النقد العربي القديم من العصر الجاهلي حتى العباسيAncient Arabic criticism from the pre-Islamic era until the Abbasid eraCritique arabe ancienne de l’ère préislamique jusqu’à l’ère abbasside
Plan du site au format XML


Archive: revues des lettres et sciences sociales


N°01 Avril 2004


N°02 Mai 2005


N°03 Novembre 2005


N°04 Juin 2006


N°05 Juin 2007


N°06 Janvier 2008


N°07 Juin 2008


N°08 Mai 2009


N°09 Octobre 2009


N°10 Décembre 2009


N°11 Juin 2010


N°12 Juillet 2010


N°13 Janvier 2011


N°14 Juin 2011


N°15 Juillet 2012


N°16 Décembre 2012


N°17 Septembre 2013


Revue des Lettres et Sciences Sociales


N°18 Juin 2014


N°19 Décembre 2014


N°20 Juin 2015


N°21 Décembre 2015


N°22 Juin 2016


N° 23 Décembre 2016


N° 24 Juin 2017


N° 25 Décembre 2017


N°26 Vol 15- 2018


N°27 Vol 15- 2018


N°28 Vol 15- 2018


N°01 Vol 16- 2019


N°02 Vol 16- 2019


N°03 Vol 16- 2019


N°04 Vol 16- 2019


N°01 VOL 17-2020


N:02 vol 17-2020


N:03 vol 17-2020


N°01 vol 18-2021


N°02 vol 18-2021


N°01 vol 19-2022


N°02 vol 19-2022


N°01 vol 20-2023


N°02 vol 20-2023


N°01 vol 21-2024


N°02 vol 21-2024


A propos

avancée

Archive PDF

N°02 vol 21-2024

النقد العربي القديم من العصر الجاهلي حتى العباسي
Critique arabe ancienne de l’ère préislamique jusqu’à l’ère abbasside
Ancient Arabic criticism from the pre-Islamic era until the Abbasid era
58-70
تاريخ الاستلام 2023-06-09 تاريخ القبول 28-05-2024

حسين الاكحل
  • resume:Ar
  • resume
  • Abstract
  • Auteurs
  • TEXTE INTEGRAL
  • Bibliographie
واجه العربيّ قديما عدوين لدودين،  كان الأول الطبيعة وأهوالها  أمّا الثاني فتجلّى في الموت قامع الخلد ولم يكن أمامه سوى أن يستسلم أو يتحدّى، فراح يتحدى  ومن بين الأسلحة التي جابه بها الموت، سلاح الشّعر، الذي راح العربي يسجل فيه حياته لأنه أدرك أن الموت يلاحقه، ولا ننسى أن لهذا الشعر أخ حميم، لطالما سهر ورعى الأخ بأحسن رعاية لكي يستقيم  إنّه النّــــــــــقد، الذى  وُجد بعد أول مقطوعة شعرية قيلت وكان بسيطا عفويا شفويا، تمثل في أحكام عامة  ليست بالدقيقة ولا العميقة، وذاك ما نسميه بالنقد الانطباعي التَّــــــــــأثري، وانطلاقا من التسليم بمكانته ودوره الهام جدا في حياة  الادب العربي القديم سنحاول اكتشاف  ذلك  بالوقوف على اهم محطات نشأته وتطوره  في الادب العربي القديم  وكذا ادراك  نجاعته في غربلة الذوق والالسن والاحساس العربي ومن ثم الابداع الفني وحقيقة وجدناه عامل مهم في الادب العربي  ونقول  بأسبقية ورعاية النقد للأدب بأنواعه، لأن عامل التنقيح والتمحيص والغربلة ضروري جدا في كل الأعمال. معلومات حول المقال
 
الكلمات المفتاحية:,النقد,الشعر,التمحيص,الذوق,الابداع 
Dans les temps anciens, l’Arabe faisait face à deux ennemis acharnés. Le premier était la nature et ses horreurs, tandis que le second se manifestait par la mort. Le suppresseur de la taupe n’avait d’autre choix que de se rendre ou de défier, alors il commença à défier. Les armes avec lesquelles il a affronté la mort étaient l’arme de la poésie, avec laquelle l’Arabe a commencé à enregistrer sa vie parce qu’il se rendait compte que la mort le poursuivait. Et n’oublions pas que cette poésie a un frère proche qui veille toujours et prend soin. Du frère avec le plus grand soin pour qu’il soit droit. C’est la critique, qui... Elle a été trouvée après la première pièce poétique récitée, et elle était simple, spontanée, orale, représentée dans des jugements généraux qui n’étaient ni précis ni profonds, et c’est ce que nous appelons une critique impressionniste et affective basée sur la reconnaissance de sa place. Et très important dans la vie de la littérature arabe ancienne, nous essaierons de le découvrir en examinant les stations les plus importantes de son origine et de son développement dans la littérature arabe ancienne, ainsi qu’en réalisant son efficacité dans le criblage du goût et de la langue arabe., et le sentiment, puis la créativité. En fait, nous avons constaté que l’art est un facteur important dans la littérature arabe, et nous revendiquons la primauté et le patronage de la critique de la littérature de toutes sortes, car le facteur de révision, d’examen et de criblage est très nécessaire dans toutes les œuvres.      
Mots clés: critique,poésie,examen minutieux,goût,créativité
In the past, the Arab faced two bitter enemies, the first was nature and its horrors, while the second manifested itself in death, the suppressor of eternity, and he had no choice but to surrender or be challenged. Among the weapons with which he confronted death was the weapon of poetry, with which the Arab began recording his life because he realized that death was chasing him. And let’s not forget that this poetry has a close brother, who has always watched and looked after the brother with the best care in order to be upright. It is the criticism, which was found after the first piece of poetry said and was simple, spontaneous or oral. Acknowledgment of its place and its very important role in the life of ancient Arabic literature. We will try to discover this by standing on the most important stations of its inception and development in ancient Arabic literature. As well as realizing its effectiveness in sifting Arab taste, tongues, and feeling, and then artistic creativity, and the fact that we found it an important factor in Arabic literature. And we say the primacy and care of criticism of all kinds of literature, because the factor of revision, scrutiny and sifting is very necessary in all works.
Keywords: criticism,poetry,scrutiny,taste,creativity

Quelques mots à propos de :  حسين الاكحل

Dr. Hussein Al-Akhal    مخبر اللغة العربية وآدابها  جامعة  عمار ثليجي الاغواط، الجزائر  Lakehalhocine3@gmail.com
مقدمة 
كان الشّعر كلّ شيء في حياة العربي الجاهلي، وُلد ونمى وترعرع في أحضانه، اجتهد فيه وعكف عليه وتعهده حتّى كبر وأينع وصار قصائد، ولكن لا ننسى أنّ لهذا الشّعر أخّ حميم لطالما سهر ورعى الأخ بأحسن رعاية إنّه النّــــقد، لقد وُجد النّقد بعد أوّل مقطوعة شعرية قيلت وتشعبت الآراء حول البدايات الأولى للنقد العربي، فمنهم من يرى أنّه ظهر قبل الشعر الذي يعدّ خزانة العرب ومستودع  علومها،  قال عـــــــــمر بن الخطاب _رضي الله عنه: «كان الشّعر علم قوم لم يكن لهم علم أصحّ منه» (الجمحي، 1974)   ودليلهم على أسبقية النّقد للشّعر، هو أنّ الشّاعر يعدّ أوّل ناقد، وأوّل متلق، لعمله كما رأى الدّكتور محمد العمري. (العمري، 2010)
وعليه فالغاية من كلامنا هذا هو القول بأسبقية ورعاية النّقد للأدب بأنواعه لأنّ عامل التنقيح والتّمحيص والغربلة ضروري جدّا في كلّ الأعمال، فحتّى صانع الآلات اليوم نراه يمكث وقتا طويلا في البدايات الأولى وربما يلغي كل عمله الأول انطلاقا من نظرات نقدية،وهكذا حتى يصل إلى منتوج يرضي الأغلبية .
بقى العربي يصدح بشعره في أغراض مختلفة، وبلهجة قومه، بدأه بأنواع من السّجع، ثم اتبعه رجزا وحين اهتدى للرجز صار شعره صحيحا،يوضع على محكّ النّقد، وفيه  يرى أحمد إبراهيم: «أنَّ هذا الشعر مرَّ بضروب كثيرة من التّهذيب، حتى بلغ ذلك الذي نجده عليه أواخر العصر الجاهلي ...، فلم يكن طفرة أن يهتدي العربي لوحدة الروي في القصيدة، ولا لوحدة حركة الروي ولا للتصريع في أوّلها ولا لافتتاحها بالنسيب والوقوف بالأطلال، لم يكن طفرة أنْ يعرف العرب، كل تلك الأصول الشّعرية في القصيدة وكلّ تلك المواصفات في ابتداءاته مثلا وإنّما ذلك كلّه بعد تجارب، وبعد إصلاح وتهذيب، وهذا التّهذيب هو النّقد الأدبي». (إبراهيم ط.، 2004)
بمعنى لولا النَّقد وجهوده، لما وصل الشّعر إلى ما هو عليه اليوم، ومن هذا كلّه لا يسعنا إلاّ أن نقف على أهم المحطّات النّقدية، التّي رافقت الشّعر، والنّثر معا، في العصر الجاهلي عصر البداية الفعلية، لثنائية النقد والشعر، وكما هو معروف أن الشعر يثير انفعالات، ولابد لها من استجابات سواء بالسّلب، أو الإيجاب  وعنها يصدر الحكم، وهذا الحكم هو النّقد بعينه
العصر الجاهلي
تبدو صورة الناقد الحصيف المسموع لكلامه، والمركون لحكمه متجليّة في شخصية الشّاعر الكبير، زياد بن معاوية المعروف بالنّابغة الذبياني، فلقد روى الأصمعي  (العاكوب، 2012): «أنَّ النابغة كانت تضرب له قبة بسوق عكاظ فتأتيه الشّعراء فتعرض أشعارها عليه فأتاه الأعشى فأنشده ثم أتاه حسّان فأنشده : (مهنا، 1994)
لَنَا الجَفَنَاتُ الغُرُّ يَلْمَعْنَ بِالضُّــحَى 
  وَأَسْـيَافُــــــــنَا يقْطُرْنَ مِنْ نَجْدَهٍ دَمَا
وَلَدْنَا بَنِي العَنْقَاءِ وَابْنَيْ مُحـــــرّقٍ
      فَأَكْرِمْ بِنَا خَالًا وَأَكْرِم بِنَا ابْنَمَا
فقال له: «ما صنعت شيئا، قللت أمركم، فقلت جفنات وأسياف»، لان كلتا الصفتين دالة على جمع القلة وهو مالا يتناسب مع الفخر، كما زاد القلة فحشا لفظتا تلمع وتقطر، كما اخذ عليه فخره بمن ولد وليس بمن ولده.
هذه الملاحظات، والانطباعات، شكّلت منطلقا للدرس البلاغي، والنقد المنهجي فيما بعد، والذي أخذ ينمو ويكبر حتى صارت له أسس، ومعالم منهجية يحتكم إليها كانت تلكم الشرارة الأولى لاندلاع الملاحظات النقدية المبنية على منظور عقلي، تدفعها الفطرة والحاسة الفنية، والتي تبلورت فيما بعد، لتصبح قواعد ومعايير يحتكم لها.
إذا وُجد النّقد، والنّاقد والشّاعر معا، يقول الدكتور طه أحمد إبراهيم: «وُجد النقد الأدبي في الجاهلية ولكنه هيّنا يسيرا، ملائما لروح العصر، ملائما للشعر العربي نفسه، فالشعر الجاهلي إحساس محـــــــــــــــــــــــــــــــض، أو يكاد، والنقد كذلك، كلاهما قائم على الانفعال والتأثر، فالشاعر مهتاج بما حوله من الأشياء، والحوادث والنّاقد مهتاج بوقع الكلام بنفسه  وكل نقد في نشأته لابد أن يكون قائما على الانفعال،  بأثر الكلام المنقود والنقد العربي لايشذ عن تلك القاعدة». (سعودي، 2012)
لقد كان عند الجاهليين ما يشبه النّوادي الأدبية في وقتنا، أو الصالونات الأدبية، أين يتم عرض البضــائع  واستقبال حكم التقويم والتقيّيم فلقد روى صاحب الأغاني  (الفرج، الأصفهاني، صفحة 2/257.258) أن عبد الله بن قتادة المحاربي قال: «كنـت مع النابغة بباب النعمان بن المنذر فقال لي:هل رأيت لبيد بن ربيعة، فيمن حضر؟» فقلت: «نعم قال: أيهم أشـــــعر؟ قلت: «الفتى الذي رأيت من حاله  كيت، وكيت»، فقال: «اجلس بنا حتى يخرج إلينا»، قال: فجلسنا فلما خرج، فقال له النابغة: «إليَّ يا ابن أخي» فأتاه، فقال: «أنشدني» فانشده قوله:
ألمْ تُلْمِمْ عَلَى الدِّمَنِ الخَوَالِي
    لِسَلْمَى بِالمَذَانِبِ  فَالقُفَالِ                                                                                                                                                                                                                       
قال   له النّابغة: «أنت أشعر بني  عامر زدني» فأنشده:
طَلَلٌ لِخَوِلَةَ بِالرُّسَيْسِ قَدِيمٌ  
فَبِعَاقِلٍ فَالأَنْعُمَيْنٍ رُسُومٌ 
قال له: «أنت أشعر هوازن زدني» فأنشده قوله:
عَفَتِ الدِّيَارُ مَحَلُّهَا فَمُقا مُهَا    
  بِمنًى تَأَبَّدَ غَوْلَهَا فَرِجَامُهَا 
فقال له النابغة: «اذهب فأنت أشعر العرب».
إنّ المتمعن لموقف النّابغة يلحظ طريقة الاستدراج،والتدرج في الحكم، فلقد اختار الشاعر أولا وأصرَّ على سماعه حتى يهيئ الحكم،طبعا السماع منه ومعاينة قوله بالحضور، وفي النهاية أصدر قراره،وتقييمه النهائي له بأنه أشعر العرب، وهذا ليس حكما اعتباطيا،ناجما عن هوى،بل حكم خبير بالجزئيات، متمرس بالدقائق.
كما نجد صورة الناقد، قد أخذت شكلا آخرا، يتمثل في القبيلة قاطبة، فمثلا قبيلة قريش كانت تفضل زهيرا والنّابغة، فلقد روى صاحب الأغاني عن حماد الراوية، قوله: «كانت العرب تعـرض أشعارها على قريش،فما قبلوه كان مقبولا وما ردّوه منها كان مردودا، فقدم عليهم علقمة بن عبدة فأنشدهم قصيدته التي يقول فيها: (إبراهيم ط.، تاريخ النقد الأدبي عند العرب من العصر الجاهلي إلى القرن الرابع هجري، 2004)
هَلْ مَاعَلِمْتَ وَمَا اسْتُودِعْت مَكتُوم ُ    
  أَم ْحَبْلُها إذْ نَأَتْكَ اليَوْم مَصْرُومُ  
فقالوا هذه سمط الدهر، ثم عاد عليهم العام المقبل، فأنشدهم:
طَحَا بِكَ قَلْبٌ فِي الحِسَانِ طَـــــــــرُوبُ  
  بُعَيْـدَ الشَّبَابِ عَصْرَ حَـــان مَشِيبُ
فقالوا:  «هاتان سمطا الدَّهر». (الشنتمري، 1969)
فنجد الذوق هنا جماعي، ليس فردي، سرى بين أفراد القبيلة الواحدة، الذين تجمعهم أمور شتى كاللهجة والمعتقد والمزاج والعادات والتقاليد مع شيء من اختلاف الرؤى والفكر، لقد انتبه عرب الجاهلية إلى ميزة هامة وهي تفوّق بعض الشعراء في بعض الأغراض، وتلقبهم بصفات يستحقونها، فمثلا لقبوا الأعشى بصناجة العرب، لأنه ما مدح أحد قط،  إلا رفع له قدره، وكذلك إجادة الخنساء للرثاء وزهير في معاني الحكمة وامرؤ القيس جيد التشبيهات .
لقد كانوا دقيقي الملاحظة بدءا من الخطأ اللغوي،حتى المعاني والصور،فلقد عابوا على النابغة الذبياني خطأ، يعرف في العروض باسم «الإقواء» ويعني اختلاف حركة الروي، في القصيدة الواحدة فالنابغة لم يأبه لرفع النعت، فجرّه خضوعا للقافية، وهذا حين قال: (المرزباني، 1385 هـ.)
أَمِنْ آلِ مَيَّةَ رَائِـــحٌ أَوْ مُغْتَدى    
   عَجْـــــــــــلاَنَ ذَا زَادٍ وَغَـْيـــــــــــــــرَ مُزَوَّدِ
زَعَمَ البوارحُ أَنَّ رِحْــــــلَتَنَا غَدًا         
      وَبِذَلِكَ خَبَّرَنَا الغُرَابُ الأَســــــــــــــــْوَدُ
كذلك من أهم الفكر النقدية عند عرب ما قبل الإسلام،فكرة الرواية وهي أن يلازم الشاعر الناشئ الشاعر الفحل ليسمع، ويحفظ، ويذيع من شعره بين الناس، ويتمثل الجانب النقدي هنا، في إدراك العرب الطبيعة الواحدة أو المتقاربة عند شعراء المدرسة الواحدة، التي يتتلمذ اللاحق فيها على السابق، كما تشير المصادر إلى أن كعب بن زهير، والحطيئة كانا يرويان عن زهير. 
وما التّحبير والتّحكيك  والتّنقيح، سوى سمات نقدية يقوم بها المبدع اتجاه عمله، من أجل إخراجه في صورة حسنة، فهو يرى أنّ الشّعر ليس تدفقا تلقائيا، بل فيه مكابدة، تتجلّى في الإضافة والنقصان واشتهر بهذا الإبداع معهد زهير بن أبي سلمى الشّعري، الذي تخرج منه كعب بن زهير، والحطيئة وآخرون فهذا سويد بن كراع يقول واصفا حاله مع الشعر: (قتيبة، 1977)
أَبِيت بِأَبْـــوابِ القَوَافي كَأَنّما     
      أُصَادِي بِهَا سِرْبًا مِنَ الوَحْشِ نزَّعَا
أُكَالتُهَا حَتَّى أعْرسَ بَعْدمـا     
     يَكُــــون سُــــــحَيْرًا أو بُعَيْدا فـــَأَهْجَعا
عَوَاصـــي إلاَّ مَاجَعَلت وَرَاءهَا     
     عَصَا مرْبـــَد  تَغْشــــــــَى نُحُورًا وأَذْرُعـَا
كذلك لا ننسى ظاهرة الإجازة في الشّعر، والتي هي كما قال ابن رشيق: «وأما الإجازة فإنّها، بناء الشاعر بيتا أو قسيما  يزيده على ما قبله». (القيرواني، 1981م.)
أمّا الجانب النّقدي فيها، فيتمثل في أنّها تتطلب إدراكا وفطنة دقيقة لبنية النسيج اللغوي، والدلالي للنص المحاكى، حتى يأتي إتمامه على شكل موازي وحسن، وهذا يصدر من خبير متمرّس بالقيم،والمثل، ولقد ورد في الأغاني: «أقبل النابغة الذبياني يريد سوق بني القينقاع، فلحقه الربيع بن أبي الحقيق، نازلا من أطمه فلما سمعا الضجّة، وكانت سوقا كبيرة فحاصت بالنابغة ناقته، فأنشأ يقول»:  (الفرج،الأصفهاني)
كَادَت تُهَالُ مِن َ الأَصْواتِ رَاحِلَتي ****
ثم قال للربيع بن أبي الحقيق: «أجز يا ربيع»، فقال: «
وَالنَّفْرُ مِنْهَا إِذَا مَا أَوْجَسَت حــــــلُق ****       
فقال النابغة: «ما رأيت كاليوم شعرا»، ثم قال:
لَوْلَا أُنَهْــــــــنِهُهَا بِالسَّوْطِ لاجْتَذَبَت  ****     
أجز يا ربيع فقال: «
مِنِّي الزِّمَامَ وَإِنَّـــــــــي رَاكِبٌ لَبِـــــــــــــق ****    
وقد تكون الإجازة بشطر أو بيت، مثلما صنع زهير مع ابنه كعب،كما تطلب الإجازة من الصغار والناشئين للوقوف على قدراتهم، وهي تربية للنشء، وإعمال للذهن والقدرات  ... كما نجد الحكم النقدي، يصدر عن أمة بأكملها ...، وهذا يمثل انطباع عام، يشمل عدة قبائل إزاء شاعر أو قصيدة فهذه العرب كلها كما  ذكر المرزباني في الموشح زعمت أنّ المهلهل بن ربيعة: «كان يدّعى في شعره ويتكثّر في قوله أكثر من فعله». (المرزباني، 1995)
كما ذكر أنّ الأصمعي، كان يفضل  قصيدة سويد بن أبي كاهل، التي مطلعها: (اليشكري، 1972)
بَسَطَت رَابِعَة الحَبْل لَنَا  
    فَوَصَلْنَا الحَبْلَ مِنْهَا مَا اتَّسَع
وقيل كانت العرب تقدّمها، وتعدّها من الحِكم .
كما ذكر صاحب العمدة، أنّ لبيدا الشاعر، سُئل من أشعر الناس؟ قال: «الملك الظليل، قيل ثم من؟ قال الشّاب القتيل،قيل ثم من؟ قال الشيخ أبو عقيل -يعني نفسه-». (القيرواني، 1981م.)
طبعا هذه أحكام ليست اعتباطية، فهي صادرة عن تجربة، وحكمة وانتقاد، وفق معايير ثابتة يقول بها المنطق فهذا حكم شاعر على شاعر، كما فطن الجاهليون إلى النسبة والمنسوب في كلامهم، فقد روي أن المسيب بن علس مرّ بمجلس بني قيس بن ثعلبة، فاستنشدوه، فأنشدهم قوله: (الوصيفي، 2003)
أَلاَ انْعَم صَبَاحًا أَيُّهَا الرَّبْعُ واسْلَم    
      تَـــــحِيَة مَحْزُونٍ وَإِنْ لَمْ تَكَلَّم
فعندما وصل إلى قوله:
وَقَدْ أَتَنَاسَى الهَمَّ عِنْــدَ ادِّكَــــــارِهِ     
       بِنَاجٍ عَلَيْهِ الصَــــيْعَرِيَةُ مُكْدَمِ
قال له طرفة، وكان صغيرا يلعب: «استنوق الجمل» وضحك منه وسخر لان الصيعرية سمة الإناث لا الفحول من الإبل فقال له المسيب: «يا غلام اذهب إلى أمّك بمؤبدة». (المرزباني، 1385 هـ .)
فهذا صبيّ حمَله ذوقه وخلفياته الأبستمولوجية،  والفطرية والمكتسبة، على غربلة وتمحص تلك الصورة التي سمعها من شاعر  والتي أحدثت له شرارة كهربائية بين النسبة والمنسوب إليه، وتجلى ذلك في التعارض والتنافي فتفطن بعد تقييم  إلى إصدار حكم منطقي، يوضح الصورة ويزيل الإبهام، وهي صورة الصيعرية .
كذلك الشاعر نفسه اصدر حكما يتماشى ومكانة الصبي الناقد، فهو قد توصل إلى حكم اكبر منه في الحقيقة، وأصغر من الفطرة البشرية، وخاصة العربية الجاهلية، فالمسيّب بعد تفحص ودراسة استنتج ما لهذا الصبي من فطنة وبصيرة نقدية صائبة،  وحكم له بالدّهاء والإعجاب.
 النقد في صدر الإسلام
نقصد به فترة ظهور الدين الإسلامي حتى قيام الدولة الأموية عام 41هـ، لقد كان للإسلام موقف واضح اتجاه الشعر ونقده، فلقد كان موقفه اتجاه الشعر من خلال ثنائيّة الحلال والحرام، فهو موقف ديني لابد من إرضاء الله فيه، أما موقفه من ناحية جيّده ورديئه، فهذا موقف فني جمالي.
وحرص الإسلام على إخضاع الموقف الجمالي، للموقف الدّيني، والدليل آيات القرآن الكريم وأحاديث رسول الإسلام صلى الله عليه وسلم، فلقد بيّن القرآن المجيد ضرورة التّمييز بين التجربة الجمالية والإيمانية، التي هي المنشودة عند الشاعر وغيره  وقد تلتقى التجربة الدينية مع الفنية، عند الشاعر مثلما حدث عند حسان بن ثابت وكعب بن مالك رضي الله عنهم، كما كان النبي عليه الصلاة والسلام يعرف قيمة الشعر عند العرب فقال(1): «لا تدع العرب الشعر حتى تدع الإبل الحنين»، (السّبكي، 1964) وكان الميزان الذي يوزن به الشّعر والشاعر، هو الإيمان والإسلام.
ولقد اهتم الإسلام بالمضمون أكثر من الشّكل، ولم يتحرج الرسول عليه الصلاة والسلام من الشعر فلقد علم أنه سلاح، وأعجب بشعر حسَّان والنّابغة الجعدي، وقال له «لا يفضض فاك» واستحسن لكعب «بانت سعاد» وصفح عنه وأعطاه بردته، واستمع إلى الخنساء وقال «إنَّ من البيان لسِحرا». (العاكوب، 2012)
ومارس الرسول صلى الله عليه وسلم، النّقد، فلقد سمع كعب بن مالك يقول :
مُقَاتِلُنا عَنْ جذْمِنَا كُلُّ فَخــــــــــــْمَه  
   مُذَرَّبَة فِيــــهَا القَوَانِسُ تَلْمَع
فقال له: «لاتقل عن جذمنا، ولكن قل: «مقاتلنا عن ديننا». (الفرج،الأصفهاني)
وروي أنّ النّبي صلى الله عليه وسلم عند ما انشده كعب بن زهير، قصيدته: (العاكوب، 2012)
إِنَّ الرَسُول لَنُورٌ يُسْتَضَــــــــــــــاءُ بِــــــه    
  مُهَنَّدٌ مِنْ سُيُوفِ الهِنْدِ مَسْلُول
قال له الرسول صلى الله عليه وسلم: «من سيوف الله» فأصلحها كعب، كما أمر الأنصار بأن يدافعوا بالشعر مثل السلاح، وفاضل بين شعراء الإسلام، واعتبر شعر حسان، أبلغ تأثيرا في نفوس المشركين، وعليه فقد وظّفه في نصرة الدين، ومرضاة الله، ذلك الشعر الذي لا يتجاوز الحقيقة، فالدين يريد من قائل الشعر ألا يخرج عن الحقيقة والصدق، وأنْ يستعمل  الشعر في مواطن الخير .
لقد بقى النّقد على ذاته نوعا ما، غير ما أحدث فيه الإسلام من توجيهات تتطابق مع العقيدة والصدق والحقيقة، كما لا ننسى موقف الصحابة الكرام ونقدهم وتوجيههم للشعر والأدب  فهذا عمر بن الخطاب يقول عن الشعر: «تحفظوا الأشعار، وطالعوا الأخبار، فإنّ الشّعر يدعوا إلى مكارم الأخلاق، ويعلم محاسن الأعمال، ويبعث على جميل الأفعال ...، وينهى عن الأخلاق الدنيئة». (العلوي، 1976)
وكان عنده زهير، أشعر الشعراء لأنه: «لا يعـــاظل بيــن الكلام ولا يتبع حوشيه، ولا يمدح الرجل إلاّ بما فيه» (القيرواني، 1981م) فهذه سمات نقدية هامة جدا، لا تصدر إلا من ناقد متمرس، خبير بالقول، كما يركز على سمة الصدق وذلك من خلال مدح الرجل بما فيه فقط، كما يفضل الشعر الداعي إلى المعاني الحكيمة والأفكار السامية .
وتحضرنا وصيته للحطيئة عند إطلاقه من السّجن، حيث قال له : «إياك والمقذع من القول، قال وما المقذع؟، قال: أن تخاير بين الناس، فتقول فلان خير من فلان، وآل فلان خير من آل فلان، قال له الحطيئة: «فأنت والله أهجى منِّي» (العاكوب، 2012)
كما عجب من قول عبدة بن الطبيب:
المَرْءُ سَاعٍ لِأَمْر لَيْسَ يُدْرِكُه    
    وَالعَيْشُ شُحٌّ وَاِشْـــــــفَاقٌ وَتَأْمِيلٌ
فقال عمر: «علـــــــــــــــــى هذا بُنيت الدُنيا»  (الجبوري، 1971)
أمّا سيدنا عثمان-ض- رغم زهده ونسكه، كان يتذوق الشعر وينظر فيه، وينقده مسببا ومعللا لحكمه وأعجب بقول زهير وأثنى عليه . (إبراهيم م، 1997) 
 وعند ما نحطّ الرحال عند رابع الخلفاء الراشدين الإمام علي رضي الله، عنه نجده يجمل لنا القول في صفات الشاعر، وكذا استراتيجيات الموازنة، والحكم على الشعراء  يقول: «لو أنّ الشعراء المتقدمين ضمهم زمان واحد، ونصبت لهم راية، فجروا معا علمنا من السابق منهم، وإذا لم يكن فالذي لم يقل لرغبة، ولا لرهبة،فقيل، ومن هو ؟ قال الكندي، قيل ولم ؟ قال لأني رأيته أحسنهم نادرة وأسبقهم بادرة». (القيرواني، 1981م.)
لقد بيَّن الإمام علي رضي الله عنه لنا شروط الموازنة، وهي وحدة الزمان والمكان، والغرض حتى نحكم بالأصح كما فضل الشاعر الذي يقول عن حرية واستقلال، وهذا ما لمحه رضي الله عنه في امرئ القيس بن حجر.
النّـقد في العصر الأموي
لقد ضيّق الأمويون على أنفسهم إطار الأنصار وتعصبوا وأقصوا غيرهم، واعتمدوا على بني أمية واليمنيين العرب المقيمين بالشام مركز خلافتهم، وحاضرة دولتهم، كما ابعدوا الأعاجم، واعتقدوا بأن العرب هم أفضل الأمم، وقدّسوا كل ما هو عربي صرف ، (الأشقر، 2008) ورأى الجاحظ بأن دولة بني أمية عربية أعرابية، وسنجد لا جرم أنّ للشعر والنقد مكانة هناك، فلقد تنوعت البيئات والتخصّصات والمصادر والمحطات، وسنحاول الاقتراب منها لمعرفة حال النقد، والشعر، باعتبارها مرحلة امتدادا لسابق، وسببا في لاحق.
الخلفاء
اهتم بعض خلفاء بني أمية وولاتهم بالشعر، والنّقد ومنحوه تقديرا كبيرا،و نبدأ بطليعتهم وهو:
معاوية بن أبي سفيان- ض -:                   
اهتم معاوية بالشعر وجعله أعلى مراتب الأدب يقول  (القيرواني، 1981م): «يجب على الرجل تأديب ولده والشعر أعلى مراتب الأدب» 
وهو هنا يتفق مع رأي عمر بن الخطاب حين قال: «تحفظوا الأشعار وطالعوا الأخبار فإنّ الشعر يدعوا إلى مكارم الأخلاق، ويعلم محاسن الأعمال، ويبعث على جميل الأفعال، ويفتق الفطنة ويشحذ القريحة ...، وينهى عن الأخلاق الدنيئة، ويجزر عن مواقعة الرّيب، ويحض على معالي الرتب». (العلوي، 1976)
ومن المواقف النقدية التي تحسب له، قوله لعبد الرحمان بن الحكم: «يا ابن أخي، إنّك شهرت بالشعر، فإياك والتشبيب بالنّساء، فإنك تفر الشريفة في قومها، والعفيفة في نفسها، والهجاء فانك لا تعدو أن تعادي كريما أو تستثير لئيما، ولكن افخر بمآثر قومك، وقل من الأمثال ما توقّر به نفسك وتؤدب به غيرك» (ربه، 1965)
كما نجده يحدد موقفه من المدح فيقول: «وإياك والمدح، فهو كسب الأنذال ...، وإذا لم تجد وإن لم تجد عن المدح بدًا، فكن كالملك المرادي، حدث مدح فجمع في المدح بين نفسه وبين الممدوح فقال:  (الأصفهاني، د س)
أَحْلَلْتُ رَحْلِي فِي بَنِي ثُعَلْ   
     إِنَّ الكَرِيمَ للكَرِيمِ مُحِل
 (الشافي، د س)                                                                    
إذا نجد الخليفة هنا يبدى صورة الناقد الحصيف، العارف بأغراض الشعر وصدى الأبيات في نفوس الشعراء القائلين بها والمتلقين لها، فهو محلل خبير، حطّ من الأغراض الهدامة للأخلاق، والمحاسر ورفع من التي تبعث على النبل، وتحفظ الكرامة.
-عبد الملك بن مروان: أمّا عبد الملك بن مروان، فيقول:  «ما النّاس إلى شيء من الأدب أحوج منهم إلى إقامة ألسنتهم التي بها يتعاودون الكلام، ويتعاطون البيان، ويتهادون الحكمة ويستخرجون غوامض العلم من مخابئها ويجمعون ما تفرق منها. فإن الكلام قاضي يحكم بين الخصوم وضياء يجلو الظلم، وحاجة الناس إلى مواده، حاجتهم إلى مواد الأغذية».
نراه هنا يؤكد على استقامة اللسان، أو ما يعرف بالفصاحة أو البيان، ودوره في الحياة، فهو ضروري كضرورة الغذاء، وللوصول إلى هذه المرتبة هنالك عقبات لابد من المرور بها، وعلوم لابد من التمرن عليها كالنحو والبلاغة والنقد، هو المراقب الوحيد الذي يقول لهذا أحسنت، وللآخر أسأت فأصلح، ويقف في مفترق الطريق للإرشاد والتوجيه والغربلة، والإنتقاء، إذا لقد تفطن هذا الخليفة مبكرا لأهمية استقامة اللسان، وخطر العجمة، والإبهام .
لقد فاضل أبو الوليد بين أغراض الشِّعر، وأقام وزنا كبيرا للشعر الداعي إلى مكارم الأخلاق من حلم وشجاعة وعفاف، فلقد روى صاحب العقد الفريد، أنّ عبد الملك ابن مروان قال يوما، وعنده أهل بيته وولده: «ليقل كل واحد منكم أحسن شعر سمع به، فذكروا لامرئ القيس، والأعشى، وطرفة فأكثروا حتى أتوا على محاسن ما قالوا، فقال عبد الملك: أشعرهم، والله  الذي يقول: (ربه، 1965)
وَ ذِي َرحِمٍ قَلَّمْت أَظَافِر ضِغْنِه       
   بِحِلْمِي عَنْـــــــــــه وَهُو لَيْسَ لَهُ حِلْم
إِذَا سُمْتُه وَصْل القَرَابَة سَامَنِي     
    قَطِيعَتَهَا، تِلْكَ السَـفَاهَةُ وَ الظُلْمُ
فقالوا:  «ومن قائلها يا أمير المؤمنين ؟»، قال: «معن بن أوس القرني». (بابتي، 1995)
كما نجد له ملاحظات، تتصل بموسيقى الشعر وفنياته، فهذا ابن قيس الرقيات ينشده قائلا: (قتيبة، 1977)
إنَّ الحَوَادثَ بالمدِينَة قَــــــــــد    
     أَوْجَعْنَنِي وَقَرَعْن مَرْوَتِـــــــــــيَهْ
وَ جَبَبْنَنِي جَبَّ السَّنَامِ ولَم    
       يَتْرُكْن رِيشًـــــا فيِ مَنَاكِبَيَهْ
 فقال له مروان: «أحسنت، لولا أنّك خنثت في قوافيه»، فقال:  «ما عدوت كتاب الله: «ما أغنى عنّى ماليه هلك عنّى سلطانيه». (سورة الحاقة،الآية :27،عدوت :تجاوزت.)
وكخلاصة نجد هذا الخليفة الأموي، ابن بيئته وفطرته، فهو ناقد موسوعي تهمه الفصاحة والتصدير والمعاني، وخاصة التي تبنى لا تهدم، تتفق وتتماشى مع دين الله ولا تخالفه، مألوفة، نابعة من إحساس صادق  وكذلك اهتم بالشكل كما رأينا، لأن اللفظ خادم للمعنى، وهي أهم ركائز النقد والبلاغة .
كما روى أنّه كان يفضل البيت الذي يتم فيه المعنى، ويقلل من قيمة ما يعرف حاليا بالتنظيم،فقد روى أنـــّــه  (العاكوب، 2012): «أذن للناس إذنا عاما، فقال: أنشدوني ثلاثة أبيات لرجل من العرب، كل بيت قائم بمعناه، فسكتوا  ثم طلع عبد الله بن الزبير، فقال هذا مقوال العرب وعلاّمتها، أبو خبيب، قال: مهيم ؟ (مهيم: لفظ استفهام معناه ما خطبك؟، ما أمرك ؟، ) قال: أنشدني ثلاثة أبيات لرجل من العرب، كل بيت قائم بمعناه قال: «بثلاث مائة ألف، قال: وتساوي ؟ قال: أنت بالخيار وأنت واف، كاف، قال هات، فأنشده للأفوه الأودي قال: (التونجي، 1998)
بَلَوْت النَـــــــــــــاسَ قَرْنًا بعْد قَرنِ   
     فَلَم أرَى غَيْـــر خَتَّال وقالِ
 قال: « صدق»، هيه، قال :
و َلَمْ أَرَى فِي الخُطُوب أَشَدَّ وَقْعا  
   وَ أصْعَب مِن مُعَاداةِ  الرِّجالِ
قال: «صدق»،هيه، قال :
وَذُقْــــــــــــــــتُ مَرَارَة الأَشْيَاء جَمْعًا   
     فَمــــــَا طَعْم أَمَرُّ مِنَ السُّؤَال
قال: «صدق»، ثم أمر له بثلاث مائة ألف. (السيوطي، 2003)
 الولاّة
سنقف عند أشدهم شكيمة وفراسة في تذوق النص الأدبي، وخاصة الشعر، وأكثرهم مراسا للخطب والي العراق لعبد الملك بن مروان، فتى ثقيف، الحجاج بن يوسف الثقفي، الذي سجل له التاريخ بعض الملاحظات النقدية فقد ذكرت الروايات مايلي: «قال الحجاج للفرزدق وجرير، وبين يديه جارية، أيكما مدحني ببيت فضل فيه  فهذه الجارية له، فقال الفرزدق: (المرزباني، د س)
فَمَن يَأْمَن الحَجَّاج والطَّيْر تَتَّقى   
   عُقُوبَتَه إلاَّ ضَعِيفَ العَزَائِم
وقال جرير: 
فَمَن يَأْمَن الحَجَّاج أمّا عِقَـــــابُه   
   فَـــــمُّرّ، وأمَّا عـهْدُه فَوَثِيق
 (ديوان جرير،1986)
فقال الحجاج: «والطير تتقى عقوبته كلام لا خير فيه، لأنّ الطير تتقى كلّ شيء الثوب، والصبي وغير ذلك، خذها يا جرير»، وعليه نلاحظ هنا تركيزه على المعنى الصحيح الواقعي، رغم إتفاق الشاعران في المبنى الخارجي وهذا يدل على نظرة ناقد، عالم بمواطن الإجادة، والإساءة في المعاني، كما لا ننسى أن الحجاج من مشاهير الخطباء العرب بخطبه المشهورة، التي تعكس بلاغته، ومعرفته بالقول الرائع المؤثر يقول عنه مالك بن دينار(2): «ما رأيت أحدا أبين من الحجاج بأنه كان ليرقى المنبر، فيذكر إحسانه إلى أهل العراق، وصفحه عنهم، وإساءتهم إليه، حتى أقول في نفسي، إني لأحسبه صادقا، وإني لأظنهم له ظالمين» (الجاحظ، 1980م)
فهذه شهادة على قوة حجته، وفصاحة بيانه وتأثيره في الغير، بالاقتناع والامتناع، أفلا يكون هذا النوع من الخطباء، نقّادا بالبديهة، والتجربة معا.
 كما يروى أنّ ليلة الأخيلية قدمت عليه، فأنشدته ( 3): (المبرد، د س)
إذَا وَرَد الحَجَّاج أرضًا مريضــَـــــة ً    
    تتَبَّع أقصَى دائِها فشَفَاها
شَفَاها من الدّاءِ العقَام ِالذِي بهَا    
      غُلامٌ إذا هَزّ القَنَاة ثَنَـاها
 فقال لها: «لا تقول (غلام)، بل قولي (همام )» . (الصمد، دس)
وليلى الأخيلية  شاعرة من شاعرات العرب، ولها قصة مشهورة مع معاوية بن أبي سفيان (يموت، 1934)، فهذه واحدة من ملاحظاته الدقيقة، لدور المعنى في البيتين من خلال مفردة واحدة فقط .
 نقدالنّـساء 
لقد كانت المرأة العربية الشّريك الثاني للرجل،في ميادين عديدة كالحرب والسلم، وقول الشعر والخطب ورواية الأحاديث، وتفسير كلام الله، والتاريخ روى لنا أخبار النساء، والفنون التي اشتهرن بها، ومن هذه الفنون فن النقد، الذي نجد في طليعته النسويّة، في عصر بني أميّة،امرأتان كانتا قد اشتهرتا بالنقد، وتمييز الجيّد من الرّديء، الأولى من آل البيت وهي السيدة: سكينة بنت الحسين-ض-، والثّانية هي عقيلة بنت عقيل بن أبي طالب -رضي الله عنهما-، وسنبدأ بالسيدة :
سكينة بنت الحسين – ض- 
دار معظم نقدها حول سيكولوجية المرأة، وهذا من خلال ملاحظتها في غرض الغزل، فقد روى المرزباني من أحدهم قوله (المرزباني، 1995): «مررت بالمدينة فعجت إلى سكينة بنت الحسين، لأسلم عليها فألفيت على بابها الفرزدق وجرير وكثير عزّة، وجميل بن معمر، والناس مجتمعون عليهم، فخرجت جارية لها بيضاء فقالت: «يا أبى الزناد، شغلك شعرائنا عن البعثة إلينا بالسلام، قال: قلت أجل، وما أقبلت إلا للسلام عليكم.» فدخلت ثم خرجت، فقالت: «أين الفرزدق؟ - تقول مولاتي لك: أأنت القائل؟: 
هما دلتاني من ثمانين قامة **** وذكرت الأبيات ...
قال نعم، قالت: «سوءة لك، أما استحييت من الفحش تظهره في شعرك، ألا سترت عليك؟ أفسدت شعرك، ثم دخلت وخرجت فقالت: أيكم جرير؟، أأنت القائل؟: (ديوان جرير، 1986)
سَرَت الهُمُوم فَبِتْن غَيْر نِيَـــــــــــــــــام       
      وَ أخُوا الهُمُوم يَرُوم كُلَّ مرَامِ
طَرَقَتكَ صائِدَة القُلُوب وَ ليْسَ ذَا       
      وَقْتَ الزّيَارة فارْجـــــــــــــعِ بِسَلام
قال: نعم، قالت: «كيف جعلتها صائدة لقلبك، حتى إذا أناخت ببابك، جعلت دونها سترك ...». (المرزباني، 1995)
إذا ما يستفاد هنا، أنّ السيدة سكينة تمثل الحَكم والناقد المتمرس، تماما مثلما كان النابغة يصنع وهذا أمر يعكس خبرتها الفنية وتجربتها مع الشعر خاصة، ولقد قال عنها صاحب الأغاني: «أنها  كانت برزة -أي جميلة- تجالس الآجلة من قريش، ويجتمع إليها الشعراء وكانت ظريفة مازحة» (سلام، د س)، وقيل أنّها كانت زوجة مصعب بن الزبير ولها شعر ترثيه فيه. (يموت، 1934) 
أمّا المرأة الثانية التي سنلتقي بها في هذا العصر، والتي ستمثل لنا الحكم الثاني، والنّاقدة الثّانية ليست ببعيدة النسب عن الأولى، فهما من بيئة واحدة، وفرع واحد هو الفرع الهاشمي.
عقيلة بنت عقيل بن أبى طالب- ض-
قال عنها صاحب الموشح   (العاكوب، 2012): «كانت عقيلة بنت عقيل بن أبى طالب  تجلـــس للناس، فبينما هي جالسة، إذ قيل لها العذرى بالباب، فقالت: «ائذنوا له بالدخول»، فدخل فقالت له: «أ أنت القائل ؟»:
فَلَو تَركْت عَقْلي مَعِى مَا بكيتُها    
    وَلَكِن طِلابيهَا مَا فَاتَ مِن عَقْلي
 
إنّما تطلبها عند ذهاب عقلك، لولا أبيات بلغتني عنك،ما أذنت لك، وهي: (نفس المرجع)
عَلقْتُ الهَوَى فِيها وَلِيدا فَلَم يَزَل      
      إِلى اليَوْم يُنمِى حُبّها وَ يَزِيد
فَلا أَنا مُجْرم بِمَا جِئْت طَــــاِلب           
و لاَ حبّــــــــــُهَا فيما يَبِيد يَبِيد               
           يَمُوت الهَوَى مِنِّي إِذَا مَا لَقِيتُها          
       ويَحْي إذَا مَا فَارقْتهَا فَيَعُود
 ثم قيل هذا كُثير عزّة والأحوص بالباب، فقالت: ائذنوا  لهما، ثم أقبلت على كثير فقالت: أمّا أنت يا كثير فألأم العرب عهدا في قولك: (عباس، 1971م)
أريدُ لأنسَى ذكْرَها فكَأنَّما     
      تَمَثّل لِي ليلَى فِي كلِّ سَبِيلِ
ولم ترد أن تنسى ذكرها ؟ أما تطلبها إلا إذا مثلت لك؟،أما، والله لولا بيتان قلتهما ما التفت إليك، وهما قولك :
فَيَا حُبّها زِدْنِي هوى كُـــــــــلّ لَيْلَة         
    ويَا سَلْوَة الأَيَّامِ مَوْعِدُك الحَـــشْرُ
عَجِبْت لِسَعي الدَّهْر بَيْني وَ بَيْنها   
   فلَمَّا انْقَضَ مَا بيننا سَكَنَ الدَهْر
كما قيل أنّها كانت تقول الشّعر، ولها في وقعة كربلاء، بعد مقتل الحسين-ض- أبياتا (العاكوب مرجع سبق ذكره) 
إذا ومن خلال الناقدتين، يتجلى لنا أن حكمهما النقدي، دار حول فن الغزل، الذي يصور لك العاشق وشدة صبابته، وموقع آلامه، أمّا النسيب الذي في هذه المعاني فلا قيمة له عندهما، فهما قد وقفتا على المعاني أكثر في المباني، ومالتا إلى تصوير الأحاسيس، بصدق عقلي ثم عاطفي، يتماشى ونظرة المجتمع، وأحكام العرف والبيئة، ولا يخلو من الجدة، وأغلبه يهتم بالمعاني، والتّصوير البياني، والصدق ورسم الحقيقة،كما أنّ أغلب النقاد هم شعراء، قبل أن يرسلوا أحكامهم النقدية التي، تمتاز في عمومها بميزة الغنائـــــــــيّة.
النقد في العصر العباسي
لقد رفدت ثقافتا اليونان والفرس، الأدب العربي في العصر العباسي، فانتعش ولمع وتطور وبرز فيه خيرة أعلامنا كالجاحظ، وابن المقفع، وقدامة، والمتنبي والمعري ...    
وسبب ألمعيتهم هو إحساسهم، بوجود روح في آداب غيرهم،عكفوا على جلبها، لتغذية أدبهم العربي الذي كان قبلهم عربيا صرفا، وخاصة مع الأمويين.
ولا يظنن المرء أنّ امتصاص النحلة، لرحيق الزّهرة يذبلها، أو يحوّر النحلة شيئا آخر، فالأدب الذي لا يطعّم وليس لديه قابلية للتمازج سيجمد، ويموت، يقول غوتيه الألمان: «ينتهي كل أدب إلى الضيق بذات نفسه، إذا لم تأت إليه نفائس الآداب الأخرى، لتجدّد الخلق في ديباجته» (التونجي، 1995)، هذا ما حدث لأدبنا العربي فيما بعد العصر العباسي، عصر الازدهار.
لا جرم أن العرب قد مستها نفحة التقدم، والرقي، في عصر بني العباس  الذي اتسعت فيه الأمصار واختلطت فيه الأجناس، وتنوعت فيه  اللهجات، والثقافات والأفكار، وبرز مالم يبرز عند الأمويين، ومن المؤكد أن تلك النفحة قد داعبت ناصية الأدب، وسرت في عروق النقد، والسؤال الذي يطرح هنا، هو كيف هي حال النقد آنذاك؟ وهل تحوَّر أم بقي على ما كان عليه؟ 
أي في صورته الأولى، المعتمدة على الغنائية، والذوق والسليقة، والمتجلية في صورة ملاحظات عابرة، تفتقر لمعايير وقوانين مضبوطة، فردية، أم تغيّر؟ .
وعليه سنحاول في هذه السطور، أن نقف على حالة النقد وحقيقته، محاولين تعليل كل نمط جديد مبرزين ذلك بلمحة تاريخية، وشواهد أدبية، تمّس جوهر وحقيقة النّــــــــــــقد الأدبي، في هذا العصر.
لقد كان النقد العباسي يعتني كذلك باللغة، في أحكامه الذوقية، فهذا المبرد يرى أنّ أبا العتاهية، كان كثير السقط واللّحن، ومما أخطأ فيه قوله :
ولَربَّما سَئَل البَخِيـــــل الشَّيءَ لاَ يسوَى فَتِيلا   
فالخطأ في قوله: «لا يسوى» والصحيح هو: «لا يساوي» لأنه من ساواه يساويه، وكذلك عرف اللحن عند أبو نواس، وكذلك الإفراط، فهذا «محمد بن يزيد» يقول عنه: «وليس عندي بالمحمود، لما فيه من الإفراط» في قول أبي نواس عن الخمر (العتاهية، 1986)
عتَقت حتَّى لَو اتَّصَلت      
      بلِسَـــــــــــــــــــان ناطِـــق وَفَم
ومن الفكر النقدية التي تبلورت في هذا العصر، نذكر ظاهرة الموازنة بين الشعراء، والتي يرافقها شيء من التعليل والتوضيح والشرح، فقد سأل أبو حاتم السجستاني الأصمعي، قائلا(3):   «أبشار أشعر أم مروان»؟ قال بشار أشعرهما، قلت وكيف ذلك؟ قال: لأن مروان سلك طريقا كثر سلاكه فلم يلحق بمن تقدمه وأنّ بشار سلك طريقا لم يسلكه أحد، فانفرد به وأحسن فيه، وهو أكثر فنون الشعر ...» (قصبجي، 1996)
ومن الفكر كذلك نفورهم من عيب تنافر الحروف، وكثرتها في بيت واحد، فقد ذكر أبوبـــــــــــــــــــــــكر الجرجاني قال: حدثنا أبو العيناء قال: أنشد إسحاق الموصلي الأصمعي، قوله في غضب المأمون عليه: (المرزبانى مرجع سبق ذكره)
يَا سَرْحَة المَاء قَد سُدَّت مواَرِدُه    
    أَمَا إِلَيْك طَرِيق غَيْر مَسْدُود
لِحَائِمٍ حَامَ حَتَى لاَ حيَـامَ بِـــهِ     
   مُحَلإ عَـــن طَرِيقِ المَاء مَطْرُود
فقال له الأصمعي: «أحسنت في الشعر، غير أنّ هذه  الحاءات لو اجتمعت في آية الكرسي لعابتها». فنقد الأصمعي هنا إيقاعي، ميــــــــــــّــز فيه بين التناغم وانسجام الحروف، وأثرها على السمع ... 
كما خطى النقد خطوات جبّارة في عصر العباسيين، وابتعد عن العواطف والعصبيات، وانقسم اتجاهات وشعب غير أنه لم ينسى روحه القديمة، وانبثق في أربع ذهنيات هي:
-ذهنية اللّغويين: كانوا مبثوثين في البصرة، والكوفة وبغداد، والري، يؤدّبون أبناء الخلفاء، ويؤلفون الكتب، منهم أبو سعيد السكري وأبو العباس ثعلب والمبرد.
-ذهنية الأدباء: هم الشعراء والأدباء وعلماء الأدب، الذين اهتموا بالحديث واحتفوا به وحللوا عناصره، ومنهم عبدالله بن المعتز صاحب كتاب (البديع) الذي اهتم بنقد المحدثين، وصاحب رسالة في محاسن شعر أبي تمام ومساويه، وهذه الطائفة توازن بين الشعر الحديث آنذاك والقديم.
-ذهنية العلماء: وهم الذين أخذوا قسطا قليلا من المعارف الأجنبية، يعتمدون على القديم في الروح والشواهد، ويتأثرون بالمعارف المنقولة ومنهم ابن قتيبة.
-ذهنية العلماء الذين تأثروا بالثّقافة اليونانية: وفيه من يسميهم بأصحاب الاتجاه الفلسفي المنطقي، وخير من يمثلهم قدامة بن جعفر صاحب كتاب» نقد الشعر»   
كانت هذه هي أهم المحطات التي ستدور في رحابها معارك النّقد الأدبي العربي، ولكلّ ذهنية سندات ودعائم وشروحات وشواهد، وقبل أن نأخذ كرونولوجيا لأهم المؤلفات النقدية، سنورد بعض الشواهد النقدية والملاحظات الجوهرية بالرغم من كثرتها واختلافها، وتنوعها،ولقد عالج النقد عدة حقول منها، البناء اللغوي والسرقات الأدبية والجودة والرداءة والنظم والوزن والفن والأخلاق، والدين وكذلك الذاتية والموضوعية  في الإدراك الجمالي للأدب وتنقيح الشعر وانتحاله وضياع قدر كبير منه، ومرجعية الحكم النقدي، ومشكلة اللفظ والمعنى.
لقد ظهرت في الأدب العربي إبان عصر العباسيين نزعتان، إحداهما تميل إلى تمجيد الماضي، وتحاول الحفاظ عليه وتخشى الانفتاح، فهي تعدّ امتداد للعهد الجاهلي والأموي، وعلماء هذه المدرسة عكفوا على دراسة أدب القدامى ومنهم الخليل،والكسائي، والأصمعي ...، حتى في نقدهم كانوا يسيرون على خطى القدامى، أما الاتجاه الثاني فهو النمط العلمي في الأدب، والنقد، قام بوضع المؤلفات واستنباط القواعد والأحكام ولعل صاحب «طبقات فحول الشعراء»   من أوّلهم، فلقد تناول عدة أفكار نقدية، جوهرية جديدة منها:
-ثقافة الناقد وطبيعتها.
-مرجعية الحكم النقدي.
-أولية الشعر وتنقله وانتحاله وضياع قدر كبير منه.
ثم تبعه فيما بعد ابن قتيبة،ومن أفكاره النقدية في مؤلفه ما يلي:
-الموضوعية في النقد والأحكام النقدية.
-اختلاف شعر الشاعر.
-التكلــــّـــــــــف والطبع.
كما دعى  إلى عدم التفريق في الوزن بين القديم والحديث، فصفة الجودة والرداءة موجودة في كليهما، بعده سطع نجم صاحب كتاب «البديع»   لابن المعتز، مشيرا إلى وجود البديع في أدب الجاهلية، والإسلام وكان مما أحدثه هو استخدامه لمصطلحات تخص أنواع البديع ...
كما لا يفوتنا نجم قدامة بن جعفر، وكتابه الثمين «نقد الشعر»، الذي قسمه إلى قسمين نظري، وآخر تطبيقي تطرق في النظري إلى ما يلي:
-تعريف الشعر  وأوصافه،و أسبابه، ومكوناته .
-الجودة والرداءة، في الأسباب الأربعة المكونة للشعر .
-طبيعة الشعر، الغلو والمبالغة في المعاني.
ثم ظهرت مدرستان ذواتا شأن كبير، إحداهما تفضّل الحرية، والأخرى محافظة تسير على منوال القدامى وتجلىّ أول صراع بينهما حول الشّاعرين، البحتري، وأبو تمام، فجاء على هذا مؤلفان هما: الصولي، والآمدى وكلاهما سار سيرة نقدية في عملهما، وخطا بالنّـــــــــــــــــــــــقد خطوات محسوبة ... 
ثم ظهر صاحب «الوساطة بين المتنبي وخصومه»، ورأى أنّ المعاني مطروحة أمام الشعراء، لا عيب على الشاعر إن أخذها،واستعملها،وألبسها لفظا جديدا ...،كما تطرق لبعض القضايا النقدية، مثل: السرقات الشعرية وعمود الشعر، والتعقيد والغموض. (أمين، دس)
ثم جاء صاحـــــــــب اليتيمة، الذي لا يخلو كتابه من نظرات نقدية، لطيفة، تجلّت في ذكر محاسن ومساوئ شعر المتنبي   (المرجع السابق)، بعدها يطل صاحب الصناعتين، الذي رأى فيه أحمد أمين، أنّه حول النّقد إلى بلاغة وتبعه الناس فيما بعد مثل عبد القاهر الجرجاني الذي ألّف الأسرار والدلائل، وكان من أنصار المعاني وأدرك أن بعض الألفاظ، تحسن في النثر وتحسن في الشعر، كما ربط النحو بالمعاني، وعنده للأسلوب شأن عظيم، في تقريب المعنى أو إبعاده ... (المرجع السابق)
كما ينبغي الإشارة  إلى صاحب رسالة الغفران، أبو العلاء المعري، وإن كان هنا نقده خياليا، فقد وجدنا عنده رسائل نقدية كرسالة نقد إمرؤ القيس، ونقد لأبي تمام، في رسالته «ذكرى حبيب» والبحتري في رسالته «عبث الوليد» ...  فهو فيهم كلهم ناقد، فلسفي، ديني، أدبي ... 
ثم جاء صاحب العمدة «في صناعة الشعر ونقده»، وتعرّض لمحاور نقدية مثل: عناصر الشعر وفضله وبواعثه، وأشار إلى طبقات الشعراء، وإلى القوافي والأوزان، والأغراض.
ثم بعده ظهر ابن سنان الخفاجي، بكتابه «سر الفصاحة»، الذي تكلم فيه عن السجع، وذكر نماذج عنه وبعده أطل صاحب المثل السائر، الذي أبدى التفاتات أدبية رائعة ... (المرجع السابق 392) 
إنّ ما يمكن تأكيده، أنّ النقد في العصر العباسي، ليس هو النقد كما عهدناه، من قبل، فلقد صار متشعّب النواحي دقيق، قائم على البلاغة والفلسفة والمنطق، وكل المعارف التي دخلت عالم المثقف العربي إثر حركة التّأثير والتأثّر.
خاتمة
لقد توصلنا  من خلالها عملنا المتواضع هذا الى كون  النقد في الادب  العربي القديم  بشقيه المنظوم والمنثور متجذر ومتأصل ولا يمكن فصله عن الابداع الادبي،  فهو من يغربل عناصر الابداع  ويشرح أسباب جماله وقوته أو رداءته وضعفه، وهو أمر فطري في الإنسان، ولم يظهر هكذا ناضجا مكتملا من البداية  بل مر بضروب ومراحل طويلة بدءا بالجاهلي، ولقد ساهمت في  نضجه وبلورت صورته عدة اطراف متباينة العقائد والتوجهات وحتى السياقات والمقامات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية ... 
ونحن هنا لا ندعي تحصيل الوافر والالمام بجميع الجوانب، فمثلنا مثل  الغواص الذي كلما غاص من اجل جوهرة اعجب بغيرها ولم يقنع الا بالعديد منها، فجوانب التنقيب والبحث في هذا الموضوع بحاجة الى مزيد من الجهد والاكتشاف واماطة اللثام ومازالت عدة  نقاط بحاجة الى البحث والتوضيح، فالمجال واسع، والمادة الخام غزيرة ولا ندعي الكمال فعملنا نسبي ويعد قطرة من بحر قابل للزيادة والنقصان والتمحيص ... 
ابن رشيق، القيرواني. (1981م.). العمدة في محاسن الشعر وآدابه ونقده (الإصدار ج1، المجلد 5). دار الجيل.
ابن سلام الجمحي. (1974). طبقات الشّــــــــــــــــــــعراء (المجلد 1). القاهرة، مصر: مطبعة المدني.
ابن عبد ربه. (1965). العقد الفريد (المجلد 1). القاهرة، مصر: مطبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر .
ابن قتيبة. (1977). الشعر والشعراء (المجلد 3). القاهرة.
أبو العباس،محمد بن يزيد المبرد. (د س). الكامل (المجلد 2). د م، مصر: دار نهضة مصر للطبع والنشر .
أبو الفرج،الأصفهاني. الأغاني 1 (الإصدار 1، المجلد 1). بيروت، لبنان: دار صادر .
أبو زيد نواري سعودي. (2012). ممارسات في النقد اللسانيات. سطيف، الجزائر: بيت الحكمة للنشر والتوزيع.
ابو عثمان عمر بن بحر الجاحظ. (1980م). البيان والتبيــــــــين (المجلد 1). القاهرة، مصر: مطبعة لجنة التأليف والترجـــــــــمة.
أحمد أمين. (دس). النقد الأدبي (المجلد 1). القاهرة، مصر: شركة عربية للترجمة والنشر.
الراغب الأصفهاني. (د س).،محاضرات الأدباء ومحاورات الشعراء والبلغاء. بيروت: بيروت.
السّبكي. (1964). طبقات الشافعية الكبرى (المجلد 1). القاهرة، د ب: مطبعة عيسى البابي الحلبي.
السيوطي. (2003). تاريخ الخلفاء (المجلد 1). بيروت: دار ابن حزم.
المرزباني. (1995). الموشح في مآخذ العلم على الشعراء (المجلد 1). بيروت، لبنان: دار الكتب العلمية .
المرزباني. (1995). الموشح في مآخذ العلم على الشعراء (المجلد 1). بيروت، لبنان: دار الكتب العلمية.
المرزباني. (د س). الموشح في مآخذ العلماء على الشعراء. القاهرة: دار الفكر العربي.
المظفر بن الفضل العلوي. (1976). نضرة الإغريض في نصرة القريض (المجلد د ط). دمشق، سوريا: مطبعة طربين.
تح: د. واضح الصمد. (دش, دس). ديوان ليلة الاخيلية . بيروت، لبنان: دار صادر.
تح :عبد الرحمان محمد الوصيفي. (د ش, 2003). ديوان المسيّب بن علس. 1 . د م، د ب: مكتبة الآداب.
تح :محمد التونجي. (1998). ديوان الافوه الاودي. 1 . بيروت، بينان:،دار صادر.
تح: عزيزة فوّال بابتي. (1995). ديوان عبيد اله بن قيس الرقيات. 1 . بيروت، لبنان: دار الجيل.
تصحيح، مصطفى عبد الشافي. (دش, د س). ديوان امرؤ القيس. دم: دار الكتب العلمي.
جمع وتحقيق :بشير يموت. (1934). شاعرات العرب في الجاهلية والإسلام. 1 . المكتبة الأهلية.
د.غازي طليمات وأ.عرفان الأشقر. (2008). الشعر في العصر الأموي (المجلد 1). (عرفان غازي طليمات الأشقر، المحرر) دمشق، سوريا: دار الفكر.
د: يحي الجبوري. (د ي د ش, 1971). شعر عبدة بن الطبيب . د م، د ب: دار التربية للطباعة والنشر .
د:إحسان عباس. (،1971م). ديوان كثير. دار الثقافة . بيروت، لبنان.
ديوان أبي العتاهية. (دي دش, 1986). ديوان أبي العتاهية. 1 . بيروت، لبنان.
ديوان جرير . (1986). دار بيروت للطباعة والنشر .
ديوان جرير . (دي د ش, 1986). د م: دار بيروت للطباعة والنشر .
ديوان جرير، دار بيروت للطباعة والنشر، 1986 م، (بلا تاريخ).
ديوان سويد اليشكري. (د ش, 1972). ديوان سويد اليشكري. 1، 23. د م، د ب.
سورة الحاقة،الآية :27،عدوت :تجاوزت. (بلا تاريخ).
شرح الأعلم الشنتمري (المحرر). (د ي د ش , 1969). ديوان علقمة الفحل . 1 . حلب، سوريا: دار الكتاب العربي.
طه احمد إبراهيم. (2004). تاريخ النقد الأدبي عند العرب من العصر الجاهلي إلى القرن الرابع هجري. مكة المكرمة،: مكتبة الفيصلية .
طه احمد إبراهيم. (2004). تاريخ النقد الأدبي عند العرب من العصر الجاهلي إلى القرن الرابع هجري (المجلد د ط). مكة المكرمة: مكتبة الفيصلية.
عبد أ مهنا. (1994). ديوان حسان (المجلد 2). بيروت، لبنان: دار الكتب العلمية.
عصام قصبجي. ( 1996). أصول النقد العربي القديم . حلب: منشورات جامعة حلب،كلية الآداب والعلوم الإنسانية .
عيسى علي العاكوب. (2012). التفكير النقدي عند العرب (المجلد 9). رويبة، الجزائر، الجزائر: دار الوعي للنشر والتوزيع.
محمد التونجي. (1995). الآداب المقارنة (المجلد 1). بيروت، لبنان: دار الجيل بيروت.
محمد العمري. (2010). البلاغة العربية أصولها وامتداداتها (المجلد 2). د م: افريقيا الشرق.
محمد زغلول سلام. (د س).، تاريخ النقد الأدبي والبلاغة حتى القرن الرابع هجري (الإصدار مطبعة الأطلس، المجلد 1). الاسكندرية: منشأة المعارف الإسكندرية.
مصطفى عبد الرحمان إبراهيم. ( دش, 1997). في النقد الأدبي القديم عند العرب. مكة، السعودية: مكة للطباعة.

@pour_citer_ce_document

حسين الاكحل, «النقد العربي القديم من العصر الجاهلي حتى العباسي»

[En ligne] ,[#G_TITLE:#langue] ,[#G_TITLE:#langue]
Papier : 58-70,
Date Publication Sur Papier : 2024-12-23,
Date Pulication Electronique : 2024-12-23,
mis a jour le : 23/12/2024,
URL : https://revues.univ-setif2.dz:443/revue/index.php?id=10170.