قناع التاريخ في الرواية الجزائرية المعاصرة التمثلات والأسئلة ‹الرايس› لهاجر قويدري أنموذجاThe mask of history in Algerian contemporary novel representations and questions ’’ Erayes’’ by Hager Kouedri as a modelLe masque de l’histoire dans le roman Algérien contemporain les représentations et les questions ‘’Erayes’’ PAR Hager Kouidri comme modèle
Plan du site au format XML


Archive: revues des lettres et sciences sociales


N°01 Avril 2004


N°02 Mai 2005


N°03 Novembre 2005


N°04 Juin 2006


N°05 Juin 2007


N°06 Janvier 2008


N°07 Juin 2008


N°08 Mai 2009


N°09 Octobre 2009


N°10 Décembre 2009


N°11 Juin 2010


N°12 Juillet 2010


N°13 Janvier 2011


N°14 Juin 2011


N°15 Juillet 2012


N°16 Décembre 2012


N°17 Septembre 2013


Revue des Lettres et Sciences Sociales


N°18 Juin 2014


N°19 Décembre 2014


N°20 Juin 2015


N°21 Décembre 2015


N°22 Juin 2016


N° 23 Décembre 2016


N° 24 Juin 2017


N° 25 Décembre 2017


N°26 Vol 15- 2018


N°27 Vol 15- 2018


N°28 Vol 15- 2018


N°01 Vol 16- 2019


N°02 Vol 16- 2019


N°03 Vol 16- 2019


N°04 Vol 16- 2019


N°01 VOL 17-2020


N:02 vol 17-2020


N:03 vol 17-2020


N°01 vol 18-2021


N°02 vol 18-2021


N°01 vol 19-2022


N°02 vol 19-2022


N°01 vol 20-2023


N°02 vol 20-2023


N°01 vol 21-2024


N°02 vol 21-2024


A propos

avancée

Archive PDF

N°02 vol 21-2024

قناع التاريخ في الرواية الجزائرية المعاصرة التمثلات والأسئلة ‹الرايس› لهاجر قويدري أنموذجا
Le masque de l’histoire dans le roman Algérien contemporain les représentations et les questions ‘’Erayes’’ PAR Hager Kouidri comme modèle
The mask of history in Algerian contemporary novel representations and questions ’’ Erayes’’ by Hager Kouedri as a model
86-96
تاريخ الاستلام 2023-12-06 تاريخ القبول 21-05-2024

سعاد ترشاق
  • resume:Ar
  • resume
  • Abstract
  • Auteurs
  • TEXTE INTEGRAL
  • Bibliographie
‹الرايس› لهاجر قويدري رواية نسوية معاصرة تدخل ضمن كتابات ما بعد الأزمة، أزمة العشرية السوداء التي طبعت تاريخ الجزائر المعاصر في مرحلة من مراحله، يحركها هاجس التعبير عن الحياة الاجتماعية والسياسية عبر بوابة التاريخ، وتحديدا تاريخ الجزائر العثماني، بفصل الشخصية التاريخية (الرايس حميدو) من سياقاتها الحقيقية، وإعادة تشكيلها بواسطة تقنيات السرد، لتعكس رؤية الكاتبة للحياة وللتاريخ في حد ذاته، من خلال أسرة جزائرية، وضمن ثنائية الهدم والبناء، ما مكّنها من بناء متخيل سردي تغذى على التاريخ الممكن والمحتمل انطلاقا من الواقع فعلا، ولذلك دوره في خلق فهم جديد للتاريخ وللواقع معا، لأن تسريد التاريخ يعمّق المعرفة بالواقع ويبصّر به، من خلال قولبة المادة التاريخية وفق رؤية سردية، تطرح الصراع وتعكسه، وتبين العلاقات والمظاهر الثقافية والسوسيولوجية في حالة مقارنة بين الآني الحاضر، والماضي الغائب، وهذا ما سيبينه البحث عبر ثنائية التاريخي والتخيلي، كما جسدتها هاجر قويدري في روايتها موضوع الدراسة. معلومات حول المقال
 
الكلمات المفتاحية:,رواية نسوية,جمالي,تاريخي,ثقافي
El Rais est un roman féminin moderne qui appartient aux écrits de l’après-crise. La crise de la décennie noire qui a marqué à un moment donné l’histoire contemporaine de l’Algérie, est motivée par une obsession d’exprimer la vie socio-politique à travers la porte de l’histoire, notamment l’histoire Ottomane Algérienne. Pour y parvenir, l’écrivain sépare les personnage historique ‘’Rais Hamidou’’ à partir de ses contextes réels, le reconstruit et le façonne en utilisant des techniques de narration pour refléter également sa vision de la vie et de l’histoire. À travers une famille algérienne et dans la dichotomie de la démolition et de la construction, qui lui a permis de construire un imaginaire narratif qui s’est nourri de l’histoire possible et probable, basée sur la réalité réelle. Son rôle est donc de créer ensemble une nouvelle compréhension de l’histoire et de la réalité, car la narration de l’histoire approfondit la connaissance de la réalité et l’appréhension de celle-ci, en façonnant le matériel historique selon à une vision narrative qui présente le conflit et le reflète, et montre les relations et manifestations culturelles et sociologiques dans un état de comparaison entre le présent et le passé absent. C’est ce que montrera la recherche à travers la dualité de l’historique et de l’imaginaire, telle qu’incarnée par Hajar Kouidri dans son roman objet de l’étude.      
Mots clés:Roman féminin,esthétique,historique,culturel
El Rais is a modern feminine novel that belongs to the post-crisis writings. The crisis of the black decade that marked the contemporary history of Algeria at one stage, It is motivated by an obsession to express the socio-political life through the gate of history, pricesely the Algerain Ottoman history, To achieve this, the writer separates the historical character ‘’Rais Hamidou’’ from its real contexts, rebuilds and eshapes it using narration techniques to reflect his vision towards life and history as well Through an Algerian family, and within the dichotomy of demolition and construction, which enabled it to build a narrative imaginary that fed on the possible and probable history, based on actual reality  Therefore, its role is to create a new understanding of history and reality together, because the narration of history deepens knowledge of reality and insights into it, by molding historical material according to a narrative vision that presents the conflict and reflects it, and shows cultural and sociological relations and manifestations in a state of comparison between the now and the absent past . This is what the research will show through the duality of the historical and the imaginary,  As embodied by Hajar Kouidari in her novel the subject of the study.
Keywords:,Feminine novel,aesthetic,historical,cultural

Quelques mots à propos de :  سعاد ترشاق

Dr. Souad Terchag    جامعة محمد لمين دباغين سطيف 2، الجزائر  s.terchg@univ-setif2.dz
مقدمة
يسعى السرد الذي يتداخل بالتاريخ إلى إعادة الحياة لأحداث الماضي، وهو الحال بالنسبة لرواية الرايس لهاجر قويدري، التي اختارت التاريخ العثماني موضوعا لها، ولكن بعين جديدة من خلال شخصية حميدو وأسرته من جهة، وعلاقاته المهنية من جهة أخرى، وبين هذا وذاك عرضت لمظاهر الحياة الثقافية بأبعادها السوسيولوجية، رغم ما يثيره هذا النوع السردي من إشكالات مرتبطة بالمصطلح وبالتقنية الموظفة، وبالجنس الأدبي في حد ذاته.
لذلك سيحاول هذا البحث -انطلاقا من فرضية أن تسريد التاريخ يعمّق المعرفة بالواقع ويبصّر به، عبر قولبة المادة التاريخية وفق رؤية سردية، رغبة في تفسير مظاهره، واستشراف المستقبل – الوقوف على الغاية من تسريد التاريخ من خلال النص موضوع الاشتغال، ومدى تمكّن الروائية من ذلك، توجهه أسئلة كثيرة أهمها: من أي زاوية نظرت الرواية للأحداث وكيف تمثلتها؟ إلى أي مدى استطاع الماضي تمثيل الحاضر؟ وهل أتقن النص موضوع الدراسة ذلك؟
هذه الأسئلة وغيرها ستكون محل بحث من خلال العناصر الآتية: 
-الرواية بين الواقع والتاريخ والتخييل
-«الرايس» وقناع التاريخ
-تمثلات الصراع
-خاتمة
وذلك بالاعتماد على عدد من المصادر والمراجع ذات الصلة بالموضوع، باستخدام التحليل منهجا لكشف مكنونات النص والتعمق في أغواره، بما أنه يخاتل التاريخ الواقع فعلا عبر تحويره سردا، رغبة في الوقوف على تقنية الروائية في استحضار الغائب، وطريقتها في استلهام الحدث من السرد التاريخي، خاصة وأنها تتخذ من الفترة العثمانية منطلقا رسمت عبره حدثها السردي، لتشييد نصها، وهي بذلك تصنع التفرد كون الفترة العثمانية مفصلية بالنسبة لتاريخ الجزائر، ولا تقل أهمية -من حيث غناها وأثرها- عن الفترة الاستعمارية.
الرواية بين الواقع والتاريخ والتخييل
فن الرواية من أكثر الفنون ارتباطا بوعي الإنسان المعاصر، وأبرزها دلالة على معاناته المعقدة، وهذا ما حملها على التطور والتحول باستمرار. يقول عبد الملك مرتاض عن الطبيعة المراوغة للرواية: ‹›تتخذ الرواية لنفسها ألف وجه، وترتدي في هيئتها ألف رداء وتتشكل أمام القارئ تحت ألف شكل مما يعسر تعريفها تعريفا جامعا مانعا››، (مرتاض، 1988) وذلك بالنظر إلى مستوياتها الأسلوبية وتقنياتها التعبيرية ، وبدرجة التخييل القائمة فيها، ما حرك عجلة النقد ووجهها نحوها، فأدى لظهور دراسات نقدية متعددة موضوعها الرواية شكلا ومضمونا، يغذيها التنوع الأسلوبي والثراء الذي ظهرت به هذه الأخيرة في عصورها المتأخرة. (باختين، 1986)
وبالنسبة للتجربة الروائية الجزائرية، فإنها لم تخرج عن التوجه الإبداعي العام، من حيث تكريس السرد لمواجهة مظاهر المجتمع واختلالاته وصراعاته، والتعبير عن هواجسه وآماله وآلامه، غذاؤها الخيبة والسقوط، وانهيار السياسي والديني،  وما تبعه من انعكاسات على المنظومة الثقافية في عمومها. ويمكن الاستدلال على ذلك بنصوص روائية أبدع فيها  أمثال عز الدين جلاوجي، واسيني الأعرج، أحلام مستغانمي، محمد ساري، الطاهر وطار، بشير مفتي، وغيرهم ممن يكتبون انطلاقا من وعي وخبرة بالأدب ونظرياته، وبشعريات الخطاب، من جهة، وإحساس بتحولات المجتمع العميقة، من جهة ثانية، ولعله السبب الذي طبع كتابات هؤلاء وأمثالهم بالعمق، (عمق الرؤية) ودقة الفهم، ومكّنهم مما يسمي بالخلق الفني. فتجاربهم الإبداعية تستند على الوعي العميق بالذات الجزائرية، وما يجول بداخلها من أسئلة مريرة ومعقدة، مرتبطة بالتاريخ وبالوجود، وقائمة على التأمل في الواقعين: الأدبي والاجتماعي، إضافة إلى انفتاحهم على المنجز الروائي العربي والعالمي، ما مكنهم من تقنية التنوع الأسلوبي، ولذلك تعد الرواية الجزائرية من أكثر النماذج الأدبية التصاقا بالمجتمع وتعبيرا عنه، فقد سايرته قبل الاستقلال وبعده، وكانت ظلا عاكسا له في مرحلة الأزمة وما بعدها، إذ تمكنت من التعبير عنه وعن همومه، عبر اشتغالها على أسئلة التوتر والقلق الدائمين، والخوف والرفض، والاحتجاج والدهشة من منظور جمالي، وبهذا انفلتت من أسر القضايا القديمة، لتعانق آفاقا ومواضيع ومعاني أوسع، تغذيها شحنات متدفقة من مواضيع المجتمع المتغير والمتبدل بسرعة، ما جعلها تتلون بصيغ وأثواب إبداعية شتى، مكنتها من إحراج الممنوع والطابوهات، ووضعتها في سياقات تعبيرية وتخيلية مغايرة.
فأكثر ما تشتغل عليه الرواية الحالية هو الراهن واليومي: راهن ما بعد الفتنة أو ما بعد الأزمة والمأساة الوطنية، ما فتح أمامها منافذ جديدة للتخييل، رغبة منها في تفكيك عوالم المحظور والمحرم، بالتفتيش في المقدس والتاريخ، والعادات والتقاليد، والأفكار لطرح هموم جديدة تغذي بناء النص وتغنيه، متوسلة بالتفكيك على جميع المستويات: البناء واللغة والأحداث ونمط السرد، متجاوزة فكرة نقاء الأجناس واللغة، بتبنّي مرجعيات مختلفة فلسفية وتاريخية ودينية وسياسية، وتعمّد التشويش على المعهود، عن طريق الاشتغال على الأنساق، واختزال التاريخ والذاكرة الشعبية والإنسانية والأدبية، على جميع المستويات الداخلية والخارجية، من عناوين وأسماء شخصيات وأماكن وحوار وغيرها، مستندة -بذلك- على واحدة من أهم التقنيات الروائية المعاصرة: تقنية التعدد الصوتي التي سمحت لها بأن تدين الراهن دون أن تخفي موقف صاحبها ورؤيته، وإن لم يعلنها. يقول باختين: ‹›مؤلف الرواية المتعددة الأصوات مطالب لا أن يتنازل عن نفسه وعن وعيه وإنما أن يتوسع إلى أقصى حد أيضا في إعادة تركيب هذا الوعي››. (باختين، 1986)
وقد تجلت تلك الحوارية والتعددية في الرواية الجزائرية المعاصرة عبر صور شتى، باستحضار شخصيات تؤدي ذلك  كالمتصوفة، والدراويش، والشعراء، والفقهاء، والساسة، وغيرهم، وعيا بالامتيازات التي توفرها هذه التقنية، وانعكاسها العميق على المعنى، فالتعددية تخلق الصراع، وتولّد اختلاف وجهات النظر والمواقف والرؤى، وتعكس نمط التفكير والوعي في الرواية، وهو ما يخلق الصراع المضمر والمقصود بحياد، (باختين، 1986) (لحميداني، 1990) ويحقق ‹›البوليفونية››، وهو من من أبرز المصطلحات المنبثقة عن الدراسات السوسيونقدية، ومنه الحوارية Dialogique، تعدد الأصوات، التناص، التعدد الإيديولوجي، التعدد الأسلوبي، التعدد اللغوي، تعدد الشخصيات، الأصوات، الأسلبة Stylisation، الباروديا Parodie، التهجين Hybrition، التعدد اللغوي والأسلوبي Plurilinguisme  (تودوروف، 1986) (باختين، الخطاب الروائي، د ت).
فإذا كانت رواية الأزمة في أغلبها هي رواية مثقف وقع ضحية تجاذبات وصراعات أفقدته الاستقرار، فإن رواية ما بعد الأزمة انغمست في هموم البسيط واليومي والمعاش لطبقات المجتمع، استجابة للواقع في سياق معين، ما سمح لها بالانفتاح  على  ما هو إنساني مشترك، مستغلة تقنياتها وأدواتها لمواجهة قضايا الإنسان عموما.  (برادة، 2008)
ولعل من أبرز علامات التفرد في الرواية الجزائرية المعاصرة هو اهتمامها الملحوظ بالتاريخ وتعالقها معه، باحثة داخله عن ‹›العبر المتناظرة بين الماضي والحاضر، وعن التمثلات الرمزية فيما بينها، فضلا عن استيحاء التأملات والمصائر والتوترات والانهيارات القيمية والتطلعات الكبرى، فتجعل منها أطرا ناظمة لأحداثها ودلالاتها، فكل تلك المسارات الكبرى التي يقترحها ((التخيل التاريخي)) ، تنقل الكتابة السردية من موقع جرى تقييد حدوده النوعية، إلى تخوم رحبة للكتابة المفتوحة على الماضي والحاضر››. (إبراهيم، 2011)
وهذا ما شجّع الروائيين على الانغماس داخل التاريخي، لاستلهام الحدث صناعة للحبكة، كونه المتنفس والمحرّر من قيود الراهن. فالرواية المشتغلة على التاريخ تحاول إضفاء مسحة من الشعرية على المتحقق منه، وبذلك فهي تطرح عددا من الإشكالات، ويأتي في مقدمتها إشكالية المصطلح: الرواية التاريخية ، السرد التاريخي، سرد التاريخ، التخيل السردي، وإشكالية التوظيف وأبعاده. (هناوي، 2020) (محمد، 2022) وغيرها مما يعدّ غاية للدراسات النقدية المرتبطة بها، متجاوزة «البحث عن الموضوع التاريخي في الرواية›› (دحمان، 2013) إلى «فهم الدلالات المعرفية التي هي بمثابة خيوط تثير فينا الرغبة في فهم الجانب الآخر من التاريخ الإنساني والمواقف الحضارية››. (دحمان، 2013)  
فالروائي إذ يختار التاريخ بوابة للعبور باتجاه الحرية ومنطلق القول، يأخذ بعين الاعتبار الفرق بينه وبين المؤرخ، وفي ذلك يقول واسيني الأعرج: «أود القول إن المؤرخ والكاتب يشتغلان على نفس الحقل والدوائر في الظاهر، أي لا فرق في عملهما، لكنه لا أحد يستطيع أن يكون الآخر، فلا المؤرخ هو الكاتب ولا الكاتب هو المؤرخ، ولكل مساحته. فالأول يشتغل في حدود الإطلاقية واليقينية، بينما الكاتب يشتغل في حدود النسبية والتساؤل، أي أن الفرق بينهما هو عنصر الحرية عند المبدع المشروطة بالعالم الروائي والقصصي والحكائي الذي يكوّنه حول حقيقة قد تبدو تاريخية لكنها ليست كذلك بالمعنى المتعارف عليه لأنها خضعت للسؤال المتعلق بالرواية واندرجت في مسارات أدبية غيرت الكثير من هويتها التاريخية حتى ولو احتفظت بالعنصر الأساسي في الحقيقة التاريخية من حيث هي مادته، فهي تقبل الافتراضات والتأويلات والأسئلة الكثيرة، بينما الحرية عند المؤرخ مشروطة بما تلقاه من حقائق››، (عابد، 2014) لذلك تعد الكتابة السردية التي تتكئ على التاريخ معقدة ودالة على صاحبها.
«الرايس» وقناع التاريخ
تطالعنا هاجر قويدري بطابعها الحديث في الكتابة من حيث معانقة السرد عندها للتاريخ. وهي بذلك على خطى جيلها من الروائيين الذين حافظوا على سمة الكتابة عن التاريخ وفي دائرته، من خلال زاوية ‹›الرايس حميدو›› أشهر شخصية عرفتها البحرية الجزائرية في العهد العثماني، لدوره البطولي في حماية سواحل الجزائر من الضربات الخارجية على امتداد سنوات طويلة. (هلايلي، 2007) (القاسم، 1998) (صداقي، 2020)
تفتح الروائية سردها بعبارة ‹›طلب الأهالي من الحاكم إبعاد 50 شقيا في قرية درمنجيلر الكائنة بجزيرة قبرص إلى إيالة الجزائر من أجل الجهاد في سبيل الدين الإسلامي والدولة العثمانية ومن أجل إصلاح نفوسهم من مجموعة الأرشيفات التركية››. وبذلك فإنها تعلن انحيازها للتاريخ العثماني بالجزائر، عبر اتخاذها من وثيقة تاريخية تعود للأرشيف العثماني، مدخلا للسرد بكل مظاهره السياسية والعسكرية والاجتماعية.
و(الرايس) رواية جزائرية نسوية معاصرة صدرت في 2015 عن دار ضفاف والاختلاف (الجزائر) وكلمة (تونس). وهي من الكتابات التي أثثت أحداثها من الماضي، معلنة انتماءها للرواية الجديدة التي تمثل رؤى صاحبها ضمن نسق المجتمع في امتداده الزمني.  إنها عودة للماضي العثماني بالجزائر مقترنة بمجموعة من التساؤلات منها: كيف كان نوع التواجد؟ ما مدى خطورة الأحداث التي وقعت آنذاك فرهنت علاقة الجزائر بغيرها من الدول: فرنسا أمريكا أنجلترا تونس المغرب؟ ما طبيعة الحكم آنذاك وما أوجه الصراع فيه؟ وقبلها جميعا: ما علاقة الماضي بالحاضر؟ وغيرها من أسئلة عبّرت عنها الكاتبة وإن لم تقدم الإجابة الصريحة.
وهذه الرواية تاريخية بما تحمله من خصائص بدءا بالشخصية الواقعية بأبعادها، من حيث التدقيق في الاسم والوظيفة الاجتماعية، والصفات الجسدية، ونمط اللباس والسلوك والكلام، ثم مكان وزمان الأحداث.
فصّلت الروائية أحداثها وفق مقاطع سردية (34 مقطعا) يميل كل واحد منها -في العموم- إلى القصر من حيث عدد الصفحات، فكأن الكاتبة اختارت تكثيف الأحداث وعدم الاسترسال في الوصف. فالقارئ يتعرف على الشخصيات والأماكن من حيث دورها، والحدث المنوط بها ضمن فضاء السرد، لذلك غلبت الأفعال على النص لدلالتها على الحركة، كون الشخصيات في حال تحرك وفعل وعمل مستمر.
تنحصر وقائع الرواية بين تاريخين محددين وهما: مارس 1791 وخريف 1815، فبين ربيع وخريف ولدت شخصيات ونمت أحداث دارت عبر فضاءات البحر وسواحل الجزائر، بترحيل مجموعة من اللصوص إلى البلاد خدمة للعثمانيين بها، وضمنهم بيفاريتو/ علي/ عليلو.
ومنذ البدء تتنصل الروائية من السرد وتوعز التأليف إلى شخصياتها بصريح العبارة ‹›حديث›› التي تتصدر كل مشهد في أعلى الصفحة، معلنة حيادها الكلي، وعدم تدخلها في التاريخ، مؤكدة على ذلك بالإشارة التاريخية لشهر وسنة وقوع الحدث/ الحكي كما يبيّنه الجدول الموالي: 
جدول (01 ):  توزع الحدث السردي على التاريخي
الفترة الزمنية الحدث التاريخي الحدث السردي
 *مارس 1791
*سبتمبر 1799 *النشاط العثماني في البحر المتوسط 
*تعزيز التواجد بالجزائر *ميلاد الأحداث
*ميلاد الشخصيات
*فيفري 1800
*مارس 1815 *اشتداد الصراع  في البحر
*بطولات البحرية الجزائرية من خلال الرايس حميدو *تماهي الشخصية مع البحر ومع المدينة/ الحبكة
*جوان 1815
*خريف 1815 *صراع البحر المتوسط المتعدد
*انقطاع خبر الرايس حميدو * غياب حميدو في البحر / غيابه سرديا 
 
فارتباط الأحداث بالجانب التاريخي واضح، وذلك من خلال التوثيق السنوي، وارتباطها –أيضا- بأسماء شخصيات غلب عليها الطابع السياسي وفق السلم الوظيفي للرتب في العهد العثماني على غرار: الباشكاتب، وكيل الحرج، الباشا، الداي (Julian، 2013) ... ناهيك عن تنوع الجنسيات التي تحيل عليها، ما يدل على الصراع الأوربي العثماني الأمريكي الذي دار في عرض البحر المتوسط (جون جاكسن، يحي مديلي، بيفاريتو، خوجة، تالار).
وإذا كانت هذه الشخصيات أطّرت كبرى الأحداث، فسمحت لها الكاتبة بأن تعلن وجودها عبر المساحة الورقية، فإن شخصيات أخرى رسمتها الرواية في عمق الصفحات التاريخية، شكلت بها خيوط السرد وحبكتها، وعبّرت عن خليط من الجنسيات والأديان والمهن منها: ماميلي، نيكوس، ماكاريوس روبرتو، سيتا، إقزيرا الكافر وغيرهم.
وأما مركز الأحداث ومحركها فهو شخصية حميدو، أبرز وأهم رياس البحر في عهده. ملأ صفحات التاريخ بانتصاراته ومنجزاته في الجهاد البحري ضد هجمات الصليبيين، ومطامع الأوروبيين. ارتبط اسمه بسواحل الجزائر وعرض البحر المتوسط، حيث كان يجوبه في أسطول بقيادته، يعترض الطامعين، يوجه لهم الضربات، ويغتنم منهم. (هلايلي، 2007) (صداقي، 2020)
ومع ذلك تبقى صفحات مهمة من حياته غير معلومة، لاقتصار المؤرخين على الجوانب العسكرية منها، ما أدى إلى تغييب الجوانب الشخصية لسيرته، ومن هذا المدخل بنت الرواية متخيلها السردي عبر جمع خيوط تلك الشخصيات وخاصة منها الشخصيات السياسية (وكيل الحرج والباشا والباشكاتب)، وشخصيات البحارة ممن رافقوه، مركّزة على العنصر الأجنبي فيهم، لتبرز دورهم ولتبرز دور البحر في مسألة الاتصال بالآخر، مع الالتفات للجانب العاطفي لتلك الشخصية فاقترحت لذلك اسم (مريم)، مع ما يحمله من علامات وإشارات، لتكون الحبيبة والمدينة التي تسكن حميدو ويسكنها في الوقت نفسه، فغدا التاريخي سرديا يسبح في زمان غير الزمان الحقيقي، إنه زمان الإنسان (هناوي، 2020)، وكأن الرواية هي الزمان الفردي للرايس حميدو، التاريخ المكبوت، أو التاريخ الذي صادرته التوجهات المختلفة للبحوث، فبقي أسير العتمة، ومن هنا يأتي تدخل السرد بأن أخذ هذه الشخصية من زاوية أخرى مستعينا بالحقائق التاريخية والأحداث الواقعة فعلا، لإضاءة البقع غير المعلومة عنها، كونها شكّلت فيما مضى حدثا رئيسيا في تاريخ الجزائر عموما، وتاريخ البحر المتوسط والبحرية الجزائرية خصوصا. 
فالتاريخ الذي رصدته الرواية موضوعا لها غير منقطع عن واقع سواحل البحر المتوسط، التي تشكل نقطة لقاء الشرق بالغرب، ومطمع نفوس كثيرة، لم تترك فرصة في تخريب حلم المدينة (الدزاير)، كما جاء في الرواية، وبراءتها وسلامها عبر العصور لغاية عصر الكتابة هذه.
إن المدينة التي احتضنت هذه الأحداث موجوعة وقد سكنها اللصوص، فأخلطوا زرقة بحرها بفتن ومؤامرات، ولعل أول مقطع افتتح الأحداث خير دليل على ذلك وقد حمل عنوان (ابن الخفة)، ويقصد بها السرقة، إذ يطلق مجازا على اللص عبارة «خفيف اليد››، ومنه توغلت في رسم صور شتى من السرقة، فبفاريتو سُرق من مدينته/ قريته ورُحّل عنوة إلى الدزاير، كما سُرق من حبيبته ليندا ولم يرها مذاك، والريس حميدو سُرق من الأرض ليعانق البحر قرصانا حامٍ للوطن من أطماع الآخر، ومريم سُرق حلمها البسيط وهو الزواج بحبيبها حميدو، حيث نافستها فيه أمواج البحر المتوسط، وهو أيضا -حفاظا على علاقته بها- كان يسرق مناديلها في كل زيارة لعلّها تخفف عنه وجع الوحشة والشوق.
ولأن الرواية جعلت التاريخ مؤطرا عاما لها، كانت لها أسئلتها الأخرى ومنها سؤال الدين: كيف كان الدين آنذاك؟ ما علاقة هذه الشخصيات الدينية والاجتماعية؟ 
تمثلات الصراع 
لا تركز الكاتبة على الوصف الخارجي للشخصية كثيرا، فأغلب الوصف ركز على الحالات الباطنية النفسية والذهنية للشخصيات، وتحديدا شخصيات: مريم، حميدو، وعلي، وعبر ذلك تحددت وضعياتها ووظائفها، وكأن ما يهم منها هو أحداثها ووقائعها التاريخية، ومساهمتها في مجريات الحياة باستثناء مريم التي تكفلت الرواية برسم صورة عنها منذ مراحل تشكلها الطفولية إلى غاية بلوغها سن 42 لكن من غير إطناب.
وعن طريق الحوار بين الشخصيات، - وإن غلب عليه المونولوج والسرد الأحادي للأحداث، إذ تولت كل شخصية رواية المقطع الموكل إليها- ، سلّطت الرواية بعض الضوء على تلك القضايا التي لا تنفصل عن التاريخ، تاريخ أي مجتمع، ولكن في شكل حوارات داخلية غالبا ما كانت تتم بين الشخصيات الأجنبية، معبّرة عن صراع داخلي يمزقها بعد اختلاطها بالمكان، وامتلائها بروح سكانه وتأثرها ببطولته. وأفضل من مثّل ذلك داخل الرواية شخصية علي طاطار / بفاريتو عبر المقاطع الآتية:
- «هل تركت ديني؟››. (قويدري، 2015)
-«إنه صراع يأكل الرأس››. 
-«على أي مذهب أنت؟››. 
وكذلك شخصية يحي المديلي بعد أن أقدم على الزواج من مسلمة غير آبه بديانته اليهودية: «... كانت جميلة ورائقة، لا تطرح الأسئلة ولا تعلق آمالا على الأجوبة، الأمر الذي جعلني أبحث عن إمام حنفي لا يعرفني في نفس اليوم حتى يزوجني بها بعدما كذبت عليها وأوهمتها أنني مسلم واسمي حمدان››. (قويدري، 2015) 
ويبلغ الصراع لديه درجة أعلى عند مواجهة أخته الجوهر له مستنكرة زواجه من امرأة بدوية: «أنت ابن عبد القادر التلمساني ... أنت عربي مسلم بائس››. (قويدري، 2015) ما فجر بداخله السؤال الأكبر: «من هي الكذبة الأكبر؟ حمدان أم يحي؟ ومن هو الذي يشبهني أكثر؟››. (قويدري، 2015) إذ كان يستعمل الاسمين معا: حمدان مع زوجته المسلمة، ويحي اسمه الحقيقي والأول.
ولحظة التيهان التي تؤرق بعض الشخصيات في الرواية تحضر بقوة في وقت الأزمات، ففي لحظة هروب يحي/ حمدان مع (إقزيرا) الكافر (صبي سبي تعهده وصحبه لمصلحة مادية له) ردد الدعاء:
-«يا ربي
-أنت تعلم أنني أعبدك من باب اليهود
-وأعبدك من باب المسلمين، فلا تغلق عليّ أبوابك
-يا رحمان، يا منان، يا خالق الزهر والقمر.››
ويقدم تأويلا يفسر به هذه الصيغة في الدعاء على شكل حوار قام بينه وبين والدته مسترجعا لحظة سردية قائلا: ‹›لطالما كانت لالا الراشطابية تضحك مني عندما أختم أدعيتي بـــــ ‹›يا خالق الزهر والقمر››، وكنت أؤكد لها في كل مرة أنني أرى الله في الزهر، في هشاشته، في روعة ألوانه، في انكساراته السريعة، وأرى الله في نور وعلو وخسوف قمره، وفي بدره المكتمل ... ثم تكف عن ضحكاتها وتقول لي وهي تتنهد:
-كلها آيات الله يا ولدي››. (قويدري، 2015)
وفي لحظة أخرى رمزية جدا، يجتمع حميدو بأخيه ويحي وإقزيرا. إنه اجتماع كافر بيهودي مع مسلم ! فيقول يحي في لحظة دفن سيتا وهي غير مسلمة شاءت لها الرواية أن تعود إلى التراب بطقوس إسلامية، معبرا عن عظمة اللحظة وشدة تميزها: ‹›...حين سمعنا آذان الفجر خرجنا ثلاثتنا إلى خارج الغرفة، جلسنا أرضا وراح كل منا يصلي صلاته، نظرنا إلى بعضنا البعض ثم عرفنا أننا لابد أن نصلي أكثر إكراما لهذه الجثة التي عذبتها كثيرا››. (قويدري، 2015)
ويتبع اهتزاز الانتماء الديني اهتزازا للشخصية، فالتصدع الديني ما هو إلا شكل من أشكال تصدع الشخصية وانقسامها، ويتجسد ذلك بشكل خاص في شخصية علي طاطار بدءا بالاسم وبالوظيفة، فمن لص إلى مدافع في صفوف حميدو عن شرف وسلام المدينة (الدزاير)، بعد أن صار ضمن طاقمه في البحرية، يجول معه البحر سعيا وراء الغنائم التي تُقدَّم هدايا للحكام العثمانيين، مقابل كف الأذى والتخفيف عن المدينة وأهلها ! وأما الاسم فقد انتقل من بفاريتو إلى علي طاطار بعد أن رأى أن خلاصه في إعلان إسلامه، لينتهي في الأخير منتصرا إلى جهة واحدة: جهة علي طاطار بعد أن تشبع بالأجوبة التي كان بانتظارها: ما مصير ليندا. هل مازالت تنتظرني؟ قائلا: ‹›أنا الآن لا أريد غير علي طاطار، أما بفاريتو فقد تركته هناك في درمنجيلر شبحا يعض أصابعه ندما على ضياع حبه››، (قويدري، 2015) حتى أن الرواية لم تعد تذكره مقترنا باسم بفاريتو (قويدري، 2015) بعد أن كان يعلن نفسه باسم بفاريتو وحده (قويدري، 2015) وبالاسمين معا في مقاطع أولى. (قويدري، 2015)
ويلاحظ أن الرواية قصدت اللعب على ثنائية الاسم، ليلائم حدث المقطع وفكرته موقف هذه الشخصية منه كالآتي: 
-حديث بيفاريتو في الرحلة الأولى رحلة الانطلاق من درمنجيلر. (قويدري، 2015)
-حديثه عند وقوعه سجينا. (قويدري، 2015)
-حديث علي طاطار بيفاريتو أول لقاء للشخصية بالاسم/ الصفة الجديدة بعد أن ألقت به الرواية بين يدي حميدو. (قويدري، 2015) 
-حديث بفاريتو وقد استولى الاسم على المساحات السردية التي شعر فيها بالكسر والخذلان، وبصعوبة الموقف وتحرجه منه. يقول «بدأت أخاطب نفسي بفاريتو››، (قويدري، 2015) وكذلك في جنازة والدة خوجة الغنائم يحي مديلي «الموت لا دين له. كنت لصا لا دين له››. (قويدري، 2015) 
ويبلغ به الصراع الداخلي درجة قصوى من التعذيب: «هل تركت ديني؟›› ليختم «... عدت إلى وقع حياتي وإلى وجهي الذي ألفت. عدت إلى علي طاطار››. (قويدري، 2015)
وأما بالنسبة لشخصية مريم فرسمت من خلالها الروائية صورة المدينة عبر علاقاتها بعائلتها الكبيرة وبإخوتها، وهواجسها وطريقة تفكيرها ولبسها، وما تؤديه من واجبات، وتتمثله من عادات في مواجهة البحر، ومواجهة حميدو حبيبا يؤجل الفرح. إن مريم تعميق لشخصية (حميدو) وتأكيد على جذوره وتأصله في المكان (الدزاير)، ما يسمح بالقول إن الكاتبة قصدت التاريخ قصدا، تاريخ ما قبل الاستعمار، أما بالنسبة للشخصية ‹›علي›› فعلى الرغم من أنها فاعلة ومتفاعلة في الوقت نفسه إلا أن دورها الفعال كان في البحر.                            
وقد أغنت الأحداث شخصيات أجنبية دخلت من بوابة/ رمزية حملت صيغة لصوص، لكن المدينة وجهتها وصقلتها فاتخذت مسارات متعددة. وبينما تولدت الحكاية المركزية: حكاية حميدو وصراعه مع موج البحر، ومعه حكاية مريم وصمودها للحفاظ عليه، وقد غرق في معركة الجزائر الداخلية والخارجية، ما جعل الرواية تبدو وكأنها ثلاث حكايات: حكاية حميدو، وحكاية مريم، وحكاية علي طاوطاو، ولكن خيطا دقيقا يربط بينها كما يبيّنه الشكل الموالي:
 
لقد استحضرت الرواية العصر العثماني بكل ما فيه: شخوصا وأحداثا فاختارت البحر فضاء للسرد، لأن بداية العثمانيين بالجزائر كانت عبره، ورتبا سياسية، وطبقات اجتماعية ووظائف وغيرها. وكما بدأت بوثيقة تاريخية معلنة ميلاد بفاريتو، أنهت سردها بفقرة من ثلاثة أسطر ولكن لتعلن وفاة حميدو، غير أن توثيق الحدث جاء على لسان الروائية هاجر قويدري بعنوان: هاجر بعد مائتي سنة من وفاة حميدو خريف 2015.
وكأننا أمام وثيقة تاريخية استلهمتها الكاتبة من واقعية الأحداث التي عرضتها، مع اختلاف في الأماكن. فالأولى وثيقة تاريخية تنتمي إلى الماضي، وهذه وثيقة سردية تنتمي إلى الحاضر، وبينهما نمت الأحداث ذات ربيع وأشرقت وتلونت بضروب شتى من ألوان الحياة: جهاد وحرب وصراع وحلم، انتهت بخريف/ حاملة في متنها حقيقتين: واحدة عسكرية تاريخية حربية، والأخرى أدبية خيالية تأملية، موضوعها الرئيسي: ماذا عن أواخر العهد العثماني؟ ما هو دور رياس البحر الجزائريين في حماية سواحل الجزائر من الخارج (فرنسا/ أنجلترا/ امريكا) ومن الداخل: من صراع الدايات والباشاوات؟ 
ولكن ما قد يلاحظه القارئ أن الرواية تقدم شخصياتها بكثير من السطحية هي أقرب للروبورتاج الصحفي أو الموضة منها إلى الحدث المتكامل، فالمشاهد تجعل القارئ غير متشبع بالحدث ليجد نفسه دخل مشهدا جديدا، ما يتطلب منه جهدا مضاعفا حتى يكتشف الخيط الرابط بينها، وربما يرجع ذلك لعدم تفعيل تقنية الحوار بين التاريخي والتخييلي، أو ما يصطلح عليه ‹›ما وراء القص التاريخي›› (وهابي، 2016) وكأننا أمام أحداث ركِّبت تركيبا وقصِدت قصدا. 
ولا نقول أن الرواية قصّرت وهي تعانق التاريخ، فالشخصيات التي اختارتها، والأحداث التي انتخبتها في غاية الأهمية، والأسئلة التي تحيل عليها كذلك، ولكن كان بإمكانها أن تعمق السرد فيكون بعمق التاريخ وبُعده، وبعمق شخصية (حميدو) ودوره الحقيقي، وبعمق المسؤولية التاريخية التي تقع على عاتق الدارسين لكشف ملابسات تلك المرحلة من تاريخ الجزائر، فمما يستوجب على السرد أن يعبر عن وعي عميق بآلياته وشروطه الصحيحة كي لا يتحول –على حد تعبير السعيد بوطاجين- إلى استيراد، استيراد رؤية سرود آخرين تبتعد عن المفهوم الحقيقي للرواية الحقيقية وللكتابة وللإبداع، وكل تجربة روائية كانت تلك صفتها فهي رواية محكوم عليها بالفشل مسبقا ‹›لأنها غير مقطرة كما ينبغي، وبإمكاننا وضعها في خانة السرقات لأنها تمثل حداثة الآخر جملة وتفصيلا››. (بوطاجين، 2018) يقول عبد الرحيم وهابي: الرواية التاريخية لا تهدف إلى سرد أحداث الماضي بقدر ما تسعى إلى تناول لحظة زمنية محددة، موجهة برؤية آنية، ومن هنا وصف لوكاتش الرواية التاريخية بكونها رواية تثير الحاضر، ويعيشها المعاصرون بوصفها تاريخهم السابق بالذات››. (وهابي، 2016)
فالقصد من استحضار التاريخ تخييلا هو طرحه من منظور خلفي، للوقوف على الصراع الغائب عن عيون المؤرخين، فالأسئلة التي يطرحها النص في الحقيقة تاريخية بالمقام الأول، وقد تناولها المؤرخون بدراسات كثيرة، وإن غلب عليها الاهتمام بالجانبين العسكري والسياسي. (هلايلي، 2007) 
ولا يعني ذلك نفي صفة الجدة عن الرواية موضوع الدراسة، كونها -وهي تصور حدثا تاريخيا مقصودا على لسان شخصيات عاشت تلك الفترة (حميدو/ مصطفى باشا وغيرهم)- قد اتخذت القناع لدخول عوالم التخييل التي تتغيا الحاضر، فلهذه الرواية ما يبررها على الصعيد الآني، بالنظر إلى تحولات المجتمع بعد الأزمة (العشرية)، وتغير النظرة لموقع الجزائر ضمن دول البحر المتوسط، وكذا الإرهاصات الخارجية والداخلية على حد سواء، ناهيك على أن البحر يمثل اللقاء بالآخر، بكل ما تحمله كلمة اللقاء من دلالات.
إضافة إلى أن الماضي لم يتوقف في هذا النص على ما مضى من أحداث سياسية ووقائع حربية ومراسلات رسمية، فللشخصيات ماضيها الذي ترويه، إذ تقف الشخصيات المحورية في الرواية (مريم/ علي/ حميدو) على ماضيها بالعودة لمرحلة ما قبل: الطفولة، الشباب، قبل رياسة البحر، قبل الإسلام ودخول الجزائر، قبل الهجرة، قبل الزواج موزَّعة عليها حسب أدوار ووظائف كل شخصية منها، بالإضافة إلى أمر مرتبط بالرواية في حد ذاتها، فهي امتداد لرواية سابقة بعنوان (طائر النورس)، وإن اختلفت عنها من حيث الأحداث، فإنها لم تبتعد عنها من حيث اشتغالها على مرحلة العثمانيين وحضور البحر مرافقا لذلك. 
وهنا تؤكد الروائية وعيا متفردا بخطورة المرحلة التاريخية الماضية والحاضرة على حد سواء، وعلى أهمية العودة لعصر ما قبل الاستعمار لما له من أبعاد ساهمت دون شك في تكوين الشخصية الجزائرية وسيرورة الأحداث. يقول عبد الله إبراهيم: «التخيل التاريخي›› هو المادة التاريخية المتشكلة بواسطة السرد، ... فالتخيل التاريخي لا يحيل على حقائق الماضي، ولا يقررها، ولا يروج لها، إنما يستوحيها بوصفها ركائز مفسرة لأحداثه، وهو من نتاج العلاقة المتفاعلة بين السرد المعزز بالخيال، والتاريخ المدعم بالوقائع، لكنه تركيب مختلف عنهما››. (إبراهيم، 2011)
والرواية رغم اشتغالها على التاريخ، فإنها تعكس ظلال قلم الأنثى التي خطتها وحبكت خيوطها، لتعبر عن انتمائها للكتابة النسوية بما تحمله من علامات فارقة لخصها قول العجيلي شهلا: ‹›تتميز الكتابة النسوية بحضور مرتفع لدور المرسل، وبعدم الاكتراث بتعدد الأصوات، وبديمقراطية النص، بل على العكس، يعلو الصوت الواحد، وتبرز بتعالق جدلي الرؤية الواحدة وذلك ما يحاول الكتاب (الرجال) غالبا تجنبه››. (لعجيلي، 2011)
ولا يعنينا هنا أن نقابل ما ورد في الرواية بما جاء في النص، ولكن فيه (في النص) ما يعبر عن ذلك ولو جزئيا، ومنه أن البطلة مريم مرهفة الحس، تلقتط إشارات العالم الخارجي بقدرة فائقة، ولا يتوقف إدراكها عند حدود المشاهَد والمحسوس، رغم ما كانت تلاقيه من معاملة، بسبب تعرضها للاستغلال من قبل إخوتها وزوجاتهم وتحولها لخادمة، بوصفها –في نظرهم- كائنا معطلا بلا نضج ولا تفكير ولا قدرة على التحكم في المصير.
كما يلاحظ اهتمام النص برصد تحولات مريم الجسدية، وخاصة بعد أن انهمرت عليها المآسي منذ وفاة الوالدين، وتأجيل حميدو الزواج لغاية بلوغها سن 42 سنة، ما جعل دورها الاجتماعي مختزلا في خدمة الغير، وصوتها مكبوتا رغم ما كانت تحدث به نفسها، لذلك غلب المونولوغ على مساحات معتبرة من حكايتها، ذاك الحديث الأحادي الذي كان يسمح للأنثى بداخلها بأن تصرخ وتبكي وتحب وتعبّر، لتعوض مسألة تغييبها العائلي. فالمونولوج يحوّل مريم إلى الآخر صاحب السلطة على نفسه، فهو يفكر ويقرر ويؤوّل من موقع إدراكه بذاته وحقيقته عبر الحوار، وهذا وجه من وجوه التناص كما ذهب إليه باختين، حينما وسّع من دائرته فجعله يشمل «الحديث الذاتي» بمعنى «أن للأخير بعدا تناصيا››. (تودوروف، 1986)
 والرواية إذ تتناول حكاية مريم، تصورها بوصفها جسدا ثقافيا من حيث أنه عاكس للعادات وللتقاليد ونمط اللباس والوظيفة الملقاة على عاتقه: (الكاراكو، الحنة، الجواهر، الوظيفة المنزلية ...)، وكل ذلك من  العلامات التي تحيل على الصوت النسوي الذي لم يتمكن النص رغم هيمنة التاريخي عليه من كبته، خاصة مع سكوت التاريخ عن واقع المرأة في ذاك العهد، وتركيزه على الجوانب العسكرية والسياسية والاقتصادية. (خيراني، 2014)
ختاما
استطاعت الرواية الجزائرية التي ظهرت بعد الأزمة أن تعيد بناء متخيل للمجتمع الجزائري عبر التكثيف اللغوي ومزج الأصوات والأساليب، متعالقة مع اتجاهاته الفكرية والاجتماعية، للتعبير عن خباياه وتطلعاته وامتداداته في الماضي.
اشتغلت الروائية -في قالب سردي- على مرحلة تاريخية مهمة، وهي مرحلة ما قبل الاستعمار الفرنسي التي عرفت تشابكا في الأحداث، فخرجت بذلك على كثير من الروايات الجزائرية التي صدرت في السنوات الأخيرة، واختارت مرحلة العشرية أو مرحلة الاستعمار، حتى تلك التي تعالقت مع التاريخ تغذت في أغلبها على مرحلة الاستعمار وما بعده، لتخالف بذلك نسق غيرها من الروائيين الجزائريين بتوجهها إلى ما قبل الاستعمار، عبر الحفر في الذاكرة العثمانية، وهي غنية بالأحداث الملهمة. لذلك تعد الكتابة عند هاجر قويدري واعدة، خاصة وأنها التقت بالموضوع في رواية غير هذه، وهي (طائر النورس) بما له من خلفيات ورمزية.
تناولت الرواية الحياة الاجتماعية والسياسية للجزائر من خلال سيرة الرايس حميدو وأسرته من جهة،  وحميدو وعلاقاته المهنية من جهة أخرى، وبين هذا وذاك عرضت لمظاهر الحياة الثقافية بأبعادها السوسيولوجية، ولكن مع انحياز واضح للجمالي وللرمزي حين فصلت الشخصية عن سياقاتها الحقيقية، وأعادت تشكيلها بواسطة تقنيات السرد، فنسجت صورا من مخيلتها عبر التاريخي والوثائقي، غايتها دفع القارئ نحو تجربة معرفية جديدة عن التاريخ والحقيقة، الخيال والحقيقة، التاريخ والهوية.
الرواية تكتب ما لم يكتبه التاريخ، تكتب علاقات الجزائريين من خلال أسرة عاصمية بالداخل والخارج، إنها تاريخ من لم يُكتب تاريخهم بعد: النساء، القراصنة الأجانب الوافدون لسبب أو لآخر، القادة والبحارة وغيرهم، وضمن ثنائية الهدم والبناء، بنت متخيلا سرديا تغذى على التاريخ الممكن والمحتمل وليس الواقع فعلا.
ويبقى البحث في الرواية الجزائرية المعاصرة عموما، ورواية ما بعد الأزمة خصوصا، ضروريا لأنه يساهم في تطور وتأصل الحركة السردية الجزائرية المعاصرة.
 
قويدري، هاجر: الرايس رواية، (2015)، منشورات ضفاف، الاختلاف، الجزائر، كلمة للنشر والتوزيع، تونس، ط1.
إبراهيم، عبد الله: السرد والإمبراطورية والتجربة الاستعمارية، (2011)، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، لبنان، ط1.
برادة، محمد، الرواية العربية بين المحلية والعالمية ممكنات السرد، (2008)، المجلس الوطني للثقافة والفنون، الكويت، ج1.
باختين، ميخائيل: الخطاب الروائي، ترجمة محمد برادة، دار الفكر للدراسات والتوزيع، مصر، فرنسا.
باختين، ميخائيل: شعرية دوستويفكي، (1986)، ترجمة جميل نصيف التكريتي، مراجعة حياة شرارة، دار توبقال، المغرب، ط1.
بوطاجين، السعيد: مرايا عاكسة، (2018)، منشورات الوطن اليوم.
بوذيبة، إدريس: الرؤية والبنية في روايات الطاهر وطار، (2000)، منشورت جامعة منتوري قسنطينة، ط1.
تودوروف، تزفيطان، ميخائيل باختين المبدأ الحواري، (1986)، ترجمة فخري صالح، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، لبنان، دار الفارسي للنشر والتوزيع، عمان، الأردن، ط2.
شارل أندري جوليان، الغزو وبدايات الاستعمار 1827- 1871، (Charles Andres Julian Histoire de l’Algerie contemporaine) ، (2013)، ترجمة جمال فاطمي وآخرون، مراجعة عياش سلمان، المعهد العالي للترجمة، شركة دار الأمة للطباعة والنشر والتوزيع، الجزائر، مج 1.
أبو القاسم سعد الله، تاريخ الجزائر الثقافي 1500- 1830، (1998)، دار الغرب الإسلامي، بيروت، لبنان، ط1، ج1.
 لحميداني، حميد: القراءة وتوليد الدلالة، (2003)، المركز الثقافي العربي، ط11.
 لحميداني، حميد: النقد الروائي والإيديولوجيا من سوسيولوجيا الرواية إلى سوسويولجيا النص الروائي،  1990المركز الثقافي العربي، بيروت، لبنان، ط1.
لعجيلي، شهلا: الخصوصية الثقافية في الرواية العربية، (2011)، دار المصرية اللبنانية، مصر، ط1.
مرتاض، عبد الملك: في نظرية الرواية بحث في تقنيات السرد، (1988)، عالم المعرفة، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت.
معتصم، محمد: الرؤية الفجائعية الأدب العربي في نهاية القرن وبداية الألفية الثالثة، (2003)، منشورات الاختلاف، الجزائر، ط1.
 منور، أحمد: ملامح أدبية ودراسات في الرواية الجزائرية، دار الساحل، الجزائر.
 هلايلي، حنيفي: بنية الجيش الجزائري خلال العهد العثماني، (2007)، دار الهدى، عين مليلة، الجزائر، ط1.
وهابي، عبد الرحيم، السرد النسوي العربي من حبكة الحدث إلى حبكة الشخصية، (2016)، كنوز المعرفة للنشر والتوزيع، عمان، الأردن، ط1.
توتة، إسماعيل صداقي، ويوسف: الرايس حميدو أول بحار محلي في تاريخ الجزائر العثمانية (1770- 1815)، مجلة رؤى في الآداب والعلوم الإنسانية، العدد1.
جلاوجي، عز الدين: عن الموقع الالكتروني: http://www.djazairess.com.
خيراني، ليلى: نساء مجتمع الجزائر في العهد العثماني، مجلة العلوم الإنسانية، عدد 41، جوان 2014، مجلد ب.
عابد، توفيق: واسيني الأعرج، الحرية صديقتي والسياسة لا تهمني  https://www.aljazeera.net/culture 10/9/2014 تاريخ الزيارة: 20/12/2022 التوقيت 10.00.
5- شطاح، عبدالله: الرواية الجزائرية السبعينية كتابة المحنة أم محنة الكتابة مجلة الكلمة http://www. akay.com  تاريخ الزيارة:  22/5/2020 19:24.
محمد، إسحق علي: تسريد التاريخ، من رواية التاريخ إلى التاريخ الرواية، الموقع الاكتروني: 
 https://jilrc.com/archives/15271 14/07/2022 تاريخ الزيارة: 15/11/2022 بتوقيت 8:45
هناوي، نادية: رواية التاريخ المثابات المصطلحية والمناحي التمثلية، الموقع الالكتروني: aljadeedmagazine.com بتاريخ: 1/1/2020.
بوسلهام، جمال: الحداثة وآليات التجريب في الخطاب الروائي الجزائري حارسة الظلال لواسيني الأعرج أنموذجا، مذكرة ماجستير إشراف الدكتور محمد داود، كلية الآداب والفنون، معهد اللغة العربية وآدابها، جامعة السانيا وهران، الموسم الجامعي 2008، 2009.
بن دحمان، عبد الرزاق: الرؤية التاريخية في الرواية الجزائرية المعاصرة روايات الطاهر وطار أنموذجا دراسة تحليلية تفكيكية، مذكرة دكتوراه إشراف الطيب بودربالة، كلية الآداب واللغات قسم اللغة العربية وآدابها، جامعة باتنة 2012، 2013.

@pour_citer_ce_document

سعاد ترشاق, «قناع التاريخ في الرواية الجزائرية المعاصرة التمثلات والأسئلة ‹الرايس› لهاجر قويدري أنموذجا»

[En ligne] ,[#G_TITLE:#langue] ,[#G_TITLE:#langue]
Papier : 86-96,
Date Publication Sur Papier : 2024-12-23,
Date Pulication Electronique : 2024-12-23,
mis a jour le : 23/12/2024,
URL : https://revues.univ-setif2.dz:443/revue/index.php?id=10189.