تحديات الأمن المغاربي في ظل المخاطر الجديدة في منطقة الساحل والصحراء
Plan du site au format XML


Archive: revues des lettres et sciences sociales


N°01 Avril 2004


N°02 Mai 2005


N°03 Novembre 2005


N°04 Juin 2006


N°05 Juin 2007


N°06 Janvier 2008


N°07 Juin 2008


N°08 Mai 2009


N°09 Octobre 2009


N°10 Décembre 2009


N°11 Juin 2010


N°12 Juillet 2010


N°13 Janvier 2011


N°14 Juin 2011


N°15 Juillet 2012


N°16 Décembre 2012


N°17 Septembre 2013


Revue des Lettres et Sciences Sociales


N°18 Juin 2014


N°19 Décembre 2014


N°20 Juin 2015


N°21 Décembre 2015


N°22 Juin 2016


N° 23 Décembre 2016


N° 24 Juin 2017


N° 25 Décembre 2017


N°26 Vol 15- 2018


N°27 Vol 15- 2018


N°28 Vol 15- 2018


N°01 Vol 16- 2019


N°02 Vol 16- 2019


N°03 Vol 16- 2019


N°04 Vol 16- 2019


N°01 VOL 17-2020


N:02 vol 17-2020


N:03 vol 17-2020


N°01 vol 18-2021


N°02 vol 18-2021


N°01 vol 19-2022


N°02 vol 19-2022


N°01 vol 20-2023


N°02 vol 20-2023


N°01 vol 21-2024


A propos

avancée

Archive PDF

N° 25 Décembre 2017

تحديات الأمن المغاربي في ظل المخاطر الجديدة في منطقة الساحل والصحراء


جميلة علاق
  • resume:Ar
  • resume
  • Abstract
  • Auteurs
  • TEXTE INTEGRAL
  • Bibliographie

يلاحظ المتتبع للشأن الأمني العالمي أن منطقة الساحل أضحت تعبيرا عن هلال أزمات ، حيث تتشعب خارطة التهديدات التي حولت المنطقة إلى بؤرة انكفاء استراتيجي للشبكات الإرهابية متعددة الجنسيات ، و عصابات الجريمة المنظمة ، التي باتت تتداول خطابات الخطر و الفزاعة ، مستثمرة في مناخ الفساد السياسي و العجز البنيوي و المؤسساتي للدولة الساحلية ، و بات ينظر لهذه التحديات المتدفقة من الفناء الخلفي كتهديد للأمن الإقليمي المغاربي ، الذي أثبت عمقه الاستراتيجي أنه لا أمن مغاربي دون أمن ساحلي و العكس كذلك ، كما أن الجزائر كانت و ستبقى حجر الارتكاز الأساسي في صناعة الاستقرار في العمق الإفريقي الذي يمثله ساحل الأزمات ، و تظل معضلة الأمن المغاربي تطبعها مواسم سياسية باردة و أخرى دافئة بتعاون أمني تفرضه ضرورات الجوار الإقليمي .   

الكلمات المفاتيح: الجوار السيء ، الأمن المغاربي ، سياسة المحاور ، نقطة الارتكاز ، الساحل .   

Tout comme peut le constater, tout observateur du cas africain, la région du sahel est devenue une zone de crises, ce qui a transformé la région en un point de base arrière stratégique pour les réseaux terroristes multinationaux et les groupes de crime organisé qui prônent des discours du danger, à l’ombre d’instabilités politique et économique multi faces permanentes.

   Les défis provenant des lignes arrières sont considérés comme une menace de la sécurité territoriale du Maghreb, et leur profondeur stratégique approuvé qu’il ne peut y avoir de sécurité dans le Maghreb sans la sécurité du sahel et vis versa, Et l’Algérie restera le pilier d’appui dans le processus de consolidation de la stabilité à l’intérieur de l’Afrique représenté par le sahel des crises, ajouter à cela, que la sécurité au Maghreb est traversé par des courants politique chauds et d’autres froids de coopération sécuritaire .

Mots clés:mauvais voisinage , la sécurité Maghrébin , la politique des axes , pilier d’appui,Sahel .

As it can be seen clearly to the African observer that the Sahel region has become a zone of crises, where the threat map ramifies ,This region has been transferred consequently then to a central and strategic point of multinational network of terrorists and organized crime groups which surmount the patriotism and its warning speeches, in the shade of permanent political and economic instabilities.

The observer, also, starts focusing to the challenges that resulted from threatening the security in the Maghreb area, where it becomes obvious that the security in the Maghreb and the security in the Sahel complete and need each other proportionally. That Algeria remains the main pillar that support creating stability in the continental level, although the Maghrebian security problems fluctuate within cold political seasons and others warm under co-operation obliged by the fact of vicinity.  

Key words: bad neighboring , Maghrebian security , policy of axes , the main pillar, Sahel .

مقدمة

في سياق جيوسياسي عالمي ملتهب فرضته مقاربة مكافحة الإرهاب و ملاحقة فلول التنظيمات المتطرفة كونيا ، تحولت إفريقيا إلى مسرح للتنافس الدولي ، حيث أن العالم انتظر الكثير ، حتى تحول الساحل إلى بؤرة متفجرة على كل الأصعدة الأمنية والمجتمعية للاهتمام بالمنطقة و تدشين حملة التحرك نحوها ، تحت طائل فرضية أن الصراعات في المناطق المحتضرة يمكن أن تسبب دمارا عالميا .

و ينظر بعض المحللينللساحل كضحية لصراعات مغاربية/مغاربية و مغاربية/إفريقية ، انعكست سلبا على التخطيط الاستراتيجي للمقاربات الأمنية الإقليمية و الدولية ، و بحكم الارتباط الجيوستراتيجي بين الرواقين المغاربي و الساحلي فقد بات الأخير من أهم مسببات عدم الاستقرار في المنطقة ،  ففي الوقت الذي تسعى فيه الجزائر تحقيق حلم الزعامة التقليدي ، يتجه المغرب بحكم الثقل السياسي و الاقتصادي الذي يحوز عليه ، و التحالفات التي تربطه بالقوى الغربية إلى مزاحمة الجزائر في ذات الفضاء ، في ظل استدامة حالة الهشاشة التي تعيشها موريتانيا ، ليبيا بعد سقوط حكم القذافي و مثيلاتهما من دول الساحل .

و هو ما يدفعنا لطرح الإشكالية التالية : كيف انعكست التداعيات الإقليمية لمفهوم الأزمة الأمنية المعقدة في الساحل على رؤية الجزائر و جيرانها المغاربيين لمفهوم الأمن القومي و الإقليمي؟    

يهدف موضوع دراستنا إلى السعي لفهم و استيعاب أثر المخاطر الأمنية الجديدة المتدفقة من الفناء الخلفي لمنطقة الساحل و الصحراء على أمن الأروقة القريبة ، تحديدا المغاربية منها ، و اختبار مدى إمكانية أن تؤدي إلى التوحيد ، أم تزيد الهوة شرخا واتساعا أكثر مما هي عليه .

و لما كانت الفرضية تتضمن علاقة بين متغيرين ، كل متغير يحمل مؤشرات قابلة للتقصي و البحث ، سنحاول من خلال طرحنا الآتي صياغة الفرضية العامة التالية لتكون محكا للبحث و منطلقا له :

كلما تعمقت الهوة المغاربية (تحديدا بين الفاعلين : الجزائر و المغرب) ، كلما انعكس ذلك على هشاشة الأمن الإقليمي ، و تدخل الأطراف الخارجية لتسجيل نقاط جيوسياسية على حسابها .

من خلال محاولة اختبار حيثيات العلاقات و الروابط بين المتغيرات التالية :

-                       تنافسية الأروقة الإفريقية ، ساحلية كانت أم مغاربية ،حيث الأمن القومي للدول المعنية هو أول المتأثرين ، بما يلقي بتبعاته الخطيرة على منظومة الأمن الإقليمي الهشة و المأزومة أصلا .

-                       تعقيد أجندة الصراع و تشابك تفاعلاته .

-                       الارتباط بمسارات ثنائية متنافرة و متنافسة ، أحيانا تجود بها فرنسا وأخرى الو م أ، إذ كلما زاد الالتحام خارجيا ، تعمقت الهوة محليا .

في محاولة للإجابة عن الإشكالية المطروحة ، يعكس البناء المنهجي و الموضوعي للدراسة مجموعة من المرتكزات تعكس تمفصل الموضوع ، نحاول الوقوف عليها فيما يلي :

أولا : الطبيعة الجيوسياسية للفضاءين الساحلي و المغاربي

إن البعد المكاني في المحدد الجيوسياسي يدفع باتجاه رسم و تحديد نمط العلاقات الدولية ، و يؤثر على أشكال التفاعل الدولي لتأخذ أبعادا تعاونية أو صراعية أو مزيجا بين هذه الأبعاد(1) ، أما ما تعلق بالفضاء الساحلي الصحراوي ، لا يمكن فهمه و إدراك الإشكاليات الأمنية و الاستراتيجية المرتبطة به دون الوقوف على طبيعة الصحراء و استحضار خصائصها الجغرافية .

يشكل الساحل الإفريقي المنطقة الفاصلة بين شمال إفريقيا و إفريقيا ما وراء الصحراء كامتداد إقليمي بين البحر الأحمر شرقا إلى المحيط الأطلسي غربا، شاملا دول : السودان ، النيجر ، تشاد ، مالي ، موريتانيا ، السنغال ، و كثيرا ما يتم لحسابات جيواقتصادية توسيعها لتشمل بوركينافاسو ، نيجيريا و جزر الرأس الأخضر و الصحراء الجزائرية(2) ، إذ هي المعبر بين إفريقيا الشمالية "البيضاء" و إفريقيا جنوب الصحراء "السوداء" ، و كلاهما فضاء جيوسياسي محدد بذاته و متميز بخصائصه ، لا يمكن فهمه و إدراك الإشكاليات الأمنية و الإستراتيجية المرتبطة به ، دون الوقوف على طبيعة الصحراء فيما يلي :

1/ هي إقليم يستلهم وظيفته الجيوبوليتيكية من أهمية آفاقه الرحبة الشاسعة و ضعف كثافته السكانية  كما تستنبط خصائصه الجغرافية من شح الموارد المائية و جفاف المحيط(3) .

 2/ هشاشة و ميوعة الحدود ، حيث اتساع الرقعة الجغرافية مقابل ضعف الكثافة السكانية التي لا تتجاوز شخصا أو اثنين في الكلم المربع الواحد ، إذ نجد التمركز السكاني جنوب إقليم الساحل ، في حين تمثل الصحراء الكبرى معظم موريتانيا ، مالي ، النيجر و تشاد(4) ، و الإنسان تاريخيا في تنقلاته يبحث عن الاستقرار في المناطق التي تتوفر على مزايا تفضيلية لا يمكن أن يمنحها في المقدمة سوى المورد المائي .

3/ إذا كان من خصائص الصحراء الجغرافية أنها إقليم مفرغ ، جاف و موحش ، إلا أنها من منظور جيوسياسي باتت تقدم بدائل أفضل :

·  تحوز على جيوب مائية و هبت غطاء نباتيا غير معهود في الصحاري هو الواحات .

·  هي شريان الحياة للقوافل و الحركية التجارية تقليديا في المنطقة ، و بمنظور الفجوات التكنولوجية المعاصرة لم تعد الصحراء منطقة خالية و معزولة ، أمام ذوبان الحدود و تقليص المسافات مع تطور وسائل الاتصال و المواصلات .

·  لم تعد الصحراء مرادفا للمنطقة القاحلة مع الاكتشافات المهولة التي جاد بها باطن الأرض ، و باتت منطقة الساحل و الصحراء غنية بالموارد الطاقوية من البترول إلى الغاز و اليورانيوم ، و بالتالي مسرحا جديدا للتنافس الاستراتيجي متعدد الأطراف(5) .

بحكم كون الساحل أهم المناطق المفتوحة شساعة عالميا ، بامتداد يفوق تسعة ملايين كلم2، وهو تموقع محوري في العمق الإفريقي ، محققة الرابط بين عدة عوالم منها المغرب العربي و إفريقيا ما وراء الصحراء ، و إلى ماض غير بعيد لم تكن تستأثر بأي اهتمام دولي أو إقليمي واسع ، باستثناء تدخل المنظمات الدولية للإغاثة في حالات المجاعة الكبرى ، فهي تعتبر تقليديا منطقة عبور و مسالك تجارية آمنة بين الشمال و الجنوب ، إلى تفجر النزاع و الصراعات ، من صراع سياسي إلى أزمات انقسام داخلي ، نحو حروب أهلية فتحت الباب على التنافس الدولي في المنطقة بين الفواعل الإقليمية من الخط الأول : الجزائر ، ليبيا والمغرب ، ثم الثاني مع تدخل نيجيريا و السنغال ، حيث طفت لغة المصالح على متطلبات الأمن الساحلي ذو الامتداد الإفريقي بين الو م أ ، فرنسا و القوى الناشئة في آسيا و أمريكا .

فالقيمة الإستراتيجية الدولية للمنطقة تغيرت بشكل جذري مع بداية الألفية الثالثة في محركاتها آلياتها و تداعياتها على ترتيبات و توازنات الأمن في المنطقة إقليميا و عالميا ، حيث تشير المعطيات الجيوسياسية إلى أن المنطقة بحكم ما تتمتع به من خصوصية تحولت إلى فضاء انكفاء استراتيجي و منطقة العبور المثالية لمختلف أشكال التجارة المحظورة بالنظر لصعوبة الرقابة عليها و التحكم فيها .

   في حين تعد منطقة المغرب العربي إقليما جيوسياسيا بهوية تاريخية تكرست عبر قرون طويلة، من المحيط الأطلسي غربا إلى مصر و السودان شرقا ، و من البحر المتوسط شمالا حتى الساحل و غرب إفريقيا جنوبا ، نقطة التقاء مهمة في الاتصالات والتفاعلات الإستراتيجية الدولية ، و بات معلوم أن بناء اتحادها ضرورة حتمية في ظل تطلع شعوبها للارتقاء في مستوى العلاقات إلى درجة من التنسيق و الاندماج ، تعزيز البناء الاقتصادي و التوحيد السياسي ، غير أن مجموعة من العوائق تحول دون أن تكون الأوضاع في المغرب العربي على النحو الذي تمليه حقائق التاريخ و الجغرافيا ، و معطيات الاقتصاد ، السياسة و الاجتماع في ظل التحديات و التحولات الإقليمية الراهنة ، خاصة تلك الزاحفة من الرواق الجنوبي (منطقة الساحل و غرب إفريقيا) .

   و تشير بعض المصادر إلى أن التاريخ الحضاري للمغرب الكبير بدأ مع المرحلة الفينيقية حوالي القرن العاشر قبل الميلاد ، حيث دخلوا شمال إفريقيا و أسسوا المدن التجارية الكبرى (قرطاجة ، اللوكوس أو العرائش حاليا في المغرب) ليتوج الفتح الإسلامي الذي قاده عقبة بن نافع مسيرة الاندماج بين العنصرين الأمازيغي و العربي(6) .

ثانيا : المستقبل الجيوسياسي للأمن المغاربي

  لقد درجت الكيانات الجيوسياسية على تعريف حدودها وفقا لمدركاتها و ممارساتها الأمنية ، من خلال إرادة إقامة دائرة من الجيران- الأصدقاء تسعى لأن يكونوا ودودين غير مثيرين للمتاعب ، بما ينسجم مع ما أفرزته نهاية الحرب الباردة من انتهاء الربط بين التهديدات و أقاليم معينة (7) ، حيث التعرف على خصوصيات الأمن الإقليمي لا تنفصل عن الوقوف على مفهوم الإقليم في العلاقات الدولية ، الذي لا يكاد يخرج عن ثلاثة عناصر أساسية :

-                       التقارب الجغرافي بين الوحدات المكونة للنظام .

-                       وجود عناصر التماسك من ثقافية و اجتماعية ، إلى اقتصادية و سياسية بين الدول المعنية .

-                       يتكون عادة من وحدتين أو أكثر .

إذا كان المغرب العربي جزءا لا يتجزأ من إفريقيا بحكم الجغرافيا ، فإن الوضع مختلف تماما سياسيا و اقتصاديا ، فهو منسلخ عن جسده الجغرافي لأن وجهته شمالية أوربية تحديدا ، و يبدو انتظام التفاعلات بين الوحدات المعنية (المغاربية) شبه معدومة لا تعبر عن مستوى من الحدة و التكرار بما يؤثر على النظام ككل ، عكس ما تشهده النظم الإقليمية لشرق آسيا و حتى الخليج العربي ، إذ يبدو جليا أن نداء البحر كان أقوى من نداء الصحراء ، نظرا لقوة الجاذبية الأوربية ، لكن المنطقة تعرف نوعا من الاهتمام المتجدد بإفريقيا مرده تنامي الإرهاب في الساحل و الهجرة السرية الإفريقية(8) .

و على الرغم من أن المنطقة المغاربية ظلت هامشية من وجهة أمريكية ، مقارنة بمنطقة الشرق الأوسط التي ظلت محور الاهتمام الاستراتيجي ، غير أن الأولى تستعيد أولويتها في الأجندة الأمريكية ، أمنيا من خلال إمكانية تسجيل تفوق في الحرب العالمية على الإرهاب ، مغاربيا ، متوسطيا و حتى في الساحل و الصحراء  ،  علاوة على منح الطاقة ، فرص الاستثمار و التبادل الحر ، ومضاعفات ملف الصحراء الغربية والعلاقات الجزائرية المغربية المثيرة للحساسية(9) .

و يختلف وزن وحجم أطراف الدائرة المغاربية كل على حدى ، و يجد ذلك الاختلاف ضالته في متطلبات الأمن و الحسابات التي يقدمها أي منها في قراءة التهديدات الصلبة و اللينة التي باتت تنتجها البيئة الساحلية ، فمتطلبات و ضرورات الأمن الجزائري تختلف عن نظيراتها في موريتانيا أو ليبيا أو المغرب وبذلك أصبح الرسو السياسي المغاربي في الساحل الإفريقي محل خلافات ليس فقط بينية ، بل إفريقية كذلك و أصبح الساحل بين مطرقة التنافس المغاربي و سندان صراع النفوذ الأجنبي .

و قد حاول باري بوزان  (Barry Buzun)و زملاؤهفي مدرسة كوبنهاغن توصيف "مركب الأمن الإقليمي" (Regional security complexe) بأنه  "مجموع الوحدات التي تكون بينها العمليات الكبرى للأمننة أو اللاأمننة ، أو كلاهما جد مترابطة ، بحيث أن مشكلات الأمن لا يمكن أن تكون محللة بشكل معقول ، بعيدة الواحدة عن الأخرى"(10) ، حيث تتحول عملية بناء الأمن إلى الأكثر صعوبة ، خاصة في المناطق التي تعاني من فوضى و انهيار قاس للأمن و الاستقرار كما هو حال منطقة الساحل و الصحراء الإفريقية ، مع طبيعة معضلاتها الأمنية العابرة للحدود . 

و تتدخل عدة عوامل للتأثير في ديناميكيات التفاعل في مركبات الأمن الإقليمية ، من مستوى العلاقات والتلاحم التاريخي ، إلى التقارب الجغرافي و مبدأ التخومية ، فالاعتماد المتبادل الأمني ، و هي كلها متغيرات لها بالغ الأثر في إنتاج التفاعلات الأمنية الإقليمية ، في شكليها السلبي و الإيجابي ، على افتراض أنه لا يمكن إطلاق مركب الأمن الإقليمي على أي تجمع من الدول ما لم تكن بينها علاقات أمنية مكثفة تستجيب بشكل متكرر للمنبهات الأمنية المرسلة منها و إليها(11)، و هو ما عجزت الدول المغاربية أن تبنيه لنفسها في ظل تغير مضمون الأمن ، إذ هو مفهوم ديناميكي و ليس حقيقة ثابتة ، تحققه الدولة مرة دون رجعة ، إنه مسار متغير و حركي ، فالدولة قد تكون آمنة في مرحلة ما ، لتتحول إلى غير آمنة في مراحل أخرى تبعا لتغير ظروف الزمان و المكان ، وفقا لاعتبارات داخلية و خارجية .

1/ التحرك الجزائري بين فخ النرجسية السياسية و ثقل مخاطر الفناء الخلفي

   في الوقت الذي تنبئ فيه الأزمة المالية بكابوس أمني و إنساني مطبق ، تتطلع دول الجوار التي ينتابها القلق إلى الجزائر لإدارة الصراع ، التي ترغب باستمرار نواح كثيرة أن يعترف بها كدولة إقليمية قائدة و محورية ، مقابل القلق الذي يساورها (دوائر صناعة القرار في الجزائر) من الانزلاق إلى المستنقع الصحراوي ، حيث بدت مترددة في الحفاظ على الاستقرار في فنائها الخلفي ، و هو مقصد يتحقق بتبلور عقيدة أمنية واضحة متبوعة بقرارات و إجراءات تتكئ عليها الدبلوماسية الجزائرية ، تكون منطلقا لتفسير السلوك الخارجي .

أ/ متطلبات العقيدة الأمنية الجزائرية :

نشير بداية إلى أن عقيدة الأمن القومي لأي بلد كان تختصر مجموع الآراء ، الاعتقادات و المبادئ التي تشكل نظاما فكريا قادرا على تقديم قراءة جيدة للتهديدات و المخاطر التي تواجهها(12) ، إذ تمكنها من تفسير الأحداث ، التفاعل معها و امتلاك أدوات الرد الناجع و السريع ، بما يمكن الفاعلين الأمنيين من تحقيق أهداف المجال الأمني للدولة على كافة الميادين و المستويات .

و الجزائر امتلكت هذه العقيدة منذ السنوات الأولى للاستقلال كما ساهم في بلورتها عوامل كل من التاريخ ، الجغرافيا و الايدولوجيا التي أصبحت مع مرور الوقت المرتكزات المفتاحية لتلك العقيدة .

يشير العامل التاريخي إلى أثر ثورة التحرير الوطني التي رسمت أولى معالم الدبلوماسية الجزائرية و أصابت المشروع الحضاري الأوربي في مقتل ، و أثبتت أن رسالة التمدين ليست سوى شعارا مزيفا يستهدف طمس الثقافة و الهوية الوطنية و باتت جزائر ما بعد الاستقلال ترى نفسها قائدا لحركات التحرر الإفريقية و العالم ثالثية ، و مع أن الشرعية الثورية مثلت أهم روافد العقيدة الأمنية الجزائرية ، حيث رفعت تحديات عملية البناء الوطني ، فهي باتت تستثمر خارجا في رسم التزاماتها داخليا و خارجيا.

لكن مع تآكل هذه الشرعية التاريخية في زخم التحولات التي عرفتها الجزائر في ظل تنامي ظاهرة العولمة  إلا أن تأثير الهاجس التاريخي ظل حاضرا و يطبع السلوكية الأمنية لصناع القرار في الجزائر ، ما تعلق بالقضايا المفصلية من قبل التطبيع مع إسرائيل أو التعاطي مع نظم الحكم العنصرية .

أما موجة الربيع العربي التي اجتاحت المنطقة ، فكانت من بين من مست جيران الجزائر الشرقيين (تونس و ليبيا) لم تحجم بدورها عن إعلان موقفها في ترك الشعوب تصنع تاريخها ، مقابل احترام سيادات الدول و الامتناع عن دعم المعارضة أو الحكومات(13) ، و هو موقف اتهمت من خلاله أطراف قصور السياسة الخارجية عن التحلي بنزعة استباقية ، كما فعلت دول كثيرة ، لكن ما انفكت تدعم الجزائر سياسة اللاموقف نأيا بنفسها عن السقوط في مستنقعات هي في غنى عنها نتيجة لما خبرته فيما مضى .  

  أماالمحدد الجغرافي فيرصد موقع الجزائر الجيوسياسي في نقطة تقاطع استراتيجية بين كيانين ضخمين  الأول شمالي يمثله الاتحاد الأوربي ، بينما الثاني هو العمق الإفريقي ، و قد جعل هذا الموقع من الجزائر(14) :

-                       عاشر أكبر دولة عالميا مساحة ، الأولى إفريقيا و مغاربيا .

-                       الدولة المغاربية الوحيدة التي تجمع حدودها كل جيرانها ، 40%من مساحة المغرب العربي و 47%من ناتج دخله الخام .

-                       تحتل المركز الخامس عالميا في احتياطات الغاز و الرابعة عشر للبترول ، المرتبة اثني عشر من حيث الإنتاج و التاسعة على مستوى الصادرات ، هي ثالث مصدر للغاز و ثاني ممول  بنفس المادة .

لا شك تبعث الأرقام برسالة قوية من أن الجزائر مؤهلة لتكون فاعلا في العلاقات الدولية و ليست مفعولا فيه و هي الطامحة لنفوذ إقليمي ، إذ تبدو في أمس الحاجة لتوظيف "مقاربة الدور" ، التي تعكس قدرة صناع السياسة الخارجية على إدراك مواقع بلدانهم في النظام الدولي و السعي لتحديد القرارات ، و مختلف الالتزامات الدولية و الإقليمية ، من خلال رؤية سياسية واضحة لمصالح الدولة و أهدافها الوطنية ،  و يتشكل الدور من مجموعة عوامل تتمثل في هوية المجتمعات و قيمها ، الخصوصية القومية و التاريخ و المعتقدات ، علاوة على المقدرات الاقتصادية و العسكرية(15)، و قد جعلت القدرات الطاقوية و الجيوسياسية من الجزائر دولة محورية للأمن في المنطقة في نظر الفاعلين الدوليين ، حيث يتقاسم الأدوار هناك عدة عوالم من أوربا ، إلى إفريقيا و المنطقة العربية ، ما جعل الأمن الجزائري منكشفا على عدة جبهات : من جو المزاحمة و الإرباك مغاربيا نحو الساحل المضطرب الذي بات ممرا لكل المخاطر ، ثم هواجس الأمن الإفريقي مع التوظيف السياسي للأزمة و تسويقها نحو فواعل إقليمية من قبيل الإيكواس بإيعاز من أطراف خارجية ممثلة في فرنســا أمريكا و انتهاء بالقوى الناشئة المتطايرة هنا و هناك .

   و مع أن التزامات متطلبات الأمن القومي الجزائري ارتبطت في المقام الأول بدعم حركات التحرر و القضايا العادلة ، إلا أن التحولات التي أعقبت نهاية الحرب الباردة و على رأسها الانكشافات الأمنية ، اتجهت هذه العقيدة للارتكاز على عناصر جديدة ، أهمها قضايا محاربة الإرهاب ، تجارة المخدرات و أمن الدولة ، أي الانتقال من البعد الخارجي كمحدد لهذه العقيدة إلى البعد الداخلي الذي أثر بشكل واضح في صياغتها(16) ، رغم أنها لم تتخلى عن استثمارها في الأمن الإقليمي ، فأصبح لها وجودها في مختلف هيكليات التعاون الأمني الإفريقي .

   و أخيرا ظل البعد الإيديولوجي بثقله أحد أهم مرتكزات العقيدة الأمنية الجزائرية ، إذ مثلت الإيديولوجية الاشتراكية لأكثر من ثلاثة عقود مصدر إلهام لصناع القرار ، فبحكم مناهضتها للاستغلال و الإمبريالية عرضت نفسها كقائد للعالم الثالث(17) ، و رفعها شعارات العدالة الاجتماعية ، باتت وعاء للتدبير الجزائري للعلاقات الدولية ، و تشكيل وعي النخب الحاكمة بالقضايا العادلة و النضال المشروع للشعوب من أجل الاستقلال و التحرر من دعم القضية الفلسطينية إلى الالتحام بالمسائل الإفريقية كدائرة انتماء و تحرك جيوسياسي .

   هذا و كان للثقل التاريخي ، السياسي ، الاقتصادي ، الجغرافي و السكاني أثره في صياغة التصور الأمني الجزائري وفق ما عبر عنه بالتوازن الطبيعي في المغرب العربي(18) ، حيث ظلت الجزائر على عكس جاراتها ملتزمة بخياراتها الدستورية و المؤسساتية التي يعكسها الخطاب الرسمي و التوجهات الاستقلالية للبلاد ، و هو ما يختصر مجموعة من الثوابت التي تتراوح بين عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول و ضبط إيقاع التحرك الدبلوماسي ضمن الجماعة العربية أو الإفريقية ، مع الأخذ بعين الاعتبار سياسة حسن الجوار كمورد مهم لفهم التفاعلات الخارجية الجزائرية .

   و مع أن العارفين بالشأن الجزائري يتهمون هذه العقيدة الأمنية بالقصور و الوقوع في فخ الإيديولوجية و السير بثوابت تآكلت و تجاوزها الزمن في عصر التحولات الهيكلية و البنيوية الجذرية ، إلا أن الدوائر المهتمة في الجزائر اعتبرتها استخلاصا للدروس من الاحتقان الداخلي الدموي الذي خبرته لعقود ، حيث أدت عزلة و ترهل نظام الحكم إلى شرخ عميق بين النخب الحاكمة و عموم الجماهير متبوعا بأزمة اقتصادية و مجتمعية ، أدركت معها الجزائر أن التدخل الأجنبي سيكون وبالا على المجتمعات لا خادما لها ، من قبيل الدور القذر الذي لعبته فرنسا في الأزمة الجزائرية و دور بعض دول الجوار سواء المغرب أو ليبيا في ظل سواد مناخ المزاحمة الإستراتيجية على الاستئثار بالزعامة الإقليمية ، و تفاعلات القضية الصحراوية التي لا زالت الجزائر تديرها بمنطق دفاعي و ليس هجومي ، حيث تنصب عقيدة الأمن القومي عند مبدأ عدم القبول بأي تغيير إقليمي في منطقة أمنها دون الاتفاق معها .

   و قد كان لانهيار الاتحاد السوفييتي و اضمحلال إيديولوجيته أثره البالغ على توجهات أولويات الأمن الجزائري ، التي اتجهت محليا على ضوء إدارة الصراع و الاحتقان السياسي و المجتمعي الداخلي  اختزلت تجربة مريرة ضد التطرف ، العنف و الإرهاب ، إذ لطالما دعت إلى ضرورة وضع أسلوب عمل دولي من شأنه حماية البشرية من خطر لا يعترف بأية حدود سياسية ، كما لا يحترم أي قيم دينية أو ثقافية (19) .

و إن كنا لسنا بصدد تقييم آداء النظام إلا أن الجزائر خرجت بخلاصة دروس جعلتها شريكا دوليا واعدا في مكافحة الإرهاب و العنف إقليميا و دوليا  و في التعاطي مع التهديدات القادمة من الساحل ، لا زالت متمسكة بخيار الحل السلمي وفق مقاربة تعاونية إقليمية لا التدخل العسكري الذي إن لم تعتبره الجزائر الخيار الأمثل فهي لا ترفضه مطلقا .

   نصل مما سبق إلى أن منطلقات العقيدة الأمنية الجزائرية تأثرت بعوامل و محددات تختصر التجربة المجتمعية منذ الاستقلال حتى الوقت الراهن ، حيث أدرك أخيرا مهندسوا هذه العقيدة أن المخاطر اللينة باتت التهديد الجسيم في زمن عولمة المخاطر ، مما يلح على تطوير مقاربة ناجعة لإدارتها و تفادي مفرزاتها خاصة مع انكشاف الأمن الجزائري على عدة جبهات : مغاربية ، متوسطية ثم ساحلية إفريقية .

  ب/ الجزائر و الساحل : عندما تتحول المنطقة إلى ممر لكل المخاطر

   رغم أن الدستور الجزائري هو من أكثر الدساتير إفريقية ، إذ يؤكد على اعتزاز الأمة الجزائرية بالانتماء الإفريقي إلا أن هذا الإقرار لم يشفع لهامشية الدائرية الإفريقية مقارنة بالدائرتين العربية و المتوسطية ، أم أن الجزائر انتظرت تفجر الساحل على كافة المستويات لتستفيق من غيبوبتها الهوياتية لتوجه أنظارها نحو المنطقة .

   بحكم موقعها الجغرافي في قلب منطقة جيوسياسية مغاربية قريبة من أوربا ، يفصلها عنها المتوسط ، و في الجنوب تشكل الصحراء عمقها الإفريقي و تضعها في اتصال مباشر مع إفريقيا السوداء ، اضطرت الجزائر إلى النظر للساحل باعتباره ممرا لكل المخاطر ، و يجمع التصور الاستراتيجي الجزائري إزاء الساحل المؤشرات التالية :

-                       تزعم خطاب "الساحل للساحليين"(20) ، الذي إن وجد الصدى المطلوب لدى الجيران ، لكن تنقصه الفعالية المطلوبة نتيجة ضعف دول الساحل و استثمار الأطراف الخارجية في تنافسية المحاور بالمنطقة  مغاربيا-ساحليا و ساحليا-مغاربيا.

-                       لطالما كان الساحل الشغل الشاغل للحكومات الجزائرية لأسباب متعددة ، و يكفي القلق من تطور مسألة الطوارق ، تفجر الإرهاب و الجريمة المنظمة و جحافل الهجرة الإفريقية غير الشرعية .

فالدبلوماسية الجزائرية تتحرك في فضائها الجيوسياسي الإفريقي مدركة أنها تعيش في ساحل من الأزمات الممتدة على حدود تتجاوز 6343كلم ، تختصر معضلات هشاشة الأجهزة السياسية والمؤسساتية ، ضعف الهوية و تنامي الصراعات الاثنية ، ثم تفكك البنى الاقتصادية و الاجتماعية ما سمح باستفحال الإرهاب العابر للأوطان و مختلف أشكال العنف البنيوي (21) .

-                       تمثل معضلة الطوارق أمهات القضايا في الساحل و مع أن الجزائر لطالما كانت الإدارة الفعالة للقضية إحدى ركائز إستراتيجيتها في المنطقة ، إلا أنها نظرت إليها من زاويتين :

الأولى: النظر بنوع من التعاطف للرجل الأزرق ، إذ كانت من أوائل الدول المعترفة بحقوق الأقلية و ترى أنه يتوجب على دول و حكومات المنطقة معالجة المطالب المشروعة للأقلية ، حيث ترى في الحل السياسي السيناريو الأمثل و لطالما احتضنت لقاءات الأطراف المتنازعة و الحكومات المعنية خاصة في النيجر و مالي .

الثانية: رغم هذا التعاطف ترفض الجزائر التعامل مع الحركات الانفصالية أو أي تكتل سياسي أو اجتماعي أو عرقي يحمل مطالب يمكن أن تهدد الوحدة الترابية لدول المنطقة(22) ، و لن يتحقق ذلك ما لم يتم تحييد دور العامل الخارجي ، و تؤكد الجزائر على معطيين تتأسس عليهما نظرتها لتحدي الطوارق فوق الدولتي :

·  ضمان الفصل بين حركات/أطراف التمرد/الصراع في الساحل ، عن الحركات الجهادية المتطرفة التي تنضوي تحت عباءة القاعدة و مختلف فصائلها ، مما يحقق غايتين في الآن عينه :

  - معالجة المطالب المشروعة للطوارق .

-                       ضرب الحركات الإرهابية و قطع الإمداد عنها كائنا أو ممكنا في أطراف التمرد .

·  التزام الجزائر بقضايا الساحل كان و لا يزال مدفوعا بمكافحة الإرهاب و ليس محاربة التمرد ، رغم أن البعض اعتبره موقفا مبهما إلا أنها مقاربة انتظار و ترقب دون التورط(23) .

في النهاية تسعى الجزائر لاستيعاب مطالب طوارق مالي الاستقلالية خوفا من تأثير دومينو الانفصال على الأقلية المنتشرة في مالي ، النيجر ، ليبيا ، الجزائر و بوركينافاسو ، إضافة إلى أن أي تدخل أجنبي سيزيد الأزمة تفاقما من خلال التوظيف الخارجي للمسألة .

-  بحكم وزن و موقع الجزائر الجيوستراتيجي،الذي جعلها تتباهى بأكبر ميزانية دفاعية في القارة (9,5مليار دولار عام 2011و 20مليار دولار للعام 2014) و خبرة معترف بها في مجال مكافحة الإرهاب ، هي عضو مؤسس و بارز في العديد من المحافل الإقليمية و العالمية لمكافحة الإرهاب(24) :

*  لجنة الأركان المشتركة لدول الساحل (comité d'état major opérationnel conjoint –CEMOC-) : تظم القيادات العامة لجيوش الدول المشاركة هي : الجزائر ، النيجر ، مالي و موريتانيا ، مقرها تامنراست أقصى الجنوب الجزائري .

* و وحدة الدمج و الاتصال (l'unité de fusion et de liaison –UFL-) : هي بنية استخباراتية ، مهمتها التعاون بين أجهزة الاستخبارات الوطنية ، و تقاسم المعلومات المتعلقة بالشبكات الإرهابية و عصابات الجريمة ، حيث تنشط في المنطقة صناعة الاختطاف ، مقرها الجزائر  تظم ثمانية دول : الجزائر و مالي و النيجر وموريتانيا و بوركينافاسو و تشاد و ليبيا و نيجيريا، و هما آليتان تمثلان الفضاءات الأرحب للجزائر في معركتها الإقليمية ضد الإرهاب ، في الوقت الذي تمنع التدخل الأجنبي ، و تحت نفس المسمى رفضت إيواء الأفريكوم و تسعى لإقناع دول إفريقية بعدم استضافتها .

-                        و مع أن الساحل ليس فقط بؤرة حرجة للأمن القومي الجزائري بل كذلك منطقة نفوذ طبيعي للجزائر، وهو أمر معترف به من الفاعلين الإقليميين و حتى الدوليين و إن كان ذلك الاعتراف على مضض في أحيان كثيرة ، بداية من دول الدائرة الأولى ثم الثانية للفناء الخلقي للامتداد الإقليمي للجزائر ، و الذي أضحى ساحة للتنافس الاستراتيجي في ظل المزاحمة المغربية و السلوك المربك الليبي لإسقاط حلم الزعامة الجزائري .

2/ المغرب و الساحل : من الإطلالة الأطلسية إلى دعم التنمية في الساحل

تعد منطقة المغرب العربي إقليما جيوسياسيا بهوية تاريخية تكرست عبر قرون طويلة ، تأرجحت الدولة المركزية بين مختلف وحداته ، على أن المغرب الأقصى كان الأكثر حظوة بموقع المركزية في أغلب الفترات التاريخية(25) ،  و لا نختلف على الأهمية الجيوسياسية للموقع الذي يحتله المغرب ضمن المنطقة المغاربية التي تمثل نقطة الارتكاز الجغرافي للأمن الغربي ، أمريكيا كان أم أوربيا ، كما أن هويته الهجينة بين الانتماءات : العربية  والإسلامية ، الإفريقية و المتوسطية ، ساهمت في حسم الموقف المغربي مبكرا زمن الحرب الباردة ليكون واحدا من أقرب الحلفاء الاستراتيجيين للو م أ ، متلافيا تأرجحا طويلا بين الشرق و الغرب(26).

   نشير بداية إلى أن التحولات الجسيمة التي يعيشها الساحل وفرت فرصة ذهبية للتعاون الوثيق مغاربيا ، ما ينعكس على أمن المنطقة ، احترام سيادتها و تنميتها ، لكن السائد هو عكسي تماما ، إذ تحولت إلى منبر جديد للمناورة السياسية و المزاحمة الجيوسياسية بين المغرب و الجزائر من جهة و بين بعض دول الساحل .

أما المغرب فقد تزامن تصوره لأمن الساحل مع إرادته في الزعامة مغاربيا ، و لعب نفس الدور مع الجزائر ، مما أدى إلى تنافس حاد بين الجارين مضيفا على العلاقة المتوترة أصلا ، بملفات ثقيلة منها مسألة الحدود و القضية الصحراوية و تبعاتهما .

هذا و قد بني التوجه المغربي نحو الساحل على المعطيات التالية :

أ/توجيه الدبلوماسية المغربية إفريقيا للتعاطي مع الدول المحورية ، نيجيريا في منطقة الإيكواس ، كينيا في منطقة الكوميسا و جنوب إفريقيا في منطقة السادك(27) ، في استراتيجية للتنسيق مع الدول الإفريقية ذات الثقل لاحتواء المخاطر عبر الحدود ، خاصة في "المناطق السائبة" ، حيث يتراجع نفوذ السلطة الحاكمة ، و ترتفع معدلات الفقر و انسداد الأفق السياسي .

ب/ الاستثمار في مناخ الرياء السياسي السائد ، و على لسان الباحث عبد النور بن عنتر ، يشير في إحدى دراساته إلى أن الدول المغاربية الأكثر نشاطا على الساحة الإفريقية (ليبيا و الجزائر) لا تعي ضرورة دفع تكلفة نفوذها في المنطقة ، التي باتت تقاس بحجم ما تغدقه من نفقات و تدره من معونات و مساعدات ، فإذا كانت تنادي لتحييد المنطقة من النفوذ الأجنبي ، عليها تحمل تبعات ذلك سياسيا و ماليا و الحديث عن التضامن الإفريقي و المصير المشترك الذي لوث مسامعنا لعقود لم يعد مهما أمام المصالح و المنافع المتبادلة(28) .

ب/تركيز المملكة المغربية على إطلالتها الأطلسية على ضوء تدعيم علاقاتها مع دول إفريقيا الغربية خاصة السنغال و نيجيريا ، ثم نسج تحالفات مع القوى الصاعدة مثل البرازيل ، و ذهبت المملكة بعيدا في تبني برامج للتنمية البشرية في غرب إفريقيا و الساحل ، و هو نوع من الإصرار لإيجاد موطئ قدم لها في الساحل الإفريقي الذي غابت أو غيبت عنه أمام الإصرار الجزائري و المزاحمة الليبية .

ج/في المقابل ، و إذا كانت الجزائر لا ترفض مبدأ التعاون الإقليمي الموسع فهي تنظر بريبة لمحاولة حلفاء المغرب الغربيين تحديدا ضمه إلى الآليات الإقليمية في المنطقة ، خاصة لجنة الأركان العليا المشتركة ، حيث ترى الجزائر أن قبول المغرب في المستنقع الساحلي يعني اعترافا لا مشروطا بسيادته على الصحراء الغربية ، التي تشكل أمهات القضايا التي تعيق توثيق العلاقات الأمنية و العسكرية بينهما(29) .

   د/ ينبني الموقف المغربي في الساحل على احتلال الصفوف الأولى في لعب الأدوار الإقليمية ، و هي التي تعتبر نفسها الشريك القوي و الصادق في إدارة الصراعات المعقدة في المنطقة .

إذ لجأت المغرب إلى تأسيس كتلة مناوئة بدعم فرنسي و بعض دول الساحل الضعيفة خاصة مالي ، النيجر و موريتانيا المعروفة بحلفها مع المستعمر التقليدي ، مع الاستثمار في موجة التغيرات السياسية التي تجتاح بعض دول الجوار كتونس و مصر ، كما زادت مؤشرات تقارب ليبيا مع المغرب في مرحلة ما بعد القذافي من مخاوف الجزائر(30) ، هذه الأخيرة لا تخشى على موقعها بقدر خشيتها على التوازن الذي أقامته بمشقة بين أولوياتها الداخلية و الخارجية بعد عقود من الحرب الأهلية الدموية ، بما يعني عدم الاندفاع للالتفاف حول القضايا الدولية ، و الاهتمام بإدارة الملفات الثقيلة محليا : اقتصاديا  أمنيا و سياسيا .

   ه/ في مناخ يسوده التنافس و التوتر بين دول المغرب العربي ، و في الوقت الذي تسعى فيه الجزائر للبروز تدريجيا كقوة إقليمية خاصة في مكافحة الإرهاب ، تسعى المغرب لما تملكه من قوة عسكرية و اقتصادية انتزاع الجزائر هذا الفضاء ، من خلال المناورة ببناء تحالفات إستراتيجية مع الغرب خاصة الو م أ ، حيث عرضت قبولها إيواء أفريكوم وسط الحملة التي تقودها الجزائر إفريقيا للنأي عن القيادة ، حيث باتت الجزائر ترتاب كثيرا بجيرانها غير الودودين المثيرين للمتاعب خاصة بمنافسها المغربي في الغرب ، و تشعر بالقلق إزاء ارتفاع منسوب السخط و عدم الاستقرار في مخيمات البوليزاريو في الجنوب الغربي ، علاوة على التهديد الآتي من الشرق بسبب الاضطرابات في ليبيا(31) .

   و إذا كانت الدول المغاربية تتحدث لغة إستراتيجية لا تفهمها دول الساحل من ناحية و إفريقيا من ناحية ثانية ، أو تتوجس من مقاصدها ، فهي رغم كل الطروحات لم ترتق إلى صفة الفاعل بعد ، إذ باتت المنطقة موضعا لتنافس القوى الكبرى التقليدية و الصاعدة ، مما زاد من تعميق الهوة لا تجسيرها  ومع أن العلاقات المغاربية الساحلية شهدت بؤرتين للصراع : الصراع المسلح بين ليبيا و تشاد حول شريط أوزو ، و النزاع الموريتاني السنغالي ، إلا أنه غابت الصراعات المرتفعة الحدة ، إذ سرعان ما عادت الأمور إلى مسارها الطبيعي و لم ينجم عنها كتلة مغاربية في مواجهة الآخر الإفريقي ، و في المقابل لم تجعل منها كتلة واحدة ملتحمة ، إذ ترسخت صورة نمطية مفادها أن "إفريقيا لا تصبح ضمن دائرة اهتمام المغاربة إلا حين يشعرون بالحاجة إليها ، و تدخل بالمقابل مصدر الاهتمام عندما لا تضطرهم ظروفهم للانفتاح عليها"(32) و يبقى المغرب العربي بحاجة لجرأة كبرى للاعتراف بتهميشه للقارة و تواضع علاقاته معها رغم أنها تمثل عمقه الاستراتيجي و أحد روافد امتداده التاريخي و الحضاري.

  3/  ليبيا و الدور الملتبس في الساحل

   من البديهي أن يكون لليبيا دورا في سياق العلاقات البينية و المغاربية الساحلية ، و هذا بحكم موقعها الجيوستراتيجي ، فهي بوابة إفريقيا المتوسطية و تأثير قائدها الزعيم الراحل القذافي ، و رغم تشكيك المحللين في تبلور عقيدة أمنية ليبية واضحة في التعاطي مع القضايا الإقليمية التي اختصرها البعض في سلوكيات ملتبسة مزاجية هدفها إرباك دول الجوار شرقا و غربا ، كنوع من تصفية الحسابات السياسية نتيجة استبعاد مقصود أو غير مقصود في ترتيبات و توازنات الأمن الإقليمي و القاري .

لا يمنعنا من الوقوف على الدور المزدوج الذي لعبته ليبيا في الساحل الإفريقي و الصحراء قبل وبعد الثورة و تصفية القذافي على وقع التدخل العسكري لحلف الناتو .

 فأما قبل الثورة فكان توجه القرار السياسي الليبي على النحو التالي :

أولا : فمن ناحية حاولت ليبيا الظهور كقوة إقليمية و لعب دور الشريك الحيوي ، على ضوء التوسط في النزاعات الإفريقية و مسارات الحوار الأوروأفريقي ، حيث ساهمت في فض الاشتباك بين تشاد و إفريقيا الوسطى و إدارة الصراعات في الكونغو الديمقراطية ، السودان ، الصومال ، إفريقيا الوسطى ، إيريتريا و أثيوبيا ، كما كان لها دورا بارزا في دعم حركات التحرر الإفريقية و حتى الإطاحة بنظم كانت تنعت بالعمالة للاستعمار و الإمبريالية التقليدية من وجهة نظر ليبية .

 و مهما قيل فمعروف أن الزعيم الليبي السابق منذ قيام الثورة عام 1969تمحورت أهداف سياسته الخارجية حول التشبث بنهج القومية العربية و الحد من الهيمنة الأجنبية ، لكن بعد تخلي جل القادة العرب عن مؤازرة ليبيا عمليا و ليس خطابيا بعد الحصار الدولي عليها تسعينات القرن الماضي  أدارت ظهرها لدعم المشروع الحضاري العربي و التوجه للبحث عن فضاء بديل و لو تكتيكيا ، فكان المسار الإفريقي هو الضالة .

فأعطت التكامل الإفريقي دفعة قوية مع الوحدة الإفريقية ثم الاتحاد الإفريقي ، و هي صاحبة الفكرة لتأسيس نادي دول الساحل و الصحراء ، الذي يحوي في عضويته ثمانية و عشرون دولة إفريقية ، بضم كل الدول المغاربية باستثناء الجزائر ، و لتوسيع دائرة نفوذها في المنطقة ، قامت بتسخير إمكانيات ضخمة عبر تقديم المساعدات المالية و تحفيز القطاعين العام و الخاص الليبيين للاستثمار في القارة كتوجه أشمل .

ثانيا :من ناحية ثانية كان لسياسة القذافي الوقع الكبير على إرباك التفاعلات البينية و التوازنات المغاربية الساحلية من خلال الأوجه التالية :

   1/لا يختلف اثنان على دور القذافي في زعزعة الاستقرار و خلق الاضطرابات في المنطقة الموبوءة أصلا ، من خلال التحريض على التمرد ، التورط في النزاع الدارفوري من خلال دعم العرب على حساب غيرهم ، ثم المطالب الترابية له بإقليم أوزو على الحدود التشادية الليبية ، متخطيا كل الأعراف و القوانين الدولية التي تنظم و تهيكل هذه المسائل ، و التي كان نفسه يتشدق بها غداة الانقلاب الذي قاده للحكم في طرابلس .

   2/التورط بشكل مباشر و غير مباشر في تحريض الطوارق على التمرد خاصة في الدول الضعيفة مثل النيجر و مالي التي سمحت بالتدخل الليبي ، و قد أدى هذا الدور الملتبس إلى إرباك الجارة الجزائر التي ما فتئت تبذل الكثير لامتصاص ملابسات المعضلة الطوارقية ساحليا .

   3/طموح طرابلس للزعامة في المنطقة كان على حساب الجارتين الشرقية و الغربية مسببا حرجا تحديدا للجزائر في الإخلال بالتوازنات القائمة ، على ضوء استغلال الفراغات و النقاط الخلافية في ميراث العلاقات البينية خاصة محور الجزائر/المغرب ، هذه الأخيرة من خلال دخول نادي دول الساحل أصبحت من مهندسي سيناريو الأزمة في مالي ، و بحكم علاقات المغرب القوية داخل المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا وجدت فيها محفلا مجديا لتطوير قوتها الناعمة و تعويض غيابها عن الاتحاد الإفريقي و عرقلة تصميم الجزائر على تهميشها في الشؤون الساحلية .

لكن مع هبوب رياح حركة الربيع العربي على ليبيا ، سقطت كل التوازنات التي حاول القذافي على امتداد عقود رسمها ، كما غير التدخل العسكري مختلف المعطيات الجيوسياسية و التراجع التدريجي لليبيا كقوة إقليمية رائدة فتح المجال أمام سيناريوهات معقدة من قبيل :

أولا : كان من تداعيات الأزمة الليبية ساحليا أن دخلت القاعدة و الحركات الجهادية و المتطرفة مرحلة متقدمة من التسليح السريع ، بعد انتشار السلاح الخفيف ، و الثقيل و انتقلت المجموعات المسلحة من الإرهاب العابر للأوطان إلى حروب عصابات(33) ، تقودها القاعدة و نظيراتها من شبكات الجريمة المنظمة .

ثانيا : رغم غموض الدور الليبي في الساحل إلا أن اندثاره قلب عدة موازين ، منها قنبلة الطوارق الموقوتة التي تشهد حاليا انفجارا على كل المستويات ، فيما استفحلت أصوات فاعلين صغار و كبار أمام خفوت أو تشويش الصوت المغاربي .

ثالثا: لنفهم تشويش الصوت المغاربي ينبغي الوقوف على مواقف هذه الدول إزاء الأزمة الليبية ، ففي الوقت الذي تمسكت الجزائر ، تونس و موريتانيا بخيار الحل السلمي و ترك الليبيين يقررون مصيرهم ، بقي المغرب يتذرع على الجامعة العربية ثم الأمم المتحدة و القوى الغربية للتدخل العسكري و هو ما كان في النهاية .

و إذا كان تباين المواقف يجد مبرره في الانشغالات الأمنية للجزائر و نظيرتها (جحافل اللاجئين و التهديد الأمني) أو السياسية نسبة للمناورة المغربية ، إلا أنه لا شك أن كلاهما لا زال يواصل لعبته التنافسية على الأنقاض الليبية(34) .

و إذا كان الوضع المعقد في ليبيا لا يمثل تهديدا مباشرا للأمن المغاربي ، فبحكم الجغرافيا هو غير ذلك بالنسبة للجزائر ، و عوض أن يؤدي ذلك إلى تلطيف الأجواء مغاربيا فقد زاد من حدة التعارض بينهما ، ما يعني أن المنطقة قد تدخل سياسة المحاور مجددا : محور ليبي/مغربي يقابله محور جزائري/موريتاني ، في الوقت الذي تسعى فيه تونس للحفاظ على مسافة معقولة بين المحورين تفاديا لاستعدائهما(35) .

   و من المرجح أن العلاقة بين الجزائر و ليبيا ما بعد القذافي ستكون متوترة على الأقل في المدى القريب ، في حين قد تكون مقبولة أو عادية مع تونس ، و في كل الحالات لن تخرج هذه العلاقات البينية سليمة من المحنة الليبية التي أضافت على محن المنطقة .

اعتمادا على ما سبق يمكن القول أن غياب المغرب العربي الوسيط سياسيا و اقتصاديا بين إفريقيا و أوروبا فتح المجال للأخيرة لتشكل برزخا يفصله عن عمقه القاري ، كما تحولت بعض دوله إلى جدار عازل نزولا عند رغبة أوروبا ، يحميها من جحافل المهاجرين و مخاطر الفكر الجهادي السلفي ومختلف أعراض المجتمع المريض ، و هذا خلل استراتيجي و بنيوي من شأنه مضاعفة الهوة بين ضفتا القارة الشمالية و الجنوبية ، و إذا كان عدم الاستقرار سمة الاثنين فإن المغرب العربي المنقسم على نفسه بات يشكل عبئا على الساحل لا متنفسا له ، و في كل الحالات سيتحول الطرفان إلى ساحة للتنافس الدولي بين القوى التقليدية و النامية الحديثة .

   ثالثا : هواجس المعضلة الأمنية للدول المغاربية

أثير مصطلح معضلة أو دوامة الأمن (Security dilemma) مطلع خمسينات القرن الماضي ضمن أدبيات الواقعية الدفاعية ، على لسان جون هرز(John herz) ليحاول الباحث أرنولد وولفر تنميته .

و قد حدد المحدثون في الدراسات الأمنية فحوى هذه المقاربة بالتأكيد على أنه حتى تكون الدولة في مأمن من مخاطر تهديد تفرزه دول أخرى ، تلجأ إلى تطوير و تنمية قدراتها العسكرية التي تقابل من طرفها بالمثل  مما يعني إحساسا باللاأمن و مزيدا من ترقب الأسوأ و تعذر بناء الثقة ، و بالتالي السعي لكسب القوة وتصاعد حدة التنافس و التهاوي في نهاية المطاف في فخ المأزق الأمني ، الذي بات حلقة مفرغة يتجاذبها مختلف الفواعل ضمن دوامة الفعل و رد الفعل .

و يشير باري بوزان  إلى أن نشر الإمكانيات العسكرية من طرف الدول يؤدي إلى نوعين من التهديد(36) :

 الأول : يأتي من الأسلحة نفسها ، ينجر عنها "معضلة الدفاع" ، فمخاطر الدفاع أكثر ثقلا من التهديدات التي أوجدت سياساته لردعها أصلا .

الثاني : من حيث طبيعة الفواعل الدولية التي امتلكت تلك الأسلحة ، و ينجر عنها "معضلة القوة والأمن" و يصبح بالإمكان أن تعرض كلفة الدفاع (بهدف بناء القوة) الأمن نفسه كمطلب ملح إلى الخطر .

و تفاعل المعضلتين يؤكد البعد العسكري لمفهوم الأمن القومي ، و هو ما يحدو بالدول لإتباع سياسات(37) :

·   هجومية تمثل تهديدا أو إكراها على الآخرين لصالح أمنها القومي .

·  أو دفاعية كاستجابة أو رد فعل ضد بعض السياسات العنيفة من دول أخرى .

مع أنه ليس من السهل التمييز بين السلاح الهجومي و الدفاعي ، فالحالة هي التي تحدد خصائص السلاح ، فهو من جهة وجد للحماية و تأمين الدولة من المخاطر ، في الوقت ذاته قد يتحول إلى أداة تدميرية للآخرين(38) ، و إذا كان للهجوم فوائد حاسمة على الدفاع فهذا يؤدي حتما إلى تفاقم المعضلة الأمنية ،  فالأعداء المحتملين كل واحد يعتقد بأن أفضل طريقة للدفاع هي الهجوم ، و من ثم زيادة الشكوك للجانبين ما يؤدي إلى زيادة سباق لتسلح في القدرات العسكرية الهجومية.

لذا تسعى الدول تحقيق التطور المنسجم من خلال تطوير منظومتها الدفاعية من أسلحة ردع و قدرات عسكرية تحتل مكانة هامة في مجال توفير الأمن ، لكن هذا قد يطرح العلاقة بين الأمن ، الإنفاق العسكري والتنمية التي هي حتما عكسية ، إذ كلما زاد حجم الإنفاق أصبحت الدولة أقل أمنا و أدنى تنمية(39) ، رغم أن الدراسات لازالت لحد الآن تتوجس من أن تراجع الإنفاق العسكري على الصعيد العالمي لا يقدم برهانا على تحول اعتماداته الضخمة نحو مجابهة الفقر و قلة التنمية .

و تبدو الاستراتيجيات الوطنية للدول المغاربية في نظرتها لساحل الأزمات و رغم تشابه منطلقاتها  غير أن مآربها مختلفة ، و بالتالي قراءتها للتهديد متشعبة و متناقضة أحيانا ، ما يعني الإضرار بالمصالح البينية ، و يعكس ذلك توجهات محورين :

  1/ المحور الجزائري/المغربيالمتنافر أصلا ، و الذي جعل من أزمة الساحل مطية للتنافس لكسب رهانات إقليمية و دولية ،فالمغرب من جهته استفاد من العلاقات التقليدية مع أمريكا من خلال(40) :

·  اقتصاديا : بالتوقيع على اتفاقية التبادل الحر مارس 2004، ليكون ثالث بلد عربي بعد الأردن والبحرين .

·  عسكريا : في ذات السنة يمنح بوش المغرب صفة الحليف الاستراتيجي لأمريكا خارج الناتو وبإضافة المغرب يصل عدد الدول التي تتمتع بهذا الوضع التحالفي المميز إلى أربعة عشر دولة(41).

رغم أن نفس الصفة لم تمنح للجزائر ، التي قد تكون محتفظة بمقاربة أمنية قومية مستقلة ، و الصفة تقتضي منح تسهيلات عسكرية .

 

  2/ المحور الثلاثي : الجزائر ، ليبيا و تونس ، و هو محور متعاون تعيش أغلب دوله على أشلاء هواجس و هموم الداخل مع تداعيات الثورات الشعبية في تونس و ليبيا .

هذا لا ينفي وجود محور ثالث مغاربي ساحلي ، عبر ما سمي بمبادرة دول الميدان تسمح بتعاون جزائري ساحلي مع دول : موريتانيا ، النيجر و مالي ، تونس و ليبيا(42) .

   بحكم كون الساحل الجوار الإفريقي الأقرب للمنطقة المغاربية ، و مع أن واقع ما بعد الحادي عشر من سبتمبر بات يقدم دلالات كبرى على حجم واقعية التهديد الإرهابي و عولمة مخاطره ، إلا أن هذا التهديد المشترك لم يخلق الحد الأدنى من التنسيق و التعاون الأمنيين بين الشركاء العرب في المقام الأول ، ثم هندسة ترتيبات أمنية مغاربية ساحلية ، بل على العكس باتت المنطقة مسرحا و ضحية للعبة التنافس الإقليمي خاصة بين المغرب و الجزائر بحكم الوزن و الثقل الذي يحوز عليه كليهما .

هذا و قد أثبتت خبرة العمل المغاربي المشترك فشله في اختبارين إقليميين في المرحلة المعاصرة :

   الاختبار الأول : لما اتخذت موقف المتفرج على الأزمة الليبية ، و هي أول امتحان من هذا الحجم يواجهه الداخل المغاربي .

   الاختبار الثاني : لما لعبت دورا هامشيا منساقا وراء القرار الخارجي في حل إحدى أزمات الساحل الراهنة ، مع استيلاء الجماعات المتطرفة على شمال مالي و تداعيات ذلك إقليميا و عالميا .

   و بحسابات جيوسياسية كان المفروض أن تؤدي هذه الأزمات و غيرها إلى رأب الصدع المغاربي من خلال رص الصفوف و التأسيس لتحالف استراتيجي في ظل سواد خطاب الشك و انعدام الثقة ، حيث أثبت واقع الحال أنه لا يجمعهم سوى مخزون ثقافي ، حضاري و عاطفي حمل ما لا طاقة له به لأكثر من عقدين من الزمن .

و عليه تركت الدول المغاربية أطرافا أخرى تتصرف وفقا لمصالحها في غياب البديل مع الدور المغاربي :

·  بالنسبة للمغرب لا زالت إستراتيجيته محكومة بثالوث تقليدي ، و هي اعتبارات متداخلة فيما بينها و متبادلة التأثير، و المتمثلة في :

-                       الاصطفاف على مواقف الحلفاء الغربيين (الو م أ و فرنسا) . 

-                       إرث نزاع الصحراء الغربية .

-                       التنافس مع الجارة الجزائر .

·  أما تونس فتخشى مع انكشاف حدودها مع الجارتين الجزائر و ليبيا من تحالف السلفية الجهادية الناشئة محليا مع الشبكات عبر الوطنية ، و بالتالي التوجس من تحول تونس بحكم الانتقال العسير للمشهد السياسي الذي تشهده إلى ساحة انكفاء للإرهاب العالمي . 

·  في حين تعيش ليبيا على هواجس التفاعلات العكسية غير المرغوبة لما يحدث على الأرض  فهي التي صدرت عدم استقرارها للساحل غير المستقر أصلا ، حيث هيأ سقوط النظام و تداعياته الظروف لأزمة مالي و الساحل مع تفجر المنطقة بالسلاح و الجماعات لجهادية المتطرفة نحو الجزائر ، مالي ، النيجر و موريتانيا .

·  أما موريتانيا و بحكم كونها الحلقة الأضعف مغاربيا ، نظرا لهشاشة النظام و انكشاف الدولة و ضعف قدراتها عدة و عتادا ، فهي تتوجس من استهدافها من قبل الجماعات الإرهابية ، حيث من المرجح أن يؤدي محاصرتها ساحليا مع التدخل الأجنبي إلى الانكفاء الاستراتيجي نحوها(43) ، و تظهر جميع المؤشرات أنها ستصبح في المستقبل الحاضنة الإستراتيجية لجميع عوامل الفشل الدولتي الجواري و التهديد العنفي .  

 رابعا : القراءة المغاربية للتهديدات المتدفقة من الجنوب :

يهدد التخوم الساحلي غير المستقر ميدانيا الأمن المغاربي من خلال رواقين جيوسياسيين شرقي و غربي في غاية الانكشاف ، و رواق ثالث أقلهما انكشافا .

أما الأول فهو الرواق الليبي نتيجة تداعيات الحرب الليبية و مخاض عملية الانتقال العسير نتيجة تكون المليشيات المسلحة و تعزيز الانقسامات القبلية و العشائرية ، و قد أفرزت التفاعلات العكسية لما تعيشه ليبيا اليوم تصدير اللاأمن و اللااستقرار ساحليا و مغاربيا ، خاصة إلى تونس و الجزائر نتيجة الحدود الصحراوية المترامية و المنكشفة .

   بينما الرواق الثاني القلق فعبر البوابة الموريتانية ، على ضوء هشاشة حدودها الشرقية و الشمالية مع إقليم أزواد المشتعل ، و قد استثمرت الجماعات الإرهابية المتطرفة في حالة الضعف و الهشاشة البنيوية التي تعانيها موريتانيا ، التي تتحول تدريجيا لمنطقة انكفاء استراتيجي لمثل تلك التنظيمات عبر الوطنية .

   في حين تمثل الجزائر الرواق الجيوسياسيالثالث ،  و هو يتوسط الرواقين لكن هو أكثر صلابة منهما ، بالنظر للخبرة الجزائرية في التعاطي مع التنظيمات النشطة و الخلايا النائمة في المنطقة(44) .

و عموما تعد كل الدول المغاربية دون استثناء تربة خصبة لانتقال العدوى الساحلية بسبب نشاط سلفية جهادية محلية فيها ، و بالتالي هناك خشية من تحالفها مع شبكات المافيا و العصابات عبر الوطنية التي لا تعترف بالحدود و الانتماءات الثقافية و الحضارية .

   و عليه ، غدا الأمن أهم الإشكاليات في المنطقة ، إذ أنه لا يمكن المراهنة على أمن كل قطر مغاربي ضمن إطار حدوده السياسية ، إذ باتت تفرض الالتزامات الإقليمية و واقع التجزئة تحديات كبرى مغاربيا ، كما اقتنعت أوربا أن عقدة اللاأمن لن تحل إلا بربط أمنها بالضفة الجنوبية للمتوسط ، و على الدول المغاربية أن تقتنع أن أمنها لن يكتمل في حالة التشرذم و التفتيت الذي تعيشه منطقة الساحل بحكم كونها الجوار الإقليمي الأقرب .

و كما أشرنا سابقا يعود هذا المشهد المفكك في جزئه الكبير إلى إشكالية العلاقة الجزائرية المغربية من خلال تناقض مقاربة كل منهما في تصوره لأمنه الوطني و الأمن المغاربي الإقليمي .

·  فمن جهة يربط المغرب بين أزمة مالي و الأزمة الليبية و الصحراء الغربية و بين معضلة الإرهاب ، للدفاع عن رؤيته للمسألة الصحراوية على أنها شأن داخلي بعيد عن دائرة تصفية الاستعمار الأممية ، و شكل من أشكال النضال المغربي ضد فلول إرهابية معارضة .

·  من جهة ثانية تتبنى الجزائر مقاربة إقليمية إقصائية للمغرب ، بحجة أنه ليس بلدا ساحليا  ويبدو أن الاحتكام الجزائري للمنطق الجغرافي الخالص مفرغ من محتواه و يضر بالمصالح البينية ، كما أن التشبث المغربي بنزاع الصحراء الغربية في هندسة علاقاته الإقليمية خاصة مع الجزائر يسيء هو الآخر للصف المغاربي(45) .

كما أدى سعي الجزائر إلى تسويق نظرتها للأزمة في الساحل مغاربيا و ساحليا ، من خلال ضرورة عدم وضع كل أطراف الصراع خاصة في الأزمة المالية في نفس السلة ، إلى التشويش على الحل ، و اتسم موقفها بالتناقض ، فهي تتبنى مقاربة الحل السلمي و عدم التدخل ، لكن في المقابل حاولت حشد الرفض الإقليمي و القاري للتدخل الفرنسي ، لتعود في نهاية المطاف لفتح مجالها الجوي أمام المقاتلات الفرنسية ، و إن بدت المقاربة في البداية صحيحة ، لكن سرعان ما فقدت معناها بسيطرة الجماعات الإرهابية على الحركات الأزوادية ، و لم يعد ممكنا التمييز بين تلك التنظيمات السياسية بمطالبها الاجتماعية و الحركات الإرهابية العابرة للأوطان ، المحلية المنشأ .

و مع ذلك فقد قدمت طبيعة الأزمة الأمنية المركبة في الساحل جملة من الدروس البليغة للشركاء المغاربيين ، نلخصها في نقاط محددة هي :

   أولا : أن قراءة التهديدات الجديدة المتدفقة من الفناء الخلفي تتطلب مقاربة جديدة هي حتما غير دولاتية و غير عسكرية ، من خلال محددات بسيكوثقافية ، تقنية و تنموية ، فلا يمكن تجفيف منابع الإرهاب و الجريمة المنظمة الضليعة هناك بمنطق عدم التدخل ، في غياب ضمانات عدم انتشار التهديد أفقيا و عموديا .

   ثانيا : أن الثقة في الحل الأممي ، يضع جزءا من الأمن القومي المغاربي بيد الآخرين ، كما أنه لا يوجد ما يبرر استمرارية لعبة التنافس المحموم الجزائري المغربي ، الذي لا زال يكبدها أعباء كبرى منها ما يصرف سنويا كميزانية للدفاع ، جعل منهما الدولتين الأكثر إنفاقا على التسلح قاريا ، و الأولى أن تتجه تلك المقدرات إلى قطاعات أخرى خاصة الاجتماعية و الاقتصادية منها .

و عليه لا بد من قناعة كليهما أن الدور الريادي سيلعبه الطرفان بحكم الوزن السياسي و الثقل الاقتصادي ، ليس بمزايدة أحدهما على الآخر ، كما آن الأوان للطرفين أن يدركا أنه ما دامت المنطقة مستهدفة في واقع عولمة المخاطر ، فعليها المبادرة بضربات استباقية لوقف نزيف المنطقة .

   ثالثا : بعد دخول الو م أ على الخط في إدارة الصراع في المنطقة باتت الدول المعنية تتخبط في خلل بنيوي كبير ، من خلال دفاعها المستميت عن استقلالية الدول و دعم خيار الحل السلمي ، مقابل دعمها بكل ما أوتيت من إمكانات لمنظومة الكفاح أو الحرب العالمية ضد الإرهاب ، و بات من الملفات المعقدة التي تواجه النخب اليوم ملف الجماعات المسلحة ، ما جعلها تتلقف التصور المستوحى من تموج الإستراتيجية الغربية و تشويشها(46) ، و هذا يعكس تناقضا في رؤيتها للأزمة ، و هذا ما حاولت الجزائر الدفاع عنه في شكل تعاطي الجيش الجزائري مع أزمة الحقل الغازي في منطقة عين أمناس ، إذ مثل رادعا للجماعات الإرهابية من جهة و للمساومة الخارجية في تسوية الأزمة من جهة أخرى .

   رابعا : يبدو أن أزمات الفضاءين الجيوسياسيين تجد بعض مبرراتها في غياب الحس الإقليمي  فعامل الثقة مركزي في التعاون بين الدول ، من خلال تبادل المعلومات و تقديم التسهيلات اللوجستية والاستخباراتية ، فالتهديدات المشتركة تتطلب تصديا مشتركا أو على الأقل اتساقا و انسجاما في سيرورة التسوية ، و قد يكون عدم وصول مبادرة دول الميدان للأهداف المرجوة منها بسبب إقصاء المغرب حيث التنسيق الإقليمي لضرب الإرهاب بات أكثر من ضرورة تحت طائل أن الوقاية الأمنية تكمن في تحييد الإرهاب في مصادره و القضاء على بؤر التوتر التي يتغذى منها و يغذيها .

   و مع أن محن المنطقة تؤكد مرة أخرى على اتساع الشرخ في العلاقة الجزائرية المغربية ، و عدم انسجام الاستراتيجيات الوطنية ، إلا أن رياح الربيع العربي تنبيء بإمكانية تحريك المشروع المغاربي ، فأفق تحسن العلاقات البينية يعززه الزيارات المتبادلة لمسؤولين رفيعي المستوى في المنطقة ، من ذلك جولة عدة مسؤولين تونسيين للجزائر مطلع 2011، دشنها رئيس الحكومة المؤقتة القايد السبسي ثم الشيخ راشد الغنوشي عدة مرات و رؤساء الحكومات المتعاقبة ، و كذا زيارة وزير العلاقات الخارجية المغربي سعد الدين العثماني للجزائر مطلع 2012، طرح خلالها النقاش حول منهجية جديدة لتحسين العلاقات و تطوير التعاون المؤجل بين البلدين ، علاوة على الجولة المكوكية التي قادت الرئيس التونسي المرزوقي إلى كل العواصم المغاربية لبحث الشأن التونسي و تداعياته على بناء الاتحاد في ظل التحديات الراهنة .

لكن يبدو أن الأهم من كل تلك الزيارات ذاك اللقاء الذي جمع رؤساء الحكومات الثلاث (الجزائر  تونس و ليبيا) في غياب الشريكين المغرب و موريتانيا ، على هامش لقاء بين وزراء الدفاع و الداخلية مطلع 2013، و تم الاتفاق على مجموعة من التدابير الأمنية لمراقبة الحدود و محاربة الجماعات الإرهابية العابرة للأوطان ، ما يمثل إقرارا صريحا بالترابط العضوي بين الأمن في المغرب العربي و نظيره في الساحل .

خاتمة :

نخلص في الأخير إلى أن تفعيل الاتحاد ليكون مؤثرا في ضبط التوازنات الإقليمية السياسية ، الاقتصادية و الأمنية و شريكا عالميا معترفا به ، أصبح رهن عدة عقد تتطلب حلا ، أو على الأقل تحييدا لها عن مسيرة الاتحاد  ، ففي الوقت الذي يؤكد البعض على أنه لا تفعيل دون ربيع مغاربي ، إلا أن انهيار النظام في ليبيا و تونس قد يمنح الأمل في أفق تحسن العلاقات البينية ، و مع أن ما تحقق على طريق الانتقال الديمقراطي يبدو هشا حتى الآن و لا يكفي لتقدير الأثر الذي سيتركه في إعادة تشكيل الفضاء المغاربي ، إلا أن كسب الرهان الديمقراطي يبقى التحدي الحيوي .

و نخلص فيما يلي إلى جملة نتائج على النحو التالي :

·  بات الرسو السياسي المغاربي في الساحل الإفريقي محل خلافات ليس فقط بينية ، بل إفريقية كذلك ، و أصبح الساحل بين مطرقة التنافس المغاربي و سندان صراع النفوذ الأجنبي .

·   كما أن النظر من زاوية إفريقية يبقي الجزائر حجر الارتكاز ، باعتبارها تحاول إدارة صناعة الاستقرار في العمق الإفريقي الذي يمثله ساحل الأزمات .

·   و تظل معضلة الأمن المغاربي تطبعها مواسم سياسية باردة و أخرى دافئة بتعاون أمني تفرضه ضرورات الجوار الإقليمي .   

·  مع تحول الساحل إلى ممر لكل المخاطر ، أصبح التوجس من تحالف السلفية الجهادية المحلية مع شبكات الإرهاب العابر للأوطان أهم التحديات ، كما بات واضحا أن موريتانيا قد تكون في المستقبل المنظور الحاضنة الإستراتيجية لكل عوامل الفشل الأزموي في المنطقة .

·  بات جليا أنه لا أمن مغاربي دون أمن ساحلي و العكس كذلك ، مما يدفع إلى تلافي المقاربات الإقصائية خاصة من قبل القوى ذات الثقل السياسي و الوزن الاقتصادي في المنطقة في مقدمتها الجزائر و المغرب ، مقابل بناء تصورات شمولية تشاركية تعود بالنفع في صناعة الأمن و التنمية على الجميع ، و لنا أن نستخلص من التجربة الأوربية في هذا الصدد الكثير ، إذ نجحوا في جعل الديموقراطية طريقا لوحدتهم، رغم كل الذي يفرقهم .         

([*]) صايل فلاح مقداد السرحان ، "أثر المحددات الجيوسياسية على العلاقات العربية – التركية : 2002/2011" ، المجلة الأردنية للعلوم الاجتماعية ، المجلد 6، العدد 2، 2013، ص 219.

 (2) امحند برقوق ، "الساحل الإفريقي بين التهديدات الداخلية و الحسابات الخارجية" . العالم الاستراتيجي ، العدد 01، الأحد 06جانفي 2008، ص 12.

(3) Aymeric Chauprade , Introduction a l'analyse géopolitique , (Paris : Ellipses éditions , 1999) , p 90. 

(4) Fréderic Deycard , "Une région a l'importance internationale croissante", Questions Internationales , N°58, Novembre/Décembre 2012, p 08.

(5) Mehdi Taj ,Sécurité et stabilité dans le Sahel africain : situation présente et prospective , recherche académique, Collège de défense de l’OTAN , p 07.

 (6) عادل مساوي ، عبد العلي حامي الدين ، المغرب العربي : التفاعلات المحلية ، الإقليمية و الإسلامية ، في التقرير الاستراتيجي : العالم الإسلامي : عوامل النهضة و آفاق البناء ، القاهرة : المركز العربي للدراسات الإنسانية ، 1428/2007، ص 377.

(7)زهير بوعمامة ، "السياسة الأوربية للجوار : دراسة في مكون ضبط الآثار السلبية للجوار على الأمن الأوربي" ، مجلة المفكر ، العدد الخامس ، مارس 2008، ص 242.

(8) عبد النور بن عنتر ، "العلاقات المغاربية الإفريقية" . نشرية مجموعة الخبراء المغاربيين ، عدد 04، فبراير 2011، ص 01.

(9) Abdennour Benantar , "Regain d'intérêt américaine pour le Maghreb : quelques réflexions préliminaires" , In :  les Etats –Unis et le Maghreb : regain d'intérêt? , sous la direction de Abdennour Benantar , (Alger : CREAD, 2007)p 06.

(10)عامر مصباح ، المنظورات الاستراتيجية في بناء الأمن(القاهرة : دار الكتاب الحديث ، ط 1، 2012) ، ص 209.

(11) نفس المرجع ، ص ص 300-301.

(12) صالح زياني ، "تحولات العقيدة الأمنية الجزائرية في ظل تنامي تهديدات العولمة" . مجلة المفكر ، العدد الخامس ، مارس 2010، كلية الحقوق و العلوم السياسية ، جامعة محمد خيضر بسكرة ، ص 290.

(13) Salim Chena , "Portée et limites de l'hégémonie algérienne dans l'aire sahélo-maghrébine" , Hérodote , N°142, la Découverte , 3e trimestre 2011, p 111.

 (14) Abdelhamid Merauani ," La dimension stratégique de l'Algérie dans l'ensemble méditerranéen : atouts , enjeux et limites" , In : le Maghreb stratégique , éditeur : Jean Dufourcq , NDC , occasional paper 6, Rome , June 2005, pp 18-21.

(15) صايل فلاح مقداد السرحان ، مرجع سابق ، ص 221.

 (16) صالح زياني ، مرجع سابق ، ص 291.

(17)  Salim Chena , op.cit , p 110.

(18) عبد النور بن عنتر ، البعد المتوسطي للأمن الجزائري : الجزائر ، أوربا و الحلف الأطلسي (الجزائر : المكتبة العصرية للطباعة و النشر و التوزيع ، 2005) ص 41.

(19) امحند برقوق ، "التعاون الأمني الجزائري – الأمريكي و الحرب على الإرهاب" ، أوراق كارنيجي (تعليق على حدث) ، بيروت 16حزيران/يونيو 2009.  

(20)Salim Chena , op.cit , p 114.

(21)بوحنية قوي ، إستراتيجية الجزائر تجاه التطورات الأمنية في الساحل الإفريقي .على الرابط التالي : تاريخ التصفح (27/08/2013) http://studies.aljazeera.net/reports/2012/06/20126310429208904.htm

(22) يحي زبير ، الجزائر و الوضع المعقد في منطقة الساحل : منع الحرب و مكافحة الإرهاب . على الرابط التالي : تاريخ التصفح (27/08/2013)http://studies.aljazeera.net/reports/2012/11/201211289594704997.htm.

(23) أنوار بوخرص ، "الجزائر و الصراع في مالي" . أوراق كارنيجي ، أكتوبر 2012، ص ص 12/13.

(24) المرجع نفسه ، ص 14.

(25) وليد عبد الحي ، "العلاقات المغربية الجزائرية : العقدة الجيوستراتيجية"، سياسات عربية ، عدد 6، كانون الثاني/يناير 2014، ص 32.

(26) م.م مجيد كامل حمزة ، "العلاقات المغربية الأمريكية ما بعد الحادي عشر من أيلول العام 2001و آفاقها المستقبلية" ،المجلة المستنصرية للدراسات العربية و الدولية ، العدد 36، 2011، ص 128.

(27) محمد الهزاط ، "دول الجوار و الساحل ، الفرص و التحديات : السياسة المغربية نموذجا" ، شؤون عربية ، عدد 159، خريف 2014، ص 209. 

(28) عبد النور بن عنتر ، العلاقات المغاربية الإفريقية ، مرجع سابق ، ص 03.

(29) يحي زبير ، مرجع سابق .

(30) أنوار بوخرص ، مرجع سابق ، ص ص 17-18.

(31) المرجع نفسه ، ص 19.

(32) أحمد مالكي ، "نحو رؤية جديدة للعلاقات المغاربية الإفريقية" . نشرية مجموعة الخبراء المغاربيين ، عدد 04، فبراير 2011، ص 03.

(33) أحمد إدريس ، "الأزمة الليبية و تداعياتها على منطقة المغرب العربي" ، نشرية مجموعة الخبراء المغاربيين ، عدد 06  سبتمبر 2011، ص 01.

(34) عبد النور بن عنتر ، "الأزمة الليبية : غياب جماعي و خلافات ثنائية" . نشرية مجموعة الخبراء المغاربيين ، عدد 06  سبتمبر 2011، ص 06.

(35) المرجع نفسه ، ص 07.

(36) عبد النور بن عنتر ، البعد المتوسطي للأمن الجزائري : الجزائر ، أوربا و الحلف الأطلسي ، مرجع سابق ، ص 21.

(37) أحمد محمد أبو زيد ، "معضلة الأمن اليمني- الخليجي : دراسة في المسببات و الانعكاسات و المآلات" ، المستقبل العربي ، العدد 414، آب/أغسطس 2013، ص 74.

(38) Paul Roe , Ethnic violence and societal security dilemma (USA and Canada : Routledge Taylor and Francis group , 2005), p 09.

(39)عبد النور بن عنتر ، البعد المتوسطي للأمن الجزائري : الجزائر ، أوربا و الحلف الأطلسي ،مرجع سابق ، ص 21.

(40)نفس المرجع ، ص ص 70-71.

(41) هذه الدول هي : أستراليا ، الأرجنتين ، البحرين ، مصر ، إسرائيل ، اليابان ، الأردن ، نيوزيلندا ، الفلبين ، كوريا الجنوبية ، الكويت ، تايلاند و باكستان .

(42) عبد النور بن عنتر ، الاستراتيجيات المغاربية حيال أزمة مالي ، في : ندوة المغرب العربي و التحولات الإقليمية الراهنة ، الدوحة ، 17/18فبراير/شباط 2013، مركز الجزيرة للدراسات .

(43) نفس المرجع .

(44) نفس المرجع .

(45) نفس المرجع .

(46) محمد بغداد ، دماء الصحراء : حروب القاعدة في الساحل الإفريقي (الجزائر : ذاكرة الأمة ، 2012) ص 16.

@pour_citer_ce_document

جميلة علاق, «تحديات الأمن المغاربي في ظل المخاطر الجديدة في منطقة الساحل والصحراء»

[En ligne] ,[#G_TITLE:#langue] ,[#G_TITLE:#langue]
Papier : ,
Date Publication Sur Papier : 2017-12-13,
Date Pulication Electronique : 2017-12-13,
mis a jour le : 17/10/2018,
URL : https://revues.univ-setif2.dz:443/revue/index.php?id=2352.