مقولة المنهج وإشكالية تلقي النصوص نظر بحثي في أنساق التفاعل بين القارئ والنص في النقد المعاصرTheory of the Method and Problem of Receiving Texts
Plan du site au format XML


Archive: revues des lettres et sciences sociales


N°01 Avril 2004


N°02 Mai 2005


N°03 Novembre 2005


N°04 Juin 2006


N°05 Juin 2007


N°06 Janvier 2008


N°07 Juin 2008


N°08 Mai 2009


N°09 Octobre 2009


N°10 Décembre 2009


N°11 Juin 2010


N°12 Juillet 2010


N°13 Janvier 2011


N°14 Juin 2011


N°15 Juillet 2012


N°16 Décembre 2012


N°17 Septembre 2013


Revue des Lettres et Sciences Sociales


N°18 Juin 2014


N°19 Décembre 2014


N°20 Juin 2015


N°21 Décembre 2015


N°22 Juin 2016


N° 23 Décembre 2016


N° 24 Juin 2017


N° 25 Décembre 2017


N°26 Vol 15- 2018


N°27 Vol 15- 2018


N°28 Vol 15- 2018


N°01 Vol 16- 2019


N°02 Vol 16- 2019


N°03 Vol 16- 2019


N°04 Vol 16- 2019


N°01 VOL 17-2020


N:02 vol 17-2020


N:03 vol 17-2020


N°01 vol 18-2021


N°02 vol 18-2021


N°01 vol 19-2022


N°02 vol 19-2022


N°01 vol 20-2023


N°02 vol 20-2023


N°01 vol 21-2024


A propos

avancée

Archive PDF

N°03 Vol 16- 2019

مقولة المنهج وإشكالية تلقي النصوص نظر بحثي في أنساق التفاعل بين القارئ والنص في النقد المعاصر

Theory of the Method and Problem of Receiving Texts
ص ص 72-84
تاريخ الارسال: 2018-02-03 تاريخ القبول: 2019-09-24

محمد عبد البشير مسالتي / نبيل مسالتي
  • resume:Ar
  • resume
  • Abstract
  • Auteurs
  • TEXTE INTEGRAL
  • Bibliographie

تروم الدراسة استنطاق مرحعيات المقاربة الحداثية التي تشكلت حول النص العربي ، بحثا في بعض مسارات التلقي الحداثي  للنص العربي؛ وذلك من أجل التحقق من أن القراءات الحداثية إنما هي محكومة بأفقها التاريخي وسياقهـــا الثقافي، فهي تتحرك وَفق ما يتيحه لها أفقها وسياقها من"ممكنات" ، وفي المقابل فإنها ترضخ تحت الإكراهات/الأيديولوجيات التي يمارسه عليها هذا الأفق وهذا السياق

الكلمات المفاتيح: منهج ،التراث العربي، إجراءات ،الحداثة الغربية، رؤية.

Cette étude a pour but d’interpréter certaines lectures modernistes critiques apparues sur  la réception des  textes arabes. Les lectures modernistes considèrent que les textes arabes sont régis par leur contexte historique et culturel. Ces lectures s’appuient sur les données fournies par le contexte et elles relèvent de la domination des processus compulsifs / idéologiques des contextes historique et culturel

Mots-clés:Méthode , L'héritage arabe , Procédures, Modernité occidentale , Le discours critique de rabian , Point de vue.

This study aims at interpreting some of modernistes readings which are formed about Arabic texts.That is to chek that the Modernistes reading for the Arabian texts which are governed by its historical and cultural context.  Those readings moves according to somavailable possibilities of the context. In other hand, those readings fall under the domination of compulsive/ideological processes of the historical and cultural contexts

Key words: Method, The arab heritage , Procedures,Western modernity , The rabian critical discourse, Point of view.

Quelques mots à propos de :  محمد عبد البشير مسالتي

جامعة محمد لمين دباغين سطيف2messalti_mouhamed@yahoo.com

Quelques mots à propos de :  نبيل مسالتي

[1]، جامعة قسنطينة للعلوم الإسلاميةmessalti_mouhamed@yahoo.com
[1] المؤلف المراسل

أولا : كيف أقرأ نصا ثراثيا

« إعادة فهم التراث واختياره عملية متواصلة، خاصيتها الجدل بين طرفين : أحدهما سلبي فاعل، والآخر إيجابي منفعل. سلبية التراث معناها كونه موضوعًا للتأمل والفهم، تقابلها إيجابية الحاضر التي تتحقق بحماسته لتأمل التراث وفهمه »

عبد الحكيم راضي: مدخل في قراءة التراث

يجب التذكير في البدء أن قضية المنهج تستمدّ أهميتها من كونها تمثل حجر الزاوية في نظريّة المعرفة، فلا تكاد المعارف الإنسانية تنبني وتتقدّم إلاّ إذا توفّرت لها الأدوات المنهجيّة الملائمة، وقد أدرك المفكّرون والفلاسفة منذ القدم الترابط الوثيق بين تحصيل المعرفة والالتزام بشروطها المنهجيّة، فكانوا يلحّون على أنّ الارتقاء بالتفكير لتحقيق المعرفة الصحيحة يستوجب بالضرورة وضع قواعد وأسس تحدّد علاقة الذات العارفة بموضوعها، وتضمن أن يكون التفكير سليمًا، فيقود إلى معرفة الحقيقة، ولا يوقع في الزيغ والأوهام. فما هي طبيعة المعالجة التي يمكن أن نرومها في قراءة النص التراثي ؟ هل نحلّل ذلك النّص، أم نشرحه، أم نفسره، أم نؤوّله أم نقاربه ؟ هل نتعامل مع النص القديم مثلما نتعامل مع النص المعاصر؟ ثمّ بأيّ أداة أو رؤية نفعل ذلك؟ بواسطة وسيلة عربيّة معاصرة أم بالاستفادة من الملاحظات الجماليّة والالتفاتات النّقديّة القديمة المبثوثة  نلتقطها ثمّ نستثمرها استثمارا حداثيّا ؟ هل نقارب ذلك النّص في ضوء مفاهيم نظريّات التّلقي والأجناس الأدبيّة، والبلاغيّة والأسلوبيّة الغربيّة، أم بمنهج نقديّ عربيّ ؟  تحاول هذه المقاربة تعميق القلق المعرفيّ، والدّعوة إلى السّعي الحثيث من أجل المزيد من التفكير في فتح أبوابٍ جديدة للقراءة الأدبيّة والنقدية، فكما ثبت أنّ النّصّ التراثي لا تحدّه الحدود، سيظلّ الإبداع في شأنه مفتوحاً؛ فكذلك ما يُكتب من حوله يجب أن يظلّ مفتوحاً، وهو تحليله وقراءته وتأويلـه.

ولعلنا لا نجانب الصواب إذا صدحنا بأنّ التّحوّلات الّتي يخضع لها وعي القرّاء وحاجاتهم وتصوّراتهم ورُؤَاهم، تؤثّر في بنية نّصّوص التراث المقروءة وفي دلالاتها ووظائفها وقيمها؛ فالتراث العربي القديم لم يكفّ عن التّحقّقّ في وعي قرّائه المعاصرين وفي تمثّلاتهم المختلفة له. ولقد اكتسبت نصوص التراث بأنماطها المختلفة دلالاتٍ وقيماً مختلفةً عبر تاريخ التّلقّي؛ فقد خضعت  لمناهج متباينة في الفحص والتأويل وفي جميع الأحوال ظلّت نصوص التراث مرتهنة إلى تحوّلات سياقات القراءة وتبدّلات وعي القرّاء(1)

تصدر قراءتنا لفكرة علاقة المنهج بالنص التراثي عن مبدأ يقر بأن أحد وجوه بلاغة النص التراثي يكمن في مشاركة القارئ في إنتاج معانيه، غير أن هذا المبدأ قد يكون مناقضا لطبيعة ووظيفة بعض النصوص؛ كتلك التي   لم تحظَ في تاريخ تلقّيها القديم بتجاوب جماليّ أو تأويل أدبيّ .

غير أن تعاقب القراء وتحول آفاق القراءة كشفاً عن جوانب أدبية ظلت مضمرة في التلقي القديم، وهذا دليل على الدّور الذي يضطلع به القارئ، ودليل على فعاليّة النّصّ الذي يحمله على إنجاز القراءة.

ولعل المتأمل لنصوص التراث العربي-حتى تلك التي لم تقارب جماليا في تاريخ تلقيها- سيجد لا محالة أن ثمة علامات أخرى غير محددة بشكل كاف، تقتضي أن يعيد القارئ تأويلها وإدماجها في سياق خطابات وأنساق ثقافية  لعلّها انبثقت عنها أو تؤول إليها.

تتنزل هذه الدراسة ضمن تصور معرفيّ عام مداره استجلاء الخواص النّظريّة والعمليّة الواسمة المنظومة النّقديّة الحديثة في تعاملها مع الظّاهرة التّراثيّة ، وبيان ذلك أنّ المدونة التّراثيّة في الفترة الحديثة أُشبعت بحثا وتدبّرا من لدن دارسين ندبوا أنفسهم لهذا الأمر وأناطوا بعقولهم ووجدانهم تلك المهمة، فاختلفت مقارباتهم وتباينت نتائجهم، حتى كادوا أن يفترقوا وتتيه مراكبهم في بحر التّراث تيها يضل معه الموضوع المدروس وتمّحي رسومه، ولعلّ مرد اختلاف هذه المقاربات راجع إلى تباين مستويات المباشرة التي يتّخذونها منطلقات لنظراتهم في التّراث وتقويمهم إيّاه.

وقد حصر بعض من اعتنى بهذا المشغل مستويات المقاربة في خمسة مداخل بارزة: المفهوم/المنهج/العمق التّاريخيّ/نمط المعالجة/الموقف من الإحياء، وكل مستوى يتفرع فرعين وينقسم قسمين فيصير التّـراث في محيط هذه الرؤية، مفهوما مشكّلا تتعدد مقارباته وتتنوع منطلقات النّظر فيه (*).

صُنفّت القراءات السائدة من منظور الغاية في المجالات التاّلية: القراءة الانتقائية التي تحاول التّوفيق بين الأصالة والمعاصرة، والماضيّ والحاضر، والقراءة التّثويريّة التي تهدف إلى تقديم مشروع رؤية جديدة، ننتقل بها من التّراث إلى الثّورة، حسب تعبير طيب تيزيني، أو من العقيدة إلى الثورة، حسب رأي حسن حنفي، أو من الثّابت الإتباعي إلى المتحوّل الإبداعيّ، حسب رأي أدونيس، أو من الضّرورة إلى الحريّة، حسب رأي حسين مروة، والقراءة التنويرية التي تسعى إلى الكشف عن "تكوين العقل العربي"، في فكر محمد عابد الجابري، أو الكشف عن المستويات الخطابيّة السائدة في الفكر العربيّ بأبعاده العربيّة الإسلاميّة في فكر محمد أركون.

 إنّ تعدد التّفريعات في مباشرة الظّاهرة التّراثيّة دليل على أنّ الاشتغال بالتّراث لا يعني الاندراج في ثقافة ماضيّة بقدر ما يعني استحضار تمام أمة من الأمم( عقيدة وشريعة، لغة وأدبا، عاطفة وعقلا، حنينا وتطلعا) وهكذا «فإذا كان الإرث أو الميراث هو عنوان اختفاء الأب وحلول الابن محله – كما تحيل إلى ذلك مادة الأصل المعجمي "و،ر،ث" في التقليدين العربي والأعجمي –، فإنّ التّراث قد أصبح بالنّسبة إلى الوعي العربيّ المعاصر عنوانا على حضور الأب في الابن، حضور السّلف في الخلف، حضور الماضي في الحاضر»(2) ويحدّد الباحث خالد سليكي أنماط قراءة التراث في:

1-  القراءة الماضوية: وهي القراءة التي تحاول بعث التّراث وعدّه الأنموذج الأرقى، ومن أهمّ مميزات هذه القراءة اقتصارها على الشّرح والتّلخيص، والبحث عن مواطن القوّة في التّراث على حساب وجوه أخرى فهي تعمل على «الإقصاء» و«الانتقاء» (3).

2-    القراءة التّاريخيّة: وهي التي تبحث في متابعة الحياة المعرفيّة متابعة تاريخية بتتبع بداياتها ونموّها. وسمتها الجمع المتسلسل تاريخيّا لمادة البحث (4).

3-  القراءة الحداثيّة: وهي القراءة التي يكون الغرض منها جعل التّراث معاصرا، من خلال بعث مواطن تساؤلات معرفيّة جديدة فيه. وثمة نمطان من القراءة الحداثية هما:

أ‌- قراءة استعمال التّراث: وهي قراءة تؤمن بإهمال النّظر إلى علاقة الماضي بالحاضر «إذ يجمع الدارس بين آراء المتقدمين وآراء النّقاد المعاصرين»(5). وفي السياق الواحد يُربط بين تصورات الجاحظ ونظريات جان كوهن وياكبسون مثلا، فهي تقوم على استعمال النّصوص القديمة على أساس يجعل من النّص جسرا لتّدعيم بعض التّصورات بغية الاستدلال والتّمثيل لا التفكيك لمعرفة طبيعته(6) ، كما تقوم أيضا على تغييب الجدار الفاصل بين القديم والحديث أو الاختلاف والتّقاطع بينهما لقيام المقاربة المزعومة. إذ تُوظّف النّصوص التّراثيّة توظيفا غير تاريخيّ. ولا تعدو هذه القراءة أن تكون إعادة قول ما سبق أن قيل في الماضي بصورة مغايرة(7)

ب‌-     قراءة التراث التأويلية: وهي تشبه القراءة التنويرية عند الباحث جابر عصفور.

إنّ مقولة الحداثة عند العرب اليوم «أغزر طرافة وأكثر إخصابا إذ تتنـزّل لديهم متفاعلة مع اقتضاء آخر يقوم مقام البديل في التّفكير المعاصر وهذا الاقتضاء مداره قضية التّراث من حيث هو يدعوهم اليوم الى «قراءته» – على حد عبارة المنهجيّة الرّاهنة – ومعنى ذلك أنّ العرب يواجهون تراثهم لا على أنّه ملك حضوريّ لديهم ولكن على أنّه ملك افتراضيّ يظلّ بالقوّة ما لم يستردوه، واسترداده هو استعادة له واستعادته حمله على المردود المنهجيّ المتجدد، وحمل الرؤى النّقدية المعاصرة عليه، حتى لكأنّ الاستعادة عند العرب اليوم  مقولة قائمة بنفسها تكاد لا تعرف وجودا عند سواهم على النّحو الذي هي عليه عندهم .

 ومن رام الوقوف على القواعد التّأسيسيّة في هذه المقولة كفاه النظر في غائيتها وهي فك إشكاليّة الصّراع بين القديم والجديد، فمقولة الاستعادة تنفي الديمومة إذ هي تكسير الزّمن»(8)

إنّ كلّ قراءة للتراث إنما هي نتاج سياقاتها المعرفية والتاريخية، وإنّ كل فعل قرائي لا يعي شروطه وآلياته يظل بعيدا – مهما كان حرصه – عن النفاذ إلى أغوار النصوص وبواطنها، يقول الباحث عباس أرحيلة معبرا عن ذلك: «إذا كانت الكتابة انتصارا على الزمن وتخليدا له، فإن القراءة تأمل في دلالات المقروء عن طريق فهمه وتفسيره واستنطاقه وتأويله... والتطور الحضاري ما هو إلا قراءة للنصوص... ولقد لوحظ خلال التاريخ أن القراءات للنصوص تتنوع وتتعدد، وإن كل قراءة تنسجم مع سياقها التاريخي وخلفياتها الحضارية. وتبين خلال التاريخ، أن هناك نصوصا تعددت قراءاتها لأهميتها وتعددت دلالتها وكثرت إيحاءاتها. إذا كان من نافلة القول: إنّ القارئ ينفعل بالمقروء، فإنه قد انكشف للباحثين أن القارئ تتحكم فيه ظروف متعددة تتداخل مع حقول معرفية أخرى منها: البحث النظري، والنقد، والمنهج والإيديولوجيا، وتحليل النصوص الإبداعية بصفة خاصة واتضح أن: القراءة عملية معقدة يدخل فيها المكتوب مع ما لدى القارئ من تكوين ثقافي، ومن تصورات وقناعات، وأن القراءة تتطلب قدرة على تحويل الرموز إلى مفاهيم ذهنية في ضوء مرجعية خاصة، وقدرة على الفهم» (9).

وما يشير إليه هنا الباحث عباس أرحيلة لا يعني بتاتا اعتقاده بإمكانية قراءة التراث قراءة محايدة أو بريئة، بل هناك دائما بالضرورة قراءة منحازة أو مغرضة تختلف درجاتها ومحركاتها وأهدافها بين خدمة التراث والعمل على الاستفادة منه وتطويره، أو التنكر له والتهجم عليه بغية التخلي عنه.

يقول حسين جمعة: «إن الظروف الموضوعية والذاتية التي تحيط بحركة النقد العربي لم تسمح حتى الآن بتشكيل رؤية نقدية موحدة وواضحة المعالم على وجود الانتماء للثقافة والجنس الواحد غالباً... فالحركة النقدية العربية تتقاذفها رياح التقليد؛ إما للموروث والتمسك به، وإما للآخر الغربي»(10)

انطلاقا مما تقدم، فإنّ الحديث عن قراءة التّراث «تلزمنا التّثبت والتّأني في اختيار المنهج الملائم والمقاربة المواتيّة، وهذا لا يتأتى إلا داخل النّظام المعرفيّ المعين، سواء أكان هذا خاصا بالتّراث، أم بالنظريّات الغربيّة»(11).والسّؤال المطروح هنا إلى أيّ مدى تجسّدت هذه الرؤيّة عند قرّاء التراث؟

وعلى الرغم مما تحمله تحولات الأسئلة النظرية إلى المعرفة النقدية وإلى مفهوم التأويل من غنًى وفائدة، يظل النص الأدبي هو المعيار الحقيقي في أي تفكير نقدي. وإذا ما تعلق الأمر بصياغة مفهوم لتأويل نصوص التراث، فإننا مطالبون باستيعاب هذا النقاش الحيويّ الدائر في النظرية الأدبية المعاصرة، بالقدر الذي تطالبنا فيه نصوص التراث بمعايشتها وتمثلها بعدّها جزءاً من الموروث الأدبي الكلاسيكي؛ فكثير من هذه النصوص تفترض متلقياً لا يكتفي بتلقي رسائلها الصريحة، ولكنها تسهم في بناء معناها (12)

    ثانيا: النقد المعاصر وعواضل فهم النص التراثي (مقامات الهمذاني أنموذجا):

« خليقُ بقارئ التراث أن تكون عينه على الحاضر؛

 أي البحث عن مدى انعاكاسات قراءته في واقعه الثقافي المعاصر»

إنّ القارئ الحديث الذي يحاول أن يأخذ وجهة نظر منسجمة عن مقامات الهمذاني سيصاب بالدّوار أمام الآراء المتضاربة التي صدرت في حقّ مقامات الهمذاني؛ فأنت تجد التأويل وضده ينسبان لمقامات الهمذاني نفسها  (مقامات الهمذاني حديث أدبي بليغ وفي الآن ذاته  هي لا تفسح للعقل كي يعبر عن العواطف ويحللها؟)، (مقامات الهمذاني فيها خاصية تجنيسية تتمثل في احتدام الصراع بين الشعر والنثر/ التوتر بين الشعر والنثر ، ومرة فهي تقوم على الإثارة والمفاجأة والمفارقة والسخرية).

دون اهتمام بتفسير نصوص المقامة، وهذا كله ناتج في نظر البحث عن غياب القراءة النّسقيّة المستندة إلى الأسئلة والخلفيّات والإحراجات التي حكمت نصوص المقامة.

      يقتضي النّظر في مقامات الهمذاني(*)بوصفها نصوصا قديـمة تحققّ نمطا من الوعي القرائيّ النّقدي (La conscience Lisante critique) ؛ متسما بتعدد واجهاته، وتنوع استراتيجيّاته حتى يتمكن من الانتشار في أكثر من اتجاه معرفيّ، ويقدر على مواجهة الأسئلة المخصوصة التي يفرزها تراثنا القديم: ما هي طبيعة المعالجة التي يمكن أن نرومها؟  هل نحلّل ذلك النّص، ، أم نؤوّله أم نقاربه؟ هل نتعامل معه مثلما نتعامل مع نصوصنا المعاصرة؟ ثمّ بأيّ أداة أو رؤية نفعل ذلك: بواسطة وسيلة عربيّة معاصرة أم بالاستفادة من الملاحظات الجماليّة والالتفاتات النّقديّة القديمة المبثوثة: نلتقطها ثمّ نستثمرها استثمارا حداثيّا ؟ هل نقارب ذلك النّص في ضوء مفاهيم نظريّات التّلقي والأجناس الأدبيّة، والبلاغيّة والأسلوبيّة الغربيّة، أم بمنهج نقديّ عربيّ؟

في وقت مبكر من عصرنا الحديث بدأت خصائص المقامة من جديد تشكل موضوعا للمناقشة وإبداء الرأي؛ كان النهج في البداية يسير على منوال الأحاديث القديمة التي لا تكاد تخرج عن وضع هذه الخصائص في موضعي الدفاع أو الهجوم. ولكن مع تقدم الزمن والتطورات التي حدثت في مناهج الدراسات الأدبية في الثقافة العربية (مناهج نفسية واجتماعية وبلاغية، لسانية أسلوبية وبنيوية..) وتحولت هذه الخصائص/البلاغة إلى موضوع نظر وتأمل في ضوء تعاقب سلسلة من الأسئلة التي أسهمت في الكشف عن أسرارها وتفسير سماتها والوقوف على معانيها المتجددة.

1-شوقي ضيف والأفق اللغوي و معيار هدم البلاغـة:

لعلنا لا نجافي الصواب إذا قلنا إنّ المقامة تعد أكثر الأنواع الأدبية القديمة تعرضا لإدانة الدارسين المحدثين؛ فقد شكَّل اختلافها الكبير عن الأنواع الأدبية الحديثة وعن مفهوم الأدب الحديث،أحد أهم العوامل التي جرت عليها اعتراضاتهم. وربما كان من الضروري الإشارة إلى أن موقف الإدانة الذي تبناه هؤلاء الدارسون العرب المحدثون لا يعبر عن مقت للأدب العربي، بقدر ما يعبر عن رغبة في أن يقوم الأدب العربي على جنس أدبي يضاهون به الأجناس السردية الحديثـة.

وهكذا، فهم يصدرون عن فكرة أن المقامة جنس أدبي عربي أصيل كان من الممكن مضاهاته بأنواع سردية حديثة مثل القصة والرواية، لولا أنه تورط في جملة من العيوب أضرت به وأعاقت نموه وتطوره. وواضح أن الأمر يتجاوز الإدانة بمعناها الإيديولوجي، إلى الإدانة بمعناها الأدبي الخالص؛ فهؤلاء على نحو ما يرى عبد الفتاح كيليطو وقعوا ضحية التصور الغربي لآداب القرن التاسع عشر مجارين في ذلك آراء المستشرقين الذين كانوا يصدرون في تذوقهم للأدب عن هذا التصور. فالموقف الحديث الرافض للمقامة ينطوي في العمق على موقف شائع رافض للبلاغة على أساس أن المقامة فن بلاغي بامتياز،وهو في واقع الأمر ليس سوى انعكاس للموقف الغربي الرافض للبلاغة التي أصبحت سيئة السمعة في الثقافة الغربية عموما منذ القرن التاسع عشر، قبل أن تسترد مجدها ابتداء من السبعينيات من القرن الماضي (13)، يقول كيليطو:« إن الانصراف عن البلاغة العربية ليس سوى واحد من مخلفات أزمة البلاغة الغربية. اهتم المستشرقون بكل ميادين الثقافة العربية، ما عدا استثناءات نادرة حين أهملوا البلاغة. والقارئ العربي،إذ يقتفي خطاهم فهو يحكم على نفسه بأن يتجاهل مظهرا من مظاهر الثقافة الكلاسيكية، وأن يحجب عن نظره الألعاب اللفظية،التي تقاس أهميتها مع ذلك بأهمية المقولات اللغوية التي تجلوها للعيان،وأن لا يرىفي كتابة عريقة، سوى تعفن وانحطاط» (14)

يتضح مما سبق قوله أن المواقف المدينة للمقامة ليست سوى انعكاس للمعايير السائدة في الزمن الذي تشكلت فيه هذه المواقف.

وتبعا لهذا، نجد جملة من المعايير الأدبية الحديثة تسخّر لإدانة المقامة والتقليل من قيمتها السردية والأدبية؛ فباسم معياري البساطة و/الابتعاد عن بلاغة التزيين، وبلاغة التعليم، ومعايير التعبير عن الذات وعن الحياة، وعن العصر والمجتمع، وتصوير النفس الإنسانية، أدينت المقامة وحوكمت في الثقافة العربية الحديثة. مثلما نجده عند شوقي ضيف الذي أصدر كتابه "المقامة" سنة 1954.

 ولعلّ المتأمل لقراءة شوقي ضيف المبكرة للمقامة يلحظ أنها نزعت إلى استبعاد المقامة من دائرة الأدب للمكانة الرفيعة التي حظيت بها الأساليب البلاغية في هذا الجنس الأدبي، ولأغراضها التعليمية ، يقول شوقي ضيف: « وإذا كانت الغاية الأولى للمقامة هي التعليم، فقد أطلق عليها صاحبها اسم "مقامة"، ولم يجعلها "قصة " ولا "حكاية"، بل جعلها "حديثا قصيرا" "مشوقا""أجراه في شكل قصصي »  (15) بيد أن شوقي ضيف في تعريفه للمقامة لم يكتف برفض إجراء المقارنة بين المقامة والقصة، بل إنه يستبعد المكون السردي من تعريفه مما يشي بنظرة لغوية للمقامة يقول: «ليست المقامة إذن قصة وإنما هي حديث أدبي بليغ، وهي أدنى إلى الحيلة منها إلى القصة، فليس فيها من القصة إلا الظاهر فقط»(16)  وقد أدان شوقي ضيف المقامة على أساس ما أسماه بلاغتها اللفظية.

   لقد كانت البلاغة في الفترة التي شهدت ظهور موقف شوقي ضيف -وغيره من المواقف المستبعدة لفن المقامات من دائرة الأدب- ، تعاني الجمود وخمول الذكر وكان الميل في التعبير يتسم بالابتعاد عن التعابير المثقلة بأساليب البديع، وبتحاشي الخطابة. وقد أثر هذا الوضع في تبخيس القيمة الذاتية للمقامة التي كانت تستمدها من هذا المكون البلاغي بمعناه الأسلوبي أو التداولي؛ فلا يمكن تصور المقامة مغسولة من البلاغة الشعرية، لأنها فن ظهر في عصر هيمنة الشعر والبديع؛ فالمقامة ما كان لها أن تتشكّل خارج دائرة الشعر الذي فرض مكانته على الأدباء في القرن الرابع للهجرة»(17)

لأجل ذلك كانت إحدى أهم سمات هذ االجنس الأدبي كما يقول محمد أنقار، التوتر بين الشعر والنثر: «التوتر البنيوي الذي يحتدم في عمق المقامة الهمذانية بين شتى أجناس الأدب،وتخصيصا الصراع بين جنسي النثر والشعر»(18) 

كما أن المقامة فن برز في عصر لم ينفصل فيه الأدب عن وظيفته التواصلية؛ فتراثنا الأدبي لم يفصل بين الوظيفة الأدبية والوظائف التداولية التي تنهض بها النصوص سواء أكانت قصائد أم مقامات أم نوادر أم أخبارا(19) ، كما نجد أن شوقي ضيف يدين المقامة على أساس معيار جمالي معاصر يتمثل في أن الأدب الحقيقي الجدير بالتقدير هو الأدب  الذي يتغلغل في تصوير النفس الإنسانية ويفسح المجال للتعبير عن الذات الإنسانية بوصف وتحليل عواطفها، ودقائق حركاتها النفسية. يقول شوقي ضيف: «وكأنما ألجموا عقولهم وأطلقوا ألسنتهم، فلم يتجهوا بالمقامة إلى وصف حوادث النفس وحركاتها،ولا إلى الإفساح للعقل كي يعبر عن العواطف ويحللها، وإنما اتجهوا بها إلى ناحية لفظية صرفة؛ إذكان اللفظ فتنة القوم، وكان السجع كل مالفتهم من جمال في اللغة وأساليبها،وكانت ألوان البديع كل ماراعهم منها ومن أسرارها» (20)  وهناك  امتدادات عديدة لقراءة شوقي ضيف  فالمقامات حسب يوسف الخال ليست أدبا ألبتة، بل هي هرطقات تعليمية، وهراء فارغ، وشكل متعفن غرق في الشطارة اللغوية اللفظية، فمات ومات فيه الإنسان والحياة وهكذا، أصبحت المقامات حسب الخال تستدعى تلقائيا كلما جرى الحديث عن شكلية الأدب وانحطاطه وسخفه وتعفنه، يلاحظ يوسف الخال في سياق تعليقه على قصيدة  لشاعر"طليعي شاب" أنّ هذه القصيدة بإغراقها في القوافي وفوضى أوزانها تذكر بمقامات الهمذاني المنحطة و«كأننا في عودة إلى مقامات بديع الزمان والحريري وأشباههما من بلغاء عصور الانحطاط»(21)

    ونجد أن أحمد أمين لا يخرج عن أفق التلقي الاستبعادي أو أفق الإدانة، ففي مقال بعنوان"أدب اللفظ وأدب المعنى " لم يجد أحمد أمين مثالا على أدب اللفظ في الأدب العربي كله أظهر من مقامات الهمذاني والحريري ، فإذا كان في كل أمة أدب لفظ وأدب معنى ففي الأدب العربي أمثلة واضحة لهذه القسمة" قل أن تعثر فيها على معنى جديد ، أو خيال رائع، وهما من الناخية القصصية في أدنى درجات الفن ولكنهما تؤديان غرضا جليلا من الناحية اللفظية ففيهما ثروة من الألفاظ والتعبيرات لاتقدر» (22)

2-القراءات الحداثية للمقامة ومراعاة الأنظمة/الأسيقة المعرفية

   يبدو أنّ أصحاب المقاربات المنتمية إلى هذا الاتجاه أكثر حرصا على تجنب ما يمكن أن يوجه إليهم من تهمة قراءة المقامة من منظور أفق الإدانة الذي لم ير في المقامات سوى حيل حياتة مغلقة بقشور الصنعة والتكلف، ومن ثم كان جلّهم إلى المجادلة أنزع وإلى إبراز الأسس السليمة التي ينبني عليها اختيارهم أميل، وإذا صحّ ما يراه بعض المنظّرين من أنّ كلّ دراسة تنهض على إجابة عن سؤال وإثارة لآخر، فإنّ للسؤال الذي يحاول هؤلاء أن يجيبوا عنه بعدا مزدوجا قائما على ما يلي: هل بوسعنا أن نقرأ المقامة/التّراث دون أن نغترب عن عصرنا، وأن ننخرط في العصر دون أن نغترب عن أنفسنا وما به نكون؟ أو وَفق تعبير محمد العمري الذي يرى: «أنّ تغيّرَ المعطيّات التي نمتلكها، والإمكانيّات التي نسخِّرها، وتغيّرَ الأسئلةِ المطروحة على الأدب، يجعلُ من اللازم إعادةَ الكتابة كلّما تغيّرت شروط القراءة و ظروفها. فالحاضر يغني الماضي بقدر ما يغتني  بمحاورته. الماضي نص مفتوح للقراءة على الدّوام» (23).

إنّ قرّاء المقامة وفق هذا الأفق  طمحوا إلى إعادة التّأسيس والكتابة، ولم يكن هذا الطّموح يتوجه إلى الإدانة أو الاستعادة أو الإسقاط أو كتابة نوع من التّاريخ الصّامت بقدر ما كان يتوجه إلى الانتقاد والتّثوير والمجاوزة.

      نبتغي في هذا السّياق الوقوفَ على مقاربتين طريفتين؛ حرصتا على تجنب ما يمكن أن يوجه إليهما من تهمة قراءة المقامة من منظور أفق الإدانة، ومن ثم فقد حاولتا بيان واستبطان طبيعة المقامة من حيث الأطر البنيوية والأسلوبية والثقافية؛ الأولى للباحث المغربيّ عبد الفتاح كيليطو موسومة بـ«المقامات السرد والأنساق»، والثّانيّة للباحث السعودي عبد الله الغذامي موسومة بـ« القمر الأسود أو النص القاتل ضمن كتابه المشاكلة والاختلاف: قراءة في النظرية النقدية العربية وبحث في الشبيه والمختلف».

2-أ عبد الفتاح كليطو وتجنيس المقامة/ سمة التعرف

لعلِّنا لا نجافي الصواب إذا اعتبرنا أعمال الناقد المغربي عبد الفتاح كيليطو مفصلاً مهما في الدراسات النقديَّة الحديثة، الَّتي اهتمت بمجال نقد الموروث السردي استنادا إلى المنهجيات الحديثة، فقد بذل كيليطو جهدا خصيبا في هذا المجال منذ أعماله الأولى الَّتي كتبها بالفرنسيَّة، ثم ما لبثت  أن ظهرت بالعربيَّة تباعا في وقت متقارب خلال العقود الأربعة الأخيرة مثل (الكتابة والتناسخ: مفهوم المؤلف في الثقافة العربيَّة) و(المقامات – دراسة في السرد والأنساق) و(العين والإبرة، دراسة في ألف ليلة وليلة). وعدا ذلك توجّه كيليطو إلى الكتابة بالعربيَّة، فظهرت له جملة أعمال أكبّ فيها على فحص ودراسة بعض الجوانب الجزئيَّة المتَّصلة بقضايا السرديات، الَّتي تفرغ لها كيليطو فشكلت مشروع عمره الَّذي خصَّه بكل وقته وجهده. ويمكن التمثيل لدراسات كيليطو الَّتي انشغلت بجوانب جزئيَّة من الموروث السردي بـ(المقامات السرد والأنساق الثقافية).

بدأت مسيرة كليطو مع المقامات العربية في أول الثمانينيات مع القرن الميلادي المنصرم،حيث درس في كتابه (الأدب والغرابة) ألوانا من السرد العربي القديم دراسة بنيوية، ولأن المقامة جنس سردي فقد برزت بشكل واضح في عمله،إذ حاول تلمّس أدوار الرواية في مقامات بديع الزمان (24).

والقول الحق إنّ كتاب (الأدب والغرابة) أقرب إلى لفت النظر إلى الأجناس السردية في التراث العربي، ولعل أظهر مبحث يوضح التصور الإجناسي للباحث هو الفصل الَّذي وسمه كيليطو بـ(تصنيف الأنواع) (*)

  لم يقارب كليطو المقامة الهمذانية بعيدا عن الأنساق الثقافية التي تعني مواضعة اجتماعية ،دينية،أخلاقية تفرضها في لحظة معينة من تطورها الوضعية الاجتماعية والتي يقبلها ضمنا القارئ وجمهوره" (25).

بينت مقاربة كليطو أنّ مقامات الهمذاني من حيث الاطار الزماني  عن أن راويته عيسى بن هشام عمّر مئات السنين، وتلك لفتة لم يفطن لها-فيما رصدت من آراء الدارسين- ناقد قبله، ويسوق كليطو الأسباب المقنعة التي دفعته إلى ذلك الرأي سالكا سبيل الاستقراء للأحداث القصصية التي يرويها عيسى بن هشام،فهو مرة يشترك في غزوة ضد البيزنطيين سنة 375هـ، وتارة يجالس عصمة بن بدر الفزاري الذي عاين دون وسيط مناقضة شعرية جرت في قلب الصحراء بين الفرزدق وذي الرمة،وهما شاعران عاشا أواخر القرن الأول الهجري (26) ويقوده التأويل المقنن إلى اكتشاف ملخصه أن الشعر كان وصمة خزي وعار في عهد الهمذاني،وهو لا يطلق هذ الحكم جزافا، بل يصل إليه بعد تحليل عميق للمناضرة التي جرت بين بديع الزمان والخوارزمي(27)

وهكذا لم يقرأ  كليطو المقامة في ضوء مكونات فنون القص الحديث ؛ كان كيليطو كما يقول نادركاظم "يقف على الطرف النقيض من كل تلك القراءات الساخطة المتبرمة أو المأزومة المبررة. فقراءة النص يجب أن تتقبل طبيعته وتحاول بعد ذلك تفسيرها، بدل أن تشجبها أو تدينها أو حتى تبررها«.إن ما كان يهم الباحث هو "الحديث عن المقامة باعتبارها نوعا ذا سمات ثابتة» (28) ؛ أي الحديث عن المقامات بوصفها جنسا أدبيا ذا مكونات نوعية خاصة ثابتة.بل كما يقول نادر كاظم بوصفه«شكلا أدبيا يتضمن داخله أنواعا مختلفة، مثله في ذلك كمثل الشعر حين يكون شكلا أدبيا يتضمن داخله مجموعة متنوعة من الأنواع » (29)

     والحال هذه فقد نفى الباحث أن يكون الأسلوب الرفيع، والكدية، ونسبة الخطاب إلى شخصيات متخيلة مكونات خاصة بالمقامة. فالأسلوب الأنيق يوجد في المقامات كما يوجد في الرسائل، والكدية لا تنحصر في المقامات ونسبة الخطاب إلى شخصيات متخيلة نجدها في حكايات كليلة ودمنة. من هنا كان على كيليطو أن يبحث عن مكونات نوعية خاصة بالمقامة لعل أبرزها يتمثل في:

أولا: «شعرية الكتابة المرموزة» ؛ من المكونات النوعية التي وقف عليها الباحث ما أطلق عليه  «شعرية الستار»،أو شعرية الكتابة المرموزة"،حيث المعنى يتوارى "في أفق عائم، ومن أجل الوصول إليه يجب اقتحام عقبة الغريب والمجازات. «الكتابة المرموزة مبنية بشكل يحفر مسافة بين الدال والمدلول، لذا فهي بحاجة إلى عملية شاقة لفك الرموز. » (30)ويضيف قائلا:« إن شعرية الكتابة المرموزة تدفع بالناثر إلى استخدام الأشكال الأسلوبية ذاتها التي يستخدمها الشاعر،  وأن يلجأ إلى القافية التي  بتجزئتها لسلسلة الخطاب إلى أجزاء تتميز بفواصل ثنائية(أو أكثر أحيانا)  تُدخل إيقاعا   للقراءة-الاستماع مغايرا  لإيقاع القصيدة(الخاضعة لبحر محدد وقافية وحيدة) لكنه إيقاع تمليه إرادة محو الحدود  بين النثر والشعر» (31)

ثانيا: «التعرف» باعتباره فعلا سرديا أي حين يتعرف الراوي على شخصية البطل (32)؛ «التعرف» حسب الباحث عنصر أساس في المقامات وهو: «الشكل السردي الذي يتكرر بوتيرة كبيرة في المقامات مرتبط بعودة الشخصيتين الرئيستين. مهما يكن تنكر أبي الفتح، ينتهي الراوي دائما إلى التعرف عليه.يفترض التعرف عبورا من المعرفة الوهمية إلى معرفة حقيقية، لكن هذه الأخيرة ليست ممكنة إلا إذا كانت معرفة سابقة على التجربة التي جرى وصفها» (33) إن سمة التعرف التي وقف عليها كليطو هي حسب الباحث خالد بن محمد الجديع«غير صحيحة أو على الأقل هي محل نظر-على حد تعبير الأسلاف-فهناك مقامات كثيرة لبديع الزمان ومن جاء بعده لا تعرف فيها، بل قد لا تحتوي حكاية أصلا،ولم يستطع كليطو حتى على الرغم من الجهد الذي بذله عند الحديث عن المقامة الوحشية أن يقنعنا بوجهة نظره» (34)

يقول نادر كاظم: «لقد فتح كيليطو باب البحث في البنية السردية للمقامات، غير أنه كان أكبر من أن يقع فريسة لتثبيت قراءته على هذا المظهر. فقد كان حذرا وهو يقارب تلك البنية السردية في المقامات، وكان بإمكانه أن يقارن بين الاثنتين والخمسين مقامة للبديع، وينطلق من ذلك ليجلو هذه البنية المشتركة بينها،غير أنه قاد قراءته نحو جهة أخرى، وآثر أن يقود بحثه في اتجاه آخر، فاختار مقاربة غير مباشرة، وراح يحلل نصوصا قريبة من المقامات،ومن خلال ذلك يستطيع أن يحيط بسمات هذه المقامات الذاتية والمشتركة » (35)

وهكذا مثلت قراءة كليطو للمقامة وعيا بضرورة فهمها وتفسيرها في سياقها الثقافي والجمالي القديم،لأجل ذلك كانت النتائج التي انتهت إليها القراءة مفيدة وجديدة. 

وتعلق الباحثة فاتحة الطايب أمحزون على تأويلات كليطو بقولها: « إن تأويلات كيليطو لمختلف أنواع الخطاب التراثي العربي إذ تتم في إطار أمة وتقاليد أمة ، تتم أيضًا من داخل تيار فكري حي يعتبر السؤال في مركز الثقافة .والقارئ المتعود على قراءة هذه التأويلات يظل مشدودًا بفعل قوة سحرية إلى النهاية ، وهو يتابع بعثرة المؤول لعناصر النصوص التي يقوم بتحليلها من أجل إعادة بنائها من جديد وبصفة لانهائية» (36)

وتضيف قائلة:  «ولعل ما يخلق الدهشة أساسًا، هو النتيجة التي يسفر عنها دمج المؤول كيليطو بين الآفاق ، أي طريقة اندماج أفقه التأويلي الخاص بصفته قارئًا عربيًا حديثًا واعيًا بوضعيته التأويلية ، مع أفق النص التراثي الذي يدرك جيدًا المسافة التي تفصله عنه مما يفيد ، أن دهشة القارئ تحفزها نتيجة التأويل التي تنزع عنه الإحساس بالاطمئنان لعلاقته التقليدية بالتراث من جهة ، والنهايات الملغومة التي تشكك في وضوح مقصدية المؤول من جهة أخرى.فتأويلات كيليطو لا تحث القارئ على طرح أسئلة حول علاقته بذاته الماضية والحاضرة فحسب ، وإنما تحثه أيضًا على طرح أسئلة حول التأويل الذي هو بصدد قراءته . خالقة بذلك دينامية مزدوجة: دينامية المؤول والنص التراثي المؤول، وجدل المؤول وقارئ التأويل ... هكذا وبلا نهاية...» 37)

2-ب عبد الله الغذامي ومقولات الإثارة والمفاجأة /المفارقة والسخريـة

رام الغذامي في بحثه الموسوم: القمر الأسود أو النص القاتل ضمن كتابه: المشاكلة والاختلاف: قراءة في النظرية النقدية العربية وبحثا في الشبيه والمختلف، وفحصا للمقامة البشرية بحيث تكشف المقاربة منذ مفتتحها عن السر الذي دفع هذا الناقد لاختيار هذه المقامة فهي عنده"مقامة فريدة ومثيرة، فيها خصائص تميزها عن سواها من المقامات، مثلما أنها تنطوي على أسئلة هامة تهم الباحث في نظرية الإبداع، وفي التداخل النصوصي، وتكشف عن وجوه مثيرة من وجوه المشاكلة والاختلاف (38)

يحاول الغذامي أن يستمع إلى صوت النص،فيقرر-بداية- أن الوظيفة السردية تحتل المقامة وتطغى عليها، وفي مقابل ذلك يتراجع الإيقاع، وأن الاتكاء على الأحدوثة والتركيز عليها كان نتيجة تعويضه لفقد عنصر البطل فيها (39)

وهكذا، يحاول الباحث من منظور تأويلي تنشيط التراكيب وملء بياض النص من خلال التركيز على دلالة الفعل الناقص الذي صدرت به المقامة«كان بشر بن عوانة صعلوكا » ناقلا الحركات الإعرابية النحوية إلى أفعال دلالية مصيرية يسقطها على بشر (40)

وتبعا لهذا يحرض الفعل الغائب-الذي أعقب الجملة الفاتحة- هذا الناقد على مزيد من التأويل والتساؤل يصل بعده إلى أن«هناك فضاءات دلالية يضمرها النص،حيث ترك لها فراغا داخليا تتحرك فيه وتتوالد في ظله» (41)  وقد تنبه الغذامي في تحليله للمقامة البشرية إلى بعض سمات المقامة التي تجعل بلاغتها مختلفة عن بلاغة الشعرحيث بين الباحث أنها تتجه إلى الإثارة والمفاجأة والمفارقة والسخرية مستخدمة لذلك أساليب اللغة وحيلها بالإيقاع والسرد. يحدث ذلك في زمن أدبي عربي اشتهر وعرف بأنه زمن البلاغة والبديع، وهذا هو المزاج الثقافي للعصر.

2 نص المقامة بوصفه نصا قارئا/ شارحا :(محمد أنقار/محمد مشبال)

  (تجليات التوتر التجنيسي بين الشعر والنثر: قراءة في المقامة الجاحظية)

«التوتر البنيوي الذي يحتدم في عمق المقامة الهمذانية بين شتى أجناس الأدب، وتخصيص االصراع بين جنسي النثر والشعر»

محمد أنقار: تجنيس المقامة

في سياق تحليله للمقامة الجاحظية يفترض الباحث محمد أنقار أن «المقامة الهمذانية إنما تكتسب قيمتها التجنيسية نتيجة تأجيج ذلك الصراع بواسطة المكونات التخييلية، ومن الراجح ألا يناقض هذا الافتراض التجنيسي تلك الغاية الأخرى التي كان يتوخاها جنس المقامة عامة، أي العمل المتدرج على تأصيل السرد القصصي في تراثنا العربي».(42)

لقد انتهت قراءة أنقار إلى التأكيد على أن صناعة المقامة لم تكن لتقوم دون مراعاة الرتبة الحضارية التي كان يحظى بها الشعر في القرن الرابع؛ «لذلك خرجت المقامات من بين يديه مثل سبيكة فريدة، فيها من روح الشعر نصيب،ومن استشراف فنون المستقبل نصيب. » (43).

نص المقامة الجاحظية (44):

«حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ هِشَامِ قَالَ: أثَارَتْنِي وَرُفْقَةً وَلِيَمةٌ فَأَجَبْتُ إِلَيْهَا، لِلْحَدِيثِ المَأْثُور عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَوْ دُعِيتُ إِلَى كُرَاعٍ لأَجَبْتُ وَلَوْ أُهْدِيَ إِلَيَّ ذِرَاعٌ لَقَبِلْتُ " فأَفْضَى بِنَا السَّيْرُ إِلى دَارٍ.

تُرِكَتْ وَالحُسْنَ تأْخُذُهُ   تَنْتَـقِي مِنْـهُ وَتَنْتَحِبُ
  
فَانْتَقَتْ مِنْهُ طَرَائِفَـهُ                       وَاسْتَزَادَتْ بَعْضَ مَا تَهَبُ

قَدْ فُرِشَ بِسَاطُهَا، وَبُسِطَتْ أَنْمَاطُهَا، وَمُدَّ سِماطُهَا، وَقَوْمٍ قَدْ أَخَذُوا الوَقْتَ بَيْنَ آسٍ مَخْضُودٍ، وَوَرْدٍ مَنْضُودٍ، وَدَنٍّ مَفْصُودٍ، وَنَايٍ وَعُودٍ، فَصِرْنَا إِِلَيْهِمْ وَصَارُوا إِلَيْنَا، ثُمَّ عَكَفْنَا عَلَى خِوُانٍ قَدْحِيَاضُهُ، وَنَوَّرَتْ رياضُهُ، وَاصْطَفَّتْ جِفانُهُ، وَاخْتَلَفَتْ أَلْوَانُهُ فَمِنْ حَالِكٍ بِإِزَائِهِ نَاصِعٌ، وَمِنْ قَانٍ تِلْقَاءَهُ فَاقِعٌ، وَمَعَنا عَلى الطَّعَامِ رَجُلٌ تُسَافِرُ يَدُهُ عَلَى الخِوَانِ، وَتَسْفِرُ بَيْنَ الأَلْوَانِ، وَتَأْخُذُ وُجُوهَ الرُّغفَانِ، وَتَفْقأُ عُيُونَ الجِفانِ، وَتَرْعَى أَرْضَ الجِيرانِ، وَتَجُولُ في القَصْعَةِ، كَالرُّخِّ في الرُّقْعَةِ، يَزْحَمُ باِللُّقْمَةِ اللُّقْمَةَ، وَيَهْزِمُ بِالمَضْغَةِ المْضغَة، وَهْوَ مَعَ ذَلِكَ ساكِتٌ لاَ يَنْبِسُ بِحًرفٍ، وَنَحْنُ فِي الحَدِيثِ نَجْري مَعْهُ، حَتَّى وَقَفَ بِنَا عَلَى ذِكْرِ الجاحِظِ وَخَطابَتِهِ، وَوَصْفِ ابْنِ المُقَفّعِ وَذَرَابتِهِ، وَوَافَقَ أَوَّلُ الحَدِيثَ آخِرَ الخِوَانِ، وَزُلْنَا عَنْ ذَلِكَ المَكانِ، فَقَالَ الرَّجُلُ: أَيْنَ أَنْتُمْ مِنَ الحَدِيثِ الَّذِي كُنْتُمْ فيِهِ؟ فَأَخَذْنَا فِي وَصْفِ الجَاحِظِ ولَسَنِهِ، وَحُسْنِ سَنَنِهِ فِي الفَصاحَةِ وَسُنَنِهِ، فِيما عَرَفْنَاهُ، فَقَالَ: يَا قَوْمِ لِكُلِّ عَمَلٍ رِجَالٌ، وَلِكُلِّ مَقَامٍ مَقَالُ، وَلِكُلِّ دَارٍ سُكَّانٌ، ولِكُلِّ زَمَانٍ جَاحِظٌ، وَلَوِ انْتَقَدْتُمْ، لَبَطَلَ مَا اعْتَقَدْتُمْ، فَكُلٌّ كَشَرَ لَهُ عَنْ نابِ الإِنْكَارِ، وَأَشَمَّ بِأَنِْف الإِكْبَارِ، وَضَحِكْتُ لَهُ لأَجلُبَ ما عِنْدَهُ، وَقُلْتُ: أَفِدْنا وَزِدْنا، فقَالَ: إنَّ الجَاحِظَ في أَحَدِ شِقَّيِ البَلاَغَةِ يَقْطِفُ، وفِي الآخَرِ يقَفُ، والبَليغُ مَنْ لَمْ يُقَصِّرْ نَظْمُهُ عَنْ نَثْرِهِ، ولَمْ يُزْرِ كَلامَهُ بشِعْرِهِ، فَهَل تَرْوُونَ للْجاحِظِ شِعْراً رائِعاً؟ قُلْنَا: لاَ، قَالَ: فَهَلُمُّوا إِلَى كَلاَمِهِ، فَهْوَ بَعِيدُ الإِشارَاتِ، قَلِيلُ الاسْتِعَاراتِ، قَرِيبُ العِبَارَات، مُنْقادٌ لعُرْيَانِ الكَلاَمِ يسْتَعْمِلُهُ، نَفُورٌ مِنْ مُعْتَاصِهِ يُهْمِلُهُ، فَهَلْ سَمِعْتُمْ لَهُ لَفْظَةً مَصْنُوعَةً، أَوْ كَلِمَةً غَيْرَ مَسْمُوعَةٍ؟ فَقُلْنَا: لاَ ، فَقَالَ: هَلْ تُحِبُّ أَنْ َتسْمَعَ مِنَ الكَلاَمِ مَا يُخَفِّفُ عَنْ مَنْكِبَيْكَ، وَيَنِمُّ علَى مَا في يَدَيْكَ؟ فَقُلْتُ: إِي وَاللهِ، قَالَ: فأَطْلِقْ لِي عَنْ خِنْصِرِكَ، بِمَا يُعِينُ على شُكْرِكَ، فَنُلْتُهُ رِدَائِي، فَقالَ:

لَعَمْرُ الَّذي أَلقَى عَلَيَّ ثِيَابَهُ      

                                            لَقَـدْ حُشِيَتْ تِلْكَ الِّثيابُ بِهِ مَجْدَا

 فَتىً قَمَرَتْهُ المَكْرُمَاتُ رِدَاءَهُ     

                                             وَمَا ضَرَبَتْ قِدْحاً ولاَ نَصَبَتْ نَرْدَا

عِدْ نَظَراً يا مَنْ حَبَانِي ثِيابَهُ    

                                                     وَلاَ تَدَعِ الأَيَّـامَ تَهْــدِمُنِي هَــدَّا
وَقُلْ للأُولَى إِنْ أَسْفَرُوا أَسْفَرُوا ضُحىً وإِنْ طَلَعُوا في غُمَّةٍ طلَعُوا سَعْدا صِلُوا رَحِمَ العَلْيا، وَبُلُّوا لَهَانَهَا فَخَيْرُ النَّدَى ما سَحَّ وَاِبلُهُ نَقْدَا. قَالَ عِيسَى بْنُ هِشَامٍ: فَارْتاحَتِ الجَمَاعَةُ إِلَيْهِ، وَانْثَالَتِ الصِّلاَتُ عَلَيهِ، وَقُلْتُ لَمَّا تآنَسْنَا: مِنْ أَيْنَ مَطْلُع هَذاَ البَدْرِ؟ فَقالَ:                     ِسْكَنْدَرِيَّةُ دَارِي ... لَوْ قَرَّ فِيها قَرَارِي

                لكِنَّ لَيْلِى بِنَجْدٍ ... وَبِالحِجَازِ نَهارِي»

لعل أهمّ خلاصة انتهى إليها  الباحث محمد مشبال هي أن بلاغة نثر الجاحظ لم تكن تتسم بسمات الشعر؛ أي إنّها بلاغة تشكلت في سياق مخالفتها للبلاغة الشعريّة وإنشاء بلاغة أخرى، على نحو ما ستكشف عن ذلك مجموعة من القراءات الحديثة لنثر الجاحظ (*).. والحق أنّ هذه البلاغة النّثرية المتميزة عن البلاغة الشعريّة، هي التي لفتت نظر القدماء بانزياحها عن معايير تلقيهم الأدبيّ؛ حيث أشاروا إلى جملة من السمات في نثره تثبت خصوصية هذه البلاغة التي قامت على التناقض والهزل والحجاج والعري والموسوعية (45).

ولعلنا نستطيع أن نخلص من مجموع هذه القراءات إلى أن بلاغة مقامات الهمذاني قامت على مكونات أساسية لعل أبرزها هي:

- «االتعرف» باعتباره فعلا سرديا أي حين يتعرف الراوي على شخصية البطل؛ ففعل «االتعرف»  عنصر أساس في المقامات وهو: «الشكل السردي الذي يتكرر بوتيرة كبيرة في المقامات مرتبط بعودة الشخصيتين الرئيسيتين. مهما يكن تنكر أبي الفتح، ينتهي الراوي دائما إلى التعرف عليه»

- «شعرية الستار»، أو «شعرية الكتابة المرموزة»،حيث المعنى يتوارى في أفق عائم، ومن أجل الوصول إليه يجب اقتحام عقبة الغريب والمجازات.

-خاصية تجنيسية تتمثل في احتدام الصراع بين الشعر و/النثر، التوتر بين الشعر والنثر عطفا على  تهجين الأسلوب النثري، واعتماد الشعر  بعدّه وسيلة تصويرية متجانسة تجانسا مطلقا مع الوسيلة النثرية المضادة.

-التوسل بالسجع والقافية والتصريع والترصيع من حيث هي مكونات مستمدة من موسيقى الشعر الخارجية.

-الإثارة والمفاجأة والمفارقة والسخرية.

-خاصية بنيوية ؛ حيث تقوم المقامة على مكونين أساسين: أولهما: راو يقوم بوظيفة الإخبار. وثانيهما: بطل يقوم بفعل مهم. ويتكون المتن الحكائي من تفاعل الراوي والبطل؛ أي من الرواية والحكاية، والعلاقة التي تربطهما(46).

-تستحضر المقامة البنية التقليدية للحديث النبوي الشريف والملحمة الروائية، والسيرة ، ذلك أن معظم المقامات تبدأ بذلك التوكيد: «حكى لنا/لي،عيسى بن هشام فقال: (...) وهو موجود في الأحاديث النبوية الشريفة. (47)

خلاصة

لعل ما أثير في هذه الدّراسة من أفكار يسمح ببيان أن التّراث العربي لا يثمّن إلا بالوقوف على مسائله وَفق رؤى، وأدوات تستمد من أصول معرفيّة أثبتت الممارسة النّقديّة جدَّتها في تفحص كثير من الإشكالات التي تثار من حول الإبداعات الكبرى، إيماناً منها أنّ الفكر النّقديّ هو الذي يثير السّؤال أكثر من ادّعاء القول الفصل فيها ابتعاداً عن المعياريّة، والأخذ بالنّسبيّة التي أصبحت القاعدة الأساس التي يتبناها الفكر المنهجيُّ، وبذلك أدرك النّقد العربيّ الحديث؛ وهو يقارب مقامات العمذاني وَفق رؤى مختلفة (سياقيّة، ونسقيّة)، أنّ هذه المقاربات لا يمكن أن تتحقق إلا باستيعاب المفاهيم الكبرى للقراءة الحديثة في مظانّها الغربيّة.

لقد كانت مقامات الهمذاني كما مرّ بنا موضوع مقاربات نقديّة متعددة، وكلّ هذه المقاربات أجهدت نفسها في مدارستها، وحاولت الاقتراب من عالمها، بأدوات إجرائيّة مختلفة اختلاف المنطلقات المعرفيّة والأدوات الإجرائيّة التي تتبناها، مما أعطى ثراءً نقديّاً وشجّع الخطاب النّقديّ العربيّ الحديث على محاولة الاجتهاد، الاجتهاد الذي أدرك أنّ مقامات الهمذاني رسالة ذات شفرات غير محددة تحديداً يقينيّاً، بل هي نصوص تخترق الزّمن لتعيش في اللازمان، وأنّ أصالتها نابعة من تفتحها لكلّ قراءة جادة تحاول أن تتعامل مع بنيتها الدّاخليّة بأدوات فيها من الجدَّة والأصالة، لتفكّ شفراتها دون السّقوط في المعياريّة، وإنَّما تعمل من أجل طرح السّؤال لتنبثق منه أسئلة متعددة.

وهكذا، فإذا كانت تلك الدّراسات تعدّ امتدادا للحوار الفكريّ والعلميّ مع الثّقافات الأجنبيّة وهو حوار متواصل منذ قرون، فإنّها لا بد أن تتأثر بالطّرف الثّانيّ في الحوار (الغرب) سلبا وإيجابا؛ فهي من جهة، من قبيل التّجريب النّقديّ والعلميّ؛ إذ إنّها تعكس رغبة قرّاء الهمذاني/التراث في تجديد أدواتهم وفي مواكبة التّطورات والمستجدات العلميّة والمنهجيّة قصد تقريب النّصوص وكشف قيمها الفنيّة ومواقفها الفكريّة والفلسفيّة والإيديولوجية وغير ذلك من المهام التي ينبغي أن يضطلع بها النّاقد والباحث. ومن جهة ثانيّة، لا بد أن تكون محكومة بقيود وعيوب المنهج المطبق، موسومة بنواقصه وثغراته

هكذا، لا نجانب الصّواب إذا قلنا: إنّ قراءة النّصوص ينبغي أن تتم انطلاقا من الفترة التّاريخيّة المعاصرة للدّارس؛ أي "الحاضر الراهن" لا "الحاضر الماضي"، مع مراعاة السّياق العام الذي تشكّل النّص في إطاره؛ كما لا يمكن للتّأويلات أن تكون على حساب حقيقة النّص، بل يجب أن تستنطقه وتبحث عن حفرياته المشكلة له.

إلى جانب ذلك، تبقى ضرورة البحث في النّص عن مّا يقوله، بالإحالة إلى انسجامه السّياقيّ الخاص، وإلى حالة الأنساق الدّلاليّة التي تشكل مرجعيّته، وعن ما يجده المرسل إليه destinataire بالإحالة إلى أنساقه الدّلاليّة الخاصّة  لهذا السّبب كان من اللازم عدم الالتزام بالظّاهر النّصيّ، وإلا صارت دراسة التّراث لذاته، وتحوّل إلى نصّ ميّت. فما يهمّ من مجموع النّصوص التّراثيّة هو المستوى الصّامت والمسكوت عنه فيها؛ خصوصا أنّ النّص يمارس، دائما، عمليّة التّغيّيب والإظهار، الخفاء والتّجلي. ذلك أنّه عالم من الرّموز المنتظمة والمفكر فيها سلفا. فهو يخضع للتّأمل والبحث، كما أنّه يشحن بوعي يسعى إلى مجاوزة المرحلة.

ففي النّصوص التّراثيّة فجوات أو ثقوب – على حدّ تعبير إيزر و إيكو – ينبغي ملؤها أثناء عمليّة القراءة، ومن هنا، تأتي الأهميّة القصوى التي يتمتّع بها فعل القراءة والتّأويل.

إنّ كلّ من يريد فهم النّص التّراثيّ لا بد أن يحمل مشروعا؛ بمعنى أنّ مقاربة هذه النّصوص، خاصة تلك التي تتمتع بخصوصيّات نوعية تفترض في العمق مشروعا تحديثيّا.

إنّ التّراث يبدأ في الاشتغال، منذ اللحظة التي يبدأ فيها فعل القراءة بمساءلة نصوصه واستقرائها والكشف عن خلفيّاتها وموجهاتها. إذ القراءة تجلية وتحيين Actualisation، وبهذا تكون دراسة النّص التّراثيّ، كيفما كانت طبيعته، هي تفكيك له وتسليط للضّوء على البنيّات المشتغلة فيه، ورصد تحركاتها وطرائق اشتغالها. وهي عمليّة لا تكون هدفا في ذاتها بقدر ما تشكل العتبة التي بواسطتها يتمكّن الدّارس للتّراث من فهم النّص وآليّاته، كما تقتضي من جانب آخر فعل التّأويل. فما هي الآليّات التي يمكن توظيفها في عمليّة تأويل النّصوص التّراثيّة ؟

الهوامش

([1])-عبد الواحد التهامي العلمي: قراءة السرد العربي القديم بين وهم المماثلة و مبدأ المغايرة، مجلّة عالم الفكر، العدد 1 يوليو-سبتمبر 2012، المجلّد 41،، ص93

(*)- للوقوف على تفاصيل هذا المشغل راجـع: سلام رفعت، بحثا عن التراث العربي، نظرة نقدية منهجية، دار الفارابي، بيروت، لبنان، ط1، 1989، ص 15 - 25. ووقوفا على كون التراث مفهوما مشكلا تتعدد مقارباته وتتنوع منطلقات النظر فيه راجع تمثيلا لا حصرا المؤلفات الآتية:

· حردان، نواف: صانعو تراثنا الثقافي الحضاري، دار الحداثة، ط1، 1996.

·    عبد الرحمن طه: تجديد المنهج في تقويم التراث، المركز الثقافي العربي، ط1، 1994.

·   تيزيني طيب: من التراث إلى الثورة، دار دمشق ودار الجيل، دمشق، بيروت، ط4، دت.

·  حنفي حسن: التراث والتجديد، المركز العربي للبحث والنشر، القاهرة، ط1، 1980.

·  شكري غالي: التراث والثورة، دار الطليعة، بيروت، ط2، 1979.

· طرابيشي جورج: المثقفون العرب والتراث، التحليل النفسي لعصاب جماعي، رياض الريس للكتب والنشر، ط1، 1991.

·  أحمد رحيم كريم الخفاجي: التراث النقدي العربي والتقويل الحداثي المعاصر، رسالة دكتوراه فلسفة في اللغة العربية/أدب، مخطوط (وقد طُبعت ببيروت)، جامعة بابل، كلية التربية، إشراف قيس حمزة الخفاجي، نوقشت سنة 2009 .

(2)- محمد عابد الجابري: التراث والحداثة، دراسات ومناقشات، المركز الثقافي العربي، ط1، 1991، ص 24، حيث نجد صدى هذه الفكرة ووقعها.

(3)- ينظر: خالد سليكي: التراث وأنماط القراءة، مجلة جذور، النادي الثقافي، جدة، السعودية، ج1، مج1، ع1، 1419هـ-1999م: ص 10.و ينظر أيضا: أحمد رحيم كريم الخفاجي: التراث النقدي العربي والتقويل الحداثي المعاصر.

(4)- ينظر: المرجع نفسه، ص 12.

(5)- المرجع نفسه، ص 15.

(6)- ينظر: المرجع نفسه ، ص 15.

(7)- ينظر: المرجع نفسه، ص 16.

(8)- المسدي عبد السلام: التفكير اللساني في الحضارة العربية، الدار العربية للكتاب، ليبيا، وتونس، ط1، 1981، ص 20.

 (9)- عباس آرحيلة: الأثر الأرسطي في النقد والبلاغة العربيين إلى حدود القرن الثامن الهجري، منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط، ط1، 1999، ص 50- 51.

(0[1])- حسين جمعة: المِسْبار في النقْد الأَدبي (دراسة في نقد النقد للأدب القديم وللتناص) من منشورات اتحاد الكتاب العرب،دمشق، 20038-9

(1[1])- صلاح الدين زرال: الظاهرة الدلالية عند علماء العربية القدامى حتى نهاية القرن الرابع الهجري، منشورات الاختلاف، ط01، 2008، ص 31.

(2[1])-ينظر: البلاغة والسرد، جدل التصوير والحجاج في أخبار الجاحظ، منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية جامعة عبد الملك السعدي، تطوان- المغرب، 201035

(*)- المَقامة بالفتح : المجلس ، والجماعة من الناس ، والمجلس في الأكثر تدور فيه أحاديث للمسامرة ، وقد كانت للعرب قبل الاسلام مجالس سمر يتحدّثون فيها بقصص الجن والحيوان ويتحدّثون بالمواعظ والأمثال . وفي العصر الإسلامي نجد شخصا يقوم في هذا المجلس بين يدي خليفة أو غيره ويتحدّث واعظاً . وتستخدم المقامة بمعنى المحاضرة ،وقد عقد ابن قتيبة ( ت 276 هـ) فصلافي كتابه ( عيون الأخبار) بعنوان ( مقامات الزهّاد عند الخلفاء والملوك) أورد فيها عشر مقامات ، وهي مواعظ يقف فيها الراوي أمام الخليفة لنصحه وإرشاده. وأصبحت المقامة فيما بعد مصطلحا أدبيّا تطلق على نوع من الكتابة الفنية على شكل أقصوصة منمّقة في ألفاظها وأسلوبها ، فيها شيء من الحوار ، وتعتمد في الأكثر على راو واحد وبطل أديب متحايل ، يراد بها وصف حالة نفسيّة ، أو مفارقة أدبية ،  أو مسألة دينية ، أو قضية علمية ، وتنطوي على لون من ألوان النقد ، أوالتهكّم والسخرية ، أو التصحيح والتقويم ، أو الثورة ، ويعدّ بديع الزمان الهمذاني أوّل من أعطى كلمة مقامة معناها الاصطلاحي بين الأدباء . إلّا انّ الذين أرّخوا للأدب من المحدثين قد تضاربت أراؤهم في تعيين مبتدع المقامات فالرأي الأوّل يقول : إنّ الجاحظ ( ت 255 هـ) هو المنشئ الأوّل لها في رسالته ( التربيع والتدوير) أو في رسالته (صناعات القوّاد) ، ورأي ثان يقول : إنّ أبا بكر محمد بن الحسن الأزدي ( ت 321 هـ) هو مبتكرها والسابق لها ، ورأي ثالث يقول : أنّ المبتكَر الأوّل لها هو أحمد بن فارس اللغوي ( ت 390 هـ) أستاذ بديع الزمان ،ورأي آخر يرى أنّ أبا حيّان التوحيدي (ت 414هـ) ابتدعها وأنشأها. إلّا أن بديع الزمان كان أديبا عالما ، مثقفا بثقافة كبيرة مستوعبا أكثر الكتابات التي أنشأها السابقون ، وفكرة المقامات بصيغتها وشكلها المعروف هو صاحبها ،ويعود له الفضل في إعطائها المعنى الاصطلاحي بين الفنون النثرية في الأدب العربي.

(3[1])- محمد مشبال: عن تحولات البلاغة، مجلة بلاغات، العدد1، 2009،المغرب، من ص.11 إلى ص.21. 

(4[1])-عبدالفتاح كيليطو:المقامات السرد والأنساق الثقافية ترجمة عبد الكبير الشرقاوي، دار توبقال للنشر، ط2، 2001 ص.179.

(5[1])-شوقي ضيف: المقامة، سلسلة فنون الأدب العربي، دارالمعارف،ط.4،  ص 8.

(6[1])- المرجع نفسه،ص  ن

(7[1])- ينظر: عبد الواحد التهامي العلمي: قراءة السرد العربي القديم بين وهم المماثلة ومبدإ المغايرة، ، ص 75.

(8[1])- ينظر: محمد أنقار: تجنيس المقامة، مجلة فصول، العدد الثالث، 1994م،ص10.

(9[1])- محمد مشبال: عن تحولات البلاغة، من ص11 إلى ص.21. 

(20)-شوقي ضيف: المقامة، سلسلة فنون الأدب العربي، دارالمعارف،ط.4،  ص 10

(2[1])-يوسف الخال: دفاتر الأيام، رياض الريس للكتب والنشر، لندن 1987،ص11.

(22)-أحمد أمين: فيض الخاطر(مقال بعنوان: أدب اللفظ وأدب المعنى" مكتبة نهضة مصر،دت،ج01،ص303.

(23)- محمد العمري: البلاغة العربية أصولها وامتداداتها، أفريقيا الشرق، بيروت، لبنان، والدار البيضاء، المغرب، ط1، 1999، ، ص 09.

(24)- عبد الفتاح كيليطو: الأدب والغرابة، دراسات بنيوية في الأدب العربي دار الطليعة، بيروت، ط1، 1982، ص 26.

(*)- شكل الدرس الأنواعي ملمحا ظاهراً في أعمال كيليطو، يقول أبلاغ عبد الجليل في كتابه «شعرية النص النثري: مقاربة نقدية تحليلية لمقامات الحريري»، شركة النشر والتوزيع، المدارس، الدار البيضاء، ط1، 2002. (ص 147): «يعتبر هاجس تحديد النوعية حاضراً بشكل لافت للنظر في بحث الأستاذ كيليطو، ذلك أن هذه النوعية لا تتحدد لديه في البحث عن السمات المشتركة بين نصوص ذات جذور ثقافية مختلفة فقط، وإنما كذلك بعقد مقارنات تحليلية نصية بين نصوص تقترب شكليا من المتن المقامي».

(25)- عبد الفتاح كيليطو:المقامات السرد والأنساق ، ص.08.الكتاب في أصله رسالة دكتوراه وتتمثل أما مدونة كليطو في هذه الأطروحة فتتمثل في نتاج الهمذاني، وابن شرف القبرواني، وابن بطلان وابن ناقيا والحريري. أي مقامات ق4 و5 هـ.

(26)- عبد الفتاح كيليطو:المقامات السرد والأنساق ، ص.25

(27)- المرجع نفسه، ص.62

(28)- المرجع نفسه،ص  05.

(29)- نادر كاظم: المقامات والتلقي: بحث في أنماط التلقي لمقامات الهمذاني في النقد العربي الحديث، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، الطبعة الأولى، 2003. ص393-394..

(30)-عبد الفتاح كيليطو: المقامات السرد والأنساق ،ص 75.

(3[1])-المرجع نفسه، ص ن

(32)-المرجع نفسه، ص 102

(33)-المرجع نفسه، ص ن

(34)- خالد بن محمد الجديع: الدراسات السردية الجديدة، قراءة المقامة أنموذجا، دراسة علمية محكمة، صادرة عن، مركز كلية بحوث الآداب، عمادة البحث العلمي، جامعة الملك سعود،2007،ص27.

(35)- نادر كاظم: المقامات والتلقي: ص403.

(36)- فاتحة الطايب أمحزون: رهانات تأويل الخطاب التراثي العربي ، تأصيل الكيان من المنظور الحواري، الندوة الدولية الثانية: قراءة التراث الأدبي واللغوي في الدراسات الحديثة،بحوث علمية محكمة،2014، جامعة الملك سعود، كلية الآداب، قسم اللغة العربية وآدابها(نسخة الكترونية).ص128 .

(37)- المرجع نفسه،ص  ن

(38)-عبد الله الغذامي: المشاكلة والاختلاف:قراءة في النظرية النقدية العربية وبحث في الشبيه والمختلف (القمر الأسود أو النص القاتل)،ط01،المركز الثقافي العربي،بيروت والدار البيضاء1994،ص147,

(39)- المرجع نفسه،ص154

(40)- المرجع نفسه،،ص155

(41)- المرجع نفسه،،ص159

(42) -محمد أنقار: تجنيس المقامة، بحث أنقار عن تأصيل المكونات النوعية لجنس المقامة؛ حيث سعى إلى اكتشاف "سمات تكوينية جوهرية" لم يلتفت إليها الدارسون السابقون ولم يولوها أي اهتمام وهي احتدام الصراع بين الشعر والنثر الموجود في صلب المقامة.

(43)- المرجع نفسه،ص 18.

(44)- بديع الزمان الهمذاني: المقامات، بشرح محمد عبده، دار الفضيلة، القاهرة، ص 79-81. وينظر أيضا: بديع الزمان الهمذاني: شرح مقامات بديع الزمان الهمذاني، تحقيق محمد محي الدين عبد الحميد، دار الكتب العلمية بيروت، ص.87-88.

(*)- خاصة قراءات من قبيل : قراءة شوقي ضيف، وزكي نجيب محمود، وعبد الفتاح كليطو، ومصطفى ناصف.

(45) - محمد مشبال: البلاغة والسرد، ص 109-110.

(46) -عبد الله إبراهيم، السردية العربية، بحث في البنية السردية للموروث الحكائي، المركز الثقافي العربي، ط1، 1992.، ص 185

(47)-جيمس توما س مونرو : فن بديع الزمان الهمذاني وقصص البيكاريسك، مجلة فصول،المجلد 12،العدد3.،خريف 1993،ص.153-154.

@pour_citer_ce_document

محمد عبد البشير مسالتي / نبيل مسالتي, «مقولة المنهج وإشكالية تلقي النصوص نظر بحثي في أنساق التفاعل بين القارئ والنص في النقد المعاصر»

[En ligne] ,[#G_TITLE:#langue] ,[#G_TITLE:#langue]
Papier : ص ص 72-84,
Date Publication Sur Papier : 2019-10-07,
Date Pulication Electronique : 2019-10-07,
mis a jour le : 09/10/2019,
URL : https://revues.univ-setif2.dz:443/revue/index.php?id=5967.