طرق ترجمة القرآن الكريم من منظور الدراسات الترجمية الحديثةMethods of Translating the Holy Qur'an from the Perspective of Modern Translation Studies.
Plan du site au format XML


Archive: revues des lettres et sciences sociales


N°01 Avril 2004


N°02 Mai 2005


N°03 Novembre 2005


N°04 Juin 2006


N°05 Juin 2007


N°06 Janvier 2008


N°07 Juin 2008


N°08 Mai 2009


N°09 Octobre 2009


N°10 Décembre 2009


N°11 Juin 2010


N°12 Juillet 2010


N°13 Janvier 2011


N°14 Juin 2011


N°15 Juillet 2012


N°16 Décembre 2012


N°17 Septembre 2013


Revue des Lettres et Sciences Sociales


N°18 Juin 2014


N°19 Décembre 2014


N°20 Juin 2015


N°21 Décembre 2015


N°22 Juin 2016


N° 23 Décembre 2016


N° 24 Juin 2017


N° 25 Décembre 2017


N°26 Vol 15- 2018


N°27 Vol 15- 2018


N°28 Vol 15- 2018


N°01 Vol 16- 2019


N°02 Vol 16- 2019


N°03 Vol 16- 2019


N°04 Vol 16- 2019


N°01 VOL 17-2020


N:02 vol 17-2020


N:03 vol 17-2020


N°01 vol 18-2021


N°02 vol 18-2021


N°01 vol 19-2022


N°02 vol 19-2022


N°01 vol 20-2023


N°02 vol 20-2023


A propos

avancée

Archive PDF

N°28 Vol 15- 2018

طرق ترجمة القرآن الكريم من منظور الدراسات الترجمية الحديثة

Methods of Translating the Holy Qur'an from the Perspective of Modern Translation Studies.
pp 270-281

عبد الحفيظ طيبي
  • resume:Ar
  • resume
  • Abstract
  • Auteurs
  • TEXTE INTEGRAL
  • Bibliographie

لقد استقطبت ترجمة القرآن الكريم اهتمام الكثير من الباحثين والدارسين في حقل الدراسات القرآنية واللغوية والترجمية على حد سواء، وبين صعوبة المأمورية وضرورتها في آن واحد، كان معظم الجدل منحصرا بين مشروعية وعدم مشروعية نقله إلى لغات أجنبية غير العربية من جهة، وبين ترجمته حرفيا أو معنويا من جهة أخرى.  نسعى من خلال هذه الدراسة المقتضبة إلى تجاوز الجدل الكلاسيكي حول مشروعية الترجمة والتعامل مع الواقع الصريح بوجود ترجمات عديدة للقرآن الكريم، وبشتى لغات العالم لنسلط بعض الضوء على طرق ترجمته من منظور الدراسات الترجمية الحديثة.

الكلمات المفاتيح:القرآن الكريم، ترجمة، ترجمة حرفية، ترجمة معنوية، دراسات الترجمة.

La traduction du Saint Coran a toujours été le centre d’intérêt des chercheurs dans les domaines d’études coranique, linguistique et traductologique, et entre la difficulté d’une telle tâche et sa nécessité en même temps, le débat s’est souvent limité à la légitimité ou non de traduire le Saint Coran en langues autres que l’Arabe,d’un côté, et entre une traduction littérale ou traduction libre (du sens) de l’autre côté.  Nous aspirons, à travers cette étude succincte de dépasser la polémique classique autour de la légitimité et l’illégitimité de traduire le Saint Coran, et de faire avec le fait que plusieurs traductions du Saint Coran existent déjà en différentes langues du monde, en jetant la lumière sur les méthodes de traduction du texte sacré de l’Islam sous l’angle de la traductologie moderne.

Mots-Clés :Saint coran, Traduction, Traduction littérale, Traduction libre (Du Sens), Traductologie

The translation of the Holy Qur'an has always been at the center of interest of researchers in the fields of qur’anic, linguistic and translation studies, and between the difficulty of such a task and its necessity at the same time, the debate has often been limited to the legitimacy or not of translating the Holy Qur'an into languages other than Arabic on the one hand, and between literal translation or free translation (of meaning) on the other hand. Through this brief study, we aspire to overcome the classic controversy over the legitimacy and illegitimacy of translating the Holy Qur'an, and to deal with the fact that several translations of the Holy Qur'an do already exist in different languages of the world. By shedding light on the methods of translating the sacred text of Islam from the perspective of modern translation studies.

Keywords:Holy Qur’an, Translation, Literal translation, Free translation (of meaning), Translation studies

Quelques mots à propos de :  عبد الحفيظ طيبي

جامعة محمد لمين دباغين، سطيف 2a.taibi.targumannum@gmail.com

مقدمة

لطالما ارتبط الحديث عن ترجمة القرآن بالحديث عن جوازها أو تحريمها، لكن في المقابل هناك من اهتّم بطرق ترجمة هذا القرآن ومدى نجاعتها. على الرغم من إقرار البعض باستحالة كلية لنقل هذا الكتاب العزيز انطلاقا من جملة الخصاص التّي تميّزه عن غيره من إيقاع ونظم وإعجاز...إلخ:

"أجمع العلماء في جميع العصور على استحالة ترجمة القرآن، ويعنون بذلك: محاكاة الأصل في نظمه وترتيبه، مع الاحتفاظ بما يتضمنه من الدلائل القريبة والبعيدة، والأصلية والتبعية، وسائر ما يمتاز به من الإيقاع والتأثير."1

إلاّ أنّ الغاية النبيلة من وراء هذه الترجمة، قد جعلت آخرين يتبعون طرقا تساعدهم على ترجمته ترجمة صحيحة إلى حدّ ما وبأقلّ تضحيات ممكنة؛ لأنّ نقل النص الأدبي أمر في غاية الصعوبة سواء تعلّق الأمر بالشعر أو بالنثر، فما بالك بالكلام المعجز ظاهره وباطنه وشكله ومضمونه.

ترجمة القرآن الكريم 

1-مفهوم ترجمة القرآن الكريم

جعلت الغاية النبيلة من وراء ترجمة القرآن الكريم المختصّين يفكّرون في ضبط تعريف لهذا النوع من الترجمة، فكان الاتّفاق على تعريفها بأنّها عملية نقل للمعاني التّي تضمنتها الألفاظ المذكورة في القرآن الكريم؛ وذلك باستعمال ألفاظ من اللّغة الهدف تحمل الدلالات نفسها التّي حملتها ألفاظ اللّغة العربية، إذ يقول محمد عبد العظيم الزرقاني:

"ويمكننا أن نعرّف ترجمة القرآن بهذا الإطلاق تعريفا مضغوطا على نمط تعريفهم فنقول: هي نقل القرآن من لغته العربية إلى لغة أخرى. ويمكننا أن نعرّفها تعريفا مبسوطا فنقول: ترجمة القرآن: هي التعبير عن معاني ألفاظه العربية ومقاصدها بألفاظ غير عربية، مع الوفاء بجميع هذه المعاني والمقاصد."2

ومن هنا فهي تخضع لمعايير الترجمة الأدبية لكنّها تفوقها في درجة الحرص على المعاني والأفكار.

2-أهمية ترجمة القرآن الكريم

تجدر الإشارة إلى أنّ الحاجة إلى ترجمة القرآن لم تقتصر على اللّغات الأجنبية فحسب، بل تعدتها إلى تأويله في اللّغة العربية نفسها؛ لأنّ بعض الكلمات الواردة في القرآن الكريم لم تكن واضحة للمسلمين المتكلّمين باللّغة العربية باعتبارها ليست من أصول عربية. هذا ما أدّى إلى ظهور محاولات لتبسيط ألفاظ القرآن الكريم وجعلها في متناول المسلمين تجنّبا للفهم الخاطئ أو حتّى الناقص لكتاب الله تعالى:

"لكن حتّى أغلب المفردات الثقافية في القرآن لم تكن من أصل عربي...فواجه المسلمون بدورهم مشكل التعقيد لهذه الألفاظ الأجنبية؛ ولأنّها تظهر على الفور، اضطروا لخوض مهمة تأويل كتابهم المقدّس (القرآن)."

« but also most of the cultural vocabulary of the Qur’ãn is of non- Arabic origin…Muslimsthemselves were confronted with the perplexing problem of these foreign words, for it presented itself immediately they were called upon to face the task of interpreting their Scripture. »3

تفترض مواكبة التطورات والاختراعات التّي يشهدها العالم في الآونة الأخيرة انفتاحا على الآخر وخروجا من الانغلاق على الذات، وذلك لن يكون إلاّ بجعل ما أُنجز وابتُكر معروفا لدى الأمم الأخرى، والأمة العربية على وجه الخصوص. ويتأتّى ذلك عن طريق تعريبها:

"لقد وعى هؤلاء الروّاد أهميّة دور اللّغة في البناء الجديد للمجتمع، فحاولوا أن يقيموا في معاقل المعاجم. ولما لم تكن هذه الإقامة كافية للتعبير عن العصر، وجدوا أنّ الحاجة تستدعيهم إلى الخروج من هذه المعاقل متبصرّين الحقائق في ضوء التطورات العالمية الجديدة. لقد وجد الطهطاوي صعوبة في التعبير عن هذه الحقائق ما لم يمض في اتجاهين مهمين: الأوّل تطويع اللغة...والثاني: التعريب، ليس فقط المصطلحات بل محاولة تعريب الحياة العصرية وتقديمها كنماذج لم تكن معروفة في دنيا العرب."4

ولجعل دنيا العرب معروفة لدى غيرهم، وجب النقل من اللغة العربية إلى اللّغة المستهدف مجموع متكلميها. وأهمّ ما يميّز حياة المجتمع هو الدّين الذي هو عليه؛ وبما أنّ الإسلام هو أكثر الديانات انتشارا بين العرب وغير العرب، ظهرت أهمية التعريف به بلغات أجنبية متعدّدة. والغرض من ذلك طبعا هو استقطاب أكبر عدد من الأشخاص لاعتناقه:

"وكان سبيل المسلمين إلى نشر الإسلام والدعوة إليه –وفي تفقيه المسلمين الجدد في دينهم-في هذه العصور، هو تفسير القرآن وشرح السنة والسيرة بمختلف اللّغات، أو بلغات البلاد التّي وصل إليها الإسلام."5

وهنا تلعب الترجمة دورا رياديا في التعريف بالديانة الإسلامية. لا يهدف هذا التعريف إلى اعتناق الإسلام من طرف غير المسلمين فقط، وإنّما تساهم هذه الترجمة حتّى في توجيه المسلمين الذين لا يتحدثون العربية بل حتى الذين لا يتقنونها بالشكل الكافي وجعلهم على دراية أكبر بمضامين القرآن ومقاصده، وهذا ما ذهب إليه كل من جون دوليل و جوديث ووتسوورث حين قالا:

"لا تهدف الترجمة إلى جعل من هم غير مسلمين يعتنقون الإسلام، وإنّما توجيه هؤلاء المسلمين بدورهم مع تعزيز انتمائهم إلى المجتمع الإسلامي."

« Les traductions ne visent pas à convertir les non-musulmans à l’Islam, mais plutôt à guider les musulmans eux- mêmes et à consolider leur appartenance à la communauté islamique. »6

إنّ خصائص الأسلوب القرآني من نظم ووقع وإلمام بالبيان والبديع قد لا يتمكن من يجهل اللّغة العربية من التمتّع بها لتقوية إيمانهم بسعة قدرة منزّله الله جلّ وعلا، فالترجمة تلعب دورا مهما في التعريف بهذه الخصائص بلغات غير اللّغة العربية:

"رفع النقاب عن جمال القرآن ومحاسنه لمن لم يستطع أن يراها بمنظار اللّغة العربية من المسلمين الأعاجم، وتيسير فهمه عليهم بهذا النوع من الترجمة، ليزدادوا إيمانا مع إيمانهم."7

 3-طرق ترجمة القرآن   

لقد فكرّ معشر المختصين في الطريقة الأمثل لنقل هذا الكتاب الكريم إلى اللّغات الأخرى، فتأرجحت الاقتراحات بين اتّباع الترجمة الحرفية أو التفسيرية:

"ثم إن لوحظ في هذه الترجمة ترتيب ألفاظ القرآن، فتلك ترجمة القرآن الحرفية أو اللفظية أو المساوية، وإن لم يلاحظ فيها هذا الترتيب، فتلك ترجمة القرآن التفسيرية أو المعنوية."8

سواء لجأ مترجم القرآن إلى هذه الطريقة أو تلك، فإنّه يجد نفسه مجبرا على العودة إلى الترجمة -كفرع-بشقّيها النظري والتطبيقي علّه يجد ضالته فيها.

يوجد في الشّق النظري العديد من المقاربات الترجمية –التّي تربط الترجمة دوما بعلم قائم بذاته كالمقاربة اللّسانية التّي تربط الترجمة باللّسانيات بمختلف فروعها كاللسانيات الاجتماعية والأسلوبية المقارنة وغيرها-، كما يوجد العديد من النظريات التّي تهتّم بوصف وشرح عملية الترجمة كالنظرية التأويلية والنظرية الغائية. أمّا في الشّق التطبيقي فكلّ ينقل تجربته مع الأنواع المختلفة من النصوص التّي حاول نقلها إلى لغة أو لغات أخرى. لكن ما ينبغي أن نشير إليه هو حقيقة أنّ هذه التجارب بما فيها من ملاحظات وتعليقات كانت تنقل عمّن لم يكونوا من تخصّص الترجمة، كما يؤكد ذلك أنطوان برمان:

"على الرغم أنّ العديد من المترجمين قد كتبوا عن مهنتهم، إلاّ أنّه لم يكن بالإمكان إنكار حقيقة أنّ عددا كبيرا من هذه النصوص كتبها من لم يكونوا مترجمين."

« Bien que de nombreux traducteurs aient écrit sur leur métier, il était jusqu’à présent indéniable que la grande masse de ces textes émanait de non-traducteurs. »9

تجدر الإشارة إلى أنّه مهما اختلفت النظريات والمقاربات التّي يلجأ إليها المترجم، يجد نفسه أمام مُهمَتَّين على قدر كبير من الصعوبة. أن يهتّم بالنّص الأصل فيعكف على فهمه وفهم مقاصد الكاتب، إضافة إلى احترامه للّغة الأصل؛ أي تراكيبها وقواعدها وبيانها وبديعها، وأن يهتّم بالقارئ الهدف وبالتالي اللّغة الهدف بكلّ قواعدها وتراكيبها وبيانها وبديعها:

"لقد كان فرنز روزنزونغ يكتب بأنّ الترجمة هي أن تخدم سيدين اثنين...فتخدم المؤلَّف والمؤلِّف واللّغة الأجنبية (وهو السيّـد الأوّل)، وأن تخدم الجمهور ولغته الخاصة (وهو السيّد الثاني). وهنا يظهر ما يمكن تسميته مأساة المترجم."

« Traduire, écrivait Franz Rosenzweing, c’est servir deux maîtres…Il s’agit de servir l’œuvre, l’auteur, la langue étrangère (premier maître), et de servir le public et la langue propre (second maître). Ici apparaît ce qu’on peut appeler le drame du traducteur. »10

3-1-الترجمة الحرفية للقرآن الكريم

تمثّل الترجمة الحرفية أوّل طريقة يفكّر المترجم في اللّجوء إليها عند تعامله مع أيّ نوع من النصوص؛ ما لم يكن هناك أيّ عائق يجعل منها غير قادرة على تحقيق ما يصبو إليه. غير أنّ هذا لا يجعلنا نعتبرها أسهل طريقة بل هي الأخرى بها صعوبات جمّة؛ لأنّ الترجمة الحرفية لا تعني مجرد تجاور للألفاظ كما يرى بيتر نيومارك:

"أعتبر الترجمة الحرفية الإجراء الترجمي الأساسي سواء تعلّق الأمر بنصوص تواصلية أو دلالية؛ فالترجمة تبدأ منها. بيد أنّه، وفوق مستوى الكلمات، تزداد صعوبة الترجمة الحرفية. وأينما وُجد أيّ نوع من المشاكل الترجمية، عادة وليس دائما ما نستبعد الترجمة الحرفية."

« I believe literal translation to be the basic translation procedure, both in communicative and semantic translation, in that translation starts from there. However, above the word level, literal translation becomes increasingly difficult. When there is any kind of translation problem, literal translation is normally (not always) out of the question. »11

كثيرا ما نقع في خلط لمفهومين مختلفين، ألا وهما الترجمة الحرفية والترجمة كلمة بكلمة. ولإزالة هذا اللُبس، يتعيّن علينا تقديم تعريف موضّح لكلّ منهما من جهة، وفاصل لهما من جهة أخرى. يتّم في الترجمة كلمة بكلمة نقل لقواعد اللغة الأصل، وكذا نحافظ على ترتيب الكلمات على النحو الذي وردت عليه في النص الأصل؛ حيث يمتنع المترجم عن التقديم والتأخير. بالإضافة إلى ذلك لا يهتّم بالمعنى الحقيقي للّفظ؛ فإن استعمل الكاتب "ورقة" مثلا في: كتب الوزير ورقة للشعب، قاصدا بها رسالة. يترجمها ب: une feuilleغير مبال بمعناها الحقيقي في هذه العبارة. في حين أنّ الترجمة الحرفية تعير هذا الجانب الأخير اهتماما، حيث أنّنا نقدّم المقابل الذي يتماشى مع ذلك السياق متجاهلين المعنى الأوّل لذلك اللّفظ:

"تنقل الترجمة كلمة بكلمة إلى الترجمة قواعد اللّغة الأصل وترتيب الكلمات، وكذا المعاني الأولى لكلّ كلمات اللّغة الأصل. وطبعا يصلح ذلك مع الجمل الحيادية البسيطة والمختصرة...بيد أنّه مع الترجمة واحدة بواحدة...لكلّ كلمة في اللّغة الأصل كلمة مقابلة في اللّغة الهدف، غير أنّ معانيها الأولى (مفصولةً) قد تختلف."

« word- for- word translation transfers SL grammar and word order, as well as the primary meanings of all the SL words, into the translation, and it is normally effective only for brief simple neutral sentences…In one- to- one translation…each SL word has a corresponding TL word, but their primary (isolated) meanings may differ. »12

ففي هذه الحرفية تعبير عن اهتمامنا بالنص الأصل ورغبتنا في الحفاظ على كلّ ما يتعلّق بلغته وثقافته. هذا هو التيار الذي يُدعى ب"التيار المصدري" وهو توّجه يعطي دوما الأولوية للنّص المصدر، وأهم روّاده أنطوان برمان: AntoineBerman

" يهتّم المترجمون الذين يعطون الأولوية للّغة المصدر (أو بالأحرى المصدريون) بإظهار التعدّد اللّغوي، هذا هو الموقف الذي تبنّاه أنطوان برمان...الذي أكّد على فكرة أولوية اللّغة."

« les traducteurs qui donnent la primauté à la langue d’origine (plutôt « sourciers ») accordent plus d’attention au rendu du plurilinguisme. C’est la position d’Antoine Berman…qui affirmerait en somme « toujours la primauté d’une langue ». »13

والمقصود بتعدّد اللّغات هو جعل القارئ الهدف يلاحظ أنّ النّص الذي هو بصدد قراءته ليس بالأصل وإنّما كُتب بلغة أخرى وهذه ترجمته. فالمترجم بذلك يحافظ على غرابة النص في اللّغة المنقول إليها.

إنّ الارتباط الوثيق بين الشكل والمعنى، قد جعل الشك يحوم حول إمكانية ترجمة هذه النصوص المقدّسة. وهذا ما عبر عنه ميشال بالار في قوله:

"لقد ولّد الاقتناع بوجود رابط قوّي بين الشكل وما ينقله شعورا بالشكّ حول الترجمة في مجال النصوص المقدّسة...فأوّل حلّ اقتُرح لحل مشكلة الأمانة ومجابهة مخاطر الخسائر هو النسخ."

« Cette conviction qu’un rapport étroit existe entre la forme et ce qu’elle véhicule a bien entendu généré une attitude de méfiance envers la traduction dans le domaine des textes sacrés…La première solution proposée pour résoudre le problème de fidélité et parer aux risques de pertes est le calque. »14

فالنقل عبارة عن تقنية من التقنيات الحرفية التّي اقترحاها جون بول فيني وجون داربلنيJ. P.Vinay et J. Darbelnet في كتابهما الموسوم ب" الأسلوبية المقارنة للفرنسية والإنجليزية"؛ حيث تحدّثا فيه عن تقنيات سبع للترجمة، أربع تقنيات غير مباشرة وهي التعديل والابدال والتصرّف والتكافؤ، وثلاث منها مباشرة أو حرفية وهي الاقتراض والنقل والترجمة الحرفية. فالنقل أحد هذه التقنيات الثلاث الحرفية، فهو اقتراض من نوع خاص؛ فإن كان الاقتراض يتعلّق بكلمات كالكمبيوتر computer، فإنّ النقل يكون على مستوى العبارات والتراكيب، حيث ننقل التركيب عن اللّغة الأصل ولكن نترجم الكلمات المكوّنة له حرفيا:

"يعدّ النقل اقتراضا من نوع خاص؛ فنقترض من اللّغة الأجنبية المقطع ولكن نترجم حرفيا العناصر التّي تركبّه."

« Le calque est un emprunt d’un genre particulier : on emprunte à la langue étrangère le syntagme, mais on traduit littéralement les éléments qui le composent. »15

•تقييم الترجمة الحرفية للقرآن الكريم

لقبول الترجمة الحرفية للقرآن الكريم، وضع المختّصون شرطين أساسيين، تمثّل الأوّل في توّفر اللّغة المنقول إليها على ألفاظ مكافئة لألفاظ النص الأصل، والثاني هو توّفر اللّغة الهدف على أدوات ربط مكافئة لتلك الموجودة في اللّغة العربية؛ حتّى إذا لجأ إليها المترجم توّصل إلى معنى قريب من المعنى الأصل، يقول الزرقاني:

"ثم إنّ الترجمة الحرفية تتوقف...على أمرين آخرين:

أحدهما: وجود مفردات في لغة الترجمة مساوية للمفردات التّي تألّف منها الأصل حتّى يمكن أن يحّل كلّ مفرد من الترجمة محلّ نظيره من الأصل، كما هو ملحوظ في معنى الترجمة الحرفية

ثانيهما: تشابه اللّغتين في الضمائر المستترة، والروابط التّي تربط المفردات لتأليف التراكيب، سواء في هذا التشابه ذوات الربط وأمكنتها. وإنّما اشترطنا هذا التشابه لأنّ محاكاة هذه الترجمة لأصلها في ترتيبه تقتضيه."16

ومن هنا نستخلص أنّنا، وبهذين الشرطين، نبحث عن لغة تطابق اللّغة العربية في مفرداتها ونظمها، غير أنّه أمر صعب إن لم نقل مستحيل؛ فإن وجدنا ألفاظا مماثلة في اللّغة المنقول إليها، فإنّها لن تحمل الدلالات الواسعة التّي حملتها المفردة في اللّغة العربية وستعجز هذه اللّغة حتما عن الإتيان بالنظم نفسه؛ وذلك لأنّ هذا النص معجز أوّلا وقبل كلّ شيء بواضعه الله جلّ وعلا:

"ثم إنّ هذين الشرطين عسيران، وثانيهما أعسر من الأوّل. فهيهات أن تجد في لغة الترجمة مفردات مساوية لجميع مفردات الأصل. ثم هيهات هيهات أن تظفر بالتشابه بين اللّغتين المنقول منها والمنقول إليها في الضمائر المستترة وفي دوال الروابط بين المفردات لتأليف المركبات.

ومن أجل هذه العزة والندرة قال بعضهم: إنّ الترجمة الحرفية مستحيلة. وقال آخرون: إنّها ممكنة في بعض الكلام دون بعض."17

وحتّى بعيدا عن سياق القرآن، هناك من أنكر أهميّة وصحّة الترجمة الحرفية؛ من باب انعدام تطابق مفردتين من لغتين مختلفتين من الناحيتين الشكلية والمعنوية في الوقت ذاته. فإن وُجد هذا غاب ذاك:

"أدّى الاعتقاد السّائد إلى رفض الترجمة الحرفية كإجراء صحيح، ولذلك يقرّ نوبرت (1983) بندرة وصعوبة وجود كلمة من نص اللّغة الأصل تطابق كلمة أخرى من اللّغة الهدف وذلك من الناحية الدلالية والقواعدية."

« the prevailing orthodoxy is leading to the rejection of literal translation as a legitimate translation procedure. Thus Neubert (1983) states that one word of an SL text and a TL word in the translation, rarely correspond semantically and grammatically hardly ever. »18

إنّ القصور الذي أثبتته الترجمة الحرفية، قد أدّى إلى البحث عن طريقة بديلة يحقّق بها المترجم مراده.

3-2-الترجمة المعنوية للقرآن الكريم

لقد اقترح الدارسون ترجمة القرآن بالاهتمام بنقل معانيه نظرا للقصور الذي تشهده الترجمة الحرفية، فلجأوا إلى النظرية التأويلية أو نظرية المعنى.

-نظرية المعنى أو نظرية التأويل: La théorie du sens ou théorie interprétative

إنّ المشاكل التّي تواجه المترجم الممارس للترجمة والتّي تمنعه من الوصول إلى ترجمات تُقنعه، قد جعلت ثلّة من المهتّمين بها يتخصّصون في الجانب التنظيري بعرضهم لمجموعة من المقاربات والنظريات التّي تُسهم في التقليل من المشاكل وتساعد المترجم على الحصول على ترجمات صحيحة إلى حدّ ما. على رأس هؤلاء المنظرين نجد دانيكاسلسكوفيتشDanicaSeleskovitchمن المدرسة العليا للمترجمين والمترجمين الفوريين، وهو ما يطلعنا عليه دانيال جيل:

"تعّد دانيكاسلسكوفيتش، وهي من المدرسة العليا للمترجمين والمترجمين الفوريين بباريس، من أوائل منظرّي الترجمة الذين اهتموا بمعرفة الترجمة."

« One of the first translation theorists to become interested in the cognition of translation was Danica Seleskovitch of ESIT ; Paris. »19

حيث أنّ اسمها قد ارتبط بنظرية أسّست لها مع ماريان ليديرارMarianne Lederer، فاستقطبت اهتمام الكثير من الدارسين والممارسين للترجمة؛ حيث اعتمدوها رغبة في تسهيل عمل المترجم. تُعرف هذه النظرية باسم "نظرية المعنى":

"تعّد النظرية المسّماة "نظرية المعنى" أبرز مثال توضيحي؛ حيث إنّها مدرسة كوّنتها وقادتها دانيكاسلسكوفيتش بالمدرسة العليا للمترجمين والمترجمين الفوريين بباريس، وذلك مع ماريان ليديرار."

« The most prominent case in point is the so- called théorie du sens, the school of thought formed and led by DanicaSeleskovitch at ESIT in Paris in conjunction with Marianne Lederer. »20

فحاولت من خلال هذه النظرية التّي استقتها من تدريسها للترجمة التعاقبية في مدرسة باريس، أن تبيّن الطريقة التّي يكون عليها عمل المترجم:

"وبما أنّها قد جمعت بنفسها تجربتها في التأويل حسب النموذج التعاقبي على وجه الخصوص، فقد ركزّت سلسكوفيتش على هذا النموذج وطوّرت أوّلا نموذجا نظريا حول الكيفية التّي يعمل بها في نظرها. لقد كانت النتيجة النظرية المعروفة "نظرية الانسلاخ اللّغوي" أو نظرية المعنى"."

« As Seleskovitch herself had mainly amassed her interpreting experience in the consecutive mode, she focused on that mode and developped a first theoritical model of how, in her opinion, it worked. This resulted in her well- known theory of deverbalisation or théorie du sens. »21

وكما أشرنا سابقا، فإنّ ماريان ليديرار قد أسهمت هي الأخرى في هذه النظرية، ولكن وبعدما كان تركيز سلسكوفيتش على الترجمة التعاقبية، ركزّتهيعلى الترجمة الفورية:

"لقد بدأ العمل على يد سلسكوفيتش بتركيزها على التأويل التعاقبي، ليطوَّر فيما بعد على يد ماريان ليديرار التّي كانت دراستها تجريبية وشاملة للتأويل التزامني مكوّنة نموذجا لعمليات ذهنية تتضمن المهمة."

« The work begun by Seleskovitch with a focus on consecutive interpreting was developed further by MarinneLederer, who carried out a comprehensive empirical study of simultaneous interpreting and formulated a model of the mental operations comprising the task. »22

فهذه المدرسة تهتّم اهتماما شديدا بنية المتحدّث أو الكاتب، فيجب على المترجم أن يقوم بأيّ شيء للتوّصل إلى نيّته ومختلف مقاصده من وراء ذلك القول. فنجاح التواصل بالنسبة لهم رهين قدرة المترجم على التوّغل في مقاصد الكاتب أو المتحدّث كما يوضح ماتيو غيدار:

"ترى مدرسة باريس أنّ التواصل يعني ترجمة غرض المتحدّث."

« Pour l’Ecole de Paris, communiquer revient à traduire le « vouloir- dire » du locuteur. »23

تؤّكد المدرسة الباريسية على ضرورة انسلاخ المترجم لغويّا عن اللّغة المترجَم منها؛ أي ألاّ يتقيّد بالأمور التّي قد تختلف جذريا من لغة إلى أخرى وخاصة عندما يتعلّق الأمر بلغتين من أصلين مختلفين كالعربية والفرنسية. فالدارس لقواعد اللّغتين ونحوهما وصرفهما، يجد أنّ الاختلاف واضح. علّ أبرز مثال على ذلك هو ترتيب عناصر الجملة، ففي حين يتوّجب الاستهلال بالفاعل ثم الفعل في اللّغة الفرنسية، يتوّجب علينا –في أغلب الحالات-الاستهلال بالفعل ثم نتبعه بالفاعل.

وعليه يجب على المترجم أن يراعي الاختلافات بين اللّغات؛ وذلك بابتعاده قدر المستطاع عن الجانب اللّغوي للّغة الأصل والاهتمام بالمعنى الذي أراد الكاتب أو المتحدّث نقله للقارئ، ليقوم بعدها بالتعبير عن هذا المعنى نفسه متبّعا قواعد ونحو وصرف اللّغة الهدف:

"يعبّر المؤوّل عن رسالة المتكلّم، ويترك جانبا وبإرادته الناقل الأساسي وهو كلمات الأصل كي لا يبقي إلاّ على المعنى الذي يعبّر عنه بطريقة طبيعية في اللّغة الهدف، إذ يتحرّر من قشرة لغة الوصول."

« l’interprète exprime le message de l’orateur en laissant volontairement de côté son vecteur initial, les mots de l’original, pour n’en retenir que le sens. Celui- ci se laisse ensuite exprimer tout à fait naturellement dans la langue d’arrivée, libéré de la gangue de la langue de départ. »24

لقد أسهمت هذه المعطيات في تطوير نظرية المعنى التّي غدت نظرية تأويلية للترجمة:

"انطلاقا من هذه النتائج، يمكن تطوير نظرية المعنى التّي صارت نظرية تأويلية في الترجمة."

« A partir de ces constats, la théorie du sens, devenue la théorie interprétative de la traduction (TIT), peut se développer. »25

حيث تؤكّدليديرار في مؤلّفها "الترجمة اليوم" «la traduction aujoud’hui» علىأهميّة التأويل في كلّ عمل ترجمي. وبما أنّها قد استقت نتائجها من الترجمة في المؤتمرات فالتأويل هنا يمّس الجانب الشفهي المعروف بالترجمة الفورية التّي نراها في المنتديات والاجتماعات السياسة، وكذا التأويل الذي عادة ما يسبق الترجمة؛ إذ أنّنا نقوم بتحليل معمّق للنّص رغبة في الوصول إلى أهداف ومقاصد الكاتب، تقول ماريان ليديرار:

"ينبغي أن نقول هنا بأنّه لا يمكننا الترجمة دون تأويل وأن نؤكّد على أنّ أسس النظرية التأويلية للترجمة قد وُضعت بفضل ملاحظة التأويل في المؤتمرات. وبالتالي، كان إراديا منّي أن ألعب على المفهومين الخاصين بكلمة "تأويل" التّي تشير في الوقت نفسه إلى الطريقة التّي يعمل بها التراجمة في المؤتمرات وإلى الفهم المعمّق وتوضيح النص الأجنبي."

« Il s’agira ici de dire qu’on ne peut pas traduire sans « interpréter » et de rappeler que les bases de la théorie interprétative de la traduction ont été jetées grâce à l’observation de l’exercice de l’interprétation de conférence. C’est donc volontairement que je joue sur les deux acceptions du mot « interpréter » qui renvoie à la fois à la façon dont opèrent les interprètes de conférence et à la compréhension en profondeur et à la restitution en clair d’un texte étranger. »26

ومن هنا، مهما كانت طبيعة الترجمة (شفوية أو كتابية)، تعتبر المشافهة أساس تعليمها. فالترجمة الفورية تقتضي الإلمام بقواعد ومراحل المشافهة، والترجمة الكتابية تقتضي هي الأخرى اللّجوء إلى الترجمة الشفوية كمرحلة أولى للترجمة رغبة في الفهم المعمّق لمقاصد الكاتب:

"ترى كلّ من سلسكوفيتشوليديرار أنّ الترجمة الشفوية أساس تعليم المترجمين والتراجمة."

« Seleskovitch and Lederer (1986) regard oral translation as the foundation of translator and interpreter education. »27

وبما أنّ هذا التأويل يُسهم في تحقيق ترجمة صحيحة من حيث نقلها للمعنى الحقيقي الذي قصده الكاتب، فإنّ الفهم هو العمليّة الأساسية في الترجمة بنوعيها. فهذا التأويل نابع من الفهم المعمّق وتحليل الأفكار التّي يتضمنّها النّص المراد ترجمته:

"يعدّ الفهم بالنسبة لسلسكوفيتش عملية أساسية، كما أنّ تحليل ما قاله الكاتب يمكّن المؤوّل من الوصول إلى نيّة الكاتب أو الكاتبة."

«For Seleskovitch (1975), comprehension is the crucial process, and analysis of what speaker has said should enable the interpreter to find out what his/ her intention is.»28

الأفكار التّي ترفضها مدرسة باريس

لا ترى نظرية المعنى أو النظرية التأويلية أهمية في دراسة الجانب اللّغوي للنّص، فالانسلاخ اللّغوي يجعل المترجم يفصل البنية اللّغوية للّغة الأصل عن البنية اللّغوية للّغة الهدف نظرا لما بينهما من اختلافات قد تكون جذرية إذا ما تعلّق الأمر بلغتين من أصلين مختلفين. فكما أشرنا سابقا فإنّ التركيز يكون على المعنى الذي قصده كاتب النّص المراد ترجمته:

"وبالتالي، فأنصار 'نظرية المعنى' يرفضون دراسة أساليب فك الترميز والترميز على المستوى اللّساني."

« En effet, les tenants de ‘la théorie du sens’ refusent d’étudier au plan linguistique les modalités de décodage et de codage. »29

الجدير بالذكر أنّ النّص المتّحصل عليه بعد الترجمة ليس مبتغى النظرية التأويلية، وإنّما اهتمامها ينصّب على الطريقة والمراحل التّي يتّبعها المترجم لنقل نص من لغة أولى هي اللّغة الأصل إلى اللّغة الثانية وهي اللّغة الهدف؛ إذ يحصل من خلالها انتقال من ثقافة (بما فيها العادات والتقاليد وأنماط التفكير) إلى أخرى، ومن حضارة إلى أخرى:

"لكي نبدأ، تحدّد النظرية التأويلية هدفها -من وراء التنظير الذي تمّ في مجال الدراسات الترجمية البعيد عن النتيجة المتحصّل عليها، وهو ما يُدعى عادة بنص اللّغة الهدف (أو لغة الوصول) - فهو يتمثّل في العملية الترجمية؛ أي العمليّة التّي يتحوّل بها النص المكتوب من لغة معيّنة إلى لغة أخرى وبيئة أخرى."

« Pour commencer, la théorie interprétative précise que l’objet de la théorisation effectuée, dans le domaine de la traductologie, n’est pas le résultat obtenu, ce qu’on appelle couramment le texte en langue cible (ou langue d’arrivée), mais l’opération traduisante, c’est- à- dire le processus par lequel un texte écrit dans une langue donnée est transformé en texte dans une autre langue et un autre environnement. »30

فالمترجم لا يهتّم بالتطابقات اللّغوية بين اللّغتين المنقول منها والمنقول إليها، فلا يضطر إلى ترجمة الاسم بالاسم؛ إذ قد يحوّل الاسم فعلا أو صفة في اللّغة الهدف. كما قد يتصرّف في ترتيب الجمل الحاملة لأفكار بما يخدم اللّغة الهدف، فالجمل الاعتراضية –على سبيل المثال- تعطي المترجم الحريّة في التصرّف؛ فقد يبدأ بها المترجم عبارته أو يضعها في الوسط، أو يختم بها. فتحرّره من القيود اللّغوية يجعله يتصرّف في النّص بحريّة أكثر:

"لا يبحث المترجم عن تحقيق التطابقات اللّغويّة بين البنى المصنّفة والتّي تتمثّل في الكلمات والجمل والترتيب التركيبي." 

« le traducteur ne cherche pas à établir des correspondances linguistiquesentre les structures classifiées que sont les mots, les phrases et les agencements syntaxiques. »31

تستبعد ممثلّة المدرسة الباريسية سلسكوفيتش الترجمة كلمة بكلمة معتبرة إيّاها نوعا من الترجمة الحرفية، فهي بعيدة عن التأويل الذي يكون فيه التركيز على الانسلاخ اللّغوي والتحرّر من البنى اللّغوية الخاصة بلغة الانطلاق:

"اعتبرت سلسكوفيتش (1968) أنّ هذا32هو التأويل الصحيح المؤسَّس على الانسلاخ اللّغوي، في حين أنّ اللّجوء إلى الكلمة بكلمة هو ترجمة حرفية وليس تأويلا بالفعل."

« Seleskovitch (1968) regarded this as interpreting proper based on deverbalisation, whereas proceeding word- for- word was transcoding and not really interpreting. »33

وممّا سبق ذكره، يتّضح لنا جليّا أنّ ما رفضته المدرسة الباريسية كان مناقضا لهدفها من التنظير للعمليّة الترجمية. فالاهتمام بالمعنى أوّلا وأخيرا هو ما تنادي به النظريّة التأويلية، أمّا الجانب اللّغوي فليس إلاّ قالبا يساعد على التعبير على هذا المعنى في لغة الوصول.

تقييم نظرية المعنى أو النظرية التأويلية

لا أحد ينكر أنّ هذه النظرية قد عُدّت متكئا نظريا للعديد من الدراسات في مجال الترجمة بنوعيها:

"لقد تمّ تبجيل المقاربة التّي كانت رائدتها سلسكوفيتش...مدّة تقدَّر بحوالي عقدين من الزمن، فقد كانت أساسا نظريا لعدد معتبر من المنشورات الأكاديمية حول التأويل (والترجمة)."

« The approach championed by Seleskovitch…was held in high esteem for about two decades and has served as the theoritical foundation of a considerable number of academic publications on interpreting (and translation). »34

بيد أنّ هذه السيادة التّي شهدتها هذه الرؤية الترجمية، لم تمنع من تعرّضها لانتقادات المهتمّين بالترجمة. فأبرز انتقاد هو الاهتمام بالتأويل بمعنى الفهم المعمّق للنّص؛ فبما أنّ هذا الفهم نسبي وليس مطلقا فقد يوصلنا إلى المعنى الحقيقي لهذا النص أو يوصلنا إلى معنى خاطئ. كما أنّ الفهم باعتباره أمرا يتعلّق بالقدرات الذهنية للمترجم ويخضع للتوجّهات الإيديولوجية له، فهو أمر شخصي وفردي يختلف من شخص إلى آخر، فيمكن أن نحصل على ترجمات متعدّدة بتعدّد المترجمين لهذا النّص. لكنّ كثرة الترجمات لا يشكل مشكلا وإنّما المشكل هو التضارب المحتمل لهذه الترجمات. بتعبير آخر، هناك من يستنكر هذه النظرية باعتبارها قائمة على تكهنّات وتخمينات فقط:

"لقد صار اسمها يكتسب سمعة سيئة كلّ مرة أكثر؛ إذ غدا يرتبط ب "التكهّن الشخصي"."

« it increasingly acquired a bad name and came to be referred to as « personal speculation ». »35

      بعد ما تمّ عرضه حول النظرية التأويلية أو نظرية المعنى، يتّضح لنا أنّه باهتمامها بجانب المعنى فهي تهتّم بقارئ النّص المترجم؛ لذلك اعتبرت نظرية هدف وليس نظرية مصدر:

"باختصار، تعدّ النظرية التأويلية للترجمة نظرية هدف باعتبار أنّها تهتّم كثيرا بالقارئ الهدف وبوضوح الترجمة المتحصّل عليها، وكذا بمقبوليتها في الثقافة المستقبلة."

« En somme, la théorie interprétative de la traduction est cibliste en ce sens qu’elle accorde une attention particulière au lecteur cible, à l’intelligibilité de la traduction produite et à son acceptabilité dans la culture d’accueil. »36

أهميّة الترجمة المعنوية للقرآن الكريم

للترجمة المعنوية أهميّة كبيرة للمسلمين العرب والمسلمين العجم على حدّ سواء؛ حيث أنّ وجود الترجمات المشوّهة –قصدا-للقرآن الكريم قد أسهم في ابتعاد غير العرب عن دين الإسلام وربطه دائما بالتصرّفات السيّئة التّي تحدث في دول العالم. ولذا فترجمة معاني القرآن الكريم وسيلة تردع هذه الشبهات وتضع لها حدا:

"دفع الشبهات التّي لفّقها أعداء الإسلام وألصقوها بالقرآن وتفسيره كذبا وافتراءً، ثم ضلّلوا بها هؤلاء المسلمين الذين لا يحذقون اللّسان العربي في شكل ترجمات مزعومة للقرآن، أو مؤلفات علمية وتاريخية للطلاب، أو دوائر معارف للقراء، أو دروس ومحاضرات للجمهور، أو صحف ومجلات للعامة والخاصة."37

من المعروف أنّ الدول التّي لا تعتنق الإسلام كديانة أولى كالدول الأوربية تتميّز بميزة بجّلها الإسلام ألا وهي "العدل" وهي ميزة ناجمة عن اتبّاع الحق، فمن المنطقي أن تستنكر أيّ ديانة لا تعمل بهذه الميزة. فالمنشورات الكاذبة عن الإسلام والنبّي ﷺ قد منعت هذه الأمم من الاطلاع على هذه الديانة واعتناقها؛ فالترجمة تضع حدا لهذه العوائق وتزيل الغشاوة على حقيقة الإسلام:

"إزالة الحواجز والعواثير التّي أقامها الخبثاء الماكرون للحيلولة بين الإسلام وعشاق الحق من الأمم الأجنبية. وهذه الحواجز والعواثير ترتكز في الغالب على أكاذيب افتروها تارة على الإسلام، وتارة أخرى على نبّي الإسلام."38

     تسهم الترجمات المبنية على نقل المعنى في تبليغ القرآن بلفظه ومعناه بالشرح والتفسير، فكما يقول السيوطي وابن بطال والحافظ ابن حجر وغيرهم من العلماء:

"إنّ الوحي يجب تبليغه. ولكنّه قسمان: قسم تبليغه بنظمه ومعناه وجوبا، وهو القرآن. وقسم يصح أن يبلغ بمعناه دون لفظه، وهو ما عدا القرآن. وبذلك يتّم التبليغ."39

خاتمة

لقد اقترح العلماء والمختّصون في القرآن الكريم طريقتين لنقل ألفاظ ومعاني هذا القرآن للغات أخرى لأغراض ساميّة: الترجمة الحرفية، وهي أوّل طريقة تحدثّوا عنها، وفيها نهتّم بالقرآن في لغته التّي نزل بها؛ أي اللّغة العربية فنبيّن للقارئ أنّ هذا النّص الذي هو بصدد قراءته ليس النّص الأصل؛ فيأخذ بعين الاعتبار (إن كانت نيّته اعتناق الإسلام أو التعرّف على حقيقة هذا الدّين) أنّه قد توجد أخطاء من الجانب اللّغوي أو الجانب المعنوي. فالترجمة الحرفية مصدريّة من جهة، وتؤكّد على غرابة النّص من جهة أخرى، هذا ما قد يجعلنا نقتنع بنجاحها وصدقها. غير أنّ حقيقة انعدام لغة تكافؤ اللّغة العربية من حيث الخصائص الأسلوبية التّي تعرّضنا إليها من نظم وإيقاع وغيرها، يجعلنا نتراجع عن هذا الرأي ونحاول أن نجد ضالتنا في الطريقة الأخرى والأخيرة التّي اقترحها أهل الاختصاص.

     تتمثّل الطريقة الثانية في الترجمة المعنويّة؛ فاقترحنا النظريةالمعنوية التّي غدت تُدعى الـتأويلية لتركيزها على التأويل بمفهوميه (الجانب الشفوي للترجمة والفهم المعمّق للنّص والذي يسبق ترجمته). فمن يتّبع "نظرية المعنى" يحصر اهتمامه في المقصود من تلك الآية المراد ترجمتها ولا يعير الجانب اللّغوي أيّ اهتمام (فيمكنه أن يعبّر عن الاسم بفعل في اللّغة الأخرى)؛ لأنّه ليس إلاّ قالبا يصاغ فيه المعنى. يأخذ المترجم بعين الاعتبار اختلافات البنى اللّغويّة من لغة إلى أخرى، فينسلخ لغويا من بُنى اللّغة المصدر لينقل المعنى فقط في قالب يتناسب مع اللّغة الهدف.

هذا إضافة إلى الترجمة التفسيرية للقرآن الكريم، والتّي نلجأ فيها إلى الهرمنوطيقا التّي يمثلّها فريديريك شلايرماخر وهانس غادامير وبول ريكور وغيرهم.

الهوامش

1-زرزور، محمد عدنان، علوم القرآن وإعجازه: وتاريخ توثيقه، دار الإعلام، الأردن، ط1، 2005، ص. 382.

2-الزرقاني، محمد عبد العظيم، مناهل العرفان في علوم القرآن، ت: فواز أحمد زمرلي، دار الكتاب العربي، بيروت، ج2، ط1، 1995، ص. 114.

3-Jeffery, Arthur, The Foreign Vocabulary of the Qur’ãn, Brill, Boston, 2007, p. 2.

4-المعيش، سالم، دور اللغة العربية في بناء المجتمع العربي وتطوره، مؤسسة الرحاب الحديثة، لبنان، 2015، ص. 43.

5-زرزور، محمد عدنان، م. س، ص. 373.

6-Delisle, Jean et Woodsworth, Judith, Les traducteurs dans l’histoire, Les Presses de l’Université d’Ottawa, Editions UNESCO, Canada, 1995, p. 181.

7-الزرقاني، محد عبد العظيم، م. س، ص. 110.

8-زرزور، محمد عدنان، م.س، ص. ن.

9-Berman, Antoine, L’Epreuve de l’Etranger, Gallimard, France, 1984, p. 11.

10-Ibid, p. 15.

11-Newmark, Peter, A Textbook of Translation, Shanghai Foreign Language Education Press, New York/ London/Toronto/Sydney/Tokyo, Edt 1, 1988, p. 70.

12-Ibid, p. 69.

13-Sciarrino, Emilio, Le plurilinguisme en littérature : Le cas italien, Editions des Archives Contemporaines, France, 2016, p. 121.

14-Ballard, Michel, De Cicéron à Benjamin : Traducteurs, traductions, réflexions, Presses Universitaires de Septentrion, France, 2007, p. 34.

15-Vinay, J- Paul et Darbelnet, J, Stylistique Comparée du Français et de l’Anglais : Méthode de Traduction, Nouvelle Edition Revue et Corrigée, Didier, Paris, 1972, p. 47.

16-الزرقاني، محمد عبد العظيم، م. س، ص. 93.

17-م. ن، ص. ن.

18-Newmark, Peter, Op. Cit, p. 68.

19-Gile, Daniel, Basic Concepts and Models for Interpreter and Translator Training, John Benjamins Publishing Company, Revised Edition, Amesterdam/ Philadelphia, 2009, p. 252.

20-Gile, Daniel, getting started in Interpreting Research: Methodological Reflexions, personal accounts and advice for beginners, John Benjamins Publishing Company, Amesterdam/ Philadelphia, 2001, p. 201.

21-Dorte, Andres and Behr, Martina, To know how to Suggest…: Approaches to Teaching Conference Interpreting, Frank &Timme , Berlin, 2015, p. 22.

22-Pochhacker Franz and Shlesinger, The Interpreting Studies Reader, Routledge, London and New York, 2002, p. 97.

23-Guidère, Mathieu, La communication Multilingue : Traduction Commerciale et Institutionnelle, Groupe De Boeck, Paris, 1ére edt, 2008, p.16.

24-Widlund- Fantini, Anne- Marie, DanicaSeleskovitch : Interprète et Témoin du XXe siècle, L’Age d’Homme, Lausanne, 2007, p. 189.

25-Ibid.

26-Lederer, Marinne, La traduction aujourd’hui : le modèle interprétatif, Hachette, France, 1ére edt, 1994, p. p 15. 16.

27-B. Sawyer, David, Fundamental Aspects of Interpreter Education Curriculum and Assessment, John Benjamins Publishing Company, Amesterdam/ Philadelphia, 2004, p. 36.

28-Dorte, Andres and Behr, Martina, Op. Cit.

29-Gile, Daniel, Regards sur la Recherche en Interprétation de Conférence : Etude de la traduction, Presses Universitaires de Lille, Paris, 1995, p. 185.

30-Henry, Jacqueline, La traduction des jeux de Mots, Presses Sorbonne Nouvelle, Paris, 2003, p. p 64. 65.

31-Ibid, p. 65.

32-في حديثها عن أهميّة الفهم في العمليّة الترجميّة والذي تحدّثنا عنه في فقرات سابقة.

33-Dorte, Andres and Behr, Martina, Op. Cit.

34-Gile, Daniel, Getting started in Interpreting Research, Op. Cit.

35-Ibid.

36-Guidère, Mathieu, Introduction à la traductologie, Groupe de Boeck, 2eme edt, Paris, 2010, p. 71.

37-الزرقاني، محمد عبد العظيم، م. س، ص. ص 110. 111.

38-م. ن، ص. 111.

39-م. ن، ص. ن.

@pour_citer_ce_document

عبد الحفيظ طيبي, «طرق ترجمة القرآن الكريم من منظور الدراسات الترجمية الحديثة»

[En ligne] ,[#G_TITLE:#langue] ,[#G_TITLE:#langue]
Papier : pp 270-281,
Date Publication Sur Papier : 2019-01-09,
Date Pulication Electronique : 2019-01-09,
mis a jour le : 09/01/2019,
URL : https://revues.univ-setif2.dz:443/revue/index.php?id=5353.