه في واقع الأمر يعد مجسدًا للمرحلة ما قبل الأخيرة لذلك، علمًا أن مشكلة الميتافيزيقا قد احتلت النصيب الأوفى من اهتمام هايدغر، فمشكلة الكينونة هي الشغل الشاغل للميتافيزيقا في نظره، لأنها بحسب تعريفها تتجاوز الموجود بالفكر، ولم ينقطع مارتن هايدغر عن الحوار مع الميتافيزيقا التقليدية، وإن حاول دومًا كما سيتبين لنا بعد قليل أن يتجاوزها مع أنه مقيد بتراثها ولغتها، إن" إرادة القوة كالتصور القبلي وهو ما نسج المجال أمام سيادة ما يعرف بإرادة الإرادة و هذه الرؤية هيدجرية"10، الواقع أن إرادة القوة ذات الطابع العقلاني والحسابي المسيطر اليوم هي ما أفرز عدة ظواهر يمكننا إجمالها في القراءة الهايدغرية لنيتشه، والتي تعود أساسًا إلى فكرة (الصيرورة الحياتية) في فلسفة نيتشه، كما تعود أيضًا إلى موضوع التحقق النهائي للميتافيزيقا في ظل سيادة التقنية، وفضلاً عن هذا الدافع الواضح والمهيمن، ثمة دافعان آخران تكتنفهما السرية، ونادرًا ما يتم الجهر بهما، فالأول سياسي؛ حيث سُجل مع فلسفة نيتشه في كونها نوع من المقاومة والصراع ضد الإيديولوجية القومية الاشتراكية11.

يشير هايدغر في رسالة موجهة إلى رئاسة الجامعة في (فريبورغFribourg) سنة 1945م، أنه بداية من عام 1936م قام بإلقاء سلسلة من المحاضرات والتي تدور حول فلسفة نيتشه باعتبارها تفسيرًا ومقاومةً روحية، ويؤكد ذلك بالقول عن ميتافيزيقا نيتشه "إنما هي تفسير بواسطة العدمية من حيث هي تتجلى بشكل واضح في الصيغة السياسية للفاشية"12.

أما الدافع الثاني؛ فهو أكثر سرية، لكونه يعود إلى ذلك الارتباط الوجداني القديم، بل ولعشق (الفلسفة النيتشوية) العائد إلى سنوات خلت، أيام كان هايدغر طالبًا أين قرأ "إرادة القوة " لنيتشه، في الفترة ما بين (1910م- 1914م)، وهذا ما يبوح به بشكل غامض عندما كتب يقول" إن ذروات الصراع ليست ممكنة هنا إلاّ إذا كانت قائمة على أساس القرابة الأكثر حميمية، المثبتة للأهم"13.

           من قراءة هذا التقاطع مع نيتشه، وجد هايدغر نفسه مجبرًا على أن يتصلب في مواجهته، حيث يصنع منه على حد تعبيره (ندًا عظيمًا)، وأن يرفع من شأنه حتى يجعل منه رسولاً منذرًا بعصر الانحطاط. ومن خلال دراستنا المتواضعة لفلسفة نيتشه واطلاعنا على أفكار هايدغر نلاحظ أن هناك أمورا كثيرة تجمعهما، منها فكرة (موت الإله)، مادام أن المحايثة الراديكالية هي الشرط الأول بالنسبة لكل انطلاقة فلسفية. كما يتفقان بخصوص رفضهما للنزعة الإنسانية، فهما يجمعان على أن الإنسان هو ما ينبغي تجاوزه دون العودة من جديد إلى النزعة الربوبية14، كما كان هايدغر معجبًا أشد الإعجاب باكتشاف نيتشه العظيم للفكر الإغريقي، على الرغم من اعتبار نيتشه مقلبًا للأفلاطونية وقيمها، بقي سجينًا لثنائيتها من قبيل وجود (صيرورة) حقيقية، هذا ما يستدعي ضرورة المساءلة الراديكالية لماهية الميتافيزيقا وتأويلها، ولا ريب في أن تكون هذه المساءلة هي ما دعا بهايدغر لقراءة نيتشه بنوع من التحفظ والارتياب ليصل في آخر المطاف إلى أن الفلسفة النيتشوية قد تورطت كليًا في التقليد، الذي تزعم قلبَه وتجاوزه15.

الجدير بالملاحظة أيضًا في التأويل الهايدغريلنيتشه، هو أن نيتشه قد تمكن من أن يصنع لنفسه مكانًا خاصًا في تاريخ الفلسفة، وهو مكانٌ انتقاليٌ، والذي يعني حسب مخطط هايدغر التاريخي والفلسفي مكانًا للفكر الذي ينهي ذلك التيار القديم من الفكر التقليدي الأوروبي الغربي، تيار الميتافيزيقا الذي صعد مع أفلاطون، ليستهل طورًا جديدًا، يبدأ في تطوره وتهيُّئِه للانتقال نحو (انطولوجيا أساسية)، يقول هايدغر" المبدأ الأعلى للأخلاق، والدين المسيحي، والفلسفة تبدأ مع أفلاطون، تعني الآن، هذا العالم لا يعني شيئًا، إذن يجب إيجاد عالم أفضل"16وليس هذا العالم الأفضل سوى تمجيد المظهر كما يرى هايدغر، الذي هو في الوقت نفسه الحركة المضادة للحركة الميتافيزيقية، ونتيجة ذلك يعد نيتشه البريق الأخير لغروب الميتافيزيقا الغربية، والإشعاع الأول لتفجير فلسفة جديدة، إنه مفكر كبير كان له السبق وهو يراقب مجرى تاريخ العالم لينبئ بنظرة نافذة على المستقبل17.

2-                        العدمية والإنسان المتجاوز

يؤكد هايدغر أن الشيء الأساسي في الفلسفة النيتشوية هو عقيدة العدمية Le Nihilisme، ولهذا ركز في دراسته للفكر النيتشوي على مسألة العدمية Nihilisme Leإذ؛" ليست العدمية بالنسبة لنيتشه تصورًا عن العالم مولود في مكان ما، في يوم ما من الأيام، بل هي حدثٌ أساسيٌ مميز... العدمية بالنسبة إلى نيتشه في سن المرحلة التي عاش فيها وحدها، أو حتى القرن التاسع عشر وحده"18.

وفي الصور التي يعطيها هايدغرعن الكينونة تغطي العدمية كل المكان المنظور، وليست هذه الحالة متوسطة للإنسان الأوروبي، سوف يتجاوزها التاريخ، فالعدمية هي الصفة الجوهرية للكينونة عامة، والكينونة الإنسانية بصفة خاصة. إذ يتصور هايدغرالعدمية في مظاهر متنوعة، مثله كمثل نيتشه في رباط لا ينفصم مع مراجعة جميع القيم، وإرادة القوة، العود الأبدي، والإنسان الأسمى (الإنسان الأعلى)19.

ففكرة إرادة القوة خطوة جديدة في تطور الفلسفة الأوروبية بالرغم من احتفاظها بالفكر الفلسفي في حدود الميتافيزيقا، وقول هايدغرأن نيتشه يفهم الطابع الأساسي للكينونة من حيث هي إرادة القوة، فليس ذلك اختراعًا أو نزوة لرجل خيالي ينحرف عن الطريق الرئيسي، وتلك تجربة المفكر الأساسية20، إن الكينونة بأسرها إرادة قوة، وهذه هي الكلمة الأخيرة للحكمة الميتافيزيقية.

ومن هذا الاكتشاف العظيم لفحوى الفلسفة السابقة ينشأ مبدأ تقدير جديد لا يقتصر على الاستعاضة عن القيم الموجودة، ذلك لأنه إذا كانت الكينونة بمعنى ما إرادة قوة، فلا قيمة وليس بقيمة إلاّ ما يشكل السلطان في جوهره21، ويرى هايدغرأن هذا القول يعني أن إرادة القوة من حيث هي مبدأ تقدير جديد لا تقبل بأي هدف خارج عن الكينونة بأسرها، وبما أن كل كينونة من حيث هي إرادة قوة، ويعني ذلك من حيث هي طموح لا يكف عن التغلب على ذاته، يجب أن تكون صيرورة22متواصلة، وأن هذه الصيرورة لا تستطيع قط أن تتقدم نحو هدفها خارج ذاتها، فلا هي تتقدم للأمام، ولا بصورة جانبية، بل بالأحرى تقع باستمرار في دائرة زادت إرادة القوة، ولا ترجع إليها، إن الكينونة بأسرها من حيث هي صيرورة تقابل السلطان، يجب أن تعود دائمًا، وأن تحمل في ذاتها عنصرًا مماثلاً23، وهذا يعني حسب هايدغرفي تأويله النيتشوي أن الكينونة من حيث هي إرادة القوة هي في الوقت ذاته العودة الأبدية، وهذه الإرادة في صميمها إرادة المزيد من الحياة التي تصنع نفسها أو تبدعها حين تبدع القيم.

ينذرنا هايدغرمن بعد ذلك بأن نيتشه يستخدم الكلمة المبتذلة عن الصيرورة، ليست بمعناها المألوف من حيث هي حركة متصلة إلى الأمام نحو هدف مجهول، بل من حيث هي فوران مضطرب لغرائز حُررت على حين غرة، حيث تكتسب عمقًا مختلفًا، والظفر لا يعني عنده إلاّ ارتقاء السلطان الذي يعود إلى ذاته باستمرار، هكذا كل عنصر مثالي ومتسامي، وبالتالي تنحي الله من حيث هو تجسيد للمتسامي قادم من عالم آخر من عالم فوق حسي24، ذلك أنه مع موت الله وانخفاض الإيمان بالعالم فوق الحسي (فوق الأرضي) والعالم الآخر، إذ لا يبقى للإنسان إلاّ الأرض وحدها، فهو مهجور، ولابد له أن يواجه مطلب غير محدود وغير مشروع انطلاقا من ذاته وبفضل ذاته وبذاته ينبغي له أن يؤدي إلى نظام جديد25.

يرى هايدغرأنه لابد للكينونة بأكملها في حضورها ( الصيرورة)، ويؤيد من صميم قلبه محاولة نيتشه الرامية إلى إنشاء طبيعة الإنسان من جديد، وهي المحاولة المبتذلة لدى مراجعة جميع القيم حيال الكينونة من حيث هي إرادة القوة، وعودة أبدية لا للشيء نفسه، ونمط جديد للإنسان، يجب أن يصبح بعد موت الله مقياس الإنسانية ومركزها، ويستطيع أن يبلغ السيطرة غير المشروطة على العالم26، وأن العدمية الحازمة تتطلب تجاوز نمط الإنسان المعاصر، ذلك برفع الإنسان " فوق ذاته"، ويجب أن يكون إسنادها للإنسان المتفوق الذي هو النوع الأساسي لإرادة القوة النقية بصورة مطلقة على اعتبارها القيمة الوحيدة، والذي هو معنى وهدف الوجود الأوحد، ويعني الأرض، وعلى الرغم من هذا فإننا نجد هايدغريوجه انتقاده في ذلك لنيتشه بعبارته القائلة: "...لا أحد يستطيع أن يقفز فوق ظله"27، ولهذا كان هايدغريرى أن فلسفة نيتشه عمومًا هي الأخرى ميتافيزيقية، وهو الرأي نفسه في شأن موقفنيتشه من المسيحية، وفي مناهضته لها، إذ يظهر ذلك في جل مؤلفاته خاصة في مؤلفه (عدو أو نقيض المسيحية Anti-christ)، كما يؤكد أنها فلسفة لا تعبر إلاّ عن (الذاتية) التي تعود في أصولها إلى ديكارت28، وفي الفلسفة القديمة إلى بروتاغوراسProtagoras(480- 411ق.م)29، ومنه يكون " تاريخ الفلسفة الغربية من ديكارت إلى نيتشه يعبر عن تجل انطولوجي لميتافيزيقا الذاتية، ومن ثم للعدمية"30.

و يمكننا القول منذ الآن أن هايدغرلا يشخص الإنسان الأعلى المتفوق، بل يجنح إلى تفادي المفاهيم المبسطة التي تجعل منه بطلاً وحيدًا أو شخصية عظيمة، فهايدغريتبع في تعريفاته للإنسان المتفوق بكل دقة، الإنسان المتفوق بالنسبة له صورة جماعية منظمة، أو الإنسان الجماعي، وهو أولئك الذين يسودون ويأمرون ويصنعون القوانين31، يعني أولئك الذين يقررون القيم العليا، وينادي هايدغرنفسه هذه النخبة التي يريد أن تكون المشرعة لقيم جديدة، فالإنسان المتفوق كما يقول هايدغر هو" إنكار غير مشروط في الإرادة لماهية الإنسان كما مثلت حتى الوقت الراهن. فالإنسان يفهم، في حدود الميتافيزيقا، من حيث هو حيوان عاقل. وينكر الإنسان المتفوق، بالضبط، هذه الماهية للإنسان الذي يشكل العقل طابعه الحاسم لكن هذا الإنكار ميتافيزيائي البعد عند نيتشه: فالعقل يُقصى من حيث هو السبب والمقياس الرئيسي لإقامة القيم"32. وعلى غرار نيتشه يَعتبِر هايدغرالعدمية التي ينتج عنها الوجود حالة سيكولوجية، فالعدمية تظهر أولاً حين يظهر الشعور بقيمة لا تقدر العالم، وبصورة أدق البحث عن معنى لجميع الأشياء الحادثة، والوجود المشخص من حيث هو كائن، وهو كما يأخذ هايدغرعن نيتشه لا معنى له، والمعنى يمثل ما تصدق له القيمة أو الهدف، وهذه المفاهيم تولد من سيكولوجيا إرادية، فهي نمط من أنماط الإرادة ولا أكثر من ذلك33.

الإرادة الإنسانية بحاجة إلى هدف، ولا تستطيع الاستغناء عن الترجي في شيء ما، عن التفوق في شيء ما، وتفضل الترجي من عدمه، وذلك لا وجود للإرادة من حيث هي إرادة القوة أو إرادة الإرادة. وإرادة الإرادة هي (منزل هايدغرلإرادة القوة)، من حيث هي إرادة الإسباق في العالي ومعرفته لإصدار الأوامر، لذا فهي لا تخشى العدم بل تخشى عدم الإرادة، وهذا يعني فناء ماهيتها الخاصة، والخوف من فراغ الإرادة هو الحقيقة الأساسية "للإرادة الإنسانية". ومن هذه الحقيقة الأساسية تنشأ حقيقة أن الإرادة تفضل أن تكون إرادة العدم على انعدام الإرادة، ويتيح المعنى، والهدف إعطاء الإرادة إمكانية أن تكون إرادة، وعلى أي حال فلا وجود في طريقه للحياة، فالإرادة ذاتها أو كما صورها لنا نيتشه، في نظر هايدغرميتافيزيقية، لأنها تفضي حتمًا إلى نسيان الوجود وتذكر الموجود، كما يتضح لنا في هذا القول الذي يشيد من خلاله بإرادة الكائن الإنساني كموجود" لأن الفلسفة التي تستمد عناصرها ومقومات خطابها من الإشادة بالإنسان وبإرادته"34، لهذا كانت دعوة هايدغرصريحة لتجاوز الميتافيزيقا، والتي تعني عنده " ذلك الضرب من التساؤل الذي يتعدى الموجودات ويتجاوزها من أجل أن يسترجعها ويتذكرها في حقيقتها وفي كليتها، ورأى أن المصطلح التقليدي الذي يطلق على هذا الضرب من التساؤل المتجاوز هو مصطلح (العلو)"35، فالكائن هنا يجب أن يعلو لأنه يمثل تركيب الواقع الإنساني، فالآنية أو ( الدازاينDasein)36هي الكائن الذي يحقق فعل العلو، والعلو هو منبع كل حقيقة وجودية. وهذا يقتضي في نظر هايدغرالتضحية بالعالم، وبالإيمان، وبالإنسان ذاته بوصفه منتوجًا للفكر الميتافيزيقي. والدعوة لإلغاء الذات أو (موت الإنسان) الإنساني– الميتافيزيقي- تمثل عند هايدغرتبشيرًا ببزوغ فجر جديد وأصيل عن الإنسان، وهذا يذكرنا بتبشير نيتشه بميلاد الإنسان الأعلى Le Surhomme.

يواصل هايدغرعرض هذه الأطروحة معتبرًا نفسه مفسرًا وملزمًا بتصحيح نيتشه الذي يتصور العدمية من حيث هي حالة متوسطة، كما يرى أن التأكيد النيتشوي للوائح القيم الجديدة، لا يحطم إطار الفلسفة السابقة بل هو ميتافيزيقا لإرادة القوة، ذلك أن إرادة القوة هي ذات وموضوع الميتافيزيقا التي تسودها فكرة القيمة37.

التشاؤم في الشكل الأولي للعدمية هو ظاهرة لا يغض هايدغرالنظر عنها، فمثله كمثل سلفه من الفلاسفة، غير أنه حاول الخروج من هذا المأزق، بواسطة فعالية قصوى، إذ يقسم التشاؤم إلى نوعين؛ "تشاؤم الضعف"، و"تشاؤم القوة"، أما الأول يشاهد في كل مكان السقوط وقوى الوجود المظلمة، ويعرف مسبقًا متى وكيف يتم هذا السقوط، فالمتشائم من المرتبة العليا (الثاني) لا ينساق وراء الخطأ بل ينظر بشجاعة إلى الخطر الذي يهدد الكينونة، ويدفعه ذلك إلى معرفة الشروط التي تتيح فهم الأشياء ثم العمل على إجبار الأحداث على الرجوع ومنع المنعطف غير المنشود للتاريخ، وكان لهذا التقسيم معنى عند نيتشه عندما يسمح لنفسه بتشريع قيم القوة العدوانية للقضاء على التشاؤم من الشكل الأول من خلال مراجعة جميع القيم السائدة، غير أن هذا الأمل لم يتحقق عند نيتشه، بهذا نجد هايدغريحاول مواصلة السعي إلى تحقيق الذات الحقيقية، بغية تحقيق الكينونة الحقيقية أيضًا، فالحقيقة موجودة لأنني أكون أنا نفسي38على حد قوله، وهذا هو هدف نيتشه نفسه من قوله "كن أنت نفسك"، باعتبارها الصفة الجوهرية في الإنسان المتجاوز" الإنسان الذي لا يعوقه عائق، ولا يحد إراداته حد. إنسان القمم الشامخة والمرتفعات العالية"39.

يتجه هايدغر تجاه المسار الذي سار عليه نيتشه إذن، عندما يعدل الفكرة النيتشوية عن عدمية غير مكتملة، حيث يوظفها كسلاح في نضاله ضد الاشتراكية ونظرية الشيوعية العلمية باعتبارها عقيدة تحل مكان المثل الأعلى للتسوية الذي نادت به المسيحية حينما بشرت بالمساواة الشيوعية، وفي العدمية الكاملة فهي تسير نحو تعريف الحقيقة في ماهيتها من حيث هي شكل لإرادة القوة، وهي لا تتوقف عند إنكار الحياة التام بل بالعكس من ذلك، بيد أن هايدغر يقبل بالحدود القصوى والتي تتخذ توجهًا مناوئًا للشيوعية الماركسية ومناوئًا للإتحاد السوفيتي باعتباره قوة دولية حاسمة، في الوقت الذي كان فيه نيتشه يعتبر العدمية مرضًا عَامِلُه:" الحمى الراشحة لنزعة المساواة، هذه الحمى الراشحة التي تنمو بصورة كامنة في البيئة الدافئة والمجهزة لمحبة القريب المسيحية"40، فهايدغر لا يقترح شيئًا في تأويله للماركسية سوى إفقار مضمونها وتشوهه.

الإنسان المعاصر حسب هايدغر هو الإنسان الأخير، الإنسان الذي افتقد إلى إنسانيته ومركز ثقله، هو عدمية لم يتم تجاوزها بعد، ولذلك كان ولابد من أن يقفز فوق ذاته، هذا هو الإنسان الأعلى الذي يتصوره نيتشه بحيث يمتلك إرادة قوة تمكنه من بلوغ ذلك واصفًا إياه بالحيوان الكاسر الأشقر، إنسان ينبغي أن ينطلق من الطبيعة، من الأرض، من الجسد لا من العقل. وما يجتذب هايدغر في الإنسان المتفوق لنيتشه، المبدأ الميتافيزيقي لتجاوز الإنسان الحالي (العدمي) كما سبق ذكرنا لذلك، وفي ظل الأزمة الرأسمالية الراهنة يتصور الإنسان المتفوق من حيث هو أداة للسيطرة على العالم، سيطرة اقتصادية وسياسية، وهنا بدأ التفكير في إنشاء نظام عالمي جديد وحكومة عالمية.

         لكن السؤال الذي يثار هنا هل فلسفة مراجعة جميع القيم تتجاوز العدمية حقًا؟ يبدو أن نيتشه لم يتمكن من تجاوز العدمية بذلك، فعدميته ليست عاجزة فقط، بل هي لا تستطيع تجاوز العدمية إطلاقًا، لأن وسيلته للتجاوز تتمثل في إقامة قيم جديدة على أساس إرادة القوة، أما معنى التجاوز عند هايدغر هو أن يخضع المرء شيئًا ما لذاته، وتجاوز العدمية يكون بإخضاع الوجود ذاته للإنسان وسلطانه41.

إن الفكرة تستمر في العمل، وهي مركز الثقل الذي تفتقر إليه الإنسانية المعاصرة، حيث يتناول هايدغر إرادة القوة في شكلها المعدّل، وليس فيما يبدو من أجل قيمتها الأنطولوجية الأساسية، وفي هذا التأويل تبدو إرادة القوة الميتافيزيقية قبل كل شيء من حيث هي نمط للفعل، ومن حيث هي إرادة تزيد دوافعه، وهي أمر، إرادة تأمر، إرادة القوة التي تقول: (ليكن) وجودها وجوديًا، وليس غرض هذا الأمر شيء فوق حسي، متناهيًا، بل هو أرضنا، فإرادة القوة وسيلة للنضال ومن أجل السيطرة على الأرض، وهذا ما لا يفسر الميتافيزيائية لإرادة القوة بقدر ما يفسر أهميتها السياسية والصراعات الطبقية في أيامنا الراهنة، و نستطيع أن نجد البراهين الأكثر مباشرة أيضًا على هذا الموضوع، فهايدغر ينشئ أيضًا فارقًا نوعيًا بين إرادة القوة، وإرادة قوة الأنماط البشرية (من عروق وشعوب) وهي العليا، وإرادة قوة الناس الذين هم من مرتبة أدنى، أي أصحاب الطبقات المضطهدة، لكنه يتصرف بطريقة أكثر مرونة من سلفه، فيترك للطبقات الاجتماعية، إنه يفكر بوجه التقريب، إذا كان امرؤ في مرتبة، فالخادم لا يستطيع أن يحتل مكان سيده، فإنه يحتفظ من جهة واحدة بمنظور أن يكون سيدًا لامرئ آخر يجعله في خدمته ويرتفع فوقه، كما يستطيع من جهة ثانية أن يتغنى بقوله أن سيده لا يعدو كونه خادمًا لسيد آخر أرفع منه مكانة42.

يرى هيدجر بخصوص هذه المسألة أن" الطبقات الاجتماعية المختلفة ليست سوى درجات من نفس السلم التراتبي، إن إرادة القوة هي دائمًا الرغبة في أن يكون المرء سيدًا، و لا تنكر هذه الإرادة نظريًا على أي كان، فليس محظورًا على الخادم، وفقًا لهذا الحق الصوري، أن يتلخص (في إطار الترتيب القائم بالطبع) من وضعه المضطهد وأن يرتفع فوق إنسان أخر"43،والخادم هنا يتميز بصفة، في كونه يأمل دائمًا، كما يرغب في وجود امرئ دونه، بحيث يمكنه إصدار أومرًا إليه، فهو بدوره يرغب في الارتقاء إلى وجود السيد- إلى سيد-، وهذا الوجود على درجات، وهو عبارة أيضًا عن انعكاس سياسي للبنية التراتبية للمجتمع الإقطاعي. 

3-                        الفن واللغة من نيتشه إلى هيدجر

أما إذا عدنا إلى الفن عند نيتشه فإنه يمثل مشروعًا بديلاً للحس الديني، فالأمر كذلك بالنسبة لهايدغر، يبدو ذلك جليًا من خلال محاضرة ألقاها هذا الأخير عن (أصل العمل الفني) في عام 1936م، إنه يتجه نحو فلسفة ذات الهام نيتشوي، تبحث عن الاندماج في قلب الأرض، ومنه فإن الفكر والشعر (أو الفن) مدعوان لمجاوزة الميتافيزيقا التي عرفت اكتمالها، وبالأحرى نهايتها مع نيتشه وبات مطروحا سلوك طريق آخر لتصور العالم غير طريق الميتافيزيقا، وخاصة ميتافيزيقا الذاتية التي تأسست على يد ديكارت كما أسلفنا، وبما أن الميتافيزيقا قادتنا إلى نسيان الكينونة فلعل الفن يعيدنا إلى مسكن الوجود، ويجدر التوضيح هنا أن هايدغريستعمل كلمة (شعر44) بالمعنى الواسع للدلالة على الفن، إذ يقول" الفن كله بوصفه ترك حدوث حقيقة الموجود على هذا النحو هو جوهر الشعر... إن ما يعرضه الشعر هو المنفتح"45، فالشعر لا يختص به الشعراء وحدهم، وكل فنان حقًا هو بالضرورة شاعر.، يقول هايدغر في محاضرته (أصل العمل الفني)" إذا كان الفن في جوهره شعرًا، فيجب ان ينسب فن العمارة وفن التصوير وفن الموسيقى إلى فن الشعرن (...)، الشعر طريقة من طرق تصميم الحقيقة المنير، أي الشعر بهذا المعنى الواسع"46، فما الفن عند هايدغر؟، وما الذي يمنحه هذه القدرة على تجاوز الميتافيزيقا وتلافي نسيان الكينونة؟

الفن انكشاف لحقيقة الكينونة، وترك  وتحويل الاختفاء إلى تحجب، إن ماهية الفن هي ما يجعل الكينونة تظهر، والحقيقة تلمع وتسطع، يقول هايدغر" إن المعنى الأساسي للفن هو وظيفته الكاشفة، فهو يكشف الوجود بإضفاء شكل على ما ندركه"47، لكن إذا كانت ماهية الفن هي ترك الكينونة تكون، والحقيقة تسطع، فهذا لا يعني قطعا مطابقة الواقع ومحاكاته، ولا ينبغي البحث عن حقيقة الفن خارج الفن، أي في الواقع. إن حقيقة الفن ترقد داخله، أي داخل حضوره وانفتاحه، الفن إذن هو انبجاس (Emergence) وظهور (Apparition) لعالم هو عالمه، ولحقيقة هي حقيقته.

فالفن هو راعي الوجود وحارسه، أما الفنان لا يعمل سوى على المنح والعطاءمما يدخره الوجود، والامتثال لما يمليه عليه نداؤه، وينزع منه ما يقدر عليه بواسطة هذا الخط ما بين العالم والأرض، الفن توتر ما بين هذين القطبين، والفنان لا يبدع شيئا من عنده، بل يجد اللغة المناسبة لنداء الوجود، ومن ثم كانت اللغة الأصلية ذاتها شعرا، والشعر بمعناه الواسع فنا، فما يكشفه الفن لا يمكن أن يكون موضوع تمثل (Re-presentation)،فلا دخل للحساب والذاتية في الفن، إن ما يكشفه هو من إملاء الوجود ووحيه.

          فلنعد إلى الفن باعتباره توترا ما بين العالم والأرض، العالم باعتباره انبجاسا وانفراجا، بينما الأرض عَتَمة وظُلمة، الأرض تمثل الأم الخصبة والمصدر البدائي والأساس الأولي لكل شيء، العالم ظهور والأرض انسحاب، يستعمل هايدغرالأرض بمعنى الأساس بما هي مسكن يستقر فيه شعب تاريخي أصيل" وعلى الأرض وفيها يؤسس الإنسان التاريخي سكناه في العالم"48، الفن توتر ما بينهما، وهو مطالب بتقريب العالم من الأرض، والظهور من الاختفاء، والمجيء من الانسحاب. مهمة الفن تأسيس الوجود، ومن خلال إقامة عالم على أرض هي منبع كل الإمكانات ودعوتها لأن تصير مستقرا ومسكنا للإنسان. ولا يقصد هايدغربالأرض الطبيعة، مادامت هذه الأخيرة خاضعة للحسابية والموضعة التقنية والعلمية منذ العصور الحديثة، حيث تم إفراغها من أسرارها، وصارت مجالا لسيادة الإنسان الحديث، فالطبيعة قد أفشت كل أسرارها، أما الأرض فهي لا تظهر إلا لتنسحب من جديد، إنها اللا انكشاف الذي يستعصي بطبيعته على كل انكشاف. يُوَفَقُ الفن فيما أخفقت فيه الميتافيزيقا ألا وهو تأسيس للكينونة وإصاخة السمع لندائها بواسطة تسميتها، فقوة التسمية تتعدى كونها مجرد إعطاء أسماء للأشياء، إنها ترك للكينونة تكون، فالأشياء المسماة مدعوة للانكشاف في الكينونة، التسمية دعوة ونداء للأشياء كي تكون، إنها تأسيس للأشياء في الوجود. وهذا ما يعطي للغة أهمية بالغة، فمهمتها من أخطر المهام.

سيعمل هايدغر من خلال إعادة قراءته لماهية اللغة على تجاوز البعد المنطقي والميتافيزيقي لهذه الماهية، وستُفقد بالتالي الفكر والوجود كل دلالة ميتافيزيقية ارتبطت به عبر مسارهما التاريخي منذ أفلاطون مرورًا بديكارت وكانط وصولاً إلى هيغل، وإلى إعادة بعث ماهية اللغة الأصلية كما فهمها فلاسفة الإغريق الأوائل، لغة لا يتكلمها الإنسان سوى كمستجيب لها بمعنى كمستمع،" فعل الاستماع هو في ذاته فعل الإبصار، وإبصار الكل بنظرة واحدة، وسمعه بكامله، هما نفس الفعل"49، وفي هذا فقط يتسنى للأشياء حضورها في معناها المنكشف الأصيل، اللغة، إذن تبعًا لهذا المعنى هي الوسط الذي يحدث فيه ومن خلاله الكشف الأنطولوجي، وهذا ما عبر عنه غادامير أيضًا في هذا القول" الوجود الوحيد الذي يمكن فهمه هو اللغة"50، ومعنى ذلك أن ما يؤسس لماهية اللغة، لا يرتبط فقط باعتبار اللغة وسيلة للفهم أو بوصفها أداة قادرة على نقل تجارب الإنسان وقراراته وعواطفه. فاللغة ليست وسيلة فقط يملكها الإنسان كما يملك وسائل وأدوات أخرى، معنى النقد عند هايدغر أوسع من ذلك بكثير، إن اللغة يؤكد هايدغر، هي أولاً وقبل كل شيء ما يضمن إمكانية أن يوجد الإنسان في انفتاح الموجود" هناك حيث توجد اللغة، يوجد العالم، وهناك حيث يوجد عالم يوجد تاريخ"51، فاللغة نعمة بمعنى أشد أصالة، إنها نعمة وضمان لهذا العالم وهذا التاريخ، بمعنى أنها تضمن أن يكون في استطاعة الإنسان الوجود بوصفه كائنا تاريخيا.

يتحقق انفتاح الوجود في اللغة، ونحن كما يرى ذلك هايدغر في أمس الحاجة إلى التأمل في ماهية اللغة للاتصال بما يمكن الإنصات إليه، إن مسألة التفكير في اللغة هي مسألة إنصات، وليست مسألة بحث في قواعدها وأصولها، أو اعتبارها أداة بيد الإنسان" الكلام يتكلم La parole parleبوصفه استجماعًا للذات حيث يقرع الصمت، ... إن الإنسان يتكلم بمقدار ما يجيب عن الكلام، والإجابة هي الإصغاء، ويكون إصغاء حيث يكون انتماء إلى إيعاز الصمت"52، المتكلم إذن مطالب بسماع ما لا يُسمع، بحيث يكون هنا غير المسموع مسموعٌ.

إن اللغة هي مسكن الوجود، وهناك يكمن جلالها وخطورتها، إنها حسب هايدغر أخطر النعم، وما دامت كذلك، فهي أكثر من مجرد أداة ووسيلة للتواصل، إنها كشف وانكشاف، يقول هايدغر في محاضرته (الشعر مسكن الإنسان)" والإنسان يتصرف كما لو أنه خالق Créateurاللغة وسيدها Le Maitre، في حين أنها هي سيدته وستظل كذلك ...، وعندما تنقلب علاقة السيادة هذه فإن دسائس غريبة تخطر ببال الإنسان، وتتحول اللغة إلى وسيلة للتعبير، وبهذه الصفة قد تغدو مجرد وسيلة للضغط Pression،... فاللغة في واقع الأمر هي التي تتحدث، أما الإنسان فإنه يتكلم فقط كي يجيب اللغة فيما هو ينصت إلى ما تقوله له. ومن بين كل النداءات التي نساهم-نحن معشر البشر-في إنطاقها يعتبر نداء اللغة أرقاها وأولاها...، فاللغة تومئ لنا وهي أول وأخر من يزودنا بكينونة الشيء L’être d’une chose...، والتوازن الذي يصغي به الإنسان صادقًا إلى نداء اللغة إنما ينبع من القول الناطق في مادة الشعر، فكلما ازدادت أعمال الشاعر شاعرية Poétiqueازداد قوله تحررًا، وانفتاحًا على ما ليس في الحسبان L’imprévu"53.فالوجود ينكشف في اللغة، بقدر ما تكون اللغة أخطر النعم فإنها معرضة أكثر من غيرها للتخريب، وبالفعل فقد تحولت بفعل هيمنة الذاتية إلى أداة للسيطرة على الموجود، إن اللغة تسلم نفسها لإرادتنا المحضة وإلى نشاطنا كأداة للسيطرة على الموجود، يشير هايدغر إلىأن انحطاط اللغة، الذي يتكلم عنه منذ زمن قريب، وبشكل متأخر، ليس سببا، وإنما هو نتيجة لصيرورة تخلت اللغة بموجبها وتحت هيمنة الميتافيزيقا الحديثة عن ذاتها، لا زالت اللغة تخفي ماهيتها عنها باعتبارها مسكن الوجود. إذن حتى تنهض اللغة بمهمتها من جديد وكما كانت لدى الفلاسفة ما قبل السقراطيين، يجب تنقيتها مما علق بها من شوائب الأداتية، ومصدر هذه النزعة الأداتية يعود بالأساس إلى هيمنة ميتافيزيقا الذاتية، والشعر هو الكفيل برد الاعتبار للغة كمسكن للوجود، فما هي وظيفة الشعر عند هايدغر؟

يجيبهايدغر قائلاً؛" الشعر ليس مجرد تفكير اعتباطي شارد ولا هو مجرد حومان التصور والتخيل حول ما هو غير واقعي"54، بما أنه يُظهر هذه القدرة الأصلية على التسمية، وهي قدرة اللغة في ماهيتها، وليست قدرة الشاعر، فكل شعر عظيم يحمل للغة ما يبقى مختفيا في اللغة العادية، التي تختزل في وظيفتها كأداة للتواصل، أي الماهية الكاشفة للغة، فالشعر يعبر عن ماهيته في نفس الوقت الذي يعبر عن ماهيته كقصيدة أصلية، كقصيدة صامتة لظهور الوجود، إن الشعر يعيد للغة قدرتها على تسمية الأشياء، ودعوتها لأن توجد، فاللغة بفضل الشعر تستعيد قوتها على تأسيس الوجود، وما اللغة سوى القصيدة البدائية لشعب تاريخي أصيل، فهذه القصيدة الأصلية تعتبر منبع الشعر.

وهنا نجد هايدغر يميز ويفرق بين القصيدة (Poème) والشعر (Poésie) فالقصيدة هي اللغة البدائية، والشعر يأتي بعد القصيدة ويعيد قولها، ولولا الشعر لما كانت قصيدة وما كانت لغة أصلية. إن اللغة حسب هايدغر شعرنة للوجود (Poématisation) ولا يمكن للإنسان أن يحيا على الأرض إلا شعريا، إن الشعر تأسيس للوجود، والفنانون والشعراء رعاته وحماته، وبفضل الشعر تتحول اللغة من امتلاك الموجود إلى انكشاف الوجود، فالشعر لا يؤسس الوجود فحسب، بل يؤسس التاريخ أيضا، فالشعر في آخر المطاف سوى الأرض كمسكن ومستقر.

الشعر نفسه لغة، لكن ليست اللغة كما تُنقل لنا من خلال علم اللسانيات، أو درس فلسفة اللغة، والمنطق، ليست اللغة مادة للشعر، وهي ليست فقط مجموعة من العلامات تؤدي وظيفة التواصل، يقول جون بوفريه" ليست اللغة نسق من الدلائل والعلامات، هي علاقة بالعالم، ولا تتم هذه العلاقة من خلال توسط عالم لساني بيننا وبين عالم الموجودات كما يراها هومبولت، بل من خلال انفتاح العالم على ذاته"55، وإنما يجب النظر إليها باعتبارها قوة إظهاري، قوة دافعة لكل انبثاق وانفتاح، إنها الحامل لإمكان الوجود الإنساني والتفكير في الوجود طريقة أصلية للشعر، أو هو الشعر الأصلي الذي يسبق الشعر وسائر أنواع الفنون، ما دامت كل الفنون تترك في إطار (لغة الوجود).

نفهم مما سبق أن الفن في أرقى صوره شعر" جوهر الفن هو الشعر"56، وبما أن الفن حسب تعريف هايدغر هو تهيؤ لانكشاف الحقيقة، فإنها لا تنكشف سوى بتكثيفها وهذا هو معنى الفعل، والمهمة العليا والأساسية للفن الشعري تتمثل في صياغة الحقيقة شعريا أو بعبارة أخرى شعرنتها، فالحقيقة تكشف نفسها شعريا مما يجعلها قصيدة (Poème)، أو لنقل مكثفة في قصيدة، واللغة بالذات هي القصيدة الأصل، يأتي الشعر تاليا لها ليعيد ما تقوله.

إن تكثيف الحقيقة في قصيدة، ثم إظهارها في الشعر تاليا، يجعلها قابلة للظهور في فسحة الانفراج والإضاءة، وهو معنى قول هايدغر إن الشعر تأسيس للوجود، وتركه يوجد، إنه حماية ورعاية له.

إذا كانت الأرض أساس الفن ومسكنه ومستقره الأصلي، فهي ليست شيئا آخر سوى اللغة باعتبارها مسكن الوجود، اللغة مسكن الوجود وفي أحضانها يسكن الإنسان على حد تعبير هايدغر، حيث يحاول الفن أو الشعر تأسيس عالم هو بمثابة إضاءة على أرض هي اللغة البدائية، ومحاولة صياغتها وحملها على الظهور رغم استعصائها وتمنعها وانسحابها الدائم، وذلك في حيز إضاءة ولمعان.

هناك لغة بدئية تتجسد في القصيدة، وهي موجودة قبل الفن أو الشعر، الذي يعيد قول القصيدة-الأصل وصياغتها شعريا. وبذلك يكون الفن تأسيسا للوجود من خلال شعرنته، الفن استلهام للقصيدة الأصل، والفنان لا يبدع شيئا، إذ تحيل مقولة الإبداع على الذاتية. وهذا ما يروم هايدغر نقده جذريًا. الإبداع في نظر هايدغر مقولة ضاربة في تربة انطولوجية، ويحيل رأسا إلى العقيدة التوراتية، إذ يقول هايدغر"تبعا للقصيدة التوراتية فإن مجموع الموجودات شيء مخلوق، ونقصد بذلك شيء مصنوع"57، الفنان لا يبدع شيئا، بل يمتح من الوجود، ويصيخ له السمع وينتشله من النسيان، ويتركه يوجد، ويدعوه للظهور. وفي عمله ذلك، يحاول أن ينتزع منه أثرا بضربة خط، ينقل هايدغر عن دورير(Durer)  قوله:" في الحقيقة، إن الفن يختفي في الطبيعة زمن يستطيع انتزاعه منها بضربة خط يملكه"58، يقول هايدغر في مكان آخر" الأثر الفني بدون أدنى شك يصير فعليا ويأتي للوجود بواسطة حركة الرسم والكتابة هو انفتاح الحقيقة ذاتها كدائرة أوسع تحتوي سلفا الأثر الفني والفنان معا"59، ويضيف" أن من يخط الدائرة الأوسع ليس الفنان وإنما الحقيقة ذاتــــــها في  انكشافها"60، وحتى إن سلمنا بمقولة الإبداع، فليس الفنان هو المبدع، بل الحقيقة هي المبدعة، وتبدع أثناء انكشافها، و" الحقيقة كهدية من جانب الوجود لا كثمرة لبحث الإنسان"61، الحقيقة تقيم نفسها في العمل، والحقيقة لا توجد إلاّ بوصفها صراعًا بين الفجوة الضوئية والخفاء في التناقض بين العالم و الأرض62.

حقا إن الأشكال الفنية تتوقف على الفنان لإخراجها في شكل عمل أو أثر فني، وتجد إرهاصاتها ومقدماتها في الحقيقة التي تظهر وتختفي، فالحقيقة تؤسس الفن، والفن يستجيب لندائها. الحقيقة عهدة في يد الفنان، والفنان مرتهن لها، توجد علاقة تأسيس متبادل، والفنان لا يعمل سوى على النظم والتركيب لما هو قابل للنظم والتركيب.

إن هذا كله يرجع بنا إلى الحديث عن فكرة الله، إذ علينا أن نفكر في الله ابتداءً من الوجود على حد قول هايدغر، فالوجود ليس هو الله، كما أن اللغة لا يمكنها التعبير بطريقة ثبوتية عن وجود الله، وعمن هو الله، واللاهوت حينما حاول الدفاع عن الله أدى ذلك إلى ظهور إله الفلاسفة الذي اعتبر من أفلاطون إلى نيتشه قيمة مطلقة63، لكن بتعبير هايدغر الاقتراب من الله الحقيقي لابد من مساءلة الكينونة، وتلك هي مهمة الفكر واللاهوت أيضًا.

لهذا كان هجوم نيتشه على الله في نظر هايدغر هو هجوم على الإله الأخلاقي الذي تصورته المسيحية، والإله باعتباره قيمة ليس إلهاً في الحقيقة، ومنه الله لم يمت كما أعلن ذلك نيتشه في كتابه (هكذا تكلم زارادشت)، لهذا كان يرفض هايدغر أن يكون الله موجودًا من الموجودات، أو علة أو شخصًا، والكينونة هي ما تحتاج إليه الآلهة.

تلك الفكرة عن الإله جعلت هايدغر يرفض أن توصف فلسفته بالإلحاد، وقد صرح أن فكره عمومًا يهيئ بُعد القداسة الذي يجب أن يسبق كل حديث عن الله أو الدين، ولقد حرص دومًا البعد عن الدين، إلاّ أنه لم يغلق باب الحوار بينه وبين رجال اللاهوت المسيحي.

خاتمة

القارئ لمؤلفات نيتشه يدرك مدى قوة المطرقة التي كان يحملها، وما كان يستهدفه مشروعه الفلسفي الثوري، محاولاً هدم كل الأطر التي بُنيت عليها الحداثة الغربية سيما الفكر الميتافيزيقي الذي بدأت تظهر معالمه بشكل أوضح خاصة مع المثالية الأفلاطونية ممتداً عبر تاريخ الفلسفة إلى غاية زمن نيتشه وبعده، لقد كانت فلسفة هذا الأخير جريئة بانتقاداتها وبكشف عرى الثقافة الغربية السائدة.

لقد كان موقف نيتشه من الميتافيزيقا ومن مفاهيمها يحمل في طياته جانبين نقديين؛ أحدهما فلسفي، والآخر لغوي، أما الجانب الأول ينتقد من خلاله الفلاسفة الذين أعطوا تلك المفاهيم الميتافيزيقية قدرًا غير محدودٍ من القداسة، أما الجانب الثاني أو اللغوي؛ فإن اللغة لا تؤمن بالثبات وإنما تخلق مصطلحات ومفاهيم جديدة، فهي في صيرورة دائمة. نيتشه ناهض الفلسفة التي أقامت مركزية الإله والعقل، وأسس لمركزية جديدة هي مركزية الإنسان الأرقى. لقد أطلق جناحي هذا الإنسان كي يحيا أكبر مخاطرة ميتافيزيقية، اعتقاداً منه أن ذلك أساس لتجاوز كل ما هو ميتافيزيقي، تبشيراً منه لميلاد عصر جديد عصر الإنسان المقتدر، عصر تنتفي فيه الثنائيات الأفلاطونية، ليأتي هايدغر بوصفه لأستاذه على أنه أخر الميتافيزيقيين، فأصبح حال نيتشه أمامه كحال كانط بمشروعه النقدي أمام نيتشه نفسه، ففي نظر نيتشه أن نقدية كانط نقدية وهمية كرست أكثر للقيم والمبادئ الفكرية السائدة بدل نقدها نقدا حقيقيًا، وكذا تغييرها بأخرى.

عمل هايدغر على إحداث ثورة مضادة، رغم أنه يبدو مما سبق أنه تجرع من نفس الكأس التي شرب منها نيتشه، مبديًا تأثره الواضح بنمط الفكر النقدي النيتشوي الذي زعزع كيان الفكر الغربي، ففي نظر هايدغر أن العدمية ما هي إلا حالة سيكولوجية، وإرادة القوة في حد ذاتها ميتافيزيقية، لأنها ترتبط بذات الإنسان الذي بشر به نيتشه، لهذا نجد هايدغر بدوره يُبشر بموت الإنسان وذلك بالعودة لإلغاء الذات، فنيتشه لم يتجاوز الميتافيزيقا على حد زعمه بقدر ما أسس لميتافيزيقا الذات الإنسانية، ميتافيزيقا جديدة مغايرة للتي سبقتها.

ثم أعطى هايدغر الفن (القصيدة والشعر)، كما فعل نيتشه قبله أهمية كبيرة كحس جمالي بديل، فالفن عنده انكشاف لحقيقة الكينونة، والفن وظيفته تحقيق ما أخفقت الميتافيزيقا في تحقيقه، ألا وهو تأسيس للكينونة، أي ترك الكينونة تكون، وهنا يتدخل عنصر أخر لا يقل أهمية عن الفن، بل مهمته أخطر ألا وهو اللغة، فمهمة هذه الأخيرة ليست التواصل بين البشر فقط، فهي ليست مجرد أداة، بل هي مسكن الوجود، فهي حسب هايدغر أخطر النعم، لأنها قد ترضخ لهيمنة الذات والميتافيزيقا، فتفقد قيمتها وأهميتها، لذا يجب أن ترتبط أكثر بالشعر، لأنه يعيد للغة قدرتها على تسمية الأشياء، هنا نلاحظ أهمية وقوة هذه العناصر في تداخلها.

رُب مهمة تاريخية تبدو من العمق والشمولية والطرافة؛ بحيث لن نجد مفكرًا من القرن العشرين قام بها على نحو طريف ومتفرد كالذي فعله هايدغر، إن تخطي الميتافيزيقا؛ والميتافيزيقا الحديثة خاصة؛ يقتضي مفهومًا طريفًا عنها، فهي ليست مبحثًا فلسفيًا، أو مفهومًا معقدًا، أو حتى جانبًا معزولاً من الحياة الإنسانية، إنها القدر التاريخي للغرب من أفلاطون إلى نيتشهوهسرل.

الميتافيزيقا عنده هي الطريقة التي فكر بها الوجود ككل من أفلاطون إلى نيتشه، إنها المنعرج أو الدرب الذي أخذه الفكر من أفلاطون ليصبح بذلك مصير الغرب بأسره، فكان نقد هايدغر لها محايثًا عبر مساءلة نصوصها ومفاهيمها مساءلة فينومينولوجية تأويلية قصد استنفاذ كل إمكانياتها الفلسفية وحتى يعدم إمكانية ظهروها مرة أخرى، فالميتافيزيقا لا يمكن رفضها مباشرة لأنها تستمد ضماناتها من سؤالها، ويقينها من شكها، فالفكر الذي ينكر ويُسائَل يجب عليه أن يقدم تفسيرًا مفصلاً لهويته وماهيته الخاصة.

في الأخير يُرجع هايدغر عدم قدرة نيتشه على تجاوز الميتافيزيقا لهيمنة مفهوم القيمة على فلسفته، باعتباره مفهوماً يشكل عائقًا، يحول دون استعادة الوجود الضائع والمنسي، قد يكون الأمر كذلك حسب هايدغر، لكن في نظر غيره من الفلاسفة المعاصرين أمثال ميشال فوكو وجيل دولوز، فهم يرون عكس ذلك، إن مشكلة القيمة مكنت نيتشه من مضايقة وخنق ما يعتبر حقيقة ميتافيزيقية، فمنظور نيتشه للقيمة مكنه من فتح فلسفة جديدة، وتأسيس انطولوجيا وضعته خارج نطاق الميتافيزيقا، كما تمكن من الانفلات من قبضتها


الهوامش

1.هايدغر مارتن Heidegger Martin(1889- 1978م):فيلسوف ألماني، شغلته كثيرًا مشكلة الوجود. فكان من مؤسسي المذهب الوجودي من حيث هو بحث في علاقة الوجود بالإنسان وعلاقة الإنسان بالوجود. من كتبه " كانط وشكلة الميتافيزيقا"، و" المدخل إلى الميتافيزيقا"، و" مبدأ السبب"، و" الوجود والزمان"، و" ماهية الحقيقة".

2.هسرل إيدموند Husserl Edmund(1859- 1938م):فيلسوف ألماني، جعل الظواهر موضوع الفلسفة التي عدها علمًا وصفيًا، ولذلك يُعتبر مؤسس (علم الظواهر) الذي يصف عمليات الفكر للوقوف على الماهيات في العلاقات المنطقية. من أهم كتبه " أبحاث منطقية"، و" الفلسفة كعلم دقيق"، و" أسس علم الظواهر"، و" المنطق الصوري المتعالي"، و" التجربة والحكم"، و" تأملات ديكارتية".

3.فؤاد كامل،أعلام الفكر الفلسفي المعاصر،ط1، دار الجيل، بيروت، 1993م، ص: 196.

4.نيتشه فريدريك فيلهايم Nietzche Friedrich Wilhelm(1844- 1900م):فيلسوف ألماني، مجد الحياة ودعا إلى الأخذ بأسباب القوة فيها. مما جعله ينبذ الأخلاق المسيحية لأنها تزهد في الحياة. من بين اهم كتبه " هكذا تكلم زاراداشت"، و" إرادة القوة"، و" ما وراء الخير والشر"، و" أصل المأساة"، و" العلم المرح"، و" ضد المسيح".

5.Michel Haar, Heidegger : Une lecture ambivalente, Magazine littéraire ; Nietzsche, Paris, (Hors- série) N° 03, 4éme Trimestre 2001. P.76.

6.الميتافيزيقا= ما بعد الطبيعة Métaphysique: كلمة ميتافيزيقا هي تعريب لكلمة يونانية (تامتاتافوسيكا) ومعناها ما بعد الطبيعة. عند أرسطو هي (الفلسفة الأولى أو الإلهيات)، الفارابي كان السباق لاستعمال عبارة ما بعد الطبيعة في كلمة واحدة إلى فرع من الحكمة، في تعريف أخر؛ عند عامة الناس هي البحث في الأمور التي لا تدرك بالحواس، أو هي العلم بمبادئ الوجود وطبيعته من حيث هو وجود وبمبادئ المعرفة وطبيعتها من حيث هي معرفة. هي أيضًا العلم بالحقائق الثابتة في الأشياء في مقابل مظاهرها المتغيرة، وهي البحث المجرد الذي يعتمد التفسير اللفظي ويتصور الوجود من خلال الصورة اللفظية التي يضعه فيها.  (أنظر: عبد الرحمن بدوي،موسوعة الفلسفة، ج2، ط1، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، لبنان، 1984م، ص:493).

7.نقلاً عن:لورانس جين، كيتي شين، أقدم لك: نيتشه، تر: إمام عبد الفتاح إمام، (د.ط)، المجلس الأعلى للثقافة، القاهرة، 2004م، ص: 162.

8.فريدريك نيتشه، العلم المرح، ترجمة وتقديم: حسن بورقبة ومحمد الناجي، ط1، أفريقيا الشرق-المغرب، 1993م، الشذرة 151(عن أصل الدين)، ص:142.

9.فريدريك نيتشه، إنسان مفرط في إنسانيته (كتاب العقول الحرة 1)، تر: محمد الناجي، (د.ط)، أفريقيا الشرق-المغرب، 1998م، الشذرة 222(ما تبقى من الفن)، ص:124.

10.أودويفستيبان، على دروب زرادشت، تر: فؤاد أيوب، ط1، دار دمشق لبنان، 1983م، ص: 343.

11.عبد العزيز بومسهولي، عبد الصمد الكباص، حسن أوزال، أقوال الحقيقة، (د.ط)، إفريقيا الشرق، المغرب، 2004م، ص: 74.

12.أودويفستيبان، المرجع نفسه، ص: 344.

13.عبد العزيز بومسهولي، عبد الصمد الكباص، حسن أوزال، المرجع نفسه، ص: 85.

14.النزعة الربوبية Déisme: كلمة الربوبية هي تعريب للكلمة الإنجليزية Deism، والمشتقة من الكلمة اللاتينية Deus، الربوبية ديانة وفلسفة، تؤمن بوجود خالق عظيم، خلق الكون، وبأن هذه الحقيقة يمكن الوصول إليها باستخدام العقل، ومراقبة العالم الطبيعي وحده دون الحاجة إلى أي دين، ومعظم الربوبيون يرفضون فكرة التدخل الإلهي في الشؤون الإنسانية كالمعجزات والوحي، وهي نزعة تختلف في إيمانها عن الديانات السماوية الثلاث (اليهودية، المسيحية، الإسلام)، وباقي الديانات الأخرى التي تستند إلى المعجزات والوحي، حيث يرفض الربوبيون فكرة أن الإله كشف نفسه للإنسانية عن طريق كتب مقدسة، ويرى هؤلاء أنه لابد من وجود خالق للكون والإنسان، فهم يختلفون بذلك عن الملاحدة، أو اللاربوبيين بل يتفقون معهم في اللادينية. لقد برزت هذه النزعة خلال عصر التنوير أي بين القرنين السابع عشر والثامن عشر الميلاديين. (أنظر: -André Lalande,Vocabulaire technique et critique de la philosophie, volume I : A-M, 2eédition, Quadrige/ Presses Universitaires de France, Paris, 1992. p.213.)

15.– أودويفستيبان، المرجع نفسه، ص: 345.

16.Martin Heidegger،Nietzsche،Trad. Par Pierre Klossowski. N.R.F Edition Gallimard,Paris, p. 72.

17.يحي هويدي، دراسات في الفلسفة الحديثة والمعاصرة،(د. ط)، دار الاتحاد العربي للطباعة، القاهرة، مصر، 1968م، ص: 458.

18.عبد العزيز بومسهولي، عبد الصمد الكباص، حسن أوزال، المرجع السابق، ص: 76.

19.يحي هويدي، دراسات في الفلسفة الحديثة والمعاصرة، المرجع نفسه، ص: 459.

20.أودويفستيبان، على دروب زرادشت، المرجع السابق، ص: 345.

21.صفاء عبد السلام علي جعفر،الوجود الحقيقي عند هيدجر، ط1، منشأة المعارف، الإسكندرية، 2000م،ص: 87.

22.الصيرورة Devenir: هي تغير أو انتقال الكائن من حال إلى أخر، وهي تقابل الوجود الثابت (أنظر: André Lalande, Vocabulaire technique et critique de la philosophie,op.cit. p. 224).                                                            

23.أودويفستيبان، المرجع السابق، ص: 346.

24.المرجع نفسه، ص: 347.

25.فريدة غيوة حيرش،تأملات في القضايا الإنسانية المعاصرة والراهنة، (د، ط)، منشورات جامعة منتوري، قسنطينة، 2003/2004م، ص78.

26.أودويفستيبان، المرجع نفسه، ص: 348.

27.– Martin Heidegger.Introduction à la métaphysique, Gallimard, Paris, 1967, p. 202.

28.- ديكارت روني Descartes René(1596- 1650م):ولد في لاهي بفرنسا وتوفي في ستوكهولم بالسويد، من كبار الفلاسفة الفرنسيين، عمل على تخليص الفلسفة من سلطة رجال الدين والسياسة، والتفكير من سلطة المنطق الأرسطي والمدرسي، اشتهر بمنهجه المعرفي الجديد وبتوسعه في دليل الكمال على وجود الله الذي رتبه القديس أنسلم. من مؤلفاته" مقالة الطريقة"، و" قواعد لقيادة الفكر"، و" التأملات"، و" مبادئ الفلسفة"، و" طلب الحقيقة بالهداية الطبيعية".

29.ب روتاغوراسProtagoras(480- 411ق.م):فيلسوف يوناني، يعد أول السفسطائيين وزعيمهم. اتهم بالمروق عن نحلة مجتمعه وأرهق دمه. فهرب ومات غرقًا أثناء هروبه. تنسب إليه القولة الشهيرة: " الإنسان مقياس كل شيء"، وقد حملت اسمه إحدى محاورات أفلاطون.

30.صفاء عبد السلام علي جعفر،محاولة جديدة لقراءة فريدريش نيتشه، المرجع السابق، ص: 257، 258.

31.المرجع نفسه، ص: 349، 350.

32.المرجع نفسه، ص: 360.

33.عبد العزيز بومسهولي، عبد الصمد الكباص، حسن أوزال، المرجع السابق، ص: 78.

34.عبد الرزاق الدواي، موت الإنسان في الخطاب الفلسفي المعاصر (هيدجر، لفي ستراوس، ميشيل فوكو)، ط1، دار الطليعة للطباعة والنشر، بيروت، 1992م، ص: 58.

35.صفاء عبد السلام علي جعفر، المرجع السابق، ص: 121.

36.- الدازاينDasein: تعبير ألماني يعني حرفيًا ( الوجود هناك) وقد استخدمه هايدغر للتعبير عن الوجود الإنساني المتعين، وهو وجود مدمج في علاقة وجدانية بالأشخاص والأشياء المحيطة، أي (بعالم المرء)، ومن هنا يطلق عليه هايدغر (الوجود-في-العالم)، لتوكيد الوحدة التامة بين الإنسان والعالم، وانتفاء الفصل الديكارتي بين الذات والموضوع، بين عالم داخلي مكتف بذاته وعالم خارجي منفصل، ذلك الفصل الذي لم يورث الميتافيزيقا غير مشاكل كبرى تتعلق بتفسير العلاقة الواضحة بين هذين الكيانين المنفصلين، ويمكن أن نشير في هذا المجال إلى وجود اختلافات كبيرة في فهم مصطلح  Daseinوعلاقته بمفهوم الإنسان بين شراح هايدغر، فما يفهمه (غادامير) و(ريكور)، و(دريدا)، و(ليفيناس)..، يخضع للسياق الخاص الذي انتهجه كل واحد منهم، وقد سبق لمارتن هايدغر أن أشار في محاضرته (مبدأ العلة) إلى صعوبة فهم هذا المصطلح حين يقول" وقد سبق أن اتخذ ما قلناه حتى الآن، شكلاً آخر وذلك في كتاب (الوجود والزمان)، حيث كانت لغتنا متناقضة ومترددة، هذا الشكل هو الآتي، تتجدد الخاصة الأساسية للدازاينDaseinوهو الإنسان نفسه، بمعنى الكينونة، أما أن يمتلك الإنسان معنى الكينونة فإن هذا لا يعني أبدًا أنه يملك بوصفه (الذات)، تصورًا ذاتيًا عن الوجود، وأن هذا الأخير ينحصر في مرتبة التصور"(أنظر: مارتن هايدغر، مبدأ العلة، تر: نظير جاهل، (د.ط)، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر، بيروت، 1999م، ص 93) .

37.أودويفستيبان، المرجع السابق، ص: 356.

38.صفاء عبد السلام علي جعفر، المرجع السابق، ص: 124.

39.حسان بورقبة، " نيتشه وقلق الكتابة"، مجلة العرب والفكر العالمي: مجلة النصوص الفكرية والإبداعية والنقدية، مركز الإنماء القومي، بيروت، العدد 11، صنف 1990م، ص: 135.

40.صفاء عبد السلام علي جعفر، المرجع نفسه، ص: 358.

41.المرجع نفسه، ص: 369.

42.عبد العزيز بومسهولي، عبد الصمد الكباص، حسن أوزال، المرجع نفسه، ص: 83.

43.أودويفستيبان، المرجع السابق، ص: 364، 365.

44.الشعر Poésie: الكلمة الدالة على الشعر حسب هايدغر في اللغة الألمانية هي Dichtung، ومصدرها Tithonوالذي يرتبط بالأصل اللاتيني Dictare، وقد ظل هذا المفهوم في نظر هايدغر، لسوء ترجمته مرتبطًا بالمجال اللغوي المسمى Poétique؛ وهذا الفهم كما يشير إلى ذلك هايدغر لا يوضح لنا حقيقة الشعر، إن كلمة Poétischتنحدر بدورها من Poiesisوالتي تعني: يعمل يصنع شيئًا ما، هذا التحديد غير كاف للإحاطة بماهية Poetischاو Dichterisch، فإذا كانت لكل هذه الألفاظ نفس الجذر ولفظ Deiknumi، فإن هذا يعني أنها تشير إلى هذا المعنى؛" تكشف تجعل شيئًا ما مرئيًا"،"Rendre quelque chose visible, le rendre manifeste".(أنظر: - Martin Heidegger, Les Hymnes de Hölderlin la Germanie et le Rhin, tra: F. Fédier et J. Hervier, Gallimard, Paris. 1988, p. 40.)

45.مارتن هيدجر، أصل العمل الفني (مع مقدمة للفيلسوف غادامير)، ترجمة: أبو العيد دودو، ط1، منشورات الاختلاف، الجزائر، 2001م، ص: 96.

46.– Martin Heidegger,Questions IV, Trad. François Fedier et Jean Beaufret, Gallimard, Paris, 1976. p. 82.

47.مارتن هيدغر، نداء الحقيقة، ترجمة وتقديم: حسن بورقبة ومحمد الناجي، ط1، أفريقيا الشرق، المغرب، 1993م، ص: 289.

48.عادل مصطفى، المرجع السابق، ص: 191.

49.– Martin Heidegger,Le principe de la raison, Trad. André Préau, Gallimard, Paris, 1962.p.159.

50.هانز جورج غادامير، "فن الخطابة وتأويل النص ونقد الميتافيزيقا"، تر: نخلة فريفر، مجلة العرب والفكر العالمي: مجلة النصوص الفكرية والإبداعية والنقدية، مركز الإنماء القومي، بيروت، العدد الثالث، 1988م،ص: 95.

51.Martin Heidegger,Approche de Hölderlin, Tel. Gallimard, Paris. 1973. p. 48.

52.مارتن هيدجر، إنشاد المنادي، قراءة في شعر هولدرلين وتراكل، تر: بسام حجار، ط1، المركز الثقافي العربي، المغرب، (د.ت)، ص: 20.

53.Martin Heidegger,Essais et Conférences, trad. André Préau, Gallimard, Paris. 1958. p. 227.

54.مارتن هيدجر، أصل العمل الفني (مع مقدمة للفيلسوف غادامير)، المصدر السابق، الصفحة نفسها.

55.Jean Beaufret,Dialogue avec Heidegger, Minuit. 1969. p. 12.

56.المصدر نفسه، ص: 99.

57.Martin Heidegger,Chemins qui ne mènent nulle part, Trad. Wolfgang Brokmeier, Nouvelle Edition, Gallimard, Paris, 1980.pp. 28-29.

58.– Ibid, p. 79.

59.– Ibid.p. 195.

60.– Ibid.p. 195.

61.– عادل مصطفى،المرجع نفسه، ص: 179.

62.– مارتن هيدجر، أصل العمل الفني (مع مقدمة للفيلسوف غادامير)،المرجع السابق، ص: 85.

63. – عبد الرحمن بدوي،موسوعة الفلسفة، ج2، ط1، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، لبنان، 1984م، ص: 608.

@pour_citer_ce_document

عبد الغاني عليوة, «نقد هايدغر للميتافيزيقا عند نيتشه.»

[En ligne] ,[#G_TITLE:#langue] ,[#G_TITLE:#langue]
Papier : pp 191-203,
Date Publication Sur Papier : 2019-01-09,
Date Pulication Electronique : 2019-01-09,
mis a jour le : 09/01/2019,
URL : https://revues.univ-setif2.dz:443/revue/index.php?id=5301.