الأسس القانونية للمواطنة بين القوانين العربية ومواثيق حقوق الإنسان
Plan du site au format XML


Archive: revues des lettres et sciences sociales


N°01 Avril 2004


N°02 Mai 2005


N°03 Novembre 2005


N°04 Juin 2006


N°05 Juin 2007


N°06 Janvier 2008


N°07 Juin 2008


N°08 Mai 2009


N°09 Octobre 2009


N°10 Décembre 2009


N°11 Juin 2010


N°12 Juillet 2010


N°13 Janvier 2011


N°14 Juin 2011


N°15 Juillet 2012


N°16 Décembre 2012


N°17 Septembre 2013


Revue des Lettres et Sciences Sociales


N°18 Juin 2014


N°19 Décembre 2014


N°20 Juin 2015


N°21 Décembre 2015


N°22 Juin 2016


N° 23 Décembre 2016


N° 24 Juin 2017


N° 25 Décembre 2017


N°26 Vol 15- 2018


N°27 Vol 15- 2018


N°28 Vol 15- 2018


N°01 Vol 16- 2019


N°02 Vol 16- 2019


N°03 Vol 16- 2019


N°04 Vol 16- 2019


N°01 VOL 17-2020


N:02 vol 17-2020


N:03 vol 17-2020


N°01 vol 18-2021


N°02 vol 18-2021


N°01 vol 19-2022


N°02 vol 19-2022


N°01 vol 20-2023


N°02 vol 20-2023


N°01 vol 21-2024


A propos

avancée

Archive PDF

N° 25 Décembre 2017

الأسس القانونية للمواطنة بين القوانين العربية ومواثيق حقوق الإنسان


نبيل قرقور
  • resume:Ar
  • resume
  • Abstract
  • Auteurs
  • TEXTE INTEGRAL
  • Bibliographie

تعتبر المواطنة مصطلحا قانونيا بالدرجة الأولى، باعتباره يشير إلى حجم متميز من الحقوق التي يتمتع بها الفرد المواطن دون غيره ضمن الدولة التي ينتمي إليها،  ومثلها من الواجبات التي تقع على عاتقه.لكن هذا لا ينفي الأصول الفكرية والفلسفية والسياسية لهذا المصطلح عبر  التاريخ،إن التفاوت الذي بين ما تنص عليه النصوص وواقع المواطنة،  يعود لصعوبة تجسيدها في الواقع والذي يتطلب جهودا قانونية وتنظيميه! إن الدراسة طرحت الإشكالية التالية: إلى أي مدى تتجسد المواطنة في  نصوص القوانين العربية وما أسسها؟ مقارنة مع ما تنص عليه  مواثيق حقوق الإنسان في ذات الموضوع؟ تتضمن الدراسة مقدمة وثلاث مباحث: الأول نعالج فيه:تطور الأسس المفاهيمية والقانونية للمواطنة، ثم المبحث الثاني: الإشارات الصريحة والضمنية للمواطنة في القوانين العربية ومواثيق حقوق الإنسان. أما المبحث الأخير فنعقد فيه مقارنة بين أسس المواطنة في القوانين العربية والمواطنة في مواثيق حقوق الإنسان كمفهوم كوني وعالمي.

الكلمات المفاتيح: المواطنة، حقوق الإنسان، الحريات العامة، الحقوق المدنية، المواطن.

La citoyenneté est un concept juridique de premier ordre car il fait référence à un corpus spécifique de droits dont jouit chaque individu citoyen au sein de l’Etat, ainsi qu’aux obligations auxquelles il est astreint, ceci sans oublier les racines intellectuelles, philosophiques et politiques qui y sont liées à travers l’Histoire. En dépit du fait que leur concrétisation a fait couler beaucoup d’encre en vue du passage entre ce qui est inscrit dans les textes et la réalité vécue de la citoyenneté, cet article tente de répondre à la problématique suivante : « jusqu’à quel point la citoyenneté s’incarne dans les législations arabes et les chartes des droits de l’homme, quels sont ses fondements ? ».Cette étude est constituée d’une introduction et de trois chapitres, le premier dans lequel nous tenterons de mettre en lumière l’évolution conceptuelle et juridique de la citoyenneté ; le deuxième est consacré à l’étude des signes explicites et implicites des fondements de la citoyenneté dans les législations arabes et dans les chartes des Droits de l’Homme. Dans le dernier chapitre, nous tenterons une approche comparative entre les fondements et les perspectives de la citoyenneté dans les législations arabes et la citoyenneté en tant que concept existentiel et universel.

Mots clés: Citoyenneté, Droits de l’homme, Libertés publiques, Droits civiles, le Citoyen.

Citizenship is a first class legal concept on what it refers to a specific body of rights enjoyed by each individual citizen within the State, as well as the obligations to which he is required, without forgetting the intellectual, philosophical and politics roots that are linked through the history. Despite the fact that their implementation has made a lot of writhing for the transition between what is written in the texts until the living reality of citizenship, this memory came in order to answer to the following issue:”how citizenship is embodied in Arab legislations and what are its foundations?”,This study consists on an introduction and three chapters, in the first, we discuss the conceptual and legal development of citizenship; the second devoted to the study of explicit and implicit signs of the citizenship foundations in Arab legislations and charters of human rights. In the last chapter, we will deal with a comparative approach between foundations and perspectives of citizenship in Arab legislations and citizenship as an existential and universal concept.

Keywords: Citizenship, Human  rights, Civil liberties, Civil rights, Citizen.

Quelques mots à propos de :  نبيل قرقور

أستاذ محاضر ب ، كلية الحقوق والعلوم السياسية، جامعة محمد لمين دباغين سطيف2

مقدمة:

تعتبر المواطنة من المصطلحات ذات الاهتمام المتعدد من كافة فروع العلوم الاجتماعية والإنسانية، والتي عنيت بها الدراسات ولا زالت، لما تحمله من أهمية علمية وعملية على حد السواء في بناء الإنسان ومنه المجتمع الذي ترتكز عليه الدول والأمم.

تحاول هذه الدراسة طرح إشكالية مفادها: إلى أي مدى تتجسد المواطنة في نصوص القوانين العربية وما أسسها؟ مقارنة مع ما تنص عليه مواثيق حقوق الإنسان في نفس الموضوع وهو المواطنة؟وللإجابة عن ذلك، نسلط الضوء على الأسس القانونية بالدرجة الأولى،باعتبارها العنصر الأول والأساس، الذي من خلاله نفهم فلسفة الدولة في الاعتراف بالمواطنة وتنظيمها. تم تقسيم الدراسة إلى ثلاثة مباحث؛ الأول نستعرض فيه تطور مفهوم المواطنة بالتطرق للمعنى اللغوي والاصطلاحي، و وضعها في المجتمعات الغربية وفي المجتمع المسلم، أما المطلب الثاني فنشرح المقصود بالأسس القانونية للمواطنة؛ والتي نعني بها الأسس الدستورية(باعتبار الدستور القانون الأسمى في البلاد)، ثم الحريات العامة التي تعتبر  أهم رافد للمواطنة. المبحث الثاني نحلل فيه الإشارات الصريحة والضمنية للمواطنة في بعض القوانين العربية،  وكذا في مواثيق حقوق الإنسان  والجذور الفكرية والتاريخية لها(كما في الاتحاد الأوربي مثلا).

أما المبحث الأخير فنعقد فيه مقارنة بين أسس المواطنة كمفهوم محلي ووطني وعربي، ومفهومها الكوني والعالمي  في ظل العولمة والرقمنة، أما المطلب الثاني من هذا المبحث فنذكر أفقها  من خلال فرعين: الأول نبين فيه أن احترام المواطنة المحلية لا ينبغي أن يلغي التمتع بحقوق الإنسان، والثاني أن تعزيز قيم التسامح تعزيز للمواطنة.

المبحث الأول:

تطور الأسس المفاهيمية والقانونية للمواطنة

 هذا المبحث الأول تم تقسيمه إلى مطلبين الأول نتطرق فيه إلى تطور مفهوم المواطنة ومعانيها المختلفة، أما المطلب الثاني نستعرض فيه مفهوم الأسس القانونية للمواطنة.

المطلب الأول:تطور مفهوم المواطنة

تقتضي الدراسة بداية التطرق إلى معنى المواطنة في الفرع الأول حتى نجلي مفهومها، ثم نعرج على الفروق في هذا المعنى بين المجتمع المسلم والأدبيات الغربية في الفرع الثاني

الفرع الأول: معنى المواطنة

المواطنة هي ارتباط بالوطن الذي يعيش فيه الإنسان ضمن مجتمع منظم، يقتضي منه اكتساب حقوق وتحمله واجبات تجاه هذه الدولة تحددها قوانين تلك الدولة1، وتعرف المواطنة اصطلاحيا بحسب "دائرة المعارف البريطانية" بأنها :" علاقة بين فرد ودولة كما يحددها قانون الدولة، وبما تتضمنه تلك العلاقة من واجبات وحقوق في تلك الدولة. وتعرفها موسوعة "كولير" الأمريكية بأنها: أكثر أشكال العضوية في جماعة سياسية اكتمالا "2،والتي تتضمن بالضرورة المساواة  على الأقل فيما بن المواطنين، فالمواطنة باعتبارها مفهوم قانوني في الأساس ترتكز الى شرطين هما: الدولة الوطنية وما يستتبع ذلك من إقامة مجتمع عصري يقوم على إرادة العيش المشترك بين مواطنيه، و النظام الديمقراطي وركائزه الأساسية المتعلقة بالتوازن بين الحقوق والواجبات3.

بالعودة إلى المعنى اللغوي فان المواطنة أيضا مشتقة من الوطن، وبحسب كتاب مختار الصحاح للرازي فان الوطن هو محل الانسان، وهو موطن الإنسان ومحله ...وأوطن الأرض ووطّنها واستوطنها واتّطنها أي اتخذها وطنا4.ويقابلها في اللغة الفرنسية مصطلحLaCitoyenneté   وفي اللغة الانجليزية:  Citizenshipوكلاهما مشتقتان من كلمتي  Citéو Cityعلى التوالي والتي تعني المدينة.

للمواطنة علاقة بالديمقراطية، حيث ترتبط بها باعتبار أن المواطنة الحقيقية لا تكون إلا في بيئة ديمقراطية، هذه الأخيرة التي تعني في أبسط تعاريفها: "حكم الشعب نفسه بنفسه، وهنا نقصد به الشعب بمفهومه السياسي؛ أي مجموع الأفراد الذين تتوافر فيهم شروط الناخب.......فهذا هو الذي يمارس الحكم.."5، فارتبط مفهوم المواطنة بمن يشارك ويمارس الحق السياسي، وهذا مرتبط بظهور الديمقراطية خاصة المباشرة منها في المدن اليونانية القديمة، "فكانت هذه المدن تعرف ثلاث طبقات: طبقة المواطنين وطبقة العبيد، وأخيرا طبقة الأجانب، ولم يسمح المشاركة في شؤون المدينة إلا لطبقة المواطنين"6.إن الديمقراطية تمنح المواطنين الحق في المساهمة في حكم وتسيير البلاد بطريق مباشر أو غير مباشر، مع تحمّلهم الأعباء  مقابل التمتع بثمرات الأمن والسعادة والهناء، دون استبداد الحاكم ولا اعتداء من طرف المحكوم؛ ويضبط ذلك التوازن دستور الدولة وقوانينها، ضمن إطار الحريات السياسية في الدرجة الأولى. لكن نلحظ - كما سنرى في هذه الدراسة- أن المواطنة في الوقت المعاصر أريد لها أن تتجاوز بكثير ذلك المفهوم الضيق.

 عند الحديث عن المواطنة يتبادر إلينا  مفهوم استبعاد الأجنبي بشكل ما!، هذا الأجنبي الذي له موقع خاص عبر التاريخ لدى مختلف الشعوب، بحيث حقيقة ارتبط تجسيد المواطنة باستبعاد الآخر من التمتع ببعض الحقوق، وكان هذا التمييز مقبولا إلى حد ما- آنذاك – استنادا إلى الدين أو الانتماء إلى القبيلة أو... ؛ بعبارة أخرى يكون غريبا عن الوحدة السياسية لتلك المدينة.فقديما" الشعوب الغربية  مثل الإغريق والرومان بدّلت نظرتها إلى الأجانب وأطلقت عليهم تعبير الأجانب "pevegrini"، بدلًاً من تعبير"hostes" والذي يعني العدو، ولكن مع ذلك قصرت الشخصية القانونية على الوطنيين"7. فبالنسبة لليونان وحسب قانون )صولون(، لابد من توافر الشروط التالية للتمتع بحقوق المواطنة:

1-  أن يكون أثينيا ،

2- أن يكون ذكرا إذ المرأة مجردة من حق المواطنة،

3-  أن يكون ابنا شرعيا8،

ويلاحظ أن معنى المواطنة اقتصر على حق المشاركة في الحياة العامة، لمن ينتمي للوحدة السياسية لتلك المدينة مع توافر شروط  أخرى يضعها الحاكم.

الفرع الثاني:معنى المواطنة بين المجتمع المسلم والأدبيات الغربية

 إن الفارق في مفهوم المواطنة بين المجتمع المسلم وغيره من الشعوب الأخرى هو الدﱢين  في المقام الأول، ثم تأتى الفروق الأخرى التي لم تكن أبدا عائقا للمشاركة في الحياة العامة؛ فها هو علي بن أبي طالب  يضع قاعدة جليلة عن علاقة الإنسان بأخيه الإنسان فيقول: "إنما هو أخ لك في الدِّين أو نظير لك في الخَلق"، فاعترف للأجنبي -وقبله الشريعة الإسلامية- بحقوق  وذمة، قد ترقى إلى ما أفضل ما في المواطنة الآن.

ويشهد التاريخ الإسلامي بحقوق المواطنة والامتيازات التي تمتع بها هؤلاء،حتى غدو في أعلى المناصب حتى في آخر عهد الخلافة الإسلامية، أيام الدولة العثمانية، تحت مظلة الأقليات. "فالملاحظة أن هذه الشرائح ظلت تتمتع بانتماء مزدوج فأفرادها من رعايا الدولة العثمانية في الأساس، ولكنهم أُلحقوا بحماية دول غربية أجنبية، جعل تصنيفهم يتأرجح بين الوطنيين والأجانب،  حتى استقرّ الأمر في النهاية لصالح إلحاقهم بالرعايا الأجانب"9. ومن هنا لم يكن الدِّين  سببا لخرق الوطنية التي كانت تضم الجميع في البلاد الإسلامية،  بل أكثر من ذلك" حتى أن المسلمين ظلوا يعَدُّون في البلاد المفتوحة أنهم أجانب منتصرون لا أهل وطن"10."إن هذا الدين الذي أقرّ لغير المسلمين ليس فقط بحقوقهم الفردية والجماعية الكاملة، بل وأيضا بالمواطنية الشاملة في عصرنا الحاضر، الذي زال فيه نظام الذمة ليحلّ محلّه نظام الحريّات العامة، المنطوية لزاما على مبدأ المساواة العامة في المواطنية"11.إن الأدبيات الغربية جعلت التمتّع بالمواطنة يقتضي الانتماء للدولة كوطن، ورغم أن المعايير لم تكن واحدة، فقد رُفض غير المسيحي حتى ولو كان أوروبيا.  ثم ما كان من محاكم التفتيش التي راقبت الناس من بني جلدتهم، وحرمتهم من حقوقهم ويشهد الموريسكيون12على تلك الإبادة، بعد أن عاشوا في ظل الحكم الإسلامي في أوربا ثمانية قرون وكأنهم أمة واحدة.

ثم هل كانت تلك التشريعات عادلة حين كانت تقصر حق الانتخاب ( وبالتالي المشاركة في الحياة السياسية) على فئات معينة من الملاك ودافعي الضرائب؟ وهل يمكن أن تكون تلك التشريعات السائدة في كثير من بلدان العالم والتي تعاقب الجائع الذي "يسرق" رغيفا من الخبز من أجل أن ينقذ حياته، وتحمي في نفس الوقت" الرأسمالي" الذي يستغل العمال ويمتص دماءهم13.

إن الحال في المفهوم الإسلامي الذي في المقام الأول لم يحرم المواطنة على أبناء الوطن الواحد، الذين بقوا على ملَّتِهم ولم يدخلوا في الدِّين الجديد، وهذا كفيل أن يدحض مقولة أن دولة الإسلام دولة دينية.وثانيا أن هاته المواطنة سمحت بظهور التعايش والتسامح، ولولاه لما شهدنا هذا التنوع(14)في بلاد الإسلام والعرب،  من الطوائف والديانات عاشت جنبا إلى جنب قرونا كثيرا15؛ وتتعدد الحقوق التي يمنحها الإسلام للمواطن، فهناك الحقوق المدنية  كحماية الحقوق والممتلكات والحفاظ على الكرامة الإنسانية وضمان الحرية الشخصية....، ويلاحظ عند تناول مفهوم المواطنة تركيز الخطاب الإسلامي على قضية وضع غير المسلمين في المجتمع الإسلامي وما يتمتعون به من حقوق وما عليهم من واجبات16.

ففي مجال حق تولي الوظائف العامة  كحق من الحقوق المنبثقة عن الحقوق السياسية، " أجاز فقهاء الإسلام أن يتقلد الذميّ وزارة التنفيذ لا وزارة التفويض لاختلافهما في رسم سياسة الحكم، كما أن الإسلام الحنيف لم ينهَ عن تولي الذمي  الوظائف العامة، عدا الوظائف التي يكون عنصر الدين فيها جوهريا وضروريا"17، وفي القرآن الكريم والسيرة  النبوية والتاريخ الإسلامي ما يؤكد ذلك.ورغم أن هذه القضية أسالت كثيرا من الحبر حول مدى تمتع هؤلاء بالمواطنة الكاملة، فاني أرى أن الأمر تجاوز المفهوم السياسي للمواطنة18( معيار الجنسية كدليل للولاء أو معيار القومية)، لكي يمتد إلى ضرورات الوجود والعيش المشترك، وعدم تبرير وضع مراتب للمواطنة. فالملاحظ في زمن العولمة أن المواطنة العالمية بدأت تخترق المواطنة بالمفهوم التقليدي البسيط، ويظهر ذلك في الدول والمجتمعات حاليا.

المطلب الثاني:  مفهوم الأسس القانونية للمواطنة

 باعتبار المواطنة مفهوم قانوني يتعلق بحقوق وحريات في دولة القانون فان أساسها مرتبط بقوانين تلك الدولة، والمتمثلة في الدستور والقوانين على التوالي، وبالتالي فسنتطرق إلى الأساس الدستوري في الفرع الأول،  والعلاقة التي تربط المواطنة بالحريات العامة في الفرع الثاني.

الفرع الأول: الأساس الدستوري للمواطنة

إن فهم المواطنة يقتضي الرجوع إلى الدستور باعتباره القانون الأسمى الذي يعبر عن تبني الدولة موقفا من المواطنة، حسب حجم الحقوق والحريات العامة التي تمنحها لهم وكذا التي تمنعها على غيرهم. "وانطلاقا من اعتبار المواطنة هي الرابط الدستوري والقانوني والروحي بين المواطن والدولة، ويتم ذلك بتخصيص أبواب وفصول خاصة ومستقلة من الدستور، لتحديد أهمِّ الحقوق والواجبات وضبطها بالنسبة إلى أطراف علاقة المواطنة(المواطن، مواطنية، دولته) وتأكيد احترامها وسموها"19. فارتباط حقوق المواطنة بتوافر صفة المواطن أمر يتجلى خاصة في مجال الحقوق السياسية20، وقد أخذت أغلب الدساتير21النص على المواطنة كصفة ضرورية، لممارسة الحق السياسي والمشاركة في تحديد مصير البلاد دون غيرهم من الأجانب. فالمؤسس الدستوري الجزائري نص على المواطنة، فقد نصت الدساتير المتعاقبة في الجزائر على هذه الصفة المرتبطة بالجنسية، واعتبارها كمعيار للتمتع بالحقوق والحريات( دستور 196322، دستور 197623، دستور 198924،الدستور المعدل  لسنة199625، التعديل الدستوري لسنة 201626).

ان الدستور الجزائري وفق التعديل الجديد نص على كثير من الحقوق والحريات المرتبطة بالمواطن بطريقة صريحة، على التزام الدولة بضمان هذه الحقوق ودسترتها والذي يعتبر انجازا كبيرا، لكن هذا لم يخف بعض التخوفات خاصة ما تعلق بالمادة 63التي تنص على : "يتساوى جميع المواطنين في تقلد المهام والوظائف في الدولة دون أية شروط أخرى غير الشروط التي يحددها القانون" الفقرة الثانية الجديدة نصت على: " التمتع بالجنسية الجزائرية دون سواها شرط لتولي المسؤوليات العليا في الدولة والوظائف السياسية ". مما أثار حفيظة المهاجرين الجزائريين في فرنسا، واعتبروا ذلك إنقاصا من مواطنيتهم الجزائرية27.

أما المؤسس الدستوري في مصر استخدم مصطلح " المصريين" ليُعَبِّر عن الجنسية وهذا في دستور 1923،  في المواد 3، 7، 19،21، 22. وتَبِعَتُه بعد ذلك على نفس المنوال( دستور 1930، دستور 1956ودستور 197128، وحتى مشروع الدستور لسنة 2013.كما ترتبط المواطنة بمبدأ المساواة الذي تنص عليه أغلب الدساتير والتي تعتبر جوهر المواطنة؛ فلا يمكن تحقيقها دون مساواة جميع المواطنين في التمتع بالحقوق والحريات وإلا كانت مواطنة مشوّهة.

الفرع الثاني : المواطنة والحريات العامة

يرى جانب من الفقه أن صفة العمومية التي تلحق مصطلح الحريات إنما  يرجع إلى كونها عامة لجميع الأفراد وطنيين وأجانب، بغير تفرقة بينهم بسبب الجنس أو السن أو الكفاءة أو المركز الاجتماعي أو الاقتصادي، ويترتب على ذلك القول أن الحريات السياسية لا تدخل ضمن الحريات العامة، ولا تعالج معها  باعتبارها مقصورة على الوطنيين دون الأجانب29. أما الجانب الآخر من الفقه فانه يرى أن صفة العمومية ترتبط بالسلطة العامة؛ باعتبار هذه الحريات يتمتع بها الأفراد بتدخل من سلطة الدولة وإشرافها، وبغيابها لا يمكن الاستفادة منها على الوجه الأكمل!

 ومن هذا فان موقع المواطنة من الحريات العامة هي ارتباط الفرع بالأصل، ذلك" أن المواطنة هي نتاج لظهور الدولة الحديثة التي ولدت بداية في الغرب، قبل أن تتحول هذه الدولة إلى نموذج عالمي صار يعرف باسم الدولة- الأمة(ETAT-NATION)، وتعتبر الثورة الفرنسية وإعلانها لحقوق الإنسان والمواطن سنة 178930بمثابة إعلان ميلاد المواطن ككيان سياسي وقانوني31. وأن تمتع المواطن بحقوقه المدنية وبالحرية لا يعود عليه بالفائدة هو وحده، بل يعود بالفائدة أيضا على الدولة أو المملكة،ومنهما تنشأ الحركة والفعالية في الفكر والسياسة، وتنشأ منهما أيضا التصورات الحقيقية التي تعبر عن مضمون الوعي الفردي الذي يكون سببا في تقدم الدولة وازدهار الأمة32.

    إن المواطنة ترتبط كثيرا بالقوانين المنظِّمة للحريات العامة، ذلك أن نصوص الدستور التي تكفل الحريات (الأساس الدستوري)- كما ذكرنا من قبل- " لا ترسم نطاقا واضحا لكل حرية، وقَلَّ أن تتضمن حدودا موضوعية لها، حتى تتم التفرقة بين التنظيم الذي يرِدُ على كيفية استعمالها، والقيد الذي ينتقِص منها أو يرِد على جوهرها"33.

ففي أمريكا  مثلا تمثل وثيقة الحقوق المدنية أهم إطار لحماية المواطنين من أي إجراء حكومي غير سليم، والتي تم إقرارها عام 1791، وحسب تعبير جيفرسون:" فان وثيقة الحقوق هي الحقوق المكفولة  للناس ضد كل حكومة على ظهر الأرض".....، وتنقسم وثيقة الحقوق إلى الحريات المدنية والى الحقوق المدنية؛ فان كانت الأولى تُصاغ بالنَّفي، فان الثانية مفروضة على الحكومة لضمان المواطنة المتكافئة، ولحماية المواطنين من التمييز بواسطة مواطنين عاديين آخرين والوكالات الحكومية الأخرى

ولكن لم تتجسد هذه الحقوق إلى أن جاء التعديل الرابع عشر للدستور الأمريكي، ليعترف لجميع الأشخاص المولودين في الولايات المتحدة أو المتجنسين بجنسيتها، والخاضعين لسلطانها، إذ يعتبرون من مواطني الولايات المتحدة ومواطني الولاية التي يقيمون فيها. هذا التعديل ينص على مواطنة قومية وحيدة، وهي كحد أدنى  تعني أن الحريات المدنية ينبغي ألا تتباين بصورة صارخة من ولاية لأخرى، وهذا هو روح التعديل بمعنى تعميم وثيقة الحقوق على الأمة ، بتعميم المواطنة لتشمل الأمة34.

المبحث الثاني:

الإشارات الصريحة والضمنية للمواطنة في القوانين العربية ومواثيق حقوق الإنسان

في هذا المبحث الثاني نحصي الإشارات الصريحة والضمنية للمواطنة بالتطرق في المطلب الأول إلى الأصول الفكرية للمواطنة ومصادرها في القوانين العربية، أما المطلب الثاني فنتعرف على موقع المواطنة في مواثيق حقوق الإنسان العالمية منها والعربية.

المطلب الأول:الأصول الفكرية للمواطنة وموقف القوانين العربية منها

قبل الحديث عن المواطنة في القوانين العربية  في الفرع الثالث من هذا المطلب لابد أن نُعرﱢج على الأصول الفكرية لفلسفة المواطنة سواء في الفكر العربي  وهذا في الفرع الأول ثم في الفكر الإسلامي في الفرع الثاني، باعتبارهما مصدران ماديان للقوانين العربية، وهذا رغم تأثير المصادر التاريخية الوضعية الغربية بالتحديد فيها كما سنرى.

الفرع الأول: المواطنة في الفكر العربي

 ربما هناك من لا يجد تأصيلا تاريخيا حول مفهوم المواطنة أو الدولة في السياق العربي القديم، باعتبارها مصطلحا حديثا، لكن مظاهر الممارسة العربية في حياة العرب القبلية سواء قبل مجيء الإسلام أو بعده، لا تدع مجالا للقول بوجود حقوق وواجبات لمن ينتمي لهذه القبيلة أو تلك. لكن هذا الانتماء ليس مبني على رابطة الأرض فحسب باعتبار انتقالهم الدائم، بل كان ارتباطا قوميا بحكم اللغة العربية والدم. فمكة مثلا استفادت من تلك التقاليد العربية في حضارة اليمن إلى جانب تطورها التجاري والاستقرار الذي فرضته ظروف مكة وجعلت أهلها يميلون إلى السّلم، إذ قام قصي بن كلاب بتثبيت رئاسته على مكة وتنظيم شؤونها. كما أسّس دار الندوة، وحلف الفضول الذي تعهد بحماية ونصرة المظلوم35، مهما كانت القبيلة التي ينتمي إليها.

 ومن هنا وُجد رأيين الأول يذهب إلى القول أنه ليس في مخزون العرب اللغوي، وبالتالي الفكري والوجداني ما يفيد ما نقوله اليوم باللفظين المواطنة والمواطن، والرأي الثاني يرى غياب هذا القصور الذي يراه أصحاب الرأي الأول، ويرون أن جذور استعمال مصطلح المواطنة ومعانيه تعود إلى الحقبة الإصلاحية الإسلامية وبالتحديد في كتابات الطهطاوي  ومحمد رشيد رضا36. فهو ليس بغريب مضمونا ومحتوى عن الفكر العربي.

الفرع الثاني:المواطنة في الفكر الإسلامي

 يعتقد بعض الباحثين في شؤون الفكر الإسلامي أن مفهوم المواطنة لها جذورها وان أخذت عناوين أخرى كالأمة والولاية، فإذا كانت المواطنة تعني العضوية فهذا موجود. والتاريخ الإسلامي كما ذكرنا مليء باستخدام كلمة الأمة، هذه الأخيرة التي لا حدود جغرافية أو سياسية لها، ما دامت العقيدة الإسلامية هي العامل الأساسي في تشكُّلها، فالمسلمون أينما كانوا هم ينتمون إلى أمة عقائدية واحدة هي أمة الإسلام37.

 وصحيفة المدينة تشهد على تنظيم الاختلاف في الولاءات في الأديان والأجناس والأفكار، عندما أرسى رسول الإسلام محمد صلى الله عليه وسلم، وتحويل هذه الولاءات إلى أمة سياسية واحدة. وقد رسَّخت هذه الأشكال من المعاهدات، الانطلاق إلى حرية المعتقد والفكر في وقت مبكر من الدعوة الإسلامية. مما يؤسس لفقه المشاركة والذي يرتكز على ثلاثة مبادئ هي:

                   أ/- المساواة، فالناس سواسية كأسنان المشط وأكرمهم عند الله أتقاهم.

                   ب/-تكافؤ الفرص  لكل الأجناس في المجتمع الإسلامي.

                   ج/-الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عبر المشاركة السياسية في إصلاح الحكام والمجتمع38.

وانطلاقا من تلقي العرب رسالة الإسلام فان تعاليم هذا الأخير، رسخت في  البلاد العربية بمضامينها العالمية باعتبار الإسلام رسالة للناس كافة،  ولا يتأتَّى ذلك دون أن تكون له القدرة على استيعاب الاختلافات، وتطبيق مبدأ المساواة39، ويكون التعارف والعيش المشترك لا مناص منه مع احترام ثوابت ومبادئ جاء بها الإسلام40، يقول تعالى: "يَا أيّها النّاسُ إنا خَلقناكُم من ذَكرٍ وأُنْثَى وَجَعَلناكُم شعوبا وَقبائل لِتَعارَفوا إنّ أكْرَمَكُم عند الله أتقاكُم إنّ الله عَليمٌ خَبير"41. ولو أردنا أن نسوق الأمثلة على العدل الذي طبق في التاريخ الإسلامي مع الرعية ، ممن فهموا أن" الإسلام لا يفرق في ذلك بين وضيع ورفيع، ولا بين ملك وسوقة، وأنه لا يبالي في ذلك أن يرتد عنه من لا يرضيه عدله، لأن أمر العدل عنده أهم من إيمان الناس به، ولو بلغ قدرهم في الشرف ما بلغ، ولو بلغ عددهم في الكثرة ما بلغ"42، وعلى هدى هذه النصوص، نفصل ما جاء في قوانين الدول العربية من إشارات للمواطنة ضمن الفرع الموالي.

الفرع الثالث: المواطنة في القوانين العربية

انطلقت الدول العربية في قوانينها- بعد انعتاقها من نير الاستعمار- إلى إنشاء الدولة الوطنية وتنظيم المواطنة بإبراز حقوق المواطنين وحرياتهم، وكذا الواجبات الملقاة على عاتقهم من خلال رابطة الجنسية التي تربط الشعب بالدولة، وهذا بعد أن نصت في دساتيرها –كما بينا سابقا- تقديرها لحقوق المواطن وحقوق الإنسان على حد سواء واحترامها لهما. لكن السؤال المطروح هل ارتقت المواطنة إلى أن تكون بديلا عن مبدأ المساواة؟ وما هي مظاهر المواطنة والمساواة في القوانين العربية، وهذا ما سنبحثه -في هذا الفرع- ضمن العناصر الموالية.

أولا: علاقة المواطنة بمبدأ المساواة.

 من الفقهاء من يعتبر مبدأ المساواة قد يغني عن مبدأ المواطنة، باعتباره نتيجة منطقية لتطبيق القانون بصفة عامة ومجردة على الجميع، بشرط أن يتماثلوا في المراكز القانونية، فيتم التعامل معهم على قدم المساواة، وهناك من يرى أن المواطنة هي التي تستدعي المساواة في الحقوق والواجبات، رغم أن هناك من يقول:On ne naît pas citoyen, on le devient»43« ، بمعنى لا نولد مواطنين وإنما نصبح كذلك. ومهما كان من أمر فان اكتساب المواطنة يتم عبر الاشتراك في اكتساب الحقوق وتحمل الواجبات، وهذا الاشتراك يقتضي التعارف بين أعضاء الوحدة السياسية  الواحدة، وخضوع الجميع للقانون السائد والساري المفعول.

فالمساواة بطبيعة الحال مبدأ يقتضي إعماله في مجال المواطنة؛ ذلك أن المواطنة غير المتساوية يعني تعدد المواطنية وهذا ليس من العدل في شيء، "وتضمن كل الدساتير العربية مبدأ المساواة أمام القانون بلغة واضحة ومستقيمة، تقضي بأن كل" الناس"، أو " المواطنين" سواسية أمام القانون ...... وتحظر التمييز على أساس الحالة الاجتماعية أو محل الإقامة .."44.

ثانيا: الإسلام دين الدولة، والمواطنة؟

تنص أغلب الدساتير العربية على أن الدين الإسلامي هو دين الدولة الرسمي، وتضعه  ضمن مصادر التشريع في قوانينها، وهذا التنصيص الدستوري من المفروض أن تكون له آثار تشريعية مهمة؛ من بينها الانقياد إلى أحكام الشريعة في مجال تسيير الدولة التي تضبط علاقات الناس، وتسوس شؤونهم بما لا يخالف الإسلام.

وإذا كان موقف الشريعة الإسلامية من المواطنة حسب ما فصلنا سابقا، فان الحاكم أو رئيس الدولة مُطالَب بالالتزام بالدستور، الذي يُعتبر البوصلة التي تُسيِّر شؤون الدولة، بما تتضمن من أعراق ومِلل وأقليات، مقيمين وأجانب، وهنا سؤال يتبادر إلى الذهن،هل موقف الدولة من المواطنة يختلفان كان الدستور يتبنى دينا معينا دينا رسميا؟وهل يتناقض هذا مع حقوق المواطنة لأبناء الوطن الواحد؟!وللمختلفين دينيا مع دين الدولة الرسمي، الذي هو الإسلام- في حالتنا هاته- ؟

 إن الجواب على هذا التساؤل يتضمن شقين،الأول أنه في الوقت الحاضر نجد أغلب التشريعات العربية وان نصت في دساتيرها أن الدين الإسلامي هو دين الدولة، فان الممارسة التشريعية والحياة المجتمعية تحتكم  في الأغلب الأعم إلى قوانين وضعية خاصة في المعاملات. وفي بعضها إلى قوانين مستمدة من الشريعة الإسلامية، كقوانين الأسرة والأحوال الشخصية وهذا مشاهد معيش. فلغة القانون هي التي تحكم تنظيم المجتمع، والنصوص الشرعية لم تُحَكّم في كثير من علاقات الناس وهذا الأمر له أسبابه وشروطه، وقد كانت محل بحوث ودراسات أكاديمية ولا زالت سواء في الشق السياسي، الدستوري أو المدني وحتى الجنائي45. الشق الثاني يخص علاقة الدولة مع المختلفين من الأجانب الذين قد يكونوا مسلمين وقد لا يكونوا كذلك! وهنا هل الأجنبي في نظر الدولة هو الذي لا يحمل جنسيتها؟ أم الذي لا يدين بدينها؟ لعل الإجابة الأولى  هي المعمول بها حاليا. أما الشأن الديني يعتبر من الخصوصيات العقَدية، وتتدخل الدولة في حال ما تم الإخلال بالنظام العام والآداب العامة، أما بالنسبة للديانة الإسلامية فإنها ضرورية لممارسة بعض حقوق المواطنة، والأجنبي حتى وان كان مسلما أم لا،يبقى يخضع لقوانين الدولة التي يتواجد فيها، وبالأخص لفرع من فروعه وهو بالتدقيق القانون الدولي الخاص، الذي يحيل إلى القانون الواجب التطبيق على العلاقات ذات العنصر الأجنبي.

إن اعتبار دين معين دين الدولة الرسمي - لا ينبغي نظريا- أن يحرِم المختلفين دينيا من ممارسة مواطنيتهم، بالقدر الذي تُحترم فيه الأغلبية، لأن الدين اعتُبِر كذلك لكونه أساسا من أسس المجتمع الإسلامي وركيزة من ركائزه، وإلا لم تكن له تلك المكانة في الدستور؟بخِلاف الذين يتوهَّمون ويطلبون التنازل عن هذا التبنِّي الرسمي للدين من قبل الدولة، ويعتبرونه مناقضا للمواطنة. في حين يعتبره آخرون مجرَّد كلمات رصِّعت بها الدساتير46.

ويكفي هنا أن ندلِّل على كلامنا من خلال تلك الوثيقة التي وضعها رسول الله صلى الله عليه وسلم، عندما أرسى دعائم دولة الإسلام، ولم يَحرم ولم يُلغي وجود فئات مجتمعية داخل المجتمع الإسلامي، وضَمِن لهم العيش والكرامة بما يتلاءم وثوابت الأمة، رغم اختلاف بعضهم مع عقيدة الإسلام؛فقد بدأت الوثيقة والتي سميت دستور المدينة – كما وردت بصيغتها الكاملة في سيرة ابن هشام-  بالنص على: " بسم الله الرحمان الرحيم هذا كتاب من محمد النبي صلى الله عليه وسلم بين المؤمنين والمسلمين من قريش ويثرب ومن تبعهم، فلحق بهم: إنهم أمة واحدة من دون الناس......."، إلى آخرها، " وتدل بوضوح وجلاء على عبقرية الرسول صلى الله عليه وسلم، في صياغة موادها وتحديد علاقة مكونات مجتمع المدينة، وتقوية الأخوة ..... وأن يتمتع بنو الإنسان على اختلاف ألوانهم ولغاتهم وأديانهم بالحقوق الكاملة والحريات بأنواعها" 47." فيظهر موضوع الوثيقة أساسا للحكم والمجتمعات والمصالح المشتركة بين الناس، وقواعد للمواطنة قائمة على العلاقة مع المكان والمجتمع والدولة، وليس فقط على أساس العقيدة والدين، وكفلت الحقوق والحريات والتضامن بين المواطنين جميعهم....والنظر إليهم على أنهم بشر مُكرّمون مهما كان دينهم وانتماؤهم"48.وتحترم كل الدساتير العربية حرية المعتقد49، رغم تبنيها لدين الإسلام دينا رسميا لها؛" وإذا كان الإسلام دين الدولة فليس معنى ذلك تدخله بأي حال  في الحياة الفكرية وفي حرية الرأي والعقيدة"50.

ثالثا: المواطنة والعَلمانية

لا يمكن إغفال مصطلح مهم ونحن بصدد الحديث عن المواطنة، دخل على البلاد العربية- على حين غفلة من أمرها، وهو مصطلح العلمانية، ونصها الأصلي في اللغة الفرنسية هوSECULARISMأوLAÏQUE، والتي تعني اللادينية أو فصل الدين عن الدولة، وهذا المصطلح له جذوره التاريخية والفكرية ، والتي تنسحب على الدول الغربية، ولا تنطبق على مجتمعاتنا العربية، فالعلمانية "هي نزعة أو اتجاه أو مذهب اعتنقه جماعة في أوروبا في مقابل ما كان سائدا فيها في العصور المظلمة، التي تسَلَّط فيها رجال الدِّين على كل نشاط في أي ميدان، مما تسبب عنه ركود وتخلف حضاري في كل المجالات"51. فكانت ردة الفعل من قِبل الغرب ضد كل مايمتُّ بصلة للدِّين، لأنَّهم رأوا فيه إعاقة لحركة الفكر والتطور، وقد دعَّم هذا الرأي مفكرين قانونيين على غرار (توماس هوبز) و(جون لوك) و(جان جاك روسو)، بل هناك من هاجم الدين بشدة بل هاجم كل الأديان، مثل (كارل ماركس)  الألماني و(لينين)  الروسي، ورفضوا أن تكون له الكلمة في شؤون الحكم وتسيير شؤون المواطنين.

هذه الأفكار العلمانية يأباها الإسلام كما هو معلوم و سبق أن أشرنا، لكن تبقى بعض مظاهر العلمانية متجسدة في بعض المجالات  في البلاد العربية – وان لم يصرّح بها-، كما هو الشأن في التعليم و" النص في الدساتير العربية على الفصل بين السياسة  والدين عن النشاط السياسي والاجتماعي"52.بل هناك من اعتبر أن العلمانية هي الضمانة اللازمة لتحقيق مواطنة حقيقية، لأنها تمنع استغلال الدين للتمييز بين الأفراد !؟

المطلب الثاني: المواطنة في مواثيق حقوق الإنسان

    المواطنة في الأصل هي ارتباط بالوطن كما ذكرنا سابقا أي بالدولة، " والفرد  بصفته العادية لم يكن يتحرك كثيرا خارج حدود دولته، لذا كان من الطبيعي أن تنظِّم قواعد القانون الداخلي مركزه وحقوقه وواجباته، لكن هذا الفرد بات يتنقل بسرعة من دولة إلى أخرى بل ومن قارة إلى قارة، وأخذ بعض الأفراد يتركون أوطانهم ويعيشون في أوطان أخرى..."53، والمواطنة جملة من هذه الحقوق التي توفرها الدولة لرعاياها، فإذا ما غادر الفرد موطنه، هل يبقى يتمتع بها في دول أخرى؟ وهل هناك ضمانات من القانون الدولي لحماية حق المواطنة؟ إن الإجابة عن هذين السؤالين تجرُّنا للقول أن الفرد- وان كان  لم يكن من أشخاص القانون الدولي ولا تخاطبه أحكامه- إلا أن غاية كل مجتمع ودولة أو تنظيم،  هو تحقيق الكرامة وإنسانية الإنسان، التي أرهقتها الحروب والصراعات. إن التطور والانتشار السريعين لمصطلح حقوق الإنسان، بعد ويلات الحرب العالمية الثانية وإنشاء منظمة الأمم المتحدة، ووضع ميثاقها الذي نص على تبني مبدأ حب السلام للجميع،ويؤكد  رغبة المجتمع الدولي  وإيمانه بالحقوق الأساسية للإنسان  وبكرامة الفرد. فعهدت الجمعية العامة للأمم المتحدة منذ دورتها الأولى إلى لجنة تولّت إعداد إعلان عالمي لحقوق الإنسان، أصدرته الجمعية في 10من ديسمبر سنة 1948، فيما بعد أصبح اللبنة لبناء قانون دولي لحقوق الإنسان، تكون موضوعه ضمان حقوق الإنسان في كافة المعمورة.

بالنسبة لجذور المواطنة قبل الميثاق ذكرنا بعضا منها سابقا، ولعل الأصل الأول للمواطنة على الصعيد الدولي يتمثل في تلك المعاهدات الأولى لحماية الأقليات قبل الحرب العالمية الأولى بين العديد من الدول الأوربية، وحتى بينها وبين الدولة العثمانية-كما أشرنا إلى ذلك-، وتعهدت الدول بحماية حقوق الأقليات على قدم المساواة، ونكرر هنا حتى أن عهد عصبة الأمم في مادته 33تضمن تعهدا من الدول الأعضاء، بالسعي إلى توفير وضمان ظروف عادلة للعمل وإنسانية للرجال والنساء والأطفال  سواء في بلادهم، أو في جميع البلدان التي تمتد إليها علاقاتها التجارية والصناعية سواء بسواء54.

بعد هذا  يمكن القول أن المواطنة وان كانت شأنا داخليا. فان القانون الدولي لحقوق الإنسان أثر في تدعيم وجودها، عن طريق الاتفاقيات الخاصة بحقوق الإنسان التي تصب كلها في مصلحة المواطن، داخل بلده وتضمن له قدرا منها خارجه، وهذا ما سيتأكد لنا في الفروع الموالية.

الفرع الأول:المواطنة في إطار الاتحاد الأوربي

تكتسي المواطنة في إطار الاتحاد الأوروبي أهميَّة بالغة، ولعل جذورها تعود إلى الاتفاقية الأوربية لحقوق الإنسان سنة 195055، ويُعد أول ظهور للمصطلح في سنة 1992في معاهدة ماستريخت، وهذا المفهوم للمواطنة الأوربية لا يعوِّض المواطنة ضمن الدولة التي ينتمي إليها الفرد، بل يكمِّلها بإعطاء حقوق  إضافية للمواطن ضمن الفضاء الأوروبي، وهذا ما سَعَت إليه جميع الاتفاقيات التي واكبت إنشاء الاتحاد بدءا بـ -امستردام- عام 1999الى نيس بفرنسا عام 2003وصولا إلى –لشبونة- عام200956. وهنا نجد أن المواطنة الأوروبية تكتسي طابعا جديدا يكمل المواطنة على المستوى الوطني، فالاتفاقية الأوربية لحقوق الإنسان تحمي حقوق المواطن الذي ينتمي لأحد الدول الأعضاء في الاتحاد كالحق في الحرية والأمن وحرية التعبير،كما أن العهد الأوربي لحقوق الإنسان الموقع سنة 2000بين رؤساء البرلمان الأوروبي والمجلس الأوربي و اللجنة الأوربية، الذي أعطى حقوقا لكل مواطن أوروبي أو شخص يعيش على تراب أوربا باسم الاتحاد الأوربي، في المجال الحريات الشخصية والسياسية  والاقتصادية والاجتماعية57.

إن معنى المواطنة الأوربية ترتكز على معيارين اثنين،" المعيار الأول أنها مقررة فقط للمنتمين لدولة(nationaux des Etats membres)عضو في الاتحاد؛ فلا استفادة من المواطنة الأوروبية إلا عبر الدولة العضو مهما طالت الإقامة لمن ينتمي لدولة أخرى، وهذا لا يمنع إمكانية تمتعه ببعض حقوق المواطنة داخل الدولة العضو في الاتحاد( ربما حتى بعض الحقوق السياسية وهذا يدخل ضمن سياسة إدماج المهاجرين لكل دولة) وليس باسم الاتحاد(58)، المعيار الثاني يخص تعريف المواطن الأوربي من خلال الجنسية، فكل دولة لها كامل الحرية في تحديد مواطنيها طبقا لقانون الجنسية، ولا سلطة لمؤسسات الاتحاد عليها"59.ومن هنا نلاحظ أن ممارسة حقوق المواطنة الأوربية تطور بشكل لافت،ويزيل تلك الحدود الإقليمية؛ بحيث يواصل المواطن ممارسة كافة حرياته وحقوقه، سواء في العمل أو الحرية أو المساواة أو التنقل في أي دولة يتواجد فيها داخل أوروبا.

 إن الممارسة القضائية عززت المواطنة على المستوى الدول الأعضاء، فمن خلال عديد القضايا التي ادعى أصحابها أنهم  ضحايا لعدم احترام المواطنة بالمفهوم الأوروبي، وليس بمفهوم الدول التي ينتمون إليها بجنسيتهم، خاصة إذا تعلق الأمر بأشخاص لهم علاقة مع مواطني هذه الدول كما في: الزواج بشخص أجنبي عن جنسية إحدى الدول الأوربية، أو الطفل الذي يولد لهما داخل التراب الأوروبي...الخ. كل هذه الحالات جعلت محكمة العدل الأوروبية تركز على مبدأ وهو: أن التمتع بالمواطنة الأوروبية لا يمكن أن تحد منع دولة أخرى عضو في الاتحاد60.

بل حتى نجد في التعليمة المنظمة للمواطنة في فرنسا مثلا رقم 2004/38تنص على ضرورة أن تكون المواطنة الأوربية هي المرجع في تجسيد المواطنة، وتسهيل حركة تنقل  المواطنين بحرية61.

إذن تشكِّل المواطنة الأوروبية القاعدة الأساسية التي يستند إليها الأفراد عندما يمارسون حقوقهم في التنقل بحرية، بين دول الاتحاد  والعمل، والدراسة في أي بلد يريدونه، إذ تشير التقديرات أن حوالي 12مليون أوروبي، يعملون ويدرسون في دول غير دولهم الأصلية62.

الفرع الثاني: المواطنة في الشّرعة الدّولية لحقوق الإنسان

"إن اعتراف المجتمع الدولي بحقوق الإنسان ومحاولاته إرساء الأطر القانونية لها،  اعتراف كاشف وليس منشئا، فقد كشف هذا الاعتراف حقوقا ثابتة، أقرتها الشريعة الإسلامية منذ أربعة عشر قرنا وحتى يكفِّر المجتمع الدولي عن سيئاته وسوء أعماله، عَمَد إلى الاعتراف بحق الإنسان في الحياة والعيش الكريم "63، وضمّن هذه الحقوق في مواثيق وعهود قطعها المجتمع الدولي على نفسه، نذكر الأهم منها وهي الشرعة الدولية لحقوق الانسان. وموقفها من مفهوم المواطنة.

أولا: المواطنة في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.

إن المواطنة في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان مطلوب تحقيقها من طرف الدول والحكومات التي ارتضت به، وجعلته بوصلتها في تحقيق تلك الحقوق الواردة في الإعلان. وخلافا لما ورد في إعلان حقوق الإنسان والمواطن الفرنسي،من ذكر لتسمية –المواطن-، فان الإعلان العالمي الصادر في 10ديسمبر 1948، والذي اعتمدته الجمعية العامة تحت رقم 217أ (د-3) لم يذكر ذلك، ولكنه أشار إلى ذلك لما  نص في ديباجته على:"- ولما كان من الأساسي أن تتمتع حقوق الإنسان بحماية النظام القانوني إذا أريد للبشر ألا يضطروا آخر الأمر إلى التمرد على الطغيان والاضطهاد" . ومن تحليلنا لهذه الفقرة نرى أن حقوق الإنسان تتطلب تدخلا من القانون ومن نظام وسلطة، يحيطها بالعناية والحماية فتنشأ من خلالها المواطنة في صورة حية؛ يحس فيها الفرد بالأمن على حقوقه وحرياته بمساعدة النظام القانوني.وبخلاف هذا تضيع حقوق الإنسان! لأن الرعاية الأولى تكون على مستوى الدولة، ثم يأتي العمل على تنمية علاقات ودية بين كافة الأمم. أما بالنسبة للإشارات الأخرى فهناك مواد تكلمت عن: حق الإنسان في الحياة وفي الحرية والتمتع بالجنسية(المادة15)، وحرية التنقل(المادة 13)، والحق في تولي الوظائف العامة في بلده(المادة 21)، والحق في الضمان الاجتماعي بوصفه عضوا في المجتمع(المادة 22).

ثانيا: المواطنة في العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية والعهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.

العهدان الدوليان لحقوق الإنسان لسنة 1966، يجسدان آنذاك انقسام العالم إلى المعسكر الليبرالي الذي غلّب الحقوق المدنية والسياسية واعتبرها الأوْلى بالتحقيق؛ " كاشتراك الأفراد في ممارسة السلطات العامة(التشريعية أو التنفيذية أو القضائية). وقد دعّم اهتمام الماركسية بحقوق الإنسان نزعة التجديد في هذه الحقوق، فظهر بفضلها الاهتمام بالمفهوم الاجتماعي والاقتصادي والثقافي للحقوق في مواد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان"64كما ذكرنا من قبل، وتجسد أكثر عندما تم إفرادها بالعهد الدولي الخاص بالحقوق الاجتماعية والاقتصادية والثقافية.وبعيدا عن فلسفة الحقوق عند كل تيار، فبالنسبة لمصطلح المواطنة فإنها ذات بعدين يشمل العهدين معا، وما ورد فيهما من حقوق ذا أهمية كبيرة في تعزيز المواطنة ولا يمكن الفصل بينهما.

بالنسبة للعهد الأول الخاص بالحقوق المدنية والسياسية نجد المادة الثانية تضع مبدأ عاما؛ حيث تطلب من الدول المنْظمّة لهذا العهد، أن تتعهد باحترام الحقوق المعترف بها لجميع الأفراد الموجودين في إقليمها والداخلين في ولايتها دون أي تمييز، وهذا تطور مهم على مستوى النصوص. ومن المواد التي تتحدث عن الحقوق السياسية منها المادة 25التي تنص: " يكون لكل مواطن دون أي وجه من وجوه التمييز المذكور في المادة 2، الحقوق التالية التي يجب أن تُتاح له فرصة التمتع بها دون قيود غير معقولة،

 أ- أن يشارك في ادارة الشؤون العامة،

ب- أن ينتخِب ويُنتخَب،

ج- أن تُتاح له ، على قدم المساواة عموما مع سواه، فرصة تقلد الوظائف العامة في بلده".

أما المادة 27منه فقد حثت الدول التي تضم اثنيات وأقليات باحترام خصوصياتها، أما حرية التعبير عن الآراء مكفولة، مع إمكانية تقييدها بالقانون لضرورات التي يفرضها القانون، لحماية السلامة العامة والنظام العام والصحة العامة والآداب العامة(المادة 18)، كما أن المادة 16تنص على:" لكل إنسان، في كل مكان، الحق بأن يعترف له بالشخصية القانونية"، فهنا لا يحرم الإنسان بحقوقه الشخصية حتى ولو وجد في بلد آخر.كما أن كل فرد يوجد على نحو قانوني داخل إقليم  دولة ما حق حرية التنقل فيه وحرية اختيار مكان إقامته، ولكل فرد حرية مغادرة أي بلد، بما في ذلك بلده، ولا يجوز منعه من حق الدخول إلى بلده (المادة 12).

أما بالنسبة للعهد الثاني الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية فانه وعلى غير ما جاء به العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، حثَّ الدول المنْظمّة له أن توفر هاته الحقوق تدريجيا، وقيامها بالخطوات لضمان التمتع الفعلي بها؛ لأن هاته الأخيرة تتطلب درجة من التنمية والتطور لدى الدولة، ناهيك عن الفروق الاجتماعية والاقتصادية الشاسعة بين الأفراد، والذي قد لا تستطيع الدولة تقليص تلك الهوة فما بالك بإلغائها؟! لكن هذا لا يمنع من توفير الحد الأدنى من العيش الكريم، كما أن العهد في مادته الثانية تكلم عن المدى الذي تستطيع الدولة أن تصله في مجال ضمان تلك الحقوق لغير المواطنين بهذا اللفظ، ويمكن أن نلاحظ أن الحقوق الواردة في مواد العهد كالحق في العمل والضمان الاجتماعي، والحق في التعليم والتربية، حق المشاركة في الحياة الثقافية(المادة 15)،  والحق في التمتع بفوائد التقدم العلمي وتطبيقاته. وقبل هذا كله الحق في مجانية التعليم الابتدائي(المادة 13)، والحق في شروط عمل عادلة ومرضية لكسب الرزق الذي يحفظ كرامة الإنسان وعائلته(المادة 07)، والتحرر من الجوع(المادة 11)، والحق في الصحة الجسمية والعقلية(المادة 12). ومن خلال هذه العينة من الحقوق نقول: أن المواطنة شيء متكامل يتطور وتبلغ مداها كلما تمتع الفرد بحقوق أكثر، بطريقة لائقة دون تمييز، وبعدالة في التوزيع حسب جهد المتمتع بالحق، وجهد البلد الذي يعيش فيه. كما يشير العهد إلى ضرورة التعاون الدولي في مجال تحسين طرق الإنتاج وحفظ وتوزيع المواد الغذائية، توزيعا عادلا بين البلدان المستوردة والبلدان المصدرة لها على حد سواء(المادة 11فقرة أ و ب).

ثالثا: المواطنة في الميثاق العربي لحقوق الإنسان

كان لمشروع ميثاق عربي لحقوق الإنسان جهود سبقته، ومحاولات كثيرة لوضع اتفاقية لحقوق الإنسان العربي، خاصة نذكر إعلان القاهرة لحقوق الإنسان عام 1990، فتم النظر فيه من قبل لجنة مختصة، ثم إن جامعة الدول العربية صادقت على المشروع العربي يوم 12//09/1994بالقرار 5426/د.102/ فأصبح بذلك الميثاق العربي لحقوق الإنسان65.ثم جاء الميثاق العربي لحقوق الإنسان لسنة 200466.بالنسبة للحقوق الواردة في الميثاق الأول لسنة 1994فإنها أخذت بعين الاعتبار الجهود الدولية في مجال حقوق الإنسان، كما أن الميثاق غني بمصطلح "المواطن" و "المواطنين"67، كما أنه سبَق المفهوم الأوربي للمواطنة عندما أشار إلى المواطنة العربية ففي المادة الثالثة الفقرة (ب) منه على: "- لا يجوز لأية دولة طرف في هذا الميثاق التحلل من الحريات الأساسية الواردة فيه والتي يستفيد منها مواطنو دولة أخرى تتعامل وتلك الحريات بدرجة أقل".

المبحث الثالث:

مقارنة بين أسس وآفاق المواطنة في القوانين العربية والمواطنة كمفهوم كوني وعالمي.

في هذا المبحث الأخير نحاول أن نقارن ومن خلال ما سبق بين أسس المواطنة في القوانبن العربية وما يقابلها من أسس في أوروبا و في العالم،أما المطلب الثاني فنستشرف فيه آفاق المواطنة ومستقبلها بين القوانين العربية ومواثيق حقوق الإنسان.

المطلب الأول: المقارنة على مستوى أسس المواطنة

نعقد في هذا المطلب مقارنة بين المواطنة في المجتمعات العربية ونظيرتها في أوروبا في الفرع الأول، أما الفرع الثاني فنتعرف على علاقة المواطنة  العربية  بمفهوم المواطنة العالمية، وفي الفرع الثالث فندرس علاقة المواطنة بمفهوم العولمة وعصر الرقمنة والتكنولوجيات الحديثة.

الفرع الأول: المواطنة (العربية) والمواطنة الأوروبية

يلاحظ عدم فاعلية أو انتفاء ما يسمى بالمجتمع المدني وقواه في المنطقة العربية(البلدان العربية) تجاه التحولات الديمقراطية والدولة والمجتمع يعود إلى الإشغالات الاجتماعية المسماة " مدنا" في البلدان العربية جميعها تبدو إشغالات مثقلة بالتكوينات الاجتماعية الريفية والتقليدية التي لم تستطع أن تمدد ثقافتها وتنظيماتها إلى الريف، فضلا على أنها لا تقاس بالمدن الأوربية وقواها وثقافتها في التجربة الأوروبية الغربية. وحتى وجود تلك القوى الموصوفة بالمجتمع المدني لا أهمية له في إطار إحداث تحولات باتجاه الديمقراطية، وحتى ما حدث في بعض البلدان جاء نتيجة ضغوط خارجية أو داخلية68.

 واستشهدنا بالمدن باعتبارها الحاضنة لممارسة المواطنة الحقيقية، ومكان التعبير عن التفاعل الحضاري مع الدولة ومع المجتمع، وهذا موجود حتى في الغرب، لكن هذا لا يبرر حرمان من يعيشون في أطراف المدينة أوفي الأرياف من مواطنيتهم؛ فالملاحظة العامة أن المواطن العربي في المدينة " يتحصل على حقوق وخدمات ومرافق متميزة بينما تفتقر بعض الأحياء الشعبية والفقيرة إلى أبسط الخدمات وبالتالي عدم التوازي والتوازن في الترقي والتقدم، وبما لا يخدم في النهاية قضية المواطنة والتماسك بين الدولة والمجتمع"69.

 على غِرار دول أوربية عاشت أزمة مواطنة قبل أن تصل إلى المواطنة الأوروبية التي تكلمنا عنها سابقا؛ ففرنسا مثلا التي انبثق منها حقوق الإنسان والمواطن، تبين عمق أزمة المواطنة فيها عندما صرَّح الرئيس الأسبق شيراك أن: نصف الفرنسيين لا يُسمع صوتهم ولا يتلقون أي حماية وبعد سنوات وقعت أحداث الضواحي الباريسية في أكتوبر 2005، والتي تمثلت في أعمال شغب ومواجهات بين الشرطة الفرنسية، وشباب هاته الضواحي الذين يعيشون الفقر والتهميش(هم أصلا من أبناء المهاجرين العرب والأفارقة)70." والمفارقة هنا هي أن المجتمعات العلمانية التي تطالب بضرورة مساواة المواطنين بغض النظر عن خلفيتهم الدينية(أو غير الدينية) تمنع في نفس الوقت هذه الجماعات من الاستفادة من هذه المساواة من خلال الاستمرار في تعريفهم جميعا باعتبارهم مسلمين...، هذا التعريف الشمولي للأجانب يعد مصدرا من مصادر المبالغات الكبيرة حول تأثير الإسلام...حيث يعتبر تعريف المسلمين وكأنهم داخل المجتمعات الغربية يتهددون السلم الاجتماعي والديمقراطية"71. وهذا رغم أن استمرار فرنسا مثلا في ربط منح المواطنة بشرط الجنسية الفرنسية، تسبب في حرمان فئات كبيرة من المجتمع الفرنسي من حق المواطنة72.

الفرع ثاني:المواطنة(العربية) والمواطنة العالمية

رغم أن المواطنة ترتبط بالوطن، والوطن هو الدولة التي ينتمي إليها الإنسان، لكن هل يمكن للإنسان أن يعتبر العالم هذا كله وطنا له، والأرض كلها مقرا له، وهنا جاء مصطلح المواطن العالمي، ولكي نجلي هذا الأمر فان التسليم بذلك يقتضي تمييز حقوق يتمتع بها المواطن باعتباره عضوا في كل المجموعة البشرية، بغض النظر عن كل سبب للتمييز. وهذا سابق لأوانه في ظل الحروب التي نعيشها والصراعات، والتي تمزق كيان العالم.لكن الإحساس بالمصير المشترك للبشرية والأخطار المشتركة، والتحديات المشتركة كذلك، جعل أصوات تنادي بضرورة البحث عن المواطن العالمي الذي يعي كل هذا، فنوفر علينا جهودا بتحقيق المواطنة العالمية؟ حماية للبشرية كلها، ويتجلى هذا في إشارات نجدها في كثير من الاتفاقيات والمعاهدات الدولية ومبادرات للمنظمات غير حكومية ضد جشع الرأسمالية على حساب حقوق المواطنين في جميع العالم.

إن أهمية المواطنة شيء واضح سواء من الناحية العلمية أو العملية، خاصة عقب ما تعيشه أغلب البلدان العربية من تغيرات  جراء ما سمي بـ "الربيع العربي"، في إشارة إلى إزاحة وخلخلة كثير من الأنظمة العربية بسبب تلك الثورات، التي لا يستهان بتأثيرها على دولة القانون، سواء من حيث الأسباب  أو النتائج، مما أثر على تمتع المواطن العربي من حقوقه كاملة أو في سعيه لها في طريق طويلة وشاقة.من خلال التحليل السابق ودون الحديث عن آثار تلك الثورات، فان الشعور بالمواطنة والإيمان بها وتجسيدها، يكون له الدور الفعال في وقاية الدولة من التفكك، والوطن من الضياع في ظل الفتن والصراعات. لأن المواطن الواعي عندما تنتقص منه الحقوق فانه يفاضل بينها، فيتنازل عن بعضها للإبقاء على الأولى منها، وهذا الفهم يقتضي من أنظمة الحكم الأخذ به كذلك، وصولا إلى درجة تلتقي فيها المصلحتان. ولا ننسى هنا التحدي العالمي الذي نحسبه يؤثر على المواطنة المحلية، بالإيجاب تارة وبالسلب أحيانا أخرى.

إن تقييم المواطنة و مقارنة واقعها في مختلف الدول، عملية معقدة وتثير كثيرا من الإشكاليات خاصة على مستوى تشعب مجالات التنصيص القانوني أو التجسيد الواقعي.ورغم ذلك " وضعت كثير من المراكز البحثية مؤشرات منها: -مؤشرات قانونية    - مؤشرات التجسيد أو التنفيذ.   –مؤشرات الاكتساب     - مؤشرات الاندماج"73.رغم أن الميثاق العربي لحقوق الإنسان لسنة 2004ركز على أهمية التركيز على" الهوية الوطنية للدول في إطار الشعور بالانتماء الحضاري المشترك، وترسيخ مبدأ الوعي بالحقوق والالتزام بالواجبات، وترسيخ مبدأ بان جميع حقوق الإنسان عالمية وغير قابلة للتجزئة ومترابطة ومتشابكة"74.

الفرع الثالث: المواطنة في ظل العولمة

تعتبر العولمة (la mondialisation)باللغة الفرنسية أو(globalisation)باللغة الانجليزية توجها جديدا نحو كونية الاقتصاد والمعاملات وتخطي الحدود الدولية والخصوصيات المحلية، وان كانت الانطلاقة لهذا المفهوم اقتصادية بحتة، فانه انتقل ليشمل كافة المجالات الفكرية والسياسية. بالنسبة لعلاقة المواطنة بالعولمة نلحظ أن القوى الكبرى تحاول عولمة المفاهيم واختراق السيادة الوطنية للدول، بداعي الانخراط في الحداثة واحترام حقوق الإنسان، وفرض نماذج للتنمية الاقتصادية وحتى الثقافية والسياسية والقانونية؛ وهذا بفرض قواعد وشروط تحد من حركة الدولة- الأمة ووظائفها، لتفكك نظمها الإنتاجية ومؤسساتها، أي تقفز فوق مهام الدولة والأمة والوطن والمواطنة75، وإلغاء خصوصيات الدول في رعاية شؤون مواطنيها من مهام العولمة، خاصة في ظل تبعية الدول للتوجه العالمي خاصة العربية منها والتي تعاني من نفور مواطنيها منها، بالهجرة إلى دول أخرى طامعين في حياة أفضل ومواطنة أفضل.إن الواقع المعولم لا يسمح بنشوء مواطنة سليمة، لأن التحدي الذي يواجه أغلب الدول العربية الآن هو مقاومة اللاانتماء الذي تشيعه العولمة، وبدل ذلك تعزيز روح الهوية الوطنية.

من المصطلحات الشائعة الآن المواطن الرقمي- الذي كان من نتائج العولمة وأسبابها- الذي انتشر مؤخرا، في إشارة إلى ذلك المواطن ذو الخصائص الرقمية، فتراه يتعامل بالتكنولوجيا الحديثة وحقوقه مصطبغة بها، فأصبحت الحقوق الرقمية للمواطن الرقمي، خاصة إذا اشرنا أن وسائل التواصل الاجتماعي، وتفتح العالم على مصراعيه لجميع الشعوب، وسعي الدول لتسهيل عملية انتقال المعلومات والسلع، جعل الفرد المواطن يمارس حقوقه بنسبة كبيرة الكترونيا.لكن المواطنة الرقمية لا تسلم من المخاطر، لعدم موثوقيتها وعالمها الافتراضي غير الواقعي ومخاطرها، ويكفي هنا أن نذكر تلك الوسائل للتواصل الاجتماعي والتي تؤثر على الرأي العام،بإشاعة أفكار هدامة أو الدعوة إلى الاحتجاج، أو التشكيك في هوية المواطنين، أو تنصيب تكتلات افتراضية لبث الفرقة بين أبناء الوطن الواحد بسبب الدين أو العرق أو الجهة.

المطلب الثاني:آفاق المواطنة بين القوانين العربية ومواثيق حقوق الإنسان

سوف نتطرق في هذا المطلب في الفرع الأول إلى أن احترام المواطنة المحلية لا يلغي حقوق الإنسان وأن هذا المفهوم هو الأصل في المواطنة، وفي الفرع الثاني نبين أن تعزيز قيم التسامحيسهم لا محالةفي تعزيز قيم المواطنة وتجسيدها في المجتمع.

الفرع الأول: احترام المواطنة المحلية لا يلغي حقوق الإنسان

إن المواطنة المحلية الوطنية داخل حدود كل دولة هي الأصل لمفهوم المواطنة، وبمقدار الاحترام الذي توفره الدولة لمواطنيها، تجسد الدولة وجودها المنبثق من حق الشعب على حكامه، المنبثق من العقد الاجتماعي بينهما. أما حقوق الإنسان فإنها أوسع من المواطنة، باعتبارها تحمل التزاما على عاتق الدولة، باحترام الإنسان مهما كان وطنه الأصلي وولاؤه وانتماؤه.

إن العلاقة التي تكونت بين المواطنة المحلية وحقوق الإنسان هي أنه تم الخَلط بينهما في كثير من المرّات من قِبل الباحثين، فيُتكلم عن حقوق الإنسان ويُقصد بها حقوق المواطنة؟! ولعل الفارق الدقيق بينهما - رغم صعوبة ذلك لأن مجالهما هو الحقوق والحريات التي يتمتع بها الفرد الإنسان أو الفرد المواطن- هو كوننا بصدد حقوق المواطنة متى كان المعني بها أحد رعايا تلك الدولة المطلوب منها توفير ذلك الحق، حسب قوانينها الداخلية، ونكون بصدد حقوق الإنسان كلما كانت هذه الحقوق توفر للإنسان مهما كان انتماؤه، فهو يتمتع بها في أي بلد وفي أي وطن حتى ولو لم يكن وطنه. لكن هنا يجب الانتباه أن هناك نقاط تماس بين المواطنة وحقوق الإنسان، لأن الدول تتفاوت في منح حقوق أكبر للأجانب، مما يوحي أنهم كمواطنيها، ولكنهم ليسوا كذلك؟ فالتمتع بحقوق المواطنة أو جزء منها لا يعني أن الفرد اكتسب صفة المواطن!

إن البحث عن المواطنة خارج حدود الدولة صعب المنال، لأنه كما أشرنا فان التجسيد الفعلي للمواطنة يتم داخل المجتمع الداخلي، باعتبار الإنسان هدف كل مجتمع. لكن عندما يفشل في تحقيق الحد الأدنى من الرفاه والعيش الكريم والاعتزاز بهذا الانتماء والتمتع بثمراته؟ نجد أن المواطنين يتركون بلدانهم الأصلية، ويهجرونها إلى أخرى بحثا عما يعتبرونه حياة كريمة، أو حقوقا أفضل أو مواطنة حقيقية. ومن التدابير التي تتبعها الدول لمواجهة دخول الأجانب إلى أراضيها هي الإبعاد. وإعادتهم إلى أوطانهم الأصلية، وان كان هذا الإجراء بمعايير القانون ومصلحة البلاد المهاجر إليها-لعدم شرعيته- سليم وصحيح إلى حد ما؟ في ظل أزمة المهاجرين، إلا أنه بالنسبة للمواطن فقد كرست المواثيق والدساتير حقه في البقاء في وطنه وأن يعود إليه، وان لا يتعرض للإبعاد من بلده مهما كانت درجة خطئه أو لاعتبارات سياسية أو غير ذلك " فقد نص المؤسس الدستوري المصري مثلا على هذا الحق صراحة وهو عدم جواز إبعاد المواطن المصري عن بلده؛"فلا يتصور قيام تنظيم تشريعي له بالنسبة للمواطنين، فهذا الحق من الحقوق المطلقة، فالإبعاد ينال من حرية الشخص في التنقل، ولا يوجه الإبعاد إلا إلى الأجانب من الأشخاص الخطرين على أمن البلاد، وتتسع أسبابه لمن يكون عالة على الدولة أو من لا يحترم الشروط الخاصة بالإقامة، أو من يهدد النظام العام في الدولة أو لا يحترم القوانين"76. أما الدستور الجزائري الأخير، المشار إليه سابقا، فانه لم يمنع إجراء الإبعاد صراحة رغم خطورته ضد الأجانب، أما المواطنين فقد نص على تقييد حق تنقل المواطنين من والى الخارج لمدة محدودة فقط وبموجب قرار مبرر من السلطة القضائية، وفي هذا تنص المادة 46منه على:" لا يجوز المساس بهذه الحقوق دون أمر معلل من السلطة القضائية، ويعاقب القانون على انتهاك هذا الحكم ".

إن الإحساس بضياع المواطنة أو الظلم  أو ما يطلق عليه(الحُڤرة)«77hogra»، هذا المصطلح الذي يشيع كثيرا في المجتمع الجزائري، والذي يحمل دلالة قوية على انتهاك صارخ لحقوق المواطنة؛ فالمواطن الذي يعتبر نفسه منقوصا من حقوق تجاه دولته، أو هو ضحية تلك الحقوق، من طرف الآخر سواء مواطنين آخرين؟ أو الدولة ذاتها؟ أو سلطة ما؟ أو قد يكون هو ضحية سلوكه وتصرفاته، كل هذه التفسيرات التي لها بعدها السوسيولوجي، لا يجب أن تُلهينا عن الدّور الايجابي الذي يؤديه الفرد المواطن، لكي يواصل تحقيق مواطنيته ويرتقي بها، عن طريق المشاركة الايجابية في بناء الوطن الذي يعيش فيه، ولا ينتظر من مواثيق حقوق الإنسان أن تحقق له ما عجز هو عن تحقيقه لنفسه.  

الفرع الثاني: تعزيز مفاهيم التسامح تعزيز للمواطنة

لعل أهم شغل يؤرق الدول والحكومات في زمن تعدد الثقافات، وسهولة تحرك الأفراد من دولة لأخرى هو تعزيز الهوية الوطنية، مع الانفتاح على الآخر والاستفادة من عملية الاتصال به، والاستفادة من تجاربه، والتربية على المواطنة تشكل أهم رافد لتعزيز التسامح بين أبناء الوطن الواحد،" فلقد أوجب الإسلام على الدولة رعاية جميع أفراد المجتمع رعاية كاملة وهذه الرعاية بغض النظر عن الدين أو اللون أو الجنس، وكذلك لأفراد الدولة الانتفاع بمرافق الدولة العامة"78. وهذا مما يورث التسامح بل والود بين المواطنين في كنف حماية الدولة.

إن التطور الذي عرفته وتعرفه الدول الغربية لا يمكن أن يثبت إلا بتماسك اجتماعي، وأغلب المشاكل والصراعات السياسية، ما هي إلا انعكاس لصراعات اجتماعية تعوزها روح المجموعة. إن المواطن حتى في الدراسات السوسيولوجية لا يمكن أن يكون إلا المحرك وصاحب القرار لتحقيق الهدف الجماعي للأمة، وليس مجرد موضوع لإرادة عليا تتحكم فيه. لأن الروح الإنسانية متعلقة بنا والمواطن الحقيقي هو الذي يستطيع العيش مع الآخرين،"le citoyen est donc celui qui assume  l’ exigence de vivre ensemble"79.

" إن فقهاء الإسلام عندما تكلموا عن مصالح الأنام، فيما يخص حقوقهم  في مواجهة السلطة العامة، إنما ينطلقون من أساس ، وهو أن الناس في الأصل سواء وأن عليهم أن يتنافسوا في تقوى الله، وطريقهم إلى هذا هو "الواجب"، وهو "التكليف" هو العمل من أجل الكل، ومن أجل الآخرين وفي خير الكل خير الجزء، وفي خير المجتمع خير الفرد، والحكام والمحكومون في هذا سواء. بل إن القاعدة هي أنه كلما كان الإنسان أو "المواطن" في موقع أهم، كان واجبه أكبر ، وكانت مسؤوليته أثقل"80.

 فمن هنا ينشأ التنافس على الخير ، ولا يكون حقد وبغض بين الأفراد، بل كل مسؤول يحافظ على الرعية باعتباره مكلفا، كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم :" كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته"81الحديث. والفرد يحترم الحكّام والغير باعتباره مطالبا بالطاعة في غير معصية." فالتسامح أساس راسخ في الإسلام سواء بين المسلمين في تضامنهم وتوادهم، أو مع من تقتضي الأحوال مخالطتهم من أهل الملل الأخرى، ذلك أن القرآن وكلام الرسول صلى الله عليه وسلم، في مناسبات يعلم المسلمين أن الاختلاف ضروري في جبلة البشر، وأنه من الطبع اختلاف المدارك وتفاوت العقول في الاستقامة، ولم يحفظ التاريخ أمة سوت رعاياها المخالفين لها في دينها برعاياها الأصليين في شأن قوانين العدالة ونوال حظوظ الحياة بقاعدة :لهم ما لنا وعليهم ما علينا، مع تخويلهم البقاء على رسومهم وعاداتهم، مثل أمة المسلمين، وهذا ينم عن ثقة بالنفس  وصدق الموقف"82.

في أوربا تمت معاينة هذه المشكلة خاصة-في فرنسا- بالنسبة للمواطنين الفرنسيين من أصول عربية والمسلمين الذين يعيشون في أوربا عموما، والذين تتعرض مواطنتهم للمساس، في كل مرة خاصة في ظل الحساسيات الدينية ضد الإسلام، والصورة النمطية والمشوهة التي تسوق إعلاميا، وكما يشير بعض الأكاديميين إلى هذه الظاهرة83.

ورغم النصوص التي تعالج مسألة الحقوق والحريات العامة لجميع المواطنين، وحماية حرية المعتقد  ومنع التمييز، والهيئات التي تسهر على مكافحة جميع أنواع التمييز العنصري، والمعالجة القضائية سواء على مستوى المحاكم  في دول أوربا، أو على مستوى المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، فإنها تبقى عاجزة عن حل المشكلة من جذورها، فلا العلمانية الفرنسية عند تبنيها رسميا بموجب قانون 190584، أفلحت في استيعاب مسلميها من المواطنين85، ولا هيئات حقوق الإنسان على مستوى الدول الأوروبية، استطاعت أن تحمي المواطنة الأوروبية من التمييز.

خاتمة

سعت هذه المقالة إلى دراسة الأسس القانونية للمواطنة، بين القوانين العربية و كذا مواثيق حقوق الإنسان وعالجت الموضوع كالتالي: باعتبار المواطنة هي ارتباط بالوطن الذي يعيش فيه ويرتبط به برابطة الجنسية، تناولنا بداية معنى المواطنة وركزت على الفروق بين المجتمع المسلم والأدبيات الغربية، ثم المواطنة كمفهوم قانوني يتعلق بحقوق وحريات في دولة القانون، ثم بينا علاقة مواثيق حقوق الإنسان بمواطنية الفرد، وهل هناك ضمانات من القانون الدولي لحمايته. وتوصلنا إلى النتائج التالية:

أ/ إن المواطنة الحقيقية تنبع أولا من القوانين الداخلية للدول،وما المواثيق الدولية إلا انعكاس وترجمة لموقف الدول من بعض الحقوق خارج إطارها الداخلي والوطني.

ب/ إن احترام المواطنة المحلية لا يكفي، فحقوق الإنسان هي الوجه الثاني للمواطنة على المستوى الدولي وهي تعزيز لكرامة الإنسان في كل مكان.

ج/ الدول العربية ومن خلال عينات الدراسة لها مرجعياتها في احترام المواطنة من خلال القوانين الداخلية. أما حقوق الإنسان فغالبا ما ترتكز في احترامها( الدول العربية) على مواثيق حقوق الإنسان المصادق عليها من طرفها.

د/ التكامل القانوني والحقوقي( فيما يخص حقوق الإنسان) العربي في مجال المواطنة ضعيف، رغم تعدد العناصر المشتركة كاللغة والدين الجغرافيا بخلاف ما لاحظناه في الاتحاد الأوروبي- رغم ضعف عناصر الاشتراك- مثلا.

ه/ الأسس القانونية للمواطنة المحلية العربية تحتاج إلى تعميمها على المستوى العربي أولا، قبل الحديث عن تطبيق المعايير والأسس الدولية لحقوق المواطنة، الموجودة في المواثيق الدولية لحقوق الإنسان.

1.-عبد الجليل أبو المجد(2010)، مفهوم المواطنة في الفكر العربي الإسلامي، إفريقيا الشرق، المغرب، ص.13.

2.-موقع: الباحثون السوريون، مفهوم المواطنة، على شبكة الانترنت، رابط الموقع: http://www.syr-res.com/article/6477.html.اطلع عليه يوم 27/02/2016.

3.- حسين فريجة(2010)،"المواطنة تطورها ومقوماتها"، مجلة المنتدى القانوني، العدد السابع، أفريل، جامعة بسكرة، ص. 17.

4.- محمد بن أبي بكر عبد القادر الرازي(1996)، مختار الصحاح، دار عمار للنشر والتوزيع، الطبعة العاشرة، الأردن، ص.345.

5. - أحمد صابر حوحو(2010)، "مبادئ ومقومات الديمقراطية"، مجلة المفكر، العدد الخامس، مارس، كلية الحقوق والعلوم السياسية، جامعة بسكرة، الجزائر، ص. 32.

6.-بوكرا إدريس(2003)، الوجيز في القانون الدستوري والمؤسسات السياسية، دار الكتاب الحديث، درارية، الجزائر، ص. 142.

7.- محمد عبد الرحيم محمد إبراهيم(2009)،  مركز الأجانب في مصر-دراسة تاريخية مقارنة، دار النهضة العربية، القاهرة، مصر، ص. 25.

8.- صالح فركوس،(دون سنة نشر)تاريخ النظم القانونية والإسلامية، دار العلوم ،عنابة ، الجزائر، ص. 29.

9.- فهمي هويدي(1999)، مواطنون لا ذميون، دار الشروق، مصر، الطبعة الثانية، ص. 42.

10.- نفس المرجع .ص.64 .نقلا عن آدم ميتز، الحضارة الإسلامية في القرن الرابع الهجري، ترجمة د-محمد أبو ريدة، ص. 585.

11. - نفس المرجع، ص. 66.

12.  *)- درج المؤرخون على استعمال مصطلح الموريسكيين Moriscos  كدلالة تاريخية لنعت مسلمي الأندلس أو العرب المتنصرين بعد سقوط غرناطة عام 1492، الذين فرض عليهم التنصير القسري ما بين 1499-1526، وبقي أحفادهم حتى عمليات الطرد النهائي ما بين 1609-1614. أنظر دراسة جامعة لتاريخ الموريسكيين في: حنيفي هلايلي (2010)،أبحاث ودراسات في التاريخ الأندلسي الموريسكي، دار الهدى، عين مليلة الجزائر،ص.05.

13. - القطب محمد القطب طبلية(1984)، الإسلام وحقوق الإنسان دراسة مقارنة، دار الفكر العربي، القاهرة،ص.540.

14. *)- التنوع الذي نشهده الآن هو تنوع انقسام وطائفي، له أسبابه التاريخية نتيجة اختراق المستعمر، وزرعه بذور الشتات بين الدول العربية وداخلها، أما التنوع الذي كان سائدا آنذاك فهو تجسيد للمواطنة الحقيقية في القدرة على العيش المشترك.

15.- محمد عمارة(1986)، العلمانية ونهضتنا الحديثة، دار الشروق، الطبعة الثانية، القاهرة، مصر، ص. 198.

16. -قايد دياب(2007)، المواطنة والعولمة تساؤلات الزمن الصعب، مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، القاهرة،مصر، ص.ص.138-139.

17.- السعيد محمد جبر(دون سنة نشر)،المركز الدولي للأقليات في القانون الدولي العام مع المقارنة بالشريعة الإسلامية، منشأة المعارف الإسكندرية، مصر، ص.ص.327-328.

18. محمد اكيج، التقسيم الفقهي للعالم بين جدلية التضييق والتحرير لمفهوم الوطن، شبكة ضياء للمؤتمرات والدراسات، الموقع على الانترنتhttp://diae.net/23171، اطلع عليه يوم 11/05/2016.

19.- منير مباركية(2013)، مفهوم المواطنة في الدولة الديمقراطية وحالة المواطنة في الجزائر، مركز دراسات الوحدة العربية، نقلا عن شفيق المصري،" المواطنة في ضوابطها الدستورية"، التسامح...، لبنان، ص. 116.

20.- محمد أحمد عبد النعيم(2007)، مبدأ المواطنة والإصلاح الدستوري، دراسة تحليلية مقارنة، دار النهضة العربية، القاهرة، مصر، ص.103.

21. - المادة 3 من دستور فرنسا لسنة 1958، المواد من 40 الى 63 من دستور 1971 لجمهورية مصر والمادة 53 من مشروع الدستور المصري لسنة 2013. الفصل الرابع (الحقوق والحريات من المادة 29الى المادة 59) من مشروع التعديل الدستوري الجزائري  المصادق عليه سنة 2016 .

22.- اعترف دستور 1963 في ديباجته: بالحقوق الأساسية لكل مواطن بالجمهورية تمكنه من المساهمة بطريقة كلية وفعالة في فريضة تشييد البلاد.كما نص في المادة 11 موافقة الجزائر للإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وهذه سابقة في العالم،  أن ينص على الالتزام بالإعلان، في نص الدستور صراحة، وهذا إعلاء لشأن الحقوق والحريات العامة!.

23. - نصت المادة 41 منه على  أن الدولة تكفل لكل المواطنين المساواة في الحقوق والمشاركة السياسية.، ونصت المادة 58 على الانتخاب والترشح وحصرته على الوطنيين دون الأجانب ولكنها لم تميز بين الجنسية الأصلية و المكتسبة؛ بقولها: "يعد كل مواطن تتوفر فيه الشروط القانونية، ناخبا وقابلا  للانتخاب عليه".

24.- جاء  هذا الدستور أكثر انفتاحا على التعددية الحزبية من سابقيه، وتشير المادة 16 إلى مشاركة المواطنين في الشؤون العمومية ،ونصت المادة 47 على : لكل مواطن  تتوافر فيه الشروط القانونية أن ينتخب وينتخب" أما المادة 48  فتنص على : " يتساوى جميع المواطنين في تقلد المهام والوظائف في الدولة دون أية شروط أخرى غير تلك التي يحددها القانون".

25.-  مرسوم رئاسي رقم 96-438 مؤرخ في 26 رجب عام 1417 ه الموافق ل 07 ديسمبر 1996 تتعلق بإصدار نص التعديل الدستوري المصادق عليه في استفتاء 28 نوفمبر 1996، الجريدة الرسمية للجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية، العدد 76، ص.6 وما بعدها.تنص المادة 29 منه على : " كل المواطنين سواسية أمام القانون، ولا يمكن أن يتذرع بأي تمييز يعود سببه الى المولد، أو العرق، أو الجنس أو الرأي، أو أي شرط أو ظرف آخر، شخصي أو اجتماعي". تنص المادة 42 فقرة 2 على: " ....- وفي ظل احترام أحكام هذا الدستور، لا يجوز تأسيس الأحزاب السياسية على أساس ديني أو لغوي أو عرقي أو جنسي أو مهني أو جهوي".

26.  - الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية، القانون رقم: 16-01 المؤرخ في 26 جمادى الأولى عام 1437، الموافق ل6 مارس 2016، العدد رقم 14،بتاريخ 7 مارس 2016، نصت المادة 34 منه على: تستهدف المؤسسات ضمان مساواة كل المواطنين والمواطنات في الحقوق والواجبات بإزالة العقبات التي تعوق تفتح شخصية الإنسان، وتحول دون مشاركة الجميع الفعلية في الحياة السياسية، والاقتصادية والاجتماعية والثقافية". أما المادة 35 وهي جديدة: فقد نصت: تعمل الدولة على ترقية الحقوق السياسية للمرأة بتوسيع حظوظ تمثيلها في المجالس المنتخبة.

27.  - سوف نعود إلى هذا الموضوع عندما نتكلم عن الإشارات وتطبيقات المواطنة في القوانين العربية.

28.- محمد أحمد عبد النعيم، مرجع سابق، ص.ص.183 -184.

29. - محمد صلاح عبد البديع(2009)،الأصول الإسلامية لمنظومة الحقوق والحريات المعاصرة، دار النهضة العربية، الطبعة الأولى، القاهرة، مصر،ص.78.

30.-  إن تفسير التمييز بين حقوق الإنسان وحقوق المواطن هو في  التمييز بين النظام السلبي والنظام المسهم؛ الأول هدفه حماية الفرد من تجاوزات الدولة، إنها مجموعة من الحريات يمكن إرجاعها إلى حق المواطن، في أن يطالب الدولة في الاستنكاف عن كل الميادين التي يسمح فيها القانون لها بالتدخل  سماحا واضحا، عكس النظام الايجابي الذي يسمح للمواطن أن يطالب الدولة بالتدخل ايجابيا لتوفير بعض الحقوق، لكن بمجيء الإعلان جاءت بعض الحقوق(حق الانتخاب والترشح مثلا) لتجعل فكرة المساهمة ضرورية في تسيير شؤون البلاد- والحصول على المواطنة الكاملة-، فيمكن القول أن مواد الإعلان تستهدف الإنسان والمواطن معا، لأن تنظيم حقوق المواطن يبدوا كضمانة غير مباشرة لحقوق الانسان، ولأن احترام حقوق الإنسان ضروري لممارسة حقوق المواطن. وأن الإنسان لم يوجد من أجل الدولة بل الدولة هي التي وجدت من أجل الانسان" أنظر :روبير بيلو(1977)، المواطن والدولة، ترجمة نهاد رضا، منشورات عويدات،بيروت، باريس، ص.ص. 19. 20.

31.-  يسري مصطفى (2003)، "ملاحظات حول أزمة المواطنة"، مقالة منشورة في قضايا معاصرة-المواطنة ونشأة مفهوم المجتمع المدني، مركز الجزويت الثقافي، الإسكندرية، مصر،  ص.96.

32.- إسماعيل زروخي(2009)،" الحرية في الفكر العربي الحديث"، مجلة المستقبل العربي، كانون الثاني، العدد 359، مركز دراسات الوحدة العربية،، لبنان،  ص.ص.152-153.

33.- محمد عصفور، " وقاية النظام الاجتماعي باعتبارها قيدا على الحريات العامة"، أطروحة دكتوراه في العلوم القانونية، كلية الحقوق ، جامعة القاهرة، مصر، 1961، ص. 88.

34.-  ثيودور لووى، بنيامين جينسبرج(2006)، الحكومة الأمريكية- الحرية والسلطة-، ترجمة عبد السميع عمر زين الدين، رباب عبد السميع زين الدين، مكتبة الشروق الدولية، القاهرة، مصر، ص.ص. 148-153.

35.-  بان غانم أحمد الصائغ، 2009" التأصيل التاريخي لمفهوم المواطنة"، مجلة دراسات إقليمية، جامعة الموصل ، العراق، ، ص.08. او الرابط التالي: http://www.iasj.net/iasj?func=fulltext&aId=28973. اطلع عليه يوم 11/05/2016.

36.-  ياسين محمد حمد العيثاوي( 2014)، "المواطنة في ظل العولمة"، مجلة قضايا سياسية،، جامعة النهرين، العراق، ص.246.

37.- جواد كاظم محسن(2011)،" الحقوق والواجبات من منظور إسلامي، المجلة السياسية الدولية، الجامعة المستنصرية،  العراق، أو الرابط التالي: http://www.iasj.net/iasj?func=fulltext&aId=27015، اطلع عليه يوم 11/05/2016.

38.- المرجع نفسه.

39.- " لا يختلف تطبيق مبدأ المساواة فيما بين المسلمين عنه بالنسبة لغير المسلمين إلا بشأن الأحكام الشرعية المتعلقة بالعقيدة، ولذلك فلا مساواة بين المسلمين وغيرهم في الأحكام العقائدية الشرعية، وأما ما وراء ذلك من أحكام دنيوية فالمساواة فيها واجبة بالنسبة للمقيمين من الكتابيين  يهودا أو نصارى بأرض الإسلام، ويأخذ حكمهم أيضا المعاهدين، ذلك أنهم أمانة استودعها الله عز وجل في أيدي المسلمين مما يوجب عليهم صيانتها وحفظها...." أنظر: مصطفى محمود عفيفي(دون سنة نشر )، الحقوق المعنوية للإنسان بن النظرية والتطبيق-دراسة مقارنة بين النظم الوضعية والشريعة الإسلامية، دار الفكر العربي، القاهرة، مصر، ص.ص.37-38.

40.- للتفصيل أكثر أنظر رسالتنا: نبيل قرقور، "حرية المعتقد بين الإعلانات العالمية والإسلامية لحقوق الإنسان -دراسة مقارنة-"، مذكرة لنيل درجة الماجستير، في القانون العام، كلية الحقوق والعلوم السياسية، جامعة محمد خيضر، بسكرة، الجزائر، 2004.

41.- سورة الحجرات ، الآية رقم  13.

42.- نذكرهنا قصة حدثت أيام فتح الشام، في عهد عمر بن الخطاب، فقد كان (جبلة بن الأيهم) آخر ملوك غسان بالشام، الذين كانوا يدينون بالنصرانية، ولكنهم كانوا يحرصون على كثير من عاداتهم العربية، ولم تنتزع النصرانية من نفوسهم ذلك الطغيان والجبروت، فلما فتح المسلمون الشام أسلم –جبلة- فيمن أسلم من أهلها، ، وكتب إلى عمر يستأذنه في القدوم عليه بالمدينة فأذن له عمر في ذلك ؛ فخرج إليه في خمسمائة من أهل بيته..... فلما قدم  في تلك الزينة ، أغضى عنه عمر الطرف تأليفا له، على أن سماحة الإسلام قد تتغاضى عن  مثل هذا ، فلا يتزمت فيه كما يتزمت غيره من الأديان -وقد كان حديث عهد بالإسلام-. وقد مكث جبلة حتى موسم الحج و لما خرج عمر إلى الحج خرج معه، فبينا هو  يطوف بالبيت إذ وطئ إزاره أعرابي من بني فزاره فانحل، فلطمه جبلة فهشم أنفه. فذهب الفزاري إلى عمر فاستعداه على جبلة ، فبعث إلى جبلة فأتاه، فقال له عمر : ما هذا؟... فقال جبلة: نعم يا أمير المؤمنين، انه تعمد حل إزاري، ولولا حرمة الكعبة لضربت بين عينيه بالسيف، فقال له عمر : لقد أقررت، فإما أن ترضي الرجل، وإما أن أقيده منك، فقال جبلة ماذا تصنع بي؟!، فقال آمر بهشم أنفك كما فعلت. فقال جبلة، وكيف ذاك يا أمير المؤمنين وهو سوقة وأنا ملك؟......فقال عمر : إن الإسلام جمعك وإياه، فلست تفضله بشيء إلا بالتقى والعافية، فقال جبلة : إني ظننت أني أكون في الإسلام أعز مني في الجاهلية، فقال عمر : دع عنك هذا، فانك إن لم ترض الرجل أقدته منك، فقال جبلة: إذن أتنصر فقال عمر: إن تنصرت ضربت عنقك، لأنك قد أسلمت، فان ارتددت قتلتك. فلما رأى جبلة صدق عمر قال له :أنا ناظر في ليلتي هاته، ..ولكن فر من مكة حين نام الناس، وخرج برواحله إلى الشام ومنها إلى القسطنطينية.." هذه الحادثة تدل على العدل والقصاص الذي لم يتقبله هذا الملك فكيف له أن يقبله على رعيته، أنظر: عبد المتعال الصعيدي،القضايا الكبرى في الإسلام، دار اشريفة للنشر والتوزيع، بوزريعة، الجزائر، ص.ص 109-111.

43. - Claude leleux2006, Education à la citoyenneté,  Edition De Boecklarciers.a, bruxelles, Belgique, p. 25.

44.- فاتح سميح عزام(2002)،" الحقوق المدنية والسياسية في الدساتير العربية"، مجلة المستقبل العربي، العدد 277، شهر مارس، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، لبنان، ص.36.

45.- من أمثلة ذلك: محمد عبد الشافي إسماعيل(2000)، تطوير القانون الجنائي طبقا لأحكام الشريعة الإسلامية، دار النهضة العربية، القاهرة، مصر.

46.- يرون أنها حيلة محبوكة و: كلمة حق أريد بها باطل ظاهرها الرحمة القولية، وباطنها العذاب الفعلي المقيت"، أنظر: محمد بن عبد الكريم الجزائري، الديمقراطية والعلمانية في ميزان الإسلام(دون سنة نشر) ، مطبعة زاعياش للطباعة والنشر، بوزريعة، الجزائر، ص.156.

47.- عاصم إسماعيل كنعان، حسن تركي عمير(2012)، "حقوق الإنسان في وثيقة المدينة: قراءة معاصرة"، مجلة جامعة الأنبار للعلوم الإنسانية، العدد الثاني ،حزيران، العراق، ص. 191.

48.- أحمد قائد الشعيبي(2006)، وثيقة المدينة المضمون والدلالة، كتاب الأمة، مركز الدراسات وزارة الأوقاف القطرية، قطر، كانون أول(ديسمبر)، وقفية الشيخ علي بن عبد الله الثاني للمعلومات والدراسات،  نقلا عن علي بن نايف الشحود، الحضارة الإسلامية بين أصالة الماضي وآمال المستقبل.  الموقع على الانترنت:www.sheikhali-waqfia.org.qa.اطلع عليه يوم 25/04/2016.

49.- تنص المادة 36 من الدستور الجزائري بعد التعديل الأخير لسنة 2016 ، الذي أضاف فقرة الثانية لها والتي لم تكن موجودة  في الدساتير السابقة على:" لا مساس بحرمة حرية المعتقد، وحرمة حرية الرأي. حرية ممارسة العبادة مضمونة في ظل احترام القانون".

50. - راجع كتاب  من تأليف مجموعة من الكتاب، يتضمن تاريخ الآراء الإلحادية وحرية الاعتقاد حسب تفسير  بعض الفلاسفة وغيرهم من المفكرين ، يمكن من خلاله فهم كيف يفكر الآخر، وما هي قناعاته حول الدين بصفة عامة، للتفصيل راجع:  تصنيف وتقديم محمد كامل الخطيب، مجموعة من الكتّاب(2005)، حرية الاعتقاد الديني، مساجلات الإيمان والإلحاد منذ عصر النهضة إلى اليوم، دار بترا للنشر، رابطة العقلانيين العرب، سوريا،  ص.262.

51.- كمال الدين عبد الغني المرسي (1999)، العلمانية والعولمة والأزهر، دار المعرفة الجامعية، الإسكندرية، مصر، ص. 187.

52.- نفس المرجع، ص. 188.

53.-جعفر عبد السلام علي(1999)، القانون الدولي لحقوق الإنسان- دراسات في القانون الدولي والشريعة الإسلامية-، دار الكتاب المصري، مصر، دار الكتاب اللبناني، لبنان، ص. 19.

54.- نفس المرجع .ص.ص. 25.

55. - حيث تنص المادة  14 منها على: " منع التمييز في التمتع بالحقوق والحريات على أساس  الجنس أو العرق أو اللغة أو الدين أو الدين  أو الرأي السياسي  أو الأصل القومي  أو الانتماء إلى أقلية  قومية أو الثروة أو المولد أو غير ذلك من الأسباب".

56. -http://europe.cidem.org/index.php?p=etre-citoyen. اطلع عليه يوم 25/03/2016

57. -ibidem.

58.*) - مثل ايرلندا ، السويد ، الدنمارك، بلجيكا، المجر، اليونان، من هاته الدول من تسمح  للمقيمين الأجانب بالمشاركة حتى في الانتخابات البلدية.

59.-http://www.vie-publique.fr/decouverte-institution/union-europeene/ue-citoyenne/citoyennete-europeene/qui-est-citoyen-eu.اطلع عليه يوم 25/03/2016.

60. -« la cour souligne que les droit découlant de l’accès à la citoyenneté de l’union ne sauraient être limité par un autre Etat membre.  A ce titre l’accè à la nationalité d’un Etat membre  quel qu’en soit le moyen , est bien  la porte d’entrée pour un statut global.. »   Voir : Etienne  PATAUT , l’invention du citoyen européenne,  publié dans : La citoyenneté européenne, Collection Trans Expert ;Société de législation comparé,  Paris, France, sans date, p.39.

61. -العبارة في المتن من ترجمة الباحث.« La citoyenneté  de l’union devrait constituer  le statut de base des ressortissants des Etat membre lorsqu’ils exercent leur droits de circuler et de séjourner  librement ».ibid, p.66.

62. - Viviane REDING , « justice et citoyen :mettre le citoyen au cœur de projet européenne », publié dans : la citoyenneté européenne, op.cit, p.83.

63. - عمار مساعدي(2006)، مبدأ المساواةوحماية حقوق الإنسان في أحكام القرآن ومواد الإعلان، دار الخلدونية، القبة القديمة، الجزائر، ص.ص.70-71.

64. -  أماني غازي جرار(2009)، الاتجاهات الفكرية لحقوق الإنسان وحرياته العامة، دار وائل للنشر والتوزيع، الأردن، ص.82.

65.-  جورج جبور(1997)، الميثاق العربي لحقوق الإنسان- عرض وتحليل ونقد-، دار العلم للملايين،  الطبعة الأولى، بيروت، لبنان، ص. 19.

66. - رابط الميثاق على الانترنت: http://www1.umn.edu/humanrts/arab/a003-2.html

67. - المواد: 03، 19، 21، 22، 23، 24، 25، 28، 30، 32، 33، 34، 35. من الميثاق العربي لحقوق الإنسان السابق ذكره.

68.-  متروك فاتح(2002)، المجتمع والديمقراطية والدولة في البلدان العربية - دراسة مقارنة لإشكالية المجتمع المدني في ضوء تريّف المدن-، مركز دراسات الوحدة العربية، الطبعة الأولى ، بيروت، لبنان، ص- ص.165- 166.

69.- نفس المرجع، ص. 167.

70.- منير مباركية، مرجع سابق، ص.-ص.144-145.

71. - بيتير فان كونينكسفيلد، المسلمون في أوربا: الإشكالات الثلاثة الكبرى هولندا نموذج، مقالة ألقيت في أشغال الندوة الدولية  ومنشورة في: مجلس الجالية المغربية في الخارج(2011)، الوضع القانوني للإسلام في أوربا، منشورات مرسم، دار أبو رقراق للطباعة والنشر، الرباط، المغرب، ص. 261.

72.- منير مباركية، مرجع سابق، ص.121.

73.- نفس المرجع، ص.103.

74.-  جزء من المادة الأولى من الميثاق العربي لحقوق الإنسان لسنة 2004 ، اعتمد من قبل القمة العربية السادسة عشر : أنظر رابط الميثاق على الإنترنت http://www1.umn.edu/humanrts/arab/a003-2.html، اطلع عليه يوم 11/05/2016

75.- مها ذياب(2002)،"تهديدات العولمة للوطن العربي"، مجلة المستقبل العربي، العدد 276، شهر فيفري، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، لبنان، ص.158.

76.- أشرف توفيق شمس الدين(2007)، الحماية الجنائية للحرية الشخصية من الوجهة الموضوعية، دار النهضة العربية، الطبعة الثانية، القاهرة، مصر، ص.150.

77.-la « hogra» traduit des expériences  sociales douloureuses, négatives  vécues  par l’enfant, la femme, ou l’homme qui se perçoit injustement traité par «  l’autre » détenteur d’un pouvoir  donné. Voir : MohamedMebtoul, 2013, La  citoyenneté en question (Algérie), Edition Dar El Adib, Oran,  Algérie, p. 147.

78. - سميحة مصطفى المومني2007، "التمييز العنصري في ضوء العقيدة الإسلامية"، رسالة ماجستير تخصص أصول الدين، كلية الدراسات الفقهية والقانونية، جامعة آل البيت، ص. 122.

79. -«nous sommes marqués  aussi dès notre naissance, sans l’avoir voulu par l’impératif de vivre ensemble –à vivre ensemble  …cet impératif ….est une loi inscrite en nous, que nous n’avons pas décidée, dont nous n’avons pas débattu… » voir :MAJO HANSOTTE )2005(, LES INTELLIGENCES CITOYENNES- COMMENT SE PREND ET S’INVENTE LA PAROLE COLLECTIVE , 2eme Edition, de boeck, Paris,p.25.

80.- القطب محمد القطب طبلية، المرجع السابق، ص.ص.84-85.

81.- من حديث ابن عمر ، أخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما.

82. -محمد الطاهر بن عاشور)2006(،أصول النظام الاجتماعي في الإسلام، دار سحنون للنشر والتوزيع، تونس، دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع، الطبعة الثانية، مصر،ص.ص.216-219.

83.-« Les Musulmans sont  de plus en plus nombreux en Europe , l’Islam n’est plus un fait étranger, il est devenu européen. En France les Musulman sont peut-être cinq million …un très grand nombre acquiert la nationalité française ….. cette situation met en cause les équilibres  difficilement  définis a travers la notion de laïcité , entre les religions traditionnelles et l’Etat ». Voir :Philippe Ardant(2004),La liberté religieuse et la Convention européenne des droits de l’homme, actes du colloque du 11 décembre 2003 organisé par l’institut de formation en droits de l’homme du barreau de paris et l’Ordre des avocat à la cour de paris, Edition Nemesis, Bruxelles, Belgique, , p.p.148.149

84.  - ففي الفترة استعمار فرنسا للجزائر نجد أن الخطابات التي كانت تدعوا إلى إدماج Intégrationأو الاندماجAssimilation، مع الفرق الموجود بينهما حيث يكون الأول بالقوة والثاني يعني الرغبة الذاتية في الاتحاد مع الآخر، فقد كان الإدماج بالقوة مصاحب لجحافل الغزو الاستعماري عبر ترسانة من القوانين كان أولها قرار 22 جويلية 1834 الذي ينص على أن الجزائر أرض فرنسية، وهي قوانين أتاحت للمستوطنين أن يتوسعوا ويستقروا في أراضي الجزائريين وأن يطالبوا بالمساواة مع فرنسيي المتروبول"،.....أما الخطاب الاندماجي فقد حاولت فرنسا إنشاءه من خلال بعض الآليات مثل التجنيس المشروط بالتخلي عن الأحوال الشخصية، والاستفادة من التعليم والتشغيل،  لكن الرد كان واضحا، فتقول صحيفة الأمة التابعة لنجم شمال إفريقيا في عددها  رقم 36 لسنة 1935".:" نقول للشعب إن سياسة الاندماج وترك قانون الأحوال الشخصية يشكلان خطرا كبيرا، إذ في حالة حدوثها نفقد جنسيتنا وكرامتنا......" كما تنشر في بيان آخر:" إن الشعب الجزائري لا يعمل من أجل الحصول على حق المواطنية لبعض المئات من أنصاف المثقفين بينما أغلبية الجماهير في حاجة إلى الخبز والملبس، ليس من أجل رفاهية أقلية محظوظة بينما أغلبية الشعب الجزائري ليست سعيدة، إن منح المواطنية لبعض المرفهين يهدد خطورة تقسيم المواطنين لصالح مستغلينا" . (أنظر: أحمد حمدي)2001(، جذور الخطاب الأيديولوجي الجزائري، دار القصبة للنشر، الجزائر، ص.ص.89-95.

85. -  la loi de séparation des Eglises et de l’Etat de 1905 a été appliquée à l’Algérie par un décret  de 1907 avec d’ailleurs un certain nombre de restriction ; « pour la religion musulmane , on a pas agi de la même façon  -comme les autre religion-, on mettant  à la tête de conseil consultatif  un homme qui n’était pas lui-même un musulman, aussi avons-nous invité les musulman pour l’application de la lois de séparation de Eglises et de l’Etat à bien vouloir créer eux-mêmes désormais des cultuelles……très légitimement, ce que nous demandent les croyant la bas, c’est que la république française, pleinement laïque et pleinement démocratique, ne fasse dans l’application de la loi entre ces fils aucune différence » . voir: SadekSellam)2007(,La France et ses musulmans Un siècle de politique musulmane 1895-2005, Edition Casbah, Alger, Algérie,, p.164 est suite.

@pour_citer_ce_document

نبيل قرقور, «الأسس القانونية للمواطنة بين القوانين العربية ومواثيق حقوق الإنسان »

[En ligne] ,[#G_TITLE:#langue] ,[#G_TITLE:#langue]
Papier : ,
Date Publication Sur Papier : 2017-12-13,
Date Pulication Electronique : 2017-12-13,
mis a jour le : 17/10/2018,
URL : https://revues.univ-setif2.dz:443/revue/index.php?id=2348.