العنف الإعلامي المرئي وإشكالية الجسد الأنثوي
Plan du site au format XML


Archive: revues des lettres et sciences sociales


N°01 Avril 2004


N°02 Mai 2005


N°03 Novembre 2005


N°04 Juin 2006


N°05 Juin 2007


N°06 Janvier 2008


N°07 Juin 2008


N°08 Mai 2009


N°09 Octobre 2009


N°10 Décembre 2009


N°11 Juin 2010


N°12 Juillet 2010


N°13 Janvier 2011


N°14 Juin 2011


N°15 Juillet 2012


N°16 Décembre 2012


N°17 Septembre 2013


Revue des Lettres et Sciences Sociales


N°18 Juin 2014


N°19 Décembre 2014


N°20 Juin 2015


N°21 Décembre 2015


N°22 Juin 2016


N° 23 Décembre 2016


N° 24 Juin 2017


N° 25 Décembre 2017


N°26 Vol 15- 2018


N°27 Vol 15- 2018


N°28 Vol 15- 2018


N°01 Vol 16- 2019


N°02 Vol 16- 2019


N°03 Vol 16- 2019


N°04 Vol 16- 2019


N°01 VOL 17-2020


N:02 vol 17-2020


N:03 vol 17-2020


N°01 vol 18-2021


N°02 vol 18-2021


N°01 vol 19-2022


N°02 vol 19-2022


N°01 vol 20-2023


N°02 vol 20-2023


N°01 vol 21-2024


A propos

avancée

Archive PDF

N°22 Juin 2016

العنف الإعلامي المرئي وإشكالية الجسد الأنثوي


نورة قنيفة
  • resume:Ar
  • resume
  • Abstract
  • Auteurs
  • TEXTE INTEGRAL
  • Bibliographie

سنحاول من خلال تحليل بعض الأبعاد الإعلامية تقديم مقاربة سوسيوإعلامية لظاهرة نعتبرها من أخطر الظواهر على الإطلاق نظرا لما تقدمه – مرئيا -من رسائل إعلامية بمضامين خاصة لدرجة إعتبارها عنفا إعلاميا بامتياز لاسيما في بعدها الرمزي المؤسّس.

فالدور الذي تلعبه هذه الوسائل وبالأخص التلفزيون هام جدا وفي الوقت ذاته مؤثر أيضا على المشاهد لذا فإن تكريس ثقافة الدونية والتفوق الجنسي وغيرها من الرسائل السلبية الخاصة بالمرأة والموجّهة أيديولوجيا يتطلب وقفة تأملية تحليلية لمعرفة مدى إسهام هذه الرسائل في تكريس ثقافة العنف ضد المرأة إعلاميا.

الكلمات المفاتيح:المرأة، العنف، الإعلام، العولمة

Nous allons essayer à travers l'analyse de certaines dimensions informatives de présenter une approche socio-communicative d’un phénomène très dangereux, celui des images symbolisant une certaine forme de violence.

Le rôle joué par les moyens d’informations, et notamment la télévision est très important et en même temps très influant sur le récepteur, ce qui nous mène à insister sur la nécessité d’une analyse contemplative afin de déterminer la contribution de ces messages dans la perpétuation de la culture de la violence contre les femmes dans les médias…

Mots clés :femme, violence, les médias, la mondialisation

Through some communicative aspects analysis, we try to present a socio communicative approach for a dangerous phenomenon since it gives us a special content; that we can consider as an information violence especially in its symbolic aspect. The role of the mass media and especially  television is very important and influential, the  consecration on  sexual excel and some other negative and ideologically oriented messages about  woman requires an analytical contemplation  in order to know how much these messages do consecrate the culture of violence against woman.

Key words:women; violence, medias, globalization.

Quelques mots à propos de :  نورة قنيفة

 أستاذة محاضرة أ جامعة العربي بن مهيدي بن مهيدي أم البواقي 

مقدّمة

يتميّز عالمنا اليوم بعدم التوازن، ويتجلى ذلك في الإختلال العام الذي ينتاب المجتمع الدولي في مختلف المجالات بما فيها المجال الإعلامي، وفي الواقع فإن التطور السريع للتقنية الحديثة بصورة عامة وفي مجال الإعلام والإتصال بصورة خاصة يزيد في تضخم التفاوت القائم في العالم وفي خطورة الوضع الإعلامي السائد في الدول النامية ذلك أنه قُدّر على هذه الدول أن تقنع بدور المستهلك لتلك المجموعة الضخمة.

إن من مظاهر الهيمنة الإعلامية المعاكسة للتطور الإجتماعي والثقافي تلك الممارسات المخلة بالأخلاق والقيم الصادرة عن مؤسسات الدعاية والإعلان ذلك أن الأشرطة الدعائية والبرامج التلفزيونية أضحت من جملة أدوات الهيمنة الثقافية والتشويه الحضاري من جراء ما تنقله للبلدان النامية من نماذج ثقافية مخالفة لقيمها ومناهضة لأهدافها الإنمائية ..(1)

فقد أدى التطور الهائل الذي طرأ على أدوار الإعلام في إطار تزاوج ثورتي الاتصال والمعلومات إلى انحسار أدوار الأسرة والمدرسة في التنشئة الاجتماعية والثقافية حيث حل محلها الإعلام المرئي وشبكات المعلومات الدولية وأصبح الإعلام السمعي البصري يمثل المؤسسة التربوية والتعليمية الحديثة ، وتصاعد دوره في إفساح الطريق لآليات العولمة الثقافية التي تسعى إلى توحيد العالم وخلق الإنسان ذو البعد الواحد المبرمج والمؤمن بأيديولوجية السوق من خلال تقديم الإعلام لمعلبات ثقافية محكّمة تتضمن منظومة قيم منزوعة من سياقها الاجتماعي والتاريخي وتسعى بدأب لغرس الروح الاستهلاكية ونشر قيم المنفعة والفردية..(2)

في نفس السياق تبيّن من خلال الكثير من الدراسات أن لوسائل الإعلام تأثير كبير على طرح مواضيع للنقاش والتفكير في الحياة الإجتماعية ، فهي تبني المحيط الرمزي لموضوع معين ولها تأثير كبير للموقع والنطاق الإعلامي الذي تحتله مواضيع معينة ، وتجاهل مواضيع أخرى ..هي أيضا مصدر من مصادر المعرفة التي تشكل وعي الإنسان وتساهم مساهمة رئيسة في صياغة التصورات والمفاهيم العامة التي يُراد تثبيتها في مجتمع معين.. بل وأنها تنجح في تكوين إنطباعات وصور عقلية إيجابية أو سلبية في ظروف معينة ومحددة ومن هذه الصور التي يزرعها الإعلام في عقول المتلقين صورة المرأة لما لها من أبعاد إجتماعية وسياسية وثقافية على المجتمع.(3)

وقد تصدق في هذا الإطار، ونحن نحاول تحليل بعض أبعاد ظاهرة إعلامية خطيرة جدا نظرا لإفرازاتها الآنية والمستقبلية المؤثرة على المرأة بشكل خاص ما قاله فيليب كابو:" نحن أمام حضارة جديدة كليا تحلّ فيها أبجدية الصورة مكان الأبجدية الألفبائية فالصورة بما هي كتابة جديدة ستحمل معها ثقافة جديدة منقطعة الصلة بالكتابة المعهودة وثقافتها، أبجدية الصورة مرشّحة لغزو كل شيء، وقولبة جميع الأذهان." ليضيف أحد الباحثين العرب في وصفه للصورة بشكل عام والصورة المرئية بشكل خاص قوله:" الصورة ليست مجرّد خطوط وألوان، بل إنها تجسيد لواقع فكر الإنسان تعكس خيالاته وهواماته، فتعقلنها وتنسّقها وتجعلها قادرة على الوصول إلى ذهن الآخر عبر نظره، وتنتقل منها إلى فكره واستيعابه. فالصورة لها قدرة أكيدة على تقنين الفكرة التي تدور في الذهن. وتصبح بحدّ ذاتها منطلقا لعمليات فكرية جديدة تضيف إلى الصورة  فتبلورها..هذه الصور توقظ عند تشكّلها مشاعر وأحاسيس متناقضة تدفع بالفرد للتصرف على هذه الشاكلة أو تلك، بمعنى أن الصورة تصبح أداة اتصال حية وناطقة من الطراز الأول سواء كانت ملموسة أو فكرية..و تبرع وسائل الإعلام برسم الصور وتوزيعها ، فهي تملك الوثائق والمعلومات والأخبار والرسوم والأصوات والأفلام ، وبإمكانها أن تعرض صورا عن الأحداث أو أن تعيد تركيبها ، وهي في كل ذلك إنتقائية تُبرز ما تريد إبرازه ، وتحجب ما يتعارض مع توجّهاتها ، عن قصد أو غير  قصد..(4)

إنه لا يخفى على أحد الأهمية الكبيرة التي تقوم بها وسائل الإعلام في رسم الصور الذهنية لمختلف الموضوعات ومختلف شرائح المجتمع بما في ذلك المرأة، وربما أن هذه الشريحة الاجتماعية هي الأكثر حساسية والأكثر عرضة لتشويه الصورة أو استغلالها من قبل وسائل الإعلام الجماهيرية نظرا لعوامل وأسباب كثيرة تنتمي في أغلبها إلى الأساس الاجتماعي الثقافي. إذ كثيراً ما تتعرض مكانة المرأة وصورتها عموما إلى بعض التشويه أو الاستغلال في وسائل الإعلام الجماهيرية نظرًا لأن حضور المرأة في وسائل الإعلام يُعد عامل جذب خصوصاً في الأعمال الإعلانية والأعمال الدرامية، والمرأة العربية مثلها مثل غيرها من النساء تعاني من استغلال صورتها أو تشويهها في بعض وسائل الإعلام سواء كان ذلك بقصد الإثارة والجذب أم كان ذلك نتاج أسباب اجتماعية وثقافية ما تزال تنظر إلى المرأة نظرة غير عادلة مرتكزة على بعض الصور النمطية الدرامية إضافة إلى بعض المخزون الثقافي السلبي.(5)

ولعل الحديث عن الإعلام المرئي يقودنا بالضرورة إلى طرح مسألة التأثير الإعلامي التلفزيوني بالخصوص على المرأة إذ أكد أحد الباحثين أن من أهم الخصائص التي منحت التلفزيون قدرته الهائلة على التأثير النفسي هي الترابط بين الصورة والصوت والحركة، ثم أضيفت إليها تأثيرات اللون والسرعة والفورية في نقل الأحداث والمعلومات، فهو أهم مصدر للصور في العالم اليوم ، وإذا كان الناس يستوعبون الصورة التلفزيونية بنسبة أربع ساعات يوميا فمن الواضح أنه مهما كانت فوائد الصور التي يحملها الناس في أفكارهم فإنه الآن هو مصدرها، فحين يشاهده المتلقي  يجمع كل قدراته العقلية لتكوين صور ساكنة مستوحاة من الصور التلفزيونية ..(6)

في نفس السياق فإن المتأمل لوضعية المرأة العربية المعاصرة يدرك أنها لا تعيش وفق معطياتها الطبيعية على كل الأصعدة والمستويات، ويدرك أنها تعيش أزمة في نفسها وفي فكرها وفي تصورها وفي سلوكها وفي واقعها. ويدرك كذلك أن شروطا موضوعية أخرى ساهمت في تأزيم وضعيتها بجانب مسؤوليتها الذاتية.(7)

لقد بات تأثير المرئيات قويا جدا على المرأة من خلال ما يقدّم لها من ثقافات متنوعّة الأوجه والمجالات سواء أكانت مكتوبة، أو مطبوعة، أو مذاعة أو مرئية... تزودها بالمعلومات والأخبار والأفكار والإتجاهات، وتعمل بطرق متعددة لاستمالتها، ليأخذ التأثير أبعادا مختلفة قد تكون سلبية في الكثير من مضامينها...فكل المرئيات التي تصادفها قد تنعكس على سلوكياتها وقد تجعلها تعيش صراعا قيميا حقيقيا مثلما هو ملاحظ واقعيا من خلال حدوث تأثيرات حقيقية على شخصيتها، وعلى ثقافتها ومعارفها وربما أيضا على اتجاهاتها...

إن عرض جسد المرأة كوسيلة لجذب المشاهدين للدعاية والإعلان، وكذلك للإغراء الجنسي ينزع إنسانيتها ويجعل منها مجرد سلعة للمتعة الرخيصة...، أو بالأحرى سلعة ثقافية تفتقد مواصفاتها الإنسانية، وتدخل في عداد البضائع التجارية الإستهلاكية باعتباره عنصر إغراء وجذب وترويج للبضائع يتحول في الأخير إلى ثقافة مصنّعة تجعل من المرأة دمية مثيرة فحسب لإغراء المستهلك ذكرا كان أم أنثى.  ونظرا لهذا التأثير فإنه بالإمكان التأكيد على أن الصورة المرئية تتحول فعليا وواقعيا إلى عنف إعلامي، وربما تساهم في انتشار مظاهره لما لها من تأثير كبير على شخصية المتلقي من خلال الرسائل المرئية الجنسية السلبية التي تبثها باستمرار...

إن دراسة العنف الإعلامي المرئي الموجّه ضد المرأة بإيديولوجياته المتعددة الأوجه، والتي باتت تخدم مصالح أفراد وجماعات، يعني محاولة القيام بعملية تحليلية تفكيكية لظاهرة قد تؤثّر تأثيرا عميقا على البناء المجتمعي، وقد تحدث تفكّكا تنظيميا فرديا واجتماعيا ...

في هذا الإطار بالذات سنحاول تقديم مقاربة سوسيو-إعلامية حول العنف الإعلامي المرئي ومختلف مظاهره لاسيما ما ارتبط بالبعد القيمي الإجتماعي للمرأة العربية وفي ظل الخصوصية السوسيوثقافية المحدّدة لمعالم هويتها من جهة والعولمة الإعلامية المرئية التي أصبح من الصعب الخروج عن إطارها من جهة أخرى....

1-             الإعلام المرئي...القوة الناعمة

شهد المجتمع البشري ثورة الإتصال الأولى عندما استطاع الإنسان أن يتكلم ، حيث أصبح ممكنا لأول مرة أن تجمع البشرية عن طريق الكلام حصيلة ابتكارها واكتشافاتها ، ثم جاءت ثورة الإتصال الثانية عندما توصل السوماريون إلى اختراع أقدم طريقة للكتابة في العالم ، واقترنت ثورة الإتصال الثالثة بظهور الطباعة في منتصف القرن ال15ميلادي وخاصة بعد اختراع غوتنبرغالتاريخي، بينما بدأت معالم ثورة الإتصال الرابعة خلال القرن ال19بظهور عدد كبير من وسائل الإتصال الجماهيرية كالتلفزيون، أما ثورة الإتصال الخامسة فكانت بدايتها مع النصف الثاني من القرن العشرين والذي شهد ابتكارات فاقت كل الإبتكارات السابقة وذلك بموجب الإندماج التاريخي بين ظاهرتي تفجير المعلومات والمعرفة وثورة الإتصال.(8)

لقد عرف العالم إذا في مطلع القرن الواحد والعشرين تغيرات وتحولات عميقة في وسائل الإعلام نظراً للانفجار المعرفي المتسارع الإيقاع، والثورة

 التقنية المتجددة وما أحدثته من وسائل وعلاقات جديدة وطرق في العمل غير مسبوقة. وفي ظل هذه التحولات، أصبح الإعلام بحق مرآة للمجتمع حيث لا يعكس فقط اتجاهاته الفكرية بل أصبح يقوم بتشكيل تلك الاتجاهات وتعميقها وخلق تيارات من الرأي العام. ولعل أهمية تأثير الإعلام المرئي تكمن بالخصوص في اعتراف الكثير من المفكرين والعلماء بقيمته ومكانته وهذا من خلال العديد من الدراسات والأبحاث التي تناولته والتي اعتبرته قيمة إنسانية خاصة لذا يجب أن يوضع دائما صوب الإهتمام ...

هذا ويعتبر التلفزيون من الوسائل التي أفرزتها التكنولوجيا الحديثة باعتباره مازال يشهد تطورا متواصلا محدثا تأثيرا لا يمكن إخفاؤه أو إنكاره، فوظيفته لا تقتصر على نشر الأخبار أو التسلية والترفيه، بل تتعدى ذلك إلى المساهمة في التنشئة الإجتماعية للأفراد من جانبها السلبي والإيجابي وتكوين آرائهم وثقافتهم ووعيهم. (9)

ينفرد التلفزيون بمزايا عديدة تجعله يقف في صدارة وسائل الإعلام الأخرى، ففي كل لحظة من لحظات إرساله لا يتوقف عن بث سيل متدفق لا ينتهي من المعلومات والآراء والقيم، فاتسع عمله من ناحية البث والمحتوى عن طريق لغة مشتركة تستفيد من الحركة والصورة في الإتصال اللغوي والإعلامي بأسلوب يوافق خصائص الكلمة المسموعة والمرئية.(10)

لقد عرف التلفزيون مؤخّرا تطورات متسارعة وتحوّلات جذرية وعميقة في مضامينه الإعلامية المرئية التي غيّرت كثيرا من خصائصه التقليدية بفعل الثورة الرقمية وتوسع عمل أقمار الإتصال الصناعية التي فتحت آفاقا كبيرة أمام إمكانية إنشاء قنوات تلفزيونية فضائية متنوّعة المضامين والتوجّهات، ليتبيّن واقعيا قوّة هذه الوسيلة الإعلامية المرئية لدرجة ممارسة بعض مظاهر العنف الإعلامي بشكل مباشر أو غير مباشر على متلقّيها. فقد أظهرت الكثير من الدراسات حول التأثير الإجتماعي لبرامج التلفزيون وما تلعبه من دور كبير في التأثير في السلوك الإجتماعي للأفراد، وتناولت تلك الدراسات العلاقة بين برامج التلفزيون التي تتضمن مشاهد العنف فيه، وبين السلوك العدواني.

إن ّ مناقشة موضوع العنف عبر وسائل الإعلام وبالأخص التلفزيون بدأت في أواخر الخمسينات من القرن المنصرم بجلسات عقدها الكونجرس الأمريكي لمحاولة معرفة مدى تأثير العنف المعروض عبر المرئية والخيالة على المتلقين. وفي الستينيات من القرن المنصرم نبهت لجنة إيزنهاور إلى أن العنف الإعلامي عامل مُسَاهم يساعد إلى حد كبير على نمو ثقافة العنف بين شرائح المجتمع، وفي سنة 1972صدر تقرير عن وزير الصحة الأمريكي يُظهرُ قلقاً حول تأثير عنف التلفزيون على الأطفال وتغيير أنماط سلوكهم.

و في الثمانينيات أصدر المعهد الوطني الأمريكي تقريره الذي خلص إلى نفس نتائج تقرير وزير الصحة الصادر في 1972،أما التقارير اللاحقة في التسعينيات الصادرة عن الجمعية النفسية الأمريكية والجمعية الطبية الأمريكية والأكاديمية الأمريكية لطب الأطفال ؛ خلصت لنفس النتائج السابقة ونبّهت بشكل عام إلى أن العنف عامل يساعد على نمو ثقافة العنف في المجتمعات ، وخلال هذه الفترة الزمنية والتي دُرست فيها ظاهرة العنف الإعلامي في أمريكا وحدها يمكن تلخيص ثلاثة تأثيرات رئيسية يتأثر بها المتلقي كنتيجة للعنف الإعلامي هي: العدوان وعدم الإحساس والخوف..(11)

فلأن العنف لا يُورّث ، فهو إذن سلوك مكتسب يتعلّمه المرء أو يعايشه في حياته ، وبكون وسائل الإعلام من مدارس التنشئة الإجتماعية، فإننا نعتبر الشاشة الصغيرة من الوسائل الأخطر في هذا المجال لأنها الوسيلة الترفيهية التي يكاد لا يخلو منها بيت في مجتمعنا ، ولا تحتاج إلى معرفة للقراءة ، إضافة لما تنطوي عليه من جاذبية كوسيلة اتصال جماهيري لأن الصورة تترك أثرا سحريا في العين التي تلتقطها وهي أبلغ وأقوى من الكلمة المقروءة أو المسموعة كون المشاهد يكون في حالة من القابلية للتأثر من دون أن يكون بالضرورة في حالة تحريض وإثارة.(12)

و تشير في هذا الصدد العديد من الدراسات التي أجريت حول دور التلفزيون في نشر العنف، أنّه يمكن أن يتعلّم الأفراد سلوك العنف من مشاهدة برامج العنف بتنميط سلوكهم حسب سلوك الشخصيات التي تعرضها برامج العنف، وتنطبق هذه النظرة بشكل أقوى على الأطفال الصغار حيث يكون لبيئتهم تأثيرها الهام على ما يتعلّمونه. ويرىشرام وزملاؤه أنه لا يوجد شك في وجود علاقة بين ازدياد جرائم العنف وازدياد البرامج المليئة بالسلوك الإجرامي والأعمال العنيفة في السينما والتلفزيون.(13)

كما أشار Bunduraوزملاؤه إلى أنّ البحوث التي درست أثر مشاهدة العنف الذي تمّت محاكاته لمشاهدة تلفزيونية عنيفة أكّدت على خلاف عملية التعلّم بالمحاولة والخطأ البطيئة نسبيا أن الأطفال يميلون أكثر إلى تعلّم السلوكيات العنيفة بسرعة، وبكميات أكبر في بعض الحالات عن طريق تعرّضهم للمشاهد العدوانية العنيفة التي يشاهدون حدوثها مباشرة من خلال محاكاتها من قبل الكبار على مرأى منهم. وقد عكف لمدة تزيد على العشر سنوات لدراسة أثر التلفزيون على الأطفال والكبار في ظروف مختلفة، حيث أجرى سلسلة من التجارب للكشف عن إمكانية تقليد السلوك العدواني عند الأطفال. فقسّم عينة الدراسة إلى أربع مجموعات: عرضت الأولى مشاهدة نماذج من الكبار تمارس حركات عنيفة ضد دمى مطاطية، وشاهدت الثانية شريطا مصوّرا لنفس النماذج المحاكية للسلوك العدواني نفسه، وشاهدت الثالثة صورا متحركة لشخصية عنيفة، ولم تشاهد الرابعة (المجموعة الضابطة) شيئا من هذه الصور والسلوكيات، وقد أظهرت النتائج أن النماذج المحاكية للسلوك العنيف أحدثت آثارا عالية لدى المجموعات الإختبارية، حيث أظهر أطفالها سلوكات جسمية ولفظية عنيفة صاحبتها حركات إضافية تعلّموها من المحاكين. في حين أبدى أطفال المجموعة الضابطة سلوكات عنيفة طبيعية ترجع إلى ما تعلّموه من تجاربهم الحياتية العامة.

و توصل BlumerوHoucerمن خلال دراسة أجراها على 252فتاة منحرفة بين سنّي 14-18أن 25% منهن مارسن العلاقات الجنسية نتيجة مشاهد جنسية مثيرة في الأفلام، و41% منهن قادتهن المشاهد إلى الحفلات الصاخبة والمسارح الليلية، و54% منهن هربن من المدرسة لمشاهدة الأفلام، و17% تركن المنزل لخلاف مع الأهل حول ذهابهن إلى السينما.(14)

لقد أصبح الإعلام التلفزيوني المرئي إذا من خلال القنوات الفضائية القوة المؤثرة في سلوك الأفراد ونمط تفكيرهم وتوجهاتهم، هذه القوة التي تنافس دور الأسرة والمؤسسات التعليمية في عمليات التربية والتنشئة الاجتماعية، كما أن نتائج التيار الإعلامي غير الهادف أصبح فعليا يشكل ظاهرة خطيرة تدعو للدراسة والتحليل المعمّق. لهذا السبّب بالذات حذّر كثير من العلماء والباحثين في مجالات الإجتماع ، النفس، التربية ، والإعلام من الإكثار من برامج التلفزيون التي تحدث آثارا سلبية على المشاهدين خاصة الأطفال والشباب منهم ، لتضمّنها أنواعا من العنف والجريمة ، وأشكالا من المواقف والسلوكات التي تنافي الأخلاق والآداب العامة  والتي تؤدي إلى التفكك والإنحلال الإجتماعي والأخلاقي خصوصا في علاقته بالمرأة وبالصور المرئية العنيفة ذات الأبعاد المتنوعة لاسيما الرمزية منها التي كثيرا ما تُشوه صورة الجسد الأنثوي وتجعل منه وسيلة لاإنسانية لتحقيق أهداف كثيرة خصوصا الاّأخلاقية  لدرجة أن مواد التجميل قد تبدو أكثر من ضرورة في حياة المرأة..و أن الإغتصاب قد يبدو أكثر من عادي.. وأن الجسد محور كل الملذاّت وأن معادلة المرأة / الأنثى بكل معطياتها الثقافية الرمزية الذكورية الأكثر هيمنة مرئيا.

2-                      المرأة والتلفزيون ...دورة العنف المرئية المستمرة

أنتجت العولمة الإعلامية عالما واحدا شديد التعقيد، وجعلت الخروج منه أو تحديده محكوما بالفشل في أغلب الإحتمالات، من هنا أصبح الحديث عن الخصوصية الثقافية والهوية القومية أمر شديد التعقيد، ومن الطبيعي أن يصاحب العولمة ضعف الإستقلالية الثقافية وتعرّض النسيج الإجتماعي للتفكك وبصورة خاصة ما يمس النساء بسبب تفاقم الضغوطات الثقافية والإجتماعية والإقتصادية عن طريق وسائل الإعلام الحديثة التي دخلت كل بيت.

لقد أصبح للقنوات الفضائية دور كبير في تسويق كثير من القيم للمشاهدين أو نشر الكثير من القيم والمبادئ والتقاليد التي لا تتواءم وواقع المجتمع العربي والتي استطاعت عبر مدة ليست بالكبيرة أن تؤثر كثيرا على المتلقين. فهناك دور واسع وبليغ لتلك القنوات في بلورة الثقافة الجديدة وإقحامها في الحياة اليومية من خلال دور الدراما التي تشكل وسيلة أساسية في خلق التأثير الحياتي للمجتمع.(15)

إنه، وبالرغم من التقدم الكبير الذي تحقق في مجال مساواة المرأة بالرجل سياسيا واقتصاديا إلاّ أن الصورة التقليدية للأنثى لا تزال طاغية في أذهان الناس على وجه العموم رجالا ونساءا، ولا تزال وسائل الإعلام تتشبّث بها وتغذيها باستمرار. ووسائل الإعلام والمحتوى التقليدي الذي تقدّمه والمتميّز بوحدة الإنتاج وبتوجّهه إلى الجماهير العريضة ليست بالضرورة، ومن زاوية دورها هذا، ثقافة فرعية بقدر ما هي عنصر من الثقافة الشاملة التي توجّه عمليتي إنتاج الرسائل الإعلامية وتلقّيه، بخلاف الثقافة الأنثوية التي هي ثقافة فرعية دونية، كونها مجموعة من الأعراف وأنظمة السلوك والتوقّعات.(16)

فإذا إذا كان الإعلام يلعب دورا بالغ الأهمية في تشكيل الوعي لدى أفراد المجتمع بشكل عام، وينقل إليهم الرسائل التي يريد أولو الأمر توجيهها

إليهم وإقناعهم بها ودفعهم إلى العمل أو السلوك بمقتضاها ، فإنه يلعب الدور نفسه في تشكيل صور طوائف المجتمع في ذهن أعضائه ، ويلعب دورا موازيا في تثبيت صور بعينها عن (الرجل) أو (المرأة) في أذهان أفراد المجتمع ..و من الطبيعي والأمر كذلك  أن يسهم في تكوين الوعي المجتمعي للمرأة سلبا أو إيجابا مستعينا برسائله الإعلامية التي تحملها وسائل الإعلام خصوصا التلفزيون الذي أصبح آداة إعلامية خطيرة يتصل تأثيرها المتزايد بالأعمال الدرامية التي أصبحت تحتل مساحة متميزة من الخارطة الإعلامية ، وتلقى التفافا واسعا من الجماهير لمتابعتها . ويحدث التأثير السلبي للإعلام عن طريق صياغة وتثبيت وإشاعة الصورة السائدة عن المرأة التابعة سواء في أذهان الرجال الذين تربوا ثقافيا وإعلاميا على أنهم الأقوى والأقوم ، أو في أذهان النساء اللائي لا يزلن خاضعات للأيدلوجية المجتمعية السائدة عن المرأة التابعة ، أو في أذهان الأطفال الذين تربوا على تمثّل الصورة السائدة للمرأة ، فتتابع أجيالهم المؤمنة بسلامة هذه الصورة وصحتها، ولا يخامرهم الشك في مصداقيتها، سواء أصبحوا رجالا يعيدون إنتاج أيدلوجيا التفوق الذكوري التي تبقى على وضعهن المتردي ، أو يمارسن العادات التي لا تخرجهن من منطقة الهامش الاجتماعي... (17)

تشير بعض الدراسات الإعلامية إلى مجموعة من الحقائق عن صورة المرأة في الإعلام المرئي العربي وتشمل هذه الحقائق ما يلي:

1.تتفق وسائل الإعلام المقروء والمرئي والمسموع في التركيز على الأدوار التقليدية للمرأة كزوجة وأم وربة بيت بينما لا تنال الأدوار الأخرى للمرأة في مواقع الإنتاج والمشاركة الاجتماعية والسياسية والثقافية والإبداعية إلا اهتماما هامشيا.

2.تركز السينما والدراما التلفزيونية على ثلاثة أدوار تقليدية للمرأة تنحصر في الزوجة الخاضعة للزوج والأم المعطاءة والمنحازة للذكور والابنة المطيعة لوالديها فضلا عن شيوع نموذج المرأة اللاهثة وراء الثروة أيا كانت مصدرها.

3.الإعلام العربي ما يزال مصراً على تقديم المرأة بالصورة التقليدية، أو بالصورة المعلّبة للنموذج الغربي لمفهوم الموديل، وهو ما يجعلها وسيلة للجذب الجنسي ولتشجيع وزيادة الاستهلاك، على اعتبار أن نموذج المرأة الحديثة هو نموذج المرأة المستهلك.

4.على صعيد الرسائل الغنائية نجد أن الفيديو كليب وهو الشكل الأكثر انتشارا الآن يركز على مضمون واحد هو علاقة الحب بين الرجل والمرأة بصورة مبتذلة ومتدنية في كل شيء، والقيم التي تعبّر عنها الأغنيات المصورة هي قيم سلبية تعتمد على الإثارة والإغواء ويخص المرأة منها الغدر والخيانة والجفاء والجحود ونكث الوعود والجهل والغباء.(18)

كما أن المتتبع للإعلانات يتأكد لديه أن المرأة قد استغلت استغلالا كبيرا في الترويج لمجموعة المنتجات التي يسعي المعلنون في أن تصبح ذات استخدام واسع على أكبر قطاع من الجمهور محليا وإقليميا وعالميا لدرجة يصبح القول معه أن صورة المرأة قد أصبحت جزءا لا يتجزأ من الدعاية التجارية لكثير من السلع الغذائية ومستحضرات التجميل وأخر صيحات الموضة ناهيك عن أفلام الإثارة في مختلف صورها.(19)

ولعل الأكثر استفزازا إستعانة الومضات الإشهارية في غالب الأحيان بنساء متوسطات العمر لإظهار ذلك الجانب الخاص بالطمأنينة أو الدليل على التجربة الطويلة والحكمة أو حتى التذكير بتقاليد معينة، كما قد تظهر في حالة استثنائية كربة بيت، أما النساء اللواتي تتجاوز أعمارهن الخمسين سنة، فإنهن غائبات تماما عن هذا النوع من المضامين التلفزيونية، حيث يعتبر المعلنون وجههن غير جذاب، وبالتالي يتم استبعادهن عن برامج الشاشة والومضات الإعلانية.(20)

فاستخدامها في العمل الإعلاني جرد المرأة من أي مضمون علمي وثقافي أو حتى فكرى ولم يبق لها من ذلك سوى مظهر الجسد الخارجي الذي تحول وبكل أسف إلى وسيلة لإثارة الشهوات وتحريك الغرائز عند الرجال فبدت صورة المرأة وهي تلك الجميلة التي تأسر قلوب الرجال بذلك الجمال وتلك الزينة الأمر الذي يؤدى وفي معظم الأحيان إلى تحطيم الكثير من هيئة وبنية المجتمعات خاصة العربية منها من خلال نشر الفكرة التي يحملها الإعلان والتي تجسد المرأة في شكل أداة خلقت للاستمتاع بها دون أي شيء أخر وكأنها لا عقل ولا فكر ولا دور لها في تأسيس الأجيال وإقامة المجتمعات وهذا بلا شك فيه الكثير من تذويب لشخصية المرأة العربية إن لم نقل أنه التهميش بعينه لدورها المتعاظم يوما بعد أخر..

كما توصلت نفس الدراسة من خلال تحليل عينة من الإعلانات التجارية بهدف التعرف على أنماط الصور الذهنية للمرأة إلى أن الإعلانات قولبت المرأة في عدد من النماذج منها:

· نموذج المرأة التقليدية حيثيتكرس الدور التقليدي للمرأة في كونها المسئولة عن توفير الحاجيات الاستهلاكية الخاصة بالأسرة مثل المواد الغذائية... كما ظهر الدور التقليدي للمرأة كربة بيت تتمثل مسئوليتها في إعداد الطعام وغسل الأواني في العديد من الإعلانات خصوصا المتعلقة بمواد التنظيف، وفي الترويج لمنظفات الغسيل الكيماوية ولأدوات الطبخ والتنظيف المنزلية..كما ظهرت المرأة التقليدية في دور المرأة الأم والزوجة في إعادة الملابس الوسخة إلى حالتها النظيفة باستخدام أحد المنظفات

·نموذج المرأة الجسد من خلال ربط المرأة بدلالات الجنس والإغراء حيث لوحظ في الآونة الأخيرة ازدياد كم الدعايات والإعلان

  لشركات كبيرة وصغيرة لاستخدماها للمرأة كنموذج للجسد وقد يكون هذا أحد نتائج العولمة الاقتصادية والثقافية حيث قامت الشركات بالترويج لسلعها بدعايات وإعلانات شبيهة بتلك التي روج لها في الغرب في بلداننا العربية وتحمل نفس الإيحاءات ...

·نموذج المرأة الشيء حيثلاحظ الباحثون أن الكثير من الإعلانات التلفزيونية ومن خلال ربط صورة المرأة بصورة المنتج أو الخدمة فإنما تسعى إلى النظر للمرأة على أنها مجرد (شيء) يتم تجريده ليس فقط من إنسانيته من خلال التركيز عليها كأنثى، وإنما من خلال حرمانها من أية سلطة يعتد بها، وهي بهذا تغدو كالسلعة التي يتم الترويج لها ... ولا شك أن هذا النموذج يقدّم المرأة كمخلوق "شكل" مجرد من إنسانيته ومشاعره وعواطفه وقدراته العقلية والذهنية

·نموذج المرأة السطحية حيثتقدم الإعلانات التجارية المرئية نموذج المرأة السطحية التي لا هم لها إلا الموضة والأزياء ومواد التجميل وتفتقر للطاقات العقلية والفكرية المتطورة التي تحول دون مشاركتها الجادة في الحياة العامة وهنا نلاحظ تركيز الإعلانات على العطور وأدوات الزينة والملابس الفاخرة وتقديمها على أنها تمثل قمة اهتمامات "المرأة العصرية "و تتشارك هذه الإعلانات في طرح فكرة تقول بأن هذه المنتجات التجميلية والأزياء هي مصدر السعادة للمرأة وللأسرة ، وهو ما يطرح استهجانا قويا من تلك السعادة الأسرية المستندة لقواعد مادية هشة..و يتجلى هذا النموذج متجسدا أيضا في تقديم الإعلانات العربية للمرأة الحضرية التي تملك الموارد المادية لحياة رغيدة ، وهي من هذا المنطلق تهتم بأخبار الأزياء والتقليعات المتجددة في مقابل تجاهلها لشرائح أخرى من النساء اللواتي لم يحالفهن الحظ للوصول إلى مواقع اقتصادية مناسبة بسبب ظروف اجتماعية وثقافية معينة..(21)

في نفس السياق ترى إحدى الإعلاميات العربيات أن الإعلام العربي على الرغم من التطور التقني يقدم المرأة بصورتها التقليدية النمطية ، أو بالصورة المعلّبة للنموذج الغربي لمفهوم الموديل ، وهو ما يجعلها وسيلة للجذب الجنسي ولتشجيع وزيادة الاستهلاك على اعتبار أن نموذج المرأة الحديثة هو نموذج المرأة المستهلكة ، ولأن هذه الصورة التي تبثها بشكل مكثف وسائل الإعلام العربية ، وبحكم وقع الصورة المؤثر في زمن الصورة  تدفع المرأة ذاتها إلى تبني الصورة السلبية عن نفسها والتماهي مع هذه الصورة للظهور بمظهر المرأة الحديثة من الزاوية الشكلية. وهي صورة لا تعكس الجانب الحقيقي والواقعي لمشاكل المرأة وطموحاتها الحقيقية ، ولا تضعها في الصورة المتطرفة للمرأة الغارقة في عواطفها التي تفسد عقلها أو التي تقتل عواطفها من أجل طموحات غير مشروعة من وجهة النظر الاجتماعية ، لذلك لا نجد في الإعلام العربي صورة للمرأة المتوازنة القادرة على أن تكون أماً حقيقية وصاحبة طموح وموقع لا يتناقض مع دورها كأم ، فدور المرأة كفاعل اجتماعي لا يقل أهمية عن دورها كأم، ولا يمكن وضعهما في مواجهة بعضهما...إن معظم الصور التي تقدمها الفضائيات العربية للمرأة تفتقر إلى معالجة الواقع الحقيقي للمرأة في المجتمع ، الواقع الحي الذي تواجهه يومياً في سياق النزعة الاستهلاكية المفرطة..(22)

3-المخرجات الإعلامية العربية واستمرارية العنف ضد المرأة:

تطرح إذا أمام كل ما سبق مسؤولية الإعلام المرئي الأخلاقية ومدى مساهمته في تكريس الصور النمطية الأنثوية رغم التطور الحاصل تكنولوجيا إذ تضيف إحدى الباحثات أن السياسات الإعلامية المرئية تجاه قضايا المرأة خاصة لم تتغير بل وتتجاهل إلى حد بعيد التطور الحاصل في دورها ووقعها على الخريطة لمجتمعية ... كما يلاحظ عموماً وجود فرق بين الصورة المرسومة لكلٍ من الرجال والنساء وبين الواقع الديموغرافي والموضوعي مما يعني إهمال الإعلام للمرأة وتجاهله للتقدم النسبي الذي حققته، وعدم مواكبته له بمفهوم الهوة الثقافية وبسياسية التغييب والإقصاء التي تتعامى عن الواقع لاعتبارات شتى ...(23)

يُروّج الإعلام المرئي ثقافة العنف بصورة خاصة ضد المرأة لاسيما الرمزي منه، يستمدها من منظومة القيم التقليدية، ومن أكثرها سلبية وتخلّفا، ويُقدم صورة تُعتبر امتدادا للعنف الإجتماعي الممارس ضدها. كما أن القائمين على إعداد مثل هذه الثقافة يكرّسون بوعي أو بدونه نظرة دونية للمرأة كبعد ذي خصوصية في الثقافة التقليدية من دون محاولة لفهم وإعادة النظر في مضامينها، والعمل على تطويرها والتخفيف من حدّتها (22) إذ تؤكد الدراسات المتنوعة أن البرامج والمسلسلات والأفلام أصبحت في كثير منها تشوه صورة المرأة ، وتسخّف الدور الذي تلعبه مجتمعياً، وتكرس حالة وصورة المرأة الجاهلة الخاضعة لزوجها المستسلمة لقدرها ، متجاهلة بذلك الدور الإيجابي الذي تقوم به المرأة في تنمية المجتمع. ويعتبر هذا إحدى سبل ممارسة العنف ضد المرأة وانتزاع أهم حقوقها ..فاستخدام المرأة كجسد وشكل ومفاتن في الإعلانات عنف ضدها، وتقديم المرأة كوسيلة إغراء عنف ضدها ، وتقديمها بطريقة مبتذلة في الأفلام والمسلسلات الإباحية عنف ضدها، وتقديمها كمشارك رئيسي في دراما العنف عنف ضدها ،  وتقديمها كمجرمة في حوادث القتل والسرقة والمخدرات والجرائم الأخرى سواء في البرامج والتقارير الواقعية أو في الأعمال الدرامية بمختلف أنواعها عنف ضدها ، وتقديمها بالصورة النمطية وحصرها في المطبخ وغرفة النوم عنف ضدها، وتقديمها ذات دور هامشي في الحياة وفي المجتمع عنف ضدها...(24)

في نفس السياق أكدت الكثير من الدراسات حول العلاقة بين وسائل الإعلام والعنف منها دراسات متعلقّة بمضامين أفلام الإغتصاب والأفلام الخلاعية، ومنها دراسة أمريكية على أن معدّلات بيع المجلات الخلاعية ترتبط بمعدّلات الإغتصاب المسجّلة في دائرة الشرطة في الولايات الخمسين... و أن تجارب عروض الأفلام الخلاعية جعلت المشاهدين يطالبون وبإلحاح برؤية المزيد منها، كما صاحب الطلب بعض العدوانية ليس تجاه الزملاء المشاهدين ولكن تجاه محضّر البرنامج وخصوصا إذا  كان امرأة..أما أفلام الإغتصاب فهي تحرّك مسائل كامنة عند الجنسين وتؤدي إلى إدراك خاطئ للواقعية الجنسية، كما تجعل المشاهد يخلو من أي مشاعر تجاه المرأة المغتصبة..و لقد أظهرت بعض الدراسات التجريبية أن مشاهدة مثل هذا النوع من الأفلام تجعل أحكام الشخص حول الإغتصاب الواقعي تتغير لما تجمع هذه الأفلام من: واقع + رغبة + عدوان، مما يؤدي إلى المزج بين الواقع والخيال... في مقابل ذلك أثبت دراسات أخرى قلّة الأفلام التي تحكي عن تأثيرات الإغتصاب من وجهة نظر المرأة وما يصاحب ذلك من شلل كلي، وخوف من صورة الأب، وبرودة تامة كتعبير عن الهروب من الوضعية. أما المآسي والمهانة ومشاعر الذنب التي تجتاحها بعد ذلك فلا يُحكى عنها...

لقد أصبح همُّ التلفزيون عرض المرأة، وبالأخص جسدها كوسيلة لجذب المشاهدين للدعاية والإعلان، وكذلك للإغراء الجنسي. فكثيرا ما تظهر المرأة وهي عارية، وفي حالات تبرز فيها مفاتنها ووضعيات فيها إثارة وإغراء جنسي، والأبشع من ذلك كله تجارة الجنس الرخيص الذي ينزع إنسانيتها ويجعل منها مجرد سلعة للمتعة الرخيصة. وبهذا أصبحت المرأة الرخيصة تسعى إلى استغلال جسدها ومفاتنها حسب معادلة العرض والطلب في السوق التجاري الذي هو سوق ذكوري بالدرجة الأولى، فجسدها سلعة من السلع الثقافية الذي افتقد مواصفاته الإنسانية ودخل في عداد البضائع التجارية الإستهلاكية ما دام أنه أصبح عنصر إغراء وجذب وترويج للبضائع. وما يريده المستهلك يتجسد في ثقافة الدعاية والإعلان التي تتحول في الأخير إلى ثقافة مصنّعة تجعل من المرأة دمية مثيرة فحسب لإغراء المستهلك ذكرا كان أم أنثى.(25)

ونظرا لهذا التأثير فإنه بالإمكان التأكيد على أن الصورة المرئية تتحول فعليا وواقعيا إلى عنف إعلامي وتساهم في انتشار مظاهره لما لها من تأثير كبير على شخصية المتلقي من خلال الرسائل المرئية الجنسية السلبية التي تبثها باستمرار...

إن هذه الثقافة الموجّهة نحو تهميش المرأة عمّقت النظرة الدونية لها وحصرتها في كونها مخلوقا سطحيا بسيطا لا هدف له سوى تلبية رغبات الرجل كما ركّزت على مجموعة من الصور النمطية التقليدية للمرأة التي عكسها كمخلوق ناقص يفتقد القدرة على التفكير العقلاني..فإذا كان الصوت والصورة يلعبان دورا مهما في عمليات التثقيف واستدخال معايير وسلوكيات في نظام حياة الأفراد ، وإذا كان للتكرار والإصرار في إبراز فكرة أو صورة دور يُخطّط له مما يعني أن التلفزيون يُؤثر فينا رغما عنّا ويُعيد تشكيل شخصيتنا من الداخل سلبا وإيجابا فإنه وأمام كلّ ما سبق طرحه لا يعبّر الإعلام العربي المرئي بالخصوص عن واقع إجتماعي أنثوي خاص تعيشه المرأة وتعاني منه بمختلف ظواهره بدءا بالأمية ووصولا إلى أبشع الظواهر سلبية....إنه في اعتقادنا إعلام سلبي بعيدا عن واقع إجتماعي حقيقي، وعن تطورات سياسية وثقافية واجتماعية عالمية وعلمية لا يتّفق والتطورات التكنولوجية السريعة ، ولا يعمل وسط منافسة إعلامية قوية فرضت عليه منذ انتشار البث التلفزيوني المباشر عن طريق الأقمار الصناعية وتولّدت عنه حاجات إعلامية جديدة لعل أبرزها الوعي الإعلامي ومحاربة كل أشكال العنف...

4-التنميط الجنساني ...صور مرئية أنثوية مشوّهة...

أكد الباحث عمر عتيق أن ثقافة الصورة تشكل حيزا مائزا في الخطاب الثقافي ، وتكاد الصورة تتفوق على ثقافة الكلمة في كثير من مقامات الخطاب السياسي والاجتماعي ، ولعل المثيرات البصرية والإيحاءات الدلالية المتوافرة في خطاب الصورة أكثر تأثيرا وإثارة من المثيرات الدلالية التي يحويها الخطاب المقروء أو المسموع ، ولا يخفى أن الشفافية وغياب القناع الدلالي في ثقافة الصورة يوفران قطاعا واسعا من المتلقين على اختلاف مشاربهم الأيدلوجية وانتماءاتهم الطبقية ..كما أن التلقي بوساطة العين التي تشاهد التجسيم لفكرة أو حدث أكثر تأثيرا في الوعي والإدراك ، وأكثر رسوخا في اللاّوعي من تلقي النص المقروء أو المسموع ، وأن صورة واحدة تستطيع أن تختزل قضية كبرى يحتاج التعبير عنها مقالا مطولا أو كتابا ، ومن خصائص تلقي الصورة قدرتها على إضاءة فكرة بزمن قياسي ، إذ إن نظرة واحدة للصورة تخلق فضاءات دلالية وإيحاءات رمزية ، وترسم من الآفاق الفكرية والمعرفية ما يعجز عنه الخطاب المكتوب أو المسموع..(26)

توصّلت إحدى الدراسات حول المرأة والإعلام أن المرأة لا تتعرض للتشويه في أجهزة الإعلام الغربي ، بل وفي وسائل الإعلام العربي كذلك فالإعلام العربي في كثير من الأحيان يبتعد عن واقعها ولا يتعرض لمشكلاتها الأساسية ويتجاهل إنجازاتها في المجتمع وإنجازات المجتمع لها ، وهو لا يخاطب عقلها وإنسانيتها بل يتعامل معها إما كسلعة إذا كانت جميلة أو كمادة للسخرية إذا كانت ذات إنجازات واضحة، فيصورها في صورة المرأة المسترجلة وكأن الإنجاز هو صفة للرجل بالضرورة ، وإذا ما تحدّث الإعلام عن إنجازات المرأة بحياد فإنما يأتي التناول في معظمه إحتفاليا مختزلا ومقتطعا من السياق..و لعل أحد أهم وسائل علاج هذا الوضع هو الإعتراف بالحاجة إلى إستراتيجية إعلامية جديدة تواجه هذه التحديات بفكر جديد وأساليب مبتكرة ، فعلى الإعلام تقع مسؤولية إعادة تشكيل الوعي الإجتماعي والثقافي للرجال والنساء على حد سواء...(27)

ترى الإعلامية دلع الرحبي أن سياسات وسائل الإعلام إزاء صورة المرأة في المجتمع تتجاهل إلى حد بعيد التطور الحاصل في دورها وموقعها على الخريطة لمجتمعية، فبين إهمال الإعلام للمرأة وتجاهله للتقدم النسبي الذي حققته وعدم مواكبته له بمفهوم الهوة الثقافية وبسياسية التغييب والإقصاء نجد أن الحيز المعطى للمرأة في وسائل الإعلام لا يتناسب مع عدد النساء في المجتمع أو في سوق العمل ولا مع توزيعهن الفعلي في الطبقات الاجتماعية... في هذا الإطار توصلت إحدى الدراسات التحليلية لمضمون الدراما المصرية إلى نتائج هامة جدا وهي أن أكثر الوظائف التي قدمتها الشخصيات الدرامية هي 11.6% ربة منزل وأن تمظهرات العنف ضد المرأة في تلك الأعمال موضوع الرصد نجدها قد تجلت بنسبة %92,5من العنف النفسي المعنوي ، %39,7من العنف الجسدي ،8,4    %من العنف الجنسي ، وأن  الضرب هو الشكل الغالب بين أشكال العنف في حين كان التحرش اللفظي والبدني هو الشكل الغالب للعنف الجنسي...

فاحتواء الأعمال الدرامية على ممارسات للعنف أمرٌ لا بد من الوقوف عنده ومقاربته بوعيٍّ وإدراك كاملين فالتلفزيون يتميز عن غيره من وسائل الاتصال المرئي والمسموع بكثير من الخصائص فهو في متناول الجميع , ملازم للناس في بيوتهم وغرفهم ، كما أن الدراما التلفزيونية بصورة خاصة تساعد على استغراق المتلقي في الأحداث الدرامية المعروضة أمامه ، ومشاركته فيها ، وتعاطفه مع الشخصيات بغض النظر عن المضمون والرسالة إضافة إلى التأثير الهائل لتلك الأعمال في بناء صورة الواقع لدى الجمهور..كما أنه أصبح مصدراً لاستقاء المعلومات في ظل غياب أو انعدام عادة القراءة لدى الغالبية العظمى من المشاهدين.. بذلك تصبح الدراما التلفزيونية أداة إعلامية ذات قوة مؤثرة إما في تشكيل الوعي أو في تشويهه وهنا يمكن أن ندرك حجم التأثير السلبي لمشاهد العنف في الدراما والذي يمكن أن تحدثه مجتمعياً في تأصيل ثقافة العنف...

إن تجسيد مشاهد العنف درامياً لا يمكن أن يؤدي إلى نتيجة إيجابية أو يخفف من حدوث هذا العنف فعلا إلا إذا تضمن رسالةً ضمنية أو إدانة صريحة لمثل تلك الممارسات.

وإضافةً للعنف فإن التأثير السلبي يتجلى أيضاً بتكريس الأدوار النمطية للنساء والفتيات وحصرهن في أدوارٍ اجتماعية بعينها (أم، أخت، زوجة، ابنة ...)  وتثبيت تلك الصور السائدة عن المرأة التابعة سواء في أذهان النساء اللائي لازلن خاضعات للإيديولوجية المجتمعية، أو في أذهان الأطفال الذين يتربون على تمثّل تلك الصور فتتابع الأجيال الجديدة مسيرتها وهي محملة بتلك الصور النمطية إلى أن يصبحوا رجالاً يعيدون إنتاج إيديولوجيا التفوق الذكوري الذي يبقي النساء في وضعهن المحصور في الهامش وكأنه أمرٌ من البديهيات والمسلمات.(28)

فالإعلام إذا مازال مقصراً في متابعة التغيرات التي تطرأ على واقع المرأة، إذ مازال يمرر خطابات تكرس النظرة الدونية تجاهها، وتحصرها في أدوار اجتماعية لا تراعي المكانة التي بدأت تشغلها النساء في المجتمع كفاعلاتٍ في التنمية.

لقد عرفت وضعية المرأة في بعض المجتمعات تغييرات إيجابية من خلال مشاركتها المتعددة إن كان على المستوى السياسي أو على مستوى المشروع المجتمعي من خلال تجسيد مقاربة النوع الإجتماعي إيجابا إلا أن صورة المرأة –الأنثى في بعدها الأبوي أكثر تمثلا في أذهان الإعلاميين وبشكل ملفت للإنتباه بل إن استمرارية تقديم هذه الصورة التقليدية في الكثير من البرامج الإعلامية المرئية قد ساهم في تكريس دونيتها وسواد منطق التفوق الذكوري...

يلجأ الإعلام المرئي إذا إلى التنميط مختصراً الفروق الموجودة بين الناس، ومبسطاً إياها بطريقة تتجاهل ذلك الكم الهائل من الغنى والتفاوتات الإنسانية المتنوعة، مما يؤثر سلبياً على الصور التي تتشكل في أذهاننا، ومما يجعلنا ننظر إلى البشر باعتبارهم كتلا متجانسةً أو أنها نسخ طبق الأصل عن مستندات مصورة، وهذا يؤدي بدوره إلى جعل الافتراضات المسبقة التي نفترضها حول مجموعة معينة من البشر ترقى إلى مرتبة الحقائق والبديهيات. وهنا لا يخفى على أحد أن هذا التنميط يساهم في تكريس الظلم الاجتماعي وصولاً إلى ممارسة التمييز سواء على أساس العرق، أو اللون، أو الدين، أو النوع، أو العقيدة، وهو ما يمكن أن يترتب عليه حدوث أشكال من العنف الفردي أو الجماعي ضد مجموعات بعينها. ولعل المثال الأوضح على التنميط الذي يؤدي إلى أشكال التمييز المذكورة هو تنميط الناس من رجال ونساء على اعتبار أن الرجل هو العقل والقوة والمرأة هي العاطفة والضعف...

فإذا كان للمرأة مجموعة حاجات يتطلب إشباعها تساهم في تفاعلاتها الإجتماعية ، فإن عملية الإتصال لتلفزيوني والتي نعتبرها أيضا تفاعل نفسي-إجتماعي- مرئي قد تساهم بشكل كبير في سدّ جملة هذه الحاجات،  غير أن الملاحظ خصوصا في هذه المرحلة أن المرأة غالبا ما تكون الطرف المستجيب دوما لعمليات التفاعل الإعلامي  وهنا يطرح إشكال الكمّ الهائل من البرامج التلفزيونية التي تستقبلها يوميا في إطار عملية التأثير المباشر ..فما يميّز التلفزيون حين نتعاطى معه كوسيلة سمعية بصرية قدراته الهائلة التي تدفعنا إلى التساؤل والتفكير دوما في تأثيراته المباشرة والغير مباشرة على المرأة ..

لقد حاولت هذه الوسيلة في بدايات عهدها أن تكون تعليمية تربوية تثقيفية وحتى تكاملية ولكن التلاقي الذي حصل بين هذه التركيبة التواصلية الخاصة بالتلفزيون والإرادة التجارية أثمر ما يمكن تسميته بالتلفزيون التجاري الذي طبق فكرة التسلية إلى أقصاها، وما نتج عنها من إكتساح  ثقافي رهيب ، وهو الآن أكبر آداة تسلية ولهو في العالم .إن التركيب الخاص للصورة التلفزيونية والمعلومة الحسية جعل المرأة تعيش علاقة خاصة مع هذا الجهاز ، إذ أن مضمون الصورة المرئية  أو ما توحي به من معان هو المادة المموّنة لتحقيق عملية اتصال وإنباء وتواصل تقوم بين المرسل أو معــد الصورة والمرأة النّاظرة إليها والتي ( أي الصورة المرئية) قد توقظ مشاعر وأحاسيس مختلفة قد تكون أيضا متناقضة مع واقع إجتماعي ذا خصوصية سوسيو ثقافية تربوية مميزة تطبعها جملة قيم ومعايير تميّز بها المجتمع الجزائري عن باقي المجتمعات الأخرى ....

ضمن هذا الإطار بالذات يدخل الجنس، العنف ،  والثقافة الصناعية التي تستقبلها المرأة تلقائيا  بشكل دائم وبأسلوب إستعراضي مميّز يكشف أشياء ويخفي أشياء أخرى والأهم من كل هذا عنصر الإثارة في مقابل جمالية الصورة والإبداع ....كل هذا يدفعنا إلى التساؤل عن مدى تأثير الصورة المرئية  بمضامينها المختلفة.. ؛ بثقافتها الخاصة ثقافة السلم والقيم النبيلة من جهة وثقافة العنف والجنس من جهة أخرى... ؛ بأهدافها الظاهرة والخفية  في تكوين شخصية الطفل الجزائري..، بل أبعد من ذلك في تكوين هويتها التي تبقى دائما مرتبطة بما هو تربوي ...إنه بحق عنف  إعلامي ....

خاتمة

لقد برز الإعلام المرئي بشكل واضع في المجتمعات الحديثة،و تطور بتطور التكنولوجيا والإقتصاد ليصبح في حد ذاته ثمرة لهذه التطورات، فأصبح من الضروري استخدام وسائل اتصالية تتماشى وسمات المجتمعات الحديثة التي تتشابك وتتعدد العلاقات الإجتماعية فيها، ويتعدى مجال هذه العلاقات حدود المجتمع المحلي إلى المجتمع العالمي الذي تحول بفضل الإعلام عبر الكلمة والصورة والصوت إلى قرية يتفاعل فيها كل أفراد وجماعات المجتمع العالمي.

بل وأصبح الإعلام في المجتمعات الحديثة، بكل خصوصياته العلمية والعملية، بقوته وقدرته على نقل المعلومات والوقائع والأحداث، ونشرها

و تحليلها بسرعة كبيرة، وإرسالها جاهزة للإستهلاك من طرف أفراد المجتمع، ظاهرة علمية تدعو إلى عدة تساؤلات واستفسارات حول الإعلام وحقيقته،الدور الذي يلعبه في تحوّل المجتمعات من وضعيات إجتماعية إلى أخرى، دوره في مجتمعات تتحول من مجتمعات إنتاجية تنتج سلعا وموارد وآلات وأجهزة إلى مجتمعات إعلامية تنتج معلومات وأخبار تستخدم في شتى الميادين الاجتماعية...(29)

إن حداثة البحث في ظاهرة العنف الإعلامي الموجّه ضد المرأة في المجتمعات الغربية والعربية أثّر وبشكل كبير في تحديد آثارها لاسيّما في المجال البحثي الإنساني الذي نعتبره من أهم المجالات قدرة على طرح الطابوهات الأنثوية، تحليلها، وتقديم معانيها إجتماعيا وإنسانيا. فميدان البحث في ظاهرة العنف العنف الإعلامي المرئي الممارس على المرأة العربية من الميادين الهامة التي أصبحت تشغل حيزا فكريا كبيرا لأنها تمس الحياة الإجتماعية للمرأة وتؤثر عليها بشكل كبير مثلما هو ملاحظ واقعيا. ففي الوقت الذي نؤكّد فيه على التنمية المجتمعيّة لاسيّما وأنّه لم يعد هناك جدل حول أهمّيتها، يبث الإعلام المرئي صورا إعلامية جنسية بالدرجة الأولى بأشكال متنوّعة ومختلفة تتضمّن رسائل إعلامية خطيرة متناقضة التوجهات والأوجه في الآن نفسه، إيديولوجية بالدرجة الأولى، ذات أبعاد سياسية وثقافية مؤثرة وبشكل كبير على سلوكيات الكثير من النساء والفتيات اللواتي غالبا ما يقعن ضحية هذه الرسائل عن لاوعي لاسيما إذا كانت معارضة أو متناقضة مع جملة الطابوهات والمقدّسات والممنوعات التي تحيط بهن....

فبين التغيّر والرغبة في التغيير، بين التحدي والخضوع، بين الرفض والإستمالة، بين التحرر من قيود أبوية تقليدية ومحاولة تحسين وضعيتها، بين الإلتزام القيمي الديني والعرفي والفكر السلبي يتموقع المجال البحثي الإعلامي حول الرسائل الإعلامية المستهلكة من طرف المجتمع الأنثوي العربي المحكوم ببنية إجتماعية متخلّفة تحكم على حدّ تعبير المفكّر العربي مصطفى حجازي  السلوك الفردي الذي هو نمط من السلوك يشكّل البعد الذاتي من مسألة التخلّف الذي يكمّل البعد الموضوعي ويتفاعل معه جدليا في حالة من تبادل التأثير والتحدي.

وقد يكون هذا الوضع دافعا أساسيا لإجراء الكثير من الأبحاث عن تأثير الإستهلاك الإعلامي المرئي على المرأة العربية في علاقته بحقائق إجتماعية خفية تعيشها وتعاني تأثيراتها المستمرّة. بل إنّ هذه الحقائق بحيثياتها وأبعادها الخفية هي في اعتقادنا أساس أي دراسة علمية إعلامية ...إذ نؤكّد في هذا الإطار أن تحليل مضمون الرسائل الإعلامية المختلفة التي تبث بالآلاف بل بالملايين يوميا وبشكل عنيف بات ضروريا حيث يبرز قوة تأثيرها وبالتالي محاولة مجابهتها في ظل الكثير من التراكمات الثقافية التقليدية الرّاسخة والمنتجة لتصوّرات إجتماعية يحكمها أنا جماعي ويوجّهها في سياق يعمل على قولبة وضع المرأة، وعلى تحديد أدوارها.

إن الصور الإعلامية العصرية المتحررة والنماذج الدخيلة المطروحة لم تُستوعب بعد، أو ربّما استُوعبت جزئيا أو سطحيا مثلما هو ملاحظ واقعيا، بل وساهم في تشكيل نموذج إنساني أنثوي جدّ معقّد، متناقض ومتصارع تتعايش معه المرأة ، تؤدي مهامها في ظل تغييرات إجتماعية، وبروز أفكار واتجاهات حديثة...هذا التناقض قد يكون مصدر عنف متعدّد الأشكال في ظل التنميط الجنساني للأدوار الجنسية من جهة، والسيطرة الذكورية من جهة أخرى.

1.                       مصطفى المصمودي: النظام الإعلامي الجديد، عالم المعرفة، الكويت، 1985، ص 192-193

2.                       الإعلام والمرأة في الريف والحضر، دراسة تطبيقية على مصر والبحرين، على:

http://nwrcegypt.org/wp-content/uploads/2014/02

3.                       ميس فريد جاد الله بدر: صورة المرأة الأردنية في الصحافة الأردنية اليومية، رسالة ماجستير، قسم الإعلام، جامعة الشرق الأوسط للدراسات العليا، 2009، ص 7

4.                       زهير حطب: تظهير الصورة وتوضيح الذات والهوية، في مجلّة الفكر العربي، عدد 135، الكويت، ص 3

5.                       على دوشي العرادة: مكانة المرأة وصورتها في المسلسلات الكويتية (مسلسل زوارة خميس نموذجا) دراسة تحليلية نوعية، رسالة ماجستير في الإعلام، كلية الإعلام، جامعة الشرق الأوسط، الأردن، 2013، ص 2

6.                       أرثر سويس: التأليف للتلفزيون، ترجمة إسماعيل أرسلان، الدار المصرية للتأليف والترجمة، القاهرة، 1966، ص35

7.                       عز الدين البوشيخي: المرأة العربية المعاصرة، الإنتماء الحضاري والبعد السيكولوجي، منتدى سور الأزبكية ـ المغرب ـ ط 1ـ 1984ـ ص 10

8.                       أندريه لالاند: موسوعة لالاند الفلسفية، منشورات عويدات، بيروت، 1996، ص 1554

9.                       ماجي الحلواني: الفن الإذاعي والتلفزيوني والفضائي، عالم الكتب للنشر والتوزيع، القاهرة ،2002، ص66

10.                   ابراهيم أبو عرقوب: الإتصال الإنساني ودوره في التفاعل الإجتماعي، دار مجدلاوي، عمان، 1993، ص 9

11.                   خالد خبريش: العنف عبر وسائل الإعلام، مقال صدر بتاريخ:6/تموز /2006علىwww/annabaa/org/news

12.                   خليل وديع شكور: العنف والجريمة، الدار العربية للعلوم، ط1، بيروت،1997، ص63 

13.                   شرام وزملائه:التلفزيون وأثره في حياة أطفالنا،ترجمة زكريا سيد حسن، الدار المصرية للتأليف والترجمة، القاهرة ، 1965،ص13-14

14.                   علي محمد جعفر: الأحداث المنحرفون، دراسة مقارنة، المؤسسة الجامعية للدراسات، بيروت، ط 1،1984ص 92.

15.                   عبد الباسط سلمان: عولمة القنوات الفضائية، الدار الثقافية للنشر، دون سنة، ص 23

16.                   هادي محمود: العنف ضد النساء، مقال صدر بجريدة الحوار المتمدن الإلكترونية، العدد 419،8/3/2003على: :www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=1079

17.                   جابر عصفور: المرأة والإعلام، مقال صدر بجريدة الحوار المتمدن الإلكترونية، العدد: 412بتاريح 1مارس 2003، على :www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=996

18.                   سمر محفوض: صورة المرأة في الإعلان والإعلام العربي في سياق النزعة الإستهلاكية المفرطة على http://almothaqaf.com/index.php/woman-day-3/85134.h

19.                   أمينة فخري الدحدوح: صورة المرأة في إعلانات الفضائيات العربية لدى طالبات الجامعة الإسلامية، دراسة ميدانية، قسم الصحافة والإعلام، الجامعة الإسلامية غزة، 2010، ص 20

20.                   Bernard Cathelat, Publicité et l’image de soi, edition Dunod, Paris, 1993, p120-121

21.                   أمينة فخري الدحدوح، نفس المرجع السابق ذكره، ص 21

22.                   أيمن عقيل: الإعلام والعنف ضد المرأة ما بين المواجهة والتكريس على

www.maatpeace.org/sites/www.maatpeace.org/files

23.دلع الرحبي:دور الإعلام في التنمية البشرية  

   www.undp.org.sa/sa/documents/newsroom/2006/media/DalaaAlRahbi_Women.pdf

24.                   زهير حطب وعباس مكي: السلطة الأبوية والشباب دراسة ميدانية إجتماعية نفسية حول السلطة وتمثلاتها، معهد الإنماء العربي، بيروت 1985، ص 24

25.                   عمر عتيق: ثقافة الصورة، دراسات أسلوبية على

:www.qou.edu/arabic/researchProgram/researchersPages/omarAteeq/search_18.pdf

26.                   أيمن عقيل:الإعلام والعنف ضد المرأة ما بين المواجهة والتكريس ، نفس المرجع السابق ذكره

27.                   إبراهيم الحيدري: النظام الأبوي وإشكالية الجنس عند العرب، دار الساقي، بيروت، الطبعة الأولى 2003، ص381

28.                   السيد محمد بدوي: مبادئ علم الإجتماع، دار المعرفة الجامعية، الإسكندرية ،1988ص 279

29.                   دلع الرحبي، نفس المرجع السابق ذكره

@pour_citer_ce_document

نورة قنيفة, «العنف الإعلامي المرئي وإشكالية الجسد الأنثوي »

[En ligne] ,[#G_TITLE:#langue] ,[#G_TITLE:#langue]
Papier : ,
Date Publication Sur Papier : 2016-11-10,
Date Pulication Electronique : 2016-11-10,
mis a jour le : 08/10/2018,
URL : https://revues.univ-setif2.dz:443/revue/index.php?id=1791.