المنظومة الدينية لمجتمع مدينة "سيرتا" أثناء الاحتلال الروماني
Plan du site au format XML


Archive: revues des lettres et sciences sociales


N°01 Avril 2004


N°02 Mai 2005


N°03 Novembre 2005


N°04 Juin 2006


N°05 Juin 2007


N°06 Janvier 2008


N°07 Juin 2008


N°08 Mai 2009


N°09 Octobre 2009


N°10 Décembre 2009


N°11 Juin 2010


N°12 Juillet 2010


N°13 Janvier 2011


N°14 Juin 2011


N°15 Juillet 2012


N°16 Décembre 2012


N°17 Septembre 2013


Revue des Lettres et Sciences Sociales


N°18 Juin 2014


N°19 Décembre 2014


N°20 Juin 2015


N°21 Décembre 2015


N°22 Juin 2016


N° 23 Décembre 2016


N° 24 Juin 2017


N° 25 Décembre 2017


N°26 Vol 15- 2018


N°27 Vol 15- 2018


N°28 Vol 15- 2018


N°01 Vol 16- 2019


N°02 Vol 16- 2019


N°03 Vol 16- 2019


N°04 Vol 16- 2019


N°01 VOL 17-2020


N:02 vol 17-2020


N:03 vol 17-2020


N°01 vol 18-2021


N°02 vol 18-2021


N°01 vol 19-2022


N°02 vol 19-2022


N°01 vol 20-2023


N°02 vol 20-2023


N°01 vol 21-2024


A propos

avancée

Archive PDF

N°22 Juin 2016

المنظومة الدينية لمجتمع مدينة "سيرتا" أثناء الاحتلال الروماني


  • resume:Ar
  • resume
  • Abstract
  • Auteurs
  • TEXTE INTEGRAL

دراسة المنظومة الدينية لمجتمع مدينة سيرتا خلال الفترة الرومانية كانت من المواضيع التي أولاها الباحثين أهمية بالغة في معظم الدراسات التاريخية و الأثرية المتعلقة بالمدينة القديمة و مجتمعها. رغم شحة الوثائق و النصوص التاريخية المتعلقة بالمجتمع السرتوي، تبقى النقيشات اللاتينية من المصادر الموثوقة و التي تعطينا معلومات جدّ هامة حول هذا الجانب من الحياة الاجتماعية و المتمثلة في المنظومة الدينية و نوعية الطقوس و الشعائر الدينية.

يمكننا من خلال المجموعة الهائلة من الكتابات اللاتينية الخاصة بمدينة سيرتا استخراج و استخلاص المعلومات الهامة المتعلقة بعدد الكهنة و رجال الدين و كيفية تنظيم هذه المهنة ضمن المنظومة الدينية و مختلف آلهة سيرتا.

هذه الدراسة تسمح لنا في بداية الأمر إحصاء كل رجال الدين و الممتهنين للوظائف الدينية في مدينة سيرتا، ثم إلقاء الضوء حول كل الجوانب التنظيمية للوظيفية الدينية.

كلمات مفتاحية: النقيشات اللاتينية، الكهنوت و الكهنة، المنظومة، الطقوس الوثنية

L’organisation religieuse de l’antique Cirta a toujours suscité un intérêt particulier dans les études historiques et archéologiques. Certes, très peude documents nous renseignent sur cet aspect de la société cirtéenne. L’épigraphie latine nous donne des informations précieuses sur la nature des cultes rendus et la composante de ce panthéon.

Les nombreux textes épigraphiques nous révèlent aussi un nombre considérable des prêtres appartenant au panthéon de Cirta, ainsi qu’une organisation de la fonction selon les différents cultes.

Cette étude permettra d’abord un recensement des Sacerdos de Cirta durant la colonisation romaine et tentera de mettre la lumière sur les différents aspects organisationnels de la fonction sacerdotale.

 

Mots clés : Épigraphie, sacerdos, organisation, cultes, paganisme.

The religious organistion of antique Cirta has always arised a particular interest in historical and archeological studies ; however, only few documents give us information about this aspect of the Cirtean society.

Latin epygraphy gives us precious information about the nature of that time worship and cult as wellas the compenent of the pantheon.

Various epigraphic texts reveal a considerable number of priests belonging to the pantheon of Cirta and the organisation of the function of priest according to the different cults existing there.

This study will enoble census of the sacerdos of Cirta during Roman colonisation and will attempt to shed light on different organisational aspects of the sacerdotal function.

 

Key words : Epygraphy, sacerdos, organisation, cults, paganism.

الديانة في مفهوم المجتمع الروماني هي مجموع المعتقدات والطقوس والشعائر الدينية الممارسة حسب نظام وقواعد موروثة منذ القدم وتعتبر من العوامل الأساسية في تكوين البنية الاجتماعية داخل المدن ولها تأثير مباشر على الحياة السياسة والقرارات المتخذة ضمن المجالس المحلية.

المنظومة الدينية لمجتمع مدينة سيرتا خلال فترة الاحتلال الروماني هي محل اهتمامات الباحثين في وقتنا الحاضر لما تمثله هذه العاصمة النوميدية من مكانة واهمية على المستوى الاقليمي والامبراطوري، لعل هذا ما قد يحدد لنا مدى رومنة المجتمع المحلي أو رفضه لسياسة التعمير والرومنة في هذه المنطقة. وفرة المادة العلمية من خلال النقيشات اللاتينية مقارنة بالمدن النوميدية الأخرى، يعتبر عاملا أساسيا في اعادة تركيب البنية الاجتماعية والمنظومة الدينية لمدينة سيرتا خلال القرون الثلاث الأولى للميلاد، ومن خلالها أيضا يمكن تحديد مختلف الشرائح الاجتماعية بعد توليها مختلف الوظائف الدينية على المستوى المحلي وفي مختلف الطقوس الرسمية والكلاسيكية.

المصطلح اللاتيني Religioيقصد به الكيفية الشرعية لإقامة العلاقة المباشرة والدائمة بين الأفراد والآلهة، ولن يتم ذلك إلاّ بتوفر العنصر البشري الذي يسهر على إقامة هذه العلاقةالمقدسة1.

تنوعت الصور التي تعطيها الديانات في تاريخها للكاهن والكهنوت عند تأدية الفعل المقدس، فالحقيقة تكمن في أنه هو الخبير في الديانة والشؤون المقدسة بحيث يتّسم ببعض الصفات التي تميزه عن باقي أفراد المجتمع والتي تسمح له بأداء مهامه حسب ما تنص عليه القوانين والتشريعات الدينية. تتمثل مهامه الرسمية في ربط الصلة والحفاظ عليها بين المجتمع والمقدس، فهو أحيانا بمثابة الرسول وممثل الآلهة وأحيانا أخرى ينظر إليه كساحر أو كشخص غريب غير عادي، من جهة أخرى نجده يمثل الفرد والمجتمع عند أداءه الفعل المقدس، من صلاحياته أيضا القيام ومراقبة الطقوس الدينية العامة والإشراف على عمليات التضحية كما يسهر أيضا على تطبيق الأحكام والقوانين الصادرة عن المجامع الرهبانية2.

التسمية اللاّتينية للكهنوت Sacerdosهي في الحقيقة تركيبة من كلمتين، الأولى تتمثل في  صفة المقدس  Sacerوالثانية من Dosالتي تأخذ أصلها من كلمة Dare والتي تعني العطاء، يقصد بالكهنوت الشخص الذي يتولى مهام تأدية الفعل المقدس والمتمثل في تنظيم الطقوس والشعائر الدينية فهو الذي يشرف على تسليم القرابين والتضحية، كما يعتبر أيضا المشرف والخبير في الشؤون الدينية وكلّ ما تعلق بالجانب الديني للإله المكرس له3.

من خلال ذلك نفهم بأن الشخص الكهنوت في المجتمع الروماني هو ذاك الذي يقوم بمهام خاصة مقدسة وتفرض عليه واجبات واحترام القوانين والنظم والتقاليد، من جهة أخرى حضي أيضا الكهنوت بمكانة وامتيازات معتبرة ضمن المجتمعات المحلية.

يختلف مجموع الكهنوت فيما بينهم باختلاف أنواع الآلهة المخولين لتأدية طقوسها، فلا توجد بينهم علاقة وظيفية أو علاقة انتماء فكلّ واحد يقوم بمهامه كما تتطلبه نوعية الطقوس التي كرس لها ويبقى دائما في خدمة السلطة المحلية في المدينة ومساعدتها في المسائل الدينية.

الملاحظ في هذه الطائفة من رجال الدين أنهم لا يشكلون مجامع بمفهوم الطقوس الإمبراطورية الرسمية وإنما يتكتلون ضمن مجامع مكرسة داخل معبد خاص بتنظيم مدقق في المراتب والمهام الكهنوتية.

مقاربتنا له بالكاهن Flamen4يطرح تساؤلات عديدة حول مرتبة كلّ واحد منهما حسب الآخر، مع العلم أن الكاهن تعلوه مرتبة كهنوتية أعلى وهي كاهن المدينة Sacerdos Urbisكما يعرف في المغرب القديم وFlamen Romaeفي المقاطعات الرومانية الأخرى 5 والتي يصنّفها J. Toutain6تحت وظيفة الكهنوت العادي SACERDOS7. هل يمكن الاستخلاص من ذلك أن الكهنوت هي مرتبة عليا فوق درجة الكاهن FLAMENضمن السلّم الكهنوتي؟  فإذا أخذنا بهذا التقارب فهو كذلك، ولكن إذا نظرنا إلى مكانة الطقوس الإمبراطورية في المرحلة الأولى والعدد الهائل جدا للكهنة مقارنة بعدد الكهنوت المخولة لطقوس الآلهة التقليدية فلا مجال للمقارنة وما يؤكد ذلك هو نظرة C. Jullianللكهنوت على أنه في درجة أسفل بالنسبة للكاهن8.

تقام الممارسات الدينية في المجتمع الروماني عموما ضمن مجامع متخصصة تصدر أحكاما وتنظم الشعائر والطقوس الدينية كل في مجال تخصصه، جرت العادة أن تكون هذه المجامع دائما تحت مسؤولية كاهن أو كهنوت معين لقيادته وتسييره Magisterوهو أيضا بمثابة الناطق الرسمي.

مجمع الرهبان Ponteficiالذي يقوم على أسس ونظام قانوني داخلي، يظهر بخصائص متميزة عن بقية المجامع حيث مجمل أعضائه يتمتعون بمكانة عليا داخل المجتمع المدني، فهم إداريون منتخبون لإدارة الشؤون الدينية المقدسة ضمن المجتمع المدني والديني Pontifex، فالراهب الأكبر والرئيس لمجمع الرهبان الخمسة عشر في نهاية العهد الجمهوري، يعتبر هو المسؤول وقائد كل الطقوس الدينية بكل أنواعها. من مهامه أيضا مراقبة كيفية تسييرها وحتى تعيين بعض الكهنة مثل كاهن "يوبيتر". من صلاحيات المجمع أيضا تغيير بعض العناصر التي يراها غير مطابقة لقواعدها المعمول بها، وإدخال بعض الإصلاحات الضرورية في تأدية بعض الطقوس الدينية مستعينا ومعتمدا في ذلك أساسا على مجمع العرّاف أو العرّافين Auguriالذين يديرون شؤونهم في تفسير ومعرفة ما يصدره الآلهة من أوامر عبر الملاحظة الطبيعية. هذه القراءة في رغبات الآلهة عبر الملاحظة لما يجري حوله في الطبيعة، هو مفهوم قديم وبدون شك كان لهم تأثيرا مباشرا على الحياة المدنية والسياسية، حيث كانت المجالس كلّها لا تعقد دوراتها قبل أن تستشير مجمع العرّافين، وحتى الجيوش تقوم بذلك قبل تنقلاتها. فكانت قراءتهم تتم في ملاحظة خاصة للعلامات السماوية، وخاصة كيفية طيران الطيور داخل مربع مشكل ومحدّد خياليا في السماء من طرف العرّاف، الذي يسمّى المعبد = Templum، والذي بدون شكّ أعطى فيما بعد تسميته للمعبد الكلاسيكسي9.

ترجع الأصول الاجتماعية لأغلب الكهنة Flaminiالذين تولوا مهامهم في المقاطعات الافريقية الرومانية إلى الطبقات الآرستوقراطية الغنية ذلك بدفع كل القيم المالية الباهظة المشترطة لالتماس هذه الوظائف والأغلبية منهم قد تولوا مهاما ووظائفا سامية من قبل سواء كانت مدنية أو قضائية أو عسكرية، عكس مجموع الكهنوت الذين ينبثقون من الطبقات المتوسطة، فلا يشترط عليهم أن يكونوا قد مارسوا وظائفا مسبقة، بل نجد عدد منهم يأخذ أصله من العبيد الذين أعتقوا10.       

بالنسبة للشروط التي وجب توفرها عند الشخص المرشح لتولي وظيفة الكهنوت الذي ينتخب من طرف المجلس المحلي أو يعين من طرف مجمع الرهبان، فهي تتمثل أساسا في السلامة الذهنية والجسدية ولا تكون لديه سوابق قضائية ثم المواطنة الرومانية وتكون المدة الكهنوتية مدى الحياه11.

هم أيضا كالكهنة حضوا بامتيازات شرفية حيث يرتدون ثوب الشرف والحكام Toge Pretexte، ويتمتعون بالحصانة Immunitéو بأماكن خاصة شرفية في الحفلات والمسرح12.

تميز عهد الإمبراطور أوغسطس بعدة إصلاحات هامة في المنظومة الدينية وبالخصوص في كيفية تنظيم مؤسساتها، ولعل أبرزها يتمثل في إدخال مفهوم تأليه الإمبراطور بعد وفاته ويصبح بذلك إله ضمن آلهة روما، تكرس له طقوس خاصة ويخول له كاهن خاص لتأديتها وتنظيمها، هذا ما حدث عندما ألّه يوليوس قيصر بعد وفاته سنة 44قبل الميلاد.

لم تبق العاصمة النوميدية سيرتا بعيدة عن هذه التحولات السياسية والاجتماعية التي عاشتها الامبراطورية الرومانية، بل سايرتها وتبنتها على صورة روما، حيث يكون باستطاعتنا من خلال كل الوثائق والنصوص والنقيشات التي بحوزتنا اعادة تركيب مجموع المؤسسات الدينية على صورة عاصمة الامبراطورية.

 أ‌-كهنة الطقوس الرسمية

1.    هيئة الرهبان

تعتبر هذه الشريحة من رجال الدين أهم الشرائح كونهم أول المسؤولين في المدينة عن تسيير الشؤون الدينية وأداء الفعل المقدس ويشكلون مجامع تحت قيادة مسؤول منتخب Magister13. لدينا إلى حدّ الآن خمسة وثمانين (85) راهب موزعين على كلّ مقاطعات المغرب القديم والأغلبية منهم ينتمون إلى المقاطعة النوميدية التي بلغ عددهم حسب النقيشات التي عثر عليها إلى حدّ الآن بـ: 46راهب.

حضيت مدينة "كويكول" لوحدها بعدد معتبر مقارنة بالمدن النوميدية الأخرى حيث بلغ عددهم 14راهب على غرار عاصمتها "سيرتا" التي وصل عددهم إلى 08رهبان، مقارنة بالمدن والمقاطعات الإفريقية الأخرى نجد إلاّ مدينة "لبكيس ماجنا" Lepcis Magnaطرابلس حاليا التي أفرزت عددا معتبرا بلغ 10رهبان. أما في باقي المدن الافريقية كان عددهم نسبيا يتراوح بين 02و04ينحصرون في المدن الكبرى لمختلف المقاطعات وغياب تام في المقاطعة الموريطانية الطنجية  ولا يتعدى عددهم 06رهبان في الموريطانية القيصرية.

التوزيع الجغرافي لهؤلاء الرهبان يوضح جليا كثافتهم في المقاطعة النوميدية، بينما يتناقص وجودهم كلّما اتجهنا غربا تجاه الموريطانيتين.

نحن نعلم أن الرهبان يختارون وينتخبون من طائفة الكهنة، بعد أن سدّدوا القيّم الرسمية والشرفية لذلك14، بينما الناقشات التي عثر عليها كلها تبين أنهم أشخاص قد تولّوا مهاما مدنية وسياسية وعسكرية وقضائية من قبل، من بينهم قناصل وممثلين ومبعوثين فوق العادة للإمبراطور في شتى المهام، وقدماء عسكريين، نسبة معتبرة منهم تولت أيضا مهام كهنوتية أخرى وأعضاء في المجامع الصودالية والأخويات.

2.    هيئة العرّافين

العرّاف ليس بالكاهن أو الكهنوت المعروف بالمعنى الحقيقي، فهو عضو في هيئة تحت قيادة رئيس المجمع Magister Augurum، يعمل المجمع بكامله تحت مراقبة مجمع الرهبان الذي يسيره في كلّ أعماله، كما يقوم العرّاف بمساعدة الرهبان في شتّى مهامهم بمثابة أحد الأعوان المباشرين15.

بدون شكّ كانت لهم أدوارا أساسية في مختلف مجالات الحياة داخل المدينة والمجتمع وفي شؤون الحرب والسياسة كمستشارين قبل اتخاذ أي قرار.

من خلال المجموعة التي عثر تقيشاتهم في المغرب القديم والتي بلغ عددها 52عرافا، نلاحظ أن انتشارها الجغرافي قد تم بنفس الكيفية والكمية كالهيئات الرهبانية، حيث استحوذت المقاطعة النوميدية على أكبر نسبة لا تقل عن 34عرّاف بينما ينعدم وجودهم في المقاطعة الموريطانية الطنجية.

من بين المجموعة النوميدية: اثنان لمدينة "لامبيز"  والثالث لمدينة "كويكول" ينتمون إلى نوع خاص من العرّافين Haruspex  وAuspici16، فهم أكثر اعتبارا من العرّاف العادي وأصل هذا النوع من العراف يأخذ أصله من مناطق "إتروريا" في شمال إيطاليا ومن الحضارة الإتروسكية، تتمثل مهامهم الدينية في التعرف والتنبؤ انطلاقا من بقايا الجثث والأحشاء، لذا يطلق عليهم أسم (عرّاف الأحشاء). من مهامهم أيضا مرافقة الجيوش والتنبؤ في الميادين العسكرية والقضائية، بذلك يتقربون دائما بقادة الفيالق والقضاة بمثابة مستشارين 17 وهذا ما يفسر وجودهم في مدينة لامبيز مقر القيادة العسكرية للفيلق الثالث الأوغسطي.

عموما حسب النقيشات التي بين أيدينا نستخلص أن هذه المهام يلتمسها أشخاص ينتمون إلى الطبقات الآرستوقراطية في المدن وقد تقلدوا من قبل مناصب ووظائف مدنية وعسكرية وقضائية جدّ هامة، ذلك بعد تسديد القيم الرسمية والشرفية التي تعتبر نسبية من مدينة إلى أخرى حسب أهميتها18.

3.    المجمعات الكهنوتية المخولة لشؤون الحرب والمعاهدات

تنتمي هذه الطائفة من الكهنوت إلى مجامع خاصة تمتاز بخصوصيات ومزايا معينة، وبذلك يكوّنون عادة مجامع تتضمن عشرون (20) عضوا، حيث تتمثل مهامهم في إعلان الحروب والتكهن في شؤونها وعقد المعاهدات الحربية والسياسية عند الحاجة، يدعم ذلك بإجراء طقوس للإله "يوبيتر" للوقوف معهم ضدّ العدو19.

لعبت هذه الطقوس وهذه الطائفة من الكهنوت دورا هاما وأساسيا في إعطاء الشرعية الدينية والقانونية للقرارات التي يتخذها الحكام بشأن خوض الحروب أو عقد معاهدات السلم.

الكيفية التي يقوم بها الكهنوت "الفيسيالي"  Fetialesلإعلان الحرب، تكون جد رمزية، حيث من معبد الإلهة "بيلّوناي فيرتوتيس" يرمي رمحا باتجاه موقع من الساحة يكون قد حدد من قبل ويرمز به إلى تراب العدو20.

أما في حالة إبرام المعاهدات فيكون بمثابة الناطق الرسمي للدولة، حيث يلقي نص بنود المعاهدات على كافة الشعب في الساحة العامة وفي الأخير يطلب من الإله "يوبيتر" أن يضرب الشعب الروماني إذا ما خالف هذه الالتزامات بالمعاهدة المبرمة21.

عموما تكون خصائص هذا المجمع هي الحفاظ والعناية والسهر على الشرعية الدينية والقانونية تجاه الجيوش الرومانية ثم السماح لها بالقيام بمهامها بكل حرية داخل ذلك الإطار الشرعي الديني والقانوني.

 4.    مجمعات الأعضاء الخمسة عشر المقدسة

المصطلح اللاتيني Sacris Faciundisيعطي لنا تفسيرا دقيقا حول مفهوم ووظيفة هذا المجمع 22، حيث تتمثل مهامه أساسا في القيام بالفعل المقدس ويتمثل ذلك في الحفاظ على الكتب  السيبيلية Livres Sybillinsثم الرجوع إليها في أوقات الحاجة وفي الحالات الصعبة التي تمر بها الدولة والمجتمع، فهي تحوي في مضمونها حلولا مقدسة ومعادلات دينية مقدسة لكل الظروف والحالات الصعبة التي لم يجد لها مجلس الشيوخ حلا، لهذه الحالات يتطلب الأمر استدعاء هذا المجمع لقراءة هذه الكتب وإيفاء المجلس بالحلول اللاّزمة والمناسبة والطارئة.

في بدايته كان المجمع يضم عشرة أعضاء، حيث كان يسمى بـ: Decemviri ( X Viri)و في نهاية العهد الجمهوري اتسع إلى خمسة عشرة (15) عضوا وتغيرت تسميته إلى Quindecim Viri (XV Viri).

ينتشر أعضاء هذه المجامع عبر المقاطعات الشرقية الأربعة : التريبوليتانية، البيزنصية، البروقنصلية والنوميدية ويتضح لنا جليا من خلال معاينة نصوص النقيشات المتعلقة بهم أن جلهم إنبثقوا من الطبقات الآرستوقراطية وتولّوا كلّهم وظائفا مدنية سياسية وعسكرية وقضائية جدّ هامة، ذلك ما يفسر في نظرنا أهمية هذه الشريحة من رجال الدين في الحياة الدينية للمجتمع الروماني.

5.    المجمعات "الصودالية" والأخويات

هذا النوع من المجمعات ظهر في روما قبل أن تنتشر عبر كل المقاطعات الرومانية الأخرى وتتكون من عدّة أشخاص تتمثل أدوارهم في التنظيم والحفاظ على بعض الطقوس الخاصة بالعائلات الإمبراطورية وسلالاتهم المؤلهة ثم القيام بتحظير الحفلات على شرفها23.

كانت تسمى بالأخويات Sodalitas، أما الأعضاء فيلقبون بـ: Sodales، في الحقيقة أن نفس التسمية كانت تطلق على مجامع الآلهة الرومانية الأخرى في العهد الجمهوري، ثم أصبح نفس المفهوم مستعارا ليشار به إلى المجمعات المكرسة لتخليد العائلات والسلالات الحاكمة، ذلك استنادا للمفهوم الديني الجديد الذي أظهره وأحدثه الإمبراطور "أوغسطس"24.

أول مجموعة ظهرت في إفريقيا هي مجمعات وأخويات  "أوغسطس" Sodalis Augustalisثم تلتها مجامع أخرى كأخويات "تيتوس" والعائلة "الفلافية" ثم الإمبراطور "هادريانوس".

يعين مجموعة من الكهنوت ضمن طاقمها لأداء وضمان استمرارية طقوسها المخولة لها والحفاظ عليها وأول ما ظهر هو مجمع أخويات أو"غسطس"كما أشرنا إليه أعلاه والذي أسّسه الإمبراطور "تيبريوس"، من مهامه الأساسية هو الحفاظ على طقوس السلالة "اليولية"Gens Iuliaبعدها تعممت هذه الظاهرة والعادة تقريبا إلى كلّ العائلات الحاكمة بعد "أوغسطس".

 ب-الدور الاجتماعي والاقتصادي للنخب التابعة لإقليم سيرتا

كونها عاصمة الكنفديرالية السرتوية والمقاطعة النوميدية كانت المدينة سيرتا تستقطب العناصر الهامة والفاعلة في تسيير شؤون المدينة والمواطنين السرتويين، فهذه المكانة الهامة تفرض كما جرت العادة على أعضاء الطبقة الثرية دفع مبالغ مالية معتبرة لصالح خزينة المدينة، ذلك كشرط أساسي لتولي إحدى المهام الإدارية أو السياسية أو الدينية في المدينة 25.

تذكر لنا النقيشات في نصوصها معلومات جدّ قيمة في ما يخص الدور الذي لعبته الطبقة  البرجوازية في تشييد وبناء وتطوير المدن والمستعمرات التي  يقيمون فيها، ذلك من خلال دفع القيم المالية الرسمية المفروضة لتقلد المناصب المختلفة في المدينة والمحددة من طرف المجلس البلدي 26، ثم الهبات والقيم المالية الشرفية الإضافية والألعاب والحفلات الدينية المقامة على حسابهم الخاص في المناسبات الرسمية والدينية.، تعتبر هذه المداخيل المالية جدّ أساسية لتحديد الميزانية العامة وتسيير شؤون المدينة ثم ضمان استمرارية تمويل الخزينة العمومية بصفة منتظمة، نجد بعض نصوص النقيشات تحدد لنا وبكيفية دقيقة القيم الإلزامية لتقلد المناصب 27 وهي كالتالي:


 الوظيفة

القيمة المحددة

التأريخ

المصدر

عضو المجلس البلدي

Decuriones

20000 - 34000HS

235 - 218

CILVIII, 7983.28

مسؤول الشؤون العامة والتموين

Aedil

HS  20 000

200

CILVIII, 7990 / 7991.

دوومفير ثلاثي

III Vir

HS  20 000

217 – 211

CILVIII, 7001.

الدوومفبر الخماسي المكلف بالإحصاء

II Vir Quinquenalis

HS  20 000

217 – 211

CILVIII, 7095 = 19435 ; ILS, 2933.

مفوض لتسيير الشؤون العامة

Praefectus I(ure) D(icundus)

HS  20 000

200

CILVIII, 6944.

العراف

Auguratus

HS  34 000

 

CILVIII, 7990, 7991.

الكاهن

Flaminatus

HS  82 000

218 – 215

CILVIII, 7963 = 19849.

الراهب للشؤون الدينية

Pontificatus

HS  55 000

 

CILVIII, 7983.

 

 أما فيما يخص الهبات والمبالغ المالية الإضافية والتبرعات التي تقدمها عناصر النخب عند المناسبات المختلفة كانت لها أهميتها من حيث تمويل المشاريع العامة وإنجاز المعالم العمومية في العاصمة سيرتا والمدن والمستعمرات التابعة لإقليمها ولدينا أمثلة كثيرة عن ذلك ونلخصها كما يلي:

 الشخص

القيمة

الأعمال المنجزة

المصدر

I(ulius) Urbanus

HS  60 000

معبد رباعي الأعمدة

تمثال المعبودة

 وألعاب مسرحية

ILAlg., 2, 529.

Q. Baebianus

HS  100 000

معبد وتمثال المعبود

و ألعاب

CILVIII, 6958.

C. Aufidius Maximus

HS  10 000

رواق الساحة العامة

CILVIII, 7079.

C. Caecilius Natalis

HS  60 000

قوس النصر

معبد رباعي الأعمدة

تمثالان من البرونز للإمبراطور أغسطس

CILVIII, 7075.

?

HS  34 000

تمثالان ومبنى رباعي الشكل

CILVIII, 7983.

L. Cornelius Fronto Probianus

HS  30 000

تمثال لإلهة النصر ومبنى رباعي الشكل

CILVIII, 7963.

M. Fabius Fronto

1000  دونيي (فضي)

تشييد مسرح وتزييته

CILVIII, 7988, 7989.

M. Aemilius Ballator

HS  10 000

معبد

CILVIII, 7960.

Sex. Otacilius Restitutus

مرافق فوروم مدينة روسيكادا

 

CILVIII, 7991.

C. Caecilius Gallus

مرافق فوروم مدينة روسيكاد

 

CILVIII, 7986.

Q. Fulvius Faustus

قوس نصر وطريق كابيتول سيرتا

 

ILAlg., 2, 683.29

Q. Marcius Barea

تمثال

 

ILAlg., 2, 550.

P. Iulius Geminus Marcianus

تزيين الفوروم بتماثيل

 

ILAlg., 2, 645, 646.

 

 

 

نلاحظ من خلال الجدول السابق أن القيم المالية التي تدفع لغرض المناصب المحلية والكنفدرالية هي قيم ثابتة محددة بعشرون ألف سيسترس، عكس القيم الغير ثابتة والكبيرة التي تصل مبلغHS 82000 اثنان وثمانون ألف سيسترس بالنسبة للمناصب الدينية كالكاهن وهذه القيمة الباهظة لم نسجلها إلاّ في سيرتا وإقليمها فقط، هذا يعتبر مؤشرا عن مستوى الرفاهية والرقي الاجتماعي مقارنة بمستعمرات ثاموقادي ولامبيز أين تصل مبلغ القيمة لنفس المنصب HS 40000  و HS 12000على التوالي، أما الراهب والعراف تبلغ القيمة الإلزامية HS 55000  و HS 34000  على التوالي.

بينما أفرزت نصوص النقيشات لمدينة سيرتا على 42عضوا يمثلون 19% من الطبقة السيناتورية للمقاطعة النوميدية، ذلك رغم الحركة السكانية وتاريخها الحافل والعريق عبر مختلف المراحل التاريخية، فيعتبر هذا العدد ضئيل جدّا مقارنة بالعدد الكبير للكتابات الموجودة بسيرتا.

كونها المركز الإداري لكل المدن التابعة لإقليم الكنفدرالية، من المنطقي أن يضاف إلى مجموعتها باقي الأعضاء المنتمين لهذه الطبقة والمتواجدين في المدن والبلدات الأخرى، ومن المؤكد أن هذه المجموعة قد لعبت دورا كبيرا سواء في إدارة شؤون مدينة سير

@pour_citer_ce_document

, «»

[En ligne] ,[#G_TITLE:#langue] ,[#G_TITLE:#langue]
Papier : ,
Date Publication Sur Papier : 2011-09-20,
Date Pulication Electronique : 2011-09-20,
mis a jour le : 08/10/2018,
URL : https://revues.univ-setif2.dz:443/revue/index.php?id=1798.