الأدب المقارن بين المدرستين الفرنسية والأمريكية
Plan du site au format XML


Archive: revues des lettres et sciences sociales


N°01 Avril 2004


N°02 Mai 2005


N°03 Novembre 2005


N°04 Juin 2006


N°05 Juin 2007


N°06 Janvier 2008


N°07 Juin 2008


N°08 Mai 2009


N°09 Octobre 2009


N°10 Décembre 2009


N°11 Juin 2010


N°12 Juillet 2010


N°13 Janvier 2011


N°14 Juin 2011


N°15 Juillet 2012


N°16 Décembre 2012


N°17 Septembre 2013


Revue des Lettres et Sciences Sociales


N°18 Juin 2014


N°19 Décembre 2014


N°20 Juin 2015


N°21 Décembre 2015


N°22 Juin 2016


N° 23 Décembre 2016


N° 24 Juin 2017


N° 25 Décembre 2017


N°26 Vol 15- 2018


N°27 Vol 15- 2018


N°28 Vol 15- 2018


N°01 Vol 16- 2019


N°02 Vol 16- 2019


N°03 Vol 16- 2019


N°04 Vol 16- 2019


N°01 VOL 17-2020


N:02 vol 17-2020


N:03 vol 17-2020


N°01 vol 18-2021


N°02 vol 18-2021


N°01 vol 19-2022


N°02 vol 19-2022


N°01 vol 20-2023


N°02 vol 20-2023


N°01 vol 21-2024


A propos

avancée

Archive PDF

N° 25 Décembre 2017

الأدب المقارن بين المدرستين الفرنسية والأمريكية


ياسين بن عبيد
  • resume:Ar
  • resume
  • Abstract
  • Auteurs
  • TEXTE INTEGRAL
  • Bibliographie

لا تأخذ المواجهة بين المدرستين الأمريكية والفرنسية في الأدب المقارن معناها التاريخي إلا في أضيق الحدود، ذلك أن مسوّغ وجود كلتا المدرستين ـــ ثقافيا وإيديولوجيا ـــ هو الأصل الذي قام عليه المشروع المقارني لديهما جميعا. إنْ تكن المدرسة الفرنسية استهلت هذا المراس ونظّرت له، فإنها ــــ بالمنظور الأمريكي ــــ لا تحتكر مرجعياته ولا تنفرد بفلسفاته، لأنه تجربة إنسانية اختارت الأدبَ بوابةً لها، واختارت المقارنة منهجا كان سيوجد في كل أرضية هيّاَتْ له ظروفه. وإن تكن المدرسة الأمريكية ـــ بالمنظور الفرنسي ــــ امتدّت في الأفق الثقافي العام، بحيث صار لها متّكآت ومناطق نفوذ، فإن لها منطلقا أوربيا فاعلا في وجودها، وفي انتشارها، يَحُدُّ من إرادة هيمنتها.

الكلمات المفاتيح:الأدب المقارن؛ المدرسة؛ المنظور؛ الفلسفة؛ المنهج؛ الإيديولوجيا؛ المرجعيات، النفوذ.

L'affront franco-américain en littérature comparée ne prend sens, historiquement, que dans une mesure strictement restreinte, en ceci que les sous-bassements idéo-culturels des deux écoles ne souffrent pas vraiment de mitoyenneté. Si l'école française a bien entamé la pratique comparatiste et l'a théorisée selon sa vision de la littérature, cela ne lui donne nullement – du point de vue américain – le droit au contrôle du fait comparatiste ni ne l'érige en référent. Pour l'école française, la démarche américaine, même influente pour des raisons pas toujours culturelles, doit rester redevable aux pratiques européennes qui lui ont servi de socle et dont elle tient ses ajouts et certaines de ses influences.

Mots clefs:Littérature comparée; Ecole; Vision; philosophie; méthode; idéologie; références; influence.

The french-american affront in matters of comparative litterature takes on its full meaning, historically speaking, only to a strictly and limited extent in the fact that both ideological and cultural bases of the two schools are not really confronted by convergence.

If the French school has well initiated and theorized its comparative approach, according to its own vision of litterature, this would not give it, from the American point of view, the right to have control over the comparative approach nor reinforce its position as a referent.

For the French school, the American approach although it is influential for reasons that are not always cultural,it should remain indebted to European practices as they served as the bases for its ideology .

Keywords:comparative literature; school;  vision; philosophy; method; ideology;  references; influences.

Quelques mots à propos de :  ياسين بن عبيد

أستاذ محاضر ب ، كلية الآداب واللغات، جامعة محمد لمين دباغين سطيف2

تمهيد: في مفهوم المدرسة

يثبت الاستقراء أن هناك تساهلا في استعمال لفظ المدرسة، وفي إسقاطاتها التعميمية التي لا تلتقي على معنى محدد. يعني لفظ المدرسة ـــــــ في عموم الحال ــــــ  التجمع الاعتباطي لمجموعة من المبدعين في مكان واحد1. ومن دلائل هذا التساؤل إطلاقات من نحو مدرسة باربيزيو Barbezieux، مدرسة جنيف Genèveفي النقد الأدبي، مدرسة كونستانس Constance، مدرسة الجزائر2أو مدرسة نيس Nice. الأكيد أن مجموع هذه التسميات لا يعدو الاستعراض، وإن كان فيها ما يدل على خلايا تفكير وأرضيات إبداع، حتى وإن لم يكن بين ممثليها صلة خارج الاعتبار الجغرافي.

ما في المعجم الأدبي يأخذ فسحة عن هذا الذي قدمنا، ففيه أن المدرسة تعني المكان الأساسي لتكوين القرّاء وأيضا تكوين المؤلفين والكتّاب. من هنا تأثيرها الواضح في إنتاج وفي استقبال النصوص ودورها في ترقية ذلك3.

أما الذي استقر في التداول بما يشبه الإجماع، فهو معنى التقليد الذي أصبح لفظ المدرسة يعنيه بعد أن حوّله الاستعمال من المعجم. نلحظ هنا وهناك تناولا يشير إلى التيارات وأصحابها، وإلى الخيارات ومروّجيها، وإلى الأفكار وصُنَّاعها وإلى النظم الفكرية ورعاتها ومُواليها، كل ذلك بغطاء من عبارة "المدرسة" وما هو داخل في حقول دلالاتها. ورغم ما لها من استقلالية وخصوصية، فقد ظلت بعض الجهات تأنف من أن تُسمَّى مدرسة (الأمريكيون على سبيل المثال) لأنها تسمية غير ناجعة، هي إلى الترف أقرب منها إلى الدقة، وظل بعض الباحثين - منهم حسام الخطيب – يفضلون وضع « كلمة مدرسة بين قوسين حيثما كان ذلك ممكنا.»4

يُبقِي على هذا اللفظ في مسالك التعبير عن تجربة الفكر والكتابة، ما فيها من حضور الكُتّاب وبريقهم ــــــ وإن مؤقتا ــــــ وما لأفكارهم من انتشار بالنظر إلى تأثيرها سلبا وإيجابا. كثير من الشخصيات ظهرت وانتشرت أفكارها ولم يسعفها في البقاء سوى أن صورا لها ولمشاريعها أُطِّرَتْ، بفعلٍ ما، فتجاوزت فرديتَها إلى الإطار العام، واقتحمت الفضاء العام فتنوّع عليها التناول بما حافظ على آنيتها إلى حين.

عملت التاريخانية ـــــــ بمفهوم الأمريكي ريماك ــــــ في تصنيف كثير من الأفكار، وفي تحييدها عن الواقع النقدي ولكنها لم تفلح في إزاحتها بوصفها منجزا قصاراه الإحالة على وظيفة لم يعد هناك ما يدعو إليها.

وعملت الواقعية ـــــــ بالمفهوم السوسيولوجي للوظيفة الأدبية ــــــــ على فر ض تراتبية الأفكار بحسب من يتلقاها ومن يصوغها وفق عصور إنتاجها وسياقات استقبالها، وإعادة صياغتها انسجاما مع منطق التداول، وبذلك خضعت صور الكُتّاب وتأثيراتهم إلى طبيعة النُّظُم التي تستوعبهم وتستفيد من وجودهم. فلمنطق الجماعات logique des massesدور في إنشاء خطابات تعكس حاجاتها الثقافية والجوع الفكري الذي تكون نوعيةٌ من الشخصيات الثقافية أصداءً له.

واستثمرت سيكولوجية الفعل الأدبي ــــــ كتابةً واستقبالا ــــــ في جدلية الحضور الخطابي بمجموع علائقيته وآليات انتقاله بين مختلف الدوائر، مع ما يعني ذلك من قصدية في المواقف ومن غائية في تشكيلها والبقاء من خلالها في خارطة التفكير الإنساني.

هل "من" ينطلي عليهم وصفُ المدرسة على وعي بهذا الفهم؟ تلك مشكلة أخرى على ما يبدو !

❶. المدرسة الفرنسية

في غالب الأحوال تذكر المدرسة الفرنسية في مقابل المدرسة الأمريكية5. وهي مقابلة تشي بكثير من الخيارات والمواقف المتعارضة، ومن الممارسات المقارنة أيضا.

بين التاريخ والإيديولوجيا:

فالمدرسة الفرنسية، في العهود الأخيرة، تتجاوز الوطنية ولغة الكتابة إلى « اتجاه عام ــــــ يقول سعيد علوش ــــــ خلق أتباعا ببقاع كثيرة بما فيها أمريكا ؛ فهذه المدرسة تقترح أساسا صلبا لكل بحث جاد، هو المدونة الجيدة...ومعرفة ما فوق-وطنية، تعززها ثقافة لغوية، وتجميع لعديد من الأحداث الفرعية، تحيل على الحضارة. »6

لا شك أن المدرسة الفرنسية سابقة تاريخيا على غيرها، وأن فضاء فرنسا الاستراتيجي ساعدها على أن تكون مجمعا لتيارات كثيرة. ثم إن لتاريخ فرنسا الاستعماري (التوسعي) دورا في صناعة ميزان قوى كانت لها فيه شبه هيمنة، ورائحة التفاف، أساسهما عقلية التفوق وذهنية الامتياز  وهو ما يسميه سعيد علوش بـــ « إطار علاقات الأسباب بالمسببات التاريخية، أي أن علاقات القوى بينها وبين باقي الآداب لعبت دورا أساسيا في بلورة شكل مدرسي، يستلهم مقوماته داخل مفهوم التميز والأمجاد التاريخية. »7

واتساعا في هذا المعنى، يضيف حسام الخطيب إلى هذه العوامل عوامل أخرى تتلخص في احتضان فرنسا

« منذ البدء الدراسات الخاصة باللغات الرومانسية وهي لغات أقطار أوربة الجنوبية التي تفرعت عن اللاتينية واستقلت عنها، وأخذت منها بالتدريج امتيازها الخاص، بحيث لم تعد اللاتينية لغة اللاهوت والثقافة والسياسة والطبقات الراقية كما كانت في العصور الوسطى، ونظرا لاهتمام فرنسا بهذه اللغات الرومانسية ونظرا لأن ثورة فرنسا على اللغات اللاتينية تبلورت في شكل اتجاه أدبي فكري [...] فإن الفرنسيين كانوا أول من تنبه إلى قيمة التراث المشترك بينهم وبين المناطق الأوربية الأخرى، مما خلق الأساس الأول للتفكير في الأدب المقارن. »8

كما أنه يحصَى للحكام المتعاقبين على فرنسا دورٌ  في استتباب الفكر المقارني، أساسه السعي إلى أن يكون بلدهم مركزا للإشعاع الثقافي على قواعد المراس الأدبي المعمّق يتسع إلى أوربا بأكملها، ويكسب ـــــــ طبعا ـــــــ فرنسا المركزية المنتهية إلى الهيمنة وإلى أشكال الأفضلية المختلفة.

تفاعلت هذه العوامل مع غيرها، فنشأ من الكتّاب من تلمس الحاجة إلى تلاقح الفضاء الأوربي ـــــ بما في ذلك الفرنسي ــــــ  مع بعضه، وانتبه إلى المشترك الجامع بين المجتمعات والثقافات، فدعا إلى ذلك بحماس دعوة أسهمت بقدر كبير في ظهور الأدب المقارن. هذه السيدة دي ستيل Madame de Staël(ت. 1817) تزور ألمانيا، وتنشر حصادا لرحلتها سنة 1810عن ألمانيا De l'Allemagneتنتقد فيه « أولئك الذين يحتقرون الآداب الأجنبية ولا يهتمون بدراستها، ودعت إلى دراسة آداب الآخرين في لغاتها الأصلية، وألقت نظرة فاحصة على آداب الشمال وآداب الجنوب، وأبانت ما بينها من وجوه الشبه والاختلاف »9؛ وما كان لكتاب دي ستيل إلا أن يترك أكبر الأثر في الطبقة الفرنسية المثقفة « لأنه مدّ واحدا من أوائل الجسور الفكرية والاجتماعية بين بلدين متجاورين، لم تكن العلاقة بينهما دائما على ما يرام. »10

لا بد من ملاحظة أن الذهنية الفرنسية، في هذا السياق، كانت مدفوعة إلى مقاومة التأثير الأجنبي (الذي حاربته دي ستيل) على نحو ما قدمنا، غير أن فعالية النقاش بين أنصار القديم وأنصار المستقبل في فرنسا انتهت بالجميع إلى بلورة فكرة الأدب العالمي، وإلى الدعوة إلى فكرة تكافؤ الإبداع الفني عند مختلف شعوب الأرض11حيثما كانوا زمانا ومكانا.

البنية الفكرية:

في صميم هذه النظرة إلى مسألة التفاعل الأوربي، طفح إلى السطح الوعيُ بدراسة عوامل التأثر والتأثير التي لا يمكن لأي طرف النجوةُ منها، بيد أن الأطراف ــــــ محكومةً بالنظرة الداخلية إلى ذاتها ــــــ  تنظر إلى نفسها بوصفها مؤثرة لا متأثرة، وهي نظرة كثير من الباحثين الفرنسيين، أحدهم آبل فيلمان Abel-François Villemainالذي اشتغل بشكل شبه كلي على قضية التأثير هذه وجعل من مضمونها « فحص الأثر الذي تركه كتاب فرنسا في القرن الثامن عشر على الآداب الأخرى وعلى العقلية الأوربية عموما »12، ثم طبع الكتاب ــــــ وهو سلسلة محاضرات ألقيت بجامعة السربون طبعة جديدة سنة 1840، أكد فيها فيلمان بأن « محاضراته كانت أول محاولة تتم في جامعة فرنسية لإجراء "تحليل مقارن" لعدة آداب حديثة. »13

ثم إن التوجس العلمي، وإحكام الترتيب البيداغوجي، مشفوعَين بإسعاف الظروف الثقافية والسياسية هَيَّآ فرنسا لأن تكون فضاء للأدب المقارن على أساس من درس "علاقات الأسباب بالمسببات بين الآداب الوطنية"، لآجال مديدة، إلا أن المفاهيم المستخرجة من هذا المنظار تأسست واستقرت ضيّقةً حصرت الأدب المقارن في مجالات ومفاهيم لم يثبت بها أمام النقد، ومع الوقت شكلت ردود أفعال في المنظومات المعرفية المغايرة للمنظومة الفرنسية، واتسعت في تحديداتها وتطبيقاتها بما أبعدها كثيرا ـــــ ما عدا بعض المشتركات ـــــ عن الرؤية الفرنسية.

تلخص الأداء الفرنسي، في المنظور النقدي العام، والأمريكي على جهة الخصوص، في « التجميع الضخم للأدلة الخاصة بالعلاقات الأدبية خاصة فيما يتعلق بتاريخ مكانة الكتّاب وبالوسطاء ما بين الشعوب»14، وليست تلك بالسبيل المؤدية إلى تسوية النظرة إلى الآداب على أساس من حياد في التناول هو الأمان من الانزلاق إلى الخيارات المحدودة، وإلى المعالجات المنحازة، بل هي طريقة تبتعد عن النقد الذي هو أكثر من فرضية في مثل هذه الدراسات. هو أصل الفرز بين النصوص وبين التقاليد الأدبية التي تقرّب بين الآداب أو تباعد بينها، وعدم اعتماده يفضي في أحسن الأحوال إلى الافتراض  حيث يجب اليقين، وإلى محدودية الاستنتاج حيث يطلب سعته وعمقه. فمن العسر بمكان البرهنةُ على أن عملا فنيا تأثر غيره15قام على أنقاض غيره، أو امتد منه بأي شكل من الأشكال،  وإن وجدت قرائن نصية محيلة على المشابهة أو موهمة بها، إلا إذا دلّ اللاحق بالنص المصرّح على أن أرضيته من السابق عليه بالتعيين.

وفي المحصلة لا يمكن لدرسٍ هذا أساسُه إلاّ أن يكون خارجيا « غالبا ما تعيبه العواطف القومية الضيقة والرغبة في حساب الثروات الثقافية، أي حساب الدائن والمدين في أمور الفكر. »16

بداية التحولات:

هذه الرؤية الفرنسية لم تقم على إجماع في الواقع، أو لم يصمد حولها الإجماع بظهور مقارنين فرنسيين لم يكونوا يؤمنون بتفاصيلها كلها، من نحو تين   Hippolyte Tean(ت. 1893) برينوتيير  Brunetière Ferdinand(ت. 1908) وسانت بوف Charles-Augustin Sainte-Beuve(ت. 1869)، وهي مجموعة كان لها حماس غير خافٍ وسعيٌ غير كليل للتأسيس لتاريخ أدبي يتجاوز الحدود الوطنية الفرنسية، وللسعي إلى توسيع الفضاء المعرفي داخل أوربا استجابة إلى مقتضيات عامة كان السياق الأوربي وطبيعة العلاقات الثقافية داخله تدعو إليها.

وحتى هذا المنحى العام لم يكن ليقدم الحلول لمشكلات انغلاق واتساع الآداب في أوربا يومها، فقد ظل البحث يتراوح في دوائر تتواجه بالمفاهيم ولا تخرج من مواجهاتها بطائل، مما أعطى انطباعا بوجود أزمة ضاق بها الأفق وصرف كثيرا من الكتاب إلى البحث في تاريخ الأفكار، والتيارات والمذاهب بأنفاس هي أقرب إلى القلق لأنه لا يقين فيها. نجد شيئا من ذلك ـــــ وليس هو بالهين ـــــ في كتاب يصفه ريمون طحان بـ « أبلغ مؤلف أنتجته الدراسات المقارنة في فرنسا »17هو كتاب (أزمة الضمير الأوربي في القرن الثامن عشر la crise de la conscience européenne au XVIIIe) لبول هازار Paul Hazard(ت. 1944) المنشور  سنة 1926، وفي (بيبليوغرافيا الأدب المقارن) لفرناند بالدنسبرغر Fernand Baldensperger(ت. 1958)، وغيرهما.

التأسيس الحقيقي:

عمليا، ظهرت ملامح المدرسة الفرنسية ـــــ بوصفها اتجاها ـــــ « مع ظهور أول كرسي للدراسات المقارنة، وأول مجلة للأدب المقارن، وأول مقال حول (الكلمة والشيء) »18le mot et la chose، وهو ظهور تبلورت من خلاله التهيؤات الأولى والحقيقية لأن تكون فرنسا أرض فتح ــــــ في أول الحال على الأقل ـــــــ للأدب المقارن، مع ما يتبع ذلك ـ وقد تبعه ـ من لواحق مكملة من أسماء أثثت جيلا بأكمله، وآثار، ومعالجات ومؤسسات أصبحت مرجعية فيما بعد.

في كل حال، التصق بالمدرسة الفرنسية مبدأ مقارنة أدبين قوميين لأن مقارنةً هذه طبيعتُها « تفضي إلى نتائج محددة ومفيدة، وتخدم العلاقات الأدبية الثنائية، وبذلك فهي تخدم العلاقات الثنائية بين أمّتين»19، وفوق هذا فإن فكرة المقارنة، من أي وجه كانت، تزيد بمعرفة الآداب المقارن بينها معرفةً وبتاريخها درايةً، والذي هو فتح يحسب لهذا العلم هو أن الآداب القومية وتاريخها كانت مسألة داخلية، أي أنها لم تكن تعرف إلا من داخلها. فالذي اختلف بدينامية الأدب المقارن، أنه أصبح ينظر إلى أدب أمة ما بمنظار غيرها، ومن هنا اتسعت الإيجابية إلى الإضافة إلى الأدبين المقارن بينهما معا. يقول عبده عبود:

« إن الغرض من دراسة علاقات التأثير والتأثر هو إكمال كتابة تاريخ الآداب القومية. ومن خلال تلك المساهمة يضيف الأدب المقارن إلى تاريخ الآداب جانبا كان مؤرخو الآداب القومية قد أغفلوه. فقد كانوا يؤرخون لكل أدب قومي بمعزل عن الآداب القومية الأخرى، ولكأنه تاريخ التطور الداخلي لذلك الأدب فقط. لم يعر مؤرخو الآداب القومية اهتماما لعلاقة كل أدب بالآداب القومية الأخرى، إلى أن جاء الأدب المقارن في صورته المبكرة [...] فسدّ تلك الثغرة في تاريخ الأدب، وبين أن تاريخ أي أدب قومي ليس مجرد تاريخ ما يجري ضمن ذلك الأدب من تطورات، بل هو أيضا تاريخ ما يتم بينه وبين الآداب القومية الأخرى من تبادل وتفاعل. »20

التجييل:

إن المبدأ التاريخي الذي هو أساس المدرسة الفرنسية تكرَّس في فكرة الأجيال التي تعاقبت على سيرورتها، وبها على الأغلب تبلور مفهوم المدرسة21. فالتجييل عبَّرَ عن استمرارية وتطوير الآليات والمناهج؛ فبعد المؤسسين الأوائل من أمثال جان جاك أمبير Jean-Jacques Amber(ت. 1864)، وآبل فيلمان وسانت بوف، ظهر جيل ثان منهم مارسل باطايون Marcel Bataillon(ت. 1977)، جان ماري كاريه Jean-Marie Carré(ت. 1958)، جاك فوازين Jacques Voisine(ت. 2001)، روني اتيمبل René Etiemble(ت. 2002)، ماريوس-فرنسوا غويار Marius-François Guyard(ت.2011)، وقد تعاقبوا جميعا على كراسي الدراسات المقارنة وعلى إدارة مجلة "الأدب المقارن" خدمة لأهداف المدرسة وعملا بمبادئها. ثم استمر نسق المدرسة مع جيل ثالث من المؤلفين طبع حضوره بتأليف الكتب التعليمية من أمثال كلود بيشوا Claude Pichois، لوجون  Lejeune، إيف شوفريل Yves Chevrelودانيل-هنري باجو Daniel-Henri Pageaux؛ فتوسيع وتنويع مجالات العمل وتطوير المناهج والمقاربات أكد تاريخية المدرسة الفرنسية.22

المراحل:

ولئن كان تاريخ الأدب المقارن في فرنسا يعتبر أمبير وفيلمان أبوين حقيقيين للأدب المقارن في هذا البلد فإن جوزيف تكست Joseph Texte(ت. 1900) في دراسته الموجزة (جان جاك روسو وأصول العالمية الأدبية) الصادرة عام 1897بمعية لويس بتز Louis Paul Betz (ت. 1903) يعد مؤسس المقارنة الفرنسية على نحو علمي23  التي دشنت جامعيا في السنة نفسها بإنشاء كرسي التاريخ المقارن للآداب بجامعة ليون Lyon24. وكان تكست أول من شغل كرسي الأدب بجامعة السربون سنة 191025، وحاضر فيه عن « تأثير الآداب الجرمانية في الأدب الفرنسي منذ عصر النهضة»؛ وبإنشاء الكراسي الثلاثة في ليون (1897)، باريس (1910) وستراسبورغ (1918) تنتهي المرحلة الأولى من الأدب المقارن بفرنسا.26

أما المرحلة الثانية فيفتتحها ـــــ على صعيد التأليف ـــــ مقال تنظيري شهير لفردناند بالدنسبرجر بعنوان "الكلمة والشيء"  le mot et la choseالصادر بمجلة "الأدب المقارن" سنة 1921، يحصي فيه الكاتب بعض المآخذ على سابقيه في اصطلاح الأدب المقارن وفي مضمونه. أعني فهمهم لمضمونه. إذ يرى مثلا أن في إطلاق سانت بوف سنة 1868للتسمية بعض الإساءة لهذا النوع من الدراسات لنزوعه إلى السهولة والتسطيح، بما لا يساعد في تكوين منهجية خاصة بهذا العلم، وبما لا يبعث على أخذه مأخذ الجد.27

واللافت في هذا العمل كذلك إشارة الكاتب إلى دور رحلات الكتّاب الفرنسيين، وأعمال الاستشراق في صناعة مخيال فرنسي تتضخم فيه الأنا بإسراف واضح ليحقّر الآخر ويمتهنه، وفي أحسن الأحوال يختزله فيما لا يشبه حقيقته. وقد التصق هذا المراس بكُتّاب من أمثال جان ماري كاريه.

الملاحظ على تناول بلدنسبرغر أنه كان مدفوعا بدوافع كونية مكنته من إرساء رؤية شاملة وتاريخية أوربية « جعلت من الوعي بالخارج جزءا من وعيها بالذات الوطنية »، ومكنته من رسم فضاء الأدب المقارن من خلال ملاحظته ما انتهجه بعض الكتاب النافذين ــــــ مثل باري ــــــ من الاستغلال الحرفي للمعرفة بالخارج القائمة على تجميع مختلف الموضوعات في عناصر بسيطة لا تعمّقها ولا تجددها؛ ومن خلال نشر التداخلات بين السلاسل الوطنية للأعمال الأدبية، وهو مراس يحدّد فضاءات التأثير الخارجية لكبار الكتّاب.

وبقدر ما يقف عند المآخذ، يحصي بالدنسبرغر حسنات سابقيه من أمثال برينوتيير الذي يظل برأيه «المدافع الرئيسي عن هذه الدراسة المقارنة للعصور الأدبية الكبرى، ويشهد عمله النقدي عن رغبة متنامية لربط تاريخ الآداب الخاصة بالتاريخ العام للأدب الأوربي، ويظهر لديه بأن مفهوم الأدب هو واحد بحق، عبر انتشاره المتزايد في الفضاء والزمن.»28

يتبنّى بالدنسبرغر ، وجناح من المدرسة الفرنسية معه، فكرة قيام الأدب المقارن على الانتشار وتجاوز الحدود الوطنية واللغوية، بناء على علاقات خلفها التاريخ الأدبي بعمقه وسياقاته، لا يمكن القفز عليها، فتأسيسا عليها تتمثل أهمية الأدب المقارن في المساهمة في استعادة الماضي بحمولته لا في مجرد رصد الأنظمة والأطر العامة، أو في إحصاء الامتداد الافتراضي للموضوعات، والوسائط والميثات mythes.29

يتسم دخول المدرسة الفرنسية في ثاني مراحله بتجاوز بالدنسبرغر لآراء أسلافه جوزيف تكست، جاستون باري وفرناند برينوتيير لأنها بتصوره قديمة. وناقش بعمق فكرة "الغائية في التطور" وآلية إفضائها من السبب إلى النتيجة. يقول بها برينوتيير، لأنها تلغي مبدأ العفوية في الإبداع وتفرض على الأجناس الأدبية حتمية تخضع الماضي لغائية لا تنسجم مع الواقع.

وبقدر ما يستبعد بالدنسبرغر تاريخ الموضوعات، والموازنات، والمصادر والرؤية الاجتماعية، من الأدب المقارن، وهو ما يقول به تين، فهو يرفض التأكيد على العوامل المناخية لأنها تؤدي إلى تهوين غيرها، ولا يستبقي من عوامل الدرس المهمة، أو يكاد، سوى للبواعث والمناهج ذات المرونة التطبيقية في نظره.

جاء فان تيغم، أعظم المقارنين الفرنسيين، بعد بالدنسبرغر، ليقدم أشمل دراسة للأدب المقارن في كتابه الموجز "الأدب المقارن"30وأكثرها تأثيرا في مسار البحث المقارن، يعلن فيه أن

La littérature comparée est une science en grande partie française31

وفيه يقول

On emploie concurremment à "littérature comparée" d'autres termes plus exacts et plus clairs, mais moins brefs et moins commodes.32

وتأكيدا لعمق أطروحته، ظل فان تيغم يواصل نشاطه في التأليف، فقد أسهم منذ عام 1911في "مجلة الدراسات التاريخية" واقفا على كل جديد ومنبها عليه، وأبرز ما يحسب له، بعد كتابه سابق الذكر، مقاله سنة 1912بمجلة "الأدب المقارن" المذكورة قريبا، بعنوان " التأليف في تاريخ الأدب: الأدب المقارن والأدب العام".

جاء أحد أبرز تلاميذ فان تيغم، بول هازار، بتغذية النقاش وإذابة التفرقة بين الأدب المقارن والأدب العام، لأنها تفرقة مصطنعة كما يرى ويرى معه كثيرون، وعالج ذلك بكثير من الحماس في كتابه "أزمة الضمير الأوربي" المنشور سنة 1935، بمقدمة موجزة تحيل على مجمل آرائه في الموضوع.

توقف نشاط المدرسة الفرنسية أثناء الحرب الكونية الثانية، تدريسا وتأليفا، ولم يعد، كما يلاحظ الطاهر مكي، إلا بعدها، حيث استؤنف تدريسه بجامعة ديجونDijon سنة 1949، وجامعة بوردو Bordeauxسنة 1951، وجامعة تولوز Toulouseسنة 1952وجامعتي غرونوبل Grenobleوإيكس Aix-en-Provenceمنذ عام 1966.33

كما أن أبرز فعل تأليفي فرنسي، بعد الحرب، هو كتاب فرنسوا ماريوس غويار الصادر سنة 1951، وهو كتاب موجز تبدو فيه آثار فان تيغم، معروف في الأوساط العربية لأنه ترجم مرتين، ترجمة مصرية أولى بعناية محمد غلاب سنة 1956، وهي ترجمة رديئة بطبعتها إلى حد بعيد، وترجمة لبنانية بعناية هنري زغيب صدرت ببيروت سنة 1978.34

لا شك أن المدرسة الفرنسية، بالطابع المؤسساتي الذي اتخذت عبر السنين، وبناء على التقاليد المقارنية التي اتسعت على يد أجيال من كتّابها، قد اكتسبت شرعية تاريخية وفرضت توجهات في الدراسة لم تنازَع الكثيرَ منها، إلا أنها تعرضت ــــــ ابتداء من خمسينات القرن الماضي ــــــ إلى نقد لا يخلو من حدة آتٍ على جهة الخصوص من الأمريكيين، على رأسهم رينيه ويليك وأوستين وارين كما سنرى. أحدث هذا النقد هزة في الضمير المقارن الفرنسي، وأدى إلى مراجعة كثير من مسلماته.

نشأ التوجه إلى إعادة تشكيل النظام المقارن الفرنسي نهاية ستينيات القرن الماضي، مع المقارنَيْن كلود بيشوا وأندريه ميشيل روسو، إذ

dés lors, la littérature comparée vise, dans le domaine proprement littéraire, plus que l'étude des sources; celle des genres à l'échelon de leurs réalisations en plusieurs pays, celle des thèmes ou des mythes, mais aussi la comparaison de la littérature avec d'autres arts, comme également elle se combine avec la littérature générale35.

أنسل هذا التشكيل الجديد خارطة أعم للتقاليد المقارنة بفرنسا، ألمّ بها ــــــ أو كاد ـــــ كتاب للثلاثي بشوا، روسو وبرونيل "ما الأدب المقارن؟"36وهو نسخة موسعة لكتاب الأوَّلَيْن "الأدب المقارن"37، في فصله الأول استعراض للجانب التاريخي ولإجراءات المقارنة التقليدية، وفي بقية الفصول دعوات ضمنية إلى إعادة التفكير في كثير من ثوابت المقارنة وإلى مراجعات يقتضيها تطور هذا العلم.

مراجعات التأليف الثلاثي ـــــــ وإن مبقية على الطرق التقليدية ـــــــ تأخذ في الاعتبار، بل تشرعن الممارسات التي غدت خيار المقارنين الجدد بانضمامها إلى مجال دراساتهم. تلك حالة المقاربات متعددة الاختصاصات؛ فافتراضا لوجود علاقات بين المجال الأدبي والإنتاجات الفنية أو العلمية، يفترض أن هناك تطورات في الأفق النقدي وأيضا وخصوصا على مستوى تعاريف الأدب المقارن ذاته.

إن مراس المؤلفين، من ناحية أخرى، وهو أمر لافت له أهميته، يحدث توازنا بين التحقيقات السلالية وبين الدراسات الموضوعية أو الاشتغال على ظاهرة التناص، بالرجوع إلى التعددية اللغوية38والتعددية الثقافية، مراهنين على تعددية المعنى الأخير للوصول إلى الجماعات اللغوية المختلفة في بلدان متعددة اللغات، وإلى إنتاج جماعات يختلف بعضها عن بعض أو جماعات تتحدث لغة واحدة ولكن لا تنتمي إلى حيّز جغرافي وسياسي واحد.39

إن هذه المرحلة من تاريخ الأدب المقارن تؤكد ما أثبته تطور هذا العلم، بما يعني أنه، من جهة مناهج دراسته ومن جهة تعاريف الفعل الأدبي التي تقف وراءها، علم لا ينفصل عن مجال "الأدب العام."40

. المدرسة الأمريكية

المدرسة الأمريكية هي في ظاهر حالها المعادل الجغرافي للمدرسة الفرنسية، ولسائر المدارس المعروفة في الأدب المقارن، كالمدرسة السلافية. أكيد أن اختلاف التسمية يقوم على اختلاف كثير في الأسس وفي المنطلقات، كما لا يلغي المشتركات التي تقرّب المبادئ وتدني مسافات النظر، على أن ما بين  هذه التوجهات من تباعد يسوّغ وجود المدارس من أساسه، كما يوسّع من أفق الدراسة، وهو ما نحاول أن نفعله.

إشكالية التسمية:

يصحب تسمية المدرسة بعض الإشكالات التقنية منها، على نحو ما قدمنا ونحن نتحدث عن المدرسة الفرنسية وعلى نحو ما ذكرنا أثناء التأصيل للمفهوم،  غياب الإجماع المطلق على مبادئها وشذوذ قسم ــــــــ وإن يسيرا ــــــــ على أصولها. الأمر الذي يبعث على مراجعة مصطلح "المدرسة" حتى مع الأمريكيين.

هذا روني ويليك (ت. 1995) في عز استغراقه في الدفاع عن الأصول التي سوّغت التسمية، يذكر ـــــــ بعد ذكر تجاوز بعض المقارنين الفرنسيين لمقتضيات المدرسة الفرنسية ـــــــ يذكر أنّ لما يعرف بالمدرسة الأمريكية شُذَاذًا لا يؤمنون بالأصل الأمريكي الجديد المعارض للمدرسة التقليدية، ورغم وجودهم على التراب الأمريكي فهم يسبحون ضد تيار مدارسها. يقول: « وأعرف أيضا أن العديد من الباحثين الأمريكيين لا يتفقون ووجهة نظري.»41برغم ذلك، شاع استعمال اصطلاح "المدرسة" ودرجت عليه الإطلاقات هنا وهناك، وهو في الأغلب يعني الخيارات في أساسياتها لا الإجماع حولها.

الإرهاصات:

ربما حسن التذكير بإرهاصات المدرسة الأمريكية في الأدب المقارن، وبمقدمات تاريخيىة انتهت إلى ما انتهى إليه الدرس الأمريكي على يد أعلامه وفي أبرز محطاته كما سنتحدث.

تلخيصا من كتاب الطاهر مكي42، يظهر أن للأمريكيين اهتماما بالأدب المقارن سابقا على المدرسة التي عرفت به، وأن له حضورا في الفضاء الأمريكي مشابها لمعادله في الفضاء الغربي وإن اختلف التناول وتباينت المحطات.

أوشكت الفواتح أن تظهر في الثلث الأخير من القرن التاسع عشر على يد إمرسون Ralph Waldo Emerson(ت. 1882) الذي بدأ بالدعوة إلى ربط الأدب الأمريكي بالآداب الأوربية؛ وجورج كورتيس George William Curtis(ت. 1892) الذي أسهم كثيرا في إذكاء الحماس للعالمية؛ وجامعة هارفارد في كمبريدج التي أدخلت ثقافة أوربا وفنها إلى العالم الأمريكي؛ وإدوارد إفريت Edward Everett(ت. 1865) الذي أدخل النقد الألماني ببراعة إلى أمريكا؛ وهنري لونجفيلو Henry Wadsworth Longfellow(ت. 1882) الذي فتح الأبواب الأمريكية على التيارات الجديدة الوافدة من أوربا. كل هؤلاء ممهّدون، إلا أن خطوة التأصيل الأولى خطاها شاكفورد Charles Chauncy Shackford(ت. 1891) إذ كان أول من ألقى محاضرة عن الأدب المقارن أو الأدب العام في جامعة كورنيلCornell Univsersityسنة 1871.

ثم بدأ الأمر يتسع في أمريكا بالمفهوم المؤسساتي؛ ففي سنة 1927أنشئ قسم للأدب المقارن يرأسه لين كوبر  Lane Cooper (ت. 1959)؛ أما في سنة 1912فقد أنشأ غيلي Mill Gayley Charles(ت. 1932) بجامعة كاليفورنيا قسما للأدب المقارن وقد كان قبلها يحاضر عن "النقد الأدبي المقارن" في جامعة متشجان Michigan؛ وفي العام الجامعي (1890-1891) أنشأت جامعة هارفارد Harvardأول كرسي للأدب المقارن في الولايات المتحدة شغله مارش Arthur Richmond Marsh(ت. 1937) لأول مرة. على أن القسم الحقيقي للأدب المقارن في أمريكا أنشأته جامعة هارفارد سنة 1904، وتولى رئاسته سكوفيلد William Henry Schofield(ت. 1920) بمعية مؤسس "الإنسية الجديدة new-humanism" إرفنغ بيبيت Irving Babbitt(ت. 1933)، ثم تولى رئاسته هاري ليفن Harry Levin(ت. 1994) سنة 1946، ليخلفه عليه والتر كايزر Walter Kaiser43. وترتيبا بحسب الاهتمام بالأدب المقارن، تقع جامعة كولومبيا Columbia Universityثانيا بعد جامعة هارفارد، فقد أنشأت قسما للأدب المقارن عام 1899، رأسه وود بري ثم ضم إلى قسم اللغة الإنجليزية بعد سنوات. وفي بداية العقد الثاني من القرن العشرين، أنشأت جامعة كالفورنيا California Univesityقسما للأدب المقارن سنة 1912لم يعمر أكثر من أربع سنوات؛ كما أنشأت جامعة تكساس Texas Universityسنة 1919قسما للأدب المقارن عمر إلى سنة 1926؛ كما ضمت جامعة الدولة بكارولينا الشمالية the University of north Carolina  قسما للأدب المقارن منذ عام 1925درّس به المقارن فريديرك فرنر آتي الذكر.

سكون ثم نهوض:

أوشك الأدب المقارن أن ينسى بأمريكا، إذ أخذ منحنى تنازليا انتهى به إلى ما يشبه التوقف، خصوصا أثناء الحرب الكونية الثانية، وما عاد إلى الحياة إلا عندما فتحت جامعة ييل Yaleأبوابها عام 1948وجامعة إنديانا Indianaسنة 1954وكانتا أغلقتا أثناء وبعد الحرب بسنوات.

وتنويعا في المنابر، كانت الخطوة الحاسمة في تاريخ المقارنة الأمريكية إنشاء "مجلة الأدب المقارن" سنة 1903، وكانت أول مجلة متخصصة في اللغة الإنجليزية، صدر منها أربعة أعداد ثم توقفت عن الصدور. وفي سنة 1942أنشأ آرثر كريستي Arthur.E. Christy(ت. 1944) أستاذ اللغة الإنجليزية والأدب المقارن بجامعة كولومبيا مجلة "الأدب المقارن"  لتعبر عن نشاط جمعية الأدب المقارن وقد عمّرت المجلة أربعة أعوام، أي إلى سنة 1946وصدر منها ثلاثون عددا وتوقفت بوفاة مؤسسها. وفي عام 1949أنشأت جامعة أوريجون Oregonالعدد الأول من مجلتها "الأدب المقارن"؛ أما جامعة كارولينا الشمالية  فأصدرت سنة 1950كتاب "مصادر الأدب المقارن" من تأليف بالدنسبرغر وفرنر فريديريش Friedrich Paul Werner، وحوليات "الأدب المقارن والأدب العام"، وظهر المجلد الأول منها سنة 1952، وكانت مجلة "أخبار الأدب" منبرا ينشر أفكار الجمعية الوطنية رغم أن صدورها لم يكن منتظما؛ وفي سنة 1963أصدرت جامعة ميرلاند University of Marylandمجلة "دراسات في الأدب المقارن" فصلية تصدر  كل ثلاثة أشهر؛ وظهرت سنة 1967في شيكاغو Chicago Universityمجلة "النوع الأدبي" متجهة إلى دراسة الأنواع الأدبية؛ وعن جامعة فرجينيا University of Virginiaصدرت مجلة "التاريخ الأدبي الحديث".

شهد الاهتمام الأمريكي بالأدب المقارن تنويعا تجلى في نشأة الجمعيات وانتشارها في الفضاء الأكاديمي. ففي سنة 1942، وبجهد من آرثر كريستي قرر المجلس القومي لأساتذة اللغة الإنجليزية  إنشاء "جمعية الأدب المقارن"؛ وفي سنة 1952ظهرت "الرابطة الدولية للأدب المقارن" association international litteratureبجامعة أوكسفورد، عقدت مؤتمرها الأول عام 1958في شابل هيل Chapel Hillبكارولينا الشمالية؛ وظهرت عام 1960جمعية وطنية من المتخصصين في الدراسات المقارنة، وهي فرع عن المنظمة العالمية للأدب المقارن، تضم عددا هائلا من المقارنين الأمريكيين.

أصالة أم امتداد؟

بدءا، يبدو للناظر من الخارج ــــــ كما يقول سعيد علوش ــــــ أن هناك اختلافات بين المدرسة الأمريكية والمدرسة الفرنسية، غير  أن الحقيقة، بنظره، هي أن هناك استمرارية للمدرسة الفرنسية في المدرسة الأمريكية، على أن الفارق يتمثل في المنحى الجمالي الذي تحويه المدرسة الأمريكية تحت عنوان ما يسميه رينيه ويليك بالأدب العام.

الذي يبدو واضحا أن الاختلاف موجود، وهو الذي يفسّر تسمية المدرستين. فقد قامت الرؤية الأمريكية على مناقضة الفرنسيين في جملة من الأصول. ظاهر الأمر هو هذا، غير أن رونيه ويليك يأباه، إذ يصرح أن أصوله الأوربية لا تجيز له الإجهاز على ما هو أوربي أو فرنسي؛ وجملة اعتراضاته موجهة ضد منهج لا ضد أمة. يقول: « فأنا أوربي المولد ولا أستسيغ دور المناهض لفرنسا أو لأوربا. »44كما قامت الرؤية الأمريكية على نقد المدرسة الفرنسية في حصرها الأدب المقارن في المنهج التاريخي، في حين يربط الأمريكيون المنهج التاريخي والمنهج النقدي باعتبارهما عاملين ضروريين في الدراسة المقارنة.

رد الفعل هذا هو الذي كان وراء نشأة المدرسة الأمريكية، إثر بحث قدمه الأمريكي من أصول تشيكية رونيه ويليك في ثاني دورات "الجمعية العالمية للأدب المقارن" بمدينة شابل هيل Chapel Hillبكاليفورنيا الشمالية سنة 1958تحت عنوان " أزمة الأدب المقارن" the crisis of comparative literature. المؤتمر المذكور كان من تنظيم البروفسور فرنر فريدريك أمريكي من أصول سويسرية وأستاذ بجامعة شابل هيل. كانت غاية فرنر أن يجمع في لقاء علمي، في مكان واحد، زملاءه الأمريكيين بمقارني البلدان الأوربية المحررة عام 1945، وهو ما استطاع التوصل إليه بإعانة من مؤسسة فورد 45Ford.

القطيعة والتأصيل:

كان تدخل ويليك أمام الجمعية المذكورة النقطة الحاسمة في مجريات الأشغال، لاتسامه بالانتفاضة ضد الخيارات الفرنسية في الأدب المقارن، بشكل حاد لم يخفَ. فبوصفه ثمرة لحلقة براغ الألسنية، ومتأثرا بالشكلانية الروسية، ندّد ويليك بالتوجه التاريخي للمدرسة الفرنسية، ودعا إلى أدب مقارن بنيوي، لثبوت محدودية بل عقم دراسة التأثر والتأثير المعروفة إلى ذلك الحين46. يقول ويليك في المقال المذكور: « وأنا أعتقد أن برامج العمل التي نشرها بلدنسبرجر، وفان تيغم، وكاريه، وغويار قد فشلت في هذه المهمة الأساسية. فقد أثقلوا الأدب المقارن بمنهجية عفا عليها الزمن، ووضعوا عليه أحمال القرن التاسع عشر الميتة من ولع بالحقائق والعلوم والنسبية التاريخية. »47

اللافت، قبل التحليل، أن جملة من أفكار ويليك اعتنقها غير الأمريكيين، فيهم فرنسيون أمثال رونيه إيتيمبل René Etiembleفي كتيّب يشبه عنوانه عنوان محاضرة ويليك. فأخذا من الترجمة الإنجليزية لهذا المؤلَّف، يهاجم إيتيمبل مواطنَه فرنسوا غويار، ويراه متعصبا إقليميا وقوميا لأنه يركز كل الأضواء على الأدب الفرنسي وتأثيراته، مستغربا وحتى ساخرا من إعادة غويار طباعة كتابه (الأدب المقارن) من غير التفات إلى التطورات الحاصلة في مفهوم الأدب المقارن في كل أوربا، ومن غير أن يغيّر في طبعة الكتاب حرفا واحدا48. والموقف نفسه من الاحتفاظ بأفكار بالية ومن الاستمرار في الاحتفاء بأفكار غويار في كتابه المذكور، من طرف جان ماري كاري J-M. Carréالذي كتب مقدمة موجزة له أعيد نشرها سنة 1952في أول كتاب سنوي للأدب المقارن. الموقف نفسه ــــ أقول ـــــ الساخر والمتهجم لرونيه ويليك سجله في مقالته (الأدب المقارن اليوم) في كتابه مفاهيم نقدية49.

هذا وإن إيتيمبل ظل على إيمانه بأهمية دراسة العلاقات المباشرة والتأثيرات الواضحة بين مدوّنتين أو أديبين. يقول:

Mon comparatiste je le veux donc rompu au dépouillement des archives, des collections de petites revues. Outre une formation d'historien, je lui en souhaite une aussi de sociologue. Je ne lui interdirais même pas la culture générale.50

فإتيمبل يثمن بهذا التجاذبات والتوازنات غير التاريخية، مؤكدا على شرعية المقارنة وإن بعيدا عن بؤر التأثر والتأثير. وعلى هذا الأساس  فهو يشايع المدرسة الأمريكية لأنها هي التي

 [...]considère que, lors même que deux littératures n'ont pas eu de rapports historiques, il est légitime de comparer les genres littéraires qu'elles ont, chacune pour soi, élaborés ]….[  La littérature comparée reste non seulement possible, mais singulièrement stimulante.51

فإيتيمبل، وإن بدا لرونيه ويليك في هذه النشرة، محقا  « من حيث المبدأ حين يطالب ببويطيقا (بفن الشعر) مقارنة، وبدراسة شاملة حقا للأدب العالمي»، فقد بدا له « متطرفا حين عبر عن رغبته في تغيير اتجاه الأدب المقارن، وحين قال إن علينا جميعا أن ندرس اللغات الصينية والبنغالية والعربية... »52

إن المدرسة الأمريكية ــــــ في ملامحها العامة ـــــــ تهتم بالأدب العام بما هو دراسة الحركات والأنواع الأدبية التي تتجاوز الحدود الوطنية. تفرغ للتأويل الفعلي للنص، تُعنى بالأشكال والتوجهات الجمالية وبمعالجة المواضيع، تشدّد على المنهج وعلى النظرية وتحدث تقريبات موضوعية بين الأدب وبين أشكال تعبيرية أخرى. يقول ويليك:« ...أرى أن المفهوم الوحيد الصحيح هو المفهوم الذي لا يتهاون في شموليته، وأرى أن العمل الفني هو كل من عناصر مختلفة، بنية تتشكل من رموز ، تتطلب المعاني والقيم وتعطيها. أما الميل للتنقيب في ركام الماضي عن أشياء ننسب العمل الأدبي لها، أو للتركيز على الأمور الشكلية الخارجية فلا يؤدي إلا إلى تجريد الدراسة الأدبية من محتواها الإنساني. »53

فمشكلة هذا الفهم مع المنحى التاريخي الذي هو مركزية المدرسة الفرنسية آتٍ من أن « التاريخ طلاء زائف وأن الناقد الحق يلفظ أحكاما صادرة من صميم الوجدان ومن أعماق القوى النفسية»54، ولذلك مضت المدرسة الأمريكية على فكرة أن « الأغراض والمواضيع هي مادة لاأدبية alittéraireبحد ذاتها، فالأديب الفذ هو الذي يحوّل ما ورث من مواضيع ويتمثلها لكي يؤثر على قرّائه، بفضل الشكل والتعبير والإنشاء.»55وهذا الفهم المؤسس لخصوصية المدرسة الأمريكية بمسافاتها عن غيرها وبأثرها على منحى الدراسات الجديدة في الأدب المقارن، هو الذي يقف وراء التصنيفات المغايرة للشخص المقارن الذي يلبس لبوس الناقد الحق « الذي يصنف ما يقرأ حسب فصائل وزمر تقوم على وشائج يحس بها ذوقه المرهف، وقد يؤيّدها التاريخ أو ينقضها فذلك سيّان عنده.»56

لم يتراجع هذا الفهم في المنظور الأمريكي، فقد ظل أعلام المدرسة الأمريكية ــــــ خلال المؤتمر الثامن للرابطة الدولية للأدب المقارن المنعقد سنة 1976ببودابست Budapestــــــ يطالبون « بأن تتوسع نظرة الأدب المقارن لتشمل البحث عن المشابهات في الأفكار الأدبية وفي الذوق الجمالي »57، وظلوا يتجاوزون شرط العلاقة التاريخية وما تفترضه من تأثر وتأثير في منطقة الأدب المقارن، فالتشابهات الجمالية وحدها كفيلة بالكشف عن العناصر المشتركة في الأدب الإنساني.

الخيارات الفاصلة:

لقد حاولت المدرسة الأمريكية ــــــ في جوهر فلسفتها في الأدب المقارن ــــــ أن تتكئ على مبدأين رئيسيين هما: الأصل الأخلاقي والأصل الثقافي:

1.الأصل الأخلاقي: يعكس الوعي الأمريكي بحجم أمته المنفتحة على الكون، المتجهة إلى إعطاء كل أمة من الأمم قدرا من الاحترام ومن فرص التناغم والتقارب، كل هذا في إطار خصوصيتها وانتماءاتها الغربية؛

2.الأصل الثقافي: يمكن الأمريكيين من الإبقاء على المسافات المطلوبة والضرورية بينهم وبين المنظومات البعيدة، مما قبل التاريخ إلى حدود القرن العشرين،  ومن التشدد في الحفاظ على القيم الجمالية والإنسانية المعدودة أصلا في الوجود ثم في الاتساع في النسيج الحضاري وفق النموذج الأمريكي في الأدب، وأصلا دافعا إلى إنشاء تجارب ومناهج وتفسيرات موضوعية واقية من الخلط وما يؤدي إليه.58

صيغ هذا البناء المبدئي صيغة مختلفة في شرح منطلقات الرؤية الأمريكية، إذ رأى بعض الدارسين قيامها على مقولات ثلاث:

1.المقولة الأخلاقية وهي على نحو ما قدمنا؛

2.المقولة السياسية، تنادي بالانفتاح على الآداب المختلفة قصد إدراك التراكم الثقافي والأدبي الحاصل في سيرورة ومنجزات الأمم المرافقة لتاريخها البعيد؛

3.المقولة النقدية التي ترى أن الظاهرة الأدبية واحدة، وإن اختلفت فضاءاتها في الزمان وتعددت في المكان، وتنوعت تشكيلاتها اللغوية وتباعدت حدودها القومية واتسعت أطرافها الإتنية والجغرافية.59

فمن أجل فهم الأدب في شموليته، وإدراكه في كليته لا بد من استجماع هذه المقولات لأنها الطريق إلى الغوص الرأسي في مكامن الظاهرة الأدبية، ولأنها الأداة التي تمكن من رصد بانوراما ملتمّة على الخصوصيات البعيدة للمنجز الأدبي بعيدا عن اللف حوله والتحليق بعيدا عن خصائصه العميقة.

انطلاقا من هذا، كان للدراسة الأدبية عند الأمريكيين ثلاثة فروع هي:  النظرية، النقد والتاريخ.60

تتظافر هذه الفروع على تمكين الدرس من وظيفته الأساس وهي وصف العمل الفني وتفسيره، فليس بإمكان الأدب المقارن أن ينفصل عن الدراسة الجمالية للأدب، وليس له الاستغناء عن الخبرة بتاريخ أدبه طبيعةً ومفهوما، وليس له بحال تجاوز نظرية الأدب لدورها الموجّه في الوقوف على مفاصل التجربة الأدبية، وليس له أن يتخطى النقد بوصفه مراسا لتقنية ينشأ عليها الأدب ولا تكاد تعرف إلا به.61

فإذا كان من ناتج لهذا التغيير أن أُعيدَ النظر « في موضوع النظرية، والنقد والتاريخ النقدي فإن مشكلة الدوافع ستحلّ نفسها بنفسها. وسنحتفظ بوطنيتنا ومشاعرنا القومية. ولكن نظام الدائن والمدين سيفقد معناه. وقد تختفي الأوهام المتعلقة بالتوسع الثقافي مثلما قد تختفي الأوهام المتعلقة بإصلاح العالم عن طريق البعث الأدبي.»62

وأخذا بمفهوم المخالفة، ينسحب من هذا الإطار ـــــ آليا ــــــ من كان له تصور نقيض للأدب المقارن ولإجرائيات ممارسته. يقول ويليك: « أما الأدب المقارن الذي أعرض، على أيدي منظريه الرسميين، عن هذا التعاون وتمسك بالعلاقات الحقيقية والمصادر والتأثيرات ووسائط انتقال الأفكار والمؤثرات وشهرة الكتاب باعتبارها مواضيع البحث الوحيدة فيه، فلا بد من أن يعود إلى المجرى الرئيس للبحث الأدبي والنقد المعاصرين. »63

هذا هو الحد الإنساني الذي عمل ويليك على الوصول إليه، من خلال إلغاء الحدود الجنسية والحواجز السياسية، وهذا هو  جوهر ما تسميه المدرسة الأمريكية إنسانية الأدب المقارن بعيدا عمّا يظن أنه فوقية أو تجاوز. يقول ويليك: « ليس هناك أيّ ادّعاء أو استعلاء في الدعوة إلى قدر أكبر من حرية الحركة وإلى عالمية مثالية في دراستنا. »64

وفوق تجاوزها القومي والإقليمي أحيانا، تستثمر المدرسة الأمريكية في الآليات النقدية الموسعة للرؤيا الشاملة والذاهبة بالدرس النقدي إلى الآفاق التي يتأخاها هذا المشروع، ولعل ذلك ما وفّره

« كروتشه وأتباعه في إيطاليا؛ الشكلية الروسية وتفرعاتها وتطوراتها في بولندة وتشكوسلوفاكيا؛ مؤرخو الأفكار والأسلوبيون الألمان الذين وجدوا لهم مقلدين في الأقطار المتكلمة بالإسبانية؛ النقد الوجودي الألماني والفرنسي؛ النقد الجديد في أمريكا؛ النقد الأسطوري الذي استوحى أفكار ينغ حول الأنماط العليا، وحتى التحليل النفسي الفرويدي، والماركسية . كل هذه الحركات والتجمعات، مهما كانت حدودها وعيوبها يجمعها رد فعل مشترك ضد الحقائق الخارجية والنزعة التجزيئية التي لا تزال تقيد دراسة الأدب المقارن.  »65

التنوع أساسا خطابيا:

كل هذا يفسّر التنوع الذي تعرفه المدرسة الأمريكية، كما تفسر الخصوبة المعروفة لها الآتية من انفتاح الأفق على انتماءات المقارنين الأمريكيين الإتنية، إذ نجد من أكثرهم تأثيرا رونيه ويليك وهو من أصول تشيكية (جامعة ييل Yale)؛ هورست فرانتز Horst Frantzوهو ألماني الأصل (جامعة إنديانا Indiana University)؛ جيان أورسيني Gian Orsiniوهو إيطالي الأصل ( جامعة فسكنسن Wisconsin)؛ زبيغنييف فوكجفسكي Zbigniew Fokjowskiوهو بولندي الأصل (جامعة بنسلفانيا Pensylvaniya University)؛ غلب ستروف Gleb Struve وهو روسي الأصل(جامعة بركلي Berkeley University) وفرنر فريديرك السويسري الأصل.

فشدة عناية الأمريكيين بالأدب المقارن أدت بهم إلى تمحيص المفهوم، وكثرة مراجعاتهم أثمرت تحديدات أكثر دقة وأحسن ملاءمة للثقافة الكونية التي يدافعون عنها. فكثير من كتّابهم، في أحدث توقيعاتهم يسعون إلى تحقيق التوازنات وإلى إعادة النظام للدراسات المقارنة، بعد الفوضى التي أدّى إليها حماس الدراسات في الجامعة الأمريكية. فوضى يشهد عليها الإلحاح مرّة على ضرورة ممارسة التعددية اللغوية، ومرة على عكس ذلك يطغى الميل إلى نظرية الأدب. ولعل الأدب المقارن يتراوح ــــــ في نهاية الأمر ـــــــ بين هذه التقنية وهذا التقعيد العام.66

إن الثقل الذي يظهر به الأداء الأمريكي آتٍ ـــــــ في جزء منه ـــــــ من « مكتبة الأدب المقارن في أمريكا شديدة الغنى والتنوع. ويساعد على ذلك طبعا تنوع معرفة اللغات بسبب الطبيعة الأممية (الكوزموبوليتانية) للمجتمع الأمريكي، وهجرة العقول المستمرة، وسهولة الوصول إلى المعلومات والمراجع نتيجة التسهيلات المكتبية الفائقة. »67

انتهت الرؤية الأمريكية في ثورتها إلى وجوب إضافة بعد جديد في الدراسة الأدبية، وتحقيقا للأصل الجمالي الذي هو غايتها، يتمثل في قياس الأدب بشتى الفعاليات الإنسانية الأخرى، كقياس الفن في العمل الأدبي على الفن في لوحة مرسومة، أو منظومة موسيقية وسائر ما في الفن المعماري، والنحت، والسينما وما إلى ذلك..لتنتهي المقارنة بصاحبها إلى إدراك فنية العمل الأدبي من خلال مقابلته بغيره68.

تجلى هذا التوجه في الدراسات المقارنة وفق الرؤية الأمريكية، في تقعيدات أحد أهم المقارنين الأمريكيين بعد رونيه ويليك، هو هنري.هـ. ريماك Henry.H. Remak (ت. 2009)، فقد كتب مقالة سنة 1961وأعاد نشرها منقحة ومضافا إليها سنة 1971بعنوان "الأدب المقارن، تعريفه ووظيفته" comparative literature its definition and function، تعد بمثابة مانفستو المدرسة النقدية الجديدة. يقول فيها:

« الأدب المقارن هو دراسة الأدب خلف حدود بلد معيّن، ودراسة العلاقات بين الأدب من جهة ومناطق أخرى من المعرفة والاعتقاد من جهة أخرى، وذلك من مثل الفنون (كالرسم والنحت والعمارة والموسيقى) والفلسفة، والتاريخ، والعلوم الاجتماعية (كالسياسة والاقتصاد والاجتماع)، والعلوم والديانة، وغير ذلك. وباختصار هو مقارنة أدب معيّن مع أدب آخر أو آداب أخرى، ومقارنة الأدب بمناطق أخرى من التعبير الإنساني.»69

حتى مع ريماك يسكن التوجه الأمريكي مخالفة الأساس الفرنسي، على جهة الخصوص في الجانب العملي، وفي عدم اشتراط ثبوت التأثر والتأثير أساسا للدراسة المقارنة. وفي المجازفة بالتقريب بين الأدب المقارن والنقد الأدبي التي هي مركزية التوجه الأمريكي. ولا يبعد عن هذه المركزية كثيرا مبدأ الصلة بين الأدب وباقي حقول المعرفة، على أن تتمّ المقارنة من خلال اختلاف جنسيات الآداب.

اللافت أن رؤية ريماك تُدخِل في الاعتبار ما يمكن أن يطال النظرة الأمريكية من نقد، فهو يقبل مثلا فكرة « أن مجرد دراسة الأدب القومي خارج حدوده ترتب على الباحث المقارني عبئا مضاعفا، فما بالك إذن بالتصدي لعلاقة الأدب نفسه بما هو خارج حدوده الأدبية »70، ويعترف في السياق نفسه بأن « إدخال هذا الموضوع في نطاق الأدب المقارن، لا بد من أن يسوق إلى الخوض في موضوعات أخرى كثيرة، ربما ينضوي بعضها تحت عنوان (الأدب العام) »71

آراء وآراء

من الآراء الوجيهة في تأصيلات ريماك إخراج التيارات والحركات الأدبية ضمن أدب قومي واحد من الأدب المقارن، لأن توسعة الأدب المقارن إلى كل ما له رائحة أدبية يفقد مصطلح الأدب المقارن معناه، وفي طيّ ذلك شيء من مخالفة مواطنه رونيه ويليك في مسألة توسيع الأدب المقارن إلى التاريخ الأدبي والنقد.

يبدو ريماك على درجة من الوعي بمخاطر انزلاقات النسق العام للدراسات الأدبية التي قد تنتج عن التوسع في تحديد مجال الأدب المقارن، فتناوله واضح الحذر في تحديد مقارنية المواضيع، ويشترط نسقية المقارنات بين الأدب وبين الحقول غير الأدبية الأخرى كما يشترط قابليتها للانفصال. وفي المحصلة، يدعو ريماك ـــــ تأكيدا للخيار الأمريكي في الأدب المقارن ـــــ  إلى حد أدنى من ترابط المعايير وصولا إلى حدود واضحة لحقول الدراسة.

وضعا للأمور في إطارها النسبي، نسجّل أن الرؤيا الأمريكية مع تحقيقها جدةً واختلافا في الدراسات المقارنة، ظلت تتّسم بمعارضها البعيدة عن الإجماع، فقد لحقها ما لحق باقي المدارس من نقد، فإن تركيزها على الأدب من الداخل كاد يحصر الدراسة النقدية المقارنة في حدود الشكلية المحضة المنصرفة عن المجتمع وقضاياه، بالإضافة إلى تفسيرها من قبل نقّادها على أنها ذات توجه استعماري يكرّس الهيمنة الأمريكية المتجاوزة لطموحات غيرها من الأمم، وإلى تفسير التوجه الإنساني الجديد بأنه في حقيقته خادم لنزعة أمريكا الاستعلائية تحت شعار إنسانية الأدب.

ثم، بمنطق الإحصاء، يحسن التساؤل هل جاءت الإجراءات المعلن عنها بالنتائج المنتظرة، وإلى أي حد زادتنا فهما للظاهرة الأدبية؟ وهل هناك شيء فوق الخطوط العريضة والمبدئية التي لم تؤد بحال من الأحوال إلى صلب الحقيقة الأدبية؟!

الخلاصة

بدا مهمّا عرضُ الخلافات بين المدرستين الفرنسية والأمريكية، لأن المشتركات بينهما لا تُفهَم إلا في ضوء ما يفرقهما. وقبلها، اتّضح أن معالجة ملفوظ "المدرسة"، في رحلته من المعجم إلى الاصطلاح، يساهم في قراءة المنجز موضوع الدراسة، والذي انتهينا إليه هو استشفاف السهولة التي يدور بها هذا الملفوظ في مطارحات الدارسين.

لم ننفرد بهذا الاستشفاف، فقد صرّح أكثر من واحد من الباحثين، أن الذي توصّل إليه الدرس إلى اليوم، لم يبلغ من النضج، ولم ينتهِ بحالٍ إلى صيغةٍ نهائيةٍ تشبه الفصلَ في قضايا الأدب المقارن؛ ثم هناك معطى آخر يؤكد على هذا التساهل في الإطلاق، يتمثل في وجود خياراتِ مدرسةٍ في برامج مدرسةٍ أخرى، وفي موافقةِ أفرادٍ من الباحثين مدرسةً غير مدرستهم، كما هو حال اتيمبل الفرنسي في مشايعته بعض أفكار المدرسة الأمريكية، وفي ترك باحثين بلدانَهم ومنظوماتهم الثقافية إلى غيرها، كانضمام رونيه ويليك و هنري ريماك إلى المدرسة الأمريكية وهما على التوالي من أصول تشيكية وألمانية.

عموديا، تَمَّ النظر في البنية الفكرية للمدرستين، وكانت الوقفة مع مرحلية المدرسة الفرنسية لمرورها بعدة أطوار مع ما يتبع ذلك من تحول في المضامين، وتغير في التوجهات وتنويع في الآفاق؛ وكان من الدواعي ما دعا إلى ما يمكن اعتباره عامل نضج، بخصوص الانفتاح الذي أضاف إلى موروث الجيل المؤسس من جهة، ووسّع الأفق الفرنسي إلى الشريك الإنساني، الأمريكي وغيره.

كما كانت الوقفة مع الرؤيا الأمريكية من الداخل، ومساءلتها في بعض المطارحات التي شكّلت نسيجها وساعدت على انتشارها، من ذلك الاقتراب مما كان الألماني غوته يسميه الأدب العالمي، مضافا إلى الإقبال على التعابير الفنية من غير الأدب، مما يعني شموليةَ الأدب المقارن عند البعض، وخروجَه عن الإطار المقارناتي عند البعض الآخر.

تَستلفت كلَّ باحث فكرةُ الانفتاح على الكوني، التي هي شعار الأمريكيين، ولكن الذي يدرك الخلفية الأمريكية في التواصل مع باقي مكوِّنات المجتمع الإنساني والنظرة الأمريكية إلى كل ما ليس أمريكيا، يجد ـــ ألا يجد؟ ـــ بعض الرغبة المشروعة في افتراض أن وراء هذا الشعار شيئا شرّعت له إرادة هيمنة النموذج الأمريكي على غيره، على كل صعيد حتى على صعيد الأدب. لأن الانفتاح يؤدي إلى التقاطع، ومن التقاطع ما هو خلافي ترفض العقليةُ الأمريكية التعايشَ معه، لأنها تراه دُونِيًّا.

كما تستلفت فكرةُ التأثير والتأثر، التي هي شعار الفرنسيين، وتنبه على ذهنية الاستعلاء التي ورثتها هذه المدرسة من سابقها الكولونيالي؛ ومن هنا اشتراطها اللغةَ في دخول نسيجها المقارناتي، عملا على ترقية كيانها الحضاري على حساب من يقبل الوقوع تحت تأثيرها.

في الأخير، انتهى النظر إلى أن الدرس المقارن ــــــ في سيرورته وفي صيرورته ـــــــ استفاد من الخلاف، فذابت كثير من الحواجز بين المدارس، وبقي الذي بقي منها يحيل على إمكان التلاقح والتكامل، مع هامش معتبر للخصوصيات

الهوامش

1.  Cf. Alain et Odette Virmaux, Dictionnaire mondial des mouvements littéraires, Editions du Rocher, 1992, p. 108

2.المراد بمدرسة الجزائر، هنا، l'école d'Algerملتقى مجموعة من أدباء العهد الكولونيالي، من ضمنهم غابريل أوديزيو Gabriel Audisio، ألبير كامو Albert Camus، إيمانويل روبليس Emmanuel Roblès، جان بليغري Jean Pelegri...

3.Cf. Max Roy, Ecole dans Le Dictionnaire du littéraire, Paul Aron, Denis saint-Jacques et Alain Viala (sous la direction -   ), Deuxième édition revue et augmentée, Presses Universitaires de France, 2002,  p. 167

4.حسام الخطيب، آفاق الأدب المقارن عربيا وعالميا، دار الفكر المعاصر، بيروت / دار الفكر، دمشق، ط2، 1999،  ص. 67

5.Cf. P. Brunel, C. Pichois, A-M. Rousseau, Qu'est-ce que la littérature comparée, Paris, Armand Colin, 2000, p. 27

6.سعيد علوش، مدارس الأدب المقارن. دراسة منهجية، المركز الثقافي العربي، ط1، 1987، ص. 55

7.سعيد علوش، مكونات الأدب المقارن في العالم العربي، الشركة العالمية للكتاب/ دار الكتاب اللبناني، دار الكتاب العالمي، بيروت، سوشرس، الدار البياء، ط1، 1987، ص. 81

8.حسام الخطيب، آفاق الأدب المقارن، سابق، ص ص. 93-94

9.الطاهر أحمد مكي، الأدب المقارن، دار المعارف، القاهرة، ط1، 1987، ص. 63

10.حسام الخطيب، آفاق الأدب المقارن عربيا وعالميا، سابق، ص. 94

11.ينظر: الطاهر أحمد مكي، الأدب المقارن، سابق، ص. 63

12.حسام الخطيب، آفاق الأدب المقارن عربيا وعالميا، سابق، ص. 95

13.رينيه ويليك، الأدب المقارن: اسمه وطبيعته، ضمن كتاب (مفاهيم نقدية)، ترجمة محمد عصفور، سلسلة عالم المعرفة / 110، 1990، ص. 256

14.نفسه، ص. 273

15.ينظر: الطاهر أحمد مكي، الأدب المقارن، سابق، ص.62

16.رينيه ويليك، رينيه ويليك، الأدب المقارن: اسمه وطبيعته، ضمن كتاب (مفاهيم نقدية)، سابق، ص. 273

17.ريمون طحان، الأدب المقارن والأدب العام، دار الكتاب اللبنانبي، بيروت، ط1، 1972، ص. 20

18.سعيد علوش، مدارس الأدب المقارن، سابق، ص. 56

19.عبده عبود، الأدب المقارن. مشكلات وآفاق، منشورات اتحاد الكتاب العرب، دمشق، 1999، ص. 25

20.نفسه، ص. 27

21.Cf. P. Brunel, C. Pichois et A-M. Rousseau, Qu'est-ce que la littérature comparée, op. cit., p. 82

22.ينظر: سعيد علوش، مكونات الأدب المقارن، سابق، ص. 82

23.في علمية وموضوعية المقارنة الفرنسية؛ ينظر: ريمون طحان، الأدب المقارن والأدب العام، سابق، ص. 17

24.Cf. P. Brunel, C. Pichois et A-M. Rousseau, Qu'est-ce que la littérature comparée, op. cit., p. 22

25.ينظر: الطاهر أحمد مكي، الأدب المقارن، سابق، ص. 70

26.نفسه، ص. 73

27.ينظر: السعيد علوش، مدارس الأدب المقارن، سابق، ص ص. 56-57

28.Cf. F.Baldensperger, op. cit., pp. 20-21 (الترجمة لسعيد علوش)

29.ينظر: السعيد علوش، مدارس الأدب المقارن، سابق، ص. 59

30.Cf. Paul Van Tieghem, La littérature comparée, Paris, Armand Colin, 1931

31.      Ibid. op.cit., p. 6. نترجم: «الأدب المقارن، في أغلب الحال، علم فرنسي»                                  

32.Ibid. op. cit., p. 20.

نترجم:«تستعمل في الأدب المقارن، بشكل تنافسي، تعابير أخرى أكثر دقة وأكثر وضوحا، ولكنها أقل اختصارا. » 

33.ينظر: الطاهر أحمد مكي، الأدب المقارن، سابق، ص. 76

34.ينظر: ماريوس فرنسوا غويار، الأدب المقارن، ترجمة هنري زغيب، منشورات عويدات، بيروت، ط1، 1978

35.Daniel Maggettti, Littérature comparée, dans: Le Dictionnaire du littéraire, op.cit., p. 352 .

نترجم: « حينها بدأ الأدب المقارن يستهدف، في المجال الأدبي الصرف، أكثر من دراسة المنابع، والأجناس في مستوى إنجازاتها في بلدان مختلفة، والمواضيع والأساطير متجاوزا ذلك إلى مقارنة الأدب بفنون أخرى، وإلى اندماج الأدب المقارن بالأدب العام.»

36.Cf. P. Brunel, C. Pichois et A-M. Rousseau, Qu'est-ce que la littérature comparée, op. cit.

37.Cf. C.Pichois et A-M. Rousseau, La littérature comparée, Paris, Armand Colin, 1967

38.Cf. P. Brunel, C. Pichois et A-M. Rousseau, Qu'est-ce que la littérature comparée, op. cit., p. 33

39.Cf. Daniel Maggettti, Littérature comparée, dans: Le Dictionnaire du littéraire, op.cit., p. 352

40.Ibid., op.cit.,

41.روني ويليك، الأدب المقارن اليوم، ضمن كتاب ( مفاهيم نقدية)، سابق، ص. 286

42.ينظر: الطاهر أحمد مكي، الأدب المقارن، سابق، ص [96-110]

43.الأعلام غير المصحوبة بتواريخ وفاتها، لم نعثر لها في المصادر على ما يحدد ذلك، إما لأنها لا تزال على قيد الحياة، وإما للخلاف حول وفاتها وإما لعدم وجود ذلك أصلا.

44.رونيه ويليك، الأدب المقارن اليوم، ضمن كتاب (مفاهيم نقدية)، سابق، ص. 286

45.Cf. Patricia Godbot, D.G. JONES, poète, comparatiste et traducteur, dans ÉRUDIT, volume 22, numéro 2, 2e semestre 2009, p.23

46.Ibid., p. 24

47.رينيه ويليك، أزمة الأدب المقارن، ضمن كتاب مفاهيم نقدية، سابق، ص ص. 297-298

48.René Etiemble, The crisis in comparative literature, Michigan State University Press, 1966, p. 5

49.رونيه ويليك، الأدب المقارن اليوم، ضمن كتاب (مفاهيم نقدية)، سابق، ص. 285

50.René Etiemble, Comparaison n'est pas raison. La crise de la littérature comparée, Paris, Gallimard, col. « Les Essais », 1963, pp. 82-83

نترجم:» أريد مقارني مبتعدا عن التنقيب في الأرشيف وفي مختارات المجلات الصغيرة. بالإضافة إلى تكوين المؤرخ، أتمنى له تكوين عالم اجتماع. لن أمنعه حتى من الثقافة العامة.«

51.Ibid., pp. 65-66

نترجم: »  [...] تعتبر، حتى في حالة عدم وجود علاقات تاريخية بين أدبين، أنه يجوز المقارنة بين الأجناس الأدبية التي يكون كل أدب أنشأها من جهته.[ ...] ليس الأدب المقارن ممكنا فقط، بل هو على الأخص مثير  «

52.. رونيه ويليك، الأدب المقارن اليوم، ضمن كتاب (مفاهيم نقدية)، سابق، ص. 294

53.. رونيه ويليك، أزمة الأدب المقارن، ضمن كتاب (مفاهيم نقدية)، سابق، ص ص.307-308

54.. ريمون طحان، الأدب المقارن والأدب العام، سابق، ص. 14

55.. نفسه.

56.. نفسه.

57.. حسام الخطيب، آفاق الأدب المقارن، سابق، ص. 42

58.Cf. P. Brunel, C. Pichois, A-M. Rousseau, Qu'est-ce que la littérature comparée, op.cit., p. 28

59.. ينظر: أحمد شوقي رضوان، مدخل إلى الدرس الأدبي المقارن، دار العلوم العربية، بيروت، ط1، 1990، ص ص. 20-21

60.. ينظر: رونيه ويليك، أزمة الأدب المقارن، ضمن كتاب (مفاهيم نقدية)، سابق، ص. 305

61.. نفسه

62.. نفسه، ص. 308

63.. نفسه، ص. 306

64.. نفسه، ص. 305

65.. نفسه، ص. 306

66.Cf. P. Brunel, C. Pichois, A-M. Rousseau, Qu'est-ce que la littérature comparée, op.cit., p. 28

67.حسام الخطيب، آفاق الأدب المقارن، سابق، ص. 114

68.. ينظر: أحمد شوقي رضوان، مدخل إلى الدرس الأدبي المقارن، سابق، ص. 22

69.نقلنا الفقرة مترجمة عن حسام الخطيب، آفاق الأدب المقارن، سابق، ص. 50

70.. نفسه، ص. 52

71.. نفسه، ص ص. 52-53

@pour_citer_ce_document

ياسين بن عبيد, «الأدب المقارن بين المدرستين الفرنسية والأمريكية »

[En ligne] ,[#G_TITLE:#langue] ,[#G_TITLE:#langue]
Papier : ,
Date Publication Sur Papier : 2017-12-13,
Date Pulication Electronique : 2017-12-14,
mis a jour le : 17/10/2018,
URL : https://revues.univ-setif2.dz:443/revue/index.php?id=2372.