الإستراتجية الأمريكية لمواجهة نفوذ حزب الله اللبناني في منطقة الشرق الأوسطThe American strategy to confront the Lebanese Hezbollah’s influence in the Middle East
Plan du site au format XML


Archive: revues des lettres et sciences sociales


N°01 Avril 2004


N°02 Mai 2005


N°03 Novembre 2005


N°04 Juin 2006


N°05 Juin 2007


N°06 Janvier 2008


N°07 Juin 2008


N°08 Mai 2009


N°09 Octobre 2009


N°10 Décembre 2009


N°11 Juin 2010


N°12 Juillet 2010


N°13 Janvier 2011


N°14 Juin 2011


N°15 Juillet 2012


N°16 Décembre 2012


N°17 Septembre 2013


Revue des Lettres et Sciences Sociales


N°18 Juin 2014


N°19 Décembre 2014


N°20 Juin 2015


N°21 Décembre 2015


N°22 Juin 2016


N° 23 Décembre 2016


N° 24 Juin 2017


N° 25 Décembre 2017


N°26 Vol 15- 2018


N°27 Vol 15- 2018


N°28 Vol 15- 2018


N°01 Vol 16- 2019


N°02 Vol 16- 2019


N°03 Vol 16- 2019


N°04 Vol 16- 2019


N°01 VOL 17-2020


N:02 vol 17-2020


N:03 vol 17-2020


N°01 vol 18-2021


N°02 vol 18-2021


N°01 vol 19-2022


N°02 vol 19-2022


N°01 vol 20-2023


N°02 vol 20-2023


N°01 vol 21-2024


A propos

avancée

Archive PDF

N°02 Vol 16- 2019

الإستراتجية الأمريكية لمواجهة نفوذ حزب الله اللبناني في منطقة الشرق الأوسط

The American strategy to confront the Lebanese Hezbollah’s influence in the Middle East
ص ص 74-84
تاريخ الارسال:23/10/2018 تاريخ القبول: 13/06/2019

محي الدين حداد
  • resume:Ar
  • resume
  • Abstract
  • Auteurs
  • TEXTE INTEGRAL
  • Bibliographie

الملخص

تسعى هذه الورقة البحثية إلى تسليط الضوء على المقاربة الأمريكية لمواجهة واحتواء طموحات حزب الله اللبناني في منطقة الشرق الأوسط في فترة ما بعد أحداث 11 سبتمبر2001، وذلك من خلال تحليل مسارات الإستراتجية الأمريكية متعددة الأبعاد سياسيا وماليا وقانونيا واستخباراتا، وهي ترتيبات اشتغلت عليها كثيراً الإدارات الأمريكية المتعاقبة، الهدف منها تأسيس لأرضية ملائمة لتقويض أذرع حزب الله اللبناني ومحاصرة تحركاته وتمدده في الإقليم الشرق أوسطى، ومن ثمة تفكيك علاقاته الاستراتيجية / الأيديولوجية التي توفر له الدعم السياسي والمالي والعسكري والأمني، بالإضافة إلى زيادة الضغط على حلفائه الإقليميين من أجل قطع إمداداته الإستراتجية التي تعتبر عوامل قوة حزب الله اللبناني .

الكلمات المفتاحية: الاستراتيجية الأمريكية، حزب الله اللبناني، سياسة الاحتواء، الشرق الأوسط.

Ce document cherche à faire la lumière sur l’approche américaine pour contrer et contenir les ambitions du Hezbollah libanais au Moyen-Orient après le 11 septembre 2001 et ce en analysant les stratégies stratégique, financière, juridique et de renseignement de la stratégie américaine.

Voulant préparer un terrain approprié pour saper les bras du Hezbollah libanais et limiter ses mouvements et son expansion au Moyen-Orient et ainsi démanteler ses relations stratégiques / idéologiques qui lui procuraient des soutiens politique, financier, militaire et sécuritaire. Aussi, cela augmentera la pression sur ses alliés régionaux et limitera ses approvisionnements qui sont considérés comme des facteurs de la force du Hezbollah libanais

Mots-clés :stratégie Américaine, Hezbollah libanais, politique de confinement, Moyen-Orient.

This Research paper seeks to highlight the American strategy to confront and contain the Lebanese Hezbollah's ambitions in the Middle East region in the post-9/11/2001 period events, by analyzing the strategic, financial, legal and intelligence strategies of the US strategy, these arrangements that the successive US administrations have worked on to establish a suitable ground to undermine Hezbollah's arms and block its movements in the Middle East. Hence, it dismantles its strategic / ideological relations, which provide political, financial, military, and security support, as well as increasing pressure on its regional allies In order to disconnect its strategic supplies, which are the Lebanese Hezbollah's strongholds.

Keywords: The American Strategy, Lebanese Hezbollah, Containment Policy, Middle East.


Quelques mots à propos de :  محي الدين حداد

جامعة محمد لمين دباغين سطيف 2haddadsar01@gmail.com

مقدمة

    لقد سعت الولايات المتحدة الأمريكية منذ سقوط الاتحاد السوفيتي إلى بسط هيمنتها وزيادة نفوذها في منطقة الشرق الأوسط، وقد برزت هذه الإستراتجية الجديدة انطلاقا من حرب الخليج الثانية عام 1991، ثم توسعت أكثر في مواجهة التحديات الإستراتجية والأمنية بعد أحداث 11 سبتمبر2001 من خلال تحييد الدور العراقي بعد احتلاله عام 2003، ومحاولة احتواء الفاعلين الأقوياء  من غير الدول كحزب الله اللبناني، وقد تجلى ذلك مع تبني الإدارات الأمريكية المتعاقبة مقاربة شاملة، بداية بالعمل على تجريد الحزب من سلاحه وثانياً بالرفع من مستوى العقوبات المالية/ الاقتصادية وذلك من خلال محاولة تجفيف مصادر تمويله وأخيرا التركيز على اختراق محور المقاومة والعمل على تفكيكه.

    وقد وضعت الإدارات الأمريكية المتعاقبة حزب الله اللبناني ضمن دائرة "الاستهداف الاستراتجي" بسبب تهديده لمصالحها الإستراتجية في المنطقة وتزايد طموحاته السياسية والعسكرية والأمنية، باعتبار أنّ الولايات المتحدة الأمريكية تَنظُر إلى الحزب على أنّه منظمة إرهابية (أصولية) شديدة الخطورة تهدد مصالحها الإستراتجية وأمنها القومي وحتى أمن حلفائها في منطقة الشرق الأوسط، وبذلك فقد مارست أمريكا سياسة عدائية تجاه حزب الله اللبناني من خلال تعبئة المحور المعادي للحزب، حيث اتخذت الكثير من الإجراءات والأساليب لحصاره وتحييده، وتقييد دوره في إقليم الشرق الأوسط وضرب بنيته التحتية، من خلال دعم المجهود العسكري الإسرائيلي خاصة في حرب 2006 باعتباره ضرورة فرضها معطيات عديدة.

  كما بدأت مسارات المواجهة الأمريكية لحزب الله تتضح من خلال العديد من الترتيبات والمواقف التي تم اتخاذها لتقليص وتحييد الحزب في الفترة الماضية، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، بداية من محاصرة تحركاته السياسية والمالية إقليميا ودوليا، والرفع من وتيرة ومستويات العقوبات الاقتصادية على شبكاته المالية الداعمة له، مع العمل على إستراتجية الاقتراب غير المباشر من خلال منظور الحرب بالوكالة، وبتفويض أطراف مناوئة للحزب لاستهدافه مثل إسرائيل وحربها على لبنان ( حزب الله) عام 2006 وتشجيع أطراف غير دولاتية سنية لمواجهته في المنطقة.

وعليه فالإشكالية التي تعالجها هذه الورقة البحثية هي: ما هي أسس وقواعد الإستراتجية الأمريكية لمواجهة نفوذ وتمدد حزب الله اللبناني في منطقة الشرق الأوسط؟ وهل استطاعت إستراتجية الحرب الناعمة الأمريكية التصدي لنفوذ حزب الله اللبناني في إقليم الشرق الأوسط؟ وما هو أثرها على الحضورالجيوستراتيجي لحزب الله اللبناني في المنطقة؟


وللإجابة عن هذه التساؤلات، قسمت الورقة البحثية وفق الخطة الآتية:

المبحث الأول: حدود السياسة الأمريكية اتجاه حزب الله اللبناني.

المبحث الثاني: إستراتجية الحرب الناعمة الأمريكية لمواجهة النفوذ الإقليمي لحزب الله اللبناني.

 المبحث الثالث: انعكاسات الإستراتجية الأمريكية على الحضور الجيوستراتيجي لحزب الله اللبناني في المنطقة.

المبحث الأول: محددات السياسة الأمريكية اتجاه حزب الله اللبناني.

   تنطلق السياسة الأمريكية تجاه حزب الله اللبناني والمنطقة بصفة عامة من ثلاثة مسلمات أساسية وهي: حماية الأمن القومي كأولوية قصوى، البراغماتية/الذرائعية والمصلحة القومية، فالعقل الاستراتجي الأمريكي استهدف المنطقة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية من خلال العديد من السياسات والمشاريع، وقد تكرَّست هذه التوجهات الأمريكية في المنطقة أكثر على إثر أحداث 11 سبتمبر 2001، التي جعلت من مصوغات العنف السياسي والحرب العادلة والدفاع عن النفس والحرب الاستباقية من أبرز مقومات الإستراتجية الأمريكية في محاربة الإرهاب العالمي والتنظيمات الإسلامية الراديكالية والأصولية في منطقة الشرق الأوسط.

 

 

1-                       حدود السياسية/ الأمنية

     تُعتَبر منطقة الشرق الأوسط ذات أهمية بالغة جيوستراتجياً أمنياً بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية، ويظهر ذلك جليا من خلال الاهتمام الأمريكي المفرط بهذه المنطقة وما يجري فيها من تحولات سياسية وأمنية واجتماعية ودينية، وقد تكرس هذا التوجه في مسار معظم الإدارات الأمريكية المتعاقبة، انطلاقا من سياسة ملء الفراغ التي جرى العمل بها في خمسينيات القرن الماضي ثم حرب الخليج الثانية والإعلان عن قيام نظام دولي جديد وصولا إلى أحداث 11 سبتمبر2001  والتي أدت لاحقا إلى احتلال العراق سنة 2003 في إطار إستراتجية الحرب الوقائية لحماية المصالح الأمريكية والحفاظ على أمن إسرائيل من خطر أسلحة الدمار الشامل التي اُتهم النظام العراقي آنذاك بامتلاكها.

     كما استعملت أمريكا "الضغط الدبلوماسي" على المستوى الدولي من خلال استصدرا قرار أممي (أمريكي-فرنسي) من مجلس الأمن رقم (1559) الصادر بتاريخ 2سبتمبر2004، والذي دعا إلى نزع وتجريد حزب الله من السلاح وبسط سيطرة النظام اللبناني على جميع الأراضي اللبنانية، كما دعا إلى خروج القوات السورية من لبنان، غير أنّ حزب الله اللبناني لم يستجيب لتلك الضغوط واستمر بامتلاك سلاحه كضمانة لبقائه.

   ومع اندلاع الحرب الإسرائيلية على لبنان (حزب الله) العام 2006 أعلنت  وزيرة الخارجية الأمريكية -حينها -"كوندليزا رايس" Condoleezza Rice عن ولادة مشروع الشرق الأوسط الجديد،كل ذلك في سياق ما أطلقت عليه "بالفوضى البناءة " والتي تحمل في طياتها شروط العنف والحرب في أرجاء لمنطقة، كي تتمكّن الولايات المتحدة وإسرائيل بواسطتها من تحقيق أهدافهما، وذلك من خلال إعادة رسم خريطة الشرق الأوسط وفقا لأجنداتهما السياسية والجغرافيا(1) وقد كان هناك تصور من بعض الخبراء والمختصين بالشأن العسكري والإستراتيجي الذين ذهبوا إلى حدا الاعتقاد أنّ الحرب الإسرائيلية على لبنان بدأت أمريكية أكثر منها إسرائيلية لأنّ الهدفا الهدف الأمريكي كان منح إسرائيل فرصة لتدمير حزب الله وتصفية حكومة حماس ومن ثم فإنّ الحرب الإسرائيلية العام 2006 كانت تستهدف تفكيك بنية المقاومة المسلحة التي يقودها حزب الله اللبناني وكفيلة بمحو الإخفاق الاستراتجي الأمريكي في العراق ،وإمكانية تأسيس مشروع جديد للهيمنة والسيطرة الأمريكية على المنطقة سياسيا وأمنيا وثقافيا وإعلاميا .

2-                       الحدود الجيوستراتجية

     على المستوى الجيوستراتجي ظهر أنّ المشروع الأمريكي – الإسرائيلي لتفتيت المنطقة وتفكيكها تجاهل دور بعض القوى الإقليمية الفاعلة في معادلة الشرق الأوسط، وبالتالي، ليس غريبا فشل خطة الولادة الأمريكية الإجبارية لشرق أوسط جديد منزوع من المقاومة، ليس فقط لأن أرقام المعادلة الحقيقيين إيران وسوريا وحزب الله وحماس لا يشاركونها فيها وجرى استبعادهم قصرا ، ولكن بات في يــــــــد المقاومة القدرة على توازن الرعب وتطبيق سياسة الردع الدفاعي، وبالتالي ،أَسْقطَت المقاومة مقولة أن الجيش الإسرائيلي "قوة لا تُقْهَر"(2).

     إن مشروع الشرق الأوسط الجديد الذي طرحه المحافظين الجدد في أمريكا كان يهدف إلى تغيير الخريطة الجيوسياسية لمنطقة الشرق الأوسط وتقويض هويته العربية الإسلامية وإحلال مكانها هوية أمريكية ،وإعادة ترتيب المنطقة وفق مصالحها الإستراتجية ومطامحها البراغماتية، غير أنّ مخرجات الحرب الإسرائيلية على لبنان ونتائجها العكسية على إسرائيل وحليفتها الولايات المتحدة الأمريكية، وأصبح المشروع عبارة عن دعوة لتحالف من أسمتهم واشنطن قوى الاعتدال ضد قـــــــوى "التطرف"، وهو ما تم فعــــــــــــلا من خلال إنشاء " الجبهة الأمريكية –العربية "ضد إيران(3)، وقد واجهت الجهود الأمريكية تحديات من دول والمقاومة المجتمعية في المنطقة ،وعلى الأخص من "محور المقاومة" الذي يشمل إيران ويضم سوريا وحماس وحزب الله(4). فالانكشاف الأمني التي عانت منه المنطقة بعد حرب لبنان 2006 أظهرت حزب الله اللبناني كعدو حقيقي للمصالح الأمريكية وتهديد رئيسي لأمن إسرائيل، وفي هذا السياق قال جون نيجروبونتى John  Negroponte (مدير سابق للمخابرات الأمريكية( أمام لجنة الاستخبارات التابعة لمجلس الشيوخ الأمريكي:"إنّ حزب الله يقبع ضمن مركز الإستراتيجية الإرهابية الإيرانية: ويمكن أن يقرر القيام بهجمات ضد المصالح الأمريكية ذا أحسب أنّ ب قاءه أوبقاء إيران قد أصبح مهدداً، وحزب الله اللبنان يينظرإلى نفسه كشريك لطهران"(5).

والفترة التالية على حرب العام 2006 سعت الولايات المتحدة الأمريكية مواجهة حزب الله بالتقدم على ثلاثة محاور سياسية رئيسية: إنهاء نقل الأسلحة ونزع السلاح، وتحقيق سيطرة كاملة للحكومة اللبنانية على أراضيها، فقامت الولايات المتحدة الأمريكية بدعم تحالف 14 آذار (مارس) المناوئ لحزب الله كمليشيا مسلحة وضخ الكثير من الأموال لتعزيز قدرة الحكومة اللبنانية بتخصيصها أكثر من 600مليون دولار كمساعدات أمنية بالإضافة إلى 500مليون دولار كمساعدة لبرامج مدنية منذ عام 2006(6 ).

   إلاّ أنّ هذه الإستراتجية الأمريكية الناعمة لم تحقق تقدما كبيراً في احتواء حزب الله وتعطيل قدراته السياسية والأمنية والعسكرية، حيث استمر تمثيل الحزب في الحكومة اللبنانية، كما أنّ الأسلحة الآتية من إيران عبر سوريا لم تتوقف. وبقي الحزب محافظا على سلاحه.

    ومنذ مطلع العام 2011 تعقد المشهد الجيوسياسي في منطقة الشرق الأوسط والذي أصبح يوصف" بمنطقة الصراعات الهجينة " نتيجة لكثرة التدفقات الدولية فوق وتحت- القومية وتعقيدات البيئة الأمنية الإقليمية، أدى ذلك إلى ارتباك في السلوك الأمريكي خاصة على مستوى الحرب السورية في ظل إدارة باراك أوباما Obama Barack التي اتخذت إستراتجية "القيادة من الخلف " بدلاً من إستراتجية " الهجوم الوقائي" التي اعتمدها جورج بوش الإبن والتي عرفت "بمبدأ بوش"، وبذلك فتحت المجال لتزايد النشاط العسكري والسياسي لمحور إيران- حزب الله لحماية النظام السوري من السقوط، حيث أنّ المدرك الاستراتجي عند حزب الله أراد نقل المعركة الأمنية إلى ما وراد حدود لبنان أفضل من تعريض التوازن السياسي والطائفي الهش في لبنان للخطر، في الواقع، مع التدخل في سوريا نجح حزب الله في استغلال السياق الإقليمي للحرب السورية لخدمة أهدافه المحلية7.

 

 

المبحث الثاني: إستراتجية الحرب الناعمة الأمريكية لمواجهة النفوذ الإقليمي لحزب الله اللبناني

    لقد شكل التمدد الإقليمي لحزب الله اللبناني ونفوذه في المنطقة تحديات كبيرة بالنسبة للسياسة الأمريكية ومشاريعها في منطقة الشرق الأوسط، وعلى إثر ذلك، قامت الولايات المتحدة الأمريكية في ظل إدارة رونالد ريغان بمواجهة حزب الله اللبناني انطــــــــــــلاقا من إستراتجية" الدفاع النشط ActiveDefense(8) في الثمانينيات من القرن(20) بعد تفجيرات بيروت عام 1983، وخلال فترة التسعينيات بدأت الولايات المتحدة الأمريكية في إتباع مقاربة أكثر تكاملاً تجاه مكافحة الإرهاب ومواجهة نشطات حزب الله، وعلى الرغم من وجود العديد من المشاكل المستمرة التي أعاقت تلك الجهود ضد حزب الله، إلاّ أنَّ أحد التطورات الرئيسية في إستراتيجية مكافحة الإرهاب هو تطبيق قانون "مكافحة الإرهاب وفرض عقوبة الإعدام الفعّالة عام 1996 " الذي أتاح طُرقاً جديدة للهجوم على عمليات حزب الله العالمية(9). ومحاولة تعقب أنشطة الحزب من خلال تحيين قوانين مكافحة الإرهاب لتسهل عمل أجهزة الأمن والاستخبارات المركزية الأمريكية لملاحقة مصادر تمويل حزب الله وشبكاته الخارجية التي تعتبر إحدى معاملات قوته.

  على المستوى الاستراتيجي، الإدارة الأمريكية في المدى المنظور لا تفكر الدخول في حرب عسكرية مباشرة غير تقليدية -لا تماثلية -مع حزب الله اللبناني بالنظر إلى العديد من المعطيات الموضوعية. أولاً: تقوم الإستراتجية الأمريكية الجديدة على عدم زج قواتها العسكرية البرية على نحو مباشر في الصراعات الخارجية بعدما تعرضت له هذه القوات من خسائر كبيرة في أفغانستان والعراق، وثانياً، حزب الله فاعل ذات طبيعة "هجينة" لا يمتلك مؤسسات عسكرية أو أمنية للسيطرة والقيادة واضحة المعالم يمكن استهدافها وتدميرها، فأمريكا من خلال إستراتجيتها الجديدة تسعى إلى تفعيل إستراتيجية الحرب بالوكالة من خلال دعم تنظيمات أو مليشيات تناقض عقيدة وإيديولوجية حزب الله من أجل مواجهته واستنزافه. وثالثا: يتمتع حزب الله بثقل سياسي كبير  وعمق اجتماعي على الساحة اللبنانية، فقد اندمج في العملية السياسية اللبنانية منذ العام 1992وعلاقاته معقدة وعميقة داخل النسيج الاجتماعي اللبناني، كما يمتلك شبكة واسعة من المؤسسات الخيرية والاجتماعية والثقافية، ورابعاً: الولايات المتحدة الأمريكية تَعتَبر لبنان فاعلاً مهــــــــــــماً في أي توازنات إقليمية وعامل استراتيجي لحماية أمن إسرائيل من الجهة الشمالية من أنشطة حزب الله، وبالتالي، فإنّ قوة لبنان الداخلية وأمنه تعزز المصالح الأمنية للولايات المتحدة في لبنان وحلفائها(10)، فهي دائما حريصة على استقرار لبنان على الرغم من أنّ لبنان لا يمثل ثقل جيو-إستراتيجي كبير بالنظر إلى افتقاره لمصادر الطاقة هامة ولا يشكل مورداً مالياً مهماً في الاقتصاد الأمريكي.

   كل هذه المعطيات الجيوستراتجية جعلت من التفكير الاستراتجي الأمريكي يتخذ مساراً آخراً للتعامل مع مسألة حزب الله اللبناني وصياغة قواعد لعبة جديدة والتي تَستَنِدُ أساساً على إستراتجية الحرب الناعمة، حيث تعتبر هذه المقاربة أكثر عقلانية بالنسبة إلى للإدارة الأمريكية، وانعكاساتها على لبنان والمنطقة ككل قليلة التكلفة، حيث أنّ حزب الله يشكل تحديًا لأمن إسرائيل وبالتالي لأحد مصالح الولايات المتحدة التقليدية والثابتة. من عام 1982 إلى عام 2005، اعتمدت واشنطن على دمشق للحد من (راديكالية) حزب الله والتحكّم من نفوذه السياسي(11)، كل ذلك يدخل في إطار ممارسة ضغوط أمريكية على سوريا والتي بدورها تقوم بالضغط على حزب الله من أجل نزع سلاحه والتقليل من نفوذه داخل الساحة اللبنانية وصولا إلى مرحلة عزله عن بيئته السياسية والاجتماعية.

    ولقد توترت علاقات الولايات المتحدة وحلفائها مع حزب الله في عام 2001 عندما وصفت الولايات المتحدة التنظيم بأنّه "منظمة إرهابية" أجنبية تمتلك امتدادًا عالميًا، وتسمح هذه التسمية بفرض عقوبات على أي طرف ثالث يفشل في تجميد أصول حزب الله أو تسليم عملائه(12)، وبذلك تم تصنيف حزب الله اللبناني ضمن "محور الشر "وعلى قائمة أخطر المنظمات الإرهابية الإسلامية–الراديكالية- المستهدفة التي تهدد مصالح الولايات المتحدة الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط، وفي هذا السياق، تظهر إفادة مدير المخابرات الأمريكية (CIA)سابقاً "جورج تينيت" George Tenet، أمام لجنة القوات المسلحة بمجلس الشيوخ في شهر فيفري 2003 حيث قال:" إنّ حزب الله كمنظمة لديه القدرة والحضور العالمي، هو منظمة مساوية (للقاعدة) إن لم تكن منظمة لها قدرات أكثر بكثير.

    وبالنظر إلى العقيدة الأمنية لحزب الله المُقاوِمة ومواقفه الرافضة بشدة للتدخل الأمريكي في منطقة الشرق الأوسط والهيمنة سياسيا واقتصاديا وحتى إيديولوجيا عليها، دخل حزب الله ضمن دائرة الاستهداف الأمريكي – الإسرائيلي إلى جانب المقاومة الفلسطينية والعراقية (13). ولكن هذا الاستهداف الأمريكي جرى العمل عليه بوسائل إستراتجية ناعمة (غير صلبة) أكثر منها وسائل صلبة ( عسكرية)، لأنّ الإستراتجية الأمنية الأمريكية التي تلت أحداث 11 سبتمبر 2001 قد أدركت حقيقة أنّ مواجهة التهديدات الأمنية اللاتماثلية - حزب الله – في البيئة الشرق أوسطية غير قابلة للمعالجة بالقوة العسكرية فقط، ومنه وجب الاعتماد على إستراتجية "الاحتواء الناعم" من خلال التركيز على ضرب نقاط قوة حزب الله ومعاملات قوته وتفكيك الروابط السياسية والأمنية والاجتماعية والثقافية التي أسسها حزب الله داخليا وإقليميا من خلال التضامن الاستراتجي مع محور إيران -سوريا.

      كما شكل تمدد حزب الله الإقليمي إيديولوجياً وأمنياً هاجساً أعاق تنفيذ السياسة الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط، وهو الأمر الذي دفع الإدارة الأمريكية السعي إلى توسيع "دائرة النزاع الطائفي" بين السنة والشيعة في الشرق الأوسط بهدف الحد من نفوذ إيران الداعم لحزب الله، والتي تُعرف بإستراتجية "تغيير المسار". وفي هذا الإطار تأتي تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب  Doland Trumpواضحة في هذا الشأن من خلال إعلانه " أنًّه يجب مواجهة حزب الله إقليمياً"، والهدف منها كخطوة أولى، تصعيد الخلافات والتناقضات السنية- الشيعية، وتوصيلها إلى مرحلة التسييس الكامل، الأمر الذي يؤدي إلى إشعال حرب طائفية شاملة بين السنة والشيعة ومنه إلى استنزاف قدرات الكتلتين وتفتيت المنطقة مذهبياً ، وهو ما يعطي للإدارة الأمريكية وحلفائها أفضلية تطويق هذين الكتلتين، بالإضافة إلى أنّها توفر خيارات عديدة لإعادة بناء المنطقة وفق المصالح الإستراتجية الأمريكية–الإسرائيلية.

ومن أجل احتواء نفوذ حزب الله الإقليمي وشبكاته المالية التي أسسها والمنتشرة عبر العديد من مناطق العالم، سعت الولايات المتحدة الأمريكية تدريجيا العمل على إضعاف حزب الله وتفكيك هذه الشبكات الخارجية التمويلية، فقامت باستهداف أموال حزب الله، وقد أحرزت وزارة الخزانة الأمريكية بعض التقدم بعد أحداث 11 سبتمبر، مما نتج عنه بعض الاضطرابات في خلايا حزب الله في الولايات المتحدة الأمريكية، تلاها تفكك بعض عمليات حزب الله في الخارج، خاصة في أمريكا الجنوبية وأفريقيا. وقد أفاد قسم مراقبة الأصول الأجنبية التابع لوزارة الخزانة الأمريكية عن الجهود الرامية إلى تعطيل شبكات تمويل حزب الله في أمريكا الجنوبية في الأعوام 2004 و2006 و2008، بالإضافة إلى شبكة أخرى في أفريقيا في عام2009.ولقد ازدادت تعقيدات السياسة الأمريكية تجاه لبنان من خلال حقيقة أنّ العملية السياسية في لبنان تركز الآن بشكل مكثف على دور حزب الله المستقبلي في النظام السياسي للبلد وقطاع الأمن فيه(14).

   ورغم هذه الإجراءات المعقدة التي قامت بها الإدارة الأمريكية ضد حزب الله، فإنّ الحزب لا يزال يتمتع بنفوذ قوي داخل لبنان على جميع المستويات، فالقرار الأممي1559 القاضي بنزع سلاح حزب الله لم يطبق وبقي الحزب محتفظا بسلاحه بالإضافة إلى تزايد نفوذه السياسي، أما إقليميا، فقد انتشر عسكريا خارج بيئته التقليدية( لبنان)،وأصبح له حضور مؤثر وأنشطة متعددة،كدور الوحدة(3800) التي قامت بتدريب المليشيات العراقية (جيش المهدي) بعد الاحتلال الأمريكي للعراق عام 2003،كما كان حضوره العسكري والأمني قوياً ومؤثراً إلى جانب القوات النظامية السورية بعد انخراطه في العمليات القتالية عام 2012، بالإضافة إلى نقل أفراد من الوحدة (3800) لاحقا والتي كانت متمركزة في العراق إلى اليمن بعد انسحاب القوات متعددة الجنسيات من العراق عام 2011، من أجل تقديم مساعدات عسكرية وفنية ( التدريب، إنشاء منظومات اتصال عسكرية، استشارات عسكرية) إلى جماعة الحوثي بمساعدة فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني.   

     أمّا على المستوى الأمني، فتشير العديد من الدراسات الإسرائيلية والأمريكية أنَّه يمكن العمل على متغير تصفية الأمين العام للحزب السيد حسن نصر الله الذي يعتبر أحد أهم عناصر قوة الحزب، إذ يشكل قوة معنوية كبيرة(قدسية)، كما أنَّه يتمتع بمكانة خاصة في الحزب وعند مجتمع المقاومة، ومن المحتمل أنّ تصفيته قد تؤدي إلى أزمة حقيقية في قيادة الحزب وتوجهاته الإستراتجية، بالنظر إلى الشخصية الكاريزمية التي يحض بها السيد حسن نصر الله إضافة إلى عدم وجود بديل بمستواه عملياً في قيادة الحزب نظرا للفترة الطويلة التي قضاها في هذا المنصب منذ 1992.

    كما تعمل الإدارة الأمريكية بمعية (إسرائيل) وبعض الدول العربية "السنية" حول إمكانية بلورة مقاربة ناجعة للحد من دور حزب الله المتنامي في المنطقة من خلال "آلية إقليمية " تحت مسمى" ناتو عربي "، وقد قدمت ارينا تسوكرمان Irina Tsukerman ورقة بحثية بعنوان ؟“Towards an Arab NATO حيث طرحت مقاربة "ناتو عربي " للتصدي لإيران وحزب الله، وأنَّه يجب مواجهة نفوذ "حلفاء إيران" في بيئتهم الخاصة كجزء رئيسي من الشروط الموضوعة لنجاح الحلف والحد من الخسائر في اليمن، مع التركيز على حزب الله في لبنان واستغلال "نقاط ضعفه" في منطقة البقاع، حيث خزانه البشري ومصدر قوته الرئيسي، وتحديداً في البقاع، لمواجهة نفوذ حزب الله والحدّ منه عبر إغراق المناطق البقاعية بالمساعدات التنموية والمالية المباشرة من دون وسيط، محددة الوسائل وموجهة لتحقيق الأهداف، هناك أيضا مجال لاستغلال التقسيمات الموجودة في هذه المنطقة الخصبة (البقاع)، المليئة بالعشائر العنيفة، التي تشمل تساؤلات حول معنى وسبب أن يكون العناصر المقاتلون في صفوف حزب الله من المناطق البقاعية، بينما الضباط والرتباء من مناطق أخرى ومدن مركزية.

   وبالنتيجة، لا تزال مسألة حزب الله اللبناني في صلب أولويات الإستراتجية الأمريكية رغم تعاقب الإدارات الأمريكية (جمهوريون أو ديمقراطيون)، وتستند هذه الإستراتجية الهجومية في مجملها إلى مسارين أساسيين:

المسار الأول: يتمثل في تشديد التشريعات والقوانين حول مكافحة الإرهاب وفرض عقوبات مختلفة، من خلال شَل مصادر تمويل حزب الله وأصوله المالية وشبكاته السرية والضغط على شركائه الأساسيين الداعمين له سواء كانوا دول كإيران وسوريا أو هيئات وأفراد، ومع وصول الرئيس الأمريكي دونالد ترامب Donald Trump وقيادته للإدارة الأمريكية رفع من مستوى تهديداته لحزب الله وشركائه الداعمين له، ففي10 أكتوبر2017 قامت الولايات المتحدة بفرض عقوبات مالية تقدر 12 مليون دولار على اثنين من كبار قادة حزب الله(15). وفي نفس السياق، قال وزير الخزانة الأمريكية ستيفن منوشينSteven Mnuchin في بيان:" أنَّ وزارة الخزانة ستواصل قطع حزب الله عن النظام المالي الدولي وسنكون بلا هوادة في تحديد وكسر وتفكيك شبكات الدعم المالي لحزب الله على مستوى العالم(16)، ومنه فإنَّ قانون العقوبات المالي الأمريكي على حزب الله ليس قانوناً مالياً بل "قانون سياسي"، فهو قانون ليخلق بيئة لعمل سياسي وليس مالي، فالحملة ليست موجهة مالياَ ضد حزب الله فهي موجهة لأمر محدد هو لجعل كل البيئة الشعبية الاجتماعية الحاضنة وخصوصا الطائفة الشيعية وضعها تحت الضغط الأمريكي.

كما أضافت الخزانة الأميركية في 16 ماي 2018  كيانات وشخصيات جديدة على لائحة الإرهاب  وذلك بالشراكة مع مركز "استهداف تمويل الإرهاب" الذي تضم عضو يتهد ولمجلس التعاون الخليجي والجديد تَضمُّنا للائحة اسما لأمين ا لعام لحزب ا الله حسن نصر الله ونائبه ،نعيم قاسم، إضافة إلى قيادات أخرى من الصف الأول في الحزب(17)، كل ذلك من أجل تغيير سلوكه وتحجيم دوره في الترتيبات الأمنية في منطقة الشرق الأوسط، غير أنّ هذه الإجراءات فيها الكثير من التعقيدات بالنظر إلى الانعكاسات الخطيرة  التي يمكن أن يشكلها على الوضع المالي- الاقتصادي للمؤسسات المصرفية والبنوك في لبنان، وهو الأمر الذي سوف يؤثر على الاستقرار السياسي والأمني والاقتصادي والاجتماعي اللبناني الذي يعاني في أصله هشاشة متعددة الأبعاد لا يمكن تحملها.

أما المسار الثاني، فيتمثل في انتهاج سياسة الاحتواء ضد حزب الله، من خلال إعلان الولايات المتحدة الأمريكية دعم أطراف معادية لإيديولوجية حزب الله وتوجهاته لبنانيا عن طريق دعم تيار المستقبل- السني – وقوى تحالف 14 آذار، وتمويل المجتمع المدني المحلي لتوفير فرص الانقسام في بيئة حزب الله السوسيو- ثقافية، ومحاولة تعزيز دور الأجهزة الأمنية اللبنانية والمؤسسة العسكرية للتقليل من نفوذ حزب الله سياسيا واجتماعيا وأمنيا.أما إقليميا، فقد عملت أمريكا على صياغة مقاربة لتشويه صورة الحزب باعتباره منظمة طائفية تهدد السنة في المنطقة وتعمل لخدمة المشروع الإيراني.

المبحث الثالث: انعكاسات الإستراتجية الأمريكية على الحضور الجيوستراتيجي لحزب الله اللبناني في المنطقة.

لاشك أنّ المجهودات الأمريكية متعددة الأبعاد والمستويات تهدف في أساسها إلى تحجيم الدور المتنامي لحزب الله في المنطقة وإلى ضرب بنته السياسية والأمنية والتنظيمية، لأنّ الإستراتجية التي طرحتها الإدارة الأمريكية بمساعدة إسرائيلية وبعض الدول العربية "السنية المعتدلة" خاصة منها الخليجية، تعمل على تحييد عناصر قوة حزب الله وتفكيكها، حيث يطرح الأمريكيين مقاربة شاملة تقوم بضرب جميع ركائز الحزب سواء كانت مادية أو معنوية ، داخلية أو خارجية،غير أنّ واقع الحال، يشير إلى أنّ الترتيبات الأمريكية في التصدي لنشطات للحزب وطموحاته تبقى في جزء مهمّ منها غير مجدية، لأنَّ الرهان على هكذا مسائل يبقى محدود التأثير نتيجة السرية الكبيرة والتعقيدات الموجودة على مستوى الشبكات المالية والتنظيمية للحزب، وكذا قنوات حصوله على هذه الأموال التي تبقى غير منكشفة، زيادة على الترابط بين الدولة اللبنانية والشعب والمقاومة في لبنان، مما يثير إشكالية امتداد عمليات تجفيف مصادر تمويل الحزب إلى إضعاف الدولة اللبنانية برمتها واحتمال اندلاع حرب أهلية جديدة تؤدي إلى تهديدات أمنية تكون تبعاتها خطيرة سياسيا وعسكريا وأمنيا على أمن واستقرار منطقة الشرق الأوسط.

   علاوة على ذلك، فقد ساهمت المكاسب السياسية والعسكرية التي حققها حزب الله من خلال تواجده العسكري/ الأمني القوي في سوريا إلى تأمين ظهر "المقاومة " والعمل في بيئة جديدة، حيث أصبح  الحزب أكثر تمكناً في سوريا، وقد اكتسب قدرات دفاعية وأخرى هجومية وهو الأمر الذي رفع من الجانب المعنوي والنفسي للحزب من أجل بناء شراكات عسكرية كتلك التي تشكّلت مع القوات الروسية حيث ذكرت صحيفة ذي دايلي بيست" The Daily Beast تقريرا مفاده أنّ هناك" تنسيقا أمنيا عالي المستوى" بين روسيا وحزب الله في الملف السوري ، ولا شك أنّه سيخدم الحوار والتعاون العسكري والعملياتي المباشر لحزب الله مع روسيا ، وتعزيز قدرته في التأثير على محيطه الاستراتجي والتقدم في أهدافه السياسية والإستراتجية.

وفي حقيقة الأمر أنّ التحديات الأمنية التي يتعرض لها حزب الله باستمرار من خصومه المحليين والإقليمين والدوليين قد تحولت إلى نتائج عكسية ( الضربة التي لا تقتلك تزيد من قوتك)، فقد زادت من قوته العسكرية والأمنية والسياسية والتنظيمية، وجعلته في حالة استعداد دائم وتحديث مستمر لاستراتجياته، وقد يعزز من الدور الاستراتجي الإيراني وتوثيق التحالف فيما بينهما، لأنَّ الدعم الإيراني العسكري والمالي يشكل حجر الزاوية في قدرات حزب الله على البقاء والاستمرار، بالإضافة إلى العامل العقائدي( الولي الفقيه) الذي أعطى مرجعية راسخة وهوية تقليدية لحزب الله، وهي مسألة عالية التعقيد، خاصة وأنَّ الحزب أدرك جيدا أنّه بإمكان تحويل تجربة المقاومة إلى" نموذج " ترغب فيه جهات ما دون الدولة في المنطقة بتبنيه، وهو ما يسمح بإعادة تشكيل خريطة جديدة للمنطقة وفق معادلة جديدة يكون للجهات العنيفة من غير الدول سواء تنظيمات مسلحة أو ميليشيات دوراً متزايداً في النظام الأمني الإقليمي منافسا بذلك مشاريع المحور الأمريكية- الإسرائيلي- الخليجي في المنطقة.

كما أنّ هناك العديد من المؤشرات التي تتعلق بتوجهات حزب الله في المنطقة تشير إلى أنّ الحضور الاستراتجي للحزب غير مقيد بالتهديدات أو التحديات الأمنية، بل أصبح ينافس الكثير من القوى الدولية والإقليمية لفرض أهدافه وطموحاته، حيث أسس لمعادلة جديدة بشعار "حيث يجب أن نكون يجب أن نكون"، وهذا ما يمثل تطوُّر بنيوي واستراتجي له أبعاد جيواستراتجية مؤثرة في أي ترتيبات سياسية أو أمنية في مستقبل المنطقة، وقد نشهد في المرحلة اللاحقة بناء شبكة علاقات قوية يضم مليشيات مسلحة في منطقة الشرق الأوسط وخارجها بقيادة حزب الله اللبنـــــــــاني وبدعم إيراني، تدخل في صراع مع أمريكا وحلفاؤها في المنطقة، و"حزب الله" شكلا فرقا خاصة بمهارات عالية لمهمات "عابرة للحدود"، وبحسب المعهد الأمريكي،  يقدم "حزب الله" اللبناني تدريبا عسكريا وفكريا لعناصر من الجنسية النيجيرية داخل لبنان في مناطقه المنتشرة في البقاع وبيروت.

إنّ المكاسب متعددة الأبعاد التي حققها حزب الله خلال الحرب السورية قد زادت من قدراته العسكرية والأمنية ورفعت من معنوياته النفسية-رغم الخسائر البشرية التي تكبدها-وهو الأمر الذي سوف يوفر له خيارات مستقبلية قوية على المستوى السياسي والعسكري والإيديولوجي مع محيطه الاستراتجي القريب والبعيد، ومعنى ذلك، أنّ الحزب أصبح لاعباً مؤثرا وله ثقل قوي في توازن المركب الأمني الإقليمي، وله الإمكانات التي من شأنها أن تغيير في حركة أو مسارات الصراع في منطقة الشرق الأوسط.

ولعل مخرجات الحرب السورية قدمت لحزب الله فرصا ثمينة تمت على إثرها "مأسسة لمقاومة إقليمية"  نتيجة تمركز العديد من المقاتلين الأجانب الذين يحملون المرجعية الشيعية في سوريا، ففي هذا السياق، صرح الأمين العام السيد حسن نصر الله" في 23 جوان 2017 بمناسبة "يوم القدس العالمي،"إذا شنّت إسرائيل حربًا على سوريا أو لبنان، ليس من المعلوم أن يبقى القتال لبنانيًّا-إسرائيليًّا، أو سوريًّا-إسرائيليًّا، وهذا لا يعني أنّني أقول إنّ هناك دولاً قد تتدخل بشكل مباشر، لكن قد تفتح الأجواء لعشرات الآلاف، بل مئات آلاف المجاهدين والمقاتلين من كل أنحاء العالم العربي والإسلامي ليكونوا شركاء في هذه المعركة"(18).

وعلى هذا الأساس، فإنّ حزب الله لم يُغيّر خط مقاومة إسرائيل ومواجهة المشاريع الأمريكية، بل هي مسائل تبقى في صلب أولوياته الإستراتجية، وعلى الرغم من الحرب السورية وانخراط الحزب عسكرياً وأمنياً إلى جانب النظام السوري باعتبارها ضرورة إستراتجية، فإن توجهات الحزب وخطاباته دائما تركز على فكرة حماية ظهر المقاومة وأن العمل العسكري الذي يخوضه الحزب في سوريا مؤقتاً وسوف ينتهي مع انتفاء التهديدات الجيو-عسكرية والأمنية وإعادة النظام السوري بسط سيطرته على جميع الجغرافية السورية.

إنَّ مدركات التهّديد بالنسبة لحزب الله في عمومها لم يحَدُث عليها أي تغيير جوهري وإن جرى في ظل الحرب السورية إضافة بعض التهديدات الأمنية كالجماعات التكفيرية-حسب تعبير حزب الله-الذي يعتبرها أداة صنعتها المخابرات الأمريكية وبدعم مالي سعودي هدفها استنزاف وضرب قدرات الحزب ومحاربة التوسع الشيعي الذي تقوده إيران في منطقة الشرق الأوسط.

    إلاّ أنّ هذه الإستراتجية الأمريكية الناعمة لم تحقق تقدما كبيراً في احتواء طموحات حزب الله أو تؤدي إلى تعطيل قدراته السياسية والأمنية والعسكرية، حيث استمر تمثيل الحزب في الحكومة اللبنانية، كما أنّ الأسلحة الآتية من إيران عبر سوريا لم تتوقف وبقي الحزب محافظا على سلاحه. ولا تزال حالة الضبابية وعدم اليقين تسيطر على المدرك الإستراتيجي الأمريكي، في ظل استمرار أنشطة حزب الله المحلية والإقليمية وحضوره الاستراتجي المؤثر في العديد من مناطق الإقليم. وفي هذا السياق يؤكد التقرير المسحي الاستراتجي الإسرائيلي2016-2017 الصادر عن المعهد الإسرائيلي لدراسات الأمن القومي الذي اعتبر أنّ حزب الله يشكل " التهديد العسكري الأخطر حالياً الذي يواجه إسرائيل"(19).

   على مستوى أخر، شكل التعاون الاستراتجي عالي المستوى بين روسيا وحزب الله في الأزمة السورية إلى تأسيس علاقة تعاون وتنسيق عسكري وأمني رسمي ومباشر بينهما،وهو ما ذكرته صحيفة "ذي دايلي بيست" The Daily Beastتقريراً مفاده أنّ روسيا تمد الأسلحة إلى حزب الله بشكل مباشر دون قيود، وهو ما أكّده قادة عسكريون في حزب الله أنَّ هناك علاقة تنسيق كاملة بين نظام الأسد في دمشق وإيران وحزب الله وروسيا.في الوقت نفسه يقول قادة عسكريون من حزب الله، إنّ الترابط المباشر بين روسيا وحزب الله آخذ في التزايد، وأنّ الحزب حليف إستراتيجيي في الشرق الأوسط الآن(20).

   الأمر الذي ساهم في تقوية موقف حزب الله وتموضعه في البيئة السورية وزادت من شرعيته كفاعل غير دولاتي يحظى بتأييد من دولة كبرى( روسيا) في منطقة الشرق الأوسط، وعلى هذا الأساس، أصبح حزب الله " شريكاً " غير دولتي "نافعاً " للقوات الروسية في سورية(21)، لأنّ تقاطع الأهداف السياسية والجيو-عسكرية والأمنيّة في العمق السوري بين روسيا وحزب الله قد أسس لعلاقة تكاملية كاشفة عن عمق التعاون الاستراتجي بين الطرفين في الملف السوري، وإلى مستوى التعاون البنَّاء والمتطوِّر بين روسيا وحزب الله في ظل تحديات أمنية في المنطقة. أولاً، مكِّن الحزب من تعزيز صورته وتقديمه ليحصل على الاعتراف والدعم المتنامي كعنصر فاعل شرعي في الساحة السورية. وثانيا، يشير إلى منتقديه في الداخل أنّ عدد القتلى من أفراده في سوريا يمكن أن ينخفض الآن بعد أن تم تأسيس قناة مباشرة مع روسيا. ثالثاً، يستطيع حزب الله جني الفوائد

العسكرية على شكل قدرات حربية محسنة في المناطق المبنية 22.

الخاتمة

ومما سبق يمكن الوصول إلى الاستنتاجات التالية:

   يبعث الانسجام المطلق في الموقف الأمريكي على جميع المستويات السياسية والأمنية والإعلامية الرسمية وغير الرسمية بأنّ حزب الله اللبناني هو "تنظيم إرهابي"، وهو الأمر الذي دفع بصنّاع القرار الأمريكي إلى اعتبار أنّ حزب الله اللبناني يمثل تحدي متعدد الأبعاد والمستويات، خاصة باعتباره حامل لواء المقاومة ومتشبع بمبادئ عقيدة الثورة الإيرانية، كما أنّ إيديولوجيته منسجمة إلى حدٍ بعيد مع توجهات وطموحات الإيرانية التاريخية في منطقة الشرق الأوسط، والتي تستهدف إلى إعاقة أو عرقلة المشاريع الأمريكية والتصدي لها، كتلك التفجيرات التي جرت في العام 1983 ضد قوات المارينز الأمريكية وتم اتهام الحزب بتنفيذها.

   وقد سعت الإدارات الأمريكية المتعاقبة إلى العمل على التصدي للدور الإقليمي لحزب الله اللبناني ومن ثمة تحييد نفوذه وطموحاته عبر العديد من المسارات، انطلاقا من ترتيبات قانونية/ تشريعية، الهدف منها إيقاف التمويل الدولي لحزب الله، ومنع وصول أي أموال إليه من أي جهة مالية دولية، ويشمل هذا المنع أيضا ليس فقط المؤسسات المالية والاقتصادية، بل كذلك الأشخاص الذين يدعمون الحزب ماليا، وهو يدخل في إطار إستراتجية ناعمة – لتحييد معاملات القوة التي يتمتع بها الحزب، والتي تعطيه هامش كبير للمناورة والتغلغل في منطقة الشرق الأوسط، ومن شأن هذه الترتيبات أن تعزز فرص التطويق والاحتواء الاقتصادي/ المالي.

   كما أنّ الإستراتجية الأمريكية لم تكتف بمسار واحد، بل أوجدت ترتيبات جيوستراتجية وأمنية متعددة، الهدف منها نزع سلاح الحزب واختراق البيئة الاجتماعية المحلية والإقليمية الحاضنة لمشروع المقاومة، فعملت على تقديم إغراءات متعددة المستويات للمجتمع المدني اللبناني وبعض القوى المعارضة لتوجهات حزب الله في المنطقة، كما صعّدت من العمليات الأمنية والاستخباراتية لملاحقة بعض القادة العسكريين والأمنيين التابعين لحزب الله في منطقة الشرق الأوسط واغتيالهم مثل عماد مغنية.

   بالإضافة إلى توسيع الإدارة الأمريكية عملية مواجهة حزب الله عسكريا من خلال الوكلاء الإقليمين، فقد أعطت الضوء الأخضر إلى إسرائيل إلى تنفيذ عمليات عسكرية داخل العمق السوري استهدفت من خلالها أهداف وتحركات حزب الله في الداخل السوري، الأمر الذي جعل قوات حزب الله المنتشرة في سوريا تحت تهديد مباشر من أمريكا وإسرائيل والجماعات المسلحة.

     ورغم هذه الترتيبات الأمريكية وبمساعدة حلفائها فإنّ حزب الله اللبناني لا يزال يحافظ على حضوره الاستراتجي ويتمتع بقدرة التحرك والتأثير في منطقة الشرق الأوسط، خاصة عندما استطاع أن يؤسس لعلاقة قوية مع روسيا في الملف السوري في إطار توجّه براغماتي من أجل حفظ بقائه واكتساب شرعية دولية.



1.حسام الدين جاد الرب، خطط إعادة رسم الشرق الأوسط رؤية جيوبلوتيكية أمريكية، ط1، (مصر: دار النشر الالكتروني، 2007)، ص.32.

2.عبد القادر رزيق المخادمي، الشرق الأوسط الجديد بين الفوضى البناءة وتوازن الرعب، ط1، (الجزائر: ديوان المطبوعات الجامعية، 2008)، ص ص ، 253-254.

3.المرجع نفسه، ص.303.

4.Rasmus Alenius Boserup and others, New Conflict Dynamics Between Regional Autonomy and Intervention in the Middle East and North Africa,( Copenhagen, Tarm Bogtryk A/S,2017).p.32.

5.يوسف الجهمانى، مترجما، ملفات أمريكية ساخنة:السعودية وحزب الله، )دمشق،دار حوران للطباعة والنشر،2005(،ص.58.

6.Ash Jain , “U.S Policy on hizballah : The Question Of Engagement “, Policy watch (1679) , July 14,2010, see Mai 22,2018 www.washingtoninstitute.org/policy-analysis/view/u.s.-policy-on-hizballah

7.asmus Alenius Boserup and others, Op.Cit.p.11..

8.Naseer H. Aruri and John J. Carroll,  "U.S. Policy and Terrorism" , American - Arab Affairs, Vol. 14, 59, 30September 1985.p.33.

9.Nathan Brown,"U.S. Counterterrorism Policy and Hezbollah’s Resiliency»,Global Security Studies Review,Vol, 1, No, 3, August 2013, P.13.

10.Bilal Y. Saab,"Levantine Reset: Toward a More Viable U.S. Strategy for Lebanon",Analysis Paper, Number 21 ,July 2010, The Saban Center At Brookings, p.4.

11.Ibid.p.8.

12.Harb, Mona and Reinoud Leenders. "Know Thy Enemy: Hizbullah, 'terrorism' and the Politics of Perception," Third World Quarterly 26 (2005):175.123.

13.أيمن يوسف،" إيران في الحسابات الإستراتيجية الأمريكية: من الاحتواء المزدوج إلى الشرق الأوسط الجديد"، مجلة اتحاد الجامعات العربية للآداب،المجلد،5،العدد1،(2008):ص.168.

14.Casey L. Addis, “U.S. Security Assistance to Lebanon”, Congressional Research Service, January 19, 2011, p.10.

15.                                           Nicholas Blanford ,"Hezbollah’s Evolution ,From Lebanese Militia to Regional Player" , Policy Paper 4, November 2017, The Middle East Institute, Washington , P.11.

16."Treasury Targets Hizballah Financial Network in Africa and the Middle East”،February 2, 2018. https://home.treasury.gov/news/press-releases/sm0278.

17.الأسماء التي أضيفت على لائحة الإرهاب في الموقع الإلكتروني لوزارة الخزانة الأميركية،16 ماي2018، تم تصفح الموقع يوم: 25ماي2018.https://home.treasury.gov/news/press-releases/sm0387

18.السيد حسن نصر الله "يوم القدس العالمي" في 23جوان2017 على الموقع:

https://www.youtube.com/watch?v=hc5HQefTXlU

19.Shapir, Yiftah S. “Hezbollah as an army”, Institute for National Security Studies, Strategic Assessment 19, no. 4 (January 2017):p.67.

http://www.inss.org.il/uploadImages/systemFiles/Hezbollah%20as%20an%20Army.pdf

20.                                         Jesse Rosenfled ,” Russia Is Arming Hezbollah, Say Two of the Group’s Field Commanders”, .TheDailyBeast .November 1.2016.

https://www.thedailybeast.com/russia-is-arming-hezbollah-say-two-of-the-groups-field- commanders

21.                                          Alexander Corbeil,"Russia is Learning about Hezbollah", January 11, 2017,

http://carnegieendowment.org/sada/67651.

22.Yossi Mansharof,” Implications of the Emergent Russian-Hezbollah Coordination in Syria”, BESA Center Perspectives Paper No. 383, December 2, 2016.

https://besacenter.org/perspectives-papers/383-mansharof-closer-collaboration-between-russia-and-hezbollah-in-aleppo/

@pour_citer_ce_document

محي الدين حداد, «الإستراتجية الأمريكية لمواجهة نفوذ حزب الله اللبناني في منطقة الشرق الأوسط»

[En ligne] ,[#G_TITLE:#langue] ,[#G_TITLE:#langue]
Papier : ص ص 74-84,
Date Publication Sur Papier : 2019-06-24,
Date Pulication Electronique : 2019-06-24,
mis a jour le : 24/06/2019,
URL : https://revues.univ-setif2.dz:443/revue/index.php?id=5691.