النّظرية الأخلاقية عند طه عبد الرحمن
Plan du site au format XML


Archive: revues des lettres et sciences sociales


N°01 Avril 2004


N°02 Mai 2005


N°03 Novembre 2005


N°04 Juin 2006


N°05 Juin 2007


N°06 Janvier 2008


N°07 Juin 2008


N°08 Mai 2009


N°09 Octobre 2009


N°10 Décembre 2009


N°11 Juin 2010


N°12 Juillet 2010


N°13 Janvier 2011


N°14 Juin 2011


N°15 Juillet 2012


N°16 Décembre 2012


N°17 Septembre 2013


Revue des Lettres et Sciences Sociales


N°18 Juin 2014


N°19 Décembre 2014


N°20 Juin 2015


N°21 Décembre 2015


N°22 Juin 2016


N° 23 Décembre 2016


N° 24 Juin 2017


N° 25 Décembre 2017


N°26 Vol 15- 2018


N°27 Vol 15- 2018


N°28 Vol 15- 2018


N°01 Vol 16- 2019


N°02 Vol 16- 2019


N°03 Vol 16- 2019


N°04 Vol 16- 2019


N°01 VOL 17-2020


N:02 vol 17-2020


N:03 vol 17-2020


N°01 vol 18-2021


N°02 vol 18-2021


N°01 vol 19-2022


N°02 vol 19-2022


N°01 vol 20-2023


N°02 vol 20-2023


N°01 vol 21-2024


A propos

avancée

Archive PDF

N° 25 Décembre 2017

النّظرية الأخلاقية عند طه عبد الرحمن


حيدر العايب
  • resume:Ar
  • resume
  • Abstract
  • Auteurs
  • TEXTE INTEGRAL
  • Bibliographie

نحاول في هاته الإبانة إجلاء الستار عن أحد أبرز المفاهيم الثّاوية في المتن الطاهائي وهو مفهوم، الأخلاقيّة، فقد انبرى العديد من الباحثين لتناول بالبحث والتحليل مع نزر قليل من النقد المشروع الفلسفي للفيلسوف المغربي المعاصر طه عبد الرحمن بمختلف أبعاده، الإبداع الفلسفي والمفهومي، سؤال الأخلاق والحداثة، المعرفة والأخلاق، التكامل المعرفي... ما قد يجعل من بحثنا هذا لبنة مضافة للسرح المعرفي حول الكتابة الطاهائية. هذا مع العلم أن المشروع الطاهائي يعد من أبرز المشاريع الفكرية ذات الثراء المفهومي واللغوي، ما يعني أنه مشروع يحتاج لأكثر من جهد لتناول بعض المفاهيم التي نحسبها ذات استحقاق أكاديمي تستحق أن نتوقف عندها، لإجلاء مكاسبها وحدودها، وقد وقع اختيارنا على أحد المصطلحات التي تشكل ليس فقط مفهوما ضمن المجال التداولي الطاهائي، بل ونظرية ادعى مفكرنا عدم أسبقية أحد إليها، إنها نظريته الأخلاقية ووظيفتها المزدوجة: أولا، نقد التراث الإسلامي وبالضبط علم المقاصد، إذ من خلالها أعاد طه عبد الرحمن تقسيم الكليات الخمس الموروثة عن علماء الأصول المسلمين. ثم ثانيا، نقد التصور الحداثي الغربي للإنسان الذي يستمد مشروعيته من العقلانية المجردة من الأخلاقية. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا، ما حد الأخلاقية؟ وماهي طبيعة العلاقة بينها وبين المفاهيم الأخلاقية الأخرى كالأخلاق والقيم؟ ثم ما الرّهان الذي يفرضه هكذا مفهوم أو هكذا نظرية على أناسي عصرنا؟

الكلمات المفاتيح: طه عبد الرحمن، الأخلاقية، علم المقاصد، الحضارة الغربية، أركان ومبادئ.

Cette étude met l'accent sur l'un des concepts importants qui enrichissent les textes philosophiques de Taha Abdelrahmane, qui est l’éthique (akhlaqia /moralité), où il s'agit plutôt d'une théorie que d'un concept simple, car elle a ses propres axiomes, principes et mises à jour.

L'éthique vient dans le double cadre de la critique, la science du but ou des objectifs (makassid) d'un côté, et la civilisation occidentale moderne de l'autre, il travaille d'abord sur le renouvellement de la disposition cinq du but de la loi (makassida'chariaa). Il fonctionne sur le second en évaluant l'imagination rationnelle humaine, qui caractérise l'intellect europien.

Alors qu'est-ce que l’éthique ? Et quels sont ses axiomes et principes ?

Mots-cles :TahaAbdelrahmane, La théorie éthique) moralité (, la science du but ou des objectifs (makassid), la civilisation occidentale, axiomes et principes.

This study comes to focus on one of the important concepts that enriches TahaAbdelrahmane's philosophical texts, which is ethics (akhlaqia/morality), Where it is more like a theory than a simple concept, because it has it's own axioms, principles and updates.

ethics come in double criticism frame work, science of purpose or objectives (makassid) from one side, and modern western civilization from the other, it works on the first side on renewing the five folddevision of the purpose of law (makassida'chariaa) .it works on the second on assessing the human rational imagination, which characterizes the Europian intellects.

so what is ethics? and what are it's axioms and principles ?

Keywords:Taha Abdelrahmane,ethical theory (morality),science of purpose or objectives (makassid),western civilization, axioms and principles

Quelques mots à propos de :  حيدر العايب

طالب دكتوراه، قسم  الفلسفة جامعة محمد لمين دباغين سطيف2

تمهيد استشكالي

مما لا يختلف عليه اثنان – على الأقل من له دراية بالفلسفة وتاريخها – هي تلك الأهمية التي يحتلها مبحث الأخلاق من بين جملة القضايا الفلسفية الأخرى في الفكر أو العملية الفلسفية، وهو تقريبا قديم قدم هذا التفكير، إذ قبل أن تصاغ المسألة الأخلاقية نظريا وتناقش ويؤسس لها فلسفيا، مع القضايا الأخرى كالأنطولوجيا والمعرفة، كانت عبارة عن ممارسات عملية مباشرة، لذلك يعتبر علم الأخلاق العملي أسبق منه إلى النظري.

وفي حين بدأت قضايا المعرفة والعلوم وكذا الوجود، تأخذ مسارا استقلاليا عن الموطن الأم، الفلسفة، خاصة خلال القرن 19، بقيت الأخلاق والقيم عموما (الأخلاق، الفن، المنطق) وفية إلى موطنها ذاك؛ رغم بعض المحاولات الجادة التي حاولت أن تقلص ليس من أهميتها وفقط، وإنما من موضوعها وإلحاقها بمركب العلم والمنطق مثل محاولات أنصار الوضعية المنطقية الذين نصوا على أن يكتفي علم الأخلاق بتحليل لغته وعباراته لا أكثر، متخذين بذلك معيار التحقق الواقعي مبدأ  رئيسا للكشف عن صدق اللغة الأخلاقية من عدمه، فظهر ما يعرف بعد ذلك بـ: الميتا أخلاق. لكن قلنا إن هذه بعض المحاولات فقط وليس كلها، وإن كنا لا نستهين بمدى أثرها.

إلاّ أننا نعاود ونكرر، أن لمبحث القيم والأخلاق مكانتها الراهنة بين أظهرنا اليوم، كما كان في السابق، فهو الغائب الحاضر بقوة، وما هذا، إلا لأن مبحث الأخلاق بطابعه العملي والممارساتي يتعلق بالإنسان خصوصا، فهذا الأخير وما يعيشه من أزمات من فترة لأخرى تجعله يستحضر المسألة الأخلاقية بشدة. وما يلفتنا إلى هذا أكثر، هي مباحث الفلسفة عينها؛ ففي الفترة الأولى من تاريخ الفكر الفلسفي كان سؤال الوجود، المهيمن، وهذا ما تجسده نظرية أو مبحث الوجود، أما خلال القرن الثامن عشر إلى غاية القرن العشرين، فقد أخذ مبحث الابستمولوجيا أو المعرفة الاهتمام الأوفر، أما خلال وبعد القرن العشرين فلم يكن لسؤال الأخلاق والقيم من منازع.

ونحن هنا لا ننفي تداخل هذه المباحث فيما بينها في فترة معينة، فمثلا في العصر اليوناني نجد سؤال الوجود، كما نجد تأليفات جد مهمة في المعرفة وكذلك الأخلاق، وهذا الأمر عينه نجده في الفترة الحديثة؛ إذ نجد "كانط" مثلا، له مؤلفين عظيمين أحدهما في المعرفة (نقد العقل النظري) الآخر، (نقد العقل العملي) وهو في الأخلاق، هذا على غرار (نقد ملكة الحكم) في قيم الجمال والفن...

لكن ما نؤكد عليه دائما، هو السؤال المثار بشدة وبقلق وارتياب في كل لحظة من هذه اللحظات.

وبطبيعة الحال والمآل، فإنّ الفكر العربي ليس بمنأى عن هكذا حضور، وليس أدل على ذلك من السيولة التي تشهدها المكتبة العربية والساحة الفكرية العربية من عودة مكثفة لسؤال القيم، فتجدنا نتحدث عن محمد عزيز الحبابي، ومحمد أركون، ومحمد عابد الجابري، وأبو يعرب المرزوقي، وسيف الدّين عبد الفتاح، بما فيهم طه عبد الرحمن، كل أولئك كانت يد في إعادة إحياء السّؤال الأخلاقي ضمن السياق العربي الراهن.

    وإن كان مدار الرحى في هاته الورقة ينصرف إلى أحد تلك النماذج، أي المفكر المغربي طه عبد الرحمن، وبالضّبط نظريته الأخلاقية التي أرادها أن تكون مختلفة عما هو سائد من مفاهيم ونظريات في مجال الإيتيقا المعاصرة، فالسؤال الذي يطرح نفسه هاهنا؛ ما حدُّ الأخلاقية؟ وفيما تختلف عن غيرها من مفاهيم من قبيل القيم والأخلاق والأدب؟ وأيّ تلك المفاهيم قد يكون الأقرب إلة المجال التداولي العربي والإسلامي؟ وبما أنّ الأخلاقية تتجاوز المفهوم والمصطلح لتغدو بذلك نظرية وأنموذجا تفسيريا -على نحو ما سنرى-فما هي أركانها وكذا مسلماتها؟ وعلى العموم ما هي الإضافات التي تسهم بها هكذا نظرية إلى جانب النظريات الأخرى التي يزعم مفكرنا أنّ نظريته الأخلاقية جاءت على تقويمها وتسديدها؟ 

 أولا: القيم، الأدب، الأخلاق والأخلاقية جدلية مفاهيمية

لئن كان البحث الفلسفي أحد طريقين؛ ضبط تصور أو تبرير تصديق، فإنّ بحثنا هذا والذي يتناول تحليلا ووصفا لأحد أبرز مصطلحات الفيلسوف المغربي طه عبد الرحمن ونقصد به مفهوم "الأخلاقيّة"، فإنّ بحثنا يكون ضمن الطريق الأوّل، أي ضبط تصور، ما يُلزمنا الوقوف عند بعض المصطلحات والتي نحسبها تشكلّ عائلة مفاهيميّة واحدة من قبيل؛ القيم، الأخلاق، ثم الأخلاقيّة.

1/_ القيم VALEURS: جمع قيمة، وقيمة الشّيء لغة قدره، وقيمة المتاع ثمنه. إلا أنّ الثمن قد يكون مساويا للقيمة أو ناقصا عنها أو زائدا عليه، لذلك فالفرق بينهما، أنّ الثمن هو ما كان عوضا لقيمة الشّيء، أما القيمة فتطلق على كلّ ما هو جدير باهتمام المرء وغايته، وذلك لاعتبارات سيكولوجية أو اقتصادية أو اجتماعية أو أخلاقيّة أو جمالية...إلخ.

وقيمة الشّيء من الناحية الذّاتية:هي الصفة التي تجعل ذلك الشّيء مطلوبا ومرغوبا فيه عند شخص واحد أو طائفة من الأشخاص، فالنسب مثلا قيمة عالية عند الأشراف. وقيمة الشّيء من الناحية الموضوعيّة: ما يتميز به الشّيء من صفات تجعله مستحقا للتقدير كثيرا أو قليلا؛ فإذا كان مستحقا للتقدير بذاته كالحق والخير والجمال كانت قيمته مطلقة. وإن كان مستحقا للتقدير من أجل غرض معين كالوثائق التاريخية أو بعض الوسائل مثلا كانت قيمته اعتبارية.1

أما مصطلح القيمة في علم الأخلاق، فيطلق على ما يدل عليه لفظ الخير، بحيث تكون قيمة الفعل تابعة لما يتضمنه من خيرية، فكلّما كانت المطابقة بين الفعل والصورة الغائية للخير أكمل كانت قيمة الفعل أكبر، هاته الصور الغائيّة المرتسمة في الذهن تسمى القيم المثاليّة VALEURS IDEALESوهي الأصل الذي تبنى عليه أحكام القيم، أي الأحكام الإنشائية التي تأمر بالفعل أو بالترك2.

فالقيمة هي بذلك صفات قد ترتبط بالأقوال (أي المعرفة عبر قيمتي الصواب والخطأ)، والأفعال (الأخلاق عبر قيمتي الخير والشّر)، وكذا الأشياء (الفنون عبر قيمتي الجميل والقبيح)، وإن كان هذا تقسيما قد درجت عليه مختلف الدّراسات الفلسفيّة التاريخية، فإنه قد يعطي انطباعا سلبيا، أبرزه اقتطاع هاته المجالات أو الأبعاد أي المعرفية والأخلاقيّة والجمالية عن بعضها البعض، في حين أنه يمكن الحكم على ما هو قولي/ معرفي بقيمتي الخير والشّر، بل وقد يكون ما هو صوابا في المعرفة شرا من الناحية الأخلاقيّة، واسحب الأمر ذاته على الفنون، فما هو فني لا يمنع الحكم عليه بقيمتي الخير والشّر، وقد يكون ما هو جميل فنيا شرا من النّاحية الأخلاقيّة. لذلك نجد من الفلاسفة خاصّة في الفكر العربي المعاصر من لم يأخذ بهذا التقسيم الثلاثي للقيم وأن لم يكن هذا موضوع دراستنا.

كما نجد في مجال الممارسة الإسلاميّة المعاصرة من يعمل على مساءلة مفهوم القيمة قرآنيا على غرار المفكر الأردني فتحي حسن ملكاوي، وبسط القول في ذلك، معتبرا أنّ استخدام مصطلح "القيم" أولى من استخدامنا لمصطلح "الأخلاق"، فالقيم جمع قيمة وجذرها قَوَمَ وردت مشتقاتها في القرآن الكريم حوالي 659مرة؛ مثل: قام، وأقام، وقيوم، استقام، مستقيم، قيامة، قوم..."هذا كلّه دال على أنّ الكون كلّه قائم على نظام تتقوم به أشياؤه وظواهره وأنّ حياة الإنسان في الكون تتقوم بمنظومة من القيم تحدد تصوراته وعلاقاته وأعماله الظاهرة والباطنة"3.وأنّ مفهوم القيمة في القرآن الكريم يرتكز على أربعة مجالات من الدّلالة تتظافر في إعطاء القيمة الكلّيّة لدلالة القيمة في الاصطلاح القرآني:

-الوزن والفائدة والثمن والخيرية:فالأمر الذي لا قيمة له لا وزن له ولا فائدة فيه، أما الأمر الذي فيه قيمة فهو الأفضل والأكثر خيرا، يقول الله عز وجل: "أولئك الذين كفروا بآيات ربّهم ولقائه فحبطت أعمالهم فلا نقيم لهم يومالقيامة وزنا" الكهف: 105.

-الثبات والاستقرار والتماسك: لقوله تعالى: "أنّ المتقين في مقام أمين" الدّخان: 51.

-المسؤولية والرعاية: فالقائم على الأمر مسئول عن رعايته وإدارة شؤونه لقوله عز وجل: "الرجال قوّامون على النساء" النساء: 34. وقوله تعالى:"الله لا إله إلّا هو الحيّ القيّوم" البقرة: 52.

-الاستقامة والصلاح: يقول تعالى: "وأن لو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماء غدقا" الجن:16.

وما هو ملاحظ في التّراث الإسلامي أنّ مصطلح "قيم" كان مغيبا لصالح مصطلحات أخرى منها: الفضائل، والآداب، الأخلاق، الشمائل...، ويُرجع فتحي حسن ملكاوي ذلك إلى جعل الفلسفة الإسلاميّة، للتراث الفلسفي اليوناني مرجعا لها، في حين أنّ لفظ "قيم" أصيل في القرآن الكريم.

    أما عن علاقة المصطلحين الأخلاق والقيم ببعضهما البعض فيوضحه بقوله الآتي: "إذا كانت الأخلاق وصفا لسلوك الإنسان، فإنّ القيم معايير لتقويم هذا السلوك، فالإنسان سلك سلوكا أخلاقيا معينا، لأنه يتبنى قيما محددة"4فالقيم بذلك تختلف عن الأخلاق، في أنّ الأولى تكون بمثابة قواعد ومعايير، أما الثّانية فهي صفة تطلق على الأفعال والسلوكات، فكانت بذلك الأولى ميزانا للثانية.

2/-الأخلاق: لئن كانت القيم معاييرا للسلوك، ومحكمات لها، وإن كنّا نتحدث عن قيم الخير وقيم الشّر في الأخلاق، وقيم الصحيح وقيم الخطأ في المعرفة، وقيم الجمال وقيم القبح في الفنون. فإنّ الأخلاق هي صفة للأفعال والسلوكات الإنسانيّة، فنقول عنها أفعال محمودة لتخرجيها على مقتضى قيم الخير، أو نقول عنها أفعالا مذمومة لمجانبتها قيم الخير وتطرفها إلى قيم الشّر، فكان لفظ الأخلاق عامّا، فيه ما هو خير فيعلو بفاعله درجة، وفيه ما هو على خلاف ذلك فيدنو به درجة. عدا لفظ الأدب فهو مصطلح جامع ودال حصرا على الحسن والإيجابي والحميد من الأفعال. فقد جاء في "درر السلوك" لصاحبه الماوردي ما نصه: "اعلم أنّ الإنسان مطبوع على أخلاق قَلَ ما حُمدَ جميعها، أو ذُم سائرها، وإنّما الغالب أنّ بعضها محمود وبعضها مذموم. قال الشاعر: وما هذه الأخلاق إلا طبائع ... فمنهن محمود ومنهن مذمم"5

كما جعل الماوردي في ذات الكتاب عنوانا فرعيا وسمه بـــ "إصلاح الأخلاق المذمومة بالتأديب"، ما يعني أنّ هنالك من الأخلاق ما يحتاج إلى صقل وتهذيب بالتأديب، يقول "وليس يمكن إصلاح مذمومها بالتسليم إلى الطبيعة والتفويض إلى النحيرة، إلا أن يرتاض لها رياضة تأديب وتدريج، فيستقيم له الجميع، بعضها خلق مطبوع، وبعضها تخلق مسموع، لأنّ الخلق طبع وتكلّف. قال الشاعر؛

يا أيها المتحلي غير شيمته .... ومن سجيته الإكثار والمَلَقُ

عليك بالقصد فيما أنت فاعله.... إنّ التخلق يأتي دونه الخلق"6

ما نستخلصه من النّصّين السابقين للماوردي؛ أنّ الخلق والجمع أخلاق، منها ما هو في حالة الطبيعة دون تهذيب ومنها ما هو في حالة الثقافة على خلاف الأوّل، لذلك فهي لفظ جامع لخير الأفعال وشرها، عدا الأدب/ التأديب الذي يعد صناعة تنقل الأفعال من حالة الطبيعة إلى حالة الثقافة، فكان لفظا مخصوصا على الأفعال الحميدة. كما أنّ هنالك من الأخلاق ما هو طبيعي أو فطري في الإنسان، ومنه ما هو مكتسب بترييض النّفس وتأديبها، أو كما اصطلح عليه الماوردي بعضها خلق مطبوع، وبعضها تخلق مسموع.

أما ابن مسكويه فقد عَرَّفَ الخُلق بأنه: "حال للنفس داعية لها إلى أفعالها من غير فكر ولا روية"7وأنّ هذه الحال؛ منها ما يكون طبيعيا (أي خلقا أصيلا)، ومنها ما يكون مستفادا بالعادة والتدرب (أي مكتسب). وإن كان ابن مسكويه يميل إلى القول برأي ثالث جامع بين كلّا الموقفين السّابقين، أي فطرية الاستعدادات لاكتساب الأخلاق، بدل القول بالطبيعة أو الفطرة، لأنه لو فُطر المرء على شر فلا يمكن بذلك تغييره، وإلاَّ فما فائدة كلّ السياسات؟ _أي سياسة الذّات أو التربية_ وهو في ذلك يرد على الرواقيين الذين قالوا بالطبع والسجية، يقول: "وهذا الرأي الأخير هو الذي نختاره لأنا نشاهده عيانا، ولأنّ الرأي الأوّل يؤدّي إلى إبطال قوة التمييز والعقل وإلى رفض السياسات كلّها، وترك النّاس همجا مهملين، وإلى ترك الأحداث والصبيان على ما يتفق أن يكونوا عليه بغير سياسة ولا تعليم، وهذا ظاهر الشناعة جدا..."8ويتوسل ابن مسكويه بالقياس التالي: كلّ خلق يمكن تغييره

لا شيء مما يمكن تغييره هو بالطّبع

فلا خلق ولا واحد منه بالطبع9

أما ابن سينا في تساعيته الموسومة بــــ "تسع رسائل في الحكمة والطبيعيات" عرّف الخُلُقَ على أنه "هيئة تحدث للنفس الناطقة من جهة انقيادها للبدن وغير انقيادها له، فإنّ العلاقة بين النّفس والبدن توجب بينهما فعلا وانفعالا،... فتارة تحمل النّفس على البدن فتقهره، وتارة تسلم للبدن فيمضي البدن في فعله، فإذا تكرر تسليمه له أحدث ذلك في النّفس هيئة إذعانية للبدن حتى أنه يعسر عليه بعد ذلك ما كان لا يعسر قبل من مُمانعَته وكفه عن حركته، وإذا تكرر منعه له حدث في النّفس هيئة غالبة يسهل بذلك عليه من معاوقة البدن فيما يميل إليه ما كان لا يسهل قبل"10. فالخلق بالمنظور السينائي هو "هيئة" للإنسان، وقد يعلوا بصاحبه إلى درجات الملائكية أو يدنو به إلى دركات البهيمية بحسب غلبة النّفس الناطقة للبدن، أو العكس، أي استسلامها له، فإن هو أدرك سياسة نفسه بتغلب النّفس الناطقة كانت أخلاقة محمودة وخيرة، ومتى حدث تغلب البدن على النّفس، كانت أخلاقه ذميمة وشريرة.

وفي الرسالة الثامنة الموسومة بـــــ "العهد" –نسبة إلى معاهدته لله بتزكية نفسه وإخراجها من القوة إلى الفعل- ذكر ابن سينا "أنّكلّ إنسان مفطور على قوة بها يفعل الأفعال الجميلة وتلك القوة بعينها تفعل الأفعال القبيحة، والأخلاق كلّها، الجميل منها والقبيح، هي مكتسبة. ويمكن للإنسان متى لم يكن له خلق حاصل أن يحصله لنفسه ومتى صادفها أيضا على خلق حاصل أن ينتقل بإرادة عن ذلك الخلق والذي يحصل به الإنسان لنفسه الخلق ويكسبه متى لم يكن له... فإنّ الخلق الجميل إنّما يحصل عن العادة وكذلك الخلق القبيح... ولذلك إذا اعتدنا من أول أمرنا أفعال أصحاب الأخلاق الجميلة حصل لنا باعتيادها الخلق الجميل وإذا اعتدنا من أول أمرنا أفعال أصحاب الأخلاق القبيحة حصل لنا باعتيادها الخلق القبيح..."11.

وفي مقابلة بين لفظي "الأدب" و"الأخلاق"، هنالك من يعتقد أنه حدث انقلاب مفهومي بين كلا المصطلحين، فالأدب أخذت الحظ الوافر في التّراث العربي على حساب لفظ "الأخلاق"، من ذلك كتاب "الأدب الكبير" و"الأدب الصغير" لابن المقفع (ت 146ه/ 759م) و كتاب "السعادة والإسعاد" لأبي حسن العامري (381ه/ 296م). أما لفظ "الأخلاق" فلم يكن له في التّراث العربي المعنى المتداول اليوم، فقد كانت تدل على "مجموعة من السجايا أو الشيم أو الملكات النّفسية بحكم العادة أو الدربة، وتنقسم إلى الفضائل وإلى الرذائل". ما جعل تخريج الكتب الأخلاقيّة تدور حول هذه الفضائل وأضدادها12، أما المعنى الحالي للأخلاق فقد أخذ معنى "الأعمال التي تحقق السلوك الحسن لدى الجميع وتعمل على تصور القوانين الموجّهة لهذا السلوك". في حين أنّ الأدب كانت تدل فقط على "الحكم القصار والجمل التي تحث وتعبر عن المعاني الخلقيّة"13.لكن يمكن الحديث عن انقلاب مفهومي أكثر جذرية وخطورة تعرض له مصطلح "الأدب"، إذ"أنّ  كلّمة "أدب" التي تفيد أصلا السلوك الحسن، إنّ هذه الكلّمة قد تخصصت اليوم في الدّلالة على ذلك النوع من الإنتاج الفكري الذي يضم الشعر والرواية والقصة...إلخ، ولا تدل على "السلوك الحسن" إلا في الاستعمال اليومي الدارج"14.ممّا تم عرضه من مفاهيم عن لفظة "الأخلاق" في المجال العربي الإسلامي يمكن استخلاص التالي:

-أنّ مصطلح "الأخلاق" تم تصوره كصفات متقابلة في الإنسان، منها ما هو خير حميد، ومنها ما هو شرير قبيح. على خلاف لفظة "الأدب" التي لا تعكس سوى "ما هو حميد من الصفات".

-تصور الفلسفة العربيّة والإسلاميّة للأخلاق لم يخرج عن سياقه الفلسفي اليوناني؛ أي منها ما هو واقع تحت حكم العادة أو الفطرة، ومنها ما هو واقع تحت حكم التعود أو الدربة، كما لا حظنا مع ابن سينا، أو موفق بينهما كما هو الحال عند ابن مسكويه وكذا الماوردي.

وفي المجال التّداولي الغربي تتقاسم كلّمة "الأخلاق" كلّمتين إحداهما تضرب بجورها في اللّغة اليونانية وهي éthique(الأخلاقيّة)، والأخرى رومانية الأصل وهي morale(الأخلاق) ويجعل دومينيك لوكور من كلّمة "مورل" أخلاقا تحيل إلى السلوك الفردي، بينما كلّمة"إتيك" تحيل إلى القيم التي تخص المجتمع، وبعبارة أخرى "تنظم الأخلاق (مورل) فضاء الفضيلة الفردية، بينما تنظم الأخلاقيات (إتيك) فضاء القيم الاجتماعية"15. ولئن كانت الأخلاقéthiqueذات الأصل اليوناني "إيتوس"، ومورل moraleذات الأصل الروماني "مورس"، وهما يعكسان معنى واحدا: العادات الأخلاقيّة، إلا أنّه وفي النّصّف الثّاني من القرن العشرين كانت كلّمة "مورل morale" هي السائدة في الكتابات الفلسفيّة والأخلاقيّة، لكن في العقود الأخيرة تراجع استعمالها لصالح "إتيك" éthique16، ولعل السّبب الرّئيس هي القضايا الأخلاقيّة التي بات يعيشها الغرب حاليا والتي تتطلب منه التفكير في قيم مشتركة تدير فضاء الفضيلة العامّة نظرا لوحدة المصير، من هاته القضايا، أخلاق البيولوجيا والطب bioéthique، كأحد فروع الأخلاق التطبيقية éthique appliqué.    

من جانبها قدمت مونيك كانتو- سبيربير مقاربة مماثلة للسابقة، بين الأخلاق moraleوالأخلاقيّة éthiqueتقول: "يميل معنيا المفردتين الأخلاق والأخلاقيّة إلى التطابق بالنسبة إلى هذا التعريف العام، والصحيح أنّ الاستعمال الذي تقوم به في أيامنا قد ترك اختلافا في اللهجة بين التعبيرين: فتعبير الأخلاق moraleيشير غالبا إلى الإرث المشترك للقيم الكلّيّة الكونية التي تطبق على أفعال البشر... بالمقابل، فإنّ المفردة "الأخلاقيّة éthique" غالبا ما تستعمل من أجل أن تدل على ميدان أضيق هو ميدان الأعمال المتصلة بالحياة الإنسانيّة. بهذا المعنى فإنها بمنأى أن يعاب عليها أنها امتثالية أو "وعظية" كما يُعاب على كلّمة أخلاق morale"17.

3/- اعتراضات طه عبد الرحمن على المفاهيم السائدة عن الأخلاق:

"لعله ليس في أبواب الفلسفة المعاصرة باب حملت مفاهيمه وأحكامه

من مظاهر الاشتباه والاختلاط ما حمله باب الأخلاقيات"18

نجعل من هاته المقولة مسلمة أولية تكشف لنا مدى تهافت التّصوّرات والمفاهيم المجتزأة التي ألحقت بمفهوم الأخلاق من طرف فلاسفة كلا المجالين العربي والغربي؛ إذ لا ينكر طه أخذ فلاسفة العرب والمسلمين بالتعريف اليوناني الذي جاء به "جالينوس"، أي الخلق بما هو "حال للنفس داعية للإنسان أن يفعل أفعال النّفس بلا روية ولا اختيار" فكانت بذلك الفلسفة الإسلاميّة المنقولة عن اليونان ترى في الخلق"عبارة عن أحوال راسخة في النّفس رسوخ طبع أو رسوخ تعود، تصدر عنها أفعال توصف بالخير أو بالشّر" وبذلك أخذ مؤسس علم الأخلاق الإسلامي ابن مسكويه، ومجدد الفكر الأخلاقي الإسلامي أبو حامد الغزالي19.

إلا أنّ وجه التخبط الأكثر شراسة الذي أَلَّمَ بالمفاهيم الأخلاقيّة كان من لدن المعاصرين من الفلاسفة الذين ذهبوا مذاهب متباينة إلى حد التعارض، فلم يقع عندهم تصور سليم ولا جامع عن الأخلاق؛ فمنهم من يرى الخلق واقع موضوعي قائم في الفعل ومستقل عن الأحكام الذّاتية يعرف هذا الاتجاه بــ الواقعية الأخلاقيّة.    وعلى خلاف ذلك نجد موقف اللاّأدرية الذي يرى في الخلق "مجرّد حكم عن الفعل مبني على مواقف ومعتقدات ذاتية"، ومنهم من يرى فيه"مسألة تعبير عن رغبة ذاتية أو عاطفة شخصية" وهو الاتجاه الوجداني وهنالك من يرى فيه "صفة موضوعية تدركها الذّات إدراكا مباشرا بفضل شعورها الأخلاقي أي تحدسها" وهو الاتجاه الحدسي، وآخرون يرون في الخلق "مجرّد حكم معرفي -خبري- يحتمل أن  يكون صادقا أو كاذبا وأن يبرهن عليه كما يبرهن على الحكم غير الخلقي" وهذا ما نلتمسه من الاتجاه الطبيعاني، وآخرون يرون في الخلق ممارسة "تضبطه معايير كلّيّة ومطلقة يجري صدقها على النّاس جميعا من غير استثناء ولا تخصيص" وهو اتجاه الإطلاقية، وعلى خلافه نجد الاتجاه النسبي والذي يعتبر الخلق "مسألة عوامل ثقافية واجتماعية تاريخية بحيث ما يكون خلقيا بالنسبة لمجتمع معين قد لا يكون كذلك بالنسبة لمجتمع آخر يختلف عنه ثقافة وتاريخا"20

أما عن السّبب الرّئيس وراء هذا الاختلاف والتعارض أحيانا كثيرة، فمرده ليس إلى أنّ مجال الأخلاقيّات يندرج ضمن الدّراسات الإنسانيّة، وهي على خلاف الدّراسات الطبيعية، لا زالت تلتمس طريقها في وضع مفاهيم محددة ومناهج منضبطة، وإن كان هذا التفسير يحتمل ضربا من الصواب، لكنه يبقى غير كاف، إذ إنّ هنالك من المفاهيم في مجال الإنسانيّات ما هو أبلغ وأقوم، حال المفاهيم النّفسانية الخالصة.

ولا هو راجع إلى أنّ الأخلاقيات تنتسب إلى مجال المعنويات، وهي على خلاف الماديات، معارف مجرّدة لا يمكن ضبطها بالملاحظة أو التجربة أو الحساب، وإن كان هذا التفسير هو الآخر يحتمل ضربا من الصواب، إلاّأنه غير كاف أيضا، إذ إنّ هنالك من المفاهيم ما يعد أبلغ دلالة في مجال المعنويات، حال المفاهيم الميتافيزيقية الخالصة.  

بل يبقى السّبب الرّئيس والذي ارتضاه طه لنفسه، هو إنزال الفلاسفة الأخلاقيات في غير مجالها الأصيل بها، وهو مجال "الدّينيّات"، فهذا المجال يجمع إلى عنصري "الإنسانيّات" و"المعنويّات" عنصرا ثالثا وهو "الغيبيّات"، "وهكذا تكون أسباب الأخلاق موصولة بأسباب الدّين، حتى أنه لا حدود بيِّنة مرسومة بينهما"21

4/- التأصيل الطاهائي لمصطلح الأخلاقيّة: يبدي طه عبد الرحمن اعتراضه عن المفهوم المتداول للأخلاق في كلّا التّراثين اليوناني والإسلامي العربي، هذا المفهوم على نحو ما أسلفنا القول يرى في "الأخلاق مجرّد أفعال محدودة من أفعال الإنسان، فهي بذلك لا تدخل في ماهية الإنسان أو هويته، بقدر ما تدخل في تحديد جانب من سلوكه" يصفه طه بالباطل كلّيا22. ذلك أنّ مفكرنا يجعل من الأخلاق الفصل النوعي للإنسان فــــ "ما من فعل من أفعال الإنسان إلا ويقترن إما بقيمة خلقيّة عليا ترفع هذا الفعل درجة، فتزداد إنسانيّة صاحبه، وإما بقيمة خلقيّة دنيا تخفض هذا الفعل درجة، فتنقص إنسانيّة صاحبه، وهذا يصح حتى ولو كان الفعل مجرّد فعل ذهني، لا فعلا عينيا، فقد يريد الإنسان بهذا الفعل جلب خير أو دفع شر، فيرتقي به إلى أعلى، أو يريد به جلب شر أو دفع خير، فينحط به إلى أسفل، بحيث يكون الحد الفاصل بين الإنسان والبهيمية ليس هو، كما رسخ في الأذهان، قوة العقل، وإنّما هو قوة الخلق، فلا إنسان بغير خلق، وقد يكون العقل ولا خلق معه، لا حسنا ولا قبيحا، وهو حال البهيمة، ولو قل نصيبهما مع العقل مع نصيب الإنسان منه"23ما يعني أنّ الصفة الجوهرية اللصيقة بالإنسان ليست كما هو متوهم، صفة "العقلانيّة"، وإنّما هي "الأخلاقيّة"، فهي بذلك تقترن بالإنسان كلّه وليس بعضه، أي بكلّ ملكاته وجنباته، الجوانية والبرانية، النّظرية والعمليّة، بما فيها العقلانيّة كفعل نظري فهي الأخرى تعد صفة أخلاقيّة، وما يجعل العقل في المجال التّداولي الإسلامي والعربي ذو دلالة أخلاقيّة هو:

-الاشتقاق اللغوي لكلّمة "العقل": فقد جاء في لسان العرب لـ " ابن منظور" أن: العقل؛ الحِجْرُ والنهي، وهو ضد الحمق. والجمع عقول وعقل، فهو عاقل، وعَقول من قوم عقلاء، يقول ابن الأنباري: الرجل العاقل هو الجامع لأمره و رأيه، مأخوذ من عَقـَلْتُ البعيرَ إذا جمعت قوائمه. وقيل العاقل الذي يحبس نفسه ويردها على هواها أُخِذَ من قولهم؛ قد اعتقل لسانه، إذا حبس ومنع الكلّام. وسمي العقل عقلا، لأنه يعقل صاحبه من التورط في المهالك، أي: يحبسه24.ما نلاحظه في هذا التخريج اللغوي أنّ  العقل في اللّغة يأخذ معنىً أخلاقيا بالأساس لا معرفيا.

-إنّ العقل ليس جوهرا وإنّما فعل من الأفعال محله القلب: فالتّصوّر الأرسطي للعقل والذي انتقل إلى شعب المعرفة الإسلاميّة، أي العقل "عبارة عن جوهر قائم بالإنسان يفارق به الحيوان ويستعد به لقبول المعرفة"، إنّما على الحقيقة يخل بمعيار "تكامل الملكات الإنسانيّة"، فهو تعريف يقسم الإنسان إلى أقسام مستقلة ومتباينة، "ذلك أنّ تخصيص العقل بصفة الذّات يجعله منفصلا عن صفات أخرى للعاقل تشارك في تحديد ماهية الإنسان كالعمل والتجربة، فلو جاز التسليم بجوهرية العقل على طريقة اليونان، لجاز التسليم بجوهرية العقل وجوهرية العمل وجوهرية التجربة... ولا يخفى ما في القول بتعدد الذوات القائمة في الإنسان من مجانبة صريحة للصواب، ذلك أنه يتجاهل حقيقة وحدة الإنسان في تكامل أوصافه وتداخل أفعاله"25وما يدل على أنّ العقل فعل وليس جوهرا، ملابسته لجميع الأفعال الإنسانيّة، فالمبصر يبصر وهو يعقل في بصره، والسامع يسمع وهو يعقل في سمعه، والعامل يعمل وهو يعقل في عمله. أيضا، إنّ العقل يُحسن ويقبح كما تحسن وتقبح الأفعال، فيحسن إن سلك به صاحبه مسلك المعرفة الحقيقية، ويقبح إذا انحرف به عن جادة المعرفة واوقعه في الشبهات. إنّ العقل قابل للتحوّل والتغيّر حال الأفعال..26

هذا الموقف الذي أسّس له مفكرنا، يعد موقفا أصيلا وجريئا، أحدث به قطيعة مع كلّ التّصوّرات السابقة عن الإنسان كحيوان عاقل، وعن الأخلاق كمجرّد أوصاف وسلوكات، وعن العقل كجوهر مفارق للبدن ولباقي الملكات، هاته التّصوّرات حسبنا ليست إلا انعكاسا لرؤية بائسة عن الإنسان سببها افتقار القيمة، وهو ما عكف طه على مجابهته في مشروعه الأخلاقي بطرح بديل جديد أينظريته في الأخلاقيّة يقول: "والحال أنّ الأخلاق ليست كمالات، بمعنى زيادات لا ضرر لهوية الإنسان في تركها، وإنّما هي ضرورات لا تقوم هذه الهوية بدونها، بحيث إذا فقدت هذه الضرورات فقدت الهوية، وإذا وجدت الأولى وجدت الثّانية،... بحيث يتعين علينا أن نعتبرها بمثابة مقتضيات تدخل في تعريف هوية الإنسان   نفسها، ولن يتأتى لنا هذا إلا إذا جعلنا وجود الإنسان، لا متقدما على وجود الأخلاق، وإنّما مصاحبا لوجودها، وهو أمر ليس في علمنا أنّ أحدا من الأخلاقيين تفطن إليه وتكلّم فيه، والحاجة تدعو إلى إنشاء نظريّة أخلاقيّة يكون من أصولها الجمع بين شرط "الأخلاقيّة" وشرط "الإنسانيّة""27. فالأخلاقيّة التي ارتضى طه إلى تأسيسها، هي نظريّة أخلاقيّة في الإنسان، أو قل هينموذج ورؤية قيمية جامعة للإنسان، وليست مجرّد أخلاق كأوصاف للسلوك الظاهر.

إلا أنّ هذا التّصوّر القيمي للإنسان، ورغم دعوى مفكرنا أحقيته به وعدم أسبقية أحد عليه، تبقى ادّعاء لا ينفي عنه التماسه ولو ضمنيا من فلاسفة التّراث الإسلامي، وهو الضليع في هذا التّراث، فنجد ابن مسكويه في كتابه "تهذيب الأخلاق" قد أشار إلى ذات التّصوّر الطاهائي، شاهد ذلك قول ابن مسكويه "كلّ موجود من حيوان ونبات وجماد وكذلك بسائطها، أعني النار والهواء والأرض والماء وكذلك الأجرام العلوية، له قوى وملكات وأفعال بها يصير ذلك الموجود هو ما هو، وبها يتميز عن كلّ ما سواه، وله أيضا قوى وملكات وأفعال بها يشارك ما سواه. ولما كان الإنسان من بين الموجودات كلّها هو الذي يُلتمس له الخُلقُ المحمود والأفعال المرضية، وجب أن لا ننظر في هذا الوقت في قواه وملكاته وأفعاله التي بها يشارك سائر الموجودات، إذ كان ذلك من حق صناعة أخرى وعلم آخر يسمى العلم الطبيعي"28. وزاد عن ذلك أن جعل من علم الأخلاق أشرف الصناعات، لأنها ترتبط لا بما هو عرضي في الإنسان كالبدن الذي تعنى به صناعة الطب والعلم الطبيعي، وإنّما بما هو أصيل وجوهري فيه، أي الأخلاق، يقول: "لما كان للجوهر الإنساني فعل خاص لا يشاركه فيه شيء من موجودات العالم كما بيّنها فيما تقدم وكان الإنسان أشرف موجودات عالمنا... وجب أن تكون الصّناعة التي تعنى بتجويد أفعال الإنسان حتى تصدر عنه أفعاله كلّها تامة وكاملة بحسب جوهره ورفعه عن رتبة الأخس التي يستحق بها المقت من الله والقرار في العذاب الأليم أشرف الصناعات كلّها وأكرمها. وأما سائر الصناعات فمراتبها من الشّرف بحسب جوهر الشّيء الذي تستصلحه..."29.

ولما كانت الأخلاقيّة هي صورة الإنسان الملابسة له، فهي بذلك فطرية فيه فطرية خَلقِه، أي قياس الخُلقِ على الخَلقِ هي أحد أصول النّظرية الأخلاقيّة الطاهائية، مثل هكذا تخريج هو ما عرف في تراثنا بــــ المواخاة30، يقول طه "ولنكتف هنا بأن نذكر في إلماعة، على سبيل التمثيل، بعض العناصر التي تدخل في بناء هاته النّظرية الأخلاقيّة، أحدها أنّ الإنسان أصلا خَلِيقَة، وحدّ الخَلِيقةِ أن تكون في أنّ واحد خَلقًا وخُلُقًا، وكما أنّ الخَلقَ يمر بأطوار، فكذلك الخُلُق ينقلب في أحوال، وكما أنّ الخَلقَ يبدأ في غيب الأرحام قبل الخروج إلى عالم السلوك، فكذلك الخُلُق يبدأ في غيب هذه الأرحام قبل الدخول في عالم السلوك، يبقى الفعل الخَلقِي غير منفك عن الفعل الخُلُقي، لأنّ الإنسان يكون فيه مسؤولا بوجه من الوجوه، إن في الإتيان به أو في تركه أو في اختيار كيفية من كيفيات الإتيان به أو تركه، أو في السعي إلى الإتيان به أو في تركه، إن في القصد من وراء الإتيان به أو تركه، أو في استخدام نتيجة الإتيان به أو تركه...إلخ. يتلخص لنا من هذه الحقائق وأمثالها أنّ ضرورة الخُلُقِ للإنسان كضرورة خَلقِهِ، سواء بسواء، فلاإنسانيّة بغير أخلاقيّة..."31.ولا يعني هذا طبعا أنّ فطرية الخُلُق تنفي إمكانية تعديله وتجويده نحو الكمال دائما، بل إمكانية تخلّقه تبقى مستمرة استمرارية خَلقه وتقلبه في الخلق طورا بعد طور32.

هذا التّصوّر الطاهائي النابع من معين الرّؤية الإسلاميّة عن الإنسان يأتي على نقيض التّصوّرات العلمانية وكذا الدّهرانية عن الإنسان في النسق الغربي الحديث، فالعَلمانية لما كانت "فصلا للسّياسة عن الدّين" فقد ظلمت بفصلها هذا، الوجود الإنساني، وذلك بأن ضيّقت من آفاقه وجعلتها أفقا واحدا، وعوالمه الكثيرة عالما واحدا (أي حصر الوجود في مجرّد الحياة المدنيّة الدنيوية)، فإنّ الدّهرانية بما هي فصل الأخلاق عن الدّين، فقد "ظلمت ماهية الإنسان"، باعتبار الأخلاقيّة تجعل من الهوية الإنسانيّة هوية أخلاقيّة. ويرى طه أنّ   التّصوّرات التي تنازع الأخلاقيّة في تحديدها هذا هي كلّ من السّياسة والعقل، أي "الإنسان حيوان مدني أو سياسي" وإما "الإنسان حيوان عاقل أو ناطق"33، كتحديدين فلسفيين يونانيين، وأفضلية التحديد الأخلاقي على السياسي يتجلى في: أنّ السّياسة "عبارة عن التدبير الخارجي للشأن الإنساني" في حين أنّ الأخلاق "تنهض بالتدبير الخارجي والتدبير الداخلي للشؤون كلّها، عامها وخاصها، على طريقة غير الطريقة التي تتبعها السّياسة". أيضا إنّ السّياسة تطلب التَسيُّد على الآخرين، أما الأخلاق فتطلب برفع الهمة...

أما أفضلية التحديد الأخلاقي على العقلي فيكمن في: أنّ علاقة العقل بالأخلاق ليست علاقة التابع بالمتبوع، فمن الممكن أن تضبط الأخلاق عقليا بآليات العقل المجرّد، وهي صبغة إجرائية يستحيل فيها الإنسان إلى آلة. أما الأخلاق فمن شأنها أن تضبط العقل لأنّها توجهه نحو الأحسن دائما باعتبار الأخلاق قيما ومقاصد عليا، لذا فالعقل إذا ضبط الأخلاق فإنه ينزع عنها الصبغة الإنسانيّة، أما الأخلاق إذا ضبطت العقل فإنها تضفي عليه الصبغة الإنسانيّة، لذلك "كان وجود الأخلاق بغير "أجرأة" خير من وجود "أجرأة" بلا أخلاق"34.

ثانيا: الأخلاقية، مسلماتها وأركانها، وتطبيقاتها النقدية والتوجيهية بين التراثين الإسلامي والعربي:

لعله قبل الحديث عن مسلمات النظرية الأخلاقية وأركانها، ينبغي الوقوف أولا عن السّبب الكامن وراء تأسيس هذه النظرية كبديل عن النظريات الأخلاقية الأخرى التي عرفها التراث الإنساني، وبالتالي كونها رهانا أكثر فاعلية من أخرياتها النظريات تُخرج الإنسانية من العمى الأخلاقي الذي تعيشه في عصرنا الراهن، وعن هاته الأسباب نذكر؛ "الضّرر الخلقي لحضارة اللوغوس"، "التحول الأخلاقي المنتظَر"، "الفراغ الأخلاقي الإسلامي" نوجزها على النحو الآتي:

-مواجهة حضارة اللوغوس وآفاتها الأربع النقص والظلم والتأزم والتسلط، والتي تظلم الإنسان في صميم وجوده، والتي لا سبيل حتى لإصلاحها، ذلك أن الاصلاحات المتكاثرة لا تقاوم المد الشنيع للآفات الأخلاقية التي طبعت على الحضارة الغربية، ولا أدل على ذلك من إصلاح وإصلاح الإصلاحات التي تطبع المنظومة الأخلاقية الغربية، فلا يكادون يفرغون من إجراء هاته الإصلاحات حتى تطفو على السطح آفات ومضار ليس لهم سابق عهد بها. لذلك فلا بد من تغيير عميق وهذا لا يكون إلا بـــــ "أخلاق العمق"، تأسيسا لحضارة إنسانية جديدة لا تكون فيها السلطة للوغوس وإنما للإيتوس أي الخُلُق.

-التحول الأخلاقي الذي يشهده العالم على مستوى الفرد والمجتمع، ما جعل العالم في حاجة لنظام أخلاقي عالمي جديد، وهذا بعد ما فرغ العالم من وضع أنظمة في مختلف المجالات التجارية والسياسية والعسكرية والثقافية...، والـتأخر في وضع هذا النظام الأخلاقي مرده للتصور الذي يجعل من الأخلاق فرعا تابعا لا أصلا تتبعه تلكم الأنظمة.

-الغياب الكلي لمساعي تجديد الخطاب الأخلاقي الإسلامي، بما يجعل هاته الأخلاق تضاهي الفلسفات الأخلاقية الغربية الحديثة والمعاصرة35.

1/ مسلمات الأخلاقية

- مسلّمة الصفة الأخلاقيّة للإنسان "لا إنسان بغير أخلاق": في سؤال له: هل أصل الإنسان عقلي أم أخلاقي؟ يقيم طه اعتراضا على التحديد الأرسطي للإنسان، إذ لم يرَ أرسطو في الإنسان شيئا يميزه عن النّفس الحيوانية والنّفس النباتية إلا القوة العاقلة أو الناطقة، ومنه فالعقل هو خاصّة إنسانيّة حصرية على بني البشر، إنه الجوهر، ولا شك في أنّ التعريف الجامع المانع للإنسان كمفهوم هو اعتباره "حيوانا عاقلا" لكن ما دلالة ذلك عند طه عبد الرحمن؟

يبدأ طه بعرض ما يسميه (جهلا) يتخبط فيه الإنسان الذي يزعم العقلانيّة، وهو جهل أخلاقي لا معرفي طبعا، إنه جهل تتجسد معالمه في "تقديم قليل النفع على كثيره، وربما تقديم صريح الضرر على صريح النفع"، هذه الصورة التي ينجم عنها ضرر الإنسان بمقصوده، تجعله ينزل بمستواه من رتبة الإنسانيّة إلى درك البهيمية، متحججا بأنه يدفع نفسه إزاء العقلانيّة. حتى إنّ الإنسان كلّما أبدى محاولات جادة في استحداث شيء ما، معتقدا في كماله، ما لبث أن يتأذى به بوجه من الوجوه، ثم يذهب إلى إصلاحه بنفس منطلقات العقلانيّة التي استحدثت بها ذلك الأمر في أولى بداياته غير مبالٍ بانقلاب المنفعة التي كان يرجوها منه إلى مضرة لم تكن في حسبانه، ثم لا يكاد يفرغ في هذا الإصلاح، حتى تظهر أسباب أخرى فيها أذى، ويبقى هكذا دواليك36.

كما أنّ منهم من يحاول قلب الحقيقة وينسب للعقل ما ينسب للجهل، ويعتبرأنّ ميزة العقل الإنساني أنه لا يملك اليقين بنفع لا ضرر فيه، ولا بصواب لا خطأ معه؛ أي أنّ العقل لا يراعي مبدأ الصلاح والأنفع في الأخلاق والمعرفة، ولا الضار كذلك، فما يعتقده العقل يقينا لا يعني أن يصرفه عن الوقوع في الضرر أو الخطأ، وهذا بالضبط ما يعتبره طه عبد الرحمن "قوة إدراكية تتمتع بها البهيمة؛ فالبهيمة لا تهتدي إلى أغراضها إلا بعد محاولات متتالية تخطئ فيها أكثر مما تصيب، وحتى إذا أصابت فلا تضمن لنفسها أنها لا تعود إلى الخطأ مرة ثانية"37.

ولما كانت العقلانيّة ليست حدا فاصلا بين الإنسان والحيوان، فما الذي يمتاز به الإنسان عن البهيمية؟ يرشدنا إليه طه عبد الرّحمن بقوله: "وجب أن يوجد هذا الحد الفاصل في شيء لا ينقلب بالضرر على الإنسان من حيث أراد الصّلاح في الحال والفلاح في المآل، ولا يقع الشك في نفعه متى تقرّر الأخذ به ولا في حصول الضّرر متى تقرر تركه، وليس هذا الشّيء إلا مبدأ طلب الصّلاح نفسه، وهو الذي نسمّيه باسم الأخلاقيّة".38لكن كيف هذا يا ترى؟ "فالأخلاقيّة هي وحدها التي تجعل أفق الإنسان مستقلا عن أفق البهيمة، فلا مراء في أنّ البهيمة لا تسعى في الصلاح إلى سلوكها كما تسعى إلى رزقها مستعملة في ذلك عقلها؛ فالأخلاقيّة هي الأصل الذي تتفرع عليه كلّ صفات الإنسان من حيث هو كذلك، والعقلانيّة التي تستحق أن تنسب إليه ينبغي أن تكون تابعة لهذا الأصل الأخلاقي"39.

- مسلّمة الصفة الدّينية للأخلاق "لا أخلاق بغير دين": وهي الأخرى تأتي على نقيض أخلاق الحداثة الغربية وتوجهاتها العلمانية والنّاسوتية (أي النزعة الإنسانيّة التي تحل الإنسان محل الإله كمصدر للقيم). فقد أقدم طه على تفنيد التّصوّرات الثلاث لعلاقة الأخلاق بالدّين التي أقامها العقل الغربي على طول تاريخه الفلسفي والأخلاقي، وهي "تبعية الأخلاق للدين"، "تبعية الدّين للأخلاق"، "فصل الأخلاق عن الدّين".

-تبعية الأخلاق للدين: نلتمس هذا التّصوّر عند القديسين أوغسطين وتوما الإكويني اللذان تقرر عندهما أنه لا أخلاق بغير إيمان، وينبني هذا التّصوّر أساسا على عقيدتين: "الإيمان بالله" كسبب موصل للحياة الطيبة وتوريث أخلاق المحبة والرجاء. و"إرادة الإله" التي يتم بموجبها تلقي الأوامر الإلهية فتلزم المؤمن إتيانها أو الانتهاء عنها بموجب الأمر الإلهي، هذا الالتزام يضمن للمؤمن السعادتين؛ الدنيوية والأخروية. وعلى وجاهة هذا الموقف كما يعتقد طه إلا أنّ   العقل الغربي لا يسعه تقبل هكذا اعتقاد.

فالإيمان بالله: يعتبرونه جنسا من الفكر الأسطوري الذي تجاوزه العقل الغربي بعد تجاوزه للفكر اليوناني.

أما الأمر الإلهي: فما لبث أن وقع في شبهات منها، "هل الخير خير لأنّ الإله أمر به، والشّر شر لأنّ الإله نهى عنه، أم العكس من ذلك، هل الله أمر بالخير لأنه خير ونهى عن الشّر لأنه شر؟"، فالتساؤل الأوّل يجعل من الله معيار ما هو خير وما هو شر، أما الثّاني، فيجعل من الخير والشّر صفتان موضوعيتان لا دخل للإرادة الإلهية في تحديدهما، مع العلم أنّ كلّا التّصوّرين يوقعان المؤمن في تخبط يشككه في إرادة الإله.

-تبعية الدّين للأخلاق: يرجع هذا الاعتقاد لرائد الفكر التنويري الفيلسوف الألماني إيمانويل كانط 1724- 1804، الذي بنى معالم فلسفته الأخلاقيّة على رفض نظام الشعائر الدّينية واعتبرها طقوسا لا عقلانيّة، والتزم من الدّين بَاطِنَه، زيادة على رفضه للإلزام الأخلاقي الصادر من خارج الذّات الإنسانيّة، بما في ذلك الأمر الإلهي، ذلك أنّ شعار الأنوار يقضي اتباع نداء العقل دون سواه، فالعقل هو المشرّع الوحيد لامتلاكه كلّ المؤهلات التي تخوّله لتأسيس أخلاق مستقلة. حتى وإن تم قبول القيم الأخلاقيّة الدّينية، فذلك لموافقتها قيم العقل، وما يتنافى والقيم العقلية جاز نعته بالخرافات ورميه في سلة الخزعبلات، ما يعني جعل العقل أصلا والدّين تابع له تبعية الفرع للأصل. ويبقى وجه الاعتراض الطاهائي على التّصوّر الكانطي في أنّ هذا الأخير، بشعور منه أو بغير شعور، أخذ الأخلاق الدّينية وأعطاها لبوسا عقلانيا مُعلمنا، بطريقين، طريق المبادلة وطريق المقايسة.

-انفصال الأخلاق عن الدّين: يعود هذا الاعتقاد للفيلسوف الانجليزي "دفيد هيوم" صاحب المبدأ الأخلاقي الشهير "لا وجوب من الوجود"، فهيوم كما أخبر عن نفسه في كتابه "رسالة في الطبيعة البشريّة"، قد لاحظ أنّ الأخلاقيين في مناقشتهم لقضايا إخبارية تقريرية سرعان ما ينتقلون إلى إعطاء أحكام معيارية، وأنّ هذا الانتقال لا مبرر له نهائيا، إذ لا يجوز الانتقال من قضايا خبرية قائمة على رابطتي "يوجد" أو "ليس يوجد" إلى أحكام معيارية "يجب" أو "ليس يجب". كقول القائل: "في العلم منفعة للإنسان، فطلب العلم واجب"، فالقول إنّ "في العلم منفعة" قضية خبرية استلزم عنها "وجوب طلب العلم" وهي قضية معيارية، وهو ما رفضه هيوم، ما يعني أنه أوّل من أسس لفصل الأخلاق.

ومن أوجه هذا الفصل، تمييز هيوم بين القضايا التي تخبر عن الإله، والقضايا التي تخبر عن الإنسان. وهو ما انبنى عنه: "إخراج الأحكام الدّينية عن الأحكام الأخلاقيّة" لأنّ الأولى خبرية والثّانية معيارية، و"عدم صلاحيّة الأحكام الدّينية في تأسيس أحكام أخلاقيّة". لكن ما غاب عن دفيد هيوم، ليس الغرض من الخبر الدّيني التبليغ عن معلوم معين وإنّما الحث على الاعتبار بهذا المعلوم. الخبر الدّيني ليس خبرا علميا بل خبر عملي، أي ليس خبرا ليُعلِم النّاس وفقط وإنّما إرشادهم.40

2/ أركان الأخلاقية

تنبني النّظرية الأخلاقيّة على ثلاثة أركان، يأتي كلّ ركن منها على مسلمة من مسلّمات النّظري الأخلاقيّة غير الإسلاميّة فيُقوّمَها، وهي: الكونية، والعمقية والحركية.

-الكونية واجتماع العقل بالشّرع: ويعبر طه عن هذا الركن برمزية "الميثاق الأوّل" وهو اتفاق أو عهد تم بموجبه الوصل بين ذي العقل أي الإنسان   بذي الشّرع وهو الله عزّ وجل، مضمون هذا الاتفاق أنّ ما يدركه صاحب العقل هو عين ما يقره صاحب الشّرع، فيتعهد الإنسان بأن يكون عقله موافقا للشرع مخالفا للهوى، يعكس هذه الحقيقة النّصّ القرآني في قوله تعالى: "وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذرياتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى" [الأعراف: 172]. فهذا الميثاق نص على غاية الله من خلقه للإنسان وهي "العبادة" وتخلق الإنسان في هاته الحياة مرهون ببلوغه هاته الغاية كدليل التزام ووفاء بالعهد.

رمزية الميثاق تعكس حقائق ثلاث عن الأخلاق الإسلاميّة: أنها أخلاقا مُؤسَّسَة، أي تأسيسها من طرف الإله وليس العقل، فهذا الأخير فقير إليها، لذا كان  هو من يطلبها لكي يكمل ويستقيم، فيرجع التأسيس لما هو أعلى رتبة من العقل، ولما هو مستغنٍ بنفسه لئلا يقع الانقلاب على هذا العهد، وهكذا "يتبين أنّ الأخلاق -والقول لطه-لا يمكن أن تقوم على ميثاق يحصل بين البشر وحدهم ولا بالأحرى بين البشر وما دونهم، لأنّ هذا الميثاق لا ضمان فيه، لأنّ العقل البشري لا يفتأ يتقلب ويتلون... والضامن الصحيح لا يكون إلا مع الثّبات الدّائم، وهذا الثبات بالذّات هو الذي يميز الميثاق الذي يكون فيه الشّارع الإلهي طرفا متفضلا". أما الحقيقة الثّانية، أنها أخلاق متعدية إلى العالم كلّه: فهي لا تخص صلاح فرد معين ولا جماعة أو أمة معينة بل البشريّة جمعاء، وذلك بموجب الميثاق الذي يحمله كلّ واحد فينا حتى غير المؤمن، وإن أنكِر هذا الميثاق فإنه لا يمكن أن ينكَر حقيقة حمله له41. أما ثالث الحقائق، أنها أخلاق شاملة لكلّ أفعال الإنسان بمعنى تغطيتها وملابستها لكلّ أفعاله الظاهرة والباطنة، النّظرية منها والعمليّة. "ومجمل القول في الميثاق الأوّل أنه يورث الإنسان أخلاقا مؤسسة ومتعدية وشاملة، مما يجعلها أنسب أخلاق للعالم المنتظر، وبيان ذلك، أنها وبفضل أساسها الإلهي، تجلب الثقة في هذا العالم؛ وبفضل تعدّيها من بعض أفراده إلى الباقي فإنها تسوي بين حقوقهم وواجباتهم؛ وبفضل شمولها لجميع الأفعال، فإنها تحفظهم من ظلمهم لأنفسهم أو ظلم بعضهم لبعض؛ وبهذا، تكون أخلاق الميثاق هي الأخلاق الكونية بحق وليس سواها"42.   

-العمقية واجتماع العقل بالقلب: يجعل طه من حادثة "شق الصدر" رمزية تعكس مدى عمق الأخلاق الإسلاميّة، بمعنى إصلاح جذري يطال القلب وليس مجرّد توجيه ظاهري للأفعال، والإنسان الذي تحقق له التخلق الجذري هو الرسول صلى الله عليه وسلم، لذلك استحق لقب "الخلق العظيم"، لذا يعد نموذجا لأي إصلاح قلبي، كما ليس على الإنسان أن يُصلح ذاته بمفرده خشية أن يتصور له الهوى على شكلّ تخلق، وإنّما يلزمه مُطهِّر أقدر على ذلك، مثلما لزم لتطهير النبي صلى الله عليه وسلم جبريل عليه السلام. وتعكس هاته العمقية بدورها حقائقا ثلاث: أنها أخلاق تطهير أي إخراج ما في القلب من الهوى إلى العقل. أنها أخلاق تأهيل، فمثلما أنّ عمليّة شق الصدر والتطهير الذي حبي به رسولنا الكريم كانت إعدادا له لتلقي أمر جلل، وهو الوحي والرسالة، فكذلك الأخلاق الإسلاميّة تطهر قلب المُتَخلق وتزكيه، فلا تجعله كما يعتقد في القلب محل عواطف وانفعالات وأهواء، بل يصير محلا للعقل، ليعقل رسالته في الوجود. أنها أخلاق تجديد فالذي تطهر قلبه وأصلحه وأزال العلقة التي تحول بين قلبه وتخلقه، يكون إنسانا مجددا لحياته، ولا تجديد إلا بتغيير جذري عميق يطال ما به يصلح الأصل والفرع، الباطن والظاهر، أي القلب.43

-الحركية واجتماع العقل بالحس: يجعل طه من "تحويل القبلة" رمزية على حركية الأخلاق الإسلاميّة فكلّ من القبلة والكعبة رمزان حسيان، أي الجهة والمكان، زد على ذلك معانيهما الأخلاقيّة الجليلة، وهي معان معنوية عقلية، فالعقل الذي شهد زواجه بالشّرع يوم الميثاق الأوّل، وأكمل هذا الزواج يوم حادثة شق الصدر، جعل - أي العقل الشّرعي- له مكانا وجهة يختارها، وهذا يوم تحول القبلة من بيت المقدس إلى مكّة المكرّمة، وهو أسمى تكامل شهده العقل بالحس. رمزية تحويل القبلة يعكس هو الآخر حقائق ثلاث عن الأخلاق الإسلاميّة: أنها أخلاق إشارية: أي تنطوي على دلالات أبعد من الحس والعقل، هاته الحقيقة نلتمسها على نحو أكثر في الصلاة، فإشارة التوجه صوب القبلة فيها أجلى معاني التنزيه الإلهي، فالله لم يتجل للجبل كما هو الحال في الطور الموسوي، ولا كان كلّمة في الرحم في الطور العيسوي، كطورين حسيين، لذا فالطّور المحمّدي لا يجعل من القبلة أو الكعبة كغاية، "فما من شيء حسي يجوز أن نتعبد به إلا ويجب أن نسلك فيه طريق الإشارة، أي أن نخرجه من ظاهره الحسي إلى باطنه المعنوي".أنها أخلاق انفتاحية: فتسمية القبلة كان لخاصيتين، "الاستقبال" أي الجهة التي يستقبلها المصلي، و"المقابلة" أي الجهة التي تواجه المصلي ويواجهها، وفي ذلك انفتاح لكلّا الطرفين عن بعضهما، بخروجه عن ذاته صوب المتوجه إليه، ويزاد انفتاح المتعبّد كلّما ازدادت واجباته، مع العلم أنّ المتوجه إليه حسا هو البيت، وعقلا هو الله عز وجل، فيزداد بتوجهه ذاك أدبا. أنها أخلاق اجتماعية: فالقبلة مركز اجتماع المسلمين، وهو بدوره اجتماع ذو دلالتين: أنها الوجهة التي يستقبلها أهل الميثاق بوجوههم. وأنها الوجهة التي تجمع أصحاب الاستطاعة من أهل الميثاق. والاجتماع الحسي يذكرهم بالدّلالة الغيبية، وهو اجتماعهم على الميثاق الأوّل في عالم الغيب44.

    أما عن تطبيقاتها النقدية والتوجيهية في المجال التداولي الإسلامي، فتأتي كتوجيه للتقسيم القيمي الذي ورثه العقل الإسلامي من علماء المقاصد، فلئن كان"الصلاح" من المفاهيم الجوهرية للأخلاقية –مثلما تقدم- فإن علماء المقاصد قد التبس عليهم مفهوم المصالح، فحملوه على المعنى المادي،أي المصلحة، لا بمعناه المعنوي "الصلاح"، وعلى هذا الأساس جعلوا الأخلاق ضمن المقاصد التكميلية لا الضرورية، ما حمل طه على إعادة النظر في ذلك التقسيم، وذلك على النحو التالي: فأبدع تقسيما بديلا يأخذ بعين الاعتبار حقائق ثلاث: "عدم حصر الأجناس المصلحية في خمسة"، "نزول هذه الأجناس منزلة القيم الأخلاقيّة"، "دخول مكارم الأخلاق في جميع المصالح" وهي:

-قيم النفع والضرر أو المصالح الحيويّة: وهي المعاني الأخلاقيّة التي تتقوم بها كلّ المنافع والمضار التي تلحق عموم البنيات الحسية والمادية والبدنية، ويكون الشعور الموافق لهذه المعاني هو اللذة عند حصول النفع أو الألم عند حصول الضرر؛ وتندرج في هذه القيم المصالح المتعلقة بالنّفس والصحة والنسل والمال.

-قيم الحسن والقبح أو المصالح العقليّة: وهي المعاني الأخلاقيّة التي تتقوم بها المحاسن والمقابح التي تعرض لعموم البنيات النّفسية والعقليّة، ويكون الشعور الموافق لهذه المعاني هو الفرح عند حصول الخير والحزن عند حصول الشّر، والمصالح المندرجة تحتها أكثر من أن تحصى مثل؛ الأمن والحرية والعمل والسلام والثقافة والحوار...

-قيم الصلاح والفساد أو المصالح الروحيّة: وهي المعاني الأخلاقيّة التي تتقوم بها كلّ المصالح والمفاسد التي تطرأ على عموم القدرات الروحيّة والمعنوية ويكون الشعور الموافق لهذه المعاني هو السعادة عند حصول المصلحة والشقاء عند حصول الفساد، ويدخل في هذا الصنف الجوانب الروحيّة للدين مثل: الإحسان والرحمة والمحبة والخشوع والتواضع45

نتائج ختامية

على نحو ما تقدم يبقى التأكيد على أنّ "الأخلاقية" ليست مجرد مصطلح أو مفهوم بل هي نظرية أخلاقية ومقولة تفسيرية سعى من خلالها صاحبها طه عبد الرحمن إلى تقديم تصور أنثروبولوجي للإنسان، ليس بما هو حيوان عاقل ولا بحيوان مدني أو اجتماعي بل هذه المرة ككائن أخلاقي. وهو تصور متكامل يأتي على نقيض المنظومات المعرفية الاختزالية، التي تشتغل وفق آلية "تفريق المجموع" أو "فصل المتصل"، أي فصل الأخلاق عن الدّين.  إن الأخلاقية لا ترى في الإنسان بعده العقلاني المحض (الفلسفات المثالية) المدني/السياسي (أرسطو)، أو المادي (ماركس وفرويد)، بل تقوم على تصور تكاملي ينعكس على ملكات الإنسان كما ينعكس على منتجاته المعرفية والسلوكية، من ذلك تقويم العقلانية بصورتها الغربية، الإغريقية القائمة على التصور الجواهرني للعقل أو الحديثة ذات التصور المادي والسلبي له تحت ادعاء الموضوعية العلمية، إضافة وإلى تقويمها للنموذج المعرفي الذي ورثه الإنسان المعاصر من التجربة الحداثية. حتى التجربة التراثية الإسلامية أعاد تقويمها وفق ما تقتضيه مسلمات وأركان الأخلاقية، ذلك أنّ للتراث الإغريقي القائم على التصور الجوهراني للعقل كان له مداخل هو الآخر على المنظومة التراثية الإسلامية بشقيها المعرفية الفلسفية وكذا الفقهية اللاّهوتية، كل ذلك محاولة من مفكرنا تدشين الإنسان الكوثر الموصول ببعده الميتافيزيقي الخلاّق تجاوزا للإنسان الأبتر الذي نعدم فيه هكذا وصل.

وشأن الأخلاقية أن تعيد إحياء الأخلاق إنطلاقا من مصدرها اللائق بها، أي المصدر الدّيني، كبديل عن مصادر التشريع الأخلاقي الأخرى التي عرض عليها طه بالنقد في كتابه "بؤس الدّهرانية"، نقصد هاهنا، المصدر العقلي بصيغته النقدية الذي يمثله الالماني إيمانويل كانط، والطبيعي بتمثيل الفرنسي روسو والإجتماعي الذي يمثله الفرنسي الآخر دوركهايم، والناسوتي الذي يمثله مواطنهما لوك فيري.

1.جميل صليبا، المعجم الفلسفي، ج2، دط، (دار الكتاب اللبناني)، بيروت، 1982، ص ص 212، 213.

2.المرجع نفسه، ص 213.

3.فتحي حسن ملكاوي، "التأصيل الإسلامي لمفهوم القيم"، مجلة اسلامية المعرفة، (المعهد العالمي للفكر والحضارة الإسلامية فرجينيا_الو م أ)، العدد 54، السنة 4، خريف 2008، ص ص 12، 13.

4.المرجع نفسه، ص 11.

5.أبي الحسن علي بن حبيب الماوردي، درر السلوك في سياسة الملوك، ط1، تحقيق: فؤاد عبد المنعم أحمد، (دار الوطن للنشر)، الرياض، 1997، ص 56.

6.المرجع نفسه، ص ص 56، 57.

7.أبو علي احمد بن محمد بن مسكويه، تهذيب الأخلاق: في التربية، ط1، (دار الكتب العلميّة)، بيروت، 1985، ص 26.

8.المرجع نفسه، صفحة نفسها.

9.المرجع نفسه، ص 28.

10.أبو علي ابن سينا، تسع رسائل في الحكمة والطبيعيات، ط2، (دار العرب للبستاني)، القاهرة، دت، ص ص 109، 110.

11.المرجع نفسه، ص 146.

12.يُصطلح عليه كذلك بــ "الأخلاق المتقابلة" مثل ما أورده الماوردي في كتابه "درر السلوك في سياسة الملوك" في عنوان فرعي: الأخلاق المتقابلة في الملوك عدها في أربعة إيجابية تقابلها أربعة سلبية، مثنى مثنى؛ الرقة والرحمة تقابلها القسوة والغلظة، السماحة والعطاء تقابلها البخل والإمساك. ص ص 77-80. 

13.رضوان زيادة وكيفن جي أوتول، صراع القيم بين الإسلام والغرب، دط، (دار الفكر)، دمشق، 2001، ص ص 100، 101.

14.محمد عابد الجابري، قضايا في الفكر المعاصر، ط1، (مركز دراسات الوحدة العربية)، بيروت، 1997، ص 64.

15.نقلا عن المرجع نفسه، صفحة نفسها.

16.نقلا عن المرجع نفسه، صفحة نفسها.

17.مونيك كانتو- سبيربير و دوفين آديجان، الفلسفة الأخلاقية، تر: جورج زيناتي، ط1، (دار الكتاب الجديد المتحدة)، 2008، ص 07.

18.عبد الرحمنطه، سؤال الأخلاق: مساهمة في النقد الأخلاقي للحداثة الغربية، ط1، (المركز الثقافي العربي)، الدار البيضاء-المغرب، 2000، ص 15.

19.عبد الرحمن طه، تجديد المنهج في تقويم التراث، ط2، (المركز الثقافي العربي)، الدار البيضاء-بيروت، ص 381.

20.سؤال الأخلاق. ص 15،16.

21.المصدر نفسه. ص ص 24، 25.

22.عبد الرحمن طه، سؤال المنهج: في أفق التأسيس لأنموذج فكري جديد، ط1، (المؤسسة العربية للفكر والإبداع)، بيروت، 2015، ص 72.

23.المصدر نفسه، صفحة نفسها.

24.أبي الفضل جمال الدين محمد بن مكرم ابن منظور، لسان العرب، المجلد 11، ط1، (دار الصادر)، بيروت، ص ص 460 –462.

25.سؤال الأخلاق، ص ص 62، 63.

26.المصدر نفسه، ص 63.

27.المصدر نفسه، ص 54. 

28.ابن مسكويه، تهذيب الأخلاق، ص 10.

29.                  المرجع نفسه، ص ص 30، 31.

30.تأمل قول أبو سعيد السيرافي فيما نقله عنه التوحيدي، والذي لا يستبعد أنّ يكون مفكرنا قد استلهمه من ذات التراث، يقول: "الحِلمُ مشارك لمعنى الحُلُم، فصاحب الحِلمِ هو من يعرض عما يرى ويسمع كالحَالِمِ، واللفظ إذا واخى اللفظ كأنّ معناه قريبا من معناه، وهذا الخَلقُ والخُلُق، والعَدلُ والعِدلُ، وسست الرجل وسست المرأة". نقلا عن جمال الغيطاني، خلاصة التوحيدي: مختارات من نثر أبو حيانّ التوحيدي، (المجلس الأعلى للثقافة)، 1995، ص 55.

31.سؤال الأخلاق،ص ص 54، 55.

32.تأمل قول أبي حامد الغزالي: "لقد ظن المائلين إلى البطالة أنّ الخُلُق كالخَلق فلا يقبل التغيير والتفت إلى قوله عليه السلام فرغ الله من الخَلقِ وظن أنّ المُطمِعَ في تغيير الخلق طمع في تغيير خَلق الله عز وجل وذهل عن قوله عليه السلام: "حسنوا أخلاقكم" وأنّ ذلك لو لم يكن ممكنا لما أمر به، ولو امتنع ذلك لبطلت الوصايا والمواعظ والترغيب والترهيب..." ميزانّ العمل، ص 45. هذا القول هو الآخر يجعلنا نعتقد أنّ أبا حامد الغزالي أخذ بذات التوليد الاشتقاقي الذي مارسه مفكرنا طه عبد الرحمن مع مفهوم الأخلاقية.

33.عبد الرحمن طه، بؤس الدهرانية: النقد الائتماني لفصل الأخلاق عن الدين، ط1، (الشبكة العربية للأبحاث والنشر)، بيروت، 2014، ص 109.

34.المصدر نفسه، ص 110.

35.سؤال الأخلاق.ص ص 145، 146. 

36.المصدر نفسه، ص 13.

37.المصدر نفسه، الصفحة نفسها.

38.المصدر نفسه، ص 13.

39.المصدر نفسه، ص 14.

40.المصدر نفسه،ص ص 31-50.

41.ذلك أنه آية تكوينية، وهو وإنّ كابر وأنكر الشرع كآية تكليفية، فإنه من جهة خَلقه كآية تكوينية يبقيه في علاقة مع ربه، لذا فله ما يربطه بالميثاق.

42.المصدر نفسه، ص 157-160.

43.المصدر نفسه، ص ص 160-164. 

44.المصدر نفسه، ص ص 164-167. 

45.المصدر نفسه، ص ص 113، 114.  

@pour_citer_ce_document

حيدر العايب, «النّظرية الأخلاقية عند طه عبد الرحمن »

[En ligne] ,[#G_TITLE:#langue] ,[#G_TITLE:#langue]
Papier : ,
Date Publication Sur Papier : 2017-12-13,
Date Pulication Electronique : 2017-12-13,
mis a jour le : 17/10/2018,
URL : https://revues.univ-setif2.dz:443/revue/index.php?id=2360.