دور العوامل الخارجية في عرقلة عملية التغيير الديمقراطي في المنطقة العربية بعد 2011: دراسة الحالة المصرية.The role of external factors in impeding the process of democratic change in the Arab region after 2011: The Egyptian case study.
Plan du site au format XML


Archive: revues des lettres et sciences sociales


N°01 Avril 2004


N°02 Mai 2005


N°03 Novembre 2005


N°04 Juin 2006


N°05 Juin 2007


N°06 Janvier 2008


N°07 Juin 2008


N°08 Mai 2009


N°09 Octobre 2009


N°10 Décembre 2009


N°11 Juin 2010


N°12 Juillet 2010


N°13 Janvier 2011


N°14 Juin 2011


N°15 Juillet 2012


N°16 Décembre 2012


N°17 Septembre 2013


Revue des Lettres et Sciences Sociales


N°18 Juin 2014


N°19 Décembre 2014


N°20 Juin 2015


N°21 Décembre 2015


N°22 Juin 2016


N° 23 Décembre 2016


N° 24 Juin 2017


N° 25 Décembre 2017


N°26 Vol 15- 2018


N°27 Vol 15- 2018


N°28 Vol 15- 2018


N°01 Vol 16- 2019


N°02 Vol 16- 2019


N°03 Vol 16- 2019


N°04 Vol 16- 2019


N°01 VOL 17-2020


N:02 vol 17-2020


N:03 vol 17-2020


N°01 vol 18-2021


N°02 vol 18-2021


N°01 vol 19-2022


N°02 vol 19-2022


N°01 vol 20-2023


N°02 vol 20-2023


N°01 vol 21-2024


A propos

avancée

Archive PDF

N°01 Vol 16- 2019

دور العوامل الخارجية في عرقلة عملية التغيير الديمقراطي في المنطقة العربية بعد 2011: دراسة الحالة المصرية.

The role of external factors in impeding the process of democratic change in the Arab region after 2011: The Egyptian case study.
ص ص 228-240
تاريخ الارسال: 03/10/2018 تاريخ القبول: 24/03/2019

عبد المومن سي حمدي / عنترة بن مرزوق
  • resume:Ar
  • resume
  • Abstract
  • Auteurs
  • TEXTE INTEGRAL
  • Bibliographie

يحاول هذا المقال دراسة موضوع العوامل الخارجية ودورها في إعادة إنتاج التسلطية عقب الحراك الشعبي العربي، وذلك من خلال فهم وتحليل السياسة الغربية اتجاه المنطقة العربية، وتسليط الضوء على مختلف الأدوار والآليات الخارجية التي كانت سببًا في عرقلة مسار التغيير السياسي عبر مختلف المراحل الانتقالية للدول العربية مع التركيز على الحالة المصرية، ومن ثَمّ محاولة طرح آليات لضبط تلك التدخلات بما من شأنه أن يساهم في بناء ديمقراطية عربية نابعة من البيئة الداخلية، تٌحترَم فيها إرادة الشعوب العربية في تحديد من يحكمها.

الكلمات المفاتيح: الحراك العربي، التغيير السياسي، العامل الخارجي، الديمقراطية، التسلطية

Cet article tente à étudier le thème des facteurs externes et leur rôle dans la reproduction de l'autoritarisme dans la région arabe à la suite du mouvement populaire par la compréhension et l’analyse de la politique occidentale envers la région arabe, et ce  en nous  projetant sur les différents rôles et automatismes extérieurs qui entravaient la voie du changement à travers les multiples étapes transitoires des États arabes par la concentration sur la situation égyptienne.      Ensuite, nous tenterons de mettre en avant des mécanismes pour contrôler ces interventions afin de pouvoir participer à la construction d’ une démocratie arabe découlant d’un environnement interne dont la volonté des peuples arabes sera respectée pour le choix de ceux qui les gouvernent.

Mots clés: Le Mouvement Arabe, Changement Politique, Facteur Externe, Démocratie, Autoritarisme

This article tries to study the theme of external factors and its role in reproducing the authoritarianism within  the Arab region after the popular movement, by understanding and analyzing Western policy towards the Arab region, and emphasizing the Different roles and external mechanisms that have impeded the way of political Change through the various transitional stages of the Arab states, focusing on the Egyptian situation, and then trying to put forward mechanisms to control these interventions to participate in building an Arab democracy which comes from internal environment, and by which, Arab people’s will be respected to make its governor.

Key words: Arab Movement, Political Change, External Factor, Democracy, Authoritarianism

Quelques mots à propos de :  عبد المومن سي حمدي

جامعة محمد بوضياف المسيلةmoumene_hamdi@yahoo.com

Quelques mots à propos de :  عنترة بن مرزوق

جامعة محمد بوضياف-المسيلة[1]saidsaed1830@gmail.com
[1]  المؤلف المراسل

مقدمة

لقد خلّفت أحداث الحراك الشعبي الذي شهدته المنطقة العربية في إطار ما اصطُلح عليه بثورات الربيع العربي العديد من الأسئلة الجوهرية التي تبحث في قبليات وآنيات وبعديات الحدث، فقد شكّلت مرحلة مفصلية حاسمة في تاريخ الشعوب العربية التي خرجت في مسيرات حاشدة حالمة بمستقبل أفضل، ومطالبة بإسقاط أنظمة الحكم القائمة واستبدالها بأخرى أكثر عدلا وديمقراطية، غير أنّ ذلك الحلم قد اصطدم بالكثير من المخاطر والتحديات التي شكّل أبرزها صراع الثنائيات: الإسلام والعلمانية، الدولة الدينية والدولة المدنية، السياسي والعسكري، الداخل والخارج، وهي الصراعات التي ساهمت في بروز العديد من الاحتقانات الشعبية والتجاذبات الفكرية، مؤدية في النهاية الى مزيد من الاصطفاف الإيديولوجي والانقسام المجتمعي، وفاتحة المجال واسعا أمام الباحثين لتسليط الضوء حول استشراف أهمّ السيناريوهات المستقبلية لأنظمة الحكم العربية في ظلّ تعقيدات البيئة الداخلية وضغوط البيئة الخارجية.

وإذا كان هدف الحراك الشعبي العربي في بداياته هو التأسيس لميلاد ديمقراطية عربية تكون للشعوب كلمة الفصل فيها، فإنّ انتكاسته فيما بعد قد أعادت إنتاج ظاهرة التسلطية من جديد، (عودة الدولة العسكرية في مصر، عودة الدولة العميقة في تونس بإعادة انتخاب رجالات بن علي)، ناهيك عن بروز حالات الفوضى واللاأمن في دول الحراك الأخرى (سوريا، ليبيا، واليمن).

العديد من الدراسات التي تناولت أحداث الحراك الشعبي العربي أسهبت في معالجة أهمّ العوامل التي دفعت إلى انبثاقه في محاولة لانعتاق الشعوب من أنظمة الفساد والاستبداد، مع تركيزها بشكل كبير على عوامل البيئة الداخلية، على أساس أنّ أغلب الدراسات ترى أنّ الحراك كان عفويا في بداياته، لكن الأحداث التي جاءت فيما بعد خاصة مع الانقلاب العسكري الذي شهدته مصر أكّدت على أنه لا يمكن بأيّ حال من الأحوال إهمال العامل الخارجي في التحليل، باعتباره عاملا حاسما ومؤثرا في تحديد مسار ومصير الحراك، وهذا ما يمكن أن نستشفه من مواقف القوى العالمية الكبرى كالولايات المتحدة الأمريكية ودول الاتحاد الأوروبي وروسيا، وبعض القوى الإقليمية الأخرى كتركيا والسعودية وإيران، وما حملته من تدخلات وضغوطات أثّرت على مسار التغيير السياسي بالمنطقة عموما ودول الحراك العربي على وجه الخصوص.

هذه الدراسة ستحاول تناول تأثير العامل الخارجي ودوره في إعادة إنتاج التسلطية في المنطقة العربية وإعاقته للديمقراطية من خلال التركيز على الحالة المصرية، وذلك يتطلب منّا الإجابة عن الإشكالية التالية:

إلى أيّ مدى لعب العامل الخارجي دورا كبيرا في التأثير على مسار ومصير الحراك الشعبي بمساهمته في إعاقة الديمقراطية وإعادة إنتاجه للتسلطية في التجربة الانتقالية المصرية؟

- أهمية الدراسة

تكمن أهمية تناول موضوع التدخلات الخارجية ودورها في إعادة إنتاج التسلطية عقب الحراك الشعبي العربي في راهنتيه على المشهد السياسي العربي، حيث فرضت التغييرات السياسية العربية نفسها على اهتمام الباحثين، فمنذ اندلاع الحراك الشعبي دخلت الدول العربية في مسار ومرحلة تاريخية جديدة حملت في طياتها العديد من التغيرات والتطورات غير المسبوقة، التي شكّلت موضوعًا هامًا ذا أولوية يقع في جوهر النشاط المعرفي الإنساني، لتأتي هذه الدراسة كجزء لا يتجزأ من هذا الاهتمام.

- أهداف الدراسة

تهدف هذه الدراسة إلى محاولة فهم وتحليل السياسة الغربية والأجنبية تجاه المنطقة العربية، وذلك    من خلال دراسة مختلف الأدوار والآليات التي كانت سببا في إجهاض مسار التغيير السياسي بعد عام 2011 وخاصة في المراحل الانتقالية للدول، مع تسليط الضوء أكثر على التجربة المصرية، ومن ثَمّ محاولة طرح آليات لضبط التدخلات الخارجية.

- محاور الدراسة

شهدت الدول العربية مع نهاية عام 2010، وبداية عام2011 مجموعة من الوقائع والأحداث في سياق ما بات يُعرف بالحراك الشعبي، تلك الأحداث حملت العديد من التطورات والتغيرات على المشهد السياسي العربي، وأسفرت عن قدرة الأنظمة التسلطية العربية على إعادة إنتاج وتجديد نفسها فضلاً عن بروز أشكال مختلفة من الفوضى والحروب الأهلية، وذلك يعود لجملة من العوامل أبرزها عامل التدخل الخارجي.

وللإحاطة بالموضوع قسمنا دراستنا إلى ثلاثة محاور أساسية:

1-الحراك الشعبي العربي وانتكاسة التغيير المنشود: قراءة في تأثير العامل الخارجي.

2-آليات التدخل الخارجي التي ساهمت في إجهاض مسار الحراك الشعبي العربي.

3-التدخلات الخارجية في التجربة المصرية: من طموح التغيير إلى الاستبداد الجديد.

- منهج الدراسة 

لمعالجة المحاور الأساسية التي تضمنتها الدراسة استعنّا بجملة من المناهج، أهمها المنهج التاريخي الذي ساعدنا على تتبّع الأحداث السياسية العربية بعد الحراك الشعبي، والتي كان لها تأثير على مجرى الحياة والأوضاع السياسية والاجتماعية والاقتصادية الراهنة، كما ساعدنا كثيرا المنهج المقارن على إبراز خصوصيات الحراك الشعبي في الدول العربية، واستخلاص عوامل النجاح، والتعثر في النماذج التي عرفت الحراك الشعبي.

1-الحراك الشعبي العربي وانتكاسة التغيير المنشود: قراءة في تأثير العامل الخارجي

دفعت الأحداث التي شهدتها المنطقة العربية بعد عام 2011 إلى تدخّل بعض القوى الخارجية الدولية والإقليمية سواء بطريقة مباشرة أو غير مباشرة في توجيهها بما من شأنه أن يحافظ على مصالحها الحيوية والاستراتيجية، في هذه الحال وبحسب الأستاذ أحمد يوسف أحمد تصبح قراءة المشهد العربي الراهن معضلة نفسية قبل أن تكون مشكلة تحليلية، ومع ذلك لا مفرّ من محاولة البحث في ملامح المشهد لعلنا نضع أيدينا على موطن الداء ونفكّر   في احتمالات استفحاله أو تطويقه. 1

كلّ متتبّع للشأن السياسي العربي اليوم يرى أنّه لم يطرأ تحسّن كبير على أداء الأنظمة السياسية العربية، ولا أداء وحداتها الاستراتيجية، وذلك على الرغم من الآمال العريضة التي علّقت على موجة التحوّلات السياسية التي شملت عددًا من البلدان العربية، والتي عرفت موجة من التدخلات الخارجية ليس فقط من قبل القوى الإقليمية الكبرى كتركيا والسعودية وإيران، ولا حتى من القوى العالمية الكبرى كالولايات المتحدة الأمريكية ودول الاتحاد الأوروبي، ولا من نخب وجماعات وطنية لم تحسن التحكّم في بوصلة التغيير2 ، ولم تتمكن من بناء  الدولة التي خرج من أجلها المتظاهرون، دولة العدل والقانون والحرية،  والأخطر من ذلك أن يحكمها من ولاؤه لقوى خارجية أكبر من ولائه للوطن.

إنّ تعثر عملية إعادة بناء النظام في فترة ما بعد الحراك الشعبي العربي تثير العديد من الأسئلة المقلقة  والإشكاليات حول محصّلات التغيير السياسي في المنطقة، فمع تطور الأحداث تشتّت أفق التغيير المشترك  وتوالت العثرات عبر مختلف المراحل الانتقالية، وانتصبت العوائق على جميع المستويات،  وأصبحت أوضاع الأنظمة الانتقالية تغذي نزعة ارتكاسيه وحنينًا إلى ماضي ما قبل الحراك، مما يعطي انطباعًا بأنّ التغيير لم يراوح بعد مرحلة البداية الحقيقية، وتوقف أو اتخذ مسارًا تقهقريًا، في هذا السياق بدأت تتكرس فكرة أنّ الاضطراب هو أقرب توصيف لما جرى ويجري في المنطقة، حيث يرى الأستاذ "سيث جون" Seth Jones أنّ ما يحدث في المنطقة العربية مخيب للآمال فالأنظمة المنتخبة ضعيفة والصراعات القبلية أصبحت مهيمنة، كما غدت الحريات من دون ضمانات، فالأوضاع تنذر بالخطر وتلوح عواصف في الأفق"، وهذا ما حدا بالباحث بشارة خضر إلى القول  ألا يتغير كلّ شيء كي لا يتغير أي شيء.3

لكن هذا الفشل في التغيير لم تنحصر نتائجه وتبعاته في النطاقات العربية، وإنما استدعى أدوارًا بالغة الأثر في المحيطين الدولي والإقليمي، عادت الولايات المتحدة الأمريكية بقوة إلى مسرح الأحداث لتصبح لاعبًا أساسيًا فيما جرى في ليبيا، وما يجري في سوريا ولتدير من وراء الستار فصولاً من المرحلة الانتقالية في تونس ومصر واليمن، واستعادت روسيا وإلى حدّ ما الصين الدور النشط في قلب المنطقة العربية، عن طريق كبح جماح التدخلات الأمريكية الغربية الخليجية تجاه سورية ومستقبل النظام فيها، ووجد الكيان الصهيوني نفسه في نعيم من الأمن والاطمئنان بعد التبدل الاستراتيجي في الأولويات العربية من الخطر الصهيوني إلى الخطر الإيراني، وبعد نزيف الجيش السوري وبداية استنزاف الجيش المصري في مواجهة الإرهاب والعنف المسلح، وقفزت تركيا إلى قلب المنطقة لتمديد التدخل في سورية على نحو سافر، وتؤثر  على سياسات النخب الإسلامية الجديدة في مصر وتونس، ولم يكن دور إيران أقلّ فاعلية من الدور الإقليمي، وإن كانت ساحاته ومنافذه أقلّ والمتمثلة في سورية والبحرين ولبنان.4

ولقد حصل في كل ما سبق ما يشبه الضغط على عملية التغيير السياسي بعوامل ومطالب وأجندات من خارجها لتغيير مساره الذي أراده الشعب، فما شاهدناه منذ عام 2011 من مخاضات عسيرة في تجربة العلاقة بين السلطة والمعارضة، والسلطة والشارع معظم البلدان التي شهدت الحراك الشعبي، وهو مخاض قاتل أدّى في بعض الحالات إلى محاولة حسم قضايا الخلاف السياسي بالسلاح، إضافة إلى استسهال تدخل القوى الخارجية في الشؤون الداخلية للمنطقة العربية.  5

وبعد أكثر من 7 سنوات على بدء الحراك الشعبي العربي نلاحظ أنّ ما تحقق لم يكن معبّرا عن أهداف المواطنين من الكتل الجماهيرية التي انتفضت ضدّ الاستبداد والفساد، وإنما كان أكثر تكيفا وانسجاما مع أهداف أمريكا والصهاينة والقوى الغربية، التي سعت عبر سياساتها التدخلية إلى نشر الفوضى والحروب الأهلية العربية، ومنع وعزل الكتل الوطنية التي ضحّت من أجل التغيير، وتسليم السلطة في مصر وليبيا وحالات أخرى لرجالات الغرب المعروفين، بغية إعادة "ترقية الاستبداد upgraded authoritarianism "*.6

فالطريقة التي انتهى بها النظام التسلطي في دول الحراك الشعبي يكون لها أثر قوي على تفاعلات المرحلة الانتقالية ومخرجاتها، فعلى سبيل المثال التغيير الذي حدث في مصر أطاح برأس النظام السياسي من دون تغيير كبير في مؤسسات الدولة، بينما تغيير النظام السياسي في ليبيا من دون تغيير كبير في البنى السياسية والاجتماعية، وتقع تونس من حيث طبيعة التغيير وسطًا بين مصر وليبيا، ويرى كلّ من الأستاذين "ألفريد ستيبان"  Alfred Stepanو"خوان لينز" Juanj linz أنّ الوصف الملائم للنظام السياسي الذي برز بعد الحراك الشعبي العربي هو "الهجين السلطوي" لأنه يثير الانتباه للأوضاع غير العادية لتلك الدول وبقية الدول الأخرى كسورية والبحرين واليمن.7

إنّ ما حدث في الدول العربية مختلف، نتيجة لاختلاف محصّلات الحراك الشعبي ومسارات التغيير السياسي فيها وحدّة التدخلات الخارجية فيها، حيث تعدّ تونس النموذج الأوفر حظًا مقارنة بالنماذج العربية الأخرى لأنها ورغم المشاكل والتحديات التي واجهتها لم تصل إلى حدّ العنف وتقويض الدولة، ذلك أنّ الأطراف السياسية والاجتماعية الفاعلة فيها استطاعت حماية مسار التغيير السياسي من خلال وجود توافق سياسي بينها سمح لها بتجاوز خلافات عديدة كانت مترسبة طيلة السنوات الماضية  وجنّبها شدّة التدخّلات الخارجية، وذلك رغم بعض المشكلات التي تواجهه بين الحين والآخر، أما في مصر وعكس الحالة التونسية فقد أضاعت النخب السياسية فيها فرصة تاريخية للتغيير السياسي، وتعثرت في متاهات المرحلة الانتقالية، نظرًا لارتكابها جملة من الأخطاء وعدم قدرتها على استيعاب القوى السياسية المختلفة، بالإضافة إلى تدخل المؤسسة العسكرية في الحياة السياسية، الأمر الذي فتح الباب أكثر على الاختراقات الخارجية تجاه التجربة المصرية.

أما عن الحالتين الليبية والسورية، فإنّ الأوضاع فيهما تدرجت نحو الفوضى والعنف المسلح، حيث اتخذت شكل الحروب الطائفية ذات الخلفيات الدينية والقبلية، ممّا أدّى إلى انهيار مؤسسات الدولة وساهم في زيادة حدّة الاختراقات الخارجية الإقليمية منها والدولية، ففي ليبيا دخلت البلاد في نفق الإرهاب المسلح بسبب هشاشة الدولة واستناد الحراك الشعبي فيها على أسس غير سياسية كالقبلية بالإضافة إلى التدخلات الاستراتيجية للحكومات الغربية والخليجية، ممّا أدّى إلى إطالة الأزمة فيها، وعودة الوضع السياسي هناك لحالة ما قبل الدولة، أما عن سورية فهي النموذج الأكثر صعوبة وتعقيدًا بين النماذج الأربعة، وذلك لتعدّد الأطراف الداخلية والإقليمية والدولية فيها، حيث انتهى الحراك الشعبي الذي حاول تغيير النظام القائم إلى مواجهة مسلّحة بين النظام والمعارضة برعاية قوى أجنبية، لكلّ منها حساباتها الخاصة، الأمر الذي دمّر الدولة وأدخل الأوضاع بها في حلقة مفرغة لم يتمكن فيها النظام ولا معارضوه من حسم الموقف عسكريًا أو سياسيًا ، ممّا أدّى إلى تدويل القضية السورية.

ورغم أهمية العوامل الداخلية والخارجية وتأثيرها على أوضاع دول الحراك العربي إلا أنّ تعامل الأنظمة السياسية العربية مع مطالب البيئة الداخلية وضغوط القوى الخارجية لم يكن على درجة واحدة، فقد تباينت فيما بينها، مما يجعلنا أمام ثلاثة احتمالات أساسية: 8

- الاحتمال الأول: يتمثّل في تغليب المطالب الداخلية على حساب المطالب الخارجية، وهذا ما يقود إلى نزاع مع البيئة الخارجية، وهو يندرج في إطار سياسة التكيف المقاوم.

- الاحتمال الثاني: يتمثّل في التوفيق بين المطالب الداخلية والمطالب الخارجية وهو الذي ينتهي إلى قدر من التوازن في سياسات التكيف.

 - الاحتمال الثالث: يتمثّل في تغليب المطالب الخارجية على حساب المطالب الداخلية، وهو ما يقود إلى اضطراب داخلي نتيجة إنتاج سياسات تكيف إذعانية، ما يدفع النظام السياسي إلى استعمال آليات تكيف تعيد توظيف هندسة الاستبداد السياسي.

ويعتمد انتهاج النظام السياسي لإحدى الاحتمالات السابقة على مستوى قوة الدولة من خلال وجود قوة مادية، ووجود قوة معنوية، ووجود فنّ إدارة المتغيرات المادية والمعنوية وهو المرتبط بتطور هياكل التخطيط وصنع القرار السياسي، ونظرًا لفقدان معظم الأنظمة السياسية في المنطقة العربية لأغلب المؤشرات السابقة، فإنّ سياسات التكيف لديها تميل إلى تغليب المطالب الخارجية على حساب المطالب الداخلية، ويجري ذلك من خلال سياسات استبدادية تستهدف كبح المطالب الداخلية.9

تجدر الإشارة إلى أنّ التدخّلات الخارجية في المنطقة العربية بعد الحراك الشعبي لا تمثّل الاستثناء، فقد أشار الأستاذ مبدر لويس Mubdar Lewis أنها هي نفس القوى التي رعت نظام فرديناند ماركوسF.Marcos الدكتاتوري في الفلبين، ورعت نظام الشاه في إيران، وهي نفسها التي ساهمت في إسقاط نظام أليندي سلفادور A.salvador في تشيلي وأقامت نظامًا دكتاتوريًا قاده أغوستو بينوشيه A.Pinochet، كما أنها هي نفسها من تدعم اليوم فكرة إقامة نظم استبدادية في المنطقة العربية، وهي تمارس في سبيل ذلك كلّ ما أوتيت من قوة.10

فالتدخّلات الخارجية مرتبطة دائمًا بمصالح جيوسياسية، واقتصادية للقوى الخارجية، ممّا جعل المنطقة العربية بشكل عام أقلّ استجابة لعمليات التغيير السياسي النوعي، وذلك رغم بعض الإنجازات الاجتماعية والاقتصادية اللافتة التي تحقّقت في العقود الخمسة الماضية، إلا أنّ دور التدخّلات الخارجية يبقى مؤثّرا وهامّا جدًا في إعاقة عملية التغيير السياسي، فهذا الأخير يبقى قائمًا بصورة صحيحة في ظلّ غياب حدّة التدخّلات الخارجية مما سيوفّر فرصًا أفضل لتعزيز عملية التغيير السياسي المنشود.11

غير أنّ التدخّل الخارجي في بلدان المنطقة العربية لم يكن لينجح لو لم يجد جملة من المرتكزات الداخلية لتدخله السياسي والعسكري، وقد تمثّلت أبرزها في أنظمة تابعة مستبدة، وفي اقتصاد ريعي، وفي نخب فكرية وسياسية وإعلامية قُتلت فيها كرامة الوطن.12 ولاشكّ أنّ ذلك يؤدي إلى نتائج سلبية كما يرى المفكّر "تزفيتان تودوروف" Tzfetan Todorov، الذي يرى "أنّ التطور السياسي يجب أن يكون وليد الظروف المحلية لكي يعرف طريقه إلى النجاح".13 وأنّ انتكاسة الحراك الشعبي العربي كان للقوى الخارجية الدور الأكبر فيه، وذلك من خلال توظيفها لجملة من الآليات واستغلالها للعديد من التناقضات والقوى المحلية المتعاونة معها والمؤيدة لمصالحها.

2-آليات التدخّل الخارجي التي ساهمت في إجهاض مسار الحراك الشعبي العربي

لعبت القوى الخارجية أدوارا بالغة الأهمية في البلدان العربية التي عمّت فيها فوضى السلاح والحروب، كما اندست أيضًا في البلدان التي سقطت فيها الأنظمة أو أنصافها بشكل سلمي، خاصة عن طريق الرعاية الأمريكية لقوى "الإسلام الحزبي" وتمكينها من إدارة السلطة في بعض البلاد العربية ووقوفها في وجه إزاحتها بدعوى أنّها تتمتّع بشرعية انتخابية، وهذا ظاهريا، أما في الخفاء فقد شجّعت على الإطاحة بها والانقلاب عليها، مع ذلك لا مجال للقياس والمضاهاة بين هذا التدخّل الناعم وبين التدخّل الخشن، والسافر والمدمّر الذي حصل في المنطقة العربية التي كانت عرضةً للاقتتال الداخلي الطويل، وهل ثمة من تدخّل أكثر من التمكين اللوجستي والتسليحي والاستخباراتي والمالي لعشرات الآلاف من المسلحين المستوردين من كلّ بقاع الأرض، للتوغل في عمق المجتمعات العربية، وتمزيق نسيجها الوطني والاعتداء على جماعاتها المتعدّدة  وإرهاق جيوشها، وتخريب اقتصاداتها، وإقامة إمارات فيها، والعودة بها وبمجتمعاتها الأهلية إلى القرون الوسطى.14

إنّ للعامل الخارجي تأثيرا كبيرا يصل أحيانًا إلى درجة القول إنّه هو الفاصل في توجيه دفّة الأوضاع في المنطقة العربية، لذلك بدأت الأطراف الخارجية بالفعل في التحرّك سريعًا للتعامل مع المستجدات الحاصلة، واتخاذ خطوات استباقية تهدف إلى تأمين مصالحها قدر المستطاع، وجرى هذا الاتجاه باستخدام كلّ الأساليب المتاحة سواء بمحاولة التأثير السياسي المباشر عبر الاتصالات الثنائية أو غير المباشر بواسطة الإعلام أو باستخدام الأداة الاقتصادية في التلويح بأنّ بوصلة المساعدات الاقتصادية والاستثمارات ستتجه سلبًا أو إيجابًا وفقًا لطبيعة وتوجهات النظم الحاكمة الجديدة في المنطقة العربية، هذا على الصعيد الرسمي أما على الصعيد غير الرسمي فثمة تحرّكات أكثر حيوية وكثافة من جانب الأطراف الخارجية خصوصًا القوى الكبرى في العالم، هدفها إيجاد مكان مميز للأطراف الداخلية المتسقة معها سواء التنظيمات والقوى الحزبية أو مؤسسات المجتمع المدني، أو الفئات الاجتماعية الأكثر قربًا من توجهاتها الليبرالية.15

وكثيرًا ما تقدّم الدول العظمى نفسها كمنقذ، وهي في الوقت ذاته تساعد الدكتاتوريات وتدعمها حفاظًا على مصالحها وتبدو مستعدة لبيع الشعوب مقابل هدف آخر، وتستخدم حقوق الإنسان كوسيلة للضغط، فهي تتحرك فعلاً حين يهتز النظام الاستبدادي ويبدأ العالم يدرك طبيعته التعسفية.16

وهذا ما دفع الأستاذ "نعوم تشومسكي"N.Chomsky إلى القول بأنه يوافق تمامًا على فكرة أنّ الديمقراطيات الغربية هي التي تمنع نشوء الديمقراطيات العربية، وما دامت الولايات المتحدة الأمريكية تسيطر على المنطقة العربية كما فعلت بريطانيا وفرنسا من قبلها فلن تنشأ هناك ديمقراطيات لأنها ستدمر.17

كما ورد على لسان الباحث دانيال برمبيرغ Daniel Brunberg رئيس مؤتمر مبادرة أمريكا والعالم الإسلامي الذي يعقد سنويًا في الدوحة أنه لا بدّ من التغيير والتحول الشامل للأنظمة السياسية العربية لأجل ترميم علاقة العالم الغربي وبالتحديد الولايات المتحدة الأمريكية بالعالم العربي الإسلامي بما لا يهزّ المصالح الغربية الكبرى واستقرار منطقة الشرق الأوسط، ولا يؤثّر على تدفّق النفط ولا يضرّ بأمن الصهاينة،  وأنّ أمريكا أصبحت مستعدّة للمقايضة بين التحول والتغيير وبين التخلي عن هذا الاستقرار  ولو أدّت  إلى بعض الاهتزاز والفوضى.18

ومن الآليات التي اعتمدتها بعض القوى الغربية إجراؤها حوارات مكثفة مع قوى سياسية فكرية وحكومية ورأسمالية في مختلف دول الحراك الشعبي والدول التي لم تشهد الحراك أيضًا، إذ تدخّلت لحماية بعض هذه الأنظمة السياسية ومنعها من التعرّض لما تعرضت له دول أخرى من الحراك، وضغطت عليها لإجراء إصلاحات ومارست لتحقيق ذلك آليات ضغط ثقيلة الوزن لم يسبق أن مارستها لكي تبقى مصالحها الاستراتيجية في المنطقة محفوظة.19

وبمجرد اتضاح الاتجاه العام للتغيير بدأت القوى الغربية في التدخّل على ثلاثة مستويات: 20

- المستوى الأول: يتمثّل في التدخّل العسكري الصريح لإسقاط وتدمير النظام كما حدث في ليبيا، فقد تدخّل الحلف الأطلسي لإفشال كلّ محاولات التسوية السلمية للأزمة الليبية التي قام بها الاتحاد الإفريقي وقبلها القذافي،  كما تدخّل لحثّ دول مجلس التعاون الخليجي والجامعة العربية على إصدار قرار يطلب من الأمم المتحدة إنشاء منطقة حظر جوي فوق ليبيا لمنع الطيران الحربي من ضرب القوى المعارضة، ولكنه توسّع في عملياته ليشمل المشاركة المباشرة في القتال من خلال قوات برية وجوية، بل من خلال إلقاء القبض على القذافي وتسليمه لإعدامه، وقد حضرت هيلاري كلينتونHillary Clinton  شخصيًا إلى بنغازي قبل يوم واحد من اغتيال القذافي لتشرف على العملية، كما تشمل حالات التدخّل العسكري أيضًا تدخّل وحدات عسكرية من مجلس التعاون الخليجي لإنهاء الحركات الاحتجاجية في البحرين.

- المستوى الثاني: يتمثّل في التدخّل السياسي، وذلك من خلال التأثير في العمليات السياسية الداخلية في دول الحراك الشعبي بما يضمن مصالح القوى الغربية، ومثال ذلك دعم التيارات الإسلامية الأكثر اعتدالاً وقربًا من الغرب خاصة بعد فوز الإسلاميين في مصر وتونس وفق إطار تفاهم يحقّق مصالح الطرفين، غير أنه سرعان ما تراجعت عن ذلك من خلال عدم وقوفها مع الشرعية وقبولها التعامل مع من انقلب ضدهم في مصر واعتباره حليفا استراتيجيا.

- المستوى الثالث: يتمثّل في التدخّل لتمويل جماعات المجتمع المدني لمساعدتها في الضغط لتنفيذ أجندات غربية، ومثال ذلك ما قامت به الولايات المتحدة الأمريكية التي أعلنت أنها قدّمت منحًا تصل إلى 40 مليون دولار للجمعيات المصرية، مما دعا المجلس العسكري المصري للقول حينها أنّ هناك قوى خارجية تنشط في مصر لإخراج الحراك عن مساره.

   فما جرى في مشاهد الحراك الشعبي العربي وما بعدها أنّ القوى الغربية سارعت في مصر وتونس  إلى وضع خطة للتدخّل في مسار التغيير عن طريق بناء "حركة مضادة للتغيير"، وقد انضوت إلى جانب القوى الغربية بعض دول الخليج، فنشأ مشهد جديد تحوّلت تلك الحركة المضادة للتغيير إلى عنصر أساسي في مكوناتها، فجاء التدخّل العسكري الغربي في ليبيا بمشاركة خليجية مباشرة بوصاية الغرب وفرض إملاءاته السياسية، وتأمين مصالحه الاقتصادية مع كلفة وصلت إلى حدّ تدمير بنيان الدولة الليبية، وفي اليمن حاولت الحركة المضادة للتغيير احتواء حركة التغيير بأشكال مختلفة أو أن توجّهه وتتحكّم بمساره ومآله لئلا يخرج عن التوازن الجيوسياسي الخليجي الذي يحميه الغرب الكولونيالي، ولكي يصبح مجالاً ملحقا بالقطاع الريعي.21

واندفعت" الحركة المضادة "نفسها إلى أبعد من الاحتواء في البحرين إذ سرعان ما تدخّلت عسكريًا تحت عنوان درع الجزيرة، وكانت ذريعتها في التدخّل أنّ الحراك الشعبي في البحرين موجه من الخارج الإيراني،  وفي سوريا تمّ التدخّل من قبل قوى خارجية مختلفة للضغط على النظام السياسي ليس من أجل رعاية الحراك بل من أجل خدمة مصالحها، غير أنّ التدخّل لا يصوّغ لجوء النظام في سوريا إلى النهج الأمني     في التعامل مع الحراك، فمثل هذا النهج يعقّد الأزمة في الداخل ويطيل أمدها وقد يحولها إلى مأزق مفتوح  من خلال إهداء الغرب ذريعة مجانية من أجل تشريع تدخّله ومضاعفاته بصور شتى.22

الخلاصة أنّ تطور الأوضاع في كلّ البلدان التي استهدفتها موجة الحراك الشعبي على نحو مباشر قد فتح الطريق أمام اللاأمن وعدم الاستقرار والانقسام خاصة مع زيادة نوعية التدخّل الخارجي الذي يمكن تحليله من خلال الإشارة إلى ثلاثة أبعاد أساسية:23

أ - تدفّق المقاتلين أو المرتزقة إلى البلدان التي تعاني الصراعات مثل سورية وليبيا والبحرين واليمن أو تأييد قوى إقليمية ودولية لهذا الطرف أو ذاك على نحو عدم الاستقرار وتفاقم مخاطر العنف، كلها عوامل أفضت إلى ظاهرة "داعش"* الخطيرة، والتي هي في أصلها صنيعة مخططات خارجية حسب بعض الدراسات، وقد أدّت تداعيات هذه الظاهرة في ظلّ ضعف النظاميين العراقي والسوري إلى إعطاء ذريعة إضافية لمزيد من التدخّل الإيراني في كلّ من العراق وسورية، بالإضافة إلى الكلام الذي قيل بشأن تركيا ودعمها الخفي للدولة الاسلامية في العراق والشام "داعش".

ب - الارتباك والضعف العربيين، ونشير هنا إلى المسؤولية غير المباشرة لقرارات جامعة الدول العربية التي أفضت إلى تدخّل حلف الشمال الأطلسي في ليبيا الذي يُعدّ مسؤولاً عما آلت إليه أوضاعها حتى الآن، في حين أنها لم تتمكّن من أن يكون لها أدنى سيطرة على الأوضاع في الحالة السورية وبالذات من منظور التسوية السياسية، ولا أدنى قدرة من منع الاختراق الخارجي، وفي اليمن اقتصرت معظم المواقف العربية على إدانة السيطرة الحوثية على صنعاء ومفاصل الدولة فيها وفي الأماكن التي امتدت إليها سيطرتهم، والمساعدة الخليجية وبالذات السعودية المناوئة للحوثيين واتخذت هذه المساعدة أساسًا الشكل المالي والدبلوماسي بدعم شرعية عبد ربه منصور هادي، لكن هذا كلّه لم يمنع تزايد الدعم الإيراني للحوثيين وبناء جسور قوية لزيادة هذا الدعم.

ج - وجود مشروعين إقليميين للهيمنة أولهما المشروع الإيراني، حيث صرّح علي يونسي مستشار الرئيس حسن روحاني لشؤون القوميات والأقليات المذهبية في منتدى الهوية الإيرانية، تضمّن نصّ التصريح " أن إيران اليوم أصبحت إمبراطورية كما كانت عبر التاريخ وعاصمتها بغداد حاليًا وهي مركز حضارتنا وثقافتنا وهويتنا اليوم كما هي في الماضي "، أما المشروع الأخر فتقوده تركيا التي تحرص على تأييد العرب، حيث قامت بمساندة تيار الإخوان المسلمين في سعيهم إلى استعادة السلطة في مصر والوصول إليها ومن استعداء قوى عديدة في البلدان العربية، حيث ألقى أحمد داود أغلو كلمة بمناسبة الاحتفال بالذكرى المئوية لانتصار العثمانيين في مارس 1915 قال فيها "وحدة المصير بين شعوب المنطقة العربية تحت الحكم العثماني والنصر الإلهي للجنود المؤمنين.  

إنّ أي محاولة لفهم السياسة الغربية والأجنبية تجاه الدول العربية تحيلنا إلى أنّ الهدف الوحيد للسياسة الغربية والأمريكية بالخصوص تجاه المنطقة هو حماية مصالحها الحيوية والاستراتيجية، ولن يتأتّى لها ذلك إلا من خلال السيطرة على الأنظمة السياسية العربية أو القضاء عليها نهائيًا إذا اقتضى الأمر، واستبدالها بأنظمة استبدادية أخرى تخدم مصالحها.24

ولاشك أنّ عجز الأنظمة السياسية العربية عن إنتاج بدائل إصلاحية لمعالجة أزماتها واختلالاتها المركبة والمعقدة أثناء المرحلة الانتقالية، قد جعل من قضية الإصلاح والتغيير تتجاوز كونها مطلبًا محليًا للشعوب العربية إلى مطلب عالمي، فتحوّلت إلى جزء بات هو الأبرز في قضايا الصراع الدولي والعلاقات الدولية الجديدة   أو ما سُمّي بالنظام العالمي الجديد، وعليه أصبح الإصلاح أو التغيير وسيلة وغطاء وذريعة للتدخّل في الشؤون الداخلية للدول العربية، عبر طرحه من قبل القوى الدولية الكبرى، ليكون بمثابة مفتاح يمكن لها استخدامه للتدخّل في الشؤون الداخلية للدول المراد إنجاز التغيير السياسي فيها، حيث وصل الأمر إلى الدرجة التي باتت فيها حدود الدول مجرد خطوط هندسية توضع على الخرائط فقط، لتمييز جغرافية دولة من أخرى  لكنها في مجرى مصالح القوى الكبرى ومنطقها أمر غير مهم، يمكن تجاوزه  أو انتهاكه وفق منطق القانون الدولي أو حتى من دونه، والأمر لا يحتاج من القوى الكبرى بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية الباحثة عن مصالحها في الدول العربية المأزومة داخليًا، سوى أن تقول إنّ الأنظمة السياسية العربية المراد تغييرها بوضعيتها الحالية أصبحت منتجًا خامًا للإرهاب والعنف والتطرف الأمر الذي يمسّ حياة العالم وأمنه ككل، ومن ثَمّ فإنها تهدّد الأمن والسلام العالميين.25

من هنا وجب التدخل لمساعدتها على إصلاح أوضاعها الداخلية المتعفّنة، وتجفيف مستنقعات الإرهاب والعنف فيها، إنه سبب "شرعي" وفق منطق القوى الدولية، وأضحى يشكل اليوم العنوان الأبرز لإعادة إنتاج التسلطية في المنطقة العربية برمتها، انطلاقًا من أنّ أنظمتها السياسية وشعوبها المحلية غير قادرة على إصلاح أوضاعها وتطويرها، بسبب تفاقم أزماتهم وغياب الحريات والعدالة الديمقراطية، لذلك فالقوى العظمى ترى نفسها أنها تقوم بمهمة مقدّسة لتخليص العالم من شرور العرب وأخطائهم.26

3-التدخّلات الخارجية في التجربة المصرية: من طموح التغيير إلى الاستبداد الجديد   

شهدت مصر طيلة المراحل الانتقالية مسارًا سياسيًا مرتبكًا، تأكّد فيه أنّ الأطراف السياسية التي تصدّرت المشهد السياسي لم تدرك طبيعة عملية التغيير السياسي ومتطلبات إدارته من جهة، ولم تنجح   في مواجهة ما زرعه النظام السابق من أوضاع اقتصادية واجتماعية وسياسية صعبة، لقد أفضت مواقف هذه الأطراف واختياراتها التعامل مع الحراك وكأنه حراك انتخابي لتنتهي المرحلة بانهيار مسار التغيير السياسي الوليد، وانقلاب المؤسسة العسكرية عليه وإعادة النظام السياسي إلى ما كان عليه.27      

ومن خلال قراءتنا للتجربة المصرية مع الحراك الشعبي نعتبر أنّها عرفت العديد من الأحداث والمحطات الانتقالية والتي قسمناها إلى ثلاث مراحل أساسية:

بدأت الأولى عند دعوة حسني مبارك للتنحي عن الحكم من 25 جانفي 2011 وإلى غاية جوان 2012 والتي أسفرت عن انتخابات تشريعية فاز فيها الإخوان المسلمون، وأخرى رئاسية استطاع فيها محمد مرسي اعتلاء السلطة كأول رئيس مدني منتخب من قبل الشعب المصري، وذلك تحت قيادة وإشراف المؤسسة العسكرية.

ثم دخلت مصر بعدها في مرحلة انتقالية ثانية امتدت من 30 جوان 2012 إلى غاية 30 جوان 2013، وهي فترة حكم الإخوان المسلمون، والتي عرفت تطورات سياسية عديدة في ظلّ بيئة من الاستقطاب السياسي الحاد والانفلات الأمني غير المسبوق، وتردي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية بشكل كبير، ما أدى إلى تزايد عدد الاحتجاجات والإضرابات بالإضافة إلى وجود حالة من الانفلات الإعلامي الذي كانت له انعكاسات كبيرة على المشهد المصري العام.

لتأتي المرحلة الانتقالية الثالثة والفاصلة في تاريخ مصر والتي كانت يوم الأربعاء 3 جويلية 2013 حين انقلبت المؤسسة العسكرية بقيادة الفريق عبد الفتاح السيسي على الرئيس المنتخب محمد مرسي وعزله عن السلطة، الأمر الذي أدّى إلى عودة القديم وتخريب مساعي المصريين في إنجاح عملية التغيير السياسي.    

وفي إجابته عن سؤال هل يستطيع النظام القديم المنهار إعادة بناء نفسه من جديد؟ يقول الأستاذ "جين شارب" Gene sharp لقد حذرنا أرسطو منذ زمن بعيد قائلاً الحكم الاستبدادي يمكن أيضًا أن يتحوّل إلى حكم استبدادي جديد، والتاريخ يوفّر لنا أمثلة على ذلك، حيث ترى الكثير من النخب في سقوط النظام فرصة ليصبحوا هم الأسياد الجدد، قد تختلف دوافع تلك النخب، ولكن غالبا ما تكون النتائج متشابهة، بحيث يصبح نظام الحكم الديكتاتوري الجديد أشدّ بطشًا من نظام الحكم الديكتاتوري القديم، فهل هذا ما حدث في مصر بعد انقلاب المؤسسة العسكرية على الرئيس المنتخب؟28

في إجابتنا عن هذا السؤال نشير إلى ما طرحه الباحث صالح شمس الدين إسماعيل حين قال: " عندما قام حراك 25 جانفي 2011 كنا نحن المصريين نأمل في أنّ الوقت قد حان للتغيير، ولكن للأسف تضاربت مصالح القوى السياسية مع آليات الديمقراطية، فكانت الولادة متعثرة ومليئة بالاضطرابات والأطراف الخفية داخلية وخارجية ".29

وفيما يخصّ علاقة التجربة المصرية بأدبيات التغيير الديمقراطي، تبيّن أنّ عملية الانتقال الديمقراطي في مصر لم تكن سليمة وعانت من عدّة عقبات، أهمها طول المرحلة الانتقالية، في ظلّ عدم وجود خطة طريق متفق عليها بين مختلف القوى السياسية للتغيير، بالإضافة إلى عدم التوافق حول حدود النظام بين الأطراف السياسية ( دولة مدنية أو مدنية بمرجعية إسلامية، أو إسلامية...وغيرها ) نتيجة الاستقطاب السياسي الحاد والسريع حول المسار في البدايات، فضلاً عن الانقسام الإيديولوجي وتحويل الخلافات السياسية إلى قضايا وجودية، وتصدير تلك الصراعات إلى الشارع، ما أدّى إلى الصدام والعنف، هذا في ظلّ عدم امتلاك الأطراف السياسية الفاعلة في إدارة التغيير المهارة والخبرة اللازمتين، ولهذا كانت معظم النقاشات تنتهي صفرية من خلال المقاطعة والإفشال المتبادل، هذا إلى جانب العامل الخارجي الذي كان حاسمًا في إفشال مسار الحراك والتغيير وإجهاضهما.30

ويرى الباحث رايموند هينوش Raymond Hinnebusch أنّ مصر سارت بعكس العملية الديمقراطية تمامًا، فوجود المؤسسة العسكرية التي أعطت الأفضلية لمصالحها وقيام عملية تحالف بين قوى عدّة من داخل النظام وخارجه، لهندسة عملية الإطاحة بالرئيس، وعلى الرغم من عملية الانتقال السلمية من حكم حسني مبارك نسبيًا، فإنّ النقاشات والحوارات التي تلت الحراك الشعبي بين صانعيه والعلمانيين والمؤسسة العسكرية والقوى الإسلامية،لم تتوافق على التقيد بقواعد معينة للعبة السياسية، وسمح غياب حركة مناصرة للديمقراطية منظمة وقوية  ونقابات عمالية مستقلة، مقارنة بالحجم الكبير للمؤسسة العسكرية المسيسة، والانقسام بين الإسلاميين والعلمانيين باستعادة كبيرة لملامح النظام القديم.31

إلى جانب تدخّل المؤسسة العسكرية في الحياة السياسية، لعبت التدخّلات الخارجية سواء الإقليمية منها والدولية دورا كبيرا في التأثير على مسار التغيير السياسي المصري، فالولايات المتحدة الأمريكية تتغاضى عن تدهور سجل الحكومة المصرية في حقل الديمقراطية، وما يتعلّق بها من قضايا وتستمرّ في تقديم المساعدات العسكرية والاقتصادية إلى مصر والتشاور معًا بشأن القضية الفلسطينية، وأزمات الشرق الأوسط الأخرى فالاهتمام الطاغي للدول الغربية قبل الحراك المصري وما بعده لا يخصّ قضايا الديمقراطية بل كيفية خدمة مصالحها في المنطقة بأفضل صورة، وهي المصالح التي تشمل النفط وأمن الكيان الصهيوني.32

حيث أبانت مراسلات تسربت من البريد الالكتروني لوزيرة الخارجية الأمريكية السابقة هيلاري كلينتون أنّه كان هناك صراع بين مبارك وقادة المجلس العسكري حول خليفته بعد تنحيه، فمبارك كان مصرًا على عمر سليمان مدير مخابراته آنذاك، بينما أصرّ المجلس على تسلم إدارة البلاد، كما كشف أخر وزير خارجية في عهد مبارك السيد أحمد أبو الغيط أنّ عمر سليمان مدير جهاز المخابرات العامة أبلغه أنّ جماعة الإخوان المسلمين لن تستمرّ في الحكم وأنّ اللواء عبد الفتاح السيسي الذي كان مدير المخابرات العسكرية آنذاك سيتكفل بها. أما أحمد شفيق وهو أخر وزراء مبارك فقد أعلن في مقابلة تلفزيونية في جوان 2015 أنه ساهم أثناء حكم مرسي في التخطيط للتخلّص من الإخوان باتصالاته مع الأمريكيين وبعلم من المخابرات العامة المصرية. ومن ذلك أيضًا اعتراف وزير الداخلية محمد إبراهيم رفضه التقيد بأوامر مرسي وعرقلة عمل المحافظين الإخوان، واعتراف وكيل جهاز المخابرات العامة ثروت جودة بأنّ المخابرات تعمّدت تضليل الرئيس مرسي ولم تعطه معلومة واحدة صحيحة طوال فترة رئاسته، وأعلنت الولايات المتحدة الأمريكية الإفراج عن مساعدات عسكرية كانت مجمّدة سابقًا، ثم قدّمت مساعدات إضافية بقيمة 1.3 مليار دولار في ديسمبر 2014  بجانب عقد صفقة سلاح مع فرنسا بأكثر من 7 مليارات دولار مطلع عام 2015، هذا فضلاً عن الغموض حول حجم التعاون الأمني مع الصهاينة والغربيين، غير أنّ هذه العلاقات تجاوزت كثيرًا ما كانت عليه أيام مبارك، وهذا ما جعل خبيرا أمريكيا في الشؤون العسكرية يقول عن العلاقات المصرية الصهيونية بأنها صارت أقوى من علاقات مصر بالسودان.33

من خلال كلّ ما سبق يتبين لنا أنّ جميع القوى السياسية في مصر قد أضاعت فرصة تاريخية للتغيير السياسي، وارتكبت عدّة هفوات خلال المراحل الانتقالية، حيث لم يستطع الحراك الشعبي الوصول إلى الحكم واستلام السلطة وتجريد القوى السابقة من نفوذها السياسي، هذا إلى جانب سيطرة المؤسسة العسكرية على عملية التغيير السياسي والتي تحالفت في الكثير من الأحيان مع رموز النظام القديم، كما كان الفشل في بناء توافق سياسي على خارطة طريق انتقالية أثر كبير في زيادة حدّة الاستقطاب السياسي  فضلاً عن عجز إدارة الإخوان بقيادة مرسي خلال المرحلة الانتقالية الثانية عن استيعاب القوى السياسية المتعددة والمختلفة، كما كان للمعارضة نصيب كذلك في هذا الفشل من خلال عرقلتها للعديد من الحوارات والاستنجاد بالمؤسسة العسكرية، التي وجدت بقيادة عبد الفتاح السيسي دعما كبيرا من الخارج لإفشال مساعي الانتقال الديمقراطي، وإعادة ترقية الاستبداد المصري.  

على المستوى الخارجي عمل النظام الحالي بقيادة عبد الفتاح السيسي على مجموعة من الدعائم التي وجدت منذ اتفاق السادات مع كيسنجر الشهيرة، وهي وجود نظام رأسمالي مرتبط بالنظام الرأسمالي العالمي  وبالتالي تحجيم دور الدولة، بالإضافة إلى استمرار العلاقات الاستراتيجية مع أمريكا والسلام مع الصهاينة والإبقاء على السلام المصري الصهيوني كحالة دائمة ومتطورة وليس مؤقتة، إلى جانب احتفاظ السلاح الأمريكي بالدور الأساسي في تسليح المؤسسة العسكرية المصرية بالإضافة إلى تدريبها، مع بقاء الدور العربي لمصر كما هو قبل حراك 25 جانفي 2011 منكمشًا ومتوقفًا على حاجات الاستراتيجية الأمريكية عند دراسة خيارات النظام الحاكم.34

إنّ عملية إعادة إنتاج النظام السابق وترقية الاستبداد في مصر انطلقت عندما قام عبد الفتاح السيسي بانقلاب عسكري عام 2013 على الرئيس المدني المنتخب محمد مرسي وعزله عن السلطة وترتيب الأوضاع السياسية بعد ذلك بالشكل الذي سمح له باعتلاء الحكم في مصر،  وتركيز جميع السلطات السياسية والأمنية والعسكرية في يده، بعدما تخلّص من جميع خصومه داخل المؤسسة العسكرية والأمنية وعلى مستوى الحياة السياسية، والسيطرة على الكثير من مؤسسات الدولة المصرية  واستكمالاً لترسيخ دعائم الاستبداد قام الرئيس مرة أخرى من خلال انتخابات رئاسية درامية نافس فيها نفسه عام 2018 بعدما قام بإقصاء جميع المرشحين الذين يشكلون تهديدًا لاستمراره في الحكم، فمنهم من أعتقل ومنهم من انسحب، كما أنّ تشرذم المعارضة السياسية وعدم طرح نفسها كقوة سياسية بديلة، إضافة إلى الدعم الإقليمي والدولي لتثبيت أوضاع النظام السياسي في مصر بهذه الصورة، حيث لا توجد مصلحة إقليمية ودولية للقيام بتغيير النظام السياسي المصري الحالي. 

وفي الأخير نشير إلى بعض المتغيرات التي قد تؤثّر في ضبط التدخلات الخارجية، والمتمثلة في ضرورة التأكيد على سلمية أي حراك أو مطلب شعبي هدفه التغيير أو الإصلاح، فهو من أهمّ العوامل التي تمنع أو تحدّ من إمكانية التدخّل الخارجي، نشير إلى ليبيا مثلاً نزل المتظاهرون فيها إلى ما أراده النظام في جرّ ليبيا إلى أعمال عنف، وبالتالي سارت الأمور بالصورة التي نعلمها جميعًا ومهدت الطريق بسهولة للتدخّل الخارجي ونفس الأمر حدث في سورية، ولو كان هناك وعي مسبق وتمسكت القوى المشاركة في الحراك بالعمل السلمي فربما كان ذلك سيحدّ بشكل كبير من عملية التدخّل العسكري في مسار الحراك. 35

كما يجب كذلك إدارة العلاقات في مرحلة ما بعد الأزمات بشكل عقلاني، فإنه قد يحدث نوع من الاشتباك السياسي وقد يحدث نوع من الاختلاف بين القوى الداخلية أمام القوى الخارجية، لكن القدرة على إدارة العلاقات مع هذه القوى الكبيرة والفاعلة يجنبنا التدخّل الخارجي، فالمهم هو تحييد التدخّل العسكري الذي يشوّش على الحراك بل ويحبطه ويخلق له مشاكل كبيرة تؤدي إلى أوضاع أكثر سوءا من الأوضاع التي انتفضوا من أجلها، ليصبح أمام استبداد داخلي واستبداد خارجي، فلا يخرج الحراك من فخّ الاستبداد الداخلي لتقع البلاد في فخّ الاستبداد الخارجي وهذه تحتاج إلى العمل والحوار والتوافق السياسي بين مختلف الأطراف الداخلية وتوظفيه قدر الإمكان في تحييد الأنظمة المستبدّة، ومن الضروري الالتزام بعدم الانجرار إلى عسكرة أي عملية تهدف إلى الإصلاح أو التغيير لأنّ ذلك يشكّل بيئة مواتية للتدخّل الخارجي الذي يعيد إنتاج الاستبداد.36

خاتمة

لعب العامل الخارجي دورا حاسما في مجريات التحوّلات السياسية التي شهدتها المنطقة العربية عقب أحداث الحراك الشعبي العربي، فعملية التغيير انحرفت عن مسارها الصحيح نتيجة تعرّضها لجملة من الضغوط والتدخلات الخارجية التي وجدت بيئة داخلية مثالية طيلة المراحل الانتقالية التي كان من أبرز سماتها الانقسامات والصراعات السياسية والعسكرية، الأمر الذي حرم الدول العربية من نموها الطبيعي بعد مخاض عسير، فعند اندلاع الحراك العربي، بدأت القوى العالمية والإقليمية الكبرى كما جرت العادة تبحث عن مصالحها الاستراتيجية في المنطقة،  وتحركت بشكل ذكي ووفقًا لما تقتضيه الحاجة  ومارست ضغوطًا لم يسبق أن مارستها على هذه الدول من خلال جملة من التدخلات السياسية والعسكرية والاقتصادية لتعيد إنتاج أنظمة سياسية تسلطية تضمن لها الحفاظ على جميع مكتسباتها في المنطقة، وهو الأمر الذي حدث في مصر عندما ساهمت التدخّلات الخارجية خاصة من قبل الولايات المتحدة الأمريكية وبعض دول الخليج العربي في مساعدة عبد الفتاح السيسي وتقديم دعم كبير له، كلّ ذلك ساهم في إفشال مساعي الانتقال الديمقراطي وأعاد إحياء النظام العسكري التسلطي من جديد.

ومن أهمّ النتائج التي يمكن استخلاصها بعد تحليلنا لهذا الموضوع ما يلي:

-رغم مساهمة عوامل البيئة الداخلية في إفشال عملية الانتقال الديمقراطي في المنطقة العربية بعد الحراك الشعبي، إلا أنّ تدخّل القوى الدولية والإقليمية يعتبر المحدّد الرئيسي في إعادة إنتاج الأنظمة التسلطية.

-أثبتت الأحداث التي عرفتها التجربة المصرية بعد الحراك زيف المبادئ التي تتغنّى بها بعض القوى الدولية الكبرى، كدفاعها عن الديمقراطية وحقوق الإنسان، حيث أنها غالبا ما تنقلب على تلك المبادئ إذا تعلق الأمر بتعاملها مع وصول حزب إسلامي للسلطة بطريقة ديمقراطية.

-المصلحة هي المحدّد الرئيسي في تعامل القوى الدولية الكبرى وبعض القوى الإقليمية مع الأحداث التي عرفتها المنطقة العربية بعد الحراك الشعبي.

ستبقى أغلب الأنظمة السياسية العربية عصية على الديمقراطية وأكثر تسلطية في ظل إعادة حكم المؤسسة العسكرية التي تمثل الفاعل الأكثر قبولا في تعاملات بعض القوى الدولية والإقليمية

الهوامش

1.أحمد يوسف أحمد، " مدخل إلى قراءة إجمالية في المشهد العربي"، مجلة المستقبل العربي، مركز دراسات الوحدة العربية، العدد 443، جانفي 2016، ص ص 41، 42.

2.أحمد يوسف أحمد، نيفن مسعد وآخرون، حال الأمة العربية 2012-2013مستقبل التغيير في الوطن العربي مخاطر داهمة،ط1، بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، 2013، ص 31.

3.إدريس لكريني، إميل بدارين وآخرون، أطوار التاريخ الانتقالي مآل الثورات العربية، ط1، بيوت: المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 2015، ص ص 245، 246.

·قدوم عصر الهيمنة العربية الإسلامية المخلص ومنقذ العالم من شرور الهيمنة الغربية العلمانية.

4.عبد الإله بلقزيز وآخرون، التغيير في الوطن العربي أي حصيلة ؟، ط1، بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، 2013، ص 12.

5.نفس المرجع، ص 12.

6.صلاح مختار، متلازمة أمريكا هل هو ربيع عربي أم سايكس بيكو ثانية، ط1، لندن: إصدارات إي كتب، 2016ص ص 311، 312.

·عبارة طرحها الأستاذ هايدمان ستيفن HeydemanStevenلوصف ظاهرة استمرار السلطوية، فالأنظمة السياسية العربية تتكيف مع الضغوطات من أجل الإصلاح السياسي وتستمر، وذلك من خلال تطوير إستراتيجيات لاحتواء وإدارة الطلبات التي تنادي بالتغيير السياسي، أنظر:

7.Vincent Durac , "Protest movements and political change: an analysis of the Arab uprisings of 2011", Journal of Contemporary African Studies, N 02, vol 31, 2013.                     

8.إدريس لكريني، إميل بدارين وآخرون، مرجع سابق الذكر، ص 86.

9.أمحمد مالكي، كمال عبد اللطيف وآخرون، الانفجار العربي الكبير في الأبعاد الثقافية والسياسية، ط1، بيروت: المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 2012، ص ص 225، 226.

10.نفس المرجع، ص ص 225-226.

11.علي خليفة الكواري وآخرون، لماذا انتقل الآخرين إلى الديمقراطية وتأخر العرب، ط1، بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، 2009، ص 75.

12.إبراهيم بدوي، سمير مقدسي، تفسير العجز الديمقراطي في الوطن العربي، تر: حسن عبد الله بدر، ط1، بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، 2011، ص 461.

13.إبراهيم المدهون، توفيق شومان وآخرون، ثورات قلقة مقاربات سوسيو استراتيجية للحراك العربي، ط1، بيروت: مركز الحضارة لتنمية الفكر الإسلامي، 2012، ص 82.

14.بلقاسم عيساني، "ربيع العرب ورؤية الانثربولوجية الوحشية"، في: مؤسسة الفكر العربي، التقرير العربي السابع للتنمية الثقافية العرب بين مآسي الحاضر وأحلام التغيير أربع سنوات من الربيع العربي. ) بيروت: العدد السابع، 2014)، ص 221.

15.أحمد يوسف أحمد، بسمة مبارك السعيد وآخرون، مستقبل التغيير في الوطن العربي، ط1، بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، 2016، ص 263.

16.سامح راشد، " شرق أوسط جديد قديم...الخريطة الإقليمية في عصر الثورات"، مجلة شؤون عربية، العدد 146، 2011، ص ص 50، 51.

17.سلمان عودة، أسئلة الثورة، ط1، بيروت: مركز نماء للبحوث والدراسات،2012، ص 197.

18.مؤسسة الفكر العربي، مرجع سابق الذكر، ص 480.

19.حسن محمد الزين، الربيع العربي آخر عمليات الشرق الأوسط الكبير، ط1، بيروت: دار القلم الجديد، 2013، ص 264.

20.جواد محمد وآخرون، مرجع سابق الذكر، ص ص 10، 11.

21.محمد السيد سليم، ضغوط ما بعد الثورات الانكشاف التزايد للنظام الإقليمي العربي، مركز راشيل كوري الفلسطيني لحقوق الإنسان ومتابعة العدالة الدولية، 16/12/2013، على الموقع:                               http://rachelcenter.ps/news.php?action=view&id=10891,consultéle 31/07/2017heure 1: 36

22.إبراهيم المدهون، توفيق شومان وآخرون، مرجع سابق الذكر، ص ص 83، 84.

23.نفس المرجع، ص ص 84، 86.

24.علي الدين هلال وآخرون، حال الأمة العربية 2014-2015الإعصار من تغيير النظم إلى تفكيك الدول، ط1، بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، 2015، ص ص 173، 174.

·للمزيد من المعلومات انظر: فواز جرجس، داعش إلى أين؟، جهاديو ما بعد القاعدة، تر: محمد شيا، ط1، بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية،2016.

25.مع العلم أن داعش هو اختصار لكلمة الدولة الاسلامية في العراق والشام.

26.مرجع سابق الذكر، ص 176.

27.أشواق عباس، أزمة بناء الدولة العربية المعاصرة مقاربة نقدية لمفهوم الإصلاح وإشكالية التكامل العقلاني، ط1، بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، 2016، ص ص 9، 10.

28.نفس المرجع، ص 10.

29.عبد الفتاح ماضي «تحولات الثورة المصرية في خمس سنوات"، مجلة سياسات عربية، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، العدد 18، جانفي 2016، ص 24.

30.أحمد فهمي، مصر 2013دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر: مراحلها مشكلاتها سيناريوهات المستقبل، ط1، الرياض: مركز البيان للبحوث والدراسات، 2012، ص 110.

31.شمس الدين إسماعيل، أسباب سقوط حكم الإخوان، ط1، القاهرة: شمس للنشر والإعلام، 2014، ص 229.

32.علي خليفة الكواري، عبد الفتاح ماضي وآخرون، الديمقراطية المتعثرة مسار التحركات العربية الراهنة من أجل الديمقراطية، ط1، بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، 2014، ص ص 133، 134.

33.رايموند هينبوش، "مقاربة في علم الاجتماع التاريخي لفهم التباين في مرحلة ما بعد الثورات في البلدان العربية"، مجلة عمران للعلوم الاجتماعية والإنسانية، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، العدد 23، المجلد 6، شتاء 2018، ص 45.

34.إبراهيم بدوي، سمير مقدسي، مرجع سابق الذكر، ص 399.

35.عبد الفتاح ماضي "تحولات الثورة المصرية في خمس سنوات"، مجلة سياسات عربية، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، العدد 18، جانفي 2016، ص 33.

36.أحمد يوسف أحمد، بسمة مبارك سعيد، مرجع سابق الذكر، ص 121.

37.جواد محمد وآخرون، مرجع سابق الذكر، ص ص 42.

38.مرجع سابق الذكر، ص 43

@pour_citer_ce_document

عبد المومن سي حمدي / عنترة بن مرزوق, «دور العوامل الخارجية في عرقلة عملية التغيير الديمقراطي في المنطقة العربية بعد 2011: دراسة الحالة المصرية.»

[En ligne] ,[#G_TITLE:#langue] ,[#G_TITLE:#langue]
Papier : ص ص 228-240,
Date Publication Sur Papier : 2019-04-11,
Date Pulication Electronique : 2019-04-11,
mis a jour le : 11/04/2019,
URL : https://revues.univ-setif2.dz:443/revue/index.php?id=5564.