نحو مقاربة سوسيولوجية تظافرية للعنف الأسري رؤية نقدية
Plan du site au format XML


Archive: revues des lettres et sciences sociales


N°01 Avril 2004


N°02 Mai 2005


N°03 Novembre 2005


N°04 Juin 2006


N°05 Juin 2007


N°06 Janvier 2008


N°07 Juin 2008


N°08 Mai 2009


N°09 Octobre 2009


N°10 Décembre 2009


N°11 Juin 2010


N°12 Juillet 2010


N°13 Janvier 2011


N°14 Juin 2011


N°15 Juillet 2012


N°16 Décembre 2012


N°17 Septembre 2013


Revue des Lettres et Sciences Sociales


N°18 Juin 2014


N°19 Décembre 2014


N°20 Juin 2015


N°21 Décembre 2015


N°22 Juin 2016


N° 23 Décembre 2016


N° 24 Juin 2017


N° 25 Décembre 2017


N°26 Vol 15- 2018


N°27 Vol 15- 2018


N°28 Vol 15- 2018


N°01 Vol 16- 2019


N°02 Vol 16- 2019


N°03 Vol 16- 2019


N°04 Vol 16- 2019


N°01 VOL 17-2020


N:02 vol 17-2020


N:03 vol 17-2020


N°01 vol 18-2021


N°02 vol 18-2021


N°01 vol 19-2022


N°02 vol 19-2022


N°01 vol 20-2023


N°02 vol 20-2023


A propos

avancée

Archive PDF

N°15 Juillet 2012

نحو مقاربة سوسيولوجية تظافرية للعنف الأسري رؤية نقدية


الطاهر الإبراهيمي
  • resume:Ar
  • resume
  • Auteurs
  • TEXTE INTEGRAL

    تشيع المقاربات السوسيولوجية لظواهر المجتمع الإنساني وتزداد تنوعا وتعددا تلاقيا حينا وتناقضا حينا آخر، عاكسة بذلك طبيعة علوم المجتمع المعرفية والابستيمولوجية المتميزة بدراسة ظواهر زئبقية بما في ذلك ظاهرة العنف الأسري، وتحاول المقالة طرق أسس مقاربة تستدمج صور التلاقي الممكنة بين تلك المقاربات، بمزاوجتها بنمط الوجود الاجتماعي الأسري المحلي باعتبار مجال الدرس والتحليل، وهي بذلك تضع معالم يمكن إعمالها بإبداع ومرونة تتوقف على الباحث وموضوع البحث فيها.


 Les approches communes à la sociologie des phénomènes de la société humaine sont de plus en plus diverses et à facettes multiples et parfois contradictoires, et tout à fait de convergence. Ce qui reflète la nature de la science cognitive et épistémologiqueen étudiant les phénomènes distincts, y compris le phénomène de la violence domestique, L'article tente d'intégrer l'approche de l'image de la convergence possible, en fonction de la structure de la présence sociale locale de la famille en tant qu’étude d'analyse et, établir les paramètres qui peuvent être mises en œuvre avec la créativité et la flexibilité  qui dépend du chercheur et de l'objet de la recherche.

مقدمة:

تشيع المقاربات السوسيولوجية لقضايا المجتمع والإنسان، وتزداد تعدادا وتنوعا في كل مرحلة تاريخية، وهي إن كانت في اللحظات الحضارية الأولى لزمن الحداثة أكثر بساطة وأبطأ تناميا، فإنها بعد الحرب العالمية الثانية عرفت تسارعا في الظهور إما امتدادا عن سابقات لها وإما تمردا وتجديدا، وفي حركة الارتباط والتمفصل بأدبيات التحليل المدرسي لم تكن في عزلة عن تاريخ وأحداث المجتمع الغربي عموما والمجتمع الأمريكي على وجه الخصوص، فهي تتشكل منه، كما تحاول تشكيله حينما تتحول المعرفة والأفكار إلى دوائر صانعة القرار والمهيمنة ثقافيا وسياسيا واقتصاديا.

   وتعاني تلك المقاربات من آثار المشروع الأصلي للنشأة، والذي لم يكن مشروعا علميا كما تم التبشير له من لدن الفاعلين السياسيين والأكاديميين، بل مشروع من مستوى سياسي وأخلاقي استهدف تحقيق النفع وتقديم الخدمة للإيديولوجية المهيمنة، والتي بسطت نفوذها في الحياة العلمية عبر العلماء الموظفين، وفي هذه المعادلة فإن المعالجة العلمية للعنف الأسري لم تكن تقنية محضة كما تحاول الوضعية أن تصور العلم، وهي رغم ذلك استطاعت على اختلافاتها كتيارات فكرية ونظرية أن تحلل الظاهرة من جانب أو آخر بناءا على زاوية الرؤية التي ترى أنها مدخل لليقين وكشف الحقيقة، ولما كان هذا الموقف الأحادي يغفل كل منها أبعادا هامة في الظاهرة الإنسانية، استدعى ذلك التفكير في مقاربات بديلة من شأنها أن تتكفل بوعي أكثر علمية للواقع المدروس، وهو المسعى الرئيس لهذا المقال، الذي يحاول أن يرسم مبادئ عامة لمقاربة سوسيولوجية تظافرية للعنف الأسري، محاولة لا تلغي إسهامات الخبرة الإنسانية في هذا المجال، لكن ضمن الأصول السوسيوثقافية للظاهرة بوصفها سلوكا اجتماعيا يتميز كمضمون قيمي وكمظاهر سلوكية من حضارة إلى أخرى واجب مراعاتها في مراحل الوصف والتحليل والتفسير كمقتضى منطقي للممارسة العلمية في التعامل مع الموضوع في عالم الحس والمشاهدة، ومن ثم في مستوى التجريد والمعرفة كما هو جار في بحوث الاستقصاء، وبالاتجاه المعاكس يحصل في بحوث النظر والتأويل.

ويتم ذلك عبر مبحثين:

الأول: يعالج الأسرة والعنف الأسري معالجة مفاهيمية بهدف إبراز أهمية الخصوصية التي يتسم بها الواقع المدروس في كل مقاربة سوسيولوجية.

الثاني: ينطلق من دواعي البحث عن مقاربة سوسيولوجية بديلة ليصل إلى تقديم مبادئ تشكيلها وخصائصها المحتملة.  

أولا: الخصوصية الاجتماعية للعنف الأسري في ضوء نظمية البناء العائلي.

  الأسرة نظام اجتماعي أولي ينهض بمهام حضارية وأدوار اجتماعية بانية للفرد والمجتمع، ومن ثم فإن إيلاءها الرعاية ليس من باب الخطاب الطوباوي، بل لأن باقي العوامل الاجتماعية التربوية تقوم على أساس العائد الأسري، وأن نجاح النظم الاجتماعية يبقى رهين القدر من التوفيق الذي تحظى به الأسرة في مجال إعداد النشء، وفي معدل التكامل الذي تظفر به في تفاعلها مع تلك النظم.

  والأسرة تختلف من مجتمع لآخر لأنها بأوضاعها ومراسيمها مؤسسة اجتماعية تنبثق عن الحياة الطبيعية التلقائية للنظم والأوضاع الاجتماعية، وهي ضرورة حتمية لبقاء الجنس البشري، وبصرف النظر عن الطبيعة الاجتماعية للأسرة فإنها؛ تبقى الوحدة الأساسية في المجتمع. فهي كما يعرفها "حسين عبيد" "الوحدة الاجتماعية الأولى التي تهدف إلى محافظة النوع الإنساني... التي ينمو فيها الفرد... و... تتحد مكونات شخصيته..."[i]

  ولهذه الأهمية فإن أي تهديد يصيبها، إنما يصيب المجتمع كله، وتلحق آثاره السلبية أركانه، وقد تقطع عليه استقراره وأمانه، الشيء الذي يقرض نماءه ويعطل الحياة الاجتماعية على دوراتها الفاعلة، وليس العنف الأسري سوى من العوامل الخطيرة التي ثبت من انعكاساتها على الأوضاع الأسرية مدى تغلغلها في نظم المجتمع، إذ يصيب جراء ذلك التربية والاقتصاد والسكينة العامة والآداب العامة وسواها عديد من الظواهر المعتلة، وعلى هذا الأساس فإن دراسة العنف الأسري تجد أحقيتها الأكاديمية والاجتماعية.

  وقد وضع الخالق سبحانه وتعالى قوانين يسير عليها الكون، لا تستقيم الحياة إلا بها، وكل شيء في هذا الكون موجود بمقدار ودقة متناهية، وجعل الله نظام الحياة قائما على نظام التزاوج الذي يسري مفعوله على النبات والحيوان والمادة والإنسان يقول تعالى: "ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون" الروم 21.

  وعليه فإن السلوك الجانح والعنيف مخالف للسكينة التي يقتضيها النظام الأسري وهو إن استفحل وزاد فإنه يهدم الروابط الاجتماعية أو يعطل انجازها للأدوار المحددة، وهي التي تتباين المجتمعات في رسمها نظرا لاختلافاتها الفلسفية والأيديولوجية والدينية.

  ولذلك فقد كان موضوع العنف الأسري محل اهتمام علماء ومفكرين وسياسيين من أكثر اختصاص، وتعددت مداخلهم النظرية تنوعا وتعارضا في سياق تناميها وتطورها التاريخي، وهي رؤى نظرية تحمل تصورا عاما شاملا عن الوجود الاجتماعي. وهذه العلوم الاجتماعية ومنذ نهاية الحرب العالمية الثانية بدأت تعرف نزاعات بين مدارسها لعدة عوامل مؤثرة لعل أهمها الشحنات الأيديولوجية التي كانت تحملها وتأخذ بمسلماتها في تفسير قضايا المجتمع، بما فيها قضايا الأسرة والعنف الأسري؛ وهي الأيديولوجيات التي بدأت تتحرك باتجاه النقد الذاتي الذي فرضه تطور الواقع الاجتماعي، والتطور العلمي والتكنولوجي، فصار لزاما أن تتغير القراءة السوسيولوجية داخل المدرسة أو التيار النظري أو خارجه مراعاة لإفرازات التغير الاجتماعي الثقافي الذي يعرفه المجتمع.

  ويذكر في هذا السياق "بيار نصّار" بأن العلوم الاجتماعية ومنذ انتهاء الحرب العالمية الثانية تشكو من التيارات النظرية شديدة التعارض، ومن المنازعات بين المدارس تاركة للمراقب الساهي الانطباع بوجود تعاقب بين الأنماط الفكرية، إنما فجأة برزت فارضة نفسها الظواهرية، والماركسية، والبنيوية، والإثنية المنهجية ... وغيرها من التجليات المختلفة لهذه المدارس المتعارضة.[ii]

  وبالنظر في منطق التعارض الذي يؤسس للاختلاف في المواقف النظرية، فإن الذي ينكشف هو أن الممارسة العلمية شرعت في البحث عن بدائل لتقارب الواقع بشكل يجعله مفهوما، ويجعل في الإمكان استخدام المعرفة في عمليات التغيير والتطوير، ولم يعد ممكنا قبول أن التيارات النظرية الجديدة هي امتداد لسابقتها تماما.

  انه وحتى يمكن لعلماء الاجتماع عمل شيء أو التظاهر بذلك على الأقل كان لزاما أن يتجاوزوا تلك التعميمات الغامضة لعلم الاجتماع الأكاديمي، وما يلفت الانتباه هو ذلك التطور الضئيل الذي حققته نظرية علم الاجتماع منذ الحرب العالمية الأولى ولم تجد التماعات الذكاء الأولي عند "هوبهاوس"  و"ولاس" أو "توني" في بريطانيا أو "فيلين" و"فيبر" و"ديوت" في أمريكا المتابعة، بل أحاطت الموضوع هالة واسعة من الغباء الفارغ، فالنظريات السوسيولوجية الرسمية شكلية ومفرغة تماما من أي أثر للتطور التاريخي، حتى أنه يصعب أن ترى كيف يستخرج مؤلفوها منها التبرير لكل مفاسد الرجعية.[iii]

  إن العلوم الاجتماعية في الغرب لم تظفر بالنجاح المطلوب وظلت دون ما أريد بها أن تحقق وكانت أدوات تبرير وتمرير لأفكار الطبقات المهيمنة حينما انخرطت في مهام من طبيعة سياسية أو إدارية إلى الحد الذي لم يعد مفهوما ما تذهب إليه تحليلات عديدة سوى ضمن سياق التعبئة الأيديولوجية وما تبشر به من أفكار وقيم، تأكد عبر الآن والزمان أنها تمثل مصالح ورغبات، هي حاجة الأقوى التي تظهر وكأنها واجبة بالرعاية والطاعة وهكذا فلا غرب أن يذكر "ج. د. برنال" بأن تعميمات علم الاجتماع الأكاديمي المؤسِس لهذا النظام المعرفي أحاطت به عناية اتسمت بالتقديس لتصوراته وافتراضاته الفلسفية حاولت أن تشرع له قاعدة الاحترام، رغم أنها هالة لا مضمون لها يهبها هذه الأحقية كلها فهي تشبيهة بالغباء الفارغ، ويكفي الفاحص أن يتأمل النظريات السوسيولوجية ليستيقن صحة الوصف، فهي رؤية نظرية رسمية وشكلية لم تجار صورة الواقع الاجتماعي في ديناميته وتطوره التاريخي، إلى حد تكون فيه مجرد تبرير لمفاسد الأيديولوجية الرسمية النافذة في المجتمع بقوة تملك الوسائل الإنتاجية، والرأسمال المالي، كما هو باد في النظم المالية الغربية، وما آلت إليه أنظوماتها القيمية من تيه وضلال انعكست تجلياته مؤخرا في بداية الإفلاس التاريخي للنظام المصرفي العالمي الذي هو صنعة الطبقة البرجوازية في العالم ونتيجة من نتائج تدابيرها القانونية التي دشنتها بعد الحرب العالمية الثانية مؤسسات "بريتن وودز"، والآثار المترتبة على إعمال قواعدها في المشهد الاقتصادي الدولي على العموم، وليس غريبا على أن تتجه العلوم الاجتماعية لهذه المناحي، ففي ذلك طبيعتها منذ النشأة في العالم الغربي، ويشير في هذا السياق "جان فرنسوا شانلا" أن هذه العلوم تقوم على عنصر أساسي هو المعيارNorme  وهو ما يعيد صلتها من جديد بمشروعها الأصلي، والذي لم يكن علميا فقط؛ وإنما أيضا سياسيا وأخلاقيا.[iv] وارتباطها بالمستوى السياسي والأخلاقي شأن ليس خافيا تورطه في التحليلات السوسيولوجية لقضايا المجتمع كلها تعلقت بحالات السواء أو بحالات الجنوح، ومن ثم فإن: (اختيارا واسعا من النماذج النظرية متوفر أيضا، فالمفاهيم التي تسمح بتنظيم المعلومات يمكن استقاؤها من التحليل النفسي أو من نظرية التنظيمات، من "دوركايم" أو من "فرويد"، من سلسلة طويلة من الدراسات التجميعية أو من مخيلة الباحث ومهما كان مصدره، فعلى النموذج النظري أن يتوفر على المقاييس التالية: الملائمة، الشمول، السعة والفائدة).[v] ولا أدل على ذلك من تعدد التيارات النظرية وتنوعها وتعارضها كلما كان الموضوع هو ظاهرة إنسانية مما يسترعي بحث كفاءتها باستمرار بهدف أن تكون ملائمة وقادرة على تمكين الممارسة العلمية من استدماج الواقع وجعله معروفا طالما أنها شديدة الارتباط بالوعي وأنه لا يمكن القبول بالقول بأنه وعي نقيّ كما تحاول الوضعية توصيفه بدعوى إقامة الموضوعية التي هي مدار سجال ابستمولوجي حاد حول الصلة بين الذات العارفة والموضوع المعروف، وهي لا تعني مجرد القول:(بمعرفة الأشياء على ما هي عليه)، وهذا التعريف على رأي "صلاح قنصوة" مثير للجدل، فما الذي يعنيه "الشيء على ما هو عليه"؟ وهل نملك ما نفرق به بين ما هو واقع وما هو وعي للواقع؟ وهنا يتشعب النزاع بين ضروب الواقعية والمثالية، وبين النزاعات التجريبية والحدسية وبين صور الارتيابية والدوغمائية.[vi] مما يجيز الذهاب إلى أن العلوم الإنسانية ليس على حظ واحد من المشروعية الأكاديمية إذا ما قيست بعلوم الطبيعة التي تمكنت من بلوغ مستويات عالية في تطويع المادة واستخدامها في مجالات عديدة وحيوية وتركت آثارا على حياة الإنسان، ورغم محاولات المحاكاة للحاق بهذه المستويات فإنها لم تظفر إلا بقدر من ذلك النجاح وظلت في موقع النقاش والاختلاف، وهذا ما يدفع باتجاه البحث على مقاربات نظرية بديلة تتسع للواقع الاجتماعي وتراعي خصوصياته بعيدا عن الأطر المرجعية للتيارات السابقة التي حملت من البداية إشكاليات النشأة وعرفت أكثر من أزمة. لعل أكثرها تأثيرا هي أزمة الأيديولوجية، وفي علم الاجتماع فإن: (إحدى السمات لأزمة هذا العلم ترجع إلى النقص البيّن في التوجيه النظري لبحوثه بسبب قلة توافر أنساقه الاستنباطية، إضافة إلى ما تعانيه الأنساق الموجودة حاليا من اختلاف حولها، ولقد كان هذا الموقف هو المسؤول عن انخراط الباحثين في جمع البيانات دون التقيد بإطار نظري معين...)[vii]، وليس الأمر هو النقص في التوجيه النظري للتحليل السوسيولوجي إنما في ملاءمته لمقاربة الواقع الاجتماعي العالم ثالثي. لأنه صيغ تماشيا مع حقائق الغرب وأمزجته وأهوائه مراعيا في ذلك أبعاد الممارسة الاجتماعية التي تصنعها أنظومة القيم فالمعايير الاجتماعية تحدد لها رقعتها هذا الذي يجعل مطلوبا البحث في مقاربة سوسيولوجية بديلة للعنف الأسري مساهمة في تقوية البحث السوسيولوجي في مستوى الوصف والتفسير ومن ثم في مستوى التحكم.

  ثانيا: في التحليل السوسيولوجي للعنف الأسري( نحو مقاربة تظافرية)

        إن العنف يعني في اللغة العربية "الخرق بالأمر وقلة الرفق به، فهو عنيف إن لم يكن رفيقا في أمره، والحديث الشريف: "إن الله يعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف"، وعنف به وعليه عنفا وعنافة: أخذه بشدة وقسوة ولامه وعيّره، واعتنف الأمر: أخذه بعنف وأتاه، ولم يكن على علم ودراية به، واعتنف الطعام والأرض:كرههما: واعتنف الأرض: نبت عليه.[viii] وهي معان تشير إلى الشدة والغلظة في التصرف مع الآخرين، وهي دلالات في مقابل الرفق، والعنف إذن أذى يلحق ضررا ماديا أو معنويا بالآخر أو بالأشياء والممتلكات والعنف بهذا المعنى فعل خشن يهدف إلى الضغط وإرغام الآخرين باستعمال القوة، ومن ثم فهو مخالف للعرف والقانون كما يذكر قاموس علم الاجتماع أن العنف هو: "فعل ممنوع قانونا وغير موافق عليه اجتماعيا".[ix] وهذا يفيد أن العنف هو كل سلوك ينتهك معيارا اجتماعيا معينا بدافع عوامل وظروف معينة؛ وهذا منظور يجعل منه ظاهرة سلوكية تنشأ خلال التفاعل الاجتماعي.

  وفي الأسرة تنشأ علاقات متبادلة بين الأعضاء تقوم على أنظومة القيم والمعايير التي تضبط الأدوار وتحدد المكانات، إلا أن ضغوط الحياة وظروف الأسرة بيئة متحركة ومتأثرة بالأحداث الدائمة والعارضة مما يجعل التفاعل الاجتماعي يأخذ طابعا قلقا ومضطربا من شأنه تنشيئ الميول العنيفة شيئا فشيئا حتى تتبلور فتكون أفعالا يختلف مداها وخطورتها التي تصل جنوحا حد التفكك والإجرام. وهكذا فالعنف الأسري سلسلة من الأفعال والحوادث تبدأ بالملاسنة البذيئة المحتقرة لكرامة الآخر، وقد تنتهي إلى الضرب حتى الموت، وبين هذين الحدين سلسلة من الظواهر السلوكية التي يأخذ بعضها برقاب بعض في حلقات ودوائر يصعب من الناحية العملية فك ما بينها من ارتباطات، وتلعب البيئة الأسرية بكل مكوناتها أكثر من دور في تفعيل الظاهرة العنيفة محولة الحياة إلى ضنك وقلق وعدم توافق ينعكس في المعاش النفسي لأعضاء الأسرة وخصوصا الأطفال في صور مرضية عديدة، وقد تصنع فيهم الاستعدادات إلى الجنوح تمهيدا إلى ممارسته فعلا لاحقا.

  إن أي مقاربة سوسيولوجية للعنف الأسري بحاجة إلى تأطير من توجيه نظري كفؤ وملائم يتسع إلى استيعابه بأعلى مستويات اليقين، وهذا يستوجب أن ينظر إليه في سياقاته التاريخية والاجتماعية بعيدا عن الالتزام الخطي بمسلمات المقاربات الأخرى، لما في ذلك من مخالفة لحقيقة الواقع الاجتماعي المبحوث، وما عليه من خصائص وتمايزات تقتضي أن يستحق رؤية تستدمجها وتأخذ بها عند التحليل والتفسير، حتى أن "غوسدروف" يقولعن العلوم الاجتماعية: "هي علوم مبهمة لأن الإنسان بوصفه الموضوع والذات معا لا يمكنه أن يضع نفسه بين قوسين للنظر في واقع مستقل عنه".[x] وهكذا وبالرغم من غلو النزعة التفسيرية في القول بضرورة الدراسة الموضوعية، فإن المسائل المرتبطة بالسببية تبقى عصية بسبب تقلب أحوال الكائن الإنساني وتعقده؛ وبالتالي صعوبة التنبؤ بما يمكن أن يفعله، الشيء الذي جعل فريقا من الباحثين يرفض المقاربة الوضعية التي تقول بدراسة الظاهرة الاجتماعية من الخارج، كما يقتضي ذلك التفسير، بحجة أن الفهم يقع في قلب العلوم الاجتماعية ذلك لأن الظواهر الإنسانية متصلة دائما بتجربة ما أو رغبات ما أو دلالات ما، ويعني ذلك أن دراستها تكون من الداخل أي من الذات العارفة.

  إن المقاربة التي تنظر في الظاهرة من الداخل والخارج هي مقاربة من الوجهة الابستيمولوجية تتجاوز القصور الذي وقع فيه كل من التيار التفسيري والتيار التأويلي، ذلك لأن طبيعة العنف الزواجي كظاهرة إنسانية تستوجب الوصف والتفسير والتقويم وتقبله، والتكامل بين تلك التيارات ممكن في الممارسة العلمية مهما كان هدفها ومكانها وزمانها على نحو مناسب فهو من طبيعة مرنة تفسح مجال رقعة واسعة للإبداع.

  فأن يتكامل العقل والواقع وينفتح من تعاضدهما الفهم الصحيح للواقع الاجتماعي ويتجلى من إعمالهما موضوع العنف الأسري بعيدا عن الأحادية التي تحصر المقاربة في زاوية واحدة، معناه تجاوز لحالة الصراع بين الفكر والواقع في تراث الفكر الإنساني، مع الإشارة أن الفكر الغربي جعل من العقل السلطة الأساسية في المعادلة الإنسانية فساواه بالواقع والحقيقة، بل أكثر من ذلك وكما يرى "حسن سليمان" أنه اعتبره هو من يقرر الحقيقة بالنسبة للبشر والأشياء، ومرد ذلك يعود إلى أن البناء النظري للفكر المادي ربط بين المعطيات الموضوعية على أنها معطيات عقلية ورفض المعطيات العقلية الذاتية أو الفطرية.[xi] فمع هذا الاعتقاد الابستيمولوجي لا تستقيم أي مقاربة سوسيولوجية للعنف الأسري أو ما سواه من الظواهر الإنسانية الأخرى لأنه ينحكم إلى تصور يركن العقل في الموجود الحسي الذي لا وجود غيره في زعم هذه الرؤية، وما يجب أن تتمثله المقاربة هو التأليف بين العقل والواقع، والفكر والعمل.

  والعقل حقيقة في وجود الإنسان فهو فطرة توحي إليه من داخله بكثير من الأفكار التجريدية التي هي الممول الرئيسي لحركته في الواقع المحسوس؛إذ تلك الأفكار التأملية هي مصدر قدرة التحرك في الحياة إلى ما هو أبعد من الواقع، فيقيس الإنسان ما لم يره على ما رآه، وهكذا فحقيقة الواقع تنطلق من الإحساس به، ويكون دور الإنسان هو اكتشاف الواقع وصناعته، وحقيقة العقل هو أنه مفصول عن الواقع لأن دوره هو إدراك هذا الواقع سواء كان من صنع الآخرين أو كان خارج قدراته أو صنعه التاريخ.[xii] وموضوع العنف الأسري كواقع هو مسألة نسبية ومفهوم دينامي متحرك، وتماشيا مع طبيعته المتحركة وجب التفكير في ممارسة علمية متحركة ومقاربة سوسيولوجية دينامية تتجاوز حالة السكون التي تفرضها العودة الكلية السكونية للمقاربات التي شكلت إسهامات العلماء والمدارس من قبل، على اعتبار أنها كانت تصويرا لواقع لم يعد هو ذاته الموجود، ثم أنها ارتبطت بالتزامات مع افتراضات وقضايا، دارت في مدارات المصلحة والمنفعة التي أملتها إفرازات مرحلة النشأة وسلسلة التطور التاريخ.

  وفي القرآن الكريم عبرة واجبة الفحص والتأمل، وهي أن القرآن نهج بالإنسان طريقة التدبر والتبصر وإعمال الفكر والنظر، وما يتطلبه من ترك الجمود والتقليد والتزمت الذي لا يقوم على أي برهان، ومن ثم لا يقبل تعطيل العقل عن وظيفته لما في ذلك من تهبيط الإنسان إلى درجة البهيمية يقول تعالى: "إن شر الدواب عند الله الصم البكم الذين لا يعقلون"(الأنفال: 22) وفي الآية إشارات إلى أن الذي لا يعقل ما يحيط به ولا يفكر في وضعه، لا يسمع إلى ما يحدث ولا يصدر حكما ولا يدلي برأي فيما يشاهد من أحداث، شبيه حاله بالدواب. ومما يمكن استخراجه من هذا الأساس أن أي مقاربة سوسيولوجية لا يجب أن تكتفي بالمشاهدة المجردة، بل انطلاقا من نظرية تبجل العقل ولا ترفض التقنية التي تقوي مكانه ودوره بتوثيق صلته بالواقع على أسس أكثر حظا في التتبع والتحقيق والتقصي، ومن ثم تجعل الباحث أقرب إلى الواقع وأقدر على فهمه وتقديره.

  لأن الإنسان في الأرض مستخلف ولخطورة الخلافة وثقل تبعاتها أودع الله في الإنسان قوة العقل والإرادة والاختيار ما يحقق به رسالته في هذه الحياة ومن فضل الله عليه أن نزّل القرآن رحمة وتبصيرا، والإنسان الذي يهتدي بالقرآن هو إنسان القرآن.[xiii] وعليه فالعودة إلى القرآن باعتباره المرجع من شأنه أن يكفل فهما أوفى للعنف الأسري واستراتيجيات علاجه، وهي العودة التي تحتاج إلى تعاون أهل الاختصاص الشرعي في تأسيس وتطوير مناهج وأدوات المعرفة بصفة عامة، كلما تعلق الأمر بدراسة الواقع الاجتماعي في البلاد العربية الإسلامية، لأن المعرفة شديدة الصلة بالمجتمع، فهي تنبثق منه من دراسة مشاكله وقضاياه، وتعود إليه لتسهم في تطويره ضمن مراوحة جدلية لا تعرف الجمود.

  إن الذهاب والإياب بين المجتمع والمعرفة التي نمتلكها. بميزان ذلك التأمل الذي يقع في الظاهرة > فليس العلم – وعلوم المجتمع بالخصوص- سوى ممارسة علمية قائمة على الممارسة الاجتماعية موضوع المعرفة ومجال التحليل، وهو عندئذ، وسواء نظرنا إليه كمقاربة سوسيولوجية أو كقيمة حضارية؛ فإن مقتضى النظر ومنطقه يفرض على الباحث جعل علاقته بالمجتمع أساسا للتفكير والدراسة.

  ولذلك فإن وجب القول بأن مقاربة العنف الأسري باعتبارها ممارسة علمية في علوم المجتمع ليست في حِلّ من هذا التأكيد والأولى بها أن لا تكون تابعة لغيرها، ذلك لأن المنهج هو لاحق للموضوع المدروس وليس سابقا عنه.

  وأن تستهدف المقاربة السوسيولوجية تشخيص الوحدات الاجتماعية داخل المجتمع وعلاقتها ببعضها البعض، ومعرفة المؤثرات الخارجية والداخلية على استمرار وجودها داخله، وهذا يعني أن ينصب العمل على ثلاثة أهداف أساسية يذكرها "معن خليل عمر" فيما يلي:

البدء بتحليل الجزيئات للوصول إلى الكليات.

البدء بتحليل الكليات للوصول إلى الجزيئات.

  البدء بتحليل النتائج الجزئية والانتهاء عندها فلا تتجاوزها إلى أي تعميم.[xiv]

  وليس في هذه الأهداف ما يجعلها في تعارض، لأن استهدافها بالإيضاح والتصنيف وتعقبها بالفهم والتفسير هو الفعل الذي يوسم المقاربة سواء كان الانطلاق من الجزء إلى الكل أو العكس أو من الجزء إلى الجزء، إذ ليس في ذلك سوى اختيار لمستوى التحليل، وهكذا تظهر أهمية العلاقة بين مستوى الموضوع المبحوث، وهو المستوى الذي يتدرج من الوحدات الصغرى إلى الوحدات الكبرى، وطبيعة النموذج التفسيري الذي يعمد إليه الباحث، وقد يكون نموذجا كليا أو جزئيا، وبناءا على ذلك قد تأخذ المقاربة أربع صور تعكس حقيقة الواقع المدروس حقيقة النموذج التفسيري المعتمد.

  إن دراسة العنف الأسري تستوجب إحاطة بأبعادها وفهما للارتباطات بين متغيراتها ومقارنة بينها بصرف النظر عن المكان والزمان إلا لجهة المضمون العملي للظاهرة حين إجراء الدراسة، ولذلك فإنها تنصب على:

-        تشخيص الارتباطات بين المتغيرات.

-        تحديد أبعاد المقارنة بين فئات مجتمع الدراسة.

-        توضيح درجة ارتباط الكل بالأجزاء.

-        تبيان مكونات حضارة معينة وأثرها على أنماط سلوك أفرادها.[xv]

  إنه وبصرف النظر على التيارات الإصلاحية وامتدادها في التنظيرات المعاصرة؛ والتي هي الأخرى لم تتجنب دور التبرير الإيديولوجي لأنه ملمح وجود مشروعها الأصلي، فإن المقاربة الماركسية والمقاربة البنيوية، والوظيفية مدار كثير من الممارسات العلمية في المستوى النظري والمنهجي، لكن مناقشات عديدة تدور حول صلاحية كل من التيارين وما يدور في فلكهما من أدوات منهجية ونماذج تحليلية بشكل يفاضل بينهما، وهي وجهة غير صحيحة على اعتبار أنه بالإمكان التقريب بينهما طالما أنهما يتقاطعان في مقولات الانطلاق كالإدراك الكلي للنسق المجتمعي، وفكرة الصراع والتطور والتغير الاجتماعي، كما أنهما يتعاملان مع مفاهيم مشتركة كالوظيفة والبنية، حتى وإن اختلفت معانيهما حسب السياق العام لكل اتجاه، وهذا يفرض مقاربة يتضافر فيها أكثر من موقف نظري على الصور الممكنة التكوين، وهذا يفرض أن تتصف المقاربة السوسيولوجية التظافرية بـ:

- أن تنطلق من التساؤل عن الشروط والأوضاع والملابسات التاريخية التي تؤطر ظاهرة ما.

-وبعد تبيين محددات الظاهرة عمليا، فإن الاستعانة بالمفاهيم والتصورات والنماذج التحليلية الأخرى يصير ممكنا وقد يكون مطلوبا، لاسيما إذا عرفنا بأن المجتمع يمر بلحظات الاستقرار النسبي، كما يمر بلحظات الصراع.

-إمكانية التعامل مع النظرية كمرشد عمل مما يعني عدم اللجوء إلى إسقاطها على واقع قد لا يستجيب لمقتضياتها معرفيا أو يتناقض مع خلفياتها الاجتماعية والتاريخية.[xvi] وفي هذا المنحى تماشيا مع الواقع المدروس؛ لأن العنف بشكل عام لا يجوز فصله عن البيئة الاجتماعية التي ينتمي إليها وغلى الظروف التي يعيشها الفرد، وكما يرى "هربرت ماركوز" فإن ظاهرة العنف ترتبط بالنظام الرأسمالي ويجد أن العنف يظهر في العدوانية المتراكمة التي تسود جميع أوجه النشاطات الرأسمالية الاحتكارية.[xvii]

-وإذا كان العنف بوصفه قضية الإنسان فإنه في النظام الرأسمالي يأخذ أبعادا وأهدافا أخرى أكثر تطرفا من غير أن يعني ذلك خلو النظم الاجتماعية الأخرى منه، وهو إذن ليس قاصرا على النظام الرأسمالي وحده. وما يفيد التأكيد عليه أن مقاربته في هذا النظام أو ذاك مطلوب فيها الوقوف على الطبيعة الاجتماعية والثقافية للعنف الأسري في ظل بنية ومتغيرات تلك الطبيعة.

  وما هو مقتضى منطق الممارسة العلمية هو الإيمان بأن هناك مجموعة من الظروف والعوامل الاجتماعية والثقافية والبيئة والنفسية والوظيفية تتظافر معا لتخليق السبل لسلوك العنف في الأسرة وأما الفنيات التي بها يتم جعل الواقع الاجتماعي المعنف مفهوما فمسالة إجرائية تتحدد وفق الشروط التقنية الملائمة، لكن لا يتم ذلك بمعزل عن النظرية، وهكذا فدراسة الظاهرة يتم انطلاقا من نظرية وتقنية، فالنظرية هي رؤية وموقف والتقنية هي إجراء ومشاهدة لا يمكنه أن ينكفئ على عمل التحسس بلا توجيه وتأطير من مرجعية مناسبة، وذلك لأنه ليس هناك استقراء بلا استنتاج أو مشاهدة بلا عقل.  إن القول بضرورة أن تنطلق كل مقاربة سوسيولوجية من الموضوع اكتناها، ومن ثم تقصيا هو قول ينسجم مع أكثر من موقف ورأي، وطالما أن العنف الأسري هو مسألة مجتمع فإن تحليله يتم في إطار المجتمع الذي فيه يتوطن ويتوزع وينتشر، والتفسير الاجتماعي للسلوك الجانح والعنيف والإجرامي يذهب إلى فكرة النشأة ذاتها كما ظهرت في المدرسة الاجتماعية في شكلها الأول... من أعمال الباحث الفرنسي "غابريال تارد" "G. Tarde" والتي رأت في السلوك الإجرامي سلوكا اجتماعيا مكتسبا، وقدمت المحاكاة والتقليد الاجتماعيين على أنهما الأساس في تفسير تعلم السلوك؛ ومن ثم تفسير الجريمة، وكان ذلك رد فعل من طرف أصحاب هذه المدرسة على المدرسة البيولوجية المتزامنة معها تقريبا.[xviii] وبصرف النظر على المدى الذي تصيب أو تخطأ فيه هذه الأطروحة، فإن تأكيدها على مجتمعية السلوك الإجرامي إسهام في تنمية الممارسة العلمية في ناحية الإحاطة والشمول الشيء الذي يجعل إغفال هذا البعد غير نافع ولا مبرر. ولذلك فعندما يتعلق الأمر بالعالم الثالث أو العالم العربي، فالمطلوب أنه أن نقنع بأنه وفي أي دراسة سوسيولوجية لا توجد به آثار فعل المأسسة ذاتها كما بدت في الغرب في تنضيدات وصراعات اجتماعية واضحة ومهيكلة وموجهة في ضوء ثقافة وإيديولوجية مهيمنة، إذ المجتمع الغربي وليد تاريخ متميز وضع حداثة جعلت من الماضي[xix] عدوا ومن الدين خرافة وأفيونا.

  وفي السياقات الاجتماعية للعالم الثالث بما فيه المجتمع الجزائري يصعب التمسك الحرفي وبالتحليل الخطي للمقاربات السوسيولوجية الغربية لظاهرة العنف الأسري، غير أن محاولة الاستفادة منها ممكنة في الحدود التي تعطي التقنية قوة التشخيص والوصف باعتبار ذلك من الخبرة الإنسانية. ويعني ذلك أن المقاربة السوسيولوجية التظافرية للعنف الأسري ليست مجبرة على التمسك الكامل بأي مقاربة أخرى سابقة أو مشابهة، طالما أنها من مستتبعات الموضوع في بعده الزمكاني، وليست من سوابقه وهي بهذا المعنى سيرورة بحث أو منهاج علم، والمنهاج هو كتلة مفاهيمية يوظفها العالم بطريقة ما للكشف عن الظاهرة المدروسة، ومسألة المفاهيم وهي أنظومة رمزية تستوعب الواقع على نحو ما بعد حركة استدلالية تجريدية ممنطة، قد يعثر عليها الباحث أو قد يضعها أو يستعيرها، وهو عند الاستعارة مطالب بتلوينها وتحميلها معان تنسجم تماما مع السياقات الفكرية التي تستعمل فيها، كما يمكنه إفراغها من مدلولات الإطار المرجعي الأصلي لتستخدم كدليل عمل لا كمضامين معرفية وتصورية وهي غريبة عن البيئة الاجتماعية للموضوع وعن السياق الفكري الذي يرتبط به، وهذا المسلك في البحث والتحليل الملازم للواقع المدروس والفكرة المنبثقة عنه في التصور المشكل للرؤية النظرية هو الذي يوسم المقاربة السوسيولوجية الأكثر ملائمة والأشمل



الهوامش:

[i]حسين عبيد، الوجيز في علم الإجرام والعقاب، 1975، ص، 43.

[ii] بيار نصار، العلوم الاجتماعية المعاصرة، ترجمة نخلة فريفر، ط2، المركز الثقافي العربي، بيروت، الدار البيضاء، 1992، ص 05.

[iii] ج. د. برنال، العلم في التاريخ، ترجمة فاروق عبد القادر، ط1، المجلد الرابع، المؤسسة العربية للدراسات، بيروت، 1982، ص 163.

[iv] جان فرنسوا شانلا، العلوم الاجتماعية وإدارة الأعمال، دعوة من أجل اعتماد أنثروبولوجيا شاملة، ترجمة محمد هناء، الجزائر، دار القصبة للنشر2004، ص، 35.

[v] تيودور كابلوف، البحث السوسيولوجي، ترجمة نجاة عياش، دار الفكر الجديد، بيروت، 1979، ص 96.

[vi] صلاح قنصوة، الموضوعية في العلوم الإنسانية، عرض نقدي لمناهج البحث، ط2، بيروت، دار التنوير للطباعة والنشر 1984، ص، 69.

[vii] أنظر حافظ ذياب، نحو تطوير البحث الاجتماعي في الجزائر، مجلة الثقافة، عدد 39، السنة السابعة جمادي الثانية، رجب، 1397هـ، الموافق لـ يونيو – يوليو 1977.

[viii] جمال معتوق، مدخل إلى علم الاجتماع الجنائي، ج1، ط1، الجزائر، دار بن مرابط للنشر والطباعة، 2008، ص ص، 303/ 304.

[ix] محمد عاطف غيث، قاموس علم الاجتماع، مصر الهيئة المصرية العامة للكتاب، بدون تاريخ، ص 213.

[x] جان فرانسوا شانلا، مرجع سابق، ص 28.

[xi] حسن سليمان، دراسات قرآنية حول الإنسان والمجتمع، ط1، بيروت، دار الفكر العربي،2002، ص 31.

[xii] حسن سليمان، مرجع سابق، ص 34.

[xiii] محمد الصالح الصديق، إنسان القرآن وإنسان الشيطان، مجلة الأصالة، 11 محرم 1402، نوفمبر 1981، العدد 91، وزارة الشؤون الدينية، الجزائر، ص ص 107. 108.

[xiv] معن خليل عمر، الموضوعية والتحليل في البحث الاجتماعي، ط1، بيروت، منشورات دار الآفاق الجديدة، 1983، ص ص 226. 227.

[xv] معن خليل عمر، الموضوعية والتحليل في البحث الاجتماعي، مرجع سابق، ص 227.

[xvi] مصطفى محسن، اتجاهات نظرية في سوسيولوجيا التربية، مقاربة تحليلية نقدية، مجلة دراسات عربية، عدد 06، السنة 24، بيروت، دار الطليعة، نيسان/ أبريل 1988،ص ص 56/60.

[xvii] أحمد الأصفر، بنية الثقافة العربية وانتشار مظاهر العنف في المجتمع العربي، العنف والمجتمع، تحرير دبلة عبد العالي، جابر نصر الدين، جامعة محمد خيضر، بسكرة، الجزائر، السنة الجامعية 2003- 2004، ص ص 65/ 66.

[xviii] جمال معتوق، مدخل إلى علم الاجتماع الجنائي، مرجع سابق، ص 214.

 


@pour_citer_ce_document

الطاهر الإبراهيمي, «نحو مقاربة سوسيولوجية تظافرية للعنف الأسري رؤية نقدية»

[En ligne] ,[#G_TITLE:#langue] ,[#G_TITLE:#langue]
Papier : ,
Date Publication Sur Papier : 2011-09-20,
Date Pulication Electronique : 2012-07-04,
mis a jour le : 24/05/2018,
URL : https://revues.univ-setif2.dz:443/revue/index.php?id=627.