الأسرة وعلاقتها بانحراف الحدث المراهق
Plan du site au format XML


Archive: revues des lettres et sciences sociales


N°01 Avril 2004


N°02 Mai 2005


N°03 Novembre 2005


N°04 Juin 2006


N°05 Juin 2007


N°06 Janvier 2008


N°07 Juin 2008


N°08 Mai 2009


N°09 Octobre 2009


N°10 Décembre 2009


N°11 Juin 2010


N°12 Juillet 2010


N°13 Janvier 2011


N°14 Juin 2011


N°15 Juillet 2012


N°16 Décembre 2012


N°17 Septembre 2013


Revue des Lettres et Sciences Sociales


N°18 Juin 2014


N°19 Décembre 2014


N°20 Juin 2015


N°21 Décembre 2015


N°22 Juin 2016


N° 23 Décembre 2016


N° 24 Juin 2017


N° 25 Décembre 2017


N°26 Vol 15- 2018


N°27 Vol 15- 2018


N°28 Vol 15- 2018


N°01 Vol 16- 2019


N°02 Vol 16- 2019


N°03 Vol 16- 2019


N°04 Vol 16- 2019


N°01 VOL 17-2020


N:02 vol 17-2020


N:03 vol 17-2020


N°01 vol 18-2021


N°02 vol 18-2021


N°01 vol 19-2022


N°02 vol 19-2022


N°01 vol 20-2023


N°02 vol 20-2023


N°01 vol 21-2024


A propos

avancée

Archive PDF

N°16 Décembre 2012

الأسرة وعلاقتها بانحراف الحدث المراهق


فيروز زرارقة
  • resume:Ar
  • resume
  • Auteurs
  • TEXTE INTEGRAL

إن الدراسة الحالية والتي تدور حول الأسرة وعلاقتها بانحراف الحدث المراهق، تبحث في العلاقة بين الأسرة والانحراف، وتهدف إلى التعرف على الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والثقافية التي تعيشها أسر الأحداث والتي قد تكون سببا في تعرضهم للانحراف، والتعرف أيضا على الحالة النفسية للأحداث باعتبارهم مراهقين ويمرون بفترات وحالات نفسية متناقضة وغامضة في بعض الأحيان، والتي قد تكون دافعا لمحاولة القيام ببعض السلوكات الانحرافية، إلى جانب محاولة توجيه الاهتمام سواء للأسرة أو مؤسسات التنشئة الاجتماعية لضرورة العناية ومتابعة الأبناء (من خلال العينة الضابطة)قبل تعرضهم للانحراف

l'étude suivante qui concerne la famille et sa relation avec la déviance du délinquant adolescent, cherche dans la relation entre la famille et la déviance, en veut dire par la relation, l'ensemble des interactions sociales et psychologiques qui existent entre le déviant et son environnement social qui constitue la plate-forme adéquate du début de sa déviance socialement, cette étude se base sur le délinquant adolescent qui n'a pas commis de délits que la loi sanctionne, donc les jeunes exposés au danger de déviance et qui se trouvent dans les centres de rééducation, avec pour but de les protéger car le danger est que le jeune exposé à la déviance, commette des crimes dans l'avenir, et cette spécificité nécessite des mesures qui peuvent éviter cette menace et se protéger.

L'interrogation essentielle  de cette étude se présente comme suit:existe t-il une relation entre la famille et le comportement déviant du jeune adolescent

1-مقدمة وأهمية الدراسة

تعد ظاهرة الانحراف من الظواهر القديمة والمنتشرة في كل المجتمعات، ولكنها تختلف مع ذلك في الدوافع والأسباب المؤدية إليها، تبعا لاختلاف محددات السلوك والمعايير والقيم السائدة في المجتمع، وكذلك الوضع الاقتصادي والثقافي.

وقد اتفق علماء الاجتماع أن ظاهرة الانحراف تعد من المعوقات الوظيفية للنسق الاجتماعي، حيث تتضح خطورتها وأهمية دراستها، من خلال تعدد الجوانب المرتبطة بها، خاصة إذا تعلق الأمر بالأطفال الذين لم يبلغوا بعد سن الرشد، وتورطوا في قضايا منافية للعرف والمعايير والأخلاق والقانون، حيث أصبحت ظاهرة انحراف هؤلاء الأطفال(الأحداث)، مشكلة اجتماعية خطيرة سواء تعلق الأمر بالحدث نفسه أو بالمجتمع المحيط به، فهو يشكل خطرا على نفسه عندما يتعرض لمقاومة المجتمع والأسرة وعدم تقبل سلوكاته، الشيء الذي يعرضه لمشكلات نفسية خطيرة تزيد من إحباطه وشعوره بعدم التقبل من الآخرين، وهو خطر على المجتمع لأنه أصبح يشكل مصدرا للقلق والاضطراب لمؤسسات المجتمع ونظمه وأفراده أيضا، كما تتمثل خطورة هذه الظاهرة في عدم قدرة الحدث على إقامة علاقات سليمة مع الغير لإحساسه الدائم بأنه منبوذ وغير مرغوب فيه من طرف جماعته الأولية (الأسرة)أو في المجتمع الكبير.

 والمجتمع الجزائري كغيره من المجتمعات عرف هذه الظاهرة منذ القديم، إلا أنها في تزايد مستمر خاصة في الفترة الأخيرة، نظرا للتناقضات والصراعات التي عرفتها البلاد نتيجة الأزمة السياسية والاقتصادية والثقافية كالتحول نحو اقتصاد السوق المرافق للتعددية السياسية، الذي يفتقد لميكانيزمات واضحة ومحددة لهذا التحول، إلى جانب عدم مسايرة الثقافة اللامادية للمجتمع الجزائري لمثل هذه التغيرات وبروز التفاوت الطبقي بين أفراد المجتمع بعد أن كان مستترا منذ الاستقلال.

فقد جاء في تقرير لجنة السكان والاحتياجات الاجتماعية، التابعة للمجلس الوطني الاقتصادي والاجتماعي، أن الهيئات المعنية بمشكل الانحراف لا توليه الأهمية الضرورية رغم أنه يعرف انتشارا رهيبا، حيث تشير الأرقام الإحصائية إلى أن12645حدث تورطوا في سنة 2002، في جنح وجرائم متفاوتة الخطورة كالسرقة والضرب والجرح العمدي، واستهلاك المسكرات التعدي على الأملاك العامة والخاصة، وتشكيل جماعات أشرار. (إحصائيات الكناس CNES*)

وتتجلى أهمية الدراسة من خلال طبيعة الموضوع نفسه وأهمية عدم الاستقرار الأسري الذي تسببه ظاهرة الانحراف، حيث يعد من المواضيع الهامة خاصة في هذه المرحلة التي يمر بها المجتمع الجزائري، والتي تميزت في معظمها بالعنف والإرهاب الذي دمر البنية التحتية والفوقية للمجتمع، ولذلك تتضح خطورة ظاهرة انحراف الأحداث وأهمية دراستها من تعدد الجوانب المرتبطة بها، ومن معرفة أنواع السلوك التي يقوم بها الأحداث  ذلك أن ظاهرة انحراف الأحداث تمثل مشكلة اجتماعية خطيرة سواء تعلق الأمر بالحدث نفسه أو بالمجتمع المحيط به، حيث يمثل هؤلاء الأحداث خطرا على حياة الآخرين من حيث أنهم مصدر للقلق والاضطراب، وذلك حين يقوم كل منهم بعملية سطو أو اعتداء أو حتى مجرد تخويف للآخرين، كما أنهم يمثلون خطرا على أنفسهم عندما يجدون مقاومة من طرف المجتمع والأسرة، وعدم تقبل سلوكاتهم، الشيء الذي يجعلهم عرضة لمجموعة من العمليات النفسية التي تزيد من إحباطهم وشعورهم بعدم التقبل من الآخرين، مما قد يجعل منهم في النهاية شخصيات عدوانية وإجرامية حاقدة على المجتمع وقواعده، كما تتمثل خطورة هذه الظاهرة في عدم قدرة الحدث على إقامة علاقات سليمة مع الغير، لإحساسه الدائم بأنه منبوذ وغير مرغوب فيه، وبالتالي لا يحس بأهمية الجماعة وتأثيرها أو الارتباط بها والحاجة إليها، وهذا ما يزيد في عدوانه اتجاهها ونحو الإضرار بها.

كما أن أهمية هذه الدراسة تتجلى في ارتباط هذه الظاهرة بعمليات النمو والتنشئة الاجتماعية، ذلك أن عدم فهم الأسرة أو المؤسسات الاجتماعية الأخرى لهاتين العمليتين الهامتين في حياة الفرد قد تؤدي إلى خلق أطفال غير أسوياء ويكونون عرضة للانحراف وارتكاب المخالفات.

2-الهدف من الدراسة

تهدف هذه الدراسة إلى التعرف على الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والثقافية التي تعيشها أسر الأحداث والتي قد تكون سببا في تعرضهم للانحراف، كما تهدف أيضا إلى محاولة التعرف على الحالة النفسية للأحداث باعتبارهم مراهقين ويمرون بفترات وحالات نفسية متناقضة وغامضة في بعض الأحيان، والتي قد تكون دافعا لمحاولة القيام ببعض السلوكات الانحرافية، إلى جانب محاولة توجيه الاهتمام سواء للأسرة أو مؤسسات التنشئة الاجتماعية لضرورة العناية ومتابعة الأحداث قبل تعرضهم للانحراف أي ضرورة إشعار الأسرة، كل هذه المؤسسات والجهات المختصة عندما تعجز عن تربية أبنائها أو السيطرة عليهم، ذلك أن الوقاية خير من العلاج.    

3-مشكلة الدراسة

وتتبلور مشكلة الدراسة حول تساؤل رئيسي يتمثل:

هل توجد علاقة بين الأسرة والسلوك الانحرافي للحدث المراهق؟.

ويندرج تحت هذا التساؤل الرئيسي الأسئلة الفرعية التالية:

●هل للعلاقات الأسرية تأثير على انحراف الحدث المراهق؟.

●هل لمرحلة المراهقة وتغيراتها الفيزيولوجية والنفسية تأثير على سلوك الحدث داخل الأسرة وخارجها؟.

●هل هناك علاقة بين الوضع الاقتصادي للأسرة والسلوك الانحرافي للحدث المراهق

●هل هناك علاقة بين المستوى التعليمي والثقافي للوالدين والسلوك الانحرافي للحدث.

4-فرضيات الدراسة

-الفرضية الرئيسية

توجد علاقة بين الأسرة والسلوك الانحرافي للأبناء المراهقين. ويتفرع هذا الفرض إلى فرضيات فرعية تتمثل في:

الفرضيات الفرعية

-توجد علاقة ذات دلالة إحصائية بين طبيعة العلاقات الاجتماعية السائدة داخل الأسرة وبين السلوك الانحرافي للحدث المراهق.

-تلعب مرحلة المراهقة دورا هاما في تغيير سلوك الابن والتأثير على انفعالاته وأفعاله التي قد يكون البعض منها سلوكات انحرافية.

-توجد علاقة ذات دلالة إحصائية بين الوضع الاقتصادي للأسرة والسلوك الانحرافي الذي يقدم عليه الابن المراهق.

-توجد علاقة ذات دلالة إحصائية بين المستوى الثقافي والتعليمي داخل الأسرة والسلوك الانحرافي للابن المراهق.

5-مفاهيم الدراسة

-الأسرة:وقد عرفها مصطفى بوتفنوشت باعتبارها"إنتاجا اجتماعيا يعكس صورة المجتمع الذي توجد وتتطور فيه، فإذا اتصف بالثبات اتصفت الأسرة بالثبات، وإذا اتصف بالحركة والتطور، تغيرت الأسرة بتغير ظروف تحول هذا المجتمع"1

ويعرفها برنار بربارB.BARBER  بأنها "المؤسسة التي ينتمي إليها الطفل وتضع الجذور الأولى لشخصيته وخبراته التي تستمر طوال حياته"2، فالأسرة عبارة عن مؤسسة اجتماعية تتكون من الزوج الزوجة والأبناء لها وظائف تهدف إلى نمو الطفل نموا اجتماعيا ونفسيا، ولا يمكن أن يتحقق هذا الهدف إلا عن طريق التفاعل اليومي المستمر بين أفرادها والذي يلعب الدور الكبير في تكوين شخصية الطفل وتربيته وفقا للقيم والقواعد والمعايير السائدة في المجتمع.

-العلاقة:العلاقة تعني السياق الموجود بين المعاني الأصلية والمعاني المرادفة في علم البيان، والعلاقة من الناحية الاصطلاحية "هي رابطة بين شيئين أو ظاهرتين تستلزم تغير إحداها تغير الأخرى، وأن مبدأ العلاقة هي أحد مبادئ التفكير لأن العمل الذهني في جملته محاولة ربط بين طرفين أحدهما بالآخر"3.

وفي هذه الدراسة تتمثل العلاقة في عملية التفاعل المستمر بين الأسرة (الأولياء، الإخوة، وغيرهم من الأقارب وكل من يحيط بالحدث)وبين الحدث المراهق المعرض للانحراف الذي قام بسلوكيات غير مقبولة ترفضها الأسرة والمجتمع ويعاقب عليها القانون بطرق مختلفة.محاولة منها التعرف من المسؤول عن انحراف الأبناء.

الانحراف:من التعريفات الشائعة في علم الاجتماع عن الانحراف نجد تعريف "كوهن""COHEN"الذي يقول أنه "سلوك يخالف التوقعات النظامية، أي التوقعات المشتركة والمعترف بها باعتبارها شرعية في نسق اجتماعي معين"4، أما "كلينارد""CLINARD"فيرى بأن الانحراف، هو تلك المواقف التي يكون السلوك فيها موجها توجيها مستهجنا من وجهة نظر المعايير، ويتميز بأنه قد وصل إلى درجة كبيرة من تجاوز حدود التسامح في المجتمع"5.

إن الدراسة الحالية سوف تقتصر على دراسة الانحراف باعتباره سلوكا أو جنوحا عن القواعد المجتمعية وسوف يتم التركيز على أولائك الأحداث المعرضون للانحراف أو كما يسميهم القانون "الأحداث" الذين هم في خطر معنوي وذلك لأن سلوكاتهم وتصرفاتهم بدأت تحيد عن ماهو متعارف ومتوافق عليه، والذين تم إيقافهم وإيداعهم في مراكز إعادة التربية بطلب من أوليائهم أو مدرسيهم أو وجدتهم الشرطة مشردين في الطرقات ويمارسون أفعالا غير مقبولة اجتماعيا وقانونيا.

-الحدث:جاء في المادة 442من قانون الإجراءات الجنائية في التشريع الجزائري أن الحدث هو "صغير السن الذي يقل عن الثمانية عشرة 18عاما، وبوصول الصغير إلى هذه السن يكون قد بلغ سن الرشد الجنائي"6.  

-أما من الناحية النفسية والاجتماعيةفينظر إلى الحدث على أنه "الصغير منذ ولادته وحتى يتم له النضج الاجتماعي والنفسي وتتكامل له عناصر الرشد، أو هو الصغير الذي يستجيب لعدم التوافق بدرجة خطيرة ومتزايدة وبوسائل عدوانية "7

إن الدراسة الحالية تركز على دراسة الحدث الذي لم يرتكب فعلا أو سلوكا أدى إلى أضرار مادية بالآخرين استوجب عليه العقوبة، وإنما تركز على دراسة الحدث الذي بدأت سلوكاته وتصرفاته تحيد عن القواعد التي حددتها الأسرة والمجتمع وأصبح في نظر أهله والمجتمع في خطر الانحراف أو أن إمكانية انحرافه أصبحت واردة ومحتملة في كل لحظة، وقد اتفق علماء النفس والاجتماع على أن الفرد منذ ولادته يمر بمراحل مختلفة تتداخل فيما بينها ومن الصعب فصلها، إلا أنهم اختلفوا في تقسيم تلك المراحل باختلاف الأسس التي اتخذوها لإقامة كل تقسيم"8.

-المراهق:ويعرفها هول HULLبأنها "فترة من العمر تتميز فيها التصرفات السلوكية للفرد بالعواطف والانفعالات الحادة والتوترات العنيفة والشديدة، فهي إذا مرحلة البحث عن الذات وتحقيقها وبداية تكامل الشخصية ونضجها"9.

"ويشاع عن فترة المراهقة أنها فترة من القلق والاضطراب، تمتد قبل البلوغ وحتى العشرين من العمر وهي فترة حتمية يمر بها كل إنسان"10، "وهناك من يعتبر مرحلة المراهقة، طور البحث عن المثل العليا والاكتفاء الذاتي واتساع العلاقات الاجتماعية فيزداد الاهتمام بالآخرين ويظهر لدى الفرد القدرة على النقد والتحليل، وتفهم الأمور والقيم التي قد لا تتوافق مع نموه المفاجئ وخبراته المحدودة"11.

إن مرحلة المراهقة هي الخط الفاصل بين الطفولة والرشد بالرغم مما قد يعتريها من اضطرا بات وتوترات ومشاكل وتبقى لها مركز ا خاصا بين سائر المجتمعات، أي أن المراهقة هي الجسر الذي يربط الإنسان بين مرحلة طفولته ونضجه وتتميز بجملة من التحولات والتغيرات الجسمية والعقلية والانفعالية والاجتماعية السريعة.

6-الإطار النظري

عرفت المجتمعات الغربية ظاهرة انحراف الأحداث مع بدايات الثورة الصناعية، على إثر خروج المرأة للعمل وتشغيل الأطفال واستغلالهم في أعمال تفوق إمكاناتهم البدنية، إلى جانب ازدياد المطالب وتخلي الأسرة تحت الضغوط الاجتماعية والاقتصادية عن وظيفتها التربوية، أو عدم الرغبة في تكوين الأسرة أصلا، وهكذا وجدت الطفولة نفسها إما في أسر تعاني من العجز عن تلبية حاجاتها الاقتصادية، وإما في أسر مفككة لا رقيب تربوي وعاطفي لها، وإما مشردين دون مأوى، إلى جانب المغريات التي قدمتها الثورة الصناعية في الكسب السريع والمنافسة الحرة دون ضوابط وقيود أخلاقية تحددها، وكذلك بحكم القيم الجيدة التي فرضتها مرحلة التطور والتقدم التكنولوجي بصفة عامة، وهو الشيء الذي أدى إلى تأصل ظواهر الانحراف بشكل خطير في تلك المجتمعات بشكل أعجزها عن إيجاد الحلول المناسبة بالرغم من توفر الإمكانيات المادية.

و لقد عرف قضاء الأحداث في الغرب عدم الاستقرار بين الاتجاه الذي يرى ضرورة عقاب الوالد عن جرم ابنه وتحميله المسؤولية الجزائية، والإصرار على إصلاح الصبي الجانح، وقد أفرز الاتجاه الأول خلافا حادا بين مختلف الأطراف المتخصصة في القانون والسياسة نتيجة الأحكام القضائية التي كانت تصدر ضد الأولياء عن أفعال أبنائهم، وكانت الولايات المتحدة الأمريكية أول دولة أنشأت محكمة خاصة بالأطفال الجانحين وخصته بإجراءات ومعاملة تليق بسنه ونفسيته، وكان للدكتور "فريدريك وينز"الدور الأكبر في إنشاء أول محكمة خاصة بالأحداث عام 1899بمدينة شيكاغو لتنتشر في كل أمريكا وأوروبا الغربية مع الإشارة إلى أنه وفي بريطانيا سنة 1908منع الأطفال من دخول السجن بسبب ارتكابهم لسلوكيات مخالفة للقانون، وصدر بهذا الخصوص سنة1933  قانون الأحداث الذي نص على أنه يجب على كل محكمة يحضر أمامها ولد جانح هو في حاجة إلى الرعاية والعناية، أن تراعي مصلحته الحقيقية وتتخذ من الإجراءات ما يضمن إصلاحه ويكفل تعليمه وتهذيبه، وبهذا اتخذت محاكم الأحداث الأمريكية فيما بعد الاتجاه الإصلاحي وأصرت على الإصلاح والعلاج دون العقاب، أما في فرنسا فقد ارتفع عدد الأحداث المنحرفين الذين مثلوا أمام محاكم الأحداث بشكل ملفت للنظر، وأن السرقة هي أكثر الجرائم انتشارا بينهم، ثم تحطيم الممتلكات واستعمال العنف الجسدي ضد الأشخاص، ثم الهروب من المنزل، وتتوزع فئات الأعمار في هذه الانحرافات كالتالي:25.9% (13سنة-16سنة)و56.6% (16سنة-18سنة)، من مجموع الأحداث المحولون إلى المحاكم"12، أما نسب المخالفات فقد وزعت كما يلي سنة 2002:

81.7% مخالفات التعدي على الممتلكات.

31%سرقة السيارات.

42%استعمال العنف والتعدي.

و هناك فرق كبير بين الأرقام الإحصائية المسجلة وما يقع فعلا، لأن معظم الأولياء لا يبلغون عن أطفالهم، خاصة فيما يتعلق بالانحرافات داخل الأسرة أو المدرسة، "أما في بريطانيا فقد تضاعف عدد المنحرفين في الفترة الممتدة ما بين سنة1991إلى 2000سبعة عشرة 17مرة، مما دفع بالجهات المعنية إلى وضع الأحداث في سجون الكبار، متجاوزة بذلك تشريع 1969الخاص بالطفولة والمراهقة، الذي ينص على عدم إلى إرسالها إلى أحياء القصر في السجون، أو مؤسسات إعادة التربية، إذ أدخل إلى هذه الأماكن 8000حدث سنة 1995و 4793أرسلوا إلى مركز الحجز و2854أرسلوا إلى مراكز إعادة التربية" (13)، وتبقى السمة المميزة لانحراف الأحداث في المجتمعات الغربية هي استهلاك المخدرات بشكل مثير لدى الأحداث، بل تعدته عند البعض إلى الإدمان، ففي سنة 1996بلغت الحالات المخدرة حتى الموت في مدينة "نيس"الفرنسية وحدها ما بين 3000و6000حالة، وفي باريس توفي بسبب المخدرات المؤدية إلى الموت نحو402حدث من الجنسين، وفي الدول العربية، لا تقل درجة الاهتمام بالطفولة المنحرفة عنها في المجتمعات الغربية وإن اختلفت الإمكانيات المادية "فإذا كانت نسبة الشباب في المجتمع العربي تمثل أكثر من55%من مجموع السكان، فلا شك أن الأمر يصبح في غاية الخطورة، لأن حدث اليوم هو رجل الغد، وما يعترض تنشئته من خلل تنعكس آثاره على مستقبله ومستقبل مجتمعه"14.

أما الجزائر فقد اهتمت بعد الاستقلال بموضوع الأحداث وأنشأت أقساما خاصة بالمحاكم المكلفة بالنظر في قضايا الأحداث، وفقا لإجراءات تأخذ بعين الاعتبار شخصية الحدث، لذلك نص قانون الإجراءات الجزائية، على أنه لا يمكن أن يتخذ في حق الحدث الذي لم يبلغ 18سنة إلا تدابير الحماية أو التهذيب، ويمكن أيضا وضع الحدث الذي تعدى 13سنة من عمره في مؤسسة للتهذيب والتربية الإصلاحية"15

وفي المجتمع الجزائري المعاصر، وبعد الأزمة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية الحادة التي واجهها في العشرية الماضية، فقد أدى ذلك إلى انتشار مجموعة من المظاهر السلوكية الانحرافية، أهمها ظهور وانتشار ظاهرة العنف الاجتماعي والسياسي أو كما يطلق عليه اسم الإرهاب، والاختلاس والرشوة والانحرافات الأخلاقية وغيرها من السلوكات الانحرافية، التي أدخلت البلاد في دوامة من الفوضى وعدم الاستقرار وجرفت معها أطفال مراهقين لم يدركوا بعد نواتج أفعالهم أو الهدف من قيامهم بها، حيث نجدهم يتاجرون بالمخدرات ويمارسون أعمال العنف داخل أسرهم أو في المدارس، وفي أماكن أخرى، وهذا كله قد يرجع لافتقادهم للضوابط والقيم الاجتماعية ولانعدام الرقابة الأسرية والاجتماعية وعدم متابعتهم نفسيا واجتماعيا التي تردعهم لمجرد التفكير أو القيام بالفعل.

إن تفسير السلوك الانحرافي، لا يجب أن يتم بمعزل عن بيئة الفرد ومحيطه الاجتماعي الذي يعيش ويتفاعل فيه، فالإنسان ابن بيئته فهي التي تطبعه بطابعها وتشكله حسب ما يمليه الواقع الاجتماعي، كذلك فالإنسان الفرد له شخصيته المستقلة عن الآخرين وهو مسؤول عن تصرفاته وأفعاله مادام لا يعاني من أمراض عقلية.

و يمكن القول أن ظاهرة الانحراف لا يمكن تفسيرها أو إرجاعها إلى عامل واحد منفرد من العوامل، وإهمال العوامل الأخرى فلا يمكننا القول بأن العامل البيولوجي الوراثي وحده هو سبب رئيسي في ارتكاب السلوك الانحرافي دون غيره من العوامل، فالفرد يعيش في مجتمع يؤثر ويتأثر به، فحتما هناك عملية اكتساب لبعض السلوكات الانحرافية، وكون أن الإنسان له عقل يفكر به، فإنه أيضا بمثابة الحاكم الذي يقوم بإصدار الأوامر لأعضاء الجسم، ومنه على القيام بالسلوك أو عدم القيام به، ولا يمكننا أن ننسى ما للجانب الثقافي والاجتماعي من أهمية في تكوين الشخصية وأنماط السلوك وذلك بما يحويه من عادات وتقاليد وأعراف اجتماعية.

ومنه فإن العوامل كلها تتكامل فيما بينها، ونقصد بالعوامل هنا العوامل الاجتماعية والنفسية والبيولوجية والاقتصادية وتؤثر على سلوك الفرد من الناحية السلبية أو الإيجابية، فلا يمكننا الاعتماد على عامل دون الآخر، بل يجب الاعتماد عليها كلها ومجتمعة إذا أردنا تقديم تفسيرات حقيقة وعلمية عن أسباب إقدام بعض المراهقين على سلوكات وتصرفات انحرافية، ترفضها الأسرة والمجتمع، كما ينبغي للتشريع القضائي أن يأخذ بعين الاعتبار كل الظروف والأوضاع المحيطة بالحدث قبل الوقوع في خطر الانحراف، وبطبيعة الحال لا يمكننا في هذا المجال سوى القول أن الشريعة الإسلامية بنظرتها الشمولية والمتكاملة في محاولة استأصال ظاهرة الانحراف والجريمة من جذورها  من خلال النواهي والتحذيرات التي حددها الله عز وجل في القرآن الكريم، قد قدمت تفسيرا دقيقا وشاملا عن أسباب ظاهرة الانحراف، إلى جانب تقديم الحلول الناجعة والعلاج الشافي من هذه المشكلة.

7-الإطار الميداني

أداة الدراسة:لقد تم تصميم إستبانة شملت على مجموعة من الأسئلة تصل إلى 90سؤالا موزعة على خمسة محاور وهي كما يلي:

-المحور الأول ويتعلق بالبيانات الشخصية وقد شمل على الأسئلة من رقم01إلى رقم 08.

-المحور الثاني ويهدف إلى الوقوف على العلاقات الأسرية وأثرها انحراف الحدث وتشمل على الأسئلة من رقم 9إلى رقم 35.

-المحور الثالث ويتعلق بأثر مرحلة المراهقة على انحراف الأحداث وقد شمل على الأسئلة من رقم 35إلى رقم 57.

-المحور الرابع وقد عالج علاقة الوضع الاقتصادي بانحراف الحدث وقد ضم الأسئلة من رقم 58إلى 73.

-المحور الخامس وقد اهتم بالتعرف على علاقة المستوى التعليمي والثقافي بانحراف الحدث، وقد ضم الأسئلة من رقم 74 إلى 90.

7-صدق وثبات الأداة

بعد أن تم تصميم الإستبانة بصورتها الأولية، تم التحقق من مدى صدقها عن طريق عرضها على عدد من الأساتذة المشتغلين بعلم النفس وعلم الاجتماع لاستشارتهم في صحتها، وكذلك تمت استشارة بعض المختصين في رعاية الأحداث، وذلك لتنقية المعنى الذي تحمله هذه المفردات، وزيادة تحديده ووضوحه وتم فعلا تنقيحها وتصويبها، بحيث أصبحت واضحة ومحددة المعنى وقصيرة تعبر كل منها عن فكرة واحدة لا لبس فيها ولا غموض، وحسبت درجة الثقة في الاستمارة من إيجاد النسبة بين عدد جميع الأسئلة المتعادلة التي أجاب عليها المبحوثون إجابات موحدة وعدد الأسئلة المتعادلة في الاستمارة كلها، حيث أن:

 نسبة الثقة =عدد الأسئلة المتعادلة ذات الإجابة الموحدة

                     عدد الأسئلة المتعادلة كلها

ولقد وجدت هذه النسبة مساوية إلى 0.85و0.82، وهي نسبة مقبولة إلى حد كبير وتدل على صدق الاستمارتين في نظر الباحثة.

8-عينة الدراسة

إن العينة المستخدمة في هذه الدراسة تتكون من 174فردا وهي تتكون من عينتين:

-العينة التجريبية:في الحقيقة أن العينة الأولى هي عبارة عن مسح شامل، شمل كل الأحداث الذين هم في خطر معنوي والمتواجدون بمركز إعادة التربية لولاية سطيف، وهي تضم 64فردا تتراوح أعمارهم بين 15و18سنة.

-العينة الضابطة:وهي تضم 110فردا وهي عينة عشوائية منتظمة، تتشكل من تلاميذ ثانوية عمر حرايق وعمار خلوفي، في المستويات الثلاث أي السنة أولى ثانوي، السنة الثانية والثالثة على اعتبار أن أعمارهم تكون محصورة بين 15و18سنة وهذا حتى يكون مجال المقارنة العمرية متجانسا وقد تم اختيار مفردات هذه العينة بطريقة العدد العشوائي حيث تم تسجيل قائمة أسماء التلاميذ الذكور للمستويات الثلاث وترقيمها ترقيما متسلسلا تصاعديا من 01إلى 876.

وقد تم اختيار العينة بنسبة 12.5% أي أن عينة الدراسة تتكون من 110تلميذا من بين 876،  في حين تتكون عينة الأحداث من64حدثا.

العينة=المجتمع المدروس × النسبة المأخوذة             876× 12.5   =110

                          100                                     100

أما عن كيفية اختيار إطار العينة فقد تم بطرقة العدد العشوائي وهي الطريقة التي ضمت قائمة مفصلة بأسماء تلاميذ الثانويتان وهذه الأسماء رقمت ترقيما متسلسلا تصاعديا من 1إلى 876حيث تم تحديد مسافة الاختيار على النحو التالي:

حجم المجتمع المدروس    876/110=8

  حجم العينة

إن العينة المستخدمة في هذه الدراسة تتكون من 174فردا وهي تتكون من عينتين رئيسيتين.

9-منهج الدراسة

تندرج هذه الدراسة ضمن الدراسات الوصفية التجريبية التي تحاول تشخيص واقع معين أو ظاهرة ما، وفي هذه الدراسة يهدف المنهج الوصفي إلى تحديد وفهم بعض مظاهر المشكلات الأسرية وحالة عدم الاستقرار بين أفرادها، والتحاق أحد أبنائها بمركز إعادة التربية بسبب انحرافه عن القوانين الاجتماعية، ولجمع الحقائق وتحليلها وتفسيرها واستخلاص دلالاتها وإصدار اقتراحات وتفسيرات بصدد الظاهرة المدروسة، والتي تتمثل في علاقة الأسرة بانحراف أبنائها المراهقين، ووفقا لأهداف البحث تم استخدام المنهج التجريبي حتى تسهل عملية اكتشاف العوامل المتسببة في الانحراف بين المجموعتين التجريبية والضابطة، ومحاولة استخدام الطريقة المقارنة التي تعتبر من الطرق المستخدمة في العلوم الاجتماعية وخاصة في إطار استخدامات المنهج التجريبي، ذلك أنه وفي هذه الدراسة ينبغي إجراء بعض المقارنات بين متغيرات المجموعتين الضابطة والتجريبية، حنى نتمكن من الكشف عن العوامل المسببة لظاهرة انحراف الأحداث المراهقين، كما استعانت الباحثة ببعض الأساليب الإحصائية، ومن الأدوات المستخدمة نجد الملاحظة البسيطة، المقابلة الحرة والاستمارة.

10-تحليل النتائج ومناقشتها

حيث أن هذه الدراسة هي محاولة الإجابة عن التساؤلات التي طرحت في مقدمة الدراسة، فسوف يتم تناول ما أسفرت عنه هذه الدراسة من نتائج طبقا لترتيب محاور الاستمارة، وذلك على النحو التالي:

1-العلاقات الأسرية وانحراف الحدث المراهق

جدول رقم 01:يبين ما إذا كان الوالدان على قيد الحياة

الإجابة

المجموعة الضابطة

المجموعة التجريبية

الأب

الأم

الأب

الأم

ع

%

ع

%

ع

%

ع

%

نعم

106

97

109

99

60

94

64

100

لا

04

03

01

01

04

06

-

-

المجموع

110

100

110

100

64

100

64

100


تشير الأرقام الإحصائية إلى أن معظم وحدات العينة التجريبية والديها على قيد الحياة حيث لم نسجل سوى أربعة حالات تفتقد إلى الوالد، وهذا يدعونا إلى القول أن معظم الأحداث لا يعانون من مشكل اليتم، وخاصة اليتم الأموي، حيث تعد الأم المصدر الرئيسي للحب والرعاية، مما يجعلنا نقول أنه هناك عوامل أخرى غير فقدان الوالدين هي التي دفعت بالأحداث إلى الانحراف، وإلا فبماذا نفسر وجود 03%من التلاميذ يفتقدون إلى الوالد و01%للوالدة، مقابل 6%بالنسبة للعينة التجريب

@pour_citer_ce_document

فيروز زرارقة, «الأسرة وعلاقتها بانحراف الحدث المراهق»

[En ligne] ,[#G_TITLE:#langue] ,[#G_TITLE:#langue]
Papier : ,
Date Publication Sur Papier : 2012-12-10,
Date Pulication Electronique : 2012-12-13,
mis a jour le : 14/01/2019,
URL : https://revues.univ-setif2.dz:443/revue/index.php?id=733.