آليات وضع المصطلح العربيMechanisms for developing the Arabic term
Plan du site au format XML


Archive: revues des lettres et sciences sociales


N°01 Avril 2004


N°02 Mai 2005


N°03 Novembre 2005


N°04 Juin 2006


N°05 Juin 2007


N°06 Janvier 2008


N°07 Juin 2008


N°08 Mai 2009


N°09 Octobre 2009


N°10 Décembre 2009


N°11 Juin 2010


N°12 Juillet 2010


N°13 Janvier 2011


N°14 Juin 2011


N°15 Juillet 2012


N°16 Décembre 2012


N°17 Septembre 2013


Revue des Lettres et Sciences Sociales


N°18 Juin 2014


N°19 Décembre 2014


N°20 Juin 2015


N°21 Décembre 2015


N°22 Juin 2016


N° 23 Décembre 2016


N° 24 Juin 2017


N° 25 Décembre 2017


N°26 Vol 15- 2018


N°27 Vol 15- 2018


N°28 Vol 15- 2018


N°01 Vol 16- 2019


N°02 Vol 16- 2019


N°03 Vol 16- 2019


N°04 Vol 16- 2019


N°01 VOL 17-2020


N:02 vol 17-2020


N:03 vol 17-2020


N°01 vol 18-2021


N°02 vol 18-2021


N°01 vol 19-2022


N°02 vol 19-2022


N°01 vol 20-2023


N°02 vol 20-2023


N°01 vol 21-2024


A propos

avancée

Archive PDF

N°01 VOL 17-2020

آليات وضع المصطلح العربي

Mechanisms for developing the Arabic term
ص ص 94-104
تاريخ الإرسال: 2019-02-05 تاريخ القبول: 12-04-2020

سهام ضامن
  • resume:Ar
  • resume
  • Abstract
  • Auteurs
  • TEXTE INTEGRAL
  • Bibliographie

تتميز اللغة العربية بالمرونة، بسبب ما تعتمد عليه من وسائل متعددة للاستفادة من المصطلحات الأجنبية، التي تستجد تباعا، ما يعني أنها قادرة على استيعاب عدد لا يحصى من هذه المصطلحات، وفق مختلف الآليات التي تلجأ إليها، والتي اختلف بعض الباحثين في ضبط بعضها، كما اختلفوا في أهمية وأولوية بعضها عن بعض، غير أن المجامع اللغوية العربية حسمت أمر هذا الاختلاف، وذلك بتفضيل بعضها على بعض وفقا لمقاييس ومعايير تتماشى مع متطلبات وضع المصطلحات، وبهذا يمكن الاعتماد على مبدأ الأفضلية في الاعتماد على وسائل وضع المصطلحات الذي أقرته هذه المجامع في مؤتمر من مؤتمراتها، طبقا للترتيب الآتي:  التراث فالتوليد وفيه الاشتقاق، المجاز، التعريب، الترجمة، النحت.

الكلمات المفاتيح

الآليات، المصطلح العربي، الاشتقاق، الترجمة، النحت

La langue arabe se caractérise par sa flexibilité grâce aux différents moyens utilisés afin de bénéficier des termes étrangers qui sont en perpétuelle renouvellement. Ce qui signifie qu’elle est capable d’assimiler un nombre incalculable de ces termes suivant différents mécanismes, dont les chercheurs ne sont pas parvenus à ajuster quelques-uns d’entre eux. Aussi, ils ont eu des différents concernant leur importance et leur priorité les uns par rapport aux autres. Sauf que les assemblés linguistiques de l’arabe ont mis fin à ce différent en privilégiant quelques-uns suivant des normes et standards qui répondent aux exigences du développement des termes. Il est possible donc de compter sur le principe de priorité parmi les moyens de développement des termes, et qui a été approuvé par ces assemblées dans une de leurs conférences selon cet ordre : le patrimoine, la génération qui contient la dérivation, la métaphore, l’arabisation, la traduction et la sculpture.

 Mots clés : les mécanismes, le terme arabe, la dérivation, la traduction, la sculpture

The Arabic language is characterized by its flexibility thanks to the different means used in order to benefit from foreign terms which are in perpetual change. This is attributed to the fact of being able to assimilate a large number of these terms, according to different mechanisms, that the researchers failed to adjust some of them. Also, they did not agree on their importance and priority to each other. Except that the language assemblies put an end to these differences favoring a few according to standards that meet the requirements of terms development. For that, it is possible to count on the principle of priority among the means of terms development and which was approved by these assemblies in one of their conferences according to this order:  heritage, generation that contains derivation, metaphor, arabisation, translation and sculpture.

Key words: mechanisms, Arabic term, derivation, translation, Arabization, sculpture

Quelques mots à propos de :  سهام ضامن

جامعة محمد لمين دباغين سطيف2 sihemdamene@hotmail.com

مقدمة

غني عن الذّكر أن المصطلح العربي الحالي رهين المصطلح الأجنبي، فجلّ الاختراعات والابتكارات تتم برعاية أجنبية ما يعني أنّ المصطلحات المرافقة لهذه المخترعات تكون أجنبية أيضا، ولنقلها إلى العربية لابدّ من اعتماد إحدى طرق توليد المصطلح المتاحة في اللغة العربية، وليس الأمر على الخيار في ذلك، بل لابدّ من مراعاة الأفضلية في اختيار الطريقة الأنسب لوضع المصطلح العربي المقابل للمصطلح الأجنبي المراد الإفادة منه، حيث أجمعت مؤتمرات التعريب في توصياتها باستخدام الوسائل اللغوية في توليد المصطلحات العلمية الجديدة بالأفضلية، طبقا للترتيب الآتي: التراث فالتوليد وفيه الاشتقاق، المجاز، التعريب، الترجمة، النحت1.

وقد اختلف الباحثون المحدثون في بعض هذه الوسائل، فنجدهم يشيرون إلى وسائل متنوعة نحو: الإحياء، الوضع، الاقتباس، الاشتقاق، المجاز، التوليد، التعريب، الاقتراض اللغوي، النحت، الترجمة... وعند الوقوف عند هذه الآليات نجدها متداخلة، فالوضع هو التوليد، والمجاز شكل من أشكال التوليد المعنوي، بينما تنصهر آليات الاقتباس والاقتراض اللغوي فيما يعرف بالتعريب.

       وحتى لا نقف كثيرا عند الفروق الدقيقة التي تميز كل وسيلة عن الأخرى، اخترنا أن نطرق الوسائل الآتية: التراث أو الإحياء، الاشتقاق، المجاز، التعريب، الترجمة، النحت، التركيب.

1ـ التراث                                                                         

ويقصد به العودة إلى القديم من ألفاظ العربية وبعثه في صورة جديدة تساير تطورات العصر، لذلك يشار إلى هذه الوسيلة أيضا بــ "الإحياء"، نظرا إلى إحياء الألفاظ القديمة المهجورة، وإلباسها حلة جديدة لجعلها في متناول المستعمل العربي، بعدما كانت حبيسة المعاجم والقواميس القديمة.

        ويشترط في إحياء اللفظ القديم وجود قدر من الاشتراك الدلالي بينه وبين المفهوم المراد تسميته ولو على سبيل التشبيه أو المجاز، حتى يمكن الاستفادة منه، ومن الأمثلة على ذلك استعمال اللفظ العربي القديم "القطار" الذي أصل معناه "جماعة الإبل يلي بعضها بعضا في نسق واحد واصطلح به للدلالة على السلسلة المتصلة من مركبات النقل المتحركة على سكة الحديد"2، وذلك على سبيل التّشبيه.

وتعدّ هذه الطّريقة السّبيل الأوّل لوضع المصطلح في اللّغة العربية، إذ بواسطتها تحافظ اللّغة على خصائصها وتستغل تراثها أفضل استغلال، ذلك أن "المصطلحات التّراثية تشكل رصيدا مشتركا لابد من الإفادة منه على نحو واضح في إيجاد المصطلحات اللغوية الحديثة"3، ولاسيما الألفاظ السّهلة التي يستسيغها الذّوق، والتي لا تتنافى مع معايير وضع المصطلح الحديث.

ورغم أهمية التراث في وضع المصطلح العربي إلا أنه لم يعتمد عليه كآلية من آليات الصياغة المصطلحية إلا مؤخرا، يقول علي القاسمي: "لم يعتمد (التراث) مصدرا من مصادر المصطلحات الجديدة إلا في وقت متأخّر، وظهر النص عليه في (ندوة توحيد وضع المصطلحات العربية) التي عقدت في مكتب تنسيق التعريب بالرباط عام 1981"4، ثم ما لبث أن احتل مكان الصدارة في ترتيب وسائل وضع المصطلح العربي في الندوات اللاحقة التي اهتمت بهذا الموضوع.

2ـ الاشتقاق

يعدّ الاشتقاق خاصية من خصائص اللّغة العربية بوصفها لغة اشتقاقية، مما يعني أنها ترتكز عليه في نمائها وتطورها، وهو من أقدم وسائل تكاثر وتوالد الألفاظ فيها، و"الاشتقاق أخذ صيغة من أخرى مع اتّفاقهما معنى ومادة أصلية، وهيئة تركيب لها ليدل بالثانية على معنى الأصل بزيادة مفيدة، لأجلها اختلفا حروفا أو هيئة كضارب من ضرب، وحذِرٌ من حذِرَ"5. أي أن هذه الطريقة تعتمد على تكوين لفظ عربي جديد من مادة لغوية عربية أصيلة، وذلك بالتصرف فيه عن طريق وضعه ضمن وزن من الأوزان العربية الشائعة مما يكسبه معنى جديدا هو القصد من الاشتقاق.

ويتضح مما سبق أنّ الاشتقاق تحكمه شروط هي6:

أ- الاشتراك في عدد الحروف، وهي في اللّغة العربية ثلاثة، وأما الاشتراك فيما دون ذلك فله بحثه.

ب- أن تكون هذه الحروف مرتبة ترتيبا واحدا في هذه الألفاظ.

ج- أن يكون بين هذه الألفاظ قدر مشترك من المعنى ولو على تقدير الأصل.

ولما كان الاشتقاق هو عملية توليد لفظ من آخر وفق الشّروط المنصوص عليها، فإنّ "القياس هو الأساس الّذي تبنى عليه هذه العملية (...) كي يصبح المشتقّ مقبولا معترفا به بين علماء اللغة"7، بمجيئه على وزن من أوزان العربية المألوفة وتركيبه من بعض أصواتها المعهودة.

وقد أشار ابن فارس (ت 395) إلى اعتماد العرب على القياس في قوله: "أجمع أهل اللغة إلا من شذّ منهم، أنّ للغة العربية قياسا، وأن العرب تشتق بعض الكلام من بعض"8

أما المقصود بالقياس فهو "صوغ الألفاظ الجديدة على نمط ما ورد في جنسها في كلام العرب بتواتر واطراد، بحيث أصبح قاعدة لا يجوز الاستثناء منها إلا ما سمع عن العرب مما يخالفها"9.

فبتفعيل هذه الأداة تحافظ العربية على خصائصها ومميزاتها من أوزان وأصوات، ولذلك يعدّ الاشتقاق وسيلة نمو داخلية فهو يقوم على أصوات وأوزان عربية مألوفة، أما الجانب الإبداعي فيه فيكمن في وضع أصوات عربية معينة ضمن صيغة صرفية لم تكن قد وضعت فيها، وهذا ما يعطيها معنى جديدا، ومن المعاني التي تضفيها الصيغ الصرفية للمعنى الأصلي: المبالغة والمطاوعة والتعدية والمشاركة والطلب والصيرورة... فالفعل (فتح) يدل على (الفتح)، وعندما نشتق منه الفعل (انفتح) يصبح دالا على المطاوعة، وما هذه الدلالة الجديدة إلا نتيجة الصيغة الجديدة.

" وقد ازداد الاشتقاق خصوبة وثراءً مع انفتاح التشريع اللغوي العربي الحديث على الاشتقاق من أسماء الأعيان والمعربات والأسماء الجامدة، ووضع أوزان قياسية جديدة لكثير من المشتقات، ووضع ضوابط قياسية لتكوين أفعال جديدة لم تذكرها المعجمات القديمة"10، وهذا كله مع مراعاة القياس واستمراره.

ومن هنا تتضح أهمية الاشتقاق ودوره في تنمية اللغة العربية ، ذلك أنه من "أيسر وسائل الوضع اللفظي وأكثرها طواعية لتوليد الاصطلاحات العربية"11، فهو نوع من التوسع في اللغة، ووسيلة من وسائل استمراريتها وبقائها مع ما تملكه من خاصية المرونة التي تسمح لها بالتعبير عما استجد من مدلولات، "فمفهوم الاشتقاق الذي يتصل رأسا بقضية صوغ المصطلحات ونماء رصيد اللغة من الألفاظ إنما هو هذا التقولب الصرفي المظهري في نطاق المادة اللغوية الواحدة، والذي لولاه لتعذر على العربية أن تحيا اللهم إلا أن تستعيض عنه بطواعية أخرى"12، وقد أثبتت آلية الاشتقاق على مرّ الزمان أهليتها وإمكانياتها الكبيرة لاستيعاب الكم الهائل من المصطلحات الطارئة في تاريخ المعرفة البشرية.

3ـ المجاز

يعدّ المجاز نوعا من التوليد المعنوي للألفاظ فهو مرتبط باستعمال اللفظ في غير ما وضع له، بدافع الحاجة والضرورة، وقد عرّفه عبد القاهر الجرجاني بقوله "كلّ كلمة أريد بها غيرها وضعت له في وضع واضعها لملاحظة بين الثاني والأول، فهي مجاز"13.

فالمجاز هو نقل دلالة اللفظ الأصلية إلى دلالة مجازية جديدة لوجود مشابهة أو مناسبة بين المعنيين، وبمرور الزمن تصبح الدلالة الجديدة أصلية وذلك بابتعادها عن أصلها عن طريق الاستعمال، وهذا ما عبّر عنه ابن جني بقوله: "المجاز إذا كثر لحق بالحقيقة"14.

وقد اعتمدت هذه الطريقة في وضع كثير من مصطلحات العلوم الشرعية عند ظهور الإسلام، للدلالة على مفاهيم دينية جديدة، ومن المصطلحات العربية الموضوعة بهذه الآلية نذكر: الصيام، الصلاة، الإسلام...

والمجاز وسيلة من وسائل نمو اللغة دلاليا لا لفظيا، وبمعنى آخر هو نوع من أنواع التطور الدلالي، إذ لا يؤدي الاعتماد على المجاز إلى زيادة في عدد ألفاظها، بل الزيادة تكون في معاني الألفاظ الموجودة أصلا، ويترتب عن ذلك حدوث الاشتراك اللفظي، أي دلالة اللفظ الواحد على معنيين أو أكثر، وهو ما تحاول هيئات وضع المصطلح تفاديه، لأنه يؤدي إلى الخلط والتشويش في استعمال المصطلح، ومع ذلك كثيرا ما اعتمد على المجاز في وضع المصطلح العربي، رغم أنه لم يحظ بأهمية كبيرة مقارنة بالاشتقاق والتعريب، ويرجع ذلك ـ في نظرنا إلى:

أولا: الفوضى التي يثيرها في الدلالة بسبب الاشتراك اللفظي.

ثانيا: طول مدة ترسيخه بمعناه الجديد لدى مستعمليه.

ولذلك لم تعتمد عليه المجامع اللغوية كثيرا في صوغ مصطلحاتها "كونه يمثل انزياحا أو انحرافا على معيار اللغة، ويتجلى ذلك في أن المجاز يرتبط بإسناد صفات غير معهودة للكلمات ترتبط أساسا بالسياق والمقام"15.

ولتحقيق نوع من التوازن في هذا الصدد يفضل اللجوء إلى طرق أخرى أكثر دقة، وذلك تلافيا للاشتراك اللفظي من جهة، والحفاظ على الموروث الحضاري من الألفاظ العربية القديمة التي تعج بها المعاجم وكتب اللغة القديمة، والتي يمكن أن تستغل في طريقة "الإحياء" أفضل استغلال، وهذا كله توخيا للدقة العلمية والوضوح المطلوبين في صوغ المصطلحات، ذلك أن المقصود بالمجاز على نحو ما تقدم ذكره قد يفهم منه أنه نوع من بعث القديم، فاللفظ الموضوع للتعبير عن المعنى الجديد هو لفظ تراثي بغض النظر عن المعنى الذي وضع له سواء كان حقيقيا أو مجازيا.

 4ـ التعريب

ويسمى أيضا الاقتراض اللغوي، لدلالته على اقتراض الألفاظ من لغة إلى أخرى، واستخدامها في اللغة المنقول إليها بلفظها، مع تكييفها من الناحية الصوتية إذا اقتضى الأمر وفق خصائص اللغة الهدف.

ويعرف التعريب بأنه "نقل اللفظ من العجمية إلى العربية، والمشهور فيه التعريب، وسماه سيبويه وغيره إعرابا"16، أو هو "صبغ الكلمة بصبغة عربية عند نقلها بلفظها الأجنبي إلى اللغة العربية، وقد استعملت كلمة المعرّب بمعنى اللفظ الأجنبي الذي غيره العرب ليكون على منهاج كلامهم"17، كما استخدم آخرون لفظ (المعرَب) للدلالة على نفس اللفظ.

والتعريب أو الاقتراض اللغوي ظاهرة موجودة في كل اللغات قديما وحديثا بسبب الاحتكاك، لضرورة التواصل بين شعوب العالم، وهو مطلب حضاري، فقد عربت بعض الألفاظ في الجاهلية، والدليل على ذلك كلمات (فردوس، استبرق، أرائك...) التي ظهرت فيما بعد في السور القرآنية ، ورغم أن اللفظ المقترض من لغة أخرى قد لا يتناسب مع خصائص اللغة المنقول إليها، إلا أنه يعد وسيلة فعالة في وضع المصطلحات حينما تستنفد آليات الإحياء والاشتقاق والمجاز، وذلك طلبا للدقة والوضوح في المصطلح، إذ يتعذر في بعض الحالات إيجاد المقابل الدقيق باعتماد الطرق السابقة، فيتحتم إذ ذاك اللجوء إلى طريقة التعريب كحل لوضع المصطلح.

وفي هذا الصدد يمكن الإشارة إلى نوعين من الألفاظ المقترضة من اللغات الأجنبية، ويتعلق الأمر بــ(المعرب) و(الدخيل)، وقد ميز القدماء بين النوعين حيث "أسموا الظاهرة العامة "دخيلا"، وخصصوا قولبة اللفظ الدخيل بمصطلح "التعريب"، فقالوا: تعريب الاسم الأعجمي أن تتفوه به العرب على مناهجها"18، ومن هنا يتضح الفرق بين اللفظ المعرب واللفظ الدخيل، فالمعرب يخضع لتغييرات في بعض جوانبه خاصة من ناحية الأصوات والوزن ليكون متماشيا مع الذوق العربي، ومن الكلمات المعربة نذكر: تلفزة، أنيميا...

أما الدخيل فهو استعمال اللفظ الأجنبي دون إحداث تغيرات فيه، بل ينقل كما هو برسم أصواته بحروف عربية تقابل الحروف الأجنبية في اللفظ المنقول، مما يؤدي إلى عدم انسجام النصوص التي تحتوي على ألفاظ دخيلة، ويمكن تمييزها عن الألفاظ العربية بسهولة، بسبب عدم اندماجها في النص العربي، ويظهر ذلك خاصة من ناحية الأوزان، حيث تكون هذه الألفاظ غالبا على أوزان غير عربية، وهو ما يجعلها نشازا صرفيا، ومن أمثلة الكلمات الدخيلة في اللغة العربية: تلفون، فاكس، إنترنيت...

ومن الباحثين من دعا إلى رفض "التعريب" لما فيه من إتاحة الفرصة لاكتساح الألفاظ الأجنبية اللغة العربية، وهو ما يؤدي- على المدى البعيد - إلى تكون لغة هجينة، فاقدة لخصائصها، وهو أمر يهدد اللغة العربية، وبالتالي يجب أخذ الاحتياطات اللازمة باعتماد وسائل أخرى آمنة في التنمية اللغوية.

وهناك من يرى أنه لا ضير من الاقتراض اللغوي مادام التحكم فيه ممكنا مع إلزامه بشروط وضوابط، ومن هؤلاء أحمد مطلوب، الذي وقف موقفا وسطا بين التعريب وعدمه عندما دعا صراحة إلى عدم "الأخذ بالتعريب إلا عند الضرورة القصوى، لأن فتح الباب أمامه يعني إشاعة الدخيل والقضاء على فاعلية اللغة العربية"19، وإذا حدث وأن اعتمد على التعريب ينبغي مراعاة الشروط الآتية20:

 أ-  الاقتصاد في التعريب

ب- أن يكون المعرب على وزن عربي من الأوزان القياسية أو السماعية

ج- أن يلائم جرس المعرب الذوق العربي، وجرس اللفظ العربي

د- أن لا يكون نافرا عما تألفه اللغة العربية

إن موقف أحمد مطلوب مبني على اعتزازه بسابقيه من العرب القدماء الذين اعتمدوا على المعرب، وأدخلوه في لغتهم فكان جزءا منها لا يمكن نكرانه وقد ساعد ذلك في نمو وتوسع اللغة العربية.

وتزداد الحاجة إلى التعريب في أيامنا هذه، حيث يُعدّ وسيلة فعالة في نقل العلوم والمعارف من اللغات الأخرى، في ظل التهاطل المتزايد للمصطلحات المعبرة عن مظاهر الثورة العلمية في مختلف المجالات، وعجز الهيئات العربية الوصية عن مواكبة هذا التراكم من المصطلحات باعتمادها على الوسائل الأخرى في وضع المصطلحات العربية المقابلة، ولهذا كثيرا ما يكون التعريب الحل الأمثل لهذه المعضلة، بسبب السهولة في وضع المصطلح بطريقة التعريب.

5ـ الترجمة

تعد الترجمة شكلا من أشكال التواصل بين الثقافات، وذلك عن طريق نقل المدلولات من لغة إلى أخرى مع التصرف في اللفظ حسب ما يقتضيه نظام اللغة المنقول إليها، ما يعني ضمنيا أنه لا حدود للترجمة، وإنما المعول عليه هو المحافظة على جوهر الألفاظ المترجمة وروحها التي ينبغي أن تراعى إلى أبعد حدّ.

وتقتضي الترجمة "نقل المحتوى الدلالي للنص من لغة الأصل إلى لغة النقل، حيث يتغير شكل الدلالة، وينتقل معه المعنى بوصفه عاملا سابقا على الكتابة واللغة"21.

ولا يمكن أن تؤدي الترجمة وظيفتها بالحفاظ على معنى النص الأصلي، إلا إذا كان المترجم على دراية وإلمام بخصائص اللغتين المنقول منها والمنقول إليها، لأنه لا يبقي على تراكيب اللغة الأصل، بل يعيد بناء النص حسب خصائص اللغة الهدف.

هذا عن ترجمة النصوص بشكل عام، غير أنّ الذي يعنينا من الترجمة في هذا المقام هو اتخاذها كشكل من أشكال النمو اللغوي، وبشكل آخر اعتبارها طريقة من طرق وضع المصطلح.

إنّ المتتبع لتاريخ الترجمة يدرك حتما أنّ عملية ترجمة مختلف النصوص العلمية، تستدعي البحث عن مقابلات المصطلحات الحديثة التي تعجّ بها هذه النصوص ويعتمد في ذلك على آلية الترجمة، وهي تعني في هذا الإطار "نقل المصطلح الأجنبي إلى اللغة العربية بمعناه لا بلفظه، فيتخير المترجم من الألفاظ العربية ما يقابل معنى المصطلح الأجنبي"22.

إنّ الاعتماد على ترجمة المصطلح بهذا المعنى لا يخلو من تشويش، إذ المشار إليه هو قيام المترجم بنفسه باختيار اللفظ الذي يراه مناسبا للمصطلح المراد ترجمته، مما يؤدي إلى بروز المترادفات، واللغة العربية تعج بالأمثلة على ذلك، فقد ترجم لفظ "linguistique"، على سبيل المثال إلى (لسانيات، ألسنية، علم اللسان، علم اللغة...)

ومن جهة أخرى توحي كلمة "اختيار" إلى التصرف في الطريقة المعتمدة في وضع المصطلح، وهذه الطريقة لا تخرج عما ذكرنا سابقا من اشتقاق وإحياء، وتعريب، إضافة إلى النحت، وهذا ما يعطي انطباعا بأن الترجمة كآلية من آليات وضع المصطلح، لا تعدو أن تكون همزة وصل بين المصطلح الأصلي ونظيره في اللغة المنقول إليها.

وربما هذا ما جعل بعض المهتمين بالمصطلح يقصون الترجمة من آليات وضع المصطلح، ومن هؤلاء: على القاسمي في كتابه "علم المصطلح أسسه النظرية وتطبيقاته العملية"، ويوسف وغليسي في كتابه "إشكالية المصطلح في الخطاب النقدي العربي الجديد"، رغم أن هذا الأخير قد أشار إليها إشارة مقتضبة.

ترجمة السوابق واللواحق

تعد ترجمة السوابق واللواحق (suffixes et préfixes)23 من بين أهمّ مشكلات ترجمة المصطلح الأجنبي إلى اللغة العربية، فكثيرا ما يحتوي هذا المصطلح على لاصقة (سابقة أو لاحقة) بسبب انتمائه إلى لغة من اللغات الأوربية على وجه الخصوص، إذ تتميز هذه اللغات بكونها لغات مزجية أو إلصاقية (langues agglutinantes)، بمعنى أنها تعبر عن المعنى الجديد بزيادة وحدة صرفية أول الكلمة أو آخرها، من ذلك مثلا تحول الفعل الإنجليزي (act) إلى الاسم (Actor) بإضافة اللاحقة "or".

غير أنّ المشكل الحقيقي لا يكمن في تصنيف اللغات إلى إلصاقية أو اشتقاقية، لأنّ هذا التقسيم مبني على التغليب لا غير، بمعنى أنّ اللغات الإلصاقية أيضا تعتمد أيضا على طريقة الاشتقاق في توليد الألفاظ الجديدة، ولكن بدرجة أقل من اللغات الاشتقاقية، كما أنّ اللغات الاشتقاقية وعلى رأسها العربية تستند إلى طريقة السوابق واللواحق في توليد الألفاظ، ولكن بنسبة أقل من اللغات الإلصاقية24.

واللغة العربية لا تخلو من السوابق واللواحق الأصلية، بدليل وجود بعض اللواحق كالتاء المربوطة التي تعدّ علامة التأنيث في الغالب، وألف المد والنون التي تعدّ علامة التثنية، وياء النسبة المشددة، والياء المشددة المتبوعة بالتاء المربوطة للمصدر الصناعي، ومن السوابق الأصلية الألف والسين والتاء (است) التي تضاف إلى الفعل المجرد لتحول معناه إلى معان جديدة كالطلب والتحول...

ومن هنا يمكن القول بأن ما يواجه المترجم حقا هو عدم تناظر اللغات من حيث أصواتها وصرفها وتراكيبها، تبعا لعدم تماثل المفاهيم بينها، والسوابق واللواحق جزء من بنية اللغة بشكل عام، مما يعني منطقيا عدم تناظرها بين اللغات المختلفة سواء من حيث الشكل أو الدلالة أو العدد.

ومن أجل ترجمة المصطلح الأجنبي الذي يحتوي على سابقة أو لاحقة، لجأ الباحثون إلى طرق متعددة، فمنهم من دعا إلى اتخاذ صيغة صرفية معينة لكل سابقة أو لاحقة أجنبية، وهو ما ذهب إليه مجمع القاهرة حيث اقترح "إعطاء مقابلات للواصق المهمة مثل مِفعال ل scope، فيقال télescope منظار، ومِفعلة ل graph، فيقال télégraphe مبرقة..."25، كما نجد اعتماد صيغة اسم الفاعل للاحقة (or ) الانجليزية، و(eur) الفرنسية، وذلك في نحو:( transformateur ) المحوّل و(réacteur) المفاعل... غير أنّ هذا الإجراء لا يصلح مع جميع الكلمات التي تنتهي بنفس اللاحقة، ونفس الأمر ينطبق على الكلمات التي لها سابقة واحدة.

أما الطريقة الثانية المعتمدة للترجمة في هذه الحالة، فهي وضع مقابل للسابقة أو اللاحقة الأجنبية، ثم إلحاقها باللفظ العربي، علما بأن هذه اللواصق لا تؤدي دائما المعنى نفسه، والأمثلة على ذلك كثيرة، فقد ترجمت السابقة (hyper) ب(فرط)، فيقال مثلا: hyperidrose ( فرط العرق)، و(hypertension) (فرط التوتر)...، وترجمت اللاحقة (logy) الانجليزية و( logie) الفرنسية بكلمة علم، ومثال ذلك:(biologie) (علم الأحياء)، و( zoologie (علم الحيوان)، لكن هذا الإجراء لا يصلح دائما والدليل على ذلك السابقة demi في اللغة الفرنسية، تدل على النصف، ولا يصح استعماله في اللغة العربية في بعض الأحيان ف demi-frère أي الأخ غير الشقيق، لا يمكن أن يطلق عليه نصف أخ، وكذلك demi-savoir أي معرفة سطحية، لا يمكن أن نطلق عليها نصف معرفة26.

أما الرأي الثالث فهو الذي "يدعو إلى إلصاق السابقة أو اللاحقة الأجنبية (في صورتها الدخيلة) بالكلمة العربية إذ يقول الميتالغة (métalangue)، والميتانص métatexte) ..."27، ومنه (macrophysique) التي ترجمت ب مكروفيزياء، أي فيزياء الأجسام الكبيرة.

غير أن هذه الطريقة لم تلق رواجا، بقدر ما لقيت من انتقادات بسبب تغييب المعنى المقصود من المصطلح المترجم، إذ يتعذر على القارئ وضع الإطار المناسب الذي يؤدي من خلاله المصطلح المترجم دوره الفعال في إيصال المقصود منه.

ولهذا كله يفضل ترجمة المصطلحات ذات اللواصق بحسب معانيها، وفي سياقاتها التي وردت فيها، مع الاعتناء باللواصق وما تؤديه من معنى فيها، وعدم إسقاط ترجمة لاصقة في مصطلح معين بنظيرتها في مصطلح آخر، بسبب الاختلاف الذي قد يترتب عن هذا الإسقاط.

6ـ النحت

النحت جنس من الاختصار والاختزال في اللغة العربية، وهو وسيلة من وسائل نمو اللغة وتوسعها، ونوع من الاشتقاق (الاشتقاق الكبار لدى ابن جني وآخرين)، أما الخليل بن أحمد الفراهيدي فيسميه "التركيب"، وسماه بعض المحدثين "التركيب والاختزال"28.

وقد ذكر الثعالبي أن "العرب تنحت من كلمتين أو ثلاث كلمة واحدة، وهو جنس من الاختصار، كقولهم رجل عبشمي نسبة إلى عبد شمس، وأنشد الخليل:

أَقولُ لَها وَدَمْعُ الْعَيْنِ جارٍ      

                                          أَلَمْ يُحْزِنْكِ حَيْعَلَةُ الْمُنادي

من قولهم حيّ على الصلاة"29.

ورغم أن الثعالبي في قوله هذا لم يشر إلى ضرورة وجود التناسب اللفظي والمعنوي، بقدر ما ركز على عدد الكلمات المنحوت منها، إلا أن الدراسات الحديثة تصر على وجوب وجود هذا التناسب كشرط من شروط النحت.

ففي تعريف حديث للنحت نجد أنه "تشكيل أصوات كلمة من كلمتين أو أكثر ، أو من جملة للدلالة على معنى مركب من معاني الأصول التي أخذ منها، أو من الكلمات الأعجمية التي ننحت منها إما عن طريق النقل أو التعريب، ومن ثم إلحاقها بالعربية"30، ففي هذا التعريف إشارة إلى ضرورة المحافظة على معنى الكلمات المنحوتة، فضلا عن الإبقاء على بعض أصواتها من جهة، كما نجد في إشارة إلى أن النحت لا يختص بالكلمات العربية، بل يمكن أن يمس الكلمات الأعجمية المنقولة إلى العربية عن طريق النقل أو التعريب، ووفقا لذلك يمكن أن نميز عدة أنواع من النحت، أي بالاعتماد على نوع الكلمات المراد النحت منها وعددها، ونوع التركيب الذي يجمع بينها، وذلك على النحو الآتي31:

أ‌- نحت ينتج عنه استخراج كلمة من كلمتين فأكثر، وربما كانت الكلمتان مستقلتين، أو من أصول مستقلة للدلالة على معنى مركب في صورة ما من معاني هذين الأصلين أو هذه الأصول، نحو كلمة كهروطيسية المنحوتة من كهرباء مغناطيس، وكلمة جيوفيزيائية المنحوتة من كلمتي جيولوجيا فيزياء.

ب‌-                     نحت مؤلف من مضاف ومضاف إليه (مركب إضافي)، نسبة إلى هذا العلم، أو للدلالة على الاتصال به (وهو قليل نادر في اللغة)، ومنه: مرقسي، نسبة إلى امرئ القيس، درعمي، نسبة إلى دار العلوم.

ت‌-                     نحت من جملة للدلالة على التحدث بهذه الجملة نحو: بسمل أي قال: بسم الله الرحمن الرحيم، حوقل إذا قال: لا حول ولا قوة إلا بالله.

ث‌-                     وهناك أمثلة على النحت من اللغات الأخرى، وهي تسير في مسارين:

ث-1- تبقى على أصلها الأعجمي مثل: ابستمولوجيا: علم الدلالة، جيولوجيا: علم طبقات الأرض.

ث-2- تسير وفق النحو العربي نحو: كهرومائية: كهرباء ماء، بترو كيماوية: بترول ماء.

ج‌-                     وقد اشتق القدامى وبعض المحدثين من الكلمات المنسوبة أفعالا تعد من النحت، نحو: تحضرم بمعنى انتسب إلى حضرموت، تعبشم أي انتسب إلى عبد شمس.

إنّ النحت بهذا الشكل لا يعطي صورة واضحة لإجرائه، خصوصا وأنّ النحت سماعي وليس قياسيا، وهذا يترتب عنه عدة مشاكل أهمها تحديد عدد الحروف التي تؤخذ من العبارات المنحوتة ومواقعها، ثم ترتيبها في الكلمة الجديدة، إضافة إلى عدم التعرف على ماهية الكلمات المنحوتة ببساطة بسبب جهل أصلها في الغالب، مما يصعب مهمة توليد المصطلح بهذه الطريقة.

وقد أدت هذه الصعوبات إلى رفض النحت من قبل بعض الدارسين بحجة أنه "قلما وفق اللاجئون إليه، ولو في ضرورات المصطلح العلمي، كما حصل في علم الكيمياء، عندما قيل شارجبة وشارسبة، بدل شاردة موجبة وشاردة سالبة"32، فهذه المصطلحات تبدو غامضة وغير مفهومة بسبب جهل مصدرها.

إنّ النحت بهذا المعنى يؤدي إلى فقدان الصلة بين الأصل والكلمة الجديدة المنحوتة، وهو أمر يُحذر منه عند وضع المصطلحات، لأنه قد يكون سببا في الحكم على عدم فاعلية ونجاعة هذه الطريقة في وضع المصطلحات، لأن "المنحوتات لا توحي بشيء من إيحاء المشتقات بمضامينها"33.

ومع ذلك هناك من اللغويين من أجازه بشروط، على غرار مصطفى الشهابي، الذي يقول: "نحن بحاجة إلى النحت في ترجمة بعض الأسماء العلمية، ولكن النحت يحتاج إلى ذوق سليم"34.

رغم أنّ شرط الذوق السليم (من منطلق الانسجام والتلاؤم الصوتي والصرفي مع قواعد اللغة)، ليس هو المطلب الأساس من النحت، بقدر ما ينبغي التركيز على وضع آلية فعالة في الإفادة من التراكيب اللغوية المختلفة، ومحاولة إخضاعها لقواعد موحدة تمكن من فهم المصطلح المنحوت.

فالنحت على أهميته في تنمية الثروة اللغوية، إلا أنه لازال يفتقر إلى آليات واضحة، أو لنقل قواعد محددة، فأقصى ما نجده في هذا الصدد، هو الحث على مراعاة شرطين أساسيين هما35:

أ‌- مراعاة أوزان الكلمات العربية، لتيسير الاشتقاق منها

ب‌-                     مراعاة الانسجام بين حروف الكلمة المنحوتة، لكي يقبلها الذوق العربي، ولا ينفر منها السامع.

إنّ النحت بغير قواعد محددة قد أدى إلى ظهور كلمات هجينة مستغلقة الفهم وغريبة على أهل اللغة ذاتها، وهو ما قد يكون وراء دعوة على القاسمي إلى "عدم التوسع باستعماله في توليد المصطلحات الجديدة لأنه يتنافى مع الذوق العربي، ولأن المنحوت يطمس معنى المنحوت منه"36.

وهذا ما جعل النحت يحتل المركز الأخير من حيث الأهمية في الصياغة المصطلحية، حيث "وضعته المؤسسات المصطلحية في آخر المطاف، ويمكن اللجوء إليه بعد تعذر كل الوسائل الممكنة لصياغة المصطلح"37.

ومع ذلك يمكن عدّ النحت ذا أهمية بالغة من حيث كونه الوسيلة الوحيدة التي اختصت "بالاقتصاد اللغوي" عن طريق الاختصارات التي تصاحبه، فإذا علمنا أنّ ميزة الاختصار تعدّ مبدأ من مبادئ من وضع المصطلحات، فإن النحت يغدو بذلك أداة اصطلاحية بامتياز خصوصا إذا اقترن بوضوح اللفظ.

7ـ التركيب

يعد التركيب وسيلة من سائل وضع المصطلحات، إذ تلجأ المجامع اللغوية إلى طريقة التركيب في وضع بعض المصطلحات، وذلك عن طريق "ضم كلمة إلى أخرى بحيث تصبحان وحدة معجمية واحدة ذات مفهوم واحد، وتحتفظ الكلمتان المكونتان للكلمة المركبة الجديدة بجميع صوامتهما وصوائتهما"38، وأمثلة ذلك كثيرة في اللغة العربية نحو: اسم العلم (شمس الدين) الذي يتكون من كلمتي (شمس) و(الدين)، وكذا الأسماء المركبة من أحد عشر إلى تسعة عشر...

ويعرّف المصطلح المركب في علم المصطلح بأنه "المصطلح المكون من كلمتين أو أكثر، ويدل على معنى اصطلاحي جديد، مؤلف من مجموع معاني عناصره"39.

ويعدّ التركيب ذا أهمية بالغة في وضع المصطلحات الحديثة، المقابلة للمصطلحات الأجنبية دون الإخلال بعنصر الفهم فيها، ورغم أن التركيب لا يحقق الاقتصاد اللغوي، إلا أن العربية تميل إلى الاعتماد عليه أكثر من النحت، لما فيه من احتفاظ كلي بصوامت الكلمات المركبة وصوائتها، وهو ما عبر عنه أحد الباحثين بقوله: "إن موضوع التركيب سيظل أقرب إلى العربية من موضوع النحت"40.

وقد استخدمت طريقة التركيب في "ترجمة العناصر المكونة لمصطلح أوربي مركب إلى اللغة العربية، وتكوين تركيب عربي من أكثر من كلمة يؤدي معنى المصطلح الأوربي"41.

فالتركيب إذن يحل كثيرا من المشاكل المتصلة بوضع المصطلح، عن طريق اللجوء إلى مختلف أنواع التراكيب المتاحة في اللغة العربية، والتي بواسطتها يمكن التعبير عن كثير من المفاهيم الجديدة، وهو ما يؤدي إلى نشوء مصطلحات مركبة بطرق مختلفة.

أنواع المركبات

إن اعتماد التركيب كوسيلة لوضع المصطلحات في اللغة العربية، أدى إلى تمييز ثلاثة أنواع من المركبات الناتجة عن هذه العملية وهي:

أ- المركبات الدخيلة: وهي "المركبات المنقولة بملفوظها عن لغات أجنبية"42، أي أن الكلمات المركبة لها كلها أجنبية النطق، ومنها: فيروس الإيدز.

ب- المركبات الخليطة: وتعرف عند البعض ب "المركبات المؤشبة" وهي "التي تتألف من كلمات عربية أصيلة وأخرى أجنبية دخيلة"43، بغض النظر عن ترتيب الكلمات فيها، فقد تكون الكلمة العربية أولا نحو: اللعب الميكانيكية، وقد ترد ثانيا نحو: سيكولوجية الطفل.

ج- المركبات العربية الأصيلة: وهي المكونة من كلمات عربية فقط، وهي أنواع:

ج – 1- المركب الإضافي: وهو الذي يتألف من كلمتين، تضاف الأولى إلى الثانية ليصبحا وحدة معجمية واحدة، نحو: عدم التوازن ـ غير محدود.

ج – 2-  المركب الوصفي: ويتألف من "لفظين أو أكثر، ويكون اللفظ الثاني وما بعده وصفا للأول، ويحتفظ كل لفظ في التركيب باستقلاله"44، وله استخدامات متعددة في المجالات العلمية والتقنية الحديثة، من ذلك: آلة حاسبة، قروض بنكية ميسرة...

ج -3-  المركب الإضافي الوصفي: وهو "مزيج من التركيب الإضافي والتركيب الوصفي"45، أي أنه يتألف من ثلاثة أجزاء فيكون على شكل (اسم مضاف+ مضاف إليه + صفة)، نحو: إدارة المصادر الطبيعية، أو على شكل (اسم + صفة مضافة + مضاف أليه) نحو: عين سديدة النظر.

ج – 4-  المركب الإسنادي: وهو الناتج عن وجود علاقة إسنادية بين الكلمتين المكونتين له، ومن أمثلة ذلك في العربية: تأبط شرا، وجاد الحق...

ج – 5- التركيب المزجي: وهو ضمّ كلمتين إلى بعضهما لتصبحا كلمة واحدة، دون أن تفقدا شيئا من صوامتهما وصوائتهما، ونجد ذلك في التراث العربي خاصة في أسماء العلم نحو: بعلبك وحضرموت... أما حديثا فقد استخدم بكثرة على هيئة (لا + اسم)، نحو: لانهايةـ لا وجود...

       وإضافة إلى هذه الأنواع، نجد ما يسمى ب"التركيب العددي" الذي يتعلق بالأعداد المركبة من أحد عشر إلى تسعة عشر، ولكننا لم نعتمده في تصنيفنا لكونه ثابتا، لا يخدم موضوع طرق صياغة المصطلح العربي، بخلاف الأنواع الأخرى التي يمكن استخدامها في الصناعة المصطلحية.

     فالتركيب إذن يعدّ آلية فعالة في وضع المصطلح العربي، رغم أن الكثير من الدارسين أهملوه وأقصوه من بحوثهم دون تبرير يذكر، ودون الإشارة إليه حتى.

خاتمة

       وبعد، فإنّ تعدّد طرق وآليات وضع المصطلح العربي يعدّ عاملا إيجابيا وسلبيا في الوقت نفسه، ذلك أنّ هذا التعدّد يسمح لواضعي المصطلح باختيار الطريقة الأنسب التي تتلاءم مع المكونات المادية للمصطلح، والتي بواسطتها يحافظ المصطلح على خصائصه ومفهومه في صورة واضحة لا تدعو إلى الشك والافتراض والتأويل، فوضع مقابل عربي لمصطلح أجنبي مركب – على سبيل المثال- ينبغي أن يكون بمصطلح عربي مركب، وذلك لضمان الحفاظ على المعنى الأصلي للمصطلح الأجنبي، وبالتالي فإنّ الطريقة المثلى في هذه الحالة ستكون "طريقة التركيب"، رغم أنها من الطرق الأقلّ شيوعا واعتمادا من قبل المهتمين بوضع المصطلحات العربية.

أما كون تعدّد طرق وضع المصطلح عاملا سلبيا، فيرجع إلى عدم الاتفاق بين واضعي المصطلحات في الهيئات المتعدّدة على طريقة واحدة في وضع المصطلح العربي المقابل للمصطلح الأجنبي المراد نقله إلى العربية، بسبب الخيارات المتعدّدة المتاحة، وهو ما أدّى إلى مشاكل جمّة، أثرت بشكل واضح في البحوث والدراسات العربية، حيث يجد الباحث والدارس نفسيهما أمام عدد من المقابلات العربية لمصطلح أجنبي واحد، وهو ما قد يؤدّي إلى التشويش والخلط وعدم التمثل الجيّد لمفاهيم هذه المصطلحات

1.  ينظر مثلا مجلة اللسان العربي، الرباط، المجلد 18، ج1، 1981، ص175.

2. جميل الملائكة، المصطلح العلمي ووحدة الفكر، مجلة المجمع العلمي العراقي، بغداد، مج 34، ج3، 1983، ص99.

3.   محمود فهمي حجازي، الأسس اللغوية لعلم المصطلح، د.ط، دار غريب للطباعة والنشر والتوزيع، د.ب.ن، د.س.ن، ص233.

4.  علي القاسمي، لماذا أهمل المصطلح التراثي، مجلة المناظرة، الرباط، س4، ع6، 1993، ص37.

5.  السيوطي، المزهر في علوم اللغة وأنواعها، ج1، تح فؤاد علي منصور، ط1، دار الكتب العلمية، لبنان، 1998، ص275.

6.  صالح بلعيد، محاضرات في فقه اللغة، الجزائر، د.ط، دار هومة، 2004، ص14.

7.  إبراهيم أنيس، من أسرار اللغة، ط7، مكتبة الأنجلو المصرية، القاهرة، 1994، ص8.

8. أحمد بن فارس بن زكرياء القزويني الرازي أبو الحسن، الصاحبي في فقه اللغة العربية ومسائلها وسنن العرب في كلامها، ط1، مطبعة محمد علي بيضون، 1997، ص 35.

9.  علي القاسمي، علم المصطلح أسسه العلمية وتطبيقاته العملية، ط1، مكتبة لبنان ناشرون، بيروت، لبنان، 2008، ص 383.

10.                      يوسف وغليسي، إشكالية المصطلح في الخطاب النقدي العربي الجديد، ط1، الدار العربية للعلوم ناشرون، منشورات الاختلاف، الجزائر، 2008، ص 83.

11.                       جواد حسني سماعنة، المصطلحية العربية بين القديم والحديث، مجلة اللسان العربي، مكتب تنسيق التعريب، الرباط، ع49، 2000، ص99

12.                      عبد السلام المسدي، قاموس اللسانيات، عربي فرنسي، فرنسي عربي، مع مقدمة في علم المصطلح، د.ط، الدار العربية للكتاب، تونس، 1984، ص 32.

13.                       عبد القاهر الجرجاني، أسرار البلاغة، شرح وتحقيق وتعليق محمد عبد المنعم خفاجي وعبد العزيز شرف، د.ط، دار الجيل، بيروت، 1991، ص 438.

14.                       ابن جني، الخصائص، ج2، تحقيق محمد علي النجار، د.ط، المكتبة العلمية، د.ب. ن، د.س.ن، ص447.

15.                       لعبيدي بوعبد الله، مدخل إلى المصطلح والمصطلحية، دار الأمل للطباعة والنشر والتوزيع، تيزي وزو، الجزائر،2012، ص 139.

16.                      شهاب الدين بن محمد بن عمر الخفاجي، شفاء الغليل فيما في كلام العرب من الدخيل، ط1، دار الكتب العلمية، بيروت، د.س.ن، ص 34

17.                       جواد حسني سماعنة، التركيب المصطلحي طبيعته النظرية وأنماطه التطبيقية، مجلة اللسان العربي، مكتب تنسيق التعريب، الرباط، ع 50، 2000، ص 46

18.                      عبد السلام المسدي، المرجع السابق، ص 82.

19.                       أحمد مطلوب، في المصطلح النقدي، د.ط، مطبعة المجمع العلمي، بغداد، 2002، ص 18.

20.                      نفس المرجع، ص 18.

21.                      رشيد برهون، الترجمة ورهانات العولمة والمثاقفة، مجلة عالم الفكر، ع1، مج 31، سبتمبر، 2002، ص 171.

22.                     علي القاسمي، مقدمة في علم المصطلح، د.ط، وزارة الثقافة والإعلام، دار الشؤون الثقافية العامة، د.ب.ن، د.س.ن، ص101.

23.                      السوابق جمع سابقة، وهي تعني "كل عنصر لا يتغير بأخذ مكانه في الكلمات التي يدخل عليها قبل الجذر، فيتغير معناها وتصير الكلمة مركبة"، التهامي الراجي الهاشمي، كيفية تعريب السوابق واللواحق في اللغة العربية، مجلة اللسان العربي، ع21، 1983، ص63.

أما اللواحق فهي جمع لاحقة وهي "لاصقة تلي الجذع فتكون كلمة جديدة ذات دلالة جديدة" علي القاسمي، علم المصطلح أسسه النظرية وتطبيقاته العملية، ص461.

24.                      ينظر نفس المرجع، ص460.

25.                      وجيه حمد عبد الرحمان، منهجية وضع المصطلحات الجديدة في الميزان، مجلة اللسان العربي، ع 24، ص 57.

26.                      ينظر صافية زفنكي، المناهج المصطلحية مشكلاتها التطبيقية ونهج معالجتها، ط1، منشورات الهيئة العامة السورية للكتاب، د.ب.ن، 2010، ص7374.

27.                       يوسف وغليسي، المرجع السابق، ص 494.

28.                      ينظر محمد عبد الغني المصري، مجد البرازي، اللغة العربية دراسات تطبيقية، ط1، دار المستقبل، عمان، المملكة الأردنية الهاشمية، 2008، ص97.

29.                      أبو منصور الثعالبي، كتاب فقه اللغة وأسرار العربية، د.ط، منشورات دار مكتبة الحياة، بيروت، د.ت، ص253.

30.                      محمد عبد الغني المصري، مجد البرازي، المرجع السابق، ص97.

31.                       ينظر نفس المرجع، ص ص97 99.

32.                      عبد السلام المسدي، المصطلح النقدي، ص25.

33.                      جواد حسني سماعنة، المصطلحية العربية بين القديم والحديث، ص100.

34.                      محمود فهمي حجازي، الأسس اللغوية لعلم المصطلح، ص 75.

35.                      ينظر علي القاسمي، علم المصطلح أسسه النظرية وتطبيقاته العملية، ص 435.

36.                      ـ علي القاسمي، مقدمة في علم المصطلح، ص 103.

37.                      صالح بلعيد، مشكلة المصطلح العلمي في الوضع أم في الاستعمال، مجلة اللسانيات، مركز البحوث العلمية والتقنية لترقية اللغة العربية، ع8، 2003، ص84، (الهامش رقم 13).

38.                      علي القاسمي، علم المصطلح أسسه النظرية وتطبيقاته العملية، ص449.

39.                      جواد حسني سماعنة، التركيب المصطلحي طبيعته النظرية وأنماطه التطبيقية، ص 43.

40.                      ـ جواد حسني سماعنة، المصطلحية العربية بين القديم والحديث، ص42.

41.                       محمود فهمي حجازي، الأسس اللغوية لعلم المصطلح، ص 77.

42.                      جواد حسني سماعنة، التركيب المصطلحي طبيعته النظرية وأنماطه التطبيقية، ص42.

43.                      علي القاسمي، علم المصطلح أسسه النظرية وتطبيقاته العمليه، ص 455.

44.                      نفس المرجع، ص 450 451.

45.                      نفس المرجع، ص 451.

 

 

 

@pour_citer_ce_document

سهام ضامن, «آليات وضع المصطلح العربي»

[En ligne] ,[#G_TITLE:#langue] ,[#G_TITLE:#langue]
Papier : ص ص 94-104,
Date Publication Sur Papier : 2020-04-22,
Date Pulication Electronique : 2020-04-22,
mis a jour le : 22/04/2020,
URL : https://revues.univ-setif2.dz:443/revue/index.php?id=6728.